كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

السينما يقدمها : حسام حافظ

رحيل الناقد المدرسة سمير فريد

فهمي عنبه

عن رحيل الأستاذ وعميد النقد السينمائي

سمير فريد

   
 
 
 
 

أحيانا كنت أتخيله أديباً أو شاعراً لأنه مرهف الإحساس.. وربما كان يصلح سفيراً لتحدثه بلباقة ودبلوماسية.. وعندما رأيته لأول مرة منذ سنوات طويلة ظننت أنه فنان بل لنقل إنه "جان " يتفوق علي نجوم الصف الأول في السينما التي أصبحت كل حياته.. كنا في "الجمهورية" نفخر بوجوده بيننا كقيمة وكأستاذ.. ونتباهي بأن مؤسسة "دار التحرير" لديها ثلاثة من عمالقة النقد السينمائي في مصر والعالم العربي ويتمتعون بسمعة دولية متميزة.. أولهم سمير فريد ومعه ماجدة موريس وخيرية البشلاوي.. كان والده صحفياً فأحب المهنة.. وأصبح من هواة البحث عن المتاعب ولأنه مثالي وخيالي فقد عشق الفن السابع.. ولم تغفل عيناه عن الشاشة الفضية.. يقرأ ويدرس ويتابع ويحلل حتي أصبح صاحب أهم أرشيف سينمائي.. يهتم بالأفلام ذات الرسالة.. يمعن النظر في أدق التفاصيل.. الديكور والموسيقي التصويرية والاضاءة.. تلتقط آذانه الحوار بشغف.. يجد متعة في تسلسل مشاهد السيناريو.. حتي الملابس والاكسسوارات التي يمر عليها الجمهور يتحدث عنها في نقده ويعتبرها اساسية يعطي كل ممثل حقه وكل من يشارك في "الكاست" ابتداء من الكومبارس ومن يؤدون الأدوار الثانوية أو "السنيد" إلي النجوم والبطلات وصولاً إلي المخرج "مايسترو" العمل وكثيرا ما رفع قلمه فناناً إلي القمة.. ويخشاه كل من لا يعرف قيمة ورسالة الفن.. فهو لا يهادن في نقده.. ولا يجامل ولا يعترف بأن "الجمهور عايز كده" لذلك احترمه جميع العاملين في الحقل السينمائي وأحبوه لأنه كان فارسا نبيلا في علاقاته.. ولا تخرج من فمه أو من مداد قلمه سوي الكلمات الطيبة.. فلم يعرف البذاءة ولا الابتذال ولا فاحش القول.. كان أرستقراطيا لا يمكن أن تفرقه عن الأمراء.. فهو ""برنس" رأسمالي أو اقطاعي وفي نفس الوقت يشعر بمعاناة المواطنين ويصادق الغلابة والمساكين وكأنه زعيم اشتراكي.. شاركنا في "الجمهورية" لآخر مرة في الحفل الذي اقامته العام الماضي أسرة التحرير بالتعاون مع جمعية "الرواد" لتكريم الذين اعطوا المؤسسة وتخطوا سن السبعين وناشدناه عودة الطير المهاجر إلي عشه.. وبالفعل كتب مقالا واحداً بعد الحاح ورغم افتقادنا موهبته ونقده ورسائله من المهرجانات فقد احترمنا اتفاقه مع جريدة "المصري اليوم" بالكتابة إليها بشكل شبه حصري.. كان من أهم النقاد العرب لذلك فربما كان الوحيد الذي تأتيه الدعوة "للمهرجانات الدولية" له شخصيا وليس باسم الصحيفة التي يعمل بها.. وكان تكريمه من إدارة مهرجان برلين تتويجا لتاريخه ولمشواره في العطاء حيث تم منحه "كاميرا البرينالي" وجاء في الحيثيات انه واحد من الكتاب ونقاد السينما البارزين في العالم العربي وخبير في السينما يؤخذ بنصيحته في انحاء العالم ومن أهم النقاد الذين يحضرون مهرجان برلين سنويا.. هذا هو سمير فريد الذي رحل في هدوء.. وتلقيت الخبر في واشنطن اثناء زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة فحرمت من السير في جنازته ووداعه.. رحم الله أحد فرسان النقد السينمائي في العالم وفارس "الجمهورية" النبيل والصديق العزيز الأستاذ سمير فريد.. وألهم أسرته وقراءه وكل محبيه - وأنا منهم - الصبر والسلوان

هوفيك حبيشيان

جنتلمان حقيقي

هو من هذه الفصيلة من البشر التي ترتاح لهم. تحبّهم بالاستعانة. أي لشدّة حبّ الآخرين لهم. فهو يجمع بين الأناقة والعراقة. جنتلمان حقيقي. ويكاد لا يعني شيئاً أن تتفق معه علي فيلم او تختلف. فاببتسامة صغيرة منه تستسلم لفكرة معارضته. يهزمك رصيده قبل أن يتغلّب عليك رأيه. وأنت. كنقطة في بحر تجربته. تنسحب بهدوء. رغم أنه جعل من السينما شغله الشاغل وشغفا لا ينضب. كان أكثر مَن يذكّرني أنّه ثمة في هذه الحياة. أشياء أهم من السينما. تلك الحياة التي أعتقد أنّه أحبها. عاشها علي أوسع نطاق

المرّة الوحيدة التي شاهدنا فيها فيلماً جنباً إلي جنب. كانت يوم عرض ¢الحمامة التي جلست علي غصن تتأمل في الوجود¢ لروي أندرسون في البندقية. ثم تمشينا معاً لملاقاة فاتي أكين الذي كانت لي مقابلة معه. دقائق ودعاه إلي مهرجان القاهرة في الدورة التي ترأّسها. أراده فيلم الافتتاح. هالتني سرعة قراره. كان قلبه يسبق تفكيره. وهو من الذين يكتبون بالعاطفة أكثر من أي شيء آخر. أتذكّره أيضاً يوم حدّثني عن كانّ في السبعينات. حين أمكن الجلوس الي طاولة أي مخرج كبير يطئ أرض المدينة. بلا مرور عبر قنوات معقّدة كما هي الحال اليوم. تحدّثنا وقوفاً أمام صالة دوبوسي نحو الساعة. تحت شمس الجنوب الحارقة

محمود عبد الشكور

النقد موقف ورؤية للذات والعالم

أكثر ما تعلمته من معرفتي بسمير فريد ومن قراءة أعماله هو أن النقد ليس وظيفة. ولكنه طريقة تفكير تتيح لك ان تحلل وتتأمل وتصنع موقفا ووجهة نظر. وهو ثمرة جهد شاق ومستمر في الثقافة العامة والمتخصصة . وفي التفاعل مع الناس . النقد موقف من الحياة. ورؤية أعمق للذات والعالم. قبل ان يكون موقفا من الأفلام او الأعمال الأدبية لم يكن ناقد أفلام وكفي .. كان مؤسسة ثقافية بأكملها

كل واحد من جيلنا له حكاية بل و حكايات مع الفريد سمير فريد . صدمني خبر وفاته. عرفته من خلال مقالاته الهامة وأنا اكتشف السينما في كتابات نقاد الصحف والمجلات في السبعينيات . وكان فريد في قلب الصورة مع أسماء مثل سامي السلاموني ورؤوف توفيق و رفيق الصبان ومصطفي درويش وأحمد صالح. ثم اكتشفت في مرحلة تالية دراسات فريد الهامة الطويلة في نشرات نادي السينما. وتابعت كتبه والإصدارات الدورية التي ينشرها مثل ¢السينما والتاريخ¢. وكنت حاضرا تقريبا في كل التظاهرات الثقافية واسابيع الأفلام التي نظمها في الأوبرا أو في المجلس الأعلي للثقافة. وفاجأني ذات يوم بكلمات عني في مقال بالمصري اليوم أعتبرها من أكبر الأوسمة التي حصلت عليها في حياتي . لم يكن قد عرفني شخصيا وقتها علي الإطلاق

هالة لطفي:

كتب عن فيلمي الوحيد 5 مقالات

كان فاتح خط مع كل مخرجين مصر الشباب قبل الكبار بيشوف أفلامهم الجديدة وإذا تحمس لها بيساعد علي قد ما يقدر .. فمثلا هو اللي أخد نسخة من فيلم إبراهيم بطوط ¢عين شمس¢ للناقد المغربي نور الدين صايل اللي كان وقتها مدير المركز السينمائي المغربي عشان يساهموا في عمليات ما بعد الإنتاج وبعدها أخد منه نسخة وهو رايح مهرجان كان وزعها علي مبرمجي المهرجانات والنقاد اللي يعرفهم من كثرة حماسه للفيلم وكان فخوراً جدا لما الفيلم أخد الجايزة الكبري من مهرجان تاورمينا الإيطالي وفضل يكتب لصالح بطوط في معركته ضد الرقابة وقتها

سمير فريد كان الناقد الوحيد اللي المخرجين المصريين علي اختلافهم يدعونه لمشاهدة أفلامهم قبل ما يقفلوا المونتاج وكانت ملاحظاته دايما محل تقدير لإنه ذوقه كسينمائي عليه إجماع وكان معروف إنه أحسن واحد بيقرا الأفلام وبحكم ثقافته الكبيرة كان ذوقه متطوراً جدا ويقدر يديك نصيحة تغير شكل الفيلم كله وكإنه بيمارس نوع من الإبداع الموازي علي الفيلم

بالنسبة لي سمير فريد مساعداته علي كل المستويات لا يمكن إحصاءها لكن كفاية أفتكر إنه قرر يخصص مساحته اليومية في جريدة المصري اليوم لمدة خمسة أيام متواصلة للكتابة عن فيلمي في الأسبوع الوحيد اللي قعد فيه في السينمات ولما كلمته أشكره قعدنا نهزر وأقوله دلوقتي يتهموك إنك واخد مني فلوس وعلي قد ما ضحكنا يومها علي قد ما كان كلامه عن إن ده واجبه نحو النوع ده من الأفلام بمثابة بيان أخير -مكنتش محتاجاه لإني أعرفه كويس- عن مدي التزامه بدعم السينما الجديدة وغير الجماهيرية في مصر وبث الطمأنينة في نفوس صناعها المساكين البائسين المهزومين واللي كان سمير فريد هو نصيرهم الأكبر

سمير فريد وتكريم رواد "الجمهورية"

بقلم: حسن رمضان

حياتنا محطات وجاءت محطة سمير فريد أحد أبناء ورموز ورواد الجمهورية العمالقة الكبار ليلحق بأعزاء من أبناء أسرة الجمهورية الذين فقدناهم ورحلوا عنا إلي العالم الآخر بعد رحلة عطاء وإخلاص للجمهورية

واليوم ننعي ببالغ الحزن الأخ والصديق سمير فريد الكاتب والناقد السينمائي الكبير وأحد رواد الجمهورية في زمن العمالقة الذين عاصرناهم واقتربنا منهم فكان سمير فريد الإنسان متواضعاً بسيطا هادئ الطباع معتزاً بنفسه ودوداً محباً لكل من حوله يعرف قدره كل من عاشروه واقتربوا منه وكنت دائما معه في سفرياته بالمطار طوال سنوات عمله بالجمهورية. التي انطلق منها بعد ذلك في مسيرة نجاح في عالم النقد السينمائي علي المستوي العربي والعالمي وقد تم تكريمه في مناسبات عديدة ومهرجانات عالمية

وبعد رحيل الناقد سمير فريد فقد فقدت الجمهورية ابناً عزيزاً وفقدت مصر والوسط الفني قيمة وقامة فنية وأدبية كبيرة

وسبحان الله ان يلبي سمير فريد دعوة الاستاذ فهمي عنبه ورابطة رواد الجمهورية لتكريمه مع تكريم اساتذتنا وكبارنا من رواد الجمهورية في حفل كبير في معناه في قاعة اجتماعات ملحقة بمكتب رئيس التحرير ولكنها اتسعت بالحب وحسن النوايا لأكثر من ثمانين مكرماً عاشوا لحظات كلها فرح وسعادة بعد عودتهم إلي دارهم التي عاشوا سنوات عمرهم فيها وبين جدرانها اختلطت الدموع بفرح لقاء قدامي الزملاء والاحباء.. الجميع كان في حالة سعادة لا يمكن وصفها.. الوجوه مشرقة والابتسامة علي الشفاه.. الكلمات عبرت عن احساس الجميع بالتقدير وقد اشاد الجميع بنجاح الاحتفال بالمكرمين من الكبار وقال عنه الكاتب الكبير المحترم الاستاذ محمد العزبي انه يكفي فرحة الكبار ولقاؤهم بعد غياب وتواصلهم مع أبناء الجيل الجديد ليترسخ في اذهانهم ان الدنيا مازالت بخير وان هناك من يعرف معني الوفاء للكبار ويكفيك ويكفي فهمي عنبه دعوات الناس الطيبين لتكريمهم وهم أحياء وما كتبه الآخرون في الصحف عن نجاح الاحتفال والتكريم الإنساني للمكرمين

واتذكر قول المرحوم أحمد رجائي لي ربنا يكرمك ويكرم الأخ الإنسان فهمي عنبه لأنكم اكرمتمونا وكرمتومونا بعد رحلة العمر في الجمهورية واحنا مازلنا علي قيد الحياة وبعدها بأيام رحل عنا ومنذ عام في 21 مارس من العام الماضي وعقب تكريم الكاتب والناقد المرحوم سمير فريد قال لي بالحرف وحشتوني فقد ابتعدت ولم ادخل دار التحرير منذ ما يقرب من 22 عاما والحمد لله أن كتب الله لي العمر لأري احبائي وزملائي من أبناء جيلي وكان اللقاء ممتع وترك أكبر الأثر في نفسي والأجمل انني عدت ودخلت الجمهورية في الوقت الذي يقود المؤسسة اثنان من خيرة ابنائها جلاء جاب الله رئيس مجلس الإدارة وفهمي عنبه رئيس تحرير الجمهورية راعي فكرة التكريم ولا اخفي عليك ان هذا التكريم رغم بساطته ولكن معناه كبير جداً ومنحي الدرع المتواضعة وشهادة التقدير والوسام وتكريمي اليوم في هذا اللقاء المليء بالدفء والحب بينكم أغلي وأعظم وأكبر من أي جوائز حصلت عليها في الداخل أو في المناسبات والمهرجانات العالمية والحمد لله ان مؤسستي كرمتني قبل رحيلي وقد عبر الفقيد عن احساسه ومشاعره في مقال كبير نشر بالمصري اليوم في 23 مارس 2016 وأشاد فيه بنجاح تكريم الجمهورية

أبيض وأسود.. بعد الرحيل

حسام حافظ

بعدما فقدنا أستاذنا الراحل سمير فريد. من الطبيعي ان نسأل أنفسنا ما الذي يبقي من تجربة حياته التي امتدت 73 عاما في خدمة الثقافة السينمائية والنقد المتخصص وهو قليل ونادر في الصحافة المصرية للأسف الشديد

أول درس نستفيده من حياة سمير فريد أن يكون الإنسان نفسه وليس كما يريده الآخرون. وهو ما اعطي الراحل صفة التفرد حتي ان الملف الخاص عنه في جريدة "القاهرة" أمس كان يعنوان "الفريد".. فقد كان يكتب بغض النظر عن الصحيفة التي تنشر له أو المجلة أو الكتاب أو الندوة أو المهرجان وكأنه يجيب علي السؤال: ماذا تكتب؟ وليس أين تكتب؟ ماذا تقول؟ هذه هي القيمة التي تبقي. لذلك شعر كل من له صلة بالسينما في مصر بفداحة فقد سمير فريد وكانت جنازته وعزاؤه أكبر دليل علي قيمة هذا الرجل "الفريد" الذي فقدناه

الدرس الثاني هو الدقة العلمية والمعلومة الصحيحة والموثقة التي كان يحرص الراحل علي وجودها في مقالاته المختلفة كان يحرص أن يضع تاريخ ميلاد ووفاة الفنان السينمائي بين قوسين مثل أن نقول فاتن حمامة "1931 2015" كنوع من الدقة بانها ما بين هذين التاريخين عاشت وابدعت ورحلت تلك الفنانة

كذلك تعلم سمير فريد من استاذنا الصحفي بالجمهورية الراحل بدر الديب شقيق الأديب الراحل علاء الديب. كيف يصنع الوثائق الصحفية وكيف يكون للفيلم وللشخصية "ملف" بداخله كل المعلومات المتاحة وكان هذا قبل الكمبيوتر بعشرات السنين لذلك كان سمير فريد يمتلك كنزاً من الملفات والوثائق التي تساعده علي الكتابة الدقيقة العلمية. لذلك عندما رحل الفنان العالمي عمر الشريف كتب سمير فريد 3 مقالات طويلة مسلسلة عنه في "المصري اليوم" اعتبرها أفضل ما كتب عن عمر الشريف وأدق معلومات عن حياته وأعماله ومواقفه وآرائه وفلسفته في الحياة

كان سمير فريد منفتحاً علي العالم الواسع يكره الانغلاق والجمود ويعشق الحرية في الفكر والرأي والتعبير ويحترم الحقيقة مهما كانت قاسية انني أحب وطني ولكني أحب الحقيقة أكثر ويعمل من أجل اتخاذ المواقف المنطقية العقلانية ويرحب بالمواهب وبالاجيال الشابة ويحترم الكبار أصحاب القيم والمبادئ لذلك أصبح الآن واحداً منهم

hafezhossam@gmail.com

رؤية حرة

محمد فتحي عبدالمقصود

طبيعي أن تكتسب من وظيفتك علي المستوي المادي والمعنوي ولكن قليلون جداً من يضيفون لمهنتهم مثل ما كان الناقد السينمائي الفريد سمير فريد

MFmohamed_fathy@yahoo.com

الجمهورية المصرية في

12.04.2017

 
 

كلمات على الشاشة

سمير فريد القدوة والمثل

هل جربت يوما أن تجرؤ أو تستطيع أن تكتب مودعا من تحب بكلمات باكيه؟، هل بلغت بك الجرأة أن تفكر فى كتابة بعض الجمل المعبرة أو التقليدية عن إنسان كل ما فعله معك من خير مطلق.. وكيف يقاس الحب بعد الرحيل؟ هذه الأسئلة وغيرها دارت فى رأسى عندما بدأت أكتب كلمة أرثى فيها الأستاذ والقيمة والصديق والقامة الإنسانية والنقدية سمير فريد.

.. الاجابة عن كل هذه الأسئلة، ظهرت بوضوح فى كل هذه الوفود التى حضرت تودع وتصلى وتعزى الأستاذ، وهل هناك صدق أكثر من بكانا وحضورنا لواجب من غاب؟! نذهب لمن؟! ومن نعزي؟ّ! سؤال كان بداخل كل من حضر، المؤكد أن كل منا حضر مواسينا ومعزيا نفسه ومتذكرا موقفا لا ينساه، فلكل منا له حكاية أو حكايات معه، إنه سمير فريد الذى جعل من اسمه مفردا للأخوة والصداقة والقرابة.

أتذكر له عشرات الحكايات والمواقف التى تؤكد دعمه ومساهمته لكل من أراد فكريا، ففى أحد أيام بداية الألفية اتصل بى وأخبرنى انه فى الطريق لى وبعد وقت قصير فوجئت بعدد من صناديق الكتب يهديها لي، وقبل شهور كنت أتحدث معه هاتفيا ويومها عبر لى عن إعجابه بحوار لى مع المفكر الفلسطينى «اميل حبيبي» كنت أجريته منتصف التسعينيات، وقال إنه بصدد إصدار كتاب جديد وإنه أختار إعادة نشر حوارى مع اميل حبيبى فى كتابه. واليوم ونحن نذكر بعض من مواقفه الخاصة، نؤكد أن دوره وتأثيره الإبداعى والنقدى نادرا ما سيتكرر لأنه كان ينحاز للفن، والفنون فهو ساهم فى تأسيس مهرجانات عربية ومصرية، كما كرمه مهرجانى كان السينمائي وبرلين السينمائي وتولي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وعلى المستوى النقدى، يظل القدوة والمثل فيكفى إجماع الحب له، ويكفى أنه لم يهن أحدا، وأنما كان موجها وناصحا ينير الطريق ولا يحبط أحد، لكنه يحنو ويطبطب، ولا ينهش الأجساد كما يفعل غيره. ولو كان بيننا اليوم لكانت كلماته المناهضة للإرهارب التى طالب بها كثيرا من ضرورة مواجهة الأفكار المتطرفة من خلال مراجعة لكل مؤسسات صناعة الوعى فى المجتمع فى وزارات التعليم والإعلام والشئون الاجتماعية والأوقاف والثقافة.

رحم الله الناقد الكبير سمير فريد بقدر ما أعطى وبقدر انحيازه للوطن والإبداع الحقيقي.

الأهرام اليومي في

12.04.2017

 
 

مهرجان أسوان لأفلام المرأة

يحيى ذكرى أربعين سمير فريد باحتفالية حب

كتب عمرو صحصاح

قررت إدارة مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة إحياء ذكرى الأربعين لرحيل الناقد السينمائى الكبير سمير فريد بتنظيم احتفالية بعنوان "ليلة فى حب سمير فريد"، فى مركز الإبداع الفنى بدار الأوبرا بحضور عدد من السينمائيين وأسرة وأصدقاء الناقد الكبير الراحل.

تتضمن الاحتفالية عرض فيلم تسجيلى عن سمير فريد من إخراج أحمد حسونة، الذى بدأ بالفعل التحضير له، ومن المنتظر أن يتضمن شهادات من عدد من الفنانين والسينمائيين والنقاد عن الناقد الكبير الراحل، وكذلك شهادات بعض أفراد أسرته، فضلا عن مشاهد مصورة له أثناء رئاسته لمهرجان القاهرة السينمائى، وأثناء تسلمه جائزة مهرجان برلين السينمائى الدولى فبراير الماضى.

وقال الكاتب الصحفى حسن أبو العلا مدير مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة، إنه تم التواصل مع أسرة الناقد الكبير سمير فريد، التى رحبت بالفكرة، موضحا أن نجله الكاتب الصحفى محمد سمير تعهد بتقديم كل الصور والمواد المصورة التى تساهم فى خروج الفيلم بالشكل اللائق.

ووجه أبو العلا الشكر لكل الجهات والشخصيات التى تحمست لإحياء ذكرى سمير فريد، ودعم تقديم فيلم تسجيلى عنه، وفى مقدمتهم المخرج والمنتج شريف مندور والدكتورة هالة فاروق والدكتور ياقوت الديب.

وأكد السيناريست محمد عبد الخالق رئيس مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة أن الناقد الراحل صاحب أياد بيضاء على كل المهرجانات السينمائية فى مصر، موضحا أنه كان فى مقدمة الداعمين لمهرجان أسوان، ويرجع له الفضل فى ترشيح فيلم "ليلى بنت الصحراء" للعرض فى افتتاح الدورة الأولى التى عقدت فى شهر فبراير الماضى.

اليوم السابع المصرية في

13.04.2017

 
 

«الاستقالة في جيبي» !

مجدي الطيب

عرفت الدهشة طريقها إلى وجهي، وطاردتني أكثر من علامة استفهام، عقب تقديم الأستاذ الكبير والناقد سمير فريد استقالته من منصبه كرئيس لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة السادسة والثلاثين (9 – 18 نوفمبر 2014)، وتشبثه بها، رغم محاولات كثيرة بذلت لثنيه عن ذلك، وإقناعه بالتراجع عنها، سواء من وزير الثقافة آنذاك د. جابر عصفور، أو المحيطين به، والمقربين منه وإليه.

في محاولة مني لتفسير ما جرى أرجعت موقفه إلى طبيعته الشخصية التي تكره «الروتين»، الذي حاصره بقوة، والصراعات والصغائر التي ضيقت الخناق عليه، كونه أرسى مبدأ «الشفافية»، الذي لم يتوقف عن الدعوة إليه طوال حياته!

أتصور أن إعلان «فريد»، للمرة الأولى في تاريخ المهرجانات المصرية، الموازنة كاملة، والوثائق والعقود بحذافيرها، في ما أطلق عليه «دليل المهرجان»، الذي اشتمل على شرح تفصيلي وواف لما يمكن تسميته «المسمى الوظيفي» job description والأجور التي يتحصل عليها كل فرد يتعامل مع المهرجان، كان سبباً في إثارة حفيظة البعض، ممن أدمن العمل في {الظلام}، ويخشى أن تُصبح {الشفافية} عدوى، وسبباً في ملاحقة الفاسدين، وهم كثُر!

كان بمقدور سمير فريد أن يواجه صغار النفوس، ويضعهم في الحجم الحقيقي الذي يليق بهم، لكنه تأذى كثيراً، وأصابه جرحٌ عميقٌ، عندما وصل الاتهام إلى حد التشكيك في ذمته المالية، وموافقة وزير الثقافة على تشكيل لجنة تحقيق، ولحظتها رفض أن يغفر ويُسامح، وغادر موقعه من دون رجعة، فالسمعة الطيبة، والذمة النظيفة، هما كل ما حرص عليه طوال حياته، وكم ضحى بمناصب رسمية، ومواقع حيوية، حرصاً منه على حريته، واستقلاليته، ولأنه أبى أن يكون عبداً لوظيفة، مهما كانت مغرية وبراقة.

المتأمل للسيرة الذاتية للناقد الكبير سمير فريد يكتشف أنه إحد أكثر الشخصيات التي امتلكت قرارها، وأكثرها تقديماً للاستقالة، بما يعني أن استقالته من رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لم تكن ظرفاً طارئاً، فقد فعلها سابقاً عندما استقال من منصبه كمدير لمهرجان القاهرة الدولي لأفلام الأطفال (1998) بعد دورة واحدة، واستقال من منصبه كمدير لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (1995) بعد دورة واحدة، ولم يستمر في تدريس مادة السينما المعاصرة لطلبة الدراسات العليا في المعهد العالي للسينما (1991) سوى عامين، وتوقف عن تدريس مادة الفكر المعاصر في كلية الإعلام جامعة القاهرة (1980) بعد سنة، واستقال بعد سنة أيضاً من عمله كمستشار فني لصندوق التنمية الثقافية عام 1991، وهو ما فعله أيضاً أثناء عضويته في المكتب الفني لوزير الثقافة 1989، وأثناء عمله كمدير لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (1985) عندما استقال بعد دورة واحدة، بينما انتهت عضويته في لجنة الإنتاج بالمؤسسة العامة للسينما (1970)، لجنة القراءة بالمؤسسة نفسها (1971)، لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة (1980) بالاستقالة بعد أشهر قليلة. بل إنه كرر الأمر نفسه في المشاريع الثقافية التي كان يُصدرها أو يُشرف عليها، كما فعل عندما عكف على إصدار ثلاث مجلات سينمائية (1969) لم يصدر من أي منها أكثر من عددين، ولم تستمر مجلة «السينما والتاريخ» الفصلية (1992)، التي أصدرها على نفقته الخاصة، أكثر من سنتين!

«الاستقالة ما زالت في جيبي» كانت شعار الناقد سمير فريد عندما قادته الأقدار إلى التعاون مع المنتج حسين القلا، حيث عمل كمستشار فني للشركة العالمية للتلفزيون والسينما عام 1983 واستقال عام 1985، أي بعد 30 شهراً، وهي قصة يرويها للكاتب الصحافي وائل عبد الفتاح في كتاب «مغامرة النقد» قائلاً: «عرفني إليه يوسف شاهين، ووجدت أن مشروعه في السينما يحقق أحلامي للسينما في مصر، لكنني قبلت نصف العرض فقط، إذ كان كل العاملين في الشركة يوقعون عقوداً لمدة عشر سنوات، لكنني صغت عقدي بنفسي، واستبعدت منه هذا البند، وكتبت بدلاً منه أنه في حال الخلاف يبلغ أي من الطرفين بأنه سيترك العمل قبل شهر من دون تعويض»!

بالورقة والقلم، والوقائع والأرقام، كان سمير فريد صاحب أكبر دخل شهري بين أقرانه، في الستينيات، إذ كان يتحصل على 60 جنيهاً، عبارة عن راتب شهري يُقدر بـ 17 جنيهاً، وأجر يتراوح بين خمسة وعشرة جنيهات عن كل مقال يكتبه في مجلة مصرية أو عربية، بالإضافة إلى الكتب التي ينشرها، ومن ثم استقل مادياً، واكتفى ذاتياً، وكانت «الاستقالة» بمثابة السلاح الذي يُحافظ به على زهده، ويُجاهد به النفس الَأَمَّارَة بِالسُّوءِ !

الجريدة الكويتية في

14.04.2017

 
 

وداعاً سمير فريد .. ترك 50 كتابا عن السينما مترجماً لأكثر من لغة وصفته صفحة مهرجان برلين بأنه من أهم نقاد السينما فى الوطن العربى

تقرير : عمرو محيى الدين

رحل عميد النقاد العرب سمير فريد بعد أن أثرى الحياة الثقافية والنقدية عن عمر ناهز الـ 73 عامًا تاركًا خلفه سمعة طيبة ورصيدًا من المقالات الرائعة والمؤلفات المؤثرة والتي تمت ترجمتها لأكثر من لغة ليصل إلى العالمية...

ولد سمير فريد في القاهرة عام 1943، وتخرج في قسم النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1965، بخلاف كونه ناقدًا فنيًا فإن بدايته كانت من باب "صاحبة الجلالة"، فقد عمل صحفيًا في جريدة الجمهورية، قبل أن يكشف الغطاء عن مكانه الحقيقي كعميد النقاد السينمائيين العرب وذلك من 1964 إلى 2003 .

جوائز وتكريمات

أسهمت إصداراته المهمة التي تجاوزت الخمسين كتاباً مؤلفاً ومترجماً بالعربية ولغات أخرى في إثراء المكتبة الثقافية العربية، بالإضافة إلى دوره الكبير في تأسيس الكثير من المهرجانات المصرية والعربية، والجمعيات السينمائية، فضلاً عن مشاركاته الفاعلة في لجان السينما، وعلى رأسها عضويته في اللجنة الدولية لكتابة التاريخ العام للسينما في الأمم المتحدة عام 1980، ورئاسته لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة والثلاثين. وكان محل تكريم وحفاوة كبيرين في المحافل السينمائية العالمية، مثل مهرجان كان الذي منحه ميدالية "كان" الذهبية في آخر دورات القرن العشرين عام 2000، والجائزة التقديرية في مهرجان أوسيان بالهند، و"جائزة تكريم إنجازات الفنانين"، التي منحها له مهرجان دبي السينمائي عام 2012، فضلاً عن فوزه بجائزة الدولة للتفوق في الفنون التي استحقها في مصر عام 2002، كما كرمه مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ67، بأن منحه "كاميرا البرلينالي" التقديرية، ليكون أول ناقد عربي، وأول شخصية مصرية، عربية، وأفريقية، يفوز بالجائزة، منذ بدأت في العام 1986، وتذهب إلى "شخصيات ومؤسسات ساهمت على نحو متفرد في فن الفيلم".

مهرجان قومي للسينما

كان سمير فريد صاحب فكرة إنشاء المهرجان القومي للسينما، كما كان مديرا لمهرجان القاهرة السينمائى عام 1985 ومدير مهرجان الإسماعيلية السينمائي للأفلام الوثائقية والقصيرة عام 1995، ومديرا لمهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال 1998 ومستشارا لمهرجان ابو ظبي السينمائي الدولي 2007 - 2008، وأصدر الكاتب الكبير عشرات الكتب السينمائية في هذه المهرجانات كما أصدر مجلة السينما والتاريخ وكان يكتب مقالا يوميا في النقد السينمائى بجريدة "المصري اليوم"، كما أفرد الناقد السينمائي صفحة للسينما بجريدة الجمهورية على مدار أربعين عاما منذ عام 1964 .

كان الراحل الكبير من النقاد القلائل الذين واظبوا على حضور مهرجانات السينما العالمية في برلين وكان وفينيسيا وكرمه مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الأخيرة 2017تقديرا لعطائه السينمائي الكبير وهو تكريم لم يحظ به أي ناقد عربي.

استغل الناقد السينمائي المولود عام 1943، فرصة مشاركته في ندوة "ربيع السينما العربية" ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، ليؤكد للجميع أنه لا يزال يؤمن بالربيع العربي رغم كل المآسي، التي أعقبته لكونه فكرة قوية مرفقة بإرادة حقيقية وتغيير على أرض الواقع.

دعم السيناريوهات

حرص فريد دائماً على أن يكون متميزاً، بدأ في التعامل مع السينما المصرية بمنظور آخر، كان دائماً وحسبما صرح في حواراته الصحفية حريصاً على متابعة الأعمال السينمائية يومياً، وكان يشاهد ما لا يقل عن فيلمين في اليوم الواحد، ورغم ما يُردد من القليلين عن أنه من السهل متابعة الأفلام ونقدها، فلم يكن ذلك فقط ما يشغله بل كان مهموماً بالصناعة منذ نشأتها، وكان يؤكد دائماً أنه يجب ترميم الأفلام المصرية.

وقف داعما لسيناريوهات كثيرة كى تخرج إلى النور وتصبح من أهم أفلام السينما ومنها " زوجة رجل مهم" و " الطوق والأسورة" و" البداية" و " للحب قصة أخيرة" وغيرها.

لم يكن سمير فريد موالياً للأصدقاء، فكان يصرخ برأيه على صفحات الجرائد دون أن يخشي أحدًا وكان لا يخشي خسارة بعض السينمائيين، فكان أخر من هاجمهم هو المخرج الراحل محمد خان، قائلاً في حواراته النادرة: "كل مخرج له جمهوره.. وجمهور خان قليل لأنه مش بيرضى الفئة الكبيرة من الجمهور التى تحب الكوميديا، وهذا موجود فى كل دول العالم".

لم يكن سمير فريد يريد من الدنيا سوى أن يعيش للسينما، وفي السينما، وحبذا أن يكون رفيقه في مساره هاملت الشكسبيري الذي كان حلم حياته أن يؤفلمه يوماً.

أدرك سمير أن تكوين صداقات مع النجوم يضعه دائمًا في مواقف لا يحسد عليها لذا لم يطور صداقاته بالفنانين حتى يكتب بحرية وبدون أي إملاءات أو مجاملات.

كان حريصاً على دعم الشباب سواء كانوا مخرجين أو نقاداً... مصريين أو عرباً ، وتجلى ذلك فى إدارته للمهرجانات حيث حرص على إسناد المسئولية للشباب ايمانا بهم.

كما شارك فى تأسيس ما يقرب من 90% من المهرجانات العربية، وكان أحد العناصر التى وضعت لوائحها وإجراءاتها، لأنه كان متحمسا دائماً لكل الأشياء النبيلة فى السينما باعتباره مثقفا عاما، فهو ليس ناقدا سينمائيا فقط وإنما كان مشتبكا دائماً مع كل قضايا الوطن.

دعم السينما المستقلة

أول من تبنى السينما المستقلة وأول من رحب واحتفى بالصحافة السينمائية ومجلات السينما ابتداء من الفن السابع وحتى سينما جودنيوز، وأول من رحب بالأفكار والأساليب الجديدة للمخرجين الشباب وفى صحيفة المصري بمقالاته اليومية لم يترك نشاطا سينمائيا إلا وذكره ونوه عنه.

اختلف معه الكثيرون من النقاد فى الآراء ولكنه لم يحول الاختلاف يوما إلى خصومة وخلاف.

احتفى الموقع الرسمي لمهرجان برلين فى فبراير 2017 بالناقد الكبير سمير فريد ووصفت الصفحة الرسمية للمهرجان فريد بأنه أهم نقاد السينما البارزين فى العالم العربي كونه خبيراً سينمائياً يقدم نصائحه وأراءه لعدد من مهرجانات السينما العالمية إلى جانب مرافقته لمهرجان برلين فى عدد من الدورات السابقة، وكرم مهرجان برلين الناقد الكبير ومنحه جائزة :كاميرا البرلينالي" التقديرية.

استطاع سمير فريد قبل وفاته أن يخطف تكريمًا خاصًا له من قبل المهتمين بالشئون الثقافية في مصر، لذلك قررت جمعية نقاد السينما المصريين تكريمه بإطلاق اسمه على جائزة الجمعية التي تمنحها جميع لجان تحكيمها في المهرجانات المصرية، فيما جاء تكريمه بعد أن أعلنت الجمعية أن سمير فريد يستحق هذا التكريم، نظراً لدوره التاريخي في إثراء الثقافة السينمائية في مصر والعالم العربي، فيما تبحث إدارة مهرجان الإسماعيلية وكثير من النقاد والسينمائيين تكريمه في الدورة الجديدة من المهرجان، وإهداءها لروحه.

####

النقاد فى وداع سمير فريد :

الأكثر إخلاصاً للمهنة واعتزازاً بقلمه ودعماً للشباب

كتب : عمرو محيى الدين

رحل عميد النقاد العرب ورائد النقد السينمائي سمير فريد بعد صراع مع المرض، تاركا أكثر من 50 كتابا عن السينما، وواضعاً أسساً للمهرجانات الرسمية فى مصر، ولجان التحكيم التى شارك فيها، كان خبر وفاته بمثابة صدمة للكثير من تلاميذه وزملائه من النقاد الذين تأثروا به وبكتبه.. سألنا النقاد عن سمير فريد مهنيا وإنسانيا فأجمعوا علي أنه ما زال حيا ولم يغب عن عالمنا وذلك بأعماله التى أثرت الحياة الثقافية والنقدية.

رائد النقد الفنى

تقول الناقدة والكاتبة ماجدة خير الله: سمير فريد تاريخ طويل أثر فى أجيال كثيرة من النقاد، فهو رائد من رواد النقد ومن العلامات البارزة فى هذا المجال، وكان يقدم للقراء آخر إنتاجات السينما من خلال مقالاته ومتابعته للمهرجانات، إضافة إلي كونه عضو لجنة تحكيم للمهرجانات ووضع أسسا لكثير منها ولم يبخل بالدعم علي الكثير من السيناريوهات الجيدة التى تحمل فى طياتها ثقافة ووعياً، وكان مؤيدا للحركات السينمائية الجديدة، وداعماً لكل صاحب مشروع فني هادف، فلم يكن مجرد كاتب مقال، بل إنه مؤسس جمعية نقاد السينما التى تضم عددا كبيرا من شباب النقاد حتي صار منارة للكثير من الناس ودوره لم ينته بوفاته.

كثافة سينمائية واسعة

وعن كتبه تقول ماجدة خيرالله : كتب سمير فريد ما يقرب من 50 كتابا، وأتذكر كتاباته عن الواقعية فى السينما المصرية، كما كان له دور ملموس ووضع أسسا فى اختيار الأفلام المشاركة فى المهرجانات سواء فى مسابقات رسمية او غيرها، كما كان له دور مؤثر عند إدارته لمهرجان سينما الأطفال، فكان حريصاً علي اختيار الأفلام التى تغرس قيمة ثقافية، وتتعامل مع الطفل على أنه ناضج، وهو ما نفتقده الآن.

مختتمة: كل الكلام لن يفي سمير فريد حقه ولن ينساه الجمهور والنقاد.

أما الناقدة ماجدة موريس فتقول: عندما عملنا معاًَ، أسس وقتها سمير فريد جريدة السينما، التي عمل بها عدد كبير من النقاد السينمائيين وأذكر أن سمير فريد عند توجهه لمهرجان كان أو برلين كان يستقى خبرات كبيرة، عن كل ما يدور هناك ليقدمها لنا وينقلها إلى قرائه. وتضيف: اتسم بثقافة سينمائية واسعة، وفى إدارته لمهرجانات القاهرة والاسماعيلية وسينما الطفل، كانت له بصمة فريدة فى الاستعانة بالشباب إيماناً منه بقدراتهم المختلفة، كان يكتب كتابا دوريا عن اهم الافلام فى العالم ، كما كتب كتابا مهما عن شكسبير فى السينما.. رحل سمير فريد لكن انتاجه لا يمكن أن يرحل وسيبقى دائما لان الجهد الذى قدمه وحبه السينما ترجمها لتعليم وبرامج وكتب وهذه الأشياء لا ترحل برحيل صاحبها.

لا يدخل في صراعات صغيرة

فيما يتحدث الناقد هاشم النحاس عن صديقه سمير فريد ويقول: عندما تولى رئاسة مهرجان القاهرة الدولى منذ عامين استطاع ان يحوله الى مهرجان دولى بحق، سواء من ناحية اختار لجنة تحكيم او اختيار الافلام، واضاف أوجهاً جديدة من النشاط الثقافى وخلق تعاونا بين المهرجان والنشاط الاهلي وأسند لجمعية النقاد تنظيم اسبوع خاص بهم داخل المهرجان العام، يمنحون فيه جائزة لأفضل الافلام التى تم اختيارها ونظرا لتشعب علاقاته بالنقاد العرب دعا مجموعة منهم الى المهرجان، فقام بتوسيع دعواته للنقاد العرب. وقد ترك كتابا جمع فيه اوراقاً بحثية عن السينما بشكل عام اسمه «تاريخ السينما».

وتحدث النحاس عن سمير فريد الإنسان فقال: كان انيقا فى ملبسه وفى اخلاقه كذلك، لا يدخل فى صراعات صغيرة أبدا، يعتز بقلمه بشكل كبير، كان يحترم نفسه ويحترم الآخرين واذكر اننى اختلفت معه كثيرا لكن هذا الاختلاف لم يؤد أبدا الى انقطاع العلاقة بيننا لأن كل منا كان يحترم رأى الاخر وان جاء مخالفا وهذا لا يمنع انه كان يغضب احيانا.

الكتابة عن المرأة في السينما

والدكتورة ماجدة واصف مديرة مهرجان القاهرة السينمائي أكدت مدى الحزن الذى انتابها أثناء توديعه فى جنازته إلى مثواه الأخير بعد أن جمعتهما صداقة كبيرة ، وعلاقة طيبة على المستوىين الإنساني والمهني. وأضافت: كانت نسبة كبيرة من كتب سمير فريد عبارة عن تجميع مقالاته عن السينما، وأكثر ما استهواني هو تطرقه فى كتبه للمرأة فى السينما، وكذلك ربطه بين الربيع العربي والسينما فى كتاب استعرضه فى مهرجان القاهرة السينمائي أثناء رئاستي له، فقد جاء إلى المهرجان وحرص على التواجد رغم مرضه، فهو تاريخ طويل من العطاء ما يقرب من نصف قرن، ورصد تاريخ السينما فى كل حقبة وكتب عنها، كان يشجع التجارب الجديدة، وله تأثير ليس فى مصر فقط بل في العالم العربي كله.

اسمه مرادف للمهنة

الناقد طارق الشناوي يرى أن اسمه عند كثيرين ممن يمارسون النقد السينمائى فى العالم العربى أصبح مرادفاً للمهنة، فهو أحد أهم النقاد فى الساحة ممن يتعاطون مع الكلمة المطبوعة على مدار خمسة عقود من الزمان وبغزارة ودأب وإصرار وتحد، كان أحد أهم الفاعلين فى الحياة السينمائية، من خلال مشاركته فى اللجان ورئاسته لبعضها وإقامته عدداً من المهرجانات، كان مدافعا شرسا عن الحرية والتى يراها حقاً للجميع، وليس فقط ممن يتوافقون معه فكريا أو سياسيا، لم أضبطه يوما صامتا أمام أى اعتداء لكبت الآراء يمارس على الفنانين أو الكتاب والصحفيين. ولكن لم يحدث أن امتد الاختلاف فى وجهات النظر إلى خلاف شخصى، على العكس تماما عندما نلتقى، خاصة خارج مصر لا يتبقى سوى الدفء.

ويضيف: سمير بين النقاد هو الأكثر إخلاصا للمهنة، ولم يضبط يوما متوجها نحو الشاشة الصغيرة فى رمضان، مثل أغلب النقاد، وأنا منهم، نهجر السينما تماشيا مع رغبات القراء فى هذا الشهر الكريم، وهكذا نتحول إلى كائنات تليفزيونية نتابع الدراما ونملأ المساحات المتاحة بتلك المادة التليفزيونية المطلوبة صحفيا. لكنه يعتبر هذا الشهر فرصة لكى يلتقط أنفاسه ويعيد شحن بطارية أفكاره، ليظل محتفظا بإيقاعه السينمائى، ولا يمارس فعل الخيانة مع التليفزيون.

تقابلنا أكثر من مرة لمتابعة الرسائل من المهرجانات معا مثل (برلين) و(كان)، أتذكر الفيلم اللبنانى (ربيع)، كان معروضا فى (كان) مايو الماضى بقسم (أسبوع النقاد)، كان سمير قد سبقنى فى الدخول لدار العرض، كما أنه يحمل الكارنيه (الأبيض)، وهو الناقد العربى الوحيد الذى يحمله، والذى يوفر له التواجد فى كل الأفلام، مهما كانت موجات الازدحام، رغم ذلك وجدته ينتظرنى على الباب، حتى نشاهد الفيلم معاً، وهذه الدورة فى برلين التقينا، فى الفيلم البلجيكى (انسرياتيد) الذى كان معروضا فى سينما (ماكس7)، وقبلته مهنئاً بالجائزة، ويقينى أن (كاميرا البرينالى) فى مهرجان برلين، التى حصل عليها، بداية لرحلة عطاء قادمة رائعة يملؤها بقلمه إبداعاً.

####

الراحل .. الصديق ..

شديد الإحساس بمصر الوطن .. سمير فريد

كتب : يحيي تادرس

في البداية:

لتعذرني - عزيزي القارئ عن تذكري بالتفصيل والتواريخ بعض الأحداث التي قادتني إلي الاقتراب بشدة إن جاز التعبير مع الراحل الأقرب للصديق - سمير فريد - لكن هناك أحداثا جسام وتاريخا مليئاً بالظلمات لابد من ذكرها:

3 سبتمبر 1981

ملحوظة ( في كتاب خريف الغضب يصفها الجورنالجي العظيم محمد حسنين هيكل:

(القارعة

ما القارعة

وما أدراك ما القارعة:

القرآن الكريم - سورة القارعة)

..

في هذا اليوم تحديدا تصدر قرارات اعتقال عشوائية لعشرات من أبرز المثقفين والكتاب ورجال الدين في سابقة لم تحدث ولن تحدث بإذن الله - في مصر.

.. وإلي جانب من طالتهم الاعتقالات - كان هناك من طالتهم - ظلاله القاتمة وأخذهم الخوف بأنهم قريبا سيلحقون بمن تمتليء بهم وقتها المعتقلات

.. من بين هؤلاء كان: سمير فريد

.. كان معظم أصدقائه - وزملائه يتجنبونه - رعبا مما قد يحدث لهم إذا كان غضب السادات (يبدو هذا في كل صوره وقتها ساحقا ماحقا ومنذرا بل رهيبا.

..

في ذلك التوقيت أو قبله تمت خطوات (مهرجان القاهرة السينمائي - وكنت كما تسعفني الذاكرة - قد تم اختياري (أمينا) للجنة اختيار الأفلام مع عدد من أبرز النقاد السينمائيين، والاعتراف بالحق فضيلة:

لم أدع يوما بأنني ناقدا مبرز - له رؤية - وأعتقد أنه تم اختياري - لثقة الأستاذ الراحل سعد الدين وهبة الشخصية في شخصي - إلي جانب نشاط التليفزيون ومنصبي (أمين مركز الثقافة السينمائية).

المهم:

أحسست بأن هناك شخصاً جديراً بأن ينضم إلي الأعضاء - ناقدا مثقفا دارساً وله رؤية وحضور - هو .. سمير فريد

و..

عرضت الأمر علي «سعد الدين وهبة» - فوافق علي الفور

.. وحين عرضت الأمر علي الأستاذ سمير (فوجئت بالدموع تملأ عينيه) إذ كان هذا القرار يعني الخروج من عزلته وخوفه وتوقعاته.. بالمعتقل

...

كان اختياره موفقا - بكل المقاييس - إذ أضاف للمهرجان وهجاً وحساً راقياً وتوهجاً - كان المهرجان في أشد الحاجة إليه

..

وتمر السنوات حتي عام 1992

حين فوجئت بتكريمي - تكريماً شديد الخصوصية - من المركز الكاثوليكي وأهداني - جائزة شرف شخصية من لجنة برئاسة (سمير فريد).

..

بعدها - وبعد اغتيال السادات - وأحداثه معروفة وقرار الرئيس مبارك بالإفراج عن المعتقلين - أصبحنا نتقابل في مقهي (رباعيات الخيام) - بالزمالك - نتبادل آراء في كل مناحي الشأن المصري حينذاك.

...

ولم أعتبر طوال علاقتي به - أنني التقي بناقد سينمائي له (طعم خاص) - بل بمصري شديد القلق - علي (مِصره) - ومصرنا - يمتلك القدرة علي استشراف - مقدرات الوطن..

بالطبع - هناك من هو أقدر مني علي الكتابة عن (أبعاده) كناقد - لكنني أكتب عنه - كإنسان..

####

قيمة سمير فريد

بقلم : أشرف غريب

فى زمان عزت فيه الأستاذية كان الناقد السينمائى الراحل سمير فريد كبير الأساتذة ،فى زمان شحت فيه النفوس السوية كان الرجل صاحب نفس رقيقة وروح أرق ، فى زمان غص بأنصاف المواهب وأشباهها كان فريد موهبة حقيقية فى عالم النقد والتأريخ السينمائى.

رحل سمير فريد إذن فأصبح البحث عن الأساتذة أصحاب النفوس السوية والمواهب الحقيقية فى هذا الزمان أقرب إلى المستحيل الرابع ، نعم كان سمير فريد أستاذا ليس فقط لأنه صاحب مدرسة فى النقد ، وإنما أيضا لأنه كان يؤمن بأن أستاذية بلا تلاميذ ، ومن هنا فإن نفسه السوية وروحه الرقيقة لم تكن تبخل على أحد بالتشجيع والإطراء والنصح أيضا والتوجيه ، وكثيرا ما منح الفرص لأجيال لاحقة استطاعت أن تثبت نفسها بفضل الأيادى البيضاء الدائمة التى كان يمدها سمير فريد بكل محبة ونكران للذات .. حاول أن تجرب واسأل عشرة أسماء من العاملين بالمهنة عن هذا الرجل ، حتما ستجد فى نفس كل واحد منهم مكانا خاصا ومميزا لسمير فريد وفضلا كبيرا لا يمكن نسيانه لهذا الرجل ، وأنا شخصيا واحد من هؤلاء .

لن أحدثكم عن مبادرات تشجيعه المتكررة لى منذ بداية طريقى فى هذه المهنة ، ولا عن لفتاته المعتادة مع كل عمل أقدمه، وآخرها هذه المرات الثلاث التى كتب فيها بالمصرى اليوم عن كتابى " الوثائق الخاصة لليلى مراد» ، يكفى أن أذكر أنه حينما توليت رئاسة تحرير الكواكب عام 2012 كان هو فى طليعة المهنئين ، لكنه لم يكتف بالتهنئة ، وإنما عرض - وهو الناقد الكبير - أن يكتب على صفحات المجلة بداية من العدد الأول ، فاستأذنته أن أرجئ نشر مقاله للعدد الثانى لأننى كنت قد استقبلت مبادرة رقيقة أخرى من الكاتب الكبير وحيد حامد بالكتابة فى العدد الأول تحت رئاستى ، وكان من المهم جدا بالنسبة لى نشر مقال وحيد حامد فى العدد الافتتاحى لأن فى ذلك رسالة محددة كنت حريصا على توصيلها لمن كانوا ساعتها يحكموننا باسم الدين ، وتفهم سمير فريد الأمر وأيدنى فيه ، وكتب بالفعل المقال فى العدد التالى مباشرة ، ليس هذا فقط بل أنه عرض أن يرسل للكواكب رسائل خاصة من مهرجان فينيسيا الذى كان على الأبواب ، وهكذا لم تنقطع لفتات سمير فريد الكريمة تجاهى وتجاه كل الذين عرفوه وعرفهم .

وحتى فى مساجلاتنا المنشورة أو غير المنشورة كان الرجل راقيا فى اختلافه ، رقيقا فى عرض وجهة نظره ، متواضعا فى اعترافه بعدم صحة موقفه إذا استدعى الأمر ذلك حتى لو كان أمام أحد تلامذته أو حتى خصومه، إن كان له خصوم ، وكنت دائما أقول له إنه واحد من الذين رسخوا فى عالم الكتابة الصحفية والنقدية آداب الاختلاف وأخلاقياته تماما مثل الراحل الكبير رجاء النقاش ، فكان يرد بأنه تعلم ذلك بالفعل من العظيم رجاء النقاش منذ أن عرفه فى منتصف الستينيات وقت أن كان فريد فى بداية الطريق ، وهذا ملمح مهم من ملامح الأستاذية ومكون أصيل من مكونات النفس السوية التى كان يتمتع بهما كل من رجاء النقاش وسمير فريد.

وليس هناك من شك فى أن عشرات الكتب وآلاف المقالات والدراسات التى كتبها سمير فريد سوف تبقى زادا دائما لكل الباحثين عن الثقافة السينمائية الرفيعة ، أما نحن الذين تعاملنا معه واقتربنا منه فلن تغيب عنا روحه الرقيقة وأخلاقياته الكريمة ومواقفه النبيلة ، وأنا شخصيا سوف أفتقده كثيرا فى كل مرة أشعر فيها بأننى بحاجة إلى سداد رأيه ونبل مواقفه .

####

تجربتي مع مهرجانات السينما في مصر من القاهرة 1985 إلي شيك الصندوق

بقلم: سمير فريد

نمطان من المثقفين نجدهما في كل عصر وفي كل مكان، نمط يتفرغ لتنمية معرفته، وتنمية معرفة الآخرين عن طريق كتبه وأبحاثه، مثل عبدالرحمن بدوي، أو عبدالغفار مكاوي، ونمط لا يكتفي بذلك، ويعمل أيضاً علي تغيير الواقع من خلال العمل العام عبر القبول بالانتماء إلي حزب سياسي، أو القبول بوظائف حكومية في مجال تخصصه.

كان حلمي أن أكون الأول، أن أكتب تاريخ السينما في مصر أو في العالم أو كليهما، أو أن انتهي علي الأقل من وضع فيلموجرافيا للأفلام المصرية أو العربية أو كليهما، وأن أقوم بترجمة أهم الكتب عن تاريخ السينما، ولكن رجاء النقاش، وهو أستاذ وصديق في الوقت نفسه منذ الستينيات، دفعني لاكون من النمط الثاني، أو بالأحري النمط الآخر، وكان ما كان من إنشاء للجمعيات والمهرجانات السينمائية والقبول بوظائف حكومية من عضوية اللجان إلي عضوية المكتب الفني لوزير الثقافة.

كنت أحضر مهرجان كان منذ عام 1967، وهو المثل الأعلي للمهرجانات في العالم. ومن خلال حضوري مهرجان كان، تعلمت أن لكل مهرجان رئيسا مثل رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية مثلا، ومديرا مثل رئيس التحرير، وتعلمت كيف يوضع البرنامج بحيث يحترم قواعد الاتحاد الدولي. وضعت ميزانية المهرجان علي أساس دعم حكومي قدره مائتا ألف جنيه، ولكن رئيس مجلس الوزراء علي لطفي آنذاك كان يرفع شعار الجهود الذاتية، وفضل سعد الدين وهبة أن يقام المهرجان بالجهود الذاتية، وكان قراره هذا في آخر لحظة، وفي وقت أزمة السفينة أكيلي لاورو، وكان يعني إلغاء بند الأجور تماما، ومع ذلك نجح المهرجان وغطي تكاليفه وحقق أرباحا بلغت 50 ألف جنيه مصري دون عرض أية أفلام غير مراقبة بعد منتصف الليل، وبالاحترام الكامل للقواعد الدولية.

وفي يوم ما بعد أسبوعين أو نحو ذلك من نهاية المهرجان استدعاني سعد الدين وهبة رحمه الله وقال لي إنه أخذ المهرجان من وزارة الثقافة، وسوف ينظمه بواسطة اتحاد النقابات الفنية، وكان يرأس الاتحاد إلي جانب كونه نقيبا للسينمائيين. سألته وهل وافق أحمد هيكل بهذه البساطة، قال نعم. قلت له وما الهدف من ذلك قال إن المهرجان يمكن أن يحقق 500 ألف جنيه. لا 50 ألفا وبذلك يصبح مهرجانا كبيرا، ولن يمكن عمل ذلك من خلال وزارة الثقافة، وسألني أن استمر في العمل كمدير للمهرجان علي هذا الأساس فاعتذرت، وضحك رحمه الله وقال كنت أعرف ذلك، وقد «ذاكرت» جيداً ما فعلته في المهرجان، ويمكنني الاستمرار بدونك.

ومنذ دورة 1986 جعل سعد الدين وهبة من رئيس المهرجان كل شيء في المهرجان، ولم يعد الأمر مثل مهرجان كان أو غيره من المهرجانات الدولية، وأصبح تعبير رئيس المهرجان في مصر يعني كل شيء في أي مهرجان سواء للسينما أو غير السينما، ولاتزال مصر تنفرد بهذا الوضع الإداري. ولكني عندما كلفت بمهرجان الاسماعيلية سميت نفسي مديرا علي أن يكون الرئيس مدير صندوق التنمية الثقافية الذي ينظم المهرجان، فلا يمكنني تجاهل معرفتي، واقتنع مدير الصندوق بذلك، ولكنه أثناء المهرجان لم يستطع التفرقة عمليا بين حدود رئيس المهرجان وحدود مدير المهرجان.

لا أستطيع تقييم مهرجان 1985 في القاهرة أو مهرجان 1995 في الاسماعيلية فالمرء كما ذكرت لا يستطيع أن يقوم بعمل ما، ويقوم بتقييمه في الوقت نفسه.

مقتطفات من مقال نقدى له بالكواكب - العدد 2448- 30/6/199

الكواكب المصرية في

16.04.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)