ملفات خاصة

 
 
 

مراجعة الذات فى (أبو زعبل 89)

سيد محمود

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الخامسة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

أنظر للنجاح الجماهيرى الكبير الذى تحقق لفيلم (أبو زعبل 89) خلال عرضه بمهرجان القاهرة السينمائى بوصفه انتصارا شخصيا لى، ولذاكرتى التى ارتبطت بأبطاله الحقيقيين محمود مرتضى وفردوس بهنسى ومخرجه بسام مرتضى منذ 89 وإلى الآن.

كما يمثل العام نفسه حدثا فارقا فى حياتى، فقد كان العام الثانى لى داخل جامعة القاهرة وبفضل من تعرفت عليهم من الأصدقاء هناك تغير وعيى تغييرا كاملا واختلفت نظرتى للفن وللواقع بطريقة جعلتنى أنظر إلى حلوان التى ولدت وعشت فيها بطريقة مختلفة.

 انعكست واقعة اعتقال عمال الحديد والصلب على الخريطة السياسية هناك لعدة سنوات بعدها، كما كان الموقف من واقعة الاعتقال ذاتها معيارا من معايير الفرز والتصويت للمرشحين هناك فى أية انتخابات.

ودون مبالغة من أى نوع، فقد ولد عالم جديد بعد تلك الأحداث وكان أقرب صديقين لى محمد عبد العاطى وعماد الدين يوسف من سكان منطقة التبين وعلى صلة مباشرة بالمصنع وعماله وعلى بينة كاملة بما جرى، لذلك أنفقنا سهرات طويلة فى جلسات على النيل تحت كوبرى المرازيق امتدت حتى ساعات الصباح الأولى نفكر فيما فعله هؤلاء العمال والأثمان التى دفعوها لتعزيز إيمانهم بالناس وحقوقها.

ومن يومها بدأ تعلقنا بكتابات محمد السيد سعيد الذى كاد أن يروح ضحية التعذيب فى تلك التجربة المريرة لولا تدخل النقيب الراحل مكرم محمد أحمد لإنقاذه.

عقب التخرج بأيام تعرفت على العزيزة فردوس بهنسى فى واحدة من ندوات مركز معا لدراسات المرأة واكتشفت أنها جارة لى فى حلوان وأن منزلها على بُعد خطوات من بيتى عدنا من تلك الندوة معا وفى اللقاء التالى عند محطة المترو تعرفت معها على زوجها محمود مرتضى وكان ابنهما بسام لا يزال طفلا مرحا يدخل البهجة على قلب من يراه ولا يزال يفعل ذلك إلى الآن.

من الطريف حقا أننى انتقلت على امتداد سنوات بين عدة أحياء سكنية وفى كل سكن كنت أحتفظ بجيرة فرد من أفراد هذه العائلة الجميلة.

مرت الأيام وأصبح بسام مرتضى جارا عزيزا ومخرجا سينمائيا حوَّل قصة عائلته إلى موضوع لفيلم فريد من نوعه بالطريقة التى تحدث عنها أندريه تاركوفسكى فى كتابه (النحت فى الزمن) فكل عمل فنى جميل يولد من نضال الفنان للتعبير عن مثله الأخلاقية، وإذا كان الفنان جادًا فى سعيه نحو تعزيز قيمة الحياة، لن تكون هناك خطورة فى مرور صورة الواقع عبر «فلتر» مفاهيمه الذاتية نظرًا لأن عمله سوف يكون دائمًا محاولة روحية تتوق إلى جعل الإنسان أكثر كمالا.

منذ اختراعها أتاحت السينما أمام الفنان وسيلة للإمساك بالزمن وأصبح فى الإمكان نسخ ذلك الزمن على الشاشة متى ما شاء المرء أن يكرره ويعود إليه مرة أخرى تأكيدًا لهويته الذاتية.

عند لحظة فارقة من حياته رأى بسام مرتضى أن والدته التى أفنت حياتها من أجله ومن أجل شقيقه على وشك الاحتضار وشعر بضرورة أن يمنحها الفرصة لتحكى أمام الكاميرا عما عاشته من أزمات وتجارب، طرحت الأم بشجاعة بالغة ووعى حاد تساؤلاتها العالقة أملا فى أن تذهب إلى رحلتها الأخيرة وقد تخففت من أعباء المسئولية وبلغت لحظة الغفران.

يشبّه تاركوفسكى المتفرج فى صالة العرض بالباحث عن «الزمن المفقود» ويعرّف الصورة السينمائية بأنها هى أساسا رصد لوقائع الحياة داخل الزمن. ويتساءل عن طبيعة عمل المخرج، مؤكدا أن هذا العمل هو «النحت فى الزمن» فما يفعله صانع الفيلم شبيه تماما بما يفعله النحات الفارق يكمن فى طبيعة المادة الخام فقط.

حول بسام مرتضى حياة العائلة وجروحها العميقة إلى مادة خام واجه معها تحديات بناء فيلم، فقد كانت زيارته لوالده فى المعتقل معلقة فى روحه لا تزال، لكنه راكم الكثير من المعانى إزاء تلك اللحظة الفارقة وتعامل معها بكثير من الدفء والحساسية الفنية مع قدر عالٍ من الرهافة، كما تمكن من اقتناص أحاسيس مربكة لكل أطراف العائلة ودوائر الأصدقاء ساعيا للكشف عن الأسباب التى أدت إلى انفصال الزوجين بعد تجربة حب ونضال مشترك وهكذا جعل الحدث السياسى فى خلفية الصورة لكنه لم يغيبه أبدا.

لم يسع بسام إلى إجراء محاكمات لأى فرد، بل أظهر أكبر قدر ممكن من تبجيل الضعف الإنسانى، وقاده وعيه المتميز لمد الخط على استقامته والانشغال بمراجعة التجربة سواء تعلقت بالذات الفردية أو بالجيل الذى واجه عبد الناصر وأنور السادات، جيل السبعينيات الذى أطل من وجوهه على الشاشة وجهين نبيلين هما رياض رفعت وصابر بركات ولم تكن تلك الإطلالة تحية من المخرج لقيمة الصداقة فقط وإنما للتحرر من الذاتى والانطلاق إلى الموضوعى أيضا.

أبدع بسام كذلك فى تحقيق رغبة قديمة لوالده تتمثل فى الاستماع إلى حكاية صاغها الفنان الكبير سيد رجب الذى كان من بين المعتقلين لكن الظروف لم تسمح لمحمود مرتضى أن يستمع للحكاية من صديقه الذى أصبح نجمًا.

نجح المخرج فى تحقيق رغبة والده وتمكن من بناء مشاهد كانت أقرب إلى ومضة جمالية، ولحظة إشراق من زمن غامض احتفظ بجلال خاص.    

أتوقع أن يواصل الفيلم نجاحه بعد مهرجان القاهرة السينمائى وأن يمثل درسًا سينمائيًا فى الإخلاص وطموحات المخرجين عمل توليف ذكى من المواد والأرشيفات المتعددة وتحويلها إلى نسيج حى ومتناغم وحياة غنية على الشاشة.

 

الشروق المصرية في

19.11.2024

 
 
 
 
 

"أرزة".. فيلم لبناني يصور رحلة بحث عن أبسط الأحلام

محمد أيسم

رحلة يائسة للبحث عن السكوتر تتحول إلى بانوراما عن واقع لبنان.

تعالج الأفلام المشتغلة بعناية ودقة القضايا المرجوة وتضيء عليها بطرق ذكية وغير مباشرة، ما يجعلها ترسخ أكثر في ذهن المتلقي وتدفعه إلى فهم أعمق بالكثير من الشعارات والنظرات السطحية والأخبار العابرة. ويمكننا اعتبار فيلم "أرزة" من هذه الأعمال التي نجحت في تحويل قضية ثانوية بسيطة إلى عين راصدة للبنان ومجتمعه وواقعه.

القاهرةوسط بلد عاش لسنوات على وقع الحروب والأزمات تسعى امرأة لبنانية إلى الحفاظ على الاستقرار الهش لحياتها هي وابنها في الفيلم اللبناني “أرزة” للمخرجة ميرا شعيب.

ومع سعيها لتوسيع مشروعها الخاص من أجل تحسين أوضاعها المالية تصطدم أرزة -التي تأخذ اسمها من اسم شجرة الأرز اللبنانية الشهيرة- بواقع قاس تعصف فيه الانقسامات الطائفية والأعراف الاجتماعية بأبسط الأحلام في رحلة تأخذها عبر أنحاء بيروت.

الفيلم يتتبع حياة أرزة التي تبيع المخبوزات المحشوة بالخضروات لكسب لقمة العيش وما يحدث لها من تقلبات

قصة مثيرة

الفيلم من بطولة دياموند أبوعبود وبيتي توتل وبلال الحموي، ومن تأليف فيصل سام شعيب ولؤي خريش، وينافس ضمن مسابقة “آفاق السينما العربية” في الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي.

يتتبع الفيلم على مدى 90 دقيقة حياة أرزة التي تبيع المخبوزات (المناقيش) المحشوة بالخضروات لكسب لقمة العيش، ويعاونها ابنها كنان بتوصيل طلبات الزبائن يوميا متنقلا بالمواصلات العامة التي تعلق عادة وسط شوارع مكتظة دوما بمتظاهرين خرجوا للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلدهم.

تخطر في ذهن أرزة فكرة شراء دراجة نارية (سكوتر) لتلبية عدد أكبر من الطلبات، لكن ضيق ذات اليد يحول دون ذلك، فلا تجد سبيلا سوى رهن سوار ذهبي لأختها ليلى مقابل بضع مئات من الدولارات تقدمها دفعة أولى لشراء السكوتر بالتقسيط رغم أن السوار هو آخر ذكرى متبقية لدى ليلى من زوجها زين، الذي تعيش على أمل عودته وقد تزينت بأحلى الثياب وأفضل مساحيق التجميل.

تشتري أرزة السكوتر في عيد ميلاد كنان الثامن عشر كهدية ووسيلة لتوصيل أكبر عدد ممكن من الطلبات يوميا، لكنه يصارحها بأنه لا يرغب في دخول الجامعة أو توصيل الطلبات، وإنما في السفر إلى الخارج سعيا لمستقبل أفضل مثلما فعل والده من قبل.

وفي رحلته لتوصيل الطلبات في ذلك اليوم يذهب كنان مع حبيبته ياسمين إلى الاحتفال بعيد ميلاده مع صديقيه الشقيقين نادر ومندور قبل متابعة العمل، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ويفاجأ الشاب بسرقة السكوتر عند استعداده للعودة إلى المنزل.

وفي اليوم التالي تبدأ أرزة وكنان رحلة غير محددة الوجهة بحثا عن السكوتر تأخذهما إلى معظم مناطق بيروت.

رحلة بحث يائسة

لا يستخدم الفيلم المؤثرات البصرية أو أساليب التصوير المعقدة في مشاهده التي يحدث أغلبها في شوارع العاصمة اللبنانية. فنجد اللقطات بسيطة وتعتمد على الزوايا الواسعة لتضم أكبر عدد ممكن من الشخصيات الرئيسية والثانوية التي تملأ شوارع بيروت. لكن اللقطات المقربة استخدمت في مشاهد كثيرة أيضا خلال الحوارات الثنائية لتعكس الحالة النفسية للأبطال.

تتحول رحلة البحث البائسة عن إبرة في كومة قش إلى بانوراما واسعة للتباين الطائفي في لبنان تبرز خلالها نظرة كل طائفة للأخرى وحالة التشكيك وعدم الاطمئنان داخل المجتمع الواحد، ويتنقل الثنائي من منطقة مسيحية إلى أخرى سنية إلى ثالثة شيعية، وفي كل بقعة لا يكون الحال أفضل من الأخرى.

وبينما أرزة في طريقها إلى إحدى المناطق المعروفة بالاتجار بالدراجات النارية المسروقة تتعرض للسرقة، ما يزيد الأمور تعقيدا لكن ذلك لا يثبط عزيمتها فتقول “كل حياتي والناس تاخد مني، ما راح خليهن هالمرة،” إلا أن البحث لا يتكلل بالنجاح هذه المرة أيضا.

تكمل أرزة رحلة البحث عن السكوتر لكنها تتلقى اتصالا تعلم عن طريقه أن أختها اختفت ولا أثر لها فتبحث هي وكنان عن ليلى حتى يجدانها عند أنقاض البيت الذي كان لها وزوجها الغائب زين، ثم يعود الجميع إلى منزل أرزة التي يبدو أنها استسلمت للواقع وتوقفت عن البحث.

في اليوم التالي يقابل كنان صديقيه، نادر ومندور، ويعطيه نادر عنوان تاجر دراجات نارية مسروقة ويخبره بأن أحد أقاربه وجد ضالته لديه بالفعل. يحمل كنان الورقة ويذهب بها إلى أرزة لطرح الفكرة عليها، فتصارحه بتقبلها الواقع وأنه كان محقا منذ البداية بنصحه إياها بعدم البحث عن السكوتر إلا أنها تحت إلحاح كنان وليلى تستعيد الأمل وتقرر مواصلة البحث قائلة جملتها الأثيرة “حاسة هالمرة راح تضبط معنا.”

وتحمل الموسيقى التصويرية في الفيلم ملامح موسيقى شعوب البحر المتوسط، فنجدها ملائمة للطابع الموسيقي اللبناني والمصري، بل واليوناني والإيطالي أيضا. وموسيقى الفيلم من تأليف الفنان المصري هاني عادل.

 

العرب اللندنية في

19.11.2024

 
 
 
 
 

صناع الفيلم اللبنانى المرشح للأوسكار يكشفون كواليسه لـ«الشروق»..

«أرزة» يظهر للعالم عدم استسلام المجتمع فى مواجهة تحدياته

حوار ـ محمد عباس:

استقبل جمهور مهرجان القاهرة فيلم «أرزة»، الذى يعرض ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، بترحاب كبير، وأثنى عليه النقاد الذين توقعوا فوزه بإحدى الجوائز نظرا لجودته الفنية.

الفيلم الروائى «أرزة» للمخرجة ميرا شعيب يشكل تجربة خاصة لصناعة، فهو إنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، ويلعب بطولته دياموند بوعبود، وبيتى توتل، وبلال الحموى، وضيوف العمل فادى أبى سمرة، وجنيد زين الدين، وفؤاد يمين، وإيلى مترى، وطارق تميم، وهاجوب درغوجاسيان، وجويس نصرالله، وشادن فقيه ومحمد خنسا.

ويحكى الفيلم قصة الأم المكافحة «أرزة» التى تسرق سوار أختها لشراء دراجة نارية لابنها ليتمكن من توصيل فطائرها، والتى تمثل مصدر دخلها الوحيد، وتتعرض الدراجة للسرق، فتقرر الأم جر ابنها فى جولة بجميع أنحاء بيروت بحثًا عنها، وتتنكر وتغير لهجتها من أجل إيجاد الدراجة، ويعكس الفيلم صورة اجتماعية وسياسية لواقع متأزم.

التقت «الشروق» مخرجة الفيلم ميرا شعيب، والمؤلف لؤى خريش، وبطلته دياموند بو عبود، ليرصدوا شهادتهم ورؤيتهم للعمل.

دياموند بوعبود: الفيلم يكسر الصورة النمطية للمرأة اللبنانية

تشارك الفنانة اللبنانية دياموند بوعبود للمرة الثانية فى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى؛ حيث تعرض لها الدورة الـ45 فيلم «أرزة» ضمن منافسات المسابقة العربية، وهو الفيلم الذى ينافس باسم لبنان على جوائز الأوسكار.

وعن مشاركتها مرة ثانية بمهرجان القاهرة قالت دياموند: سعيدة بعودتى مرة أخرى لمهرجان القاهرة، بفيلمى «أرزة» والمرشح لجائزة الأوسكار، فعرض الفيلم بأحد أهم المهرجانات الدولية، وأهم وأعرق مهرجان عربى يمثل شيئا كبيرا وخاصا بالنسبة لى.

ما الذى حمسك للمشاركة فى فيلم «أرزة»؟

ــ أعجبت بسيناريو الفيلم منذ أول مرة قرأته فيها، وتأثرت كثيرا به وأحببت شخصية «أرزة» وتفاصيلها وما يظهر من خلالها، كما أحببت طريقة كتابة السيناريو الذكية لفيصل سام شعيب ولؤى خريش مؤلفى الفيلم، وطرحهما للقضية بشكل جذاب وذكى، يعبر عن الشعب اللبنانى وعن تاريخ لبنان، وعن المرأة التى تشبه تكوين لبنان باختلافه وتشابكه وتكاتفه، لذلك كان من المهم بالنسبة لى أن أعبر عن هذه الحالة فى الفيلم، خاصة بعد إبدائهم ثقة كبيرة فى قدرتى على تقديم الشخصية.

ما القضية الرئيسية التى يظهرها الفيلم؟

ــ الفيلم مهموم بالمرأة اللبنانية الحقيقية ومشاكلها ويكسر الصورة النمطية للمرأة اللبنانية فى عيون العالم، من خلال امرأة تجول مع ابنها الشوارع بحثا عن دراجته التى اشترتها له ليساعدها فى توصيل الطعام الذى تصنعه لزبائنها، و«أرزة» بطلة الفيلم تمثل المرأة اللبنانية التى نعرفها كلنا فى لبنان وتشكل جزءا كبيرا من المجتمع اللبنانى، فهى المرأة العاملة التى تعول أفراد أسرتها، وتصمد أمام الحياة بكل صعابها، ولا تتنازل عن رغبتها أو الأشياء التى تريدها، ولا تساوم عليها، وتصر على أن تأخذ حقها كاملا ولا تفرط حتى فى جزء صغير منه، ودائما ما تكون رأسها عالية ومرفوعة فى السماء بكل عزة وفخر، وهى تجسد المرأة التى يعرفها كل المجتمع اللبنانى ويفخر بها.

كيف تعاملتى مع تفاصيل شخصية «أرزة»؟

ــ الشخصية لم تحتج إلى كثير من التحضير، خاصة وأن «أرزة» هى مثال للمرأة اللبنانية التى نقابلها فى كل مكان، فى السوق، فى البقالة، فى المدرسة، فى الجهات والمصالح الحكومية، كما أن الشخصية وتفاصيلها كانت مكتوبة بشكل أكثر من رائع، وتحدثت كثيرا مع المخرجة ميرا شعيب لمعرفة التفاصيل التى تريد إظهارها فى الشخصية، وقمنا بالعديد من البروفات قبل بدء التصوير الفعلى.

الكثير من الفنانات يخفن من تقديم دور أم لشاب مراهق، كيف ترين هذا الأمر؟

ــ لم يخيفنى أن أقدم دور أم لشاب فى سن المراهقة، خاصة وأن بطلة الفيلم تزوجت بسن صغيرة جدا وأنجبت ابنها فورا، كما أنها بسبب الظروف التى مرت بها لم تستطع أن تعيش طفولتها لذلك نجدها خلال تعاملها مع ابنها أنها طفلة مثله وأن الحياة وقفت بالنسبة لها عند سن صغيرة.

متى انتهيت من تصوير الفيلم؟ وما الصعاب التى واجهتك أثناء العمل عليه؟

ــ انتهيت من تصوير الفيلم منذ عامين، والفيلم لم يكن به صعوبات، لأننا كنا سعداء جدا بتصويره، فنحن صورنا الفيلم فى 24 يوما، كانت بمثابة رحلة ومغامرة، وتجولنا بشوارع بيروت وانتقلنا من منطقة لمنطقة سويا لتصوير المشاهد، ونشأ بيننا ترابط قوى؛ جعلنا جميعا على قلب رجل واحد ونعمل على الفيلم بإخلاص، وتغلبنا بذلك على جميع العقبات والصعاب حتى إننا لم نشعر بها، لنخرج الفيلم بأفضل صورة نتمناها، وذلك بالرغم من تعرضى للإصابة مرتين وكسر فى قدمى أثناء تصوير الفيلم، وكانت الأصابة الأولى فى أول يوم تصوير، وقررت المخرجة وقف التصوير حرصا على راحتى، لكنى رفضت وصممت نستكمل العمل، فأنا أحب الالتزام جدا فى التصوير وتعلقت بالشخصية، وتانى إصابة كانت فى آخر يوم تصوير.

زوجك الفنان هانى عادل شاركك فى فيلم «أرزة» بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم.. صفى لى كيف كانت الكواليس؟

ــ هانى قرأ السيناريو وشاف الفيلم قبلى بعد التصوير عشان يعمل المزيكا، حب الفيلم وأدائى جدًا، وتحمس أكثر للعمل، وكان حريصا على تقديم موسيقى تشبه الفيلم وطالعة من الشارع اللبنانى، فقام ببحث كبير ورجع لموسيقى السبعينيات فى لبنان والأغانى اللبنانية، وعمل عليها بشكل كبير، لأنه يفهم الفيلم والشخصيات وأبعادها، ونجح فى أن يجعل المشاهد يشعر أن الموسيقى لها دور كأى شخصية من شخصيات العمل، مش مجرد ألحان حلوة فى الفيلم.

شاركتِ قبل ذلك هانى عادل وفرقته «وسط البلد» فى أغنية «ع الوعد» وكانت من فكرتك.. ما الذى حمسك لها؟

ــ كنت معهم بالصدفة فى الاستوديو، فجأت لى الفكرة، وكتبت شعرا نثريا بشكل سريع باللهجة اللبنانية، وقرأته لهم فأحبوها جدًا، وطلبوا من لشاعر عمار مصطفى، ليعيد كتابتها باللهجة المصرية لتظهر بالنسخة الأخيرة التى سمعها الجمهور.

هل دائما تأخذى برأى هانى عادل فى اختياراتك لأعمالك الفنية؟

ــ بالطبع، نحن دائما ما نتحدث فى كل صغيرة وكبيرة، وأثق فى رأيه جدا، وهو أول من أسأله فى كل شىء.

المؤلف لؤى خريش: أرغب دائما فى صنع أفلام تظهر المجتمع اللبنانى كما نراه فى الحقيقة

يحرص الكاتب والسيناريست اللبنانى لؤى خريش على حضور فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى منذ عام 2018، ولكن تأتى زيارته هذا العام مختلفة، حيث يشارك فى المهرجان بفيلمه «أرزة»، وفى لقائه مع «الشروق» يكشف خريش عن فكرة الفليم، وسر اختياره جعل بطولة الحكاية لامرأة لبنانية؟ وكيف تحول به من عمل قصير على فيلم روائى طويل؟

منذ متى بدأت رحلتك مع الفيلم ومن أين جاءت الفكرة؟

ــ الفكرة طرحها فيصل سام شعيب شقيق مخرجة الفيلم، وهى مستوحاة من فيلم إيطالى كلاسيكى يدعى «سارق الدراجة The Bicycle Thief»، وفى العمل الإيطالى يشترى أبطال الفيلم دراجة هوائية وتسرق، من هذه الفكرة انطلقت قصتنا، ولكننا اتفقنا على تقديمها بشكل مختلف مع بطلة امرأة وليس رجلاً، فنحن دائما مشغولين بقضايا المرأة ونهتم بتوظيفها فى أعمالنا، لتكون فى فيلم «أرزة» امرأة تشترى موتوسكلا لابنها ليساعدها فى عملها وتتم سرقته.

ما الذى أضفتوه بالفيلم من تجاربكم الشخصية؟

ــ أردنا أن نصنع فيلما يظهر المجتمع اللبنانى مثلما نراه بتعدده واختلافه الذى لا نراه فى السينما، ونحن دائما ما نكتب عن المجتمع اللبنانى، والمرأة اللبنانية بشكل خاص، ونحرص على تناول كل الصعوبات والتحديات المجتمعية التى تواجهها، ورغبتها فى مساعدة عائلتها وعدم استسلامها، ومن خلال تجربتنا الخاصة، جعلنا بطلة «أرزة» تحاول تحسين ظروف معيشتها حتى لا يهاجر ابنها، وهى معاناة تشبه تلك التى عشنها عندما تركنا لبنان أثناء فترة المراهقة، وكنا سنقدمه كفيلم قصير، ولكن بعدما بدأنا الكتابة اكتشفنا أنه من الأفضل أن يكون عملا طويلا.

ما الذى تغير فى تحضيرات الفيلم بعد تحوله من فيلم قصير إلى طويل؟

ــ الفيلم لم تتغير القصة كثيرا، ولكن كانت الصعوبة فى العثور على طريقة سرد القصة، وتحويلها لفيلم طويل أتاح لنا وضع كل التفاصيل التى نريد إظهارها به، وإضافة المزيد من التطورات على القصة والسيناريو، وجعل المشاهد يكتشف خبايا بيروت من خلال الفيلم.

ما الصعوبات التى واجهتكم أثناء تصوير الفيلم؟

ــ صعوبات التصوير تمثلت فى توقيت التصوير، فنحن بدأنا التصوير بأكبر أزمة اقتصادية تشهدها لبنان، عقب أزمة انفجار مرفأ بيروت، لكن حماس فريق العمل ساعدتنا فى تخطى هذه الأزمات.

كيف ترى مشاركتك بمهرجان القاهرة؟

ــ هذه ليست أول مرة لى بالمهرجان، فأنا حريص على الحضور سنويا منذ عام 2018، وألتقى دائما بصناع السينما وأشارك معهم التفاصيل والمعلومات وأكتسب منهم الخبرات، فشعرت بفخر كبير عند حضورى للمهرجان بفيلم من صناعتى.

المخرجة ميرا شعيب: الاعتماد على العنصر النسائى فى العمل أهم شىء بالنسبة لى

تعيش المخرجة اللبنانية ميرا شعيب حالة خاصة مع عرض فيلمها «أرزة» فى القاهرة السينمائى، والذى يمثل أول عمل روائى طويل لها على الشاشة الكبيرة، وفى لقائها مع «الشروق»، تكشف مراحل رحلتها مع الفيلم، وأسباب اعتمادها على العناصر النسائية بشكل أساسى، كما تتحدث عن لحظات عاشتها بين ترشيح الأوسكار والعرض فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى.

كم من الوقت استغرق التحضير للفيلم؟ وما الذى أحببت تطويره فى الفكرة؟

ــ عندما حدثنى فيصل ولؤى عن الفيلم، بدأنا العمل عليها على أساس أنه فيلم قصير، ولكن بعد فترة وجدنا أنه يحتاج إلى مساحة سرد تجعل منه فيلما طويلا، وكنت أذهب لورش عمل بأمريكا ومختلف المهرجانات العربية، وأعرض سيناريو الفيلم، وأحصل على التعليقات حول الكتابة والفكرة، والتى ساعدتنا كثيرا فى تطوير الفيلم، وأنا بدأت معهم رحلة الفيلم من البداية، فهم كانوا بالغرفة المجاورة لى بالمنزل عندما بدأوا العمل على الفكرة، وكنت أسمع أفكارهم وآراءهم بشكل دائم، كما أننى فى وقت التحضير للفيلم كنت أعيش فى لبنان، وكنت أحتك كثيرا بالجيل الذى بدأ ينشأ والذى هو جمهور السينما، وما الذى يريد هذا الجمهور رؤيته؟ وما الأفكار التى تدور فى رأسه؟ وكنت أنقل هذا لمؤلفت العمل.

دائما ما يكون هناك رهبة فى أول فيلم روائى طويل حدثينى عن هذه المرحلة؟ وما شعورك بمشاركة الفيلم فى مهرجان القاهرة؟

ــ التجربة كلها كانت مخيفة، خاصة فى أول يوم بالتصوير، فهناك ما يقرب من 60 شخصا، يسألك على أشياء، ويجب عليك دائما أن يكون لديك إجابات لهذه الأسئلة، كما أنك تتعامل مع ممثلين كبار، وتريد أن تكسب ثقتهم ليستمعوا إلى توجيهاتك، وهو ما قولته لهم فى البداية أن أهم شىء بالنسبة لى الثقة بيننا، ففى النهاية الفيلم يكتب باسم المخرج وأنا لن أرغب فى إظهار أى منهم بطريقة لا يريدها، وكنا نتبادل الآراء وأفكارهم حول الشخصيات، وهذه الأشياء هى التى مكنتنا من إخراج الفيلم بأفضل صورة.
وعن مشاركة الفيلم بالمهرجان، الفيلم تم اختياره للمشاركة فى العام السابق، لم تسعنِ الفرحة، خاصة وأن السينما العربية دائما ما تنطلق من مصر، فما بالك بعرض الفيلم الطويل الأول لك فى أحد أهم المهرجانات العالمية، وأهم مهرجان عربى، وعندما تم تأجيل المهرجان العام السابق، شعرنا بخيبة أمل كبيرة، وكان وقت حزين كثيرا بالنسبة لنا بأن نخسر فرصة كهذه، وعندما حدثونا مرة أخرى هذا العام تضاعفت فرحتنا، فنحن كبرنا على السينما والتلفزيون المصرى، ومصر هى أم شىء عندما يتعلق الأمر بالسينما
.

كيف وجدت ردود الأفعال على الفيلم بعد عرضه فى المهرجان؟

ــ ردود الأفعال كانت طيبة جدا وسعدت كثيرا بها، وباستقبال الجمهور للفيلم، وأظن أن إنسانية القصة السبب فى انجذاب المشاهدين للفيلم.

وكيف ترين ترشح الفيلم للأوسكار؟

ــ ترشيح الفيلم للأوسكار، أثار مشاعر متناقضة لدينا ما بين الفرح والفخر بالإنجاز والحزن على ظروف الحرب والأوضاع الصعبة بلبنان، ولكننا هدفنا فى النهاية تقديم بيروت وشعبها بالصورة التى تربت عليها، وتوصيل رسالة أمل فى أفلامى.

الفيلم يتحدث عن قضية نسائية.. هل هذا كان سببا فى اختيار معظم طاقم العمل من النساء؟

ــ أكثر من 90% من العاملين على الفيلم هم من النساء، وهذا الأمر كان مهما جدا بالنسبة لنا، فنحن نعلم مدى صعوبة حصول المرأة على فرصة فى صناعة السينما فى لبنان، وما التحديات التى تواجهها، وهذا أيضا ليس فى لبنان فقط ولكن فى أغلب العالم، وأنا كان لدى أمنية عندما أستطيع أن أقدم أفلاما، أن يكون للمرأة مكان به، سواء أمام الكاميرا أو خلفها لعدة أسباب، أهمها إن المرأة لا تقل كفاءة عن الرجل، بل بالعكس وتحمل أفكارا إبداعية كثيرة، فمثلا مديرة تصوير الفيلم، هى ليست لبنانية، ولكن عندما جاءت أضافت لى زوايا ورؤى مختلفة عما لدى، على سبيل المثال كل يوم أرى انقطاع الكهرباء، واعتدت على الأمر ولم أكن سأذكر هذا بالفيلم، ولكنها كان لها رؤية مختلفة بوضع هذا الأمر فى الفيلم خاصة وأننا نجسد بيروت كما هى فى الحقيقة، وكان لها حس مختلف فى رؤية حتى الشوارع والمحال التجارية الموجودة بها.

 

####

 

سينما عن الإنسانية..

كيف ظهر ذوو الهمم على شاشة مهرجان القاهرة السينمائي؟

الشيماء أحمد فاروق

يضم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 45 عدداً كبيراً من الأفلام، وهناك بعض الأفلام المعروضة، على الرغم من اختلاف جنسياتها، تشترك في بعض العوامل الفنية، كالشخصيات، وفي سياق هذا الحديث نتطرق لشخصية "الشخص ذوي الهمم الخاصة"، والتي ظهرت في أكثر من فيلم خلال هذه الدورة.

تمحور ظهور هذه الشخصية في سياق "الاختيار" حيث طرح هذا السياق سؤالاً خفياً عن "هل يمكننا اختيار هؤلاء الأشخاص؟"، والأفلام محل حديثنا هي "vittoria" فيلم روائي إيطالي، و"الجنة تحت أقدام الأمهات" وهو فيلم روائي من قيرغيزستان، و"عائشة" فيلم روائي من تركيا، حيث اختلفت أعمال الشخصية من عمل لآخر، واختلفت القصة التي تظهر فيها كل شخصية ولكن ظر الاختيار هو الرابط الأساسي بينهم.

في الفيلم الإيطالي "vittoria" ظهرت الشخصية، وهي فتاة ذات تأخر إدراكي أثر على قدرتها على النطق وسرعة الكلام، في الثلث الأخير من الفيلم، عندما تلتقي "جاسمين" بفتاة صغيرة وتقرر أن تكون هي الابنة المُختارة للتبني بعد رحلة طويلة من البحث وتجاوز العراقيل القانونية والبيروقراطية لعملية التبني في إيطاليا.

وتدور أحداث الفيلم حول جاسمين، وهي امرأة في الأربعين من عمرها متزوجة ولديها ثلاثة أبناء، وتدير صالون شعر بجنوب نابولي، تتغير حياتها بعد وفاة والدها، إذ تراودها أحلام متكررة تثير قلقها، حيث ترى والدها ممسكًا بيد فتاة صغيرة تركض نحوها وتقفز بين ذراعيها. تدفعها هذه الأحلام إلى البحث عن تفسير طبي، ثم تتخذ قرارًا بتبني طفلة، إلا أنها تواجه رفض زوجها في البداية، قبل أن تخوض رحلة مليئة بالتحديات مع إجراءات التبني.

وبعد أن تخوض جاسمين هذه الرحلة تجد نفسها عالقة بعد أن تعرف حالة الطفلة، تنهار وتبكي وتشعر أن الأمر مسؤولية ضخمة وتراودها الأسئلة عن "هل كان يجب أن تختار هذا القرار بالتبني أو تختار هذه الفتاة؟" ولكن زوجها يدعمها في لحظة تحول متأثراً بأجواء دار الأيتام وحالة الأطفال، وتميز الفيلم بكونه مستوحى من قصة حقيقية، حيث مثل أصحاب القصة أنفسهم أحداثها في عمل روائي.

أما الفيلم الثاني "عائشة" فهو أيضاً شخصياته حقيقية، ولكن في دراما لم تحدث بل مُتخيلة من صناع الفيلم، حيث اختار المخرج نجمي سانجاك، ابن عمه (من ذوي الهمم) وشقيقته فاطمة وقرر صناعة فيلم روائي بناء على افتراض "ماذا لو تقلت فاطمة عرض زواج من تختار شقيقها أم الزوج الجديد؟".

وتدور أحداث الفيلم حول عائشة، امرأة أربعينية تقريباً تعمل في محطة وقود، ترتدي ملابس مثل الرجال ونادراً أن يحدث وتهتم بذاتها كأنثى، وترعى شقيقها الذي لا يستطيع فعل أي شئ أو التعامل مع العالم بدونها، ووالدها المُسن، وعندما يرحل والدها ويتقدم لخطبتها سائق تعرفه تبدأ في التفكير في شقيقها، أنه عائق أمام هذه الزيجة، ولكن ماذا تفعل، ومن هنا يبدأ الصراع في العمل حول الاختيار، خاصة مع شعورها بالضغط الشديد نتيجة احتياجه لها في كل التفاصيل حتى الذهاب إلى المرحاض.

تقرر عائشة ترك باب المنزل دون أن تغلقه جيداً حتى يخرج شقيقها وتفقده، ولكن عندما يحدث ذلك تنهار تماماً وتكون في حالة خوف شديدة عليه، حتى تستطيع العثور عليه وفي هذه اللحظة يعبر المخرج عن خسارة العريس المحتمل من خلال مفترق الطرق، حيث يتحرك السائق بسيارته في طريق مختلف عن طريق سيارة الإسعاف التي تقل عائشة وشقيقها.

أما في فيلم "الجنة تحت أقدام الأمهات" الشخصية هنا ظهرت في دور الابن، وهو يريد أن تذهب والدته إلى الجنة معه، وعندما يسمع أن الحج سوف يحقق ذلك، يقرر الذهاب للحج سيراً على الأقدام من بلده الصغيرة قيرغيزستان وحتى مكة، وخلال هذه الرحلة يمر بصعاب ومشقة ضخمة، وفي كل موقف شديد الخطورة أثناء رحلتهم تختار الأم البقاء مع ابنها مهما بلغت الظروف، بل تنقذه من الموت وتخاطر بحياتها من أجله.

 

الشروق المصرية في

20.11.2024

 
 
 
 
 

ميلاد مخرجة موهوبة: «دخل الربيع يضحك».. لايزال يبهجنا ويشجينا!

طارق الشناوي

شعرت بنشوة وأنا أشاهد الفيلم الروائى الطويل الأول لنهى عادل «دخل الربيع يضحك»، البداية ذكية جدًا، لأنها لم تكمل الشطرة الأولى من رباعية صلاح جاهين (لقانى حزين)، واثقة أن القطاع الأكبر من جمهور هذا الفيلم تحديدًا لديه مخزون شعرى سيدفعه لاستكمالها، وفى تلك اللحظة تزداد نشوته، وبدلًا من أن يصفق لصانع العمل الفنى، تستمع إلى كفيه تصفقان لنفسه.

السينما بل والإبداع بوجه عام يمنح مساحة مقننة للمتلقى لكى يضيف، وهو ما يضفى على الشاشة نوعًا من الحميمية، إبداع المخرج تلمحه فى قدرته على ضبط مساحة الإضافة التى يتركها للمتفرج. علينا بداية أن نؤكد أن الحماس للجديد والمختلف ليس مطلقًا، يجب أن تتكئ الشاشة على قيمة إبداعية، تستحق المؤازرة، وترنو لتحقيقها.

هل الفيلم أربع حكايات قصيرة كما يبدو ظاهريًا، أم حكاية واحدة بتنويعات متعددة يجمعها خط درامى واحد؟ الإجابة الثانية هى الصحيحة، وذلك طبقًا لقراءتى المباشرة للشاشة، وما توحى أيضًا به. نرى بين الحين والآخر أفلامًا فى هذا السياق، ما تحتفظ به ذاكرتى على المستوى المصرى، الفيلم الروائى الأول للمخرجة ماجى مرجان (عشم)، رأيته فى مهرجان (الدوحة) قبل نحو 12 عامًا، وشارك فيه ممثلون يقفون لأول مرة أمام الكاميرا، وبعضهم كانوا فى بداية الطريق للاحتراف، كما أن المخرج محمد خان قدم مساحة درامية رئيسية. فى تلك النوعية يكتب السيناريو، وهناك مساحة من الحوار ينبغى أن يشارك فيها الممثل حتى يحافظ على إحساسه الفطرى ولا أقول فقط التلقائى..

المؤكد أن الممثل الهاوى أفضل من المحترف، الأخير سيمثل روح الهواية، بينما الهاوى يظل دور المخرج قابعًا فى تعديل مساره، لو اعتقد أنه يؤدى دور هاوٍ، إنها درجة معايشة، الممثل المؤدى يلعب القسط الرئيس فى تحقيقها، يستدعى عن طريق الذاكرة الإبداعية كل مخزون لديه وكأنه يؤدى حكايته هو، وليس حكاية درامية، ولهذا ينبع الحوار من داخله معبرًا عن تلك الشخصية التى عاشها وليس فقط عايشها، واجتهاده فى التقاط الحوار الملائم يلعب دورًا مع وجود محددات وعين يقظة للمخرجة تحول دون الابتعاد عن الشخصية. الكاميرا المتحركة، وليس القطع بين لقطة وأخرى، هى التى تسيطر على (ديكوباج) المخرجة فى اختياراتها، للقطات وزاوية الرؤية. منهج نهى عادل تقديم البداية الهادئة للحدث، أشبه بروتين الحياة، لكى تكشف مع مرور الزمن، حقيقة المشاعر، النيران تحت ما نعتقد أنه رماد. السيدة الكبيرة سنًا يأتى عريس لها مع ابنه، بعد رحيل زوجها بعامين، وترفض ابنتها ونكتشف فى الحوار أن كلًا من الابن والابنة له حكاية أخرى مسكوت عنها، بينما المرأة والرجل اللذان يقتربان من شاطئ النهاية صامتان.. حكاية أخرى، الفتاة التى تستعد للزفاف وفى ليلة العرس ندرك أن هذا ليس حبها الحقيقى، وأنها لم تملك الجرأة الكافية لكى تقول «لا».. تقول «لا» مع اللقطة الأخيرة.

تتناثر تفاصيل الزواج والطلاق ونظرة المجتمع النسائى للمرأة المطلقة، وعمليات التجميل التى تفعلها وتنكرها فى نفس اللحظة المرأة..

نعم، أغلب الحكايات نسائية، إلا أن الرجل حتى لو لم يمتلك الشاشة فهو حاضر فى العمق. الجزء الأخير من الفيلم يعود للحكاية الأولى ليستكملها، يقدم بإيجابية وعصرية هذا المشهد للسيدة الكبيرة وهى ذاهبة لمختار يونس، وقد قررت أن تعلن رأيها وتتحدى المجتمع الذى يرفض بحكم تكوينه تلك الزيجة، حتى لو خلت أسبابه من النفعية، فإنها تقع تحت طائلة الاستسلام والانصياع المطلق للحكم الأخلاقى المباشر، الذى يعتبر أن الحديث عن الحب فى تلك المرحلة العمرية من الموبقات وليس فقط الممنوعات. وبكل تلقائية، تحدثوا عن فريد الأطرش ورائعته (الربيع)، وبكل تقدير دندن مختار يونس بالمقطع الأخير، رغم أنه قال قبلها إنه يفضل عليه عبدالحليم، ترديده لهذا المقطع (أخد ورد الهوى منى/ وفات لى شوكه يألمنى/ وأقول يمكن ح يرحمنى، ويبعت فى الربيع طيفه). حتى لو اخطأ عامدًا متعمدًا فى كلمة (طيفه) وأحالها إلى (صيفه) يؤكد حبه لفريد، ورفضه الظاهرى هو نوع من المداعبة للسيدة التى طرقت بابه لتعلن له بطريقة غير مباشرة أنها راغبة فى الزواج. لقطة لافتة للكاتبة والمخرجة نهى عادل لتقديم نهاية، كان من الممكن أن توحى أيضًا بنهايات مغايرة للقصص الثلاث الأخرى، ولكنها كما يبدو، تركت تلك الإضافة للجمهور. هل كان الفيلم جديرًا بتمثيل مصر رسميًا فى المهرجان؟.. رغم أنه فى النهاية لا يملك المهرجان الاختيار فى المطلق، ولكنه ينتقى من بين المتاح والذى تنطبق عليه الشروط، وهكذا نجح فى الاختيار، حتى لو كان لديه أفلام أخرى..

يظل (دخل الربيع يضحك) من الأفلام المنعشة والمستحقة أن تحمل اسم مصر رسميًا. فى (تترات) النهاية قرأت أسماء متعددة لعدد من الكبار الراحلين: فريد الأطرش وسعاد حسنى وشادية وعبدالحليم، وغيرهم، الذين تناثرت أعمالهم فى الفيلم، وأتصور أن اسم شاعر (الربيع) مأمون الشناوى أدبيًا من حقه كتابته على (تترات) النهاية. نعم، الفيلم فى عمقه يتغنى بالشاعر الكبير صاحب الرباعيات صلاح جاهين، ولكن تحية الشاعر الكبير مأمون الشناوى كانت واجبة.

* أتمنى أن ينتهى الصراع التنظيمى الذى أراه فى دار الأوبرا، خاصة فى دهاليز المسرحين (الكبير) و(الصغير) حيث تمتد العروض، هناك فريق تنظيمى يتبع المهرجان، وآخر لدار الأوبرا، وثالث للجهة المسؤولة عن التسويق، والأخير تحديدًا لا يملك أفراده أى خبرة تنظيمية، وكثيرًا ما يرتكب أخطاء تؤدى إلى منازعات صاخبة وغضب وصراخ.. مؤكد يلعب دورًا سلبيًا فى تلقى العمل الفنى، فلا يمكن أن تستمتع بفيلم وأنت قبلها بثوانٍ كنت تتابع خناقة تحت مرأى ومسمع من الجميع.

الحل ببساطة أن الأفلام التى يستشعر مبرمجو أفلام المهرجان مسبقًا أنها ستحظى بدرجة كثافة عالية ولا يستوعبها المسرح الكبير، وبينها مؤكدًا الفيلم المصرى، يُعقد لها فى نفس التوقيت عرض للصحافة والإعلام بالمسرح الصغير.

 

المصري اليوم في

20.11.2024

 
 
 
 
 

المخرجة السعودية جواهر العامري استلهمت «انصراف» من أحداث حقيقية

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن فيلمها المشارك بـ«القاهرة» يُعبّر عن لحظة غضب

القاهرةانتصار دردير

في فيلمها الروائي القصير «انصراف» تعرِض المخرجة السعودية جواهر العامري صدمة طالبات مدرسة ثانوية بوفاة إحدى زميلاتهن إثر حادث أليم، يسودهن الحزن، ويقرّرن تقديم أنشودة في الإذاعة المدرسية كانت ستشارك بها زميلتهن المتوفاة، لكن مديرة المدرسة تلغي هذا الأمر، إذ ترى أنهن قد كبرن، ولا بد أن يتّعظن من الموت، فتطلب من الطالبة جومانا أن تنام على طاولة لتشرح لهنّ إحدى المدرّسات كيف يجري تكفين المرأة، تُصاب جومانا بصدمة نفسية من الموقف وتفقد وعيها، وتثور الطالبات لأجلها، بينما تخشى المديرة استدعاء الإسعاف، وتتصدى لها الطالبات، ويبدأن بإلقاء النشيد.

وينافس الفيلم بمسابقة «الأفلام القصيرة» في مهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 وهو مستوحى من أحداث حقيقية كما جاء في «تتر المقدمة»، وتؤكد مخرجته في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «فيلمها مستوحى من أحداث وقعت لها ولبعض أصحابها، وأنها استلهمت هذه الأحداث وترجمتها بطريقة مغايرة بالفيلم».

تقول جواهر العامري: «عملت هذا الفيلم تعبيراً عن غضبي، وأتطلع أن يوسع من آفاق بعض الناس»، لافتة إلى أن «كل شخص سيشاهده بطريقة مختلفة».

مشاهد الفيلم القصير صوّرت داخلياً، وتكشف المخرجة الشابة أنها صوّرت الفيلم في مصر، وتبرّر ذلك لأسباب الميزانية: «وجدت أن تصويره في مصر سيكون ملائماً للميزانية المقدرة له بشكل أكبر، كما رغبت في التعامل مع فريق تقني مصري».

وحاز الفيلم على دعم من «مؤسسة البحر الأحمر» السعودية، و«فلونتر» في الإمارات، و«كات فيلمز» في مصر.

وعُرض فيلم «انصراف» في كلٍّ من أميركا وفرنسا وبريطانيا، في حين شهد مهرجان القاهرة عرضه العربي الأول، وقد تلقّت مخرجته ردود أفعال أسعدتها، وفق قولها: «كانت تجربة جيدة بالنسبة لي، خصوصاً حين رأيت تفاعل الجمهور المصري مع الفيلم».

تكتب جواهر العامري أعمالها بنفسها مثلما اعتادت في أفلامها السابقة، «سعدية سابت سلطان»، و«مجالسة الكون»، الذي قدّمته ضمن 4 أفلام أخرى لمخرجات سعوديات تحت عنوان «بلوغ». وقد شاركت في تدريبٍ على الكتابة وتطوير السيناريو في «تورينو لاب» وبرنامج «مائدة الشرق الأوسط» في الولايات المتحدة. وتؤكد جواهر العامري أن الكتابة مهمة وليست سهلة، وأنها مقتنعة بالتعامل مع كُتّاب عرب مختلفين للاستفادة من خبراتهم في أعمالها.

وقدمت جواهر العامري في الفيلم الذي يعتمد على بطولة نسائية وجوهاً جديدة، من بينهن رجاء ولولو سعود، وقد وجدتهما الأنسب للقصة، كما استعانت بثلاث ممثلات محترفات هنّ عائشة الرفاعي وغادة عبود وسعادة الزهراني.

وقالت بطلتها رجاء لـ«الشرق الأوسط»: «جعلتنا المخرجة نُخرج كلّ المشاعر المدفونة، ودرّبتنا أولاً على مواجهة الكاميرا، والعمل معها كان تجربة ممتعة»، مؤكدة أنها حصلت على دورة في التمثيل وتتطلّع إلى العمل في السينما.

واعتادت جواهر العامري المشاركة بأفلامها في «مهرجان القاهرة السينمائي»، وتوضح جواهر: «حبي لمهرجان القاهرة ليس صدفة، وأحرص على المشاركة بأفلامي فيه، منذ جئت لحضوره في عام 2020 بفيلم (من يحرقن الليل) لزميلتي سارة مسفر، ومن ثَمّ مشاركتي في فيلم (بلوغ)، ومشروع فيلمي الطويل (عزيز هالة) في (ملتقى القاهرة) الدورة الماضية، وحالياً أشارك بفيلم (انصراف)، فهو مهرجان مميز ومهم بالنسبة لي».

وعن فيلم «عزيز هالة» تقول: «لا يزال قيد التّطوير، فتقديم فيلم طويل يستلزم عملاً كبيراً جداً ولا أتعجل هذه الخطوة».

وأشادت المخرجة السعودية التي درست السينما في جامعة «عفت» بوجود مصادرَ تمويلٍ عديدة في المملكة، مشيرة إلى أنها مهتمة بالإنتاج، لذلك حين تُخرج فيلماً فلا بدّ أن تحسبها جيداً في بحثها عن مصادر تمويله.

 

الشرق الأوسط في

20.11.2024

 
 
 
 
 

الفيلم المغربي "راضية" يسجل نجاحا كبيرا في عرضه الأول بالقاهرة

يدور الفيلم حول سيدة مغربية تدعى "راضية"، تجسد رحلة تحرير المرأة التي تسعى للتخلص من قيودها

القاهرة - سعد المسعودي

تتمتع السينما المغربية بمكانة جيدة وبصورة إيجابية في المهرجانات العربية والعالمية بعد أن قدمت أفلاما سينمائية بمواصفات عالمية استطاعت المنافسة مع أفلام عالمية بتوقيع كبار مخرجين السينما العالميين، وحصدت جوائز مرموقة في كبريات المهرجانات والملتقيات السينمائية الدولية.

فيلم "راضية" هو ثاني الأفلام الروائية الطويلة للمخرجة المغربية، خول بنعمر، بعد فيلمها الأول "نور في الظلام". وسجل فيلم "راضية"، الذي صور بالأبيض والأسود، نجاحا لافتا في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، حيث وقف الجمهور وصفق طويلا لطاقم الفيلم.

الفيم المغربي راضية

أحداث الفيلم

ويدور الفيلم حول سيدة مغربية تدعى "راضية"، تجسد رحلة تحرير المرأة التي تسعى للتخلص من قيودها، ويهدف الفيلم إلى محاولة الإجابة عن سؤال مهم عن المعنى الحقيقي للنجاح بالنسبة للمرأة المغربية العصرية.

ترصد المخرجة المغربية خولة بنعمر سؤالا حول المعنى الحقيقي للنجاح بالنسبة للمرأة المغربية المعاصرة، وتوظف جماليات الأسود والأبيض وبعض لمسات الرسوم المتحركة لإيصال رسالتها عن محاولات سيدة متزوجة من الطبقة الوسطى الخلاص وتحطيم القيود .على مدى 79 دقيقة طول عرض الفيلم، تبحث المخرجة عن معنى السعادة والنجاح، والتحديات التي تواجهها المرأة في المجتمع.

العرض الأول للفيلم عالميا

وتعد هذه المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي فرصة لتقديم الفيلم بالعرض الأول عالميا، وهو من إنتاج رؤوف الصباحي، وتم تصويره بتقنية الأبيض والأسود، وجسد شخصيات الفيلم عدد من الفنانين من بينهم الممثلة المغربية صونيا ملاح، وحفصة طيب".

وعن هذه المشاركة، قالت المخرجة خولة بنعمر لـ "العربية.نت" إن عرض الفيلم بمهرجان دولي مثل مهرجان القاهرة يعد فرصة للجمهور العربي والدولي لاكتشاف السينما العربية والإفريقية، والتعرف على التجارب الجديدة التي يقدمها جيل الشباب، وهو ما يشكل فضاء لتبادل التجارب والخبرات والأفكار عبر برنامج متنوع لأنشطة المهرجان.

يشار إلى أن المخرجة وكاتبة السيناريو، خولة بنعمر، ترأست لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة الروائية والوثائقية ضمن فعاليات الدورة 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، التي أقيمت شهر أكتوبر الماضي.

بدوره، أكد المنتج والمخرج محمد رؤوف الصباحي أن الحضور السينمائي المغربي في مهرجان القاهرة الدولي من خلال العرض العالمي الأول لفيلم "راضية" يهدف إلى تحقيق مشاهدات كبيرة لهذا العمل السينمائي المغربي والبحث عن فرص بالتوزيع والانتشار عالميا.

وشدد على أن السينما المغربية تتمتع بصورة إيجابية في المهرجانات العالمية، مشيرا إلى أن اللهجة المغربية في الأعمال السينمائية لا تشكل عائقا أمام المهتمين بالشأن السينمائي والمتلقي العربي، للتعرف على السينما المغربية واكتشافها جماليات سينمائية لمخرجات ولمخرجين درسوا تقنيات السينما وقدموا نماذج ناجحة.

 

العربية نت السعودية في

20.11.2024

 
 
 
 
 

«دخل الربيع يضحك»… استعادة ناجحة للواقعية المصرية

محمد عوض

«دخل الربيع يضحك لقاني حزين

نده الربيع على إسمي لم قلت مين

حط الربيع أزهاره جنبي وراح

وايش تعمل الأزهار للميتين؟

عجبي

فيلم «دخل الربيع يضحك» هو بلا شك أجمل مفاجآت الدورة الخامسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي، ليس فقط للمستوى الرفيع والدرجة العالية من الجودة التي خرج عليها في مجمل عناصره الفنية من كتابة وإخراج وتمثيل وتصوير ومونتاج، ولكن أيضًا لكونه مفاجأة مصرية خالصة في ظل تحول المشهد السينمائي المصري إلى أرض جرداء، عقمت -مع استثناءات قليلة- عن الإتيان بأي جديد لسنوات طويلة.

دخل الربيع يضحك هو الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجته، المصرية نهى عادل، ويشارك في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي لهذا العام. يقدم الفيلم أربع قصص مختلفة بطلاتها من النساء سلوى (سالي عبده) التي تُفاجأ في جلسة اجتماعية بعرض زواج من جارها المسن مختار (مختار يونس)، وزازو (رحاب عنان) التي يتحول حفل عيد ميلادها إلى مشاحنة لفظية عنيفة بسبب سوء تفاهم ينكشف على إثره أخطر أسرارها، وعبير (ريم العقاد) خبيرة التجميل الشعبية التي تتعرض لأقسى الانتهاكات البدنية واللفظية على إثر اتهامها بالسرقة، وأخيرًا العروس الشابة لي- لي (كارول العقاد) التي ينهار زفافها بعد تصاعد التوتر المرعب بين أمها وإحدى صديقاتها وينكشف في تلك الأثناء سر خطير يهدد إتمام الزيجة.

أكثر ما يلفت الانتباه ويثير الإعجاب بالفيلم هو إيقاعه المشدود بحساسية شديدة الدقة. تتشارك القصص الأربعة نفس البناء المحكم، إذ تتكون كل قصة من مشهد واحد طويل تدور أحداثه في مكان واحد، باستثناء قصة رحاب التي تدور أغلب أحداثها في صالون للتجميل وتنتهي بمشهد قصير لبضعة دقائق خارج الصالون.

تبدأ كل قصة بداية هادئة متأنية يتم خلالها تقديم شخصيات القصة ببراعة سردية فائقة وبتضافر مذهل بين الحوار والصورة. يتصاعد التوتر بشكل محسوب بدقة إذ تنكشف دواخل الشخصيات سريعًا بفعل حدث محدد يدفع بالتوتر إلى ذروته وينفجر الصراع الذي يستحيل معه الحوار إلى نارٍ ثائرة تلتهم ما تبقى من روابط تشد أبطال القصة إلى بعضهم البعض، ثم تهدأ إلى أن تنطفئ، مخلفة رمادًا ساكنًا على خلفية موسيقية لشريط صوت مميز اختيرت مكوناته بعناية.

هذا التوتر المكتوم في بداية كل قصة، والذي ينفجر في ذروتها ويخمد في نهايتها، تتخلله لحظات من الكوميديا السوداء التي تقوم بوظيفة التنفيس لمُشاهد يبقى على حافة مقعده طوال 95 دقيقة هي عمر الفيلم.

في خضم ذروة الانفجار في قصة سلوى، تمتد يد الدكتور مختار ليقتطع لنفسه قطعة من الكيكة التي قدمتها مضيفته، أو أن يعلق معبرًا بإعجابه بشاي الربيع في لحظة سكوت سيطرة على الجلسة بعد انخماد الصراع.

برعت المخرجة نهى عادل في توظيف كافة أدواتها الفنية للحفاظ على هذا الإيقاع المشدود، بالتعاون مع فريق نسائي لا يقل براعة أمام الكاميرا وخلفها. بداية من الاختيارات الفنية في التصوير الذي أدارته سارة يحيى، حيث الإضاءة الطبيعية البسيطة بالاعتماد على مصادر مباشرة دون أي محاولة للتعقيد أو استخدام تقنيات موحية أو معبرة أو رمزية، لتخرج الصورة في أكثر درجاتها واقعية. فضلًا عن حركة الكاميرا المحمولة يدويًّا، التي تفرض حضورها كما لو كانت شخصية إضافية في كل قصة، فتنقل إلى المشاهد هذا التوتر في أطواره المختلفة، ولا تعدم مواطن الجمال في تجسيدها لمكنون الصدور بالتركيز على التفاصيل الدقيقة لأبسط وأدق الإيماءات الجسدية ونظرات العيون وما تحمله من معاني ومشاعر مثل الغيرة والضعف والإحباط والحرج والخوف.

كما لعب مونتاج سارة عبد الله دورًا محوريًا وحمل على عاتقه أصعب المهام على الإطلاق، وهي الحفاظ على هذا الإيقاع المشدود، سيما في القصص التي تجمع عددًا كبيرًا من الشخصيات/الممثلين في مكان محدود، حيث الانتقالات السردية الخفيفة والسلسة بين الشخصيات والانفعالات المتباينة سريعة التحول؛وخصوصًا في لحظات الانفجار في ذروة كل قصة، إلى جانب الاختيارات الدقيقة لأحجام اللقطات بما تقتضيه الحاجة حسب تغير الموقف والانفعال والشخصية. وأخيرًا التمكن الشديد من ضبط الاستمرارية حينما تسود العشوائية في حركة الممثلين داخل الكادر، في ظل اعتماد الأداء التمثيلي بشكل واضح على الارتجال اللفظي والجسدي، وفي ظل التقاطعات الكثيرة جدا لحوار الشخصيات وشريط الصوت الذي يعج بالمسارات ما بين أصوات الشخصيات والموسيقى والمؤثرات، ومزامنة كل ذلك في الأخير مع الصورة.

تصب كل هذه العناصر الفنية من إخراج وتصوير ومونتاج في النهاية في معين واحد هو الأداء التمثيلي. يضم الفيلم فريق تمثيلي ضخم قد يتجاوز الثلاثين ممثلة وممثل، الغالبية العظمى منهم ليسوا من محترفي فن التمثيل، أو على الأقل يظهرون للمرة الأولى على شاشة السينما. وربما كان هذا الاختيار الناجح للغاية لكل الممثلين وتسكينهم في شخصياتهم، هو واحد من أروع حالات اختيار الممثلين في السينما المصرية منذ سنوات طويلة. التمثيل في هذه الحالة هو قوام عنصر الواقعية في هذه القصص السينمائية المثيرة، ولم يكن الفيلم ليخرج بهذه الجودة الفنية العالية بدون هذا الأداء المميز من كافة طاقم التمثيل.

احتاج هذا الأداء التمثيلي البليغ إلى ميزان دقيق يحكمه في إطار شديد الدقة، لا يخرج عنه رغم المساحة الواسعة للارتجال التي أتيحت للممثلين. هذا الميزان هو توجيه المخرجة نهى عادل. ثم يأتي دور التصوير والمونتاج لنقل هذا الأداء بأمانة شديدة تحافظ على تماهي المشاهد وتصديقه لكل ما يراه على الشاشة. وإن كنت لا أحب المفاضلة بين أبطال الفيلم، إذ قدموا جميعهم بلا استثناء أداءات فردية وجماعية رائعة، إلا أنني لا أستطيع تجاوز أداء الممثلة رحاب عنان والتي قدمت أداءً عظيمًا لشخصية زازو.

تجربة استثنائية بكل تأكيد تلك التي قدمتها المخرجة نهى عادل في أول أفلامها الروائية الطويلة، وتمكن شديد من كافة العناصر الفنية، وبراعة خالصة من كافة فريق العمل أثارت في أذهان المشاهدين صورًا مماثلة لما تحمله ذاكرتهم الجمعية من أعظم الأعمال السينمائية لمدرسة الواقعية المصرية في تياريها الكلاسيكي والجديد.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

20.11.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004