سينما الهوية والوطن والبحث عن الذات تتألق فى القاهرة
الدولى
من القاهرة … «هنا فلسطين»
كتب
مى الوزير
جاء مهرجان القاهرة السينمائى برسالة واضحة وهدف، حيث يؤكد
ضمن رسالته أنه يمكن التضامن مع قضية وطرحها من خلال شريط سينمائى عابر لكل
الأزمنة والأمكنة..
قضايا وأزمات ساخنة تطرح أحداثًا حية مازال العالم يعانى من
آثارها شاهدنا أفلامًا عن الهوية والبحث عن الذات وأفلامًا عن القضية الأهم
والأبرز فى العالم العربى وهى القضية الفلسطينية وأفلامًا عن المرأة
ومشكلاتها وكيف تحارب من أجل حريتها وأفلامًا تطرح مشاكل يُعانى منها بعض
الشعوب العربية كالطائفية والنزوح من الديار، وتلقى الضوء على أزمات الواقع
بخفة ظل شديدة وعن الجذور والتشبث بها فى رحلة الإنسان للبحث عن نفسه.
«Here»
وسحر المكان
عُرض ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى، فيلم النجم توم
هانكس
«HERE»
والفيلم يعود من جديد بصنّاع فيلم
«Forrest Gump»
روبن رايت، والمخرج روبرت زيميكس.
الفيلم يتصدى لفكرة المكان وكيف يحمل المكان سحرًا على
أصحابه وكيف يتعلقون ويتأثرون به بل ويسيطر عليهم فى بعض الأحيان، تدور
أحداث فيلم «هنا» داخل مكان واحد وهو منزل منذ بنائه ولا يتغير عبر العصور
بل وقبل بنائه فى نفس المكان ومرورًَا بكل العصور والأزمنة ما قبل التاريخ
حيث وجود الديناصورات فى العصر الحجرى مرورًا بوجود الإنسان واكتشاف الحياة
إلى بناء المنزل وحتى سكنته أسرة تلو الأخرى على مر الأزمنة ومع كل زمن
يأخذ طابعه وطابع الأسرة التى سكنته بظروفها السياسية والاقتصادية، تتبدل
حالة المنزل مع ساكنيه وذلك فقط من خلال شباك المنزل وكيف يظهر منه طراز
المنازل المقابلة وموديلات سيارات كل عصر وأيضًا طراز غرفة المعيشة التى لا
يخرج الكادر عنها، تتغير فقط مع كل زمن بشكل الأثاث المميز لكل فترة زمنية
والألوان المسيطرة عليه وبالإضافة إلى الأجهزة المميزة لكل فترة زمنية.
كالهواتف والتليفزيون والراديو وأجهزة الفيديو فى الثمانينيات والتسعينيات
فيسهل على المتفرج تخمين الفترة الزمنية.
كادرواحد واسع لا يتغير يستشف المتفرج من خلاله كل فترة
زمنية يمر بها المشهد مع كل جيل وأسرة استقرت وتعاقبت فى هذا المنزل، مع كل
أسرة مع لحظات الحب والميلاد والاحتفالات الراقصة والأزمات والانتصارات
يعبرون ويمرون والمكان واحد لا يتغير.
ورغم القصص المتشابكة عبر ساكنى المنزل إلا أن القصة
الرئيسية لعائلة ريتشارد
young
(توم هانكس) بداية من والده العائد من الحرب وبحثه عن مسكن مع شريكته
مرورًا بولادة أبنائه وصولا إلى ابنه ريتشارد وتكوينه لأسرة واستقراره فى
نفس منزل والديه ضد رغبة زوجته التى تطمح طوال الوقت بالرحيل وتأسيس منزل
خاص بها.
فيلم لرشيد مشهراوى صاحب مشروع «المسافة صفر»
مرورًا بشيخوختهما معًا دون تحقيق أمنيتها بعد أن تنازلت
أسرته عن المنزل لهما إلى مرضها بالزهايمر ومحاولته لتذكيرها بأيامهم فى
المنزل سويًا منذ لقائهم.
ورغم استخدام الذكاء الاصطناعى فى تغيير ملامح أبطال الفيلم
لاستدعاء ملامحهم الطبيعية فى مرحلة الشباب التى قدمها توم هانكس وروبن
رايت، إلا أن هذا لم يفقد الفيلم أيًا من جاذبيته، العنصر البصرى ممتع فى
العمل رغم ضيق المساحة طوال الفيلم اعتمدت على فريم واحد داخل المنزل إلا
أنها ليست مملة على الإطلاق بالإضافة إلى الحياة بالخارج الواضحة من
النافذة عبر الأزمنة المختلفة.
«أحلام
عابرة» البحث عن الجمال المخفى
أحلام عابرة للمخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى الذى عرض فى حفل
افتتاح مهرجان القاهرة تدور أحداثه فى يوم واحد فى رحلة مع الطفل سامى الذى
يبحث عن طائر أهداه له خاله، وهذا الخال على خلاف مع الأم التى تنتظر خروج
زوجها من المعتقل.
يأخذنا سامى فى رحلة للبحث عن طائره الذى قيل له أنه قد
يكون عاد إلى منزله الأول فيصطحبه خاله إلى منزل أم وليد فى حيفا التى
يعتقد أن فرد الحمام قد يرجع إلى سطح منزلها، رحلة من مخيم اللاجئين حيث
يعيش سامى إلى بيت لحم لحيفا والقدس القديمة وسط كل معالم الاحتلال
ومحاولات التعايش من قبل أهل فلسطين وسط جميع الضغوط اليومية وإجراءات
التفتيش الطويلة الصعبة والتصريحات الأمنية وكيف يتعايشون معها رغم صعوبتها.
اعتمد الفيلم على الرمزية بشكل كبير ولكنه مقبول، فرحلة
البحث عن الطائر قد يميل البعض إلى تفسيرها ببحثهم عن السلام أو البحث عن
مواطن الجمال فى كل مدينة وصمودهم أمام كل العراقيل فى كل رحلة وهو طابع
الشخصية الفلسطينية، كالفتى العنيد سامى الذى يرفض التراجع عن فكرته فى ترك
طائره والعودة إلى منزله، شاهدنا الجماليات الكامنة خلف معاناة حياتهم
اليومية فى أبسط التفاصيل... الفتى الذى يرى البحر لأول مرة ويسمع صوته
وصوت الأمواج لأول مرة، ووقع هذا عليه هو وابنة خاله التى صاحبتهم فى
رحلتهم.
سامى يحمل معه قفص الحمام طوال الوقت خلال رحلته إلى أن
أقنعه خاله بأنه لا يحتاج لذلك (الحمام مش بحاجة للقفص الحمام بيعيش وياكل
من رزق الله، ولما بيجى حبة هوا يطيروه يبنى بيته قشة قشة).
الفيلم تأليف وإخراج رشيد مشهراوى وبطولة عادل عياش وأشرف
برهوم وإميليا ماسو.
وين
صرنا؟ معاناة من قلب غزة
من غزة وبعد السابع من أكتوبر يرصد الفيلم لقطات من حياة
أسرة غزاوية أجبرتها الحرب على مغادرة منزلهم وفرقتهم بعد أن اضطروا للجوء
إلى مصر.
الفيلم هو التجربة الإخراجية الأولى للفنانة التونسية درة
عرض الفيلم ضمن مسابقة «آفاق عربية»، يبدأ الفيلم بصور عائلية للأسرة
ومعاناة الابنة الكبرى لهم والتى أنجبت توءمها أطفال أنابيب وكيف انتقلت
لولادتهم فى القدس لعدم وجود رعاية صحية لرعايتهم فى غزة وبعد فترة اضطرت
للخروج بهم من غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر ومعاناتها فى حمايتهم وتوفير
الغذاء لهم.
ثم شقيقتها الصغرى فى السنة الرابعة من كلية الطب والتى
كانت فى بداية عامها الرابع قبيل الحرب ومعاناتها لعدم استكمال حلمها،
مقابل ما شاهدته من أهوال وكيف تخجل من التصريح بحزنها لعدم استكمال عامها
الدراسى أمام ما تشهده غزة وأهلها من خسائر وكيف ترى أن خسارتها تلك صغيرة
فى المقابل، تتقاطع تلك المشاهد مع الحياة اليومية التى يعيشها زوج الأخت
الكبرى ووالد التوأم وكيف ينتظر التصريح للسفر إلى مصر ليلحق بعائلته.
الفتيات الصغيرات تخلين مع أحلامهن عن بطولاتهن الرياضية
واشتراكهن فى مباريات كرة القدم النسائية واتين لا يحملن سوى الميداليات
التى حصلن عليها.
تجربة درة الإخراجية الأولى لا تعتمد سوى على قضية تلمس
القلب وهى محاولة صادقة منها للتضامن وطرح معاناة وطن بأكمله لكنها لا تحمل
وصفًا سوى التوثيق، ولا يمكن إطلاق أية أحكام عليها لا بالسلب ولا بالإيجاب
فالحكم عليها ليس منصفًا بأى شكل من الأشكال لعل تجربتها لو كانت تمت
صياغتها فى طرح آخر لكان الحكم عليها أوضح وأشمل وبميزان مختلف عن هذا
الطرح.
«الشاهدة»..
والصمود ضد التيار
الفيلم الإيرانى «الشاهدة» للمخرج نادر صيفار تدور أحداثه
فى إيران من خلال تارلان المعلمة المتقاعدة التى تتعرض لعدد كبير من الضغوط
الاجتماعية والسياسية وتضطر للاستمرار فى الحياة اليومية العادية وممارسة
مهامها اليومية ومنها مشاركتها فى منظمة نسوية لمواجهة القمع ضد المرأة.
وفى المقابل نشاهد علاقتها مع(زارا) ابنتها بالتبنى التى
اهتمت بها منذ طفولتها بعد مقتل والديها، زارا التى تواجه خلافات لا تنتهى
مع زوجها المتورط بأعمال مشبوهة مع رجال السياسة، بالإضافة إلى رغبته أن
تقوم زارا بإغلاق مدرستها لتدريب الرقص وهو شغفها الوحيد فى الحياة ويقوم
بإغلاق ستائر المنزل بشكل هستيرى طوال الوقت خوفًا أن يراها أحد وهى ترقص
بالإضافة إلى تركيب أسوار عالية إضافية فوق أسوار المنزل الأساسية.
درة.. أول تجربة إخراجية وإنتاجية
بالإضافة إلى القمع الذكورى من قِبل الزوج تواجه زارا قمعًا
مجتمعيًا من قبل نساء يفرضن عليها الانصياع للقواعد الخاصة بعدم كشف شعرها
فى الشارع وهى تقود سيارتها وتهددها بأنها ستطلب لها شرطة الأخلاق.
نموذج آخر من انتهاك حقوق المرأة أن زوج زارا الذى قتلها
مدعيًا أنه اكتشف وجود حبيب لها ولمنصبه المهم تعجز تارلان عن المطالبة
بمحاكمته أمام رفض الشرطة التحقيق معه إلى أن يأتى الثإر الناعم من خلال
ابنته وابنة زارا التى تحطم كل الأسوار وتفتح الستائر وتكمل حلم والدتها
وتمردها.
«أرزة»
محاكاة للواقع اللبنانى
الفيلم اللبنانى أرزة بطولة دياموند بوعبود وبيتى توتل
وإخراج ميرا شعيب وتدور الأحداث حول أرزة الأم اللبنانية العزباء التى
تركها زوجها مع ابنها الرضيع واختفى من حياتهما، الفيلم أحداثه مستوحاة من
فيلم
The Bicycle Thief
تعيش أرزة فى بيروت مع ابنها ومصدر رزقهم هو الفطائر التى تخبزها وتبيعها
ويساعدها ابنها كنان فى توصيل الفطائر وحلم الهجرة طوال الوقت يراوده.
تشترى أرزة لابنها دراجة نارية ليساعدها فى توصيل الطلبات
بشكل أسرع وتحلم بأن يساعدها ذلك فى تحسين مستواهم المادى وأن تدفع أقساط
الموتوسيكل، الذى اضطرت لرهن أسورة اختها الذكرى الوحيدة المتبقية لها من
حبيبها المتوفى من دون علمها.
الدراجة يتم سرقتها من أمام منزل أحد أصدقائه، أرزة عنيدة
وصلبة ورفضت الاستسلام وهذا أيضًا حال الشخصية اللبنانية الصامدة رغم كل
الظروف السياسية المحيطة ويقدم صورة للمرأة اللبنانية القوية العنيدة
وبالتالى ترفض الاستسلام لفكرة ضياع الموتوسيكل فتبدأ رحلة البحث عن
الدراجة النارية فى أنحاء بيروت متنقلة من منطقة لأخرى بصحبة ابنها وتبدأ
رحلة طريفة لعرض نماذج الطوائف الدينية المختلفة التى تعيش فى مناطق مختلفة
والانقسامات التى تضطرارها أن تغير طريقة ملابسها كل مرة وكمان فى كل حى
لتستعطف من يرشدها لتصل إلى أماكن بيع الدراجات النارية المسروقة فنجدها
مرة ترتدى الحجاب السنى أو الشيعى ومرة أخرى تبحث عن صليب ومرة أخرى لتبحث
وسط حى يسكنه الدروز.
لم يبحث المخرج والمؤلفون عن صورة مغايرة للواقع ولم يضطروا
لتجميله بل عكسوا كل الأزمات ومناطق المعاناة لدى المجتمع اللبنانى بصورة
سلسة وانسيابية ودافئة حتى فى أحلك اللحظات فى حياة أسرة أرزة وصداماتهم
سويا وهذا يعبر بشكل كبير عن طبيعة الشعب اللبنانى.
أرزة هى الأم اللبنانية المناضلة التى لا تنساق وراء أزمات
سياسية أو طائفية هى تسعى فقط لحماية أسرتها وحتى نهاية الفيلم التى جاءت
مبهجة مليئة بالأمل ومشهد الأم وهى تقود الدراجة بدلا من ابنها وتطوف بها
فى أنحاء بيروت عائدين منتصرين، ميرا شعيب مخرجة شابة قدمت على شريط
سينمائى ومضات من روح الشعب اللبنانى وأزماته بانسيابية ورشاقة وخفة ظل
شديدة. |