ملفات خاصة

 
 
 

"أبو زعبل 89"..

عن محاكمة الأب والفردوس المفقود

القاهرة -رامي عبد الرازق*

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الخامسة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

لم تمنع التضيقات الرقابية ولا مشكلات العرض الافتتاحي، من إقامة عدة عروض متتالية للفيلم الوثائقي الأول للمخرج المصري بسام مرتضى "أبو زعبل 89"، خلال فعاليات الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث عُرض الفيلم ضمن برنامج أسبوع النقاد، وصعد بصُنّاعه 3 مرات من أجل استلام جوائز أفضل فيلم وثائقي طويل، وأفضل فيلم أفريقي، بالإضافة إلى تنويه خاص بالمخرج الشاب.

ينتمي "أبو زعبل 89"، كوثائقي أرشيفي مُعاد بناء الكثير من مشاهد سرديته الأساسية، إلى السينما الذاتية، حيث ينطلق الفيلم بمحتواه التاريخي والسياسي والاجتماعي من ذاكرة صانعه ومحطات حياته، وهمومه، ومشكلاته القابضة على جمر متقد، وبوصلته النفسية التي لا تزال تبحث عن شمال مناسب.

ينطلق بسام في فيلمه الثاني من حادثة ذاتية جداً، وهي زيارته الأولى لوالده المسجون السياسي محمود مرتضى عام 1989، في سجن أبو زعبل، عقب القبض عليه بتهمة الاشتراك في تنظيم شيوعي محرض على اعتصامات عمال مصنع الحديد والصلب بحلوان، قرب نهاية العشرية الأولى من حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ووزير داخليته زكي بدر.

تنعكس هذه الذاتية الشديدة بصرياً، عبر إعادة بسام تمثيل مشاهد الزيارة تعبيرياً، ووقوفه هو نفسه أمامها وهي معروضة على شاشة كبيرة كأنها شاشة ذاكرته، التي يريد من خلالها أن يستغل الفيلم لإعادة النظر في تاريخه الشخصي، والنقطة الفارقة حياتياً وإنسانياً في تكوينه ورحلته وأزمته.

يبدو خيار إعادة البناء التعبيرية وتمثيل جانب من الذكريات خيار سينمائي بامتياز، خاصة أنه من الصعب العثور على أرشيف خاص أو عام يخص المشاعر أو السياقات الخفية داخل كواليس عائلته، وتدريجياً يصبح إعادة التشكيل هو أسلوب بسام الأساسي، ليس فقط في استدعاء اللحظات التي عاشها صغيراً وقت القبض على أبيه، ولكن ذهاباً إلى ما هو أبعد من ذلك، الذهاب/ السفر في الزمن والوقائع لكي يضع نفسه موضع أبيه خلال محاكمته الطويلة له، خصوصاً عندما يبدأ البناء في تشكيل أزمة بسام الحقيقية، خروج الأب من السجن وتحوله السياسي من مناضل يساري إلى مثقف مهزوم، وهروبه من مسؤوليات أسرته الصغيرة باتجاه حياة أكثر تحرراً وانطلاقاً خارج مصر كلها.

"اللي خرج مش هيرجع زي ما كان"

تبدو محاكمة الأب هي الواجهة الأساسية لتجربة عائلة مرتضى التي يعيد بسام صياغتها في فيلمه، يستمع إلى مرافعة أبيه الذي لا يبدو مشغولاً بالدفاع عن نفسه قدر انشغاله بالتأصيل أو البوح بما حدث "لأول مرة أحس إن ليا أحلام على المستوى الشخصي"، وتأتي هذه المرافعة بالتزامن مع لقطات للأسلاك الشائكة التي تحبس السماء ثم ظل بسام -في تمثله لحكي أبيه- وهو يسير منعكساً على خطوط القضبان التي تحبس الأرض.

يحاول بسام أن يبدو محايداً استغلالاً لأسلوب إعادة البناء التعبيرية، نراه وهو يعيد تمثيل المشاهد التي يرويها الأب في السجن والزنزانة، وحتى بعد الإفراج عنه، كأنه يريد أن يمنحه كل الحق في تفهم موقفه الحارق تجاه بسام ووالدته "فردوس"، التي نراها في الناحية الأخرى من الفيلم وهي تحكي سرديتها عن الأحداث، وعن حقيقة ما حدث من وجهة نظرها، التي تريد أن تبدو محايدة هي الأخرى، لكنها ليست كذلك بالطبع.

في محاولة منه لتفكيك موقف الأب وتحليل مشاعره في تلك اللحظات، يذهب بسام للغوص في حوض لشرب البهائم، ليعيد تأطير الحالة التي خرج بها الأب من السجن، وذهب ليغوص في حوض مشابه كما يحكي أمام الكاميرا، إنها معايشة اللحظات التي تنتجها ذاكرة الأب كرغبة من بسام في تحقيق التوحد الكامل من أجل استيعاب الماضي والتاريخ الفارق بالنسبة لأسرته.

تؤكد الأم في روايتها أن "اللي خرج مش هيرجع زي ما كان" على حد تعبير الأب، وهو ما يمتد ليس فقط في الماضي ولكن حتى في حاضر الأسرة، حيث يختار بسام توقيت مثالي جداً للتصوير مع أبيه، في أثناء انتقاله إلى بيت جديد، لقد كان خروج الأب وقت حبسه عام 1989، خروجاً مؤقتاً في ظاهره، لكنه في حقيقة الأمر لم يعد مرة أخرى بالفعل، أو أن من عاد ثانية بعد الإفراج عنه لم يكن الأب الذي عرفوه.

لهذا كان اختيار توقيت العزال أشبه بإعادة إنتاج جانب مهم من اللحظة، التي تبعت خروج الأب النفسي والمادي والمجازي من بيت الأسرة، عقب الإفراج عنه.

لكن مع انتهاج بسام لأسلوبية إعادة التشكيل التعبيري للذكريات والهواجس، حتى حلمه نفسه بالسقوط يجسده في مشهد تعبيري، يمكن أن نسأل: هل هناك إفراطاً في استخدام هذا التكنيك؟، هل زاد الاستدعاء عن الحد فأغرق التجربة في مزيد من الذاتية المغلقة على صانعها، وصنع ثقباً أسود يبتلع الحاضر لصالح استدعاءات الماضي التي لا تنتهي!

خاصة أن الماضي يحتوي على كل التفاصيل والأفعال وردود الأفعال والحوادث الكبار، كما نراها تعبيرياً وأرشيفياً وعبر الحكي والشخصيات، في حين أن الحاضر لا يحتوي سوى على تفاصيل قليلة جداً، أهمها بالطبع موت الأم "فردوس" خلال التصوير، مما عمق الهوة من جديد بين الأب والابن، وهو جانب بصري مهم لا يمكن إغفاله حيث الانفصال المستمر من البداية في التكوينات ونظرات العيون في جلساتهما المشتركة، أو كما يقول الأب: "فينا حاجة شبه بعض"، ولكن بنبرة مطبعة دون روح أو طعم.

هزيمة الحاضر

ينتقل الأب من بيت لآخر، تموت الأم خلال التصوير، يقرر الأب التوجه إلى الأرض التي اشتراها في قرية الفردوس بالفيوم، القرية التي تحمل في صدفة قدرية اسم الأم الراحلة، ثم النهاية المتوجة بسؤال مفتوح، هذه هي فقط مجموع أحداث الحاضر التي يتفوق عليها الماضي بكل حمله النفسي والشعوري والشخصي، حتى ظهور الممثل سيد رجب نفسه، نراه في هيئة ماضوية وهو يحكي عن تجربة اعتقاله مع الأب، ويستعيد جانب مؤلم من ذكرياته عن الرحلة والمرحلة.

يبدو الحاضر في الفيلم مهزوماً أكثر من الماضي، رغم ما يحمله الماضي من حكايات عن هزائم لا حصر لها، ففي تتابع لماح يمزج بسام بين حديث الأب عن فيلم "شحاذون ونبلاء" للمخرجة أسماء البكري، وبطولة صلاح السعدني، إنتاج 1991، خاصة في مشهد انهيار بطل الفيلم المثقف الخاسر لمعركته الاجتماعية والسياسية وبين الأب وهو يجلس من نفس الزاوية شبه منهار على كرسي في منزله الجديد، بينما شريط الصوت يتحدث عبر تسجيلات الأب التي كان يرسلها لابنه عن الفيلم، وكأنه يصف ذاته، سواء في نظرته لأحلامه، ونظرة بسام نفسه للأب بعد أن سافر إلى فيينا تاركاً إياه وأمه من أجل بداية جديدة، أو غسل ملامح قديمة كما نرى الأب وهو يغسل وجهه في الحاضر، كأنما تتنقل المجازات بشكل مركب ومرعب في الوقت نفسه، ما بين (زمان) والآن.

ولا يكتفي بسام بإعادة معايشة مشاهد من حياة أبيه، بل يعيد تمثيل نفسه على اعتبار أنه لا يزال الطفل الصغير الذي ينظر إلى تحولات العالم الكبرى في السنوات الفارقة من عام 1989 إلى 1991، كانهيار الشيوعية وسقوط حائط برلين وغزو الكويت، وكأنه غير مستوعب لتأثير كل هذا على حياته وحياة أمه، وهما اللذان تركا نهبا للإحباط والتخلي والوحدة.

وفي سياق محاكمة الأب/ الماضي يقوم بسام بمواجهة والده بالمشاهد التي أعاد فيها بسام تشخيص دور الأب، كأنه يعيد تذكيره باللحظات التي لا يبدو أنه نسيها، ولكن على صوت الأم الخشن جراء سرطان الحنجرة، كممثل الادعاء، وهي تحكي عن الأيام الأولى بعد الخروج وقبل الهروب.

حتى انتقاء التيمة الموسيقية لفيلم "الاختيار" على صوت الأم وهي تحكي عن هروب الأب، يؤكد على اعتبار أنه جزء من هزيمة المثقفين في تلك الفترة، و"الاختيار" هو الفيلم الذي حاكم فيه يوسف شاهين ازدواجية المثقفين وحملهم جزءاً من مسؤولية هزيمة 1967 بسبب خيانة المبادئ والنظرة الملفقة للواقع بغرض الصعود الطبقي والمكاسب الشخصية، ثم ترحل ممثلة الادعاء بعد أن ألقت بشهادتها عن الأب والفترة، ويعلن بسام: "جوايا يا بابا زعل أمي منك وبقى تجاهله خيانة".

الفردوس المفقود

عقب موت الأم تتسع المسافات بين الأب والابن ثانية بصرياً ومكانياً بصورة واضحة، حيث يبدو التكوين الدرامي وبينهما كتلة جدار ضخمة مقصود ومؤلف وغير عفوي، لكن يمكن تقبله ضمن سياق المجاز التعبيري، هناك عدة لحظات في الحاضر تبدو مستعادة وممثلة بين الأب والابن، لكنها متقبلة في الإطار الذي أشرنا إليه، خصوصاً مع انتقاء بسام لتسجيلات صوتية للأب يعاتب فيها بسام الصغير لأنه تأخر في إرسال خطابه المعتاد.

يختار بسام لقطات لما تبقى من البيوت المهدمة على جانبي الطريق الدائري في الجيزة، مع تعليق صوتي يفيد إتاحة الفرصة للأب للذهاب إلى منزل الأم "فردوس" في حي حلوان -مسقط رأس العائلة الأول- بعد رحيلها، وذلك في دلالة واضحة، لقد تهدم البيت وسقط عمود الفردوس/ الأم، واختفت جدرانه مجازياً تماماً مثل الشقق والعمائر على جانبي الطريق التي تحمل بقايا ألوان البشر التي سكنوها قبل أن يتم تهجيرهم لصالح توسعة الطريق نحو ما كان يتصوره الأب (إنجازات).

في النهاية يحاول بسام موازنة موقف الأب الشخصي بين كفة هجران العائلة، وكفة انهيار أحلامه السياسية (كما في حكاية العامل الذي دعمه الأب في ترشحه لمجلس الشعب ضد الحكومة، ثم انضمام العامل إلى الحزب الحاكم -الوطني- بعد نجاحه في الانتخابات الشرسة، مدعياً بذلك أنه يخدم أهل دائرته بصورة أفضل).

بعد هذه الموازنة النسبية تعود المسافات لتقترب بصرياً في بيت الأم، عقب غياب (قلبها الصغير) كما تطلق عليه في الخواطر التي تركتها بقلمها لبسام، لكن بسام على ما يبدو لا يغفر الغياب لا لأبيه ولا لأمه، ويطلق صرخته العامة أخيراً (الأكيد أن ماليش مكان هنا.. بس خايف أسافر).

هذا الاعتراف المهم هو العنصر الأساسي وشبه الوحيد الذي يخرج الحكاية الخاصة من إطار الذاتية الشديدة والانغلاق على الموضوع الأسري، ليؤكد على التماس مع الهم الاجتماعي والسياسي العام، ومع الحاضر في الوقت نفسه، حيث نسمع المذيع عمرو أديب وهو يتحدث عن اليوم الأخير في حياة مصنع الحديد والصلب قبل هدمه.

بهذا الاعتراف، يبدو بسام وكأنه يتحدث عن حال شرائح كثيرة من الجيل الذي يمثله، والذي انهارت أحلامه كلها دفعة واحدة، وفسد واقعه، واعتم مستقبله في ظل مناخ مقبض وخشن ومصمت، وبالتالي يصبح سؤال السفر والخروج -كما أجاب عليه الأب قبل سنوات- هو السؤال الأهم والأشمل والأكثر شيوعاً، خاصة مع جدلية الإجابة وصعوبة تحققها في الحاضر على مستويات كثيرة.

يمكن الجزم بأن هذا الاعتراف/ السؤال، حرر بعض من ذاتية الفيلم المحوطة للسردية، وأطلق العنان لبعض تنهدات الإجابات الغامضة والبعيدة، وخلق التوازي المنتظر بين جيل الأب وجيل الابن في "حبستهما" المجازية ودواعي خروجهما، حتى ولو لم يتحقق على مستوى الابن حتى الآن.

في عام 1989، كان أبو زعيل مجرد سجن اعتقل فيه الأب، أما في 2024 فيبدو أن المكان كله صار بالنسبة لجيل بسام، أبو زعبل.

* ناقد فني

 

الشرق نيوز السعودية في

28.11.2024

 
 
 
 
 

عبد المحسن الضبعان:

صناعة السينما لا تزال تخيف الكثير من المنتجين الكبار

أحمد عدلي

على ضفاف نيل القاهرة، كان المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان يتابع ردود الفعل على فيلمه الجديد «ثقوب» الذي عُرض ضمن مسابقة «آفاق عربية» بالدورة المنتهية من مهرجان القاهرة السينمائي، ما بين منتقد ومشيد بالتجربة السينمائية السعودية الجديدة.

في فيلمه الجديد يذهب المخرج السعودي إلى منطقة جديدة على السينما العربية، وهي تناول حياة المحكومين السابقين بتهم الإرهاب والمتورطين فيه عندما يحاولون العودة للانخراط في الحياة الطبيعية.

الضبعان الذي يقدم تجربة مليئة بالتفاصيل السينمائية عمل عليها على مدار عدة سنوات، تحدث في لقاء مع «فاصلة» عن تفاصيل المشروع وتجربته الإخراجية متحدثًا عن فيلمه الجديد ومسيرته السينمائية، وإلى نص الحوار

*تستكمل في «ثقوب» مسيرة سينمائية مستمرة منذ نحو عقدين، ما التغيرات التي تشعر بأنها برزت بشكل أكبر في الفيلم؟

– لا يوجد تغيير، فالإخراج السينمائي هو بحث مستمر عن «الصوت الخاص» أو الأسلوب الذي يعكس هوية المخرج. وقناعتي أن أي فنان جاد، يسعى للتميز بوضع لمسته الخاصة. ومن المهم أن يُعرف الفيلم بصاحبه، فالتطورات التي شهدتها صناعة السينما في العقود الماضية -بالنظر لكونها فن حديث نسبيًا- كبيرة جدًا، فهي فن متأثر بالصناعة من جهة وبالرؤية الفنية من جهة أخرى.

على المستوى الشخصي، السينما التي أسعى لتقديمها هي سينما المؤلف، الساعية للبحث عن صوتها الخاص وترتبط بشريحة معينة من محبي السينما والشغوفين بها. إيماني أن تطور السينما كفن جاء نتيجة رؤى فنية جادة أكثر من اعتماده على الصناعة. ومع ذلك؛ لا يمكن إنكار أن الصناعة لعبت دورًا حيويًا في بقاء السينما واستمراريتها، فلولا الصناعة، لربما أصبحت السينما فنًا محفوظًا في المتاحف، لكنها الآن فن حي يتفاعل مع جميع متغيرات الحياة، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، سياسية، أو تاريخية، هذا التفاعل هو ما يجعل السينما فنًا ممتدًا وقادرًا على التطور مع الزمن.

*اخترت في ثقوب تناول موضوع شديد الحساسية، حول الإرهاب والقضايا المرتبطة به، ما سبب حماسك لهذه الفكرة؟

في الفيلم، لم يكن التركيز على هذا الجانب بشكل مباشر، لكنني أردت أن يكون حاضرًا كخلفية عند مشاهدته أو حتى عند محاولة قراءته بطرق متعددة، ومع ذلك، ما كان يهمني فعلًا هو الأداة الأساسية للإرهاب، وهي العنف.

الفيلم يقدم شخصيتين، كل منهما تُقارب العنف بأسلوب مختلف، فلدينا الشخصية الأولى التي تعبر عن عنف مكبوت يوجه إلى الأشياء الجامدة؛ كأنها تفجر طاقتها السلبية من خلال تدمير الحجر والطوب والجدران والزجاج، بدون إيذاء الآخرين. بينما الشخصية الثانية، تمثل تطورًا آخر للعنف؛ عنف مباشر موجه نحو الناس، سواء كان عنفًا لفظيًا أو جسديًا، وقد يكون هذا الشخص صديقًا أو قريبًا.

ما يثير اهتمامي حقًا هو كيف يصبح العنف قوة مسيطرة على حياة الإنسان، تؤثر في رؤاه وفي وجوده ذاته. الإرهاب الذي اجتاح منطقتنا بشكل عام، وربما السعودية على وجه التحديد، يكمن رعبه الأساسي بالنسبة لي في فكرة العنف. وأكثر ما يرعبني هو فكرة العنف المكبوت، التي أعتقد أنها الأساس الذي يُنتج الإرهابيين.

فالإرهاب ليس مجرد خيار أو فعل، بل هو حالة داخلية متأصلة تنبع من أعماق الفرد، هذا الجانب هو ما أرى أنه يستحق الاهتمام، سواء من الناحية الفنية أو الأدبية، ورغم أن الأدب السعودي والعربي قد تناول هذا الموضوع بشكل ما، إلا أنني أعتقد أن هناك مساحة غير مكتشفة بعد؛ وهي دراسة العنف المكبوت داخل الأفراد وتأثيره على المجتمع.

*هل قصدت من خلال الفيلم خلق حالة تعاطف مع الشخص المدان بالتطرف؟ خاصة عندما حاول إعادة الاندماج في المجتمع، رغم أنه لم يكن مقبولًا بشكل كامل؟

بالتأكيد، والتعامل مع هذا الموضوع يعتمد على فهم العنف كشيء قد يكون متجذرًا داخل النفس بشكل كامل، دون أن نعي وجوده أحيانًا. عندما نحاول أن نتأمل أو نتخيل سيناريو مختلفًا لحياتنا، غالبًا ما نتخيل أنفسنا بعيدين عن معاناتنا الحالية. على سبيل المثال، إذا كنت أعيش في شقاء، أتخيل نفسي في حالة بعيدة عنه. إذا كنت بعيدًا عن أمي، أتصور نفسي قريبًا منها وربما أعتني بها كخادم. وإذا كنت أعاني مع ابني، أتخيل أنني لا أملك ابنًا من الأساس. هذا الإطار هو ما نميل للتفكير فيه عند محاولة تصور حياة مختلفة، لكن العنف يختلف. فالعنف هو العنصر الباقي، المتجسد، الذي يصعب فصله أو تفكيكه أو حتى فهمه بوضوح. وهو ما حاولت الحفاظ عليه كعنصر ثابت بين الشخصيتين، لأنه ليس من السهل إدراكه كجزء من الذات، أو حتى التعامل معه وتغييره بسهولة.

*الفيلم عُرض للمرة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. هل تعتقد أن مشاركة الأفلام في المهرجانات رغم الإشادة التي تحصل عليها الأعمال قد تكون محبطة أحيانًا، ما رأيك في هذا الأمر ولك تجارب مع أكثر من مهرجان؟

بالنسبة لي، لا أرى الأمر محبطًا على الإطلاق. نحن نصنع الأفلام ليس فقط للمشاركة في المهرجانات، بل لإيصالها إلى جمهور السينما، ما يهمني هو الجمهور؛ لأن لكل نوع أو جنس سينمائي جمهوره الخاص، فئته التي تتفاعل معه وتقدّره. ولهذا، أرى أن الهدف الأسمى هو أن يصل الفيلم لمن يتأثر به ويجد فيه شيئًا يعكس تجربته أو رؤيته.

عندما أعمل على إنتاج فيلم، لا أبدأ بالتفكير في المشاركة بمهرجان محدد. الهدف الأول بالنسبة لي كصانع أفلام هو أن أحقق رؤيتي الفنية وأن يعكس الفيلم الحلم الذي أسعى إليه. عملية صناعة الفيلم شاقة جدًا، وتحتاج إلى جهد كبير للخروج بعمل يحقق تطلعاتي. لذلك، أعتقد أن أول ما يشغلني هو إنجاز الفيلم بالطريقة التي أطمح إليها.

بالطبع، الحلم موجود دائمًا في أن يشارك الفيلم في أهم المهرجانات السينمائية. هذا جزء من طموح أي مخرج، لأن المشاركة في المهرجانات تمنح الفيلم فرصة أكبر للوصول إلى جمهور أوسع وتحقق له سمعة أفضل. وبالنسبة لي، كانت تجربة عرض فيلمي الأول في مهرجان دولي تجربة ملهمة. كان المهرجان الذي شاركت فيه يحمل ثيمة معينة، وهي العلاقات الأسرية، وكان فيلمي يتناول موضوعًا قريبًا من هذه الثيمة. ربما كنا محظوظين بهذا التوافق، مما ساهم في قبول الفيلم وعرضه ضمن المسابقة.

فيلم «الخطابة» يمكن أن يُصنف بنوع مختلف تمامًا، فهو أقرب إلى «تي في موفي» أو حتى إلى تجربة سينمائية على منصة البث. يبرز الفيلم كفرصة لاستكشاف ميدان جديد في أفلام الإثارة النفسية والأفلام الطقوسية بشكل عام، التي تزداد شعبيتها اليوم. في الواقع، أغلب الأفلام الحالية، رغم أنها قد تبدو كأفلام رعب، إلا أنها ليست من النوع الذي كنا نشاهده في السبعينات والثمانينات. الأفلام التي ظهرت بعد الجائحة تهتم بشكل أكبر بالعناصر غير المنطقية وغير المعقولة أكثر من كونها تركز على الوحوش أو مصاصي الدماء أو الزومبي، هي أفلام طقوسية تسعى لاستكشاف عوالم أكثر غرابة وغموضًا بعيدًا عن النمط التقليدي لأفلام الرعب.

*في الفيلم الذي تقدمه، هل تخشى من أن الجمهور قد لا يفهم أدوات السرد غير المباشرة؟ وهل تعوض هذا القلق بوجود حوارات تشرح بعض الأجزاء الفنية كما شاهدنا في «ثقوب» على سبيل المثال؟

– بالطبع، فكرة الشرح هي أكثر ما يخيفني شخصيًا. عندما قررت خوض هذه التجربة، كان يجب أن أكون أمينًا في تقديمها حتى النهاية، إذا كنت سأصنع فيلمًا يتعامل مع مفاهيم معينة في مجالات مثل علم النفس أو علم الاجتماع أو الفن بشكل عام، يجب أن أكون مخلصًا تمامًا لهذه الأفكار.

فكرة الشرح بالنسبة لي تؤذيني كثيرًا، وأعتقد أن السينما توفر أدوات قد لا توجد في فنون أخرى، مثل المونتاج. فالمونتاج يمكن أن يكون وسيلة لإعادة كتابة الفيلم بعد إنتاجه، بحيث يكون أكثر وضوحًا أو قابلًا للفهم إذا اكتشفت ثغرات أو مشاهد غير مفهومة. لكن بالنسبة لي، هذه الفكرة مرعبة للغاية، ويجب أن أكون مخلصًا للفكرة التي أعمل عليها، وإذا فشلت في تقديمها بشكل صحيح في مشروع قادم، قد أقرر عدم إتمامه، وسأكون شجاعًا بما يكفي لأوقف الفيلم إذا كنت أشعر أنني قد تلاعبت بالفكرة أو أنني لم أقدمها بأمانة.

*هل تشغلك الإيرادات عند صناعة الأفلام؟

الأفلام التي تهدف إلى تحقيق النجاح في شباك التذاكر أو التي تُقدّم للجمهور بشكل تجاري طبعا يتوقف صناعها أمام الإيرادات؛ ولكن بالنسبة لي، الأفلام من هذا النوع ليست الهدف الأساسي، أفضل أن يحضر الجمهور الفيلم، لكن ليس بالمعنى تحقيق الربح التجاري. إذا تم عرض الفيلم على منصات أو في مهرجانات أو فعاليات ثقافية مثل «سينما زاوية» في مصر أو «حي جميل» في السعودية، فإن هذا يهمني أكثر من مجرد شباك التذاكر. بالنسبة لي، من المهم أن يرتبط الجمهور بالفيلم في سياقات ثقافية وفنية، وهذا النوع من التفاعل مع المشاهدين يعنيني أكثر من تحقيق الإيرادات في شباك التذاكر.

*هل الشعور بالحرية في صناعة الأفلام يجعلك تركز على تقديم ما تحبه بدلًا مما يريده الجمهور؟

– الطبع، عندما أفكر في الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم أكون مستعدًا لتجربة فنية عميقة، حتى إذا كانت تلك التجربة قد تحتوي على عناصر صعبة أو غير مألوفة، هذا هو نوع الفيلم الذي أبحث عنه، مثلا؛ فيلم من مخرج أتابعه منذ عشرين عامًا وأبحث من خلاله عن تشبع فني، لكن عندما أذهب لمشاهدة أفلام مارفل أو الكوميديا المصرية، يكون لدي توقعات مختلفة، مثل الرغبة في الضحك أو الاستمتاع وهي حالات مختلفة تمامًا.

*هل تعتقد أن السينما السعودية تواجه صعوبة في استمرار دعم الأفلام المستقلة، وهل يمكن أن تستمر هذه الأفلام في الظهور بنفس الدعم الذي نراه الآن؟

لا أخاف من صناعة أكثر من فيلم مستقل، حتى إذا لم أحصل على دعم لفيلم آخر. السينما المستقلة صعبة، أحيانًا قد لا تستهوي المنتجين الذين يبحثون عن النجاح التجاري في شباك التذاكر. ومع ذلك، أرى أن الدعم غير المحدود من وزارة الثقافة ومؤسسات وطنية كبرى مثل «إثراء» يظل عنصرًا هامًا في دعم السينما المستقلة.

بالنسبة لي، من المهم أن يكون هناك دائمًا مجموعة من الأفلام المدعومة من الحكومة، كما يحدث في دول مثل فرنسا، التي تحتفظ بفيلمها الفرنسي كمنتج ثقافي، رغم أنها واحدة من أكبر أسواق السينما في أوروبا، فلا تزال تحتفل بالسينما كمنتج ثقافي، وهذا يجب أن يكون موجودًا في السعودية أيضًا، ولست قلقًا من السينما التجارية؛ وأعتقد أن السوق في السعودية قوي، وما يعيق الإنتاج هو عدم وجود أفلام ضخمة تواكب احتياجات السوق، وليس خوفًا مبررًا من المجتمع. الشركات الكبرى ما زالت مترددة في ضخ أموال ضخمة في صناعة الأفلام، وبدلًا من ذلك تفضل استثمارها في منصات البث التلفزيوني أو المسلسلات، ولكن عملية صناعة السينما لا تزال تخيف الكثير من المنتجين الكبار.

*هل تعتقد أن هناك تقبلًا للأفلام الفنية في السعودية باعتبارها تجارب أولى أو في مراحل البداية، وبالتالي يتم التجاوز عنها أو عدم الحكم عليها بشكل صارم مثلما يحدث في السينما المصرية؟

– أعتقد أن لدينا الآن منصة مهمة لدعم إنتاج الأفلام المستقلة بكافة أنواعها، سواء كانت طويلة أو قصيرة أو وثائقية، وهي «مهرجان الأفلام السعودية»، هذه المظلة تعد ضرورية لدعم الأفلام الإبداعية والفنية المستقلة. ونتمنى أن يكون هناك تعدد في هذه المنصات، وأن يكون لدينا فعاليات أكثر مثل مهرجانات أو نوادي سينما أو أماكن خاصة بالفن السينمائي.

 المملكة بحجمها الكبير، لديها أكثر من خمسة مدن تستحق أن يكون فيها منصات سينمائية لدعم الأفلام المستقلة. أما فيما يتعلق بالانتشار، فإن الأفلام التي يصنعها الفنانون المستقلون عادة لا تجد الفرصة في الوصول للجماهير الواسعة، ولذا فإنها غالبًا ما تبقى محصورة في المهرجانات، مثلما حدث مع الأفلام السعودية القصيرة في البداية عندما شاركنا في مهرجانات مثل دبي وأبوظبي والبحرين وإسماعيلية وباريس، لكن الجمهور السعودي لم يكن يشاهد هذه الأفلام بشكل دائم. وهذا يعود إلى طبيعة هذه الأفلام القصيرة التي ما تزال تعتبر نشاطًا ثقافيًا خاصًا يرتبط بمجموعة من محبي السينما، ولا بد من وجود مظلة تجمع هؤلاء من خلال مهرجانات أو نوادي سينما، لكي تكتمل عملية المشاهدة والتحفيز.

على سبيل المثال، عندما بدأنا في صناعة الأفلام القصيرة في 2006 و2007، كنا نشارك في المهرجانات وكان لدينا شغف بمشاهدة أفلام زملائنا. هذه التجربة حفزتنا على الاستمرار، وكنا نطمح لتقديم أفلامنا في نفس المهرجانات في الدورات القادمة، وبالفعل بدأت الأفلام السعودية في المشاركة بشكل أكبر في المهرجانات في السنوات التالية.

*كيف ساعدتك الكتابة الصحفية في مسيرتك، وهل تفكر في ردود فعل الجمهور أثناء العمل؟

– الكتابة الصحفية في بدايتي كانت نابعة من شغفي بالسينما، وبدأت في المنتديات بأوائل الألفية، حيث كانت منتديات شائعة في السعودية، كنت جزءًا من مجموعة من الشباب الذين يشاركون مُعرِّفات وهمية ويتناقشون حول الأفلام ويكتبون عنها. هذه التجربة ساعدتني بشكل كبير، حيث تعلمت من خلالها الكتابة النقدية والتفاعل مع جمهور السينما.

في الفترة من 2001 إلى 2006، بدأت الكتابة الصحفية الفعلية في صحيفة «الرياض». في هذه المرحلة، كنت أكتب مقالات نقدية، لكنني كنت أفضل أن أكون محايدًا ولا أعرف نفسي كناقد لأنني أحترم فن النقد، حاولت تقديم مقالات تثير حماس القراء لمتابعة السينما، سواء كانت المقالات عن أفلام أو مخرجين أو ممثلين، وكنت مهتمًا بشكل خاص بمفهوم «سينما المؤلف»، وأركز على ربط الأفلام بمخرجيها بدلًا من نجومها، لاعتقادي أن المخرج هو الذي يشكل هوية الفيلم بشكل أكبر، وأعتقد أن هذا الفكر ساعدني في الكتابة، حيث كنت أبحث دائمًا عن تقديم سياق أوسع للفيلم بدلًا من التركيز على النجوم فقط.

فيما يتعلق بالعمل حاليًا، فأنا أحيانًا أفكر بعقلية الناقد أثناء الكتابة، وأحاول أن أضع نفسي في مكان الجمهور وأتخيل كيف سيقرأ الفيلم. ولكنني لا أحب أن أتعامل مع الفيلم باعتباره مجرد طبقات أو مستويات قراءة معقدة. أحب أن يكون الفيلم بسيطًا في بنائه مع خلفية تساعد في فهم الأحداث.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

28.11.2024

 
 
 
 
 

«هنو» يحسم الأزمة مبكرًا!!

طارق الشناوي

قبل أيام قلائل، طلبت من وزير الثقافة د. أحمد هنو أن يحسم مبكرًا ملف مهرجان القاهرة السينمائى، وأنهيت المقال بتلك الجملة: (يجب المسارعة بالقرار أمس قبل اليوم).

كل التفاصيل تؤكد أن الساعات القليلة القادمة سوف تشهد قرارًا بتعيين حسين فهمى رئيسًا للمهرجان فى دورته التى تحمل رقم 46.

من الواضح أن هناك اتفاقًا شفهيًا تم بين الوزير و«حسين» قبل الافتتاح، أخبره باستمراره رئيسًا، ولهذا أعلن «حسين» فى مؤتمر صحفى، قبل أسبوعين، مع عدد من الصحفيين العرب، أنه سيغلق ملف هذه الدورة، ليبدأ قراءة الدورة القادمة.

تعودنا أن القرار ينتظر شهر مايو مما يؤثر سلبًا على كل أنشطة المهرجان، فى الاختيارات من فريق العمل، وحتى الأفلام. المسارعة بالقرار ضربة بداية صائبة لمهرجان يرنو لكى يقفز فوق العراقيل.

كنت أتابع ما يجرى على (السوشيال ميديا)، من تصدير صورة ذهنية خاطئة لكى توجه قرار وزير الثقافة.. ومع الأسف، الكثير من القرارات التى أقرؤها أجد فيها رائحة ما تشير إلى (السوشيال ميديا)، ليس بالضرورة أن هناك دافعًا ماديًا، تلعب العاطفة دورًا فى الوصول إلى تحديد مواصفات سلبية أم إيجابية، تظل لصيقة بشخص ما، وهو أبعد ما يكون عنها.

لدينا خلط بين مواصفات الناقد السينمائى والمدير الفنى، الزمن تغير، يجب أن يختار المدير الفنى من له دراية بالصناعة السينمائية، النموذج العملى هو العراقى الهولندى انتشال التميمى، وبالمناسبة لا أرشحه لمهرجان القاهرة، فهو لن يترك العمل بمهرجان الجونة، عندما وقع اختيار المهندس نجيب ساويرس، عام ٢٠١٧، على «انتشال» كان يدرك أنه من القلائل الذين يجيدون فك (شفرة) شركات الإنتاج العربية والدولية، وكيف يقتنص الفيلم، وهكذا انطلق مهرجان (الجونة) بعد أن وقع اختياره على الرجل المناسب. الصحافة المصرية تساءلت: كيف يختار نجيب ساويرس عراقيًا ولدية عشرات من المصريين؟، لأننا كنا نفكر بالمعادلة القديمة وهى البحث عن ناقد كبير.

«انتشال» ليس ناقدًا ولا كاتبًا ولا منتجًا ولا مخرجًا، ولكنه خبير مهرجانات، بينما الناقد كلما اقترب من الصناعة ومعادلات شركات الإنتاج باتت تلك المساحة محسوبة عليه. «حسين» أدرك هذا التغيير، كانت لديه ترشيحات لأسماء أخرى قبل أن يلجأ لورقة عصام زكريا، سبقه أكثر من ترشيح، تعذر الاتفاق لأسباب مختلفة، ولم يكن أمامه الكثير من الوقت ولا الاختيارات الأخرى.

«عصام» لديه خبرة من خلال رئاسته مهرجان الإسماعيلية، إلا أن التعامل مع الفيلم التسجيلى والقصير كصناعة سينمائية له مفاتيح مختلفة تمامًا عن الروائى الطويل.

أيضًا مواجهة الأزمات والقدرة على ضبط النفس هو ما كان ينبغى أن يتحلى به المسؤول، المهرجان بدأ بحالة من الجمود بين حسين وعصام وعدم رضا من حسين. الوجه الآخر للصورة أن القطاع الأكبر من الذين رشحهم عصام للعمل تحت رئاسته صاروا يتهمونه بالتدخل فى عملهم وتغيير قرارات عديدة اتفقوا عليها، إلا أنهم قرروا عدم التصعيد إعلاميًا، ربما قدموا شكاوى لحسين، على الأقل لتبرئة ساحتهم عند المراجعة النهائية. لست موقنًا أنهم تقدموا بذلك قبل الافتتاح إلا أننى موقن أنهم فعلوها بعد انتهائه.

منصب المدير الفنى لمهرجان القاهرة له بريقه وجاذبيته، وليس كما يعتقد البعض مكافأة مادية يحصل عليها المدير. أتصور أن هناك كُثرًا يحلمون بالمنصب. مؤكد هناك من يصلحون من الجيل الحالى وأيضًا السابق. وغالبًا بدأ حسين فى التواصل معهم.

وتبقى كلمة، أتمنى أن يتحلى حسين فهمى بهامش أكبر من الديمقراطية للاستماع إلى كل الآراء، وليس معنى الاختلاف أن هناك من يوجه ضربات شخصية له.

مهرجان القاهرة سيظل قبل وبعد حسين يحمل اسم مصر، ينتظر فقط من يعيد إليه الانضباط والبريق!!.

 

المصري اليوم في

28.11.2024

 
 
 
 
 

خالد محمود يكتب l «

العام الجديد الذى لم يأتى أبدا».. صاحب «الهرم الذهبى» يجعلنا شهودًا على حياة شعبه البائسة

 

تعذر نقل المقال من موقع بوابة أخبار اليوم المصرية.. اضغط على العنوان لقراءة المقال

 

أخبار اليوم المصرية في

28.11.2024

 
 
 
 
 

فيلم "أبو زعبل 89".. بورتريهات البطل الضد

آية طنطاوي

في بداية فيلمه التسجيلي أبو زعبل 89 يسأل بسام مرتضى أمه "ليه خدتيني معاكي الزيارة؟" حين رافقها صغيرًا في زيارة لوالده في السجن. يستدعي المخرج الأربعيني من ذاكرته مشهدًا بعينه للطفل الذي كانه، ممسكًا بيد أمه، لزيارة والده محمود مرتضى في سجن أبو زعبل. ومن السؤال تتوالد الأسئلة والمشاعر المتناقضة التي تدفعنا للتأمل الذاتي لنشارك المخرج الرغبة نفسها في الفهم. بالأحرى نشاركه في رؤية ذاكرته.

يحاول الأب محمود مرتضى أن يتذكر تفاصيل اعتقاله في مارس/آذار 1989 إثر إضراب عمال الحديد والصلب "الحبسة دي غريبة لأن فيه أصدقاء ليا في الحبسة مش فاكرهم بس يبدو إن الذاكرة سقطت مني. سيد رجب بيفاجئني بوجوده في الحبسة وعامل عرض حكي عنها خلاني نفسي أشوف العرض ده".

استعادة الذاكرة بالحكي والصور الضبابية هي الطريقة التي بنى بها بسام فيلمه، حاضر يستحضر ماضيًا. يُحضر بسام سيد رجب ليعيد العرض مرة أخرى على خشبة المسرح، فيحكي عن اعتقاله وسجنه مع محمود وبقية الرفاق. يحضر محمود العرض في عرض خاص ليسد فراغات الذاكرة. لكن لماذا أصلًا يستدعي الابن هذه المشاهد من ذاكرة أبيه؟

محاكمة الأب

لا يمكنني اختزال الفيلم بوصفه تسجيلًا ذاتيًا عن علاقة مخرج فيلم بوالده اليساري والسجين السياسي السابق، ولا مجرد محاكمة أب عن فترة سُجن فيها فدفعت الأسرة كلها الثمن. 

يدفعني الفيلم للوقوف عند مدى شرعية محاكمة الأب، يشتبك الخاص بالعام ويمتد الخيط لجيل يناير الذي حاكم سلطة مبارك الأبوية الديكتاتورية، ليست المحاكمة هنا محض تمرد، بل تأمل هادئ لشعور داخلي قوي بالهزيمة سببها الرئيسي الأب، حضوره وغيابه.

مشهد من فيلم "أبو زعبل 89"

ما يميز صانع فيلم عن آخر هو لغته السينمائية التي اختارها ليعبر عن وجهة نظره بالصورة أو الكلمات، وبسام أجاد توظيف الاثنين. بالكلمات طرح الأسئلة مستخدمًا المجاز، وبالمونولوج الداخلي والأغنيات والقصائد والأفلام، كشف مشاعره الكامنة، كتعرية مخاوف أمه من أن يتحول لنسخة من أبيه. وبالمجاز أيضًا عبّر عن الانفصال النفسي بينه وبين أبيه.

لم يخلع بسام رداء الأب، هو يرتديه عن وعي، وحين يحكي الأب عن حبسه الانفرادي نرى بسام سجينًا وحيدًا في ظلام ذاكرته الممتزجة بذاكرة الأب، يتقدم نحو حوض مياه آسنة ويغمر نفسه فيها، وهذا في رأيي جوهر تلك العلاقة المركبة.

وعلى العكس، كل المشاهد التي تجمع بسام بأمه فردوس بهنسي بها قدر أكبر من القرب والحميمية؛ ابن مع أمه في المطبخ والبلكونة، أو يحضنها عند السلام.

الوعي الأنثوي

حياة الأم مستقرة بعكس الأب دائم التنقل متقلب المزاج، لذلك يليق بالأب أن يكون بطلًا دراميًا، فقد تعرض لتغيرات نفسية قوية أثرت على اختياراته، بينما الأم لم تتغير وظلت حتى النهاية متمسكة ببيتها القديم.

تَغَيُّر الأب لم يكن سببه السجن. تحكي فردوس أن العلاقة كانت باردة قبل الحبس، لكنها ظنت أنها ستقوى بعد خروجه من السجن، فخاب ظنها.

حكي بسام قصة الانفصال من منظورين مختلفين، دون مواجهات أو نقد عنيف، مجرد محاولة للفهم، سرد متعدد الأصوات، وهنا تتبلور وجهة نظره كصانع فيلم تجاه الحكاية، والنتيجة أن منظوري الأم والأب يضعانا أمام الاختلافات الواضحة بين النساء والرجال في فهم كل طرف لمشاعر الآخر.

الحبسة هي السبب في تدمير هذه الأسرة

تصف فردوس مشاعر زوجها بعد خروجه من السجن "كان في حالة من حالات الـpause العاطفي"، واستطردت في تذكير بسام بمشاعره تجاه أبيه "أنت قعدت تراقبه من بعيد، وقلت لك بابا تعبان مش عيان. وكنت بتسألني انتوا متخانقين؟ وفي تدريب على التمثيل محمود قعد يتشحتف ويعيط. كان فيه ذكريات حابسها بدأت تطلع".

لم يكن الأب واعيًا بمشاعره، ومشاعر ابنه تجاهه، على عكس الأم التي لم يكن لديها رفاهية الانهيار أو تجاهل مشاعرها "كان عندي أنت والشغل، الرجالة بقى بتتكسر".

هكذا بتلقائية لا تحتاج الكثير من التخمين تختصر فردوس حالتها النفسية كامرأة وتقارنها بحال الرجال بعد الصدمات الكبرى. انهيارها سيكون رفاهية بينما الأب أخذ حقه كاملًا؛، سافر، دخل قصة حب جديدة، رفع يده عن الأسرة، لم يحمل سوى عبء نفسه، وكأن الرحلة فردية، بينما الابن والأم يدفعان ثمن الرحلة المشتركة التي، على الأقل، لم يخترها بسام بإرادته.

تسببت الحبسة في تدمير الأسرة "مش بيقبضوا ع الشخص بس. بيدمروا الأسرة" كما جاء على لسان فردوس. بعد هذا الحوار يسد صوت بسام فراغات الحكاية، كيف أصبح هو البديل محل الأب بعد غيابه، يمارس دورًا لا يخصه ويتحمل مسؤولية أكبر منه، وربما لا يفهمها، وهو ما يفسر سؤاله السابق لأبيه بعد كل هذه السنين "أنت ليه يا بابا سبتني أنا وماما ف البيت ده؟".

البطل الضد

مَن بطل هذا الفيلم؟ وهل بين شخصياته أبطال بالمعنى الذي نعرفه؟ الرجل اليساري المُعارض والسجين السياسي الذي يقف في صفوف العمال ليس بطلًا في مجتمع يميني بامتياز، وكذلك رفاق السجن والنضال الذين تهدمت أحلامهم بانهيار الاتحاد السوفيتي وتمزقت مع الانتفاضة الفلسطينية وحرب الكويت وسقوط جدار برلين، ومن قُتلوا إثر التعذيب في السجون. الأب ليس بطلًا في حكاية ابنه كما أنه تخلى عن البطولة في علاقته بزوجته وانسحب دون إبداء أسباب.

جيل حالم غير متحقق ينجب جيلًا آخر يبحث عن الخلاص بالسفر إلى الخارج

يتناص الفيلم مع عدد من الأفلام الحاضرة بقوة في مشاهده: عودة الابن الضال، عفاريت الأسفلت، شحاذون ونبلاء، نماذج سينمائية مميزة للبطل الضد في السينما المصرية، أبطال يمكنني قراءة المخرج من خلالهم، فهو امتداد لهزائمهم الصغيرة وتوقهم للحرية.

الفيلم أيضًا فرصة استثنائية لجيل من الشباب يقرأ صفحات منسية، وربما مجهولة، في تاريخ النضال السياسي اليساري المصري، في سياق بات فيه الحديث عن السياسة من المحظورات. تنبش قراءة مانشيتات أرشيفية عن الإضرابات العمالية ومقتل سجناء إثر التعذيب في سجون الثمانينات، في صفحة عامة وخاصة مسكوت عنها، تذكرنا بسبب ثورة يناير، وسلطوية الحاضر الثقيل.

في المشهد التمثيلي الذي نسمع فيه صوت ضربات عنيفة على الباب، يضعنا الفيلم أمام ذلك الشعور المفزع، شعور "القبضة"، قبض الأمن على المعتقل من بيته، وانقباض القلب، وانكسار الأمان في قلب طفل ربما لم يُشف بعد من صدمة ذلك المشهد الذي هدد بيته الآمن وصورة الأب في عينيه.

ينتهي الفيلم بسؤال مختلف تمامًا عن سؤال البداية، حيث الأب يسأل ابنه "أنت شايفني إزاي؟" ليكون الفيلم بأكمله هو إجابة على سؤال الأب.

مشاهدة الفيلم في اللحظة الحالية، بعد أجيال متعاقبة من الهزائم، وفي سياق صمت تام عن أثر السياسة على جروحنا الذاتية، يضيف بُعدًا آخر قويًا في تلقينا لفيلم أبو زعبل 89، وحصده لثلاث جوائز مهمة من مهرجان القاهرة السينمائي. أنه تقدير وإعادة اعتبار للسينما المستقلة التي تبحث عن متنفس.

 

موقع "المنصة" في

28.11.2024

 
 
 
 
 

مبرمجة أفلام آسيا بمهرجان القاهرة السينمائي: الانتقادات تخلق بيئة صحية للنقاش

كتب علي الكشوطي

قالت رشا حسني، مبرمجة منطقة آسيا وبرنامج عروض منتصف الليل بمهرجان القاهرة السينمائى، إن دور لجنة المشاهدة في مهرجاز القاهرة مقدر جدًا بالنسبة لها وهي تحب أن تطلق عليها اسم لجان الفلترة لأنها تساعد المبرمج بشكل كبير في اختيار الأفلام وبدلاً من مشاهدة 500 فيلم، يشاهد 250، وهو رقم ليس بهين.

وأضافت رشا أنها مهتمة جدًا برأي لجان المشاهدة لأنها تتابع الأفلام وتقدم تقارير كافية ووافية.

وأشارت رشا حسني إلى أنها عملت منذ 8 سنوات في المهرجان وترى أن المهرجان سيظل يعافر مهما كانت الظروف صعبة والقدرات قليلة والميزانية محدودة لأنه مهرجان عريق وكبير، وهو ما يمنحة ثقل.

وأضافت إلى أن السنيما المصرية هي الصناعة الرائدة شاء من شاء وأبى من أبى، بتاريخها وبنجومها ومواهبها، والفنين وكل عناصر الصناعة المصريين يصنعوا الفارق وأي دولة تبدأ فيها صناعة سينما يستعينون بالمصريين والمواهب المصري.

أكملت رشا حديثها أن مهرجان القاهرة لديه ميزة وهي فكرة الاكتشاف اكتشف مخرجين جدد، اكتشاف أفلام من مناطق لا نعرف شكل السينما فيها وهي عقيدة ثابتة منذ سنوات حتى من ينضم حديثا للمهرجان يعمل بنفس الهدف، البحث عن المفاجات والاكتشافات وهو ما يتسبب في ردود فعل طيبة.

واختتمت رشا حديثها بأن ردود الأفعال طيبة لأن عدد الأفلام كبير ولم يحدث منذ عام 2018 تقريبا، هناك مهرجانات  في المنطقة تعرض من 80 إلى 90 وفكرة عرض افلام الكلاسيكات لاقت إعجباب كبير وأرى شباب ومراهقين حريصون على مشاهدة النسخ المرممة وإعادت اكتشاف تلك الاعمال مثل شيء من الخوف والحرام وغيرها،  أما الهنات التي تحدث ولها علاقة بالتنظيم تحدث في مهرجانات كثيرة ومهرجانات كبرى ولكن في النهاية الانتقادات تخلق بيئة صحية ونقاش لصالح السينما.

 

اليوم السابع المصرية في

30.11.2024

 
 
 
 
 

تتمنى تقديم مشوار والدها فى عمل فنى

زينة أشرف عبدالباقى: تأثرت بمدرسة عاطف الطيب ومحمد خان أثناء تصوير «مين يصدق»

كتب سهير عبدالحميد

من الأفلام التى حققت جدلًا خلال عرضها بالدورة الـ45 لمهرجان القاهرة فيلم «مين يصدق» الذى يعد التجربة الأولى للمخرجة زينة أشرف عبدالباقى ومثل مصر فى مسابقة آفاق السينما العربية وقام بالمشاركة فى البطولة والإنتاج والدها الفنان أشرف عبدالباقى، عن تجربتها الأولى كمخرجة ومشاركتها فى مهرجان القاهرة تقول زينة: بالتأكيد حلم من أحلامى إنى أعرض فيلمًا من إخراجى فى مهرجان كبير وعريق مثل مهرجان القاهرة وعندما علمت أنه سيمثل مصر فى المسابقة العربية أصابنى هذا الأمر بخوف ومسئولية كبيرة وتحقيق هذا الحلم خلفه دعم أهم شخصين فى حياتى وهما والدى ووالدتى اللذان أمنا بموهبتى وشجعانى ودائمًا فى ظهرى فهما آمنا بى أكثر من نفسى والفضل فى خروج الفيلم للنور بعد ربنا هما والدى ووالدتى.

وأشارت زينة إلى أنها تأثرت فى فيلم «مين يصدق» بمدرسة عاطف الطيب ومحمد خان فى الإخراج خاصة من ناحية اختيار مواقع التصويرفى الأحياء الشعبية الحقيقية وتسكين الشخصيات مؤكدة أنها تميل أكثر للسينما الواقعية والتى تعتبرها من أصعب المدارس فى الإخراج.

وأضافت زينة أن الفيلم يضم ثلاثة أجيال مختلفة ويقدم الوجه المضىء والمظلم للأشخاص فكل إنسان لديه مشاكل وأيضا لديه الأشياء التى يجيد عملها والنتيجة أنه يؤثر فى الناس إما بطريقة جيدة أو بطريقة سلبية وفيه ناس عقلنا بيكون رافض يصدق انهم ممكن يكونوا وحشين وقتها نقول «مين يصدق» انهم يغلطوا بهذا الشكل ومن هنا جاء اسم الفيلم.

وعن إمكانية قيامها بتقديم مشوار حياة والدها الفنان أشرف عبدالباقى فى عمل فنى قالت زينة: سؤال صعب فوالدى قدم بنجاح سيرة الفنان إسماعيل ياسين  وتقمص الشخصية بشكل كبير وبالتأكيد أحلم بتقديم سيرته الذاتية وإن شاء الله يتحقق هذا الحلم قريبًا.

 

روز اليوسف اليومية في

30.11.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004