كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان برلين السينمائي..

السودان مفاجأة حفل الجوائز

تحرير:برلين - محمد عاطف

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة التاسعة والستون

   
 
 
 
 
 
 

سرقت مراسم توديع ديتر كوسليك مدير المهرجان، الأضواء من توزيع الجوائز، فبعد ثمانية عشر عامًا من إدارته، المهرجان يسلم مهمته إلى كارلو شتريان.

أسدل الستار على فاعليات الدورة 69 لمهرجان برلين السينمائى الدولى مساء السبت الماضى، ورغم المشاركة العربية الهزيلة، من حيث عدد الأفلام فإن حصول الفيلم السودانى "الحديث عن الأشجار" على جائزة أفضل فيلم وثائقى فى قسم البانوراما لقى احتفالا كبيرًا مع الكلمات المؤثرة التى ألقاها مخرج الفيلم صهيب جاسم البرى، التى أعرب فيها عن أمنيته بالحرية لوطنه. لم تكن باقى جوائز المهرجان مفاجأة، إذ فاز الفيلم الإسرائيلى "مترادفات" إخراج جداف لابيد بالدب الذهبى، كما فاز الفيلم بجائزة الاتحاد الدولى لنقاد السينما (فيبريسكى).

جوائز الدب الفضى ذهبت منها جائزتا التمثيل إلى الفيلم الصينى "بعيدًا جدًا يا بنى" إخراج وانج كسياو شواى، وفاز وانج ينجشان بجائزة أفضل ممثل، ويونج ماى على جائزة أفضل ممثلة، المخرجة الألمانية أنجيلا شانيليك اقتنصت جائزة الدب الفضى كأفضل مخرجة عن فيلمها الفلسفى "كنت بالمنزل.. ولكن".

لم تمنع الأزمة التى تعانيها السينما السودانية شباب السينما المستقلة هناك من تأكيد حضورهم القوى داخل فاعلياتمهرجان برلين السينمائى هذا العام، بعيدا عن فوز فيلم "الحديث عن الأشجار" فقد حملت جميع عروض الفيلم الخمسة لافتة كامل العدد، وكذلك العروض الخمسة للفيلم التسجيلى السودانى "أوفسايد الخرطوم" إخراج مروة زين، ويتتبع فيلم "حديث عن الأشجار" رحلة 4 من أعضاء نادى السينما السودانى القدامى يحاولون إحياء تراث السينما السودانى، ويضم الفيلم أحاديث ذكرياتهم التى تعد جزءًا أصيلًا من ذاكرة السينما والوطن، أما مروة زين فقد تتبعت فى فيلمها "أوفسايد الخرطوم" رحلة فتاة شابة تحاول قيادة فريق كرة القدم النسائية إلى الالتحاق ببطولة كأس العالم للسيدات فى كرة القدم، يجمع شيوخ فيلم "صهيب" وبنات فيلم "مروة" أوجاع جيلين فى السودان يحاولون استرجاع حضارة وطنهم.

أثرت السياسة الجديدة الخاصة بامتيازات أنواع بطاقات المهرجان فى التأثير سلبًا على زخم سوق الأفلام، إذ اقتصر فى دورة هذا العام من البرلينالية إمكانية الدخول على حملة بطاقات السوق والبطاقات الصحفية، أما حاملو بطاقات حضور المهرجان أو حملة بطاقة صناع الأفلام فلم يمكنهم الوجود فى السوق، وتسبب ذلك فى غضب كثير من حضور المهرجان الذين يعتبرون زيارتهم للسوق واحدة من أهم الفاعليات، سواء أكانوا صناع أفلام، أو موزعين، أو ممثلى مهرجانات.

سرقت مراسم توديع ديتر كوسليك مدير المهرجان الأضواء من مراسم توزيع الجوائز، فبعد 18 عاما من إدارته المهرجان يسلم مهمته إلى كارلو شتريان الذى كان مديرًا فنيًا لمهرجان لوكارنو السينمائى. ويستحق ذلك التوديع الحافل بتقدير مستحق إلى ديتر كوسليك التأمل كثيرًا، فقد عمل ديتر بجد مع فريقه على إنجاح دورته الأخيرة فى المهرجان جنبًا إلى جنب مع وجود خلفه إيطالى الجنسية كارلو شتريان، رغم أن رحيله عن المهرجان جاء بعد ضغوط 79 سينمائيًا ألمانيًا الذين قدموا عريضة إلى مونيكا جروتاس وزيرة الثقافة الألمانية تحمل عدة انتقادات أبرزها المطالبة بأهمية وجود قيادة جديدة تجدد نظام البرمجة فى المهرجان وتحد من عدد أقسامه، وطالبت العريضة أيضًا باتباع سياسة إدارية أكثر شفافية تتهم كوسليك بالتحيز إلى أفلام كبار النجوم إلى المسابقة الرسمية واختيار الموضوعات السياسية الساخنة، وكان من أبرز الموقعين على تلك العريضة المخرجون: فولكر شلندورف، وهانز كريستيان شميت، وفاتح أكين الذى شارك فى المسابقة الرسمية هذا العام بفيلم "القفاز الذهبى".

دشن مهرجان برلين السينمائى الدولى سنة 2004 عادة الإعلان عن تفاصيل ميزانيته إلى كل من يهمه الأمر؛ وبلغة الأرقام تضخم حجم المهرجان تحت إدارة ديتر كوسليك 3 مرات على الأقل، ووصل عدد جمهور المهرجان إلى 480 ألف متفرج، وغطى المهرجان من الصحافة العالمية ما يزيد على 3800 صحفى وإعلامى من 85 دولة حول العالم، وتجاوز عدد الأفلام المعروضة فى مختلف البرامج 380 فيلما، ووجد فى أرجاء المهرجان ما يزيد على 18 ألف سينمائى. أما السوق فقد تجاوز عدد الشركات العارضة المشاركة فيه 540 عارضًا، نجحوا فى تسويق أكثر من 750 فيلمًا. علما بأن آخر ميزانية للمهرجان تجاوزت 25 مليون يورو، تتكفل فيها الحكومة الألمانية بتغطية 8 ملايين يورو تقريبًا.

التحرير المصرية في

20.02.2019

 
 
 
 
 

"بفضل الله" لفرنسوا أوزون: قوّة الصمت ومداه

محمد هاشم عبد السلام

دائمًا، هناك جديد ما لدى المخرج الفرنسي فرنسوا أوزون (1967). ببراعة، يُجيد تغيير جلده مع كلّ عمل. في الفترة الأخيرة، بات يُنجز فيلمًا كلّ عام. "فرانتز" مثلاً، فيلمه ما قبل السابق والمُنجز بالأسود والأبيض، لم يُلفت الانتباه كثيرًا إليه، عند عرضه في المسابقة الرسمية للدورة الـ73 (31 أغسطس/ آب ـ 10 سبتمبر/ أيلول 2016) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، رغم جودته. "العشيق المزدوج" لم يفز بجوائز عند عرضه في المسابقة الرسمية للدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ"، رغم تميّزه بصريًا وأدائيًا وإخراجيًا. لكن "مهرجان برلين السينمائي" أنصف جديده "بفضل الله" (2019)، مانحًا إياه جائزة "الدب الفضي ـ لجنة التحكيم الكبرى"، في ختام الدورة الـ69 (7 ـ 17 فبراير/ شباط 2019). 

بصرف النظر عن طبيعة "الجديد"، الذي يقدّمه أوزون في كلّ فيلم، فالمؤكد أنّ الحِرفية الإخراجية، والتمكّن من الموضوع، ورسم الشخصيات، أساسيات مشتركة في أفلامه كلّها. موضوع "بفضل الله" لم يأتِ من عدم، فالجميع يعلمون الحكاية، أو يعرفون الكثير عن الاعتداءات الجنسية للرهبان على الأطفال، في الكنيسة الكاثوليكية، كما قُدِّمت تلك القضية في أكثر من فيلم. المثير للانتباه أن تناول أوزون للقضية فيه جديد يُذكر، شكلاً ومضمونًا، وهو التعاضد والتآزر الواضحين لأبناء الضحايا وزوجاتهم، اللذين أبرزهما المخرج، إلى جانب تفهم هؤلاء لما حدث؛ في مقابل إدانة واضحة للغاية للآباء، الذين آثروا الصمت أو النفي أو الإنكار أو التكتم، عندما باح لهم الضحايا بما تعرّضوا له. دائمًا الضحية امرأة، والزوج أساسًا يكون أول المُساندين والداعمين. هنا، انقلبت الصورة، فظهر الجديد: المرأة داعمة ومساندة، والزوج ضحية. لاحقًا، يتبيّن أن لا رجل أو امرأة، بل ضحية، إنْ تعلّق الأمر باغتصاب أو بتحرّش، أو بغيرهما من عنف وانتهاك يقعان على الجسد. 

في الشكل، هناك جدل كبير. البنية روائية بامتياز، تتخلّلها مسحة تسجيلية ملحوظة، غير متعلّقة بأرقام وإحصائيات. بل في طريقة العمل، من حيث الاستقصاء والبحث عن الشخصيات، ثم دفعها إلى التحدّث. هذا كلّه في إطار فيلم كلاسيكي البناء، ودراما قوية ومشوّقة. الأدقّ أن الموضوع فرض لغته، فاحترم أوزون قوّة هذا الفرض، تاركًا القوّة تقود الفيلم، مع احتفاظه بالتوجيه والاختيار والبحث الرصين والدقيق. الجهد المبذول من أوزون في جمع المادة اللازمة لكتابة سيناريو كهذا، شديد البروز. 

مع نهاية الأحداث، يظهر أن الموضوع لا يزال قيد التحقيق القضائي. لفترة طويلة، انشغل كثيرون بقضية الأب الفرنسي برنار بيرينا، المتّهم بارتكاب حالات كثيرة من التحرّش والاعتداء الجنسيين على نحو 80 طفلاً في أبرشية مدينة ليون، خلال 30 عامًا، بدءًا من ثمانينيات القرن الماضي. المحزن أن الأب بيرينا، بعكس تخوّفات الضحايا، اعترف باقترافه تلك الآثام، وطلب، عند مواجهته مع بعض ضحاياه، أن يسامحوه عما بدر منه. اعترف أيضًا بعشقه للأطفال وضعفه أمامهم، وبمصارحته المسؤولين الكنسيين بالأمر أكثر من مرّة، كي يجدوا له حلاً أو علاجًا. هذا يعني أن السلطات الكنسية عالمةٌ بسلوكه. ولأن لا عقاب لكاهن بحسب قوانين الكنيسة ولا سجون، تمّ الاكتفاء بعزله من منصبه الديني عام 2015. التحقيقات التي تجري الآن، قضائية. الضحايا، بعد صدمتهم من سلوك الكنيسة وضعفها وتسترها على جرائم كهذه، توجّهوا إلى القضاء، وهم ينتظرون حكمه في مارس/ آذار المقبل. 

كبطله ألكسندر (ملفيل بوبو)، لم يرغب فرنسوا أوزون توجيه ضربة مباشرة للكنيسة، أو تعريتها أو الصدام معها. ألكسندر المؤمن شديد التديّن، لكنه ـ بعد صمت طويل لسنين مديدة، وإنجابه 5 أطفال ـ لم يستطع الصمت أكثر من هذا عن الألم الحارق. فالعذاب لم يخفّ، ولم يُنسَ. ما فجَّرَه، معرفته صدفة بأن الأب بيرينا لا يزال يمارس مهامه الدينية المعتادة، ويتواصل مع الأطفال. مشاهد مواجهة ألكسندر للأب بيرينا بالغة الصدق والجمال. كذلك خشيته على أولاده، وحثّه ضحايا آخرين على القول، وحماسته لتصميم الموقع الإلكتروني، وللمضي في القضية حتى النهاية، رغم أنه لا يحق له ـ قضائيًا ـ إقامة دعوى، بسبب انقضاء 30 عامًا على الفعل الجُرميّ بحسب القانون الفرنسي. ذات ليلة، يسأله ابنه الأكبر: "ألا تزال مؤمنًا؟". يصمت ألكسندر. لا يجيب. ثم ينهي أوزون المشهد سريعًا. 

عمدًا، ينسينا أوزون ألكسندر بشكل تدريجي، بتقديمه شخصية بالغة الحيوية والحماسة، تعرّضت للأذى البدني نفسه. فرنسوا (دوني مينوشي) شديد الروعة. شخصية من لحم ودم، ومفعمة بالحياة والتوتر والغضب. في البداية، يرفض خجلاً مطلب ألكسندر. لكنه، لاحقًا، سيكون أبرز المتبنين للقضية وأشرسهم، وأهم المدافعين عنها، وأكثرهم تحفيزًا للآخرين. على نقيض ألكسندر، فإن فرنسوا ملحد. لكنه كألكسندر مهتمّ بتحقيق العدالة ومعاقبة المجرم، بصرف النظر عن الدين والكنيسة. 

إلى ألكسندر (صاحب الشرارة الأولى)، وفرنسوا (قائد المسيرة)، يقدّم أوزون 5 شخصيات أخرى يتّخذها كنماذج، راصدًا تأثير ما حدث على حياتها، فتتمحور الأحداث حولها. إحداها تشكّ في أن ما تعانيه جنسيًا ناتجٌ ممّا حدث في الصغر. نماذج اختارها أوزون من بين أولئك الخارجين عن صمتهم، لا الحالات كلّها. في بداية الفيلم، قدَّم شخصية مغايرة، من الصامتين والهاربين وغير الراغبين في التكلّم. 

قضية "بفضل الله" مرتبطة بإبراز قوّة الصمت ومداه. صمت الصبية متأتٍ من ضعف وخوف ونقص في الخبرة وعدم وعي. أما القوّة، فتظهر في نطقهم الآن، وبوحهم وكشفهم الإرادي عمّا حدث رغم تأخّرهم عن ذلك، وفي العواقب الأسرية والاجتماعية. قوة أفضت في النهاية إلى محاكمة الأب برنار بيرينا، وأيضًا المتسترّ عليه هذه الأعوام كلّها، الكاردينال بارباران. جرمه لا يقلّ حدّة عن جرم بيرينا، وهو يتفوّق عليه كذبًا وتدليسًا. لذا، لم يجد فرانسوا أوزون أفضل من جملة بكلمتين عنوانًا لجديده هذه، أجاب بها عن سؤال أحد الصحافيين، في مؤتمر صحافي منعقد لتوضيح الكنيسة ملابسات ما حدث: كيف لم تصل القضية إلى ساحات القضاء، وظلّت طي الكتمان هذه المدة كلّها؟ أما الجملة بكلمتين فهي: "بفضل الله".

العربي الجديد اللندنية في

20.02.2019

 
 
 
 
 

المخرجة السودانية مروة زين‏:‏

رحلة أوفسايد الخرطوم استغرقت‏4‏ سنوات ونصف من عمري‏..‏

واضطررت للعمل بمفردي

حاورتها في برلين : مني شديد

بعد غياب سنوات طويلة تعود السينما السودانية حاليا للمحافل الدولية علي يد صناع الأفلام الشباب الذين عادوا إليها من بلاد المهجر بعد أن تعلموا السينما في الخارج ليعبروا عن همومها وأزمات مجتمعها المعاصر‏

وشارك اثنان منهم في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي الدولي بأول أفلامهما الطويلة وهما صهيب جسملباري الحائز علي جائزة جلاشييت لأفضل فيلم وثائقي عن فيلمه الحديث عن الأشجار الذي يحتفي فيه بجماعة الفيلم السوداني وسعي أعضاؤها منذ سنوات لإعادة إحياء النشاط السينمائي في المجتمع, والفيلم الثاني للمخرجة مروة زين التي تعلمت في مصر ودرست بالمعهد العالي للسينما وشاركت في المهرجان بفيلم أوفسايد الخرطوم والذي ترصد فيه النظرة الرجعية للمرأة السودانية في ظل الحكم السياسي الإسلامي من خلال فريق لكرة القدم النسائية يحلم بتمثيل السودان في كأس العالم

عرض الفيلم في الفورم وتستعد مروة للسفر به في جولة عالمية بدأت من برلين وتمتد للدنمارك وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ليكون بمثابة حملة تدعم حلم هؤلاء الفتيات ورسالة للمقارنة بين وضع المرأة السودانية في الماضي ومعاناتها الحالية, وفي حوارها مع الأهرام المسائي تحدثنا مروة عن فيلمها والصعوبات التي واجهتها لتنفيذه:

·        لماذا قررت تقديم فيلم عن فريق لكرة القدم النسائية بالسودان؟

الحقيقة أن السبب وراء ذلك يرجع إلي حبي لكرة القدم منذ الصغر, حيث كنت في السادسة من عمري حينما لعبت للمرة الأولي كرة القدم, وكنت أعيش في مكة المكرمة, التي ولدت فيها بحكم أن والدي كان يعمل مدرسا للغة العربية هناك, وأسست إحدي صديقاتي منظمة في السودان تسمي رؤية وطلبت مني أن أخرج فيلما مدته5 دقائق عن فريق كرة القدم النسائية, وبالطبع كان أول سؤال يتبادر لذهني هل يوجد فريق نسائي في السودان؟ لأني لم أكن أعرف ذلك بحكم غيابي عن السودان أغلب سنوات عمري حيث عشت في السعودية15 عاما, وانتقلت منها للحياة في مصر, فكانت الإجابة نعم وأنهم يريدون صناعة فيلم قصير عن هذا الفريق بإمكانات بسيطة لأنهم ليست لديهم ميزانية, وكل ما يستطيعون توفيره هو كاميرا للتصوير, كنت وقتها بالقاهرة وأغرتني الفكرة فقررت زيارة السودان لمقابلة أعضاء الفريق, ولكني أغرمت بهن جميعا من اللقاء الأول, وبإحساسهن بعزة النفس والكرامة والكبرياء الذي لم أره في حياتي, ولهذا شعرت أن خمس دقائق غير كافية علي الإطلاق لتقديم فيلم عنهن, وكان من المفترض أن تكون زيارتي للسودان أسبوعا واحدا فقط, لكنها امتدت لأكثر من3 شهور, وتركت عملي في القاهرة طوال هذه المدة من أجله, وأعتقد أن هذا الأمر جاء من منطلق شعوري وأبناء جيلي من صناع السينما الذين تعلموا في الخارج بأن علينا دينا لوطننا السودان ولهذا نعود إليه ونعبر عنه بأفلامنا, ومن بينهم صهيب الذي تعلم في فرنسا, وأمجد أبو العلاء الذي تعلم بالإمارات وأنا تعلمت في مصر وثلاثتنا قدمنا أفلامنا الأولي الطويلة في السودان.

·        متي كانت بداية هذا المشروع؟

في أكتوبر2014, قمت بالتصوير لمدة3 شهور ثم عدت للقاهرة من أجل المونتاج, ومن هذه اللحظة بدأت رحلة كفاح مع الفيلم للبحث عن الخطوة التالية, كيف سأعود للتصوير؟ وما الذي سأفعله؟.

·        وما الصعوبات التي واجهتك أثناء التصوير؟

علي مدار ثلاث سنوات, لم أحصل علي تصريح بالتصوير, ففي كل مرة كنت أتقدم فيها لطلب التصريح أجد إجابات من نوعية تعالي بكرة أو تعالي الشهر المقبل وهكذا, ولهذا كنت مضطرة للعمل بمفردي وإخفاء الكاميرا أثناء التصوير, والمشاهد التي لا أستطيع تصويرها بشكل خفي أحاول أن يكون تصويرها في الحي الذي تعيش فيه الفتيات بحيث أحتمي في أهالي الحي نفسه, أو كما حدث في المباراة والمشهد الأخير في الفيلم ذهبنا إلي موقع معين في أم درمان لكوننا نعرف جيدا أنه لا يمكن أن يأتي إليه أحد ليمنعنا من التصوير, وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لتصوير الفيلم.

كما واجهت مشكلة أخري وهي عدم توافر المال اللازم للإنتاج وعدم وجود جهة إنتاج من الأساس لأن السودان لا توجد بها صناعة سينما, وبالتالي كان علي أن أقوم بهذا الدور بنفسي إلي جانب الإخراج وبدأت أتعلم الإنتاج, وأبحث عن منح تمويل من جهات مختلفة, وأتدرب علي الطريقة المثلي للتقدم بطلبات الدعم, وأسافر للمهرجانات للتسويق للفيلم وأقنع جهات الدعم والتوزيع بالمشروع, رحلة الفيلم كانت طويلة وامتدت لما يقرب من4 سنوات ونصف حتي يخرج بالشكل الذي هو عليه الآن.

·        ولماذا ارتبطت بأعمال أخري في مصر رغم انشغالك بالفيلم؟

نعم لأنه في وقت من الأوقات لم يكن لدي أي خيار آخر, لعدم امتلاكي أموالا تكفي لتمويل الفيلم, ولم أكن وجدت أحدا يقبل العمل معي عليه ولهذا تركت المشروع جانبا لبعض الوقت, وفي ذلك الوقت كان المنتج صفي الدين محمود والمخرجة هالة خليل يعدان لفيلم نوارة ولحبي الكبير للاثنين أسعي دائما للعمل معهما, ولهذا شاركت في الفيلم كمساعد مخرج, وخلال فترة تصويره كنت متزوجة وقمت بكتابة فيلم عن تجربتي وهو الروائي القصير أسبوع ويومين, وشعرت أني بحاجة لتنفيذه حتي أشعر أني مخرجة ولدي منجز ومنتج فني, خاصة بعد أن قررت أن أوفسايد الخرطوم سيكون فيلما طويلا ويحتاج لوقت أطول ومجهود أكبر من العمل, ولهذا قررت تأجيله لبعض الوقت حتي تكتمل الرؤية أمامي, وخلال هذه الفترة كنت أبحث عن شركاء في الإنتاج وأسعي لتقديم طلبات الدعم, وحصلت بالفعل علي شراكة إنتاج مع أستاذتي وأختي الكبري ومرشدتي جيهان الطاهري, وانضم إلينا بعد ذلك منتج مشارك من الدنمارك وهو هنري أندرجيرج, وتدريجيا أصبحت لدينا جهات لدعم الفيلم تساندنا وتدرك صعوبة المشروع, وبذلك عدت للتصوير.

·        وهل واجهت مشكلة مع الفتيات أثناء التصوير؟

نعم في مرحلة ما كان لديهن شك أنه سيكون هناك فيلم في النهاية للمدة الطويلة التي تطلبها العمل عليه, حيث كن يعتقدن أنهن وحدهن من يعانين من المشكلات ولا يعرفن أني واجهت الكثير من المشكلات خلال هذه الفترة أيضا سواء علي المستوي المهني أو الشخصي, فلم تكن حياتي مستقرة وليس لدي منزل في مصر ولم أكن أستطيع الاستقرار في مصر ولا في السودان ولدي عمل المفروض أن أقوم به بين الدنمارك وفرنسا, وأواجه صعوبات في الحصول علي التأشيرات لأن جواز سفري سوداني, ولهذا أعاني كثيرا حتي أستطيع السفر لأي مكان, وكل شيء كان مرهقا جدا ومن الصعب شرحه ولهذا في لحظة ما كان لديهن شك أني سأستكمل الفيلم, ولكن شيئا فشيئا عادت الثقة بيننا مرة أخري بعد حصولي علي جوائز عن أعمال أخري مثل جائزة مهرجان قرطاج وجائزة مهرجان الجونة.

·        وما الحلم الذي تمني الفريق تحقيقه من خلال هذا الفيلم؟

كان هدفهم إثبات وجودهم وإقناع الناس في الداخل والخارج بهذا الفريق الذي يناضل منذ أكثر من12 سنة, حيث يسعين للمشاركة في كأس العالم للكرة النسائية بفرنسا الصيف المقبل, ولديهن أمل أن يكون الفيلم وسيلة لجعل البعض يدعمهن وهذه أحد الأسباب التي دفعتني للانتهاء من الفيلم قبل موعد كأس العالم, لأنه يهمني جدا أن تشعر الفتيات بنجاح الفيلم وأن تعبهن وصبرهن وجمال شخصياتهن أتت بثمارها ولهذا كان يهمني أن يكون العرض العالمي الأول للفيلم في واحد من المهرجانات الكبري مثل كان وبرلين وفينسيا, وبالفعل تم اختياره في برلين بمجرد أن انتهيت منه وهي فرصة جيدة لأنه يجمع صناع السينما من أنحاء العالم ولديه سوق قوية وبالتالي سيكون للفيلم صدي جيد, وأتمني أن تكون الحملة التي سيصنعها الفيلم داعمة للفريق, ومن المقرر أن يعرض في مارس المقبل أيضا في مهرجان سي بي اتش دوكس بالدنمارك, وهو واحد من أهم مهرجانات الأفلام الوثائقية في العالم, ثم سينتقل في جولة بين كندا وأمريكا, وأتمني قبل أي شيء أن يعرض في السودان.

·        ولماذا قررت تحويل الفيلم إلي رسالة عن واقع المجتمع السوداني ووضع المرأة فيه؟

الفيلم بالفعل يرصد وضع المرأة في المجتمع السوداني, وكان فرصة بالنسبة لي لطرح مجموعة من التساؤلات تؤرقني منذ فترة طويلة, لماذا ينظر للمرأة بهذه النظرة الرجعية ويتم التقليل منها ومن قدراتها؟, في حين أن نساء السودان كن ملكات, نحن فراعنة ومن أبناء النوبة القديمة وكان لدينا ملوك وملكات ومحاربات, فتاريخ البشرية يبدأ من إفريقيا, وكلنا من أصل إفريقي ومن لا يعرف ذلك فهو جاهل ولايدرك أي شيء عن التاريخ, وأصول الحضارات القديمة, ولكي نشرح له نحتاج لأكثر من100 فيلم.

الأهرام المسائي في

20.02.2019

 
 
 
 
 

فيلم "مقيد" وفظاظة شخصية الإسرائيلي ذي الخلفية العسكرية

أمير العمري

"زوجة رجل مهم" في فيلم إسرائيلي للمخرج يارون شاني الذي يروي قصة ضابط الشرطة الذي فقد عمله ففقد عقله.

من الأفلام الإسرائيلية الخمسة التي عرضت في الدورة الـ69 لمهرجان برلين السينمائي لفت نظري فيلم “مقيد” (Chained) للمخرج يارون شاني الذي نتذكره من فيلمه الأول الطويل “عجمي” (Ajami) الذي اشترك في إخراجه عام 2009 مع المخرج الفلسطيني (من الداخل) إسكندر قبطي، وكان يصوّر المشاكل التي تحول دون تحقيق التعايش بين اليهود والعرب، المسلمين والمسيحيين، في حي عجمي بمدينة يافا، وقد نال الفيلم جائزة “الكاميرا الذهبية” في مهرجان كان السينمائي.

فيلم “مقيد” حسب ما يقول مخرجه، هو الجزء الثاني من “ثلاثية الحب” كما أطلق عليها يارون شاني، والتي بدأها بفيلم “متعري” (Stripped) الذي عرض في دورة مهرجان فينيسيا الأخيرة (سبتمبر 2018) ويعمل حاليا على الجزء الثالث بعنوان “ولد مجددا” (Reborn).

وهو يرى أيضا أنه يمكن مشاهدة الأفلام الثلاثة بشكل منفصل، أما “مقيد” فقد بدا لي أنه متأثر إلى درجة الاقتباس من فيلم المخرج المصري محمد خان الشهير “زوجة رجل مهم” (1987) الذي كتب له السيناريو الكاتب الصحافي رؤوف توفيق.

وشأنه شأن “زوجة رجل مهم”، فإن محور فيلم “مقيد” وشخصيته الرئيسية هي لضابط شرطة، يرتكب ما يؤدي إلى عزله أو وقفه عن العمل ويفقد بالتالي سلطته وشعوره “الذكوري” بالأهمية والخطورة والهيمنة، وتتدهور علاقته بزوجته، التي يحبها حبا شديدا، لكنه حب التملك والامتلاك والغيرة المرضية، لتنتهي حياته نهاية تراجيدية.

العلاقة بين الفيلمين

هذا هو العمود الفقري للفيلم مع تفاصيل تختلف بالطبع عن التفاصيل المحيطة بشخصية الضابط التي أداها باقتدار أحمد زكي في الفيلم المصري، فعلى حين ارتبط مصير الضابط في “زوجة رجل مهم” بأحداث كبيرة في حياة المصريين تمثلت في الانتفاضة الشعبية في يناير 1977 وما أعقبها من تحقيقات وبعض التصفية التي شملت إحالة عدد من ضباط الأمن على التقاعد، يتابع “مقيد” الذي يوحي من عنوانه بالقيد الذي يربط الشخصية الرئيسية، أي الضابط بالحالة النفسية التي تخلقها وظيفته كممثل للسلطة في الشارع، كيف ينعكس الخروج ولو مؤقتا، من الوظيفة الرسمية، بشدة على مسار حياة الضابط “راشي” الذي لا يمكنه أن يتخيّل متعة في الحياة من دونها.

انتزاع السلطة من رجل اعتاد على التمتع بها، يفقده توازنه في الحياة ولا بد أن ينتهي به إلى فقدان عقله ثم إلى الجريمة

إنه يشبه بطل فيلم محمد خان في كونه غليظا، قاسيا، فظا، يغالي في أداء وظيفته ويعتبر أنه يؤدي عمله بكفاءة منذ 16 عاما، دون أن يناله نقد أو تأنيب من جانب رؤسائه، ولكن فجأة تنقلب حياته رأسا على عقب تماما كما يحدث لضابط أمن الدولة في “زوجة رجل مهم”.

راشي يرتبط بعلاقة عمل جيدة مع رئيسه، وهو يقوم بأعمال الدورية باستخدام سيارة الشرطة يجوب بها شوارع تل أبيب مع زميل له، وذات مرة يُستدعى للتوجه إلى حيث يكتشف وجود رجل شاذ يتضح أنه ضابط كبير متقاعد، معه طفلان داخل شقته وقد اعتدى على أحدهما، ثم يستدعى في مرة أخرى إلى حيث يجد رجلا وقد قتل زوجته وولديه وانتحر بإلقاء نفسه من شقته في أعلى البناية التي يقطنها، بسبب خلافات مع زوجته التي ترغب في الحصول على الطلاق، ويجب أن نلاحظ أن مسألة الخلاف مع الزوجة وموضوع الطلاق سيحاصران راشي في ما بعد أيضا.

بداية المأزق

أما الموقف الذي سيغير حياته ويقلبها تماما رأسا على عقب، فيأتي عندما يقوم بتوقيف مجموعة من الشباب في حديقة عامة يشتبه في حيازتهم المخدرات، وعندما يحاول تفتيشهم، يعترض أحدهم بدعوى أن راشي لا يملك هذا الحق قانونيا، فيقتاده راشي مع زملائه إلى قسم الشرطة حيث يقوم بإهانتهم وإرغامهم على نزع ملابسهم كاملة وتفتيش أجسادهم بطريقة مهينة غير عابئ بتهديد أحدهم له بأنه سيدفع الثمن غاليا.

تمر بضعة أيام، ويتلقى راشي مكالمة من رئيسه في العمل الذي يطلب منه أن يطالع صحف الصباح ليجدها قد نشرت أن ضابط شرطة تحرش جنسيا بعدد من المراهقين (تحت السن القانوني).

من هنا يجد راشي نفسه خاضعا لتحقيق طويل ومهين من جانب لجنة خاصة داخل جهاز الشرطة، ينتهي بوقفه عن العمل لحين انتهاء التحقيقات وعندما يخضعونه لجهاز كشف الكذب يفشل في المرور منه.

يتضح أن والد أحد الصبية الذين أهانهم، أحد كبار ضباط المخابرات، وهو يرغب الآن في معاقبة راشي وتلقينه درسا قاسيا، ويظل الموقف على ما هو حتى بعد أن تتم تبرئة راشي من قبل اللجنة التي توصي كما نعلم، بعودته للعمل، لكنّ مسؤولا ما في سلطة عليا يصر على بقاء وقفه عن العمل، بل إنه يتلقى بين حين وآخر مكالمات هاتفية تنذره وتهدده بسوء المصير وبأنه كان يجب طرده من الخدمة من البداية.

ورغم إصرار راشي على أنه لم يتحسّس أجساد الشباب كما يدعون، يدرك أنه لن يعود إلى عمله مجددا، وتتوتر علاقته بزوجته “أفيغالي” بسبب هيمنته الذكورية وقمعه لابنتها المراهقة “ياسمين” من زوج سابق، فهو يعترض على رغبتها في أن تصبح عارضة أزياء ويسخر منها ويحرّض زوجته ضدها ويفسد عليها رغبتها في التصوير بملابس معيّنة تمهيدا لدخول مسابقة لاختيار العارضات، وبعد أن يفقد وظيفته يكلف زميلا له بمراقبة مكالماتها، ثم يضبطها مع مجموعة من أصدقائها يحتسون البيرة في إحدى الحدائق العامة في الليل فيجذبها عنوة ويعود بها بفظاظة، وهو ما يؤدي إلى شرخ ثم أزمة ثقة مع زوجته التي تبتعد عنه تدريجيا.

نهاية متشابهة

راشي لا يستطيع التخلي عن سلوكياته الفظة التي يفرضها على أفيغالي وعلى ياسمين، ترغمه زوجته التي كانت قد فقدت جنينا مؤخرا، ثم حملت منه مرة أخرى، على ترك المسكن والذهاب للإقامة مع أمه، وهو وضع لا يتحمله كثيرا، ثم تحول بينه وبين دخول المسكن وتطلب الطلاق ويعرف أيضا أنها قامت سرا، بالتخلص من الجنين لينتهي بقتل زوجته والانتحار وهي نهاية مشابهة لنهاية فيلم محمد خان، فانتزاع السلطة من رجل اعتاد على التمتع بها، يفقده توازنه في الحياة ولا بد أن ينتهي به إلى فقدان عقله ثم إلى الجريمة.

لا شيء مسموحا

ونحن نشاهد طوال الوقت راشي وباقي شخصيات الفيلم الرئيسية، في لقطات قريبة، من خلال كاميرا تجوس داخل الأماكن الضيقة في شقته وداخل مكاتب الشرطة أو داخل السيارة، ترصد الانفعالات، تسجل لحظات الاضطراب والقلق وتصاعد حدة الشعور بالبارانويا.

ويستخدم المخرج عددا من الممثلين غير المحترفين، يقومون بأداء أدوار تشبه أدوارهم الحقيقية في الحياة، على رأسهم عيران نعيم في دور راشي.. وكان نعيم من قبل ضابطا في الشرطة قبل أن يتركها ليصبح ممثلا، وهو يقوم بمحاكاة الكثير مما خبره ومر به خلال عمله السابق، إلاّ أن الفيلم يعاني من غلبة الحوار، الذي لا يكاد يتوقف لحظة واحدة، ومن تفرع الحبكة وابتعادها عن الخيط الرئيسي للموضوع، مع الكثير من الاستطرادات في تصوير علاقة راشي المتوترة مع ياسمين.

يوجه الفيلم نقدا مستترا للمؤسسة الأمنية، ويشير إلى ما فيها من فساد وتستّر واستغلال نفوذ، كما يربط بين فظاظة الضابط في العمل وانعكاس شعوره بـ”سلطويته” أو بالأحرى “ذكوريته” على علاقته المعقدة بزوجته الرقيقة الناعمة، بحيث تبدو علاقة تصطبغ بالرغبة في الهيمنة والتملك، أكثر منها علاقة “حب”.

وبالتالي يصبح هذا النوع من الحب المرضي تنويعة أخرى على الحالة النفسية للرجل الإسرائيلي القادم من خلفية عسكرية وشبه عسكرية، الذي يعجز عن إبداء مشاعره ببساطة، ويعتبر السيطرة أهم من المشاعر، كما يصبح الهاجس الأول في علاقته بزوجته هو الإنجاب، وفظاظة الشخصية ذات الخلفية العسكرية واضحة في معظم الأفلام الإسرائيلية التي شاهدتها مؤخرا في المهرجان، ولكن هذا موضوع آخر يستحق مقالا آخر.

كاتب وناقد سينمائي مصري

العرب اللندنية في

22.02.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2019)