ملفات خاصة

 
 
 

"العام الجديد الذي لن يأتٍ أبداً":

عن سقوط ديكتاتور

محمد صبحي

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الخامسة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

في لقاء معه عام 2019، بمناسبة عرض فيلمه القصير "هدية عيد الميلاد" في الدورة الـ31 (1 ـ 9 فبراير/شباط) للمسابقة الدولية في "مهرجان كليرمون فيران للفيلم القصير"، قال الروماني بوغدان موريشانو بوضوح شديد إنّ الأفلام التي يحبّ إنجازها تنطوي على مواضيع جادّة للغاية، وإنْ تناولها بكثيرٍ من الفُكاهة السوداء.

في فيلمٍ قصير له بعنوان Tuns Ras Si Frezat ("حلق مطحون" ترجمة حرفية للأصل الروماني، 2013)، يلتقي حلّاقٌ بمعذّبه السابق الذي يدخل إلى محلّه ليحلق ذقنه. الآن، يروي قصّة عائلة كان عليها، عشية عطلة عيد الميلاد، أنْ تتعامل مع زندقة ابنها الصغير، الذي طلب في رسالته إلى سانتا كلوز أنْ يموت العم نيكولاي، كما تمنّى والده. بعد إدراك والد الطفل أنّ هذه الرسالة البريئة ستقرؤها الشرطة السرية، خطّط لـ"سرقة" صندوق البريد الذي وضع فيه الصبي رسالته المشؤومة.

هذه القصة والفيلم القصير يمثّلان اللبنة الأولى لـ"العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً" (2024)، أول روائي طويل لموريشانو، الذي أضاف شخصيات أخرى عدّة إلى الظاهرة سابقاً. يتعيّن على الجميع التعامل مع ديكتاتورية نيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا، قبل أيامٍ على نهاية العام، في شوارع مضطربة تشهد بشائر ثورة. ستّ حيوات/مقاطع تختلف بشكل ملحوظ في النبرة والبنية (شخصيات منتقاة يُفترض بها أنْ تعكس سقوط النظام من منظور طبقات اجتماعية مختلفة)، وتتكثّف في 24 ساعة قبل سقوط 20 ديسمبر/كانون الأول 1989، بهدف الجمع بين صورة معاصرة وبانوراما سياسية.

"العام الجديد..."، الفائز بجائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم في الدورة الـ45 (13 ـ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي"، بعد فوزه بجائزة أفضل فيلم في مسابقة "آفاق"، في الدورة الـ81 (28 أغسطس/آب ـ 7 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان فينيسيا"، يبدأ بفريق تلفزيوني في حالة ذعر. يجب إعادة تصوير برنامج عيد الميلاد الاحتفالي الذي سجّلوه، لأنّ الممثلة الرئيسية هربت من البلد، والسلطات تطالب بإعادة إنتاج العرض. في هذه الظروف، يبحث ستيفان (ميهاي كالين)، منتج البرنامج ومخرجه، الذي يطمح ابنه لورينتيو (أندريه ميركوري) أيضاً إلى مغادرة البلد، عن امرأة تشبه الممثلة التي صوَّرها، فيعثر عليها في فرقة مسرحية. لكنْ، هناك مشكلة: هذه الممثلة، فلورينا (نيكوليتا هانكو)، ليست من محبّي تشاوشيسكو أيضاً، ما يُصعِّب إكمالها مهمّة، تتضمّن قراءتها نصّاً يمدح شخصية الديكتاتور، ويصفه بأنّه "ابن الشعب المحبوب".

تظهر شخصيات أخرى، كمارغريتا (إميليا دوبرين) التي سيُهدم منزلها مع بقية منازل الحيّ، في فيلمٍ يختار حجم 4:3 لتأطير كادراته، مُستحضراً شاشة البثّ التلفزيوني في ذلك الوقت، وأيضاً لإحاطة الشخصيات جمالياً بالطبقات المختلفة للقمع، التي يشعرون بها في حياتهم اليومية. استخدام موريشانو للألوان يُمتِّن هذا الارتباط بالماضي، بينما الموسيقى والتوجيه الفني يُعيدان المُشاهدين إلى أوقات الشعور بأنّ الديكتاتورية الشيوعية تلفظ أنفاسها الأخيرة.

كما في أفلامه القصيرة السابقة، يُنجز بوغدان موريشانو عملاً رائعاً في جمعه بين الدراما والتوتّر والفكاهة: "عشتُ هذه الأشياء. كنتُ صغيراً جداً، لكنْ لديّ ذكريات. أما عندي، فكان كلّ شيء عبثياً وغير مفهوم. خاصة خوف الكبار. كانت رومانيا بلد الهمسات، ولم أفهم السبب في ذلك الوقت"، بحسب ما قاله في لقاء 2019 . كلمات يُمكن تكرارها بسهولة في فيلمه هذا، الذي بلغ ذروته بالثورة والصورة الشهيرة لتشاوشيسكو، والأخير، رغم دعوته إلى مظاهراتٍ لدعمه، انتهى به الأمر إلى أنِ ابتلعه حشد الثائرين، قبل إعدامه مع زوجته إيلينا، يوم عيد الميلاد عام 1989.

في القاهرة، التي لم تخرج بعد من نفقها وتبحث عن ثورة خلاص، لم تكد تظهر تترات نهاية "العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً" على الشاشة حتّى ضجّت صالة العرض الكبيرة بدار الأوبرا المصرية بالتصفيق لصُوَر بداية الانتفاضة الرومانية. كانت هناك دموع، تماماً كدموع فلورينا. دموع تلخّص عقوداً من القمع وتطردها. كلّ هذا مدفوع بموسيقى "بوليرو" موريس رافيل، مع مونتاج يربط بين الشخصيات والقصص، ويخاطب العواطف والحواس.

يقدّم موريشانو فيلماً جميلاً، من شأنه أنْ يثير في بلدان كمصر التي تعيش إحدى أسوأ فترات تاريخها، ردود فعل عاطفية، ويعيد تأكيد تشابه الديكتاتوريات، وتكرار التاريخ لنفسه.

 

العربي الجديد اللندنية في

11.12.2024

 
 
 
 
 

الفائز بجائرة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ 45

الفيلم الروماني العام الجديد الذي لن يأتي أبداً ـ للمخرج بوجدان موريشانو

The New Year That Never Came

كاظم مرشد السلوم

التاريخ 1989، قرب انتهاء حقبة حكم نيكولاي تشاويشسكو،  بدء انتفاضة مدينة تيميشوار، بوخارست العاصمة بعيدة عن الاحداث، لكن التوتر والخوف يسيطر على الناس، مع قوة البطش الذي تمارسه القوى الأمنية.

العنوان

العام الجديد الذي لن يأتي أبداً هو عنوان يشير الى ان هذه العام قد لا يشهده تشاوشيسكو، وقد يشهد قمع واغتيالات بسبب الاحداث المناوئة لحكومة الدكتاتور، أو ان الشعب لن يشهد هذا العيد بأمان، أذن ما الذي سيشهده العام الجديد فيما لو جاء؟

الحكاية

ستة أشخاص يعيشون في العاصمة الرومانية بوخارست، لا يجمعهم سوا الخوف الذي يسيطر على البلاد من قبل الأجهزة الأمنية التي تحمي النظام، يحاولون جاهدين تجنب التعرض له ولشخص رئيسه تشاوشيسكو، لكن الاحداث تضعهم في دوامة من الخوف والترقب والقلق الذي يشعر فيه أي مواطن يعيش في ظل حكم شمولي.

ممثلة مسرحية لم تتوقع ان ترسل المخابرات اليها طلباً بأن تؤدي دور مطربة انشقت عن النظام بعد ان سجلت نشيداً يشيد بالدكتاتور وهي المعارضة للنظام ولا تطيقه، فتعيش مع صديقها حالات من القلق الكبير.

مخرج تلفزيوني لا يستطيع كبح جماح أبنه الراغب بالهروب الى خارج البلاد، فكيف يتصرف ورجال المخابرات يقفون على رأسه ليتمم اخراج وتسجيل النشيد الرئاسي.

عامل يعيش مع زوجته وأبنه الصغير الذي يضعه في ورطة تتمثل بإرسال رسالة عبر صندوق البريد طالباً من بابا نوئيل بعض امنيات راجياً ان يحققها له ، قطار له، وحقيبة يد لأمه، وتحقق أمنية أبيه بأن يموت العم نيكو، لأنه سمع أباه يقول ذلك غير عارف ان المقصود هو الدكتاتور نيكولاي تشاشوشيسكو.

امرأة عجوز يجب ان ترحل من بيتها لانه من ضمن الدور التي قررت الحكومة هدمها ، فتعيش حالة من الاغتراب غير مصدقة ما سيحصل لبيتها، ورغم انها تذهب لبيت ابنها الا انها تعود الى بيتها مقررة المبيت في كأخر ليلة لها فيه.

الاشتغال

عبر مونتاج متوازي يتنقل المخرج بوجدان موريشانو بين شخصيات فلمه مظهراً تداعيات الأحداث عليهم، الممثلة مع صديقها تنتقل من حالة الحب والرومانسية التي تعيشها الى حالة القلق والخوف والترقب، لتحاول جاهدة ان لا تقوم بدور أو تؤدي أغنية تمجد الدكتاتور وهي التي تشتمه كل يوم.

المخرج يعيش حالة قلق مع اخبار زوجته له بأن أبنه يبدو ان انطلق في رحلة الهروب من البلاد.

العامل وزوجته لا يعكر صفو الطمأنينة النسبي الذي يعيشون سوى رسالة ابنهم التي وضعها في صندوق البريد مع كامل أسمه وعنوان شقتهم.

الشاب ابن المخرج مع قلق وخوف من انه قد لا يتمكن من عبور الحدود.

تحاول الممثلة المسرحية ان تفعل كل شيء حتى لا تؤدي النشيد المطلوب، تضرب وجهها بمضرب يسبب لها كدمات، تأكل قطع الثلج حتى تلتهب حنجرتها.

العامل وزوجته يفكران في الطريقة التي يمكن ان يمنعا وصول الرسالة الى ايدي رجال المخابرات الذي يفرغون صناديق البريد كل يوم.

كل هذه الاحداث تجري في ليلة واحدة، وفي الصباح يجب ان تكون الحلول قد وضعت وسيتحملون وزرها أو نتائجها سلباً أو إيجاباً.

تتوصل زوجة العامل الى حل وهو ان يضع زوجها سائل منظف في صندوق البريد كون هذا السائل يتلف الحبر الذي كتب به أبنهم رسالته، وفعلا يقوم بذلك خفية، لكن قلقه لا ينتهي عند هذا الحد، فيعود يفكر ان هناك صندوقان للبريد الأول في طريق ابنه عند عودته من المدرسة والثاني في طريق الذهاب القريب من البيت.

الحلول

يمسك ابن المخرج وزميله من قبل حرس الحدود ويتعرض للتعذيب دون علم المخرج بذلك وهو المشغول بإعادة تسجيل النشيد الرئاسي.

في الصباح الممثلة تحضر للأستوديو وقد بح صوتها وثمة كدمة على خدها، فيثور رجل المخابرات الموجود في الاستوديو، لكن المخرج يخبره انهم سيعالجون الكدمة من خلال المكياج، ويقترح هو ان تشرب زيت الزيتون لمعالجة صوتها.

العامل يخرج صباحا الى مظاهرة تم حشد الألوف من العمال لتاييد الدكتاتور الذي يقف في شرفة القصر، احد العمال يخرج من جيبه قطعة العاب نارية صغيرة فيشعلها وتنفجر لتحدث فوضى كبير في التظاهرة، ويهتف العمال بسقوط تشاوشيسكو.

التلفزيون الذي ينقل التظاهرة بصورة مباشرة يشاهده من هم في الاستوديو، الممثلة، المخرج ، رجل المخابرات، المحققون الذين يحققون مع الابن يشاهدون الاحداث كذلك.

المرأة العجوز في بيتها الذي لم يتعرض للهدم .

على ضوء ذلك ينهار النظام ويتخلص الجميع من خوفهم لتبدأ رومانيا حقبة جديدة بعد انتهاء حقبة الدكتاتورية.

تأويل النص المرئي

كل من عاش هكذا مرحلة من مراحل الدكتاتورية والقمع في أي زمان ومكان يعرف معن ان يكون الانسان خائفاً متوتراً دائما،  من أمكانية الاعتقال والتعذيب والتنكيل لسبب أو دون سبب، وربما الأخذ بجريرة الأخر الذي قد يكون من عائلتك أو اقاربك أو حتى صديقك.

الفلم أراد ان يكشف كيف كان الناس يعيشون في تلك الفترة، رغم انهم لم يكونوا بالمعارضين الحقيقيين أو الثائرين على النظام.

الخوف والقلق صفات انسانية لا يمكن السيطرة عليها، متشابهة لدى الناس جميعاً، ولكن بنسب متفاوتة وأشدها الخوف من الأنظمة الشمولية القامعة لشعوبها والتي تذيقهم مر العيش وصولا الى سلب كرامة الكثير منهم، وسوقهم لموت مجاني غير مبرر.

كذلك يمكن للفلم ان يبين مدى هشاشة هذه الأنظمة التي وان حكمت الناس بالحديد والنار لعقود لكنها تتهاوى بلحظات وكأنها لم تكن تلك الأنظمة القابعة على صدور الناس الحارمة لحرياتهم.

 

الحقيقة العراقية في

12.12.2024

 
 
 
 
 

خالد محمود يكتب:

سوريا على الشاشة.. حياة معلقة

تبقى دائما للسينما شهادتها الخاصة فى مشهد الأوطان ومتغيراتها وثوابتها، و يجئ المشهد السورى ليطرح السؤال.. كيف مثلت الأفلام الأزمة بين واقع ومستقبل، هل اكتفت بالتوثيق من أجل أجيال قادمة، أم تجاوزت رؤيتها لتتنبئ بما هو قادم بين يأس وأمل، كمرحلة فاصلة بين كابوس وحلم.

دون شك كانت هناك أفلام كثيرة تناولت عبر قصصها وحكاياتها وصورتها مشاهد اليأس ومخاوف الأيام ورعب الزمن من تلاعب سياسات وأطراف وجماعات كثيرة، وأيضا الآمال البسيطة في سوريا، بينها ما كان رمزيا والبعض كان أكثر دقة و وضوحاً، والتي صنعها أشخاص على الأرض يستمعون إلى أصوات لم يسمع بها أحد من قبل.

حتى سنوات قليلة مضت، أدت الحرب في سوريا إلى نزوح 13 مليون شخص ومقتل نصف مليون شخص. ويحاول اللاجئون إيجاد لقمة العيش في مخيمات اللاجئين في تركيا ولبنان والأردن أو يخاطرون بحياتهم بحثاً عن اللجوء في أماكن أبعد.

أتذكر فيلم “مدينة الأشباح” City of Ghosts، الوثائقى الامريكى للمخرج ماثيو هاينمان والذى ألقى بظلاله على مشهد قاس في مُحافظة الرقة السورية، خُصوصا بعد سيطرة تنظيم داعش على المدينة سنة 2014.

يتتبع فيلم “مدينة الأشباح” للمخرج ماثيو هينمان، مجموعة من الصحفيين المواطنين الذين يطلقون على أنفسهم اسم “الرقة تُذبح بصمت”. يتظاهر الرجال من أجل “الحرية والعدالة والمساواة والكرامة”، ولكن عندما يُقتل رفاقهم ويتعرضون هم أنفسهم للتهديد، يفرون معتمدين على جهات الاتصال المتبقية في سوريا لإرسال صور الفظائع حتى يتمكنوا من رفع مستوى الوعي في العالم الأوسع عبر الإنترنت. يستخدم هاينمان لقطات فيلم “الرقة تُذبح بصمت” لتتبع داعش أثناء استغلالها للفراغ في السلطة الذي خلفته الثورة، وهناك مقاطع مرعبة لعملاء داعش الملثمين وهم يعدمون الرجال ويقطعون رؤوس الجثث، ويعلقونها على المسامير، ويعذبون المدنيين، ويغسلون أدمغة الأطفال، إلى جانب مقاطع فيديو لتجنيد أفراد داعش.

إن فيلم “مدينة الأشباح” هو تاريخ حديث قوي وسهل التذكر. لقد أقام هاينمان صداقة مع الناشطين المنفيين، ولكن اللقطات الأكثر إقناعاً في الفيلم هي لقطاتهم، وليس لقطاته. إن تجربتهم الشخصية مؤلمة، فهم يعيشون في ألمانيا حيث يشهدون مظاهرات عنصرية معادية للمسلمين؛ وفي الوقت نفسه، يصفق لهم الأثرياء الأميركيون البيض في حفل توزيع جوائز حقوق الإنسان في نيويورك. وعلى الرغم من المخاطرة بحياتهم لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، فإنهم كطالبي لجوء في أوروبا ليس لديهم الحق في العمل.

وهناك أيضا فيلم “عن الآباء والأبناء” وهو وثائقى المانى إخراج طلال ديركى حول الجهادية المتطرفة والتدريب الإرهابي في سوريا.

وأيضا “من أجل سما” هو فيلم وثائقي تم إنتاجه في سوريا والمملكة المتحدة وصدر في سنة 2019، من إخراج ورواية وعد الخطيب وأنتجه إدوارد واتس، والذى يحكى قصة حصار حلب، حيث تدور الأحداث حول مغامرة ملحمية لوعد الخطيب وطفلتها الرضيعة سما على مدار خمس سنوات من الحب والزواج والحياة في حلب وقت الحرب، تظهر معاناة المرأة خلال الحروب، حيث يركز الفيلم على رحلة وعد كزوجة حمزة الخطيب أحد الأطباء القلائل الذين تركوا في حلب أثناء قيامهم بتربية ابنتهم سما أثناء الحرب الأهلية السورية.

وهناك فيلم “آخر الرجال في حلب” إخراج فراس فياض، وهو فيلم وثائقي صدر عام 2017؛ يحكي عن الثورة السورية وما خلفته من دمار. ويحاول الفيلم الوثائقي توثيق الحياة في حلب خلال الحرب ويسلط الضوء بشكل خاص على عمليات البحث والإنقاذ التي قام بها الدفاع المدني السوري (تُسمى أحيانا بالخوذ البيض) المعترف بها دوليا، وهي منظمة تتكون من مواطنين عاديين هم أول من يندفع نحو الضربات الجوية العسكرية والهجمات بالبراميل المتفجرة على أمل إنقاذ الأرواح. كما يُسلط الفيلم الوثائقي الضوء على حياة ثلاثة من ذوي الخوذ البيض المؤسسين، وهم خالد عمر هارا، صبحي الحسين ومحمود الذين لم يجدوا بدا من الفرار من سوريا على الرغم من أن الفرصة أُتيحت لهم في العديد من المناسبات، وفي المقابل يُفضلون البقاء في بلادهم والكفاح من أجلها.

كما كانت أفلام “قصص سورية: حياة معلقة” و”راديو كوباني” و” طعم الأسمنت” تقدم  تأملات حول سوريا، وكانت هناك مجموعة من الأفلام التي تنقل التأثير الذي أحدثه نظام الرئيس بشار الأسد، وتنظيم الدولة الإسلامية. وظهرت الأفلام بطابع مباشر للغاية، ففى “طعم الأسمنت” يصور عمال البناء السوريين المنفيين في مواقع البناء في لبنان. وقد تم تصوير الفيلم على نطاق ملحمي، مع تفاصيل مذهلة على الشاشة، فالمدينة الضخمة في بيروت تتناقض مع صور المباني المدمرة التي تعرضت للقصف في سوريا، والمواطنين الذين ينتشلون مواطنين آخرين من تحت الأنقاض بأيديهم العارية. والعمال المنفيون لا يتحاورون، ويتم إطلاق النار عليهم في عزلة تأملية وهم يمثلون الرمزية المؤلمة الصريحة المتمثلة في بناء منازل فاخرة بشكل غير مرئي ودون اسم وبصمت لأشخاص لا يريدونها بعد تدمير منازلهم.

إن أفلاماً كهذه واضحة في صورها وسردها وهدفها لأي شخص يريد التعمق في التاريخ السوري والأفلام السورية الحديثة.

كان الفيلم القصير الشهير “الخوذ البيضاء” للمخرج أورلاندو فون والذي يتتبع فريقًا يتفاعل مع الضربات الجوية التي يشنها الأسد مؤثرًا بقوة، وفيلم “آخر رجل في حلب” الذي يتناول نفس الموضوع، وينطبق نفس الشيء على الفيلم الوثائقي “صرخات من سوريا” للمخرج يفجيني أفينيفسكي لعام 2017، والذي يتضمن لقطات لانفجارات القنابل، والذعر الشديد، وإطلاق النار المفتوح، والأقارب الحزينين، والأطفال المصابين بصدمات نفسية، والزعماء الثوريين.

ويعتبر الأسوأ لهذا النوع من الأفلام هو فيلم “الجحيم على الأرض: سقوط سوريا وصعود داعش” 2017 للمخرج سيباستيان جونجر ونيك كويست، اللذين جمعا روايتهما من نشرات الأخبار وتقارير هيومن رايتس

ربما تسئ صناعة السينما العالمية إلى سوريا من خلال منح الصفقات والدعاية والتوزيع فقط لأولئك المخرجين الذين لديهم الرغبة الشديدة في ألعاب الحرب والذين يجمعون لقطات مجانية يتم التقاطها بمخاطر كبيرة لتقديم الأفلام الأكثر إثارة لفهم ما يحدث في سوريا حقًا وإدراك عمق آلام مواطنيها، والحقيقة لا ينبغي أن تُروى التجربة السورية من قبل آخرين متحمسين لصورتهم الشخصية بتصوير الوضع مجرد كارثة ثم يبحثون عن غيرها بمجرد ظهور كارثة أخرى فضلاً عن بساطة السرد والرؤية.

ويجئى فيلم Lost in Lebanon للمخرجتين جورجيا وصوفيا سكوت، يقطع شوطًا طويلاً فى المسار القاسى، حيث تم تصوير الفيلم في مخيم للاجئين في لبنان، حيث يوثق الحياة اليومية لسكان المخيم المحبطين، بما في ذلك فنان وسيم عالق بين الإبداع والهروب من الكحول، وامرأة شابة، ريم، التي تحطمت آمالها في أن تصبح مهندسة معمارية بعد إدراجها على القائمة السوداء في عام 2012 بسبب احتجاجها على النظام.

ويتحدث الفيلم الوثائقي عن تكرار الصدمات المتعددة الطبقات التي يسببها الصراع، ويخلق دورات من الغضب والألم. وتتحدث ريم عن مشاهدة حالات انتحار الأطفال، وعن الأطفال الذين شهدوا الحرب والموت والقتل والتعذيب. وتقول: “هؤلاء الأطفال قنابل حية. هكذا تصنع الإرهابيين”.

وفيلم “حياة معلقة” من إخراج هبة ظهير حمدي وإسراء عبد الحميد إبراهيم أواي وحماد عزمت اللباد، ويركز على قائد سابق في جيش الأسد انشق بعد 35 عامًا ليجد نفسه في المنفى في الأردن. إنه أحد أفضل الأفلام السورية توازن بين المشهد القاسى والجماليات الفنية يتضمن انتقادات مدروسة للنظام؛ وموضوعاً أساسياً عن الهروب والمنفى، والخوف من الأماكن المغلقة وعدم التسامح؛ وهو لا يتجاهل النساء؛ ويعكس مقاومة أجيال متعددة ضد داعش، وضد بشار الأسد، وضد والده حافظ الأسد؛ ومع ذلك فإنه لا يتخلى أبداً عن المستقبل من خلال أشخاص مثاليين، ومجموعة من الكتاب والفنانين الذين تتعرض تحركاتهم السلمية نحو الحرية لتهديد متزايد، مما يزيد من تصميمهم.

في فيلمه “راديو كوباني” 2016 يرى ريبر دوسكي أن هيمنة داعش ليست نهاية حتمية. ففي مدينة كوباني التي دمرها داعش، ينشئ المراسل ديلوفان كيكو محطة إذاعية ويجري مقابلات مع المتمردين والناجين والمثقفين. وفي حين يتضمن الفيلم لقطات مروعة لجثث محطمة معلقة في حفارات الطرق، فإن الرسالة العامة التي تنقلها الكاميرا بنعومة ودفء هي عن الشباب الذين يؤمنون بالمستقبل.

راديو كوباني” نجح في التعبير عن العواقب المتكررة للحرب، بطرق صارمة عاطفياً، ومشحونة سياسياً، ومتطورة إبداعياً.

وفي فيلم “سوريا الحلوة” للمخرج عمار البيك لعام 2014، يستخدم الفيلم لقطات تم العثور عليها، بما في ذلك لقطات التقطها جنود الأسد داخل طائرة هليكوبتر وهم يسقطون القنابل على المدن الواقعة تحتها بمرح. ويتخلل هذا الفيلم، الذي يحمل قدراً كبيراً من الرمزية، لقطات غير ذات صلة من سيرك أجنبي، حيث يغضب فريق من الأسود ويهاجمون مدربيهم بينما يصرخ المتفرجون في رعب. “الأسد” يعني الأسد ــ ولا شك أن أي سوري يشاهد الفيلم سوف يستوعب الانتقادات الموجهة للنظام.

لم انسى الفيلم القصير الشاعري “بحرنا” ( Mare Nostrum) لعام 2016 للمخرجين أنس خلف ورنا كزكز، وكلاهما سوريان من دمشق والذى يُظهِر الفيلم الخالي من الكلمات رجلاً يعيش على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ​​يرمي ابنته الصغيرة مرارًا وتكرارًا في البحر لتعليمها كيفية السباحة بهدوء. إنها مصدومة ولا تعرف لماذا يفعل ذلك؛ ولكن عندما يفرون من سوريا في الظلام ويحاولون الهروب عن طريق الماء، تكون هي الناجية الوحيدة.

وهناك فيلم “رغوة” للمخرجة ريم علي عام 2006 ويحكي قصة بسيطة عن زوجين سوريين يعيشان حياتهما. وسرعان ما يتحول الفيلم إلى صورة مدمرة لآثار القمع، حيث يتبين أن الزوجين كانا شيوعيين في شبابهما ونجيا من السجن والتعذيب على يد نظام الأسد الأب.

كان والد المرأة يضرب زوجته، وهذا أصبح رمزاً ثقيلاً للسادية الدكتاتورية التي لا مفر منها والتي لها عواقب طويلة الأمد. والآن تتحدث الأسرة بشكل مهووس عن رغبتها في الرحيل، والأجواء القاتلة والضاغطة التي يخيم عليها هذا الفيلم الذي تم تصويره قبل خمس سنوات من ثورة 2011. تتطلع إلى المستقبل الذي يتفجر فيه الاستياء والخوف من الأماكن المغلقة.

 

الشروق المصرية في

14.12.2024

 
 
 
 
 

المرجا الزرقا  THE BIUE LAKE

فيلم من أفلام الطريق للمخرج المغربي داوود أولاد السيد

كاظم مرشد السلوم

في رحلة الى اقصى الصحراء المغربية، يأخذنا المخرج داوود أولاد السيد رفقة الجد ( محمد خوي) والحفيد الضرير (يوسف قدير) ، ما إن تشاهد الفلم وتصل الى النصف منه حتى يتبادر الى ذهنك فلم (بابا عزيز) لمخرج ناصر خمير لكن مع اختلاف الحكاية.

المتعة البصرية حاضرة يوفرها المكان وتجسدها رؤية وعدسة داوود أولاد السيد

المرجا الزرقا أو البحيرة الزرقاء هو عنوان الفلم حيث يسمع الطفل الضرير يوسف المولع بالتصوير والمتعلق بالكاميرا الفتوغرافية ان ثمة أجانب يأتون الى حيث المرجا الزرقا ويرد لهم بصرهم، وحين يخبر جده وجدته الذين يعيش في كنفهم بعد ان فقد والديه في حادث وهو بعمر صغير برغبته في زيارة هذه المرجا، يأخذه جده في رحلة طويلة في عمق صحراء أسا المغربية حيث جمال الصحراء وتناغم الوانها مع السماء الزرقاء.

الرحلة تمتد لأيام والسؤال هل فعلاُ هناك بحيرة زرقاء، أم ان الامر كله عبارة عن أسطورة يتناقلها الناس، على الأقل لتوفير بارقة أمل لمن يرتجي الأمل حتى لو برحلة تفعل فعل التطهير النفسي والروحي، فالحوارات بين الجد وحفيده تتخللها الكثير من المفاهيم الفلسفية عن الخلق والخليقة وعن النفس والروح.

الفلم عرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ال45، كل الجمهور الذي شاهد الفلم خرج وهو مستمتع بما وفره الفلم له من متعة بصرية ورحلة تأملية في النفس البشرية وما يمكن ان تفعله الرغبة والطموح لتحقيق حلم ما مع العلم باستحالة تحقيقه، هنا يكون للمتعة في المغامرة والتحدي والغوص في أسئلة صوفية ووجودية هي السبيل لتحقيق حلم غير حمل الوصول الى المكان ، بل في الوصول الى عمق النفس البشرية وكيفية حصول تناغم جميل بين نفسين وروحين رغم ان الفارق الزمني بين عمريهما يمتد لأكثر من نصف قرن، والسؤال هل يكون هذا الفارق عائقاُ أمام البحث عن الحقيقية أو البحث عن جوهر الأشياء والإجابة عن الكثير من الأسئلة المبهمة والعصية، لذلك يمكن لكل من يشاهد الفلم أن يؤول النص حسب ما يراه، وربما يذهب بعيداُ في هذا التأويل ، فليس كل الأنفس أو الأرواح متشابهة في تفسيرها للأشياء الظاهرة والباطنة من سر الوجود.

في رحلة السفر التي وافق الجد على القيام بها تلبية لرغبة حفيده الكفيف، ورغم صعوبة الرحلة وبعد الطريق ومعرفته ان لا وجود حقيقي لهذه البحيرة المرجا، الا ان الجد يصر على اكمالها، كأنه وجد في هذه الرجلة تطهير لذاته المتعبة والتي تحتاج الى الهيام في صحراء شاسعة توفر الطمأنينة والراحة النفسية التي يحتاجها بعيداُ عن ضغط الحياة والعوز الذي يلازمها والذي يبدو واضحا من البيت الطيني الذي يعيش فيه مع زوجته وحفيده.

نجح داوود أولاد السيد بأن يجعلنا نحن كمشاهدين بحاجة أيضاً الى مثل هذه الرحلة فالجميع في أي زمان ومكان يعيش تحت الضغط اليومي الدائم للعديد من الأسباب، والتي تولد حالات من الكأبة والضجر، ووضعنا مشاركين في الحوار الذي يدور بين الجد والحفيد، فالأسئلة هي أسئلة عامة نسألها لأنفسنا أحياناً، ولا نجد الإجابة الشافية لها، لكن الفلم يضعها أمامك ويمكن لك ان تشارك بها من خلال مراجعة ما طرح منها وما يمكن ان تضيفه أنت لها.

هذا الاشتغال السينمائي ليس غريباً على المخرج داوود أولاد السيد، دكتور العلوم الفيزيائية الكاتب والمصور الفوتوغرافي، لأنك يمكن ان تلاحظ هذا الاشتغال في معظم أفلامه السابقة مثل، كلام الصحراء 2017،الجامع 2010،عود الريح 2001وغيرها من الأفلام .

 

الحقيقة العراقية في

19.12.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004