كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ورحل فيلسوف السينما سمير فريد

محمد منير

عن رحيل الأستاذ وعميد النقد السينمائي

سمير فريد

   
 
 
 
 

لم أكن أعرف بمرضه حتى يوم وفاته، ليس تقصيرًا مني في السؤال عنه، ولكنه كان قويًا ومقبلًا على الحياة بدرجة تُشعرك دائمًا أنه الأفضل صحة والأكثر شبابًا ونشاطًا، وبالتالي لم يكن هناك بُدًا من السؤال عن صحته، إضافة إلى أنه لم يغب عن المشهد حتى قبل وفاته بأيام، وكتاباته لم تنقطع من خلال عموده اليومي في صحيفة المصري اليوم حتى آخر يوم.

كان استثنائيًا في كل شيء في ثقافته وآرائه وأحاديثه، وكنت آراه دائمًا فيلسوفًا ومفكرًا، وليس صحفيًا وناقدًا سينمائيًا، برغم اعتزازه دائمًا بكونه صحفيًا، وذلك لما يغلب على مناقشاته من آراء فيها فلسفة وتفكر، فكانت لديه "رحمه الله" قدرة منفردة على رؤية الشيء نفسه من زوايا مختلفة، ساهم في ذلك ثقافته الموسوعية، واطلاعه غير المحدود، وكان مؤمنًا برأي الكاتب والمخرج السينمائي الفرنسي "ألكسندر أستروك" بأن "الكاميرا مثل القلم"، فكان يرى العالم بقلمه عبارة عن مجموعة من المشاهد السينمائية القابلة للكتابة.

ولم يعجز قلمه مرة واحدة عن ترجمة مشاهداته في الفن والسياسة والثقافة والتاريخ والمجتمع ومختلف فنون الحياة إلى كلمة تُقرأ، وكان يُشارك "ديفيد جريفيث" أحد أهم السينمائيين في تاريخ السينما رأيه عندما سألوه عام 1906 كيف ستصبح السينما عام 1916 قال سيصبح الفيلم مثل الكتاب، وهكذا أصبحت السينما بالنسبة له كتابًا يقرأه ولا يفارقه أينما ذهب.

عُمق ثقافته ومشاهداته يجعلك تشعر أنه "فرانسوا كيز" أو "جون لوك" عندما يتحدث عن الرأسمالية، و"كارل ماركس" أو "فريدريك أنجلز" عندما يتحدث الاشتراكية، و"سيبويه" إذا ثار جدال حول اللغة العربية، ومراسل عسكري إذا كان نقاشنا حول أي حرب في أي بقعة في العالم.

أذكر عندما تولى رئاسة «مهرجان القاهرة السينمائي» وسُئل عن تكريم الفنانة نادية لطفي وسبب اختياره لها قال: "نادية لطفي" فنانة قديرة وتتسم بشجاعة في مواقفها السياسية والعربية، وهي الوحيدة التي سافرت خلال حصار بيروت لزيارة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في الوقت نفسه الذي كانت "جين فوندا" على الجبهة الأخرى تدعم "إسرائيل"، كان دائمًا مختلفًا في تقييمه وتحليله للشخصيات، ويستند في ذلك إلى رؤياه الخاصة.

أذكر أنني كتبت مقالًا بعنوان "كل شارع في مصر"، وكان يحمل بعض الإنسانيات التي أحملها داخلي للشارع الذي عشت فيه طفولتي، وكنت مهتمًا أن أعرف رأيه في المقال، فاتصلت به لأطلب منه أن يقرأه، فقال لي لقد قرأته بالفعل، فكانت لديه قدرة استثنائية على متابعة وقراءة كل كلمة.

كان من ضمن طقوسه الجميلة مع المقربين منه، والذي أشرف أنني كنت منهم، بعض الإهداءات الرمزية التي دائمًا تحمل معاني كثيرة، وذات مرة أهداني صورة قديمة للتشكيل الوزاري عام 1924 برئاسة أحمد زيور باشا، وكان وقتها فخورًا جدًا بهذه الصورة، وقال لي "ده التشكيل الوزاري في العشرينيات، حيث كانت تضم الوزارة، وزراء مسلمين ومسيحيين ويهودًا، وأشار إلى الصورة وقال: "ده نخلة جورجي المطيعي بك وزير المواصلات مسيحي، وده يوسف قطاوي باشا وزير المالية يهودي، وكان أيضًا كبير الطائفة اليهودية في مصر".

مرة أخرى أهداني نسخة من أرشيف الصحف المصرية عبارة عن قصاصات لأخبار وعناوين للصفحات الأولى قبل وبعد الثورة، أعدها بنفسه، وكان يرصد فيها حجم التناقض في الآراء والتوجهات في الإعلام المصري تجاه السلطة.

كان دائمًا يرى ما لا يراه غيره، راقيًا في كل شيء في أحاديثه وآرائه وصداقاته وكتاباته وثقافته، أفكاره، نصائحه، انفعالاته، تعاملاته، عطائه، شخصية استثنائية بمختلف المقاييس.

كان دقيقًا جدًا في مختلف تفاصيل حياته، فالوقت لديه كان مقدسًا، ومحسوبًا بالدقيقة والثانية، ورغم ذلك إن خالفت موعدك معه أو تأخرت بعض الوقت كان يكتفي فقط بإيمائة بسيطة تُشير إلى غضبه، وفي الوقت نفسه ابتسامة تشير إلى أنه قد سامحك، فهو السهل الممتنع.

كان دقيقًا حتى في أبسط تفاصيل حياته، وما زلت أتذكر عندما كان يصطحبني معه لأحد المحال الشهيرة في بيع "البُنْ" في أبوظبي، حيث كان يفضل أن يشتري البُنْ لـ"قهوتة" بنفسه ليعده أمام عينيه طبقًا لمواصفاته الخاصة، وكان يقف وهو يضع يده اليسرى في جيبه بأناقته المعهودة، ويتذوق أنواع "البُنْ" ويطلب من البائع "بن غامق" يختار نوع حبيباته بنفسه، وعندما يبدأ البائع في طحن البن كان يُغمض عينيه مبتسمًا في إشارة لسعادته برائحة البن.

لم يكن يتطلع لأي مناصب رسمية، برغم ما كان يُعرض عليه، ولم يبق في أي منصب أكثر من سنة واحدة، لأنه يرى أن دوره الحقيقي هو إعطاء خبرته للشباب، بعدها يُقرر الانسحاب ليترك لهم التجربة كاملة، فكان مديرًا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1985 لدورة واحدة قبل أن يرأس المهرجان عام 2014، ومديرًا لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1995 لدورة واحدة، ومديرًا لمهرجان القاهرة الدولي لأفلام الأطفال عام 1998 لدورة واحدة أيضًا، إضافة إلى المهرجانات العربية التي شارك في تأسيسها والتي يأتي في مقدمتها مهرجان دمشق السينمائي، ومهرجان أبوظبي السينمائي وغيرهما من الهرجانات التي كان يكتفي بنقل خبراته ويرحل عنها في هدوء، وكأنه راهب في محراب السينما.

كان لا يرى نفسه إلا في معشوقته السينما التي وهب لها حياته، وترك لها عشرات المؤلفات والدراسات والأبحاث التي نُشرت في مئات الصحف والمجلات، وما يقرب من 60 كتابًا، إضافة إلى أرشيفه السينمائي الخاص والمنفرد.

وعبر تجربتي السابقة في العمل معه، والتي أعتبرها واحدة من التجارب المهمة التي مررت بها في حياتي، والتي كانت على مدى سنوات، ومنها تجربتي في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، والذي كان اسمه مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، وكنت مديرًا للمركز الإعلامي ورئيس تحرير مطبوعات المهرجان، وكان الأستاذ سمير فريد مستشارًا فنيًا للمهرجان وأحد مؤسسيه، ووقتها اعترض بشدة على الاسم واقترح أن يحمل المهرجان اسم أبوظبي، وقد كان بعد ذلك، وخلال الاجتماعات الرسمية لإدارة المهرجان كان يفاجئني دائمًا بحجم احترامه للآخرين.

وأذكر أنه كان هناك مقترح أن يتم اعتماد كافة البيانات الصحفية الصادرة من المهرجان منه هو شخصيًا على اعتبار أنه المستشار الفني، وأيضًا ناقد سينمائي كبير، واعترض بشدة وقال مدير المركز الصحفي هو من يعتمد البيانات الصحفية بما فيها التصريحات الصحفية التي تصدر عني أنا شخصيًا، فقلت له وقتها أستاذ سمير أنا لن أكون منزعجًا من ذلك على العكس فهذا يشرفني ويمثل الكثير بالنسبة لي، لكنه أصر على رأيه قائلًا: إن هناك لائحة خاصة بالمهرجان لابد أن نحترمها ونحترم اختصاصات ومسئوليات كل فرد في المهرجان، وكيف أكون أنا الذي وضعت اللائحة وأكون أول من يُخالفها، وقال لي إن أردت أنت أن تستشيرني بصورة ودية في الأخبار قبل نشرها لن أتردد في التعاون معك، لكن لا يمكن أن أوافق أن تكون هذة آلية عمل رسمية.

مرة أخرى في مهرجان أبوظبي الدولي لأفلام البيئة، والتي شرفت برئاسته، وأذكر أنه تحمس كثيرًا للفكرة، وبدأنا العمل على المهرجان، واقترحت في البداية تكريمًا لمكانته أن يكون هو رئيس المهرجان وأنا مدير المهرجان فقال لي بشكل حاسم هذا مشروعك وأنا لا تعنيني المسميات، ويكفيني فقط أن أكون مستشارًا فنيًا للمهرجان فهذة تجربة مختلفة يسعدني المشاركة فيها، وأصر على ذلك وقد كان، وخلال العمل في المهرجان واجهتنا بعض المعوقات لكنه أصر على أن يستمر معنا، وأصر على نجاح التجربة، وبالفعل نجح المهرجان وشاركت فيه أكثر من 42 دولة، منهم أهم دول في صناعة السينما في العالم.

وأذكر قبل طباعة كتالوج المهرجان عرضته عليه لاعتماده، وخلال تصفحه نظر لي منفعلًا وقال: كيف تضع اسم المستشار الفني قبل اسم رئيس المهرجان، فقلت له: وكيف أضع اسمي قبل اسمك أستاذ سمير، فأنا أوافقك في كل شيء إلا أن يأتي أسمي قبل اسمك، فقال لي: فيه حاجة اسمها بروتوكول لا نستطيع أن نتخطاه، انسى سمير فريد دلوقت، وصمت قليلًا ثم نظر لي مبتسمًا وقال أقدر ذلك تمامًا لكن "لازم تعرف إن كل شيء له أصوله وقواعده وقوانينه التي يجب أن نحترمها"، فتعلمت منه أننا يجب أن نحترم الأصول والقواعد والقوانين المهنية قدر احترامنا للعلاقات الإنسانية.

لا أذكر أنني التقيت الراحل الأستاذ سمير فريد مرة واحدة دون أن يتطرق حديثه عن مصر والمصريين، وكيف كنا عظماء في كل شيء، وكيف أُختيرت القاهرة عام 1925 أجمل مدينة في العالم، وكيف كنا روادًا في كل شيء؟ وكيف تغيرت الشخصية المصرية على مدى العصور؟ فاللقاء مع الأستاذ سمير فريد هو أشبه بالمحاضرة، التي لا تملك فيها غير أن تنصت للأستاذ.

ذاكرتي تحمل له الكثير من المواقف والمشاهد الحياتية التي في مجملها ذكريات لشخصية تركت أثر داخلي لن تواريه السنوات.

إن لم تكن تعرف الأستاذ سمير فريد فيكفيك فقط أن تتأمل كل من حرصوا على حضور العزاء في مسجد عمر مكرم، الذي كان مكدسًا بكل محبيه من أجيال مختلفة من الكتاب والصحفيين والنقاد والفنانين والمثقفين والسياسيين منهم الرواد ومنهم شباب في مقتبل الطريق ممن كان له الفضل في أن وضعهم على الطريق.

حتى اللحظة الأخيرة كانت تُحيطه العناية الإلهية، ومنحتة فرصة أن يشهد تكريمه قبل رحيله، فحصل على الجائزة التقديرية (كاميرا البرلينالي) لمهرجان برلين في ألمانيا قبل رحيله بأشهر قليلة، والتي تُعد أهم جائزة يقدمها المهرجان عبر تاريخه لناقد سينمائي، وحصل قبلها على الميدالية الذهبية لمهرجان كان في فرنسا بمناسبة اليوبيل الذهبي للمهرجان مع 19 ناقدًا من مختلف دول العالم، وكان يمثل مصر والعالم العربي وإفريقيا عام 1997، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون في مصر عام 2002، والجائزة التقديرية للمهرجان القومي للسينما المصرية في القاهرة عام 2005، والجائزة التقديرية لمهرجان أوسيان في الهند عام 2012، والجائزة التقديرية لمهرجان دبي السينمائي عام 2013.

لقد كان الأستاذ سمير فريد بتاريخه تكريمًا لمهنة النقد السينمائي، وتكريمًا لكل صحفي وناقد سينمائي مصري وعربي.

وداعًا أستاذ سمير فريد سنفتقدك أبًا وأستاذًا ومُعلمًا وصديقًا....وإلى لقاء آخر في عالم أفضل من عالمنا....

mhmd.monier@gmail.com

####

سمير فريد.. فارس جيل الستينيات

الحسين عبد البصير

فقد الوسط الثقافي في مصر والعالم العربي والعالم الناقد السينمائي والمثقف الموسوعي  سمير فريد. وبغياب المُعلم سمير فريد عن المشهد السينمائي النقدي في مصر والعالم العربي، يغيب عنا قلم نقدي فذ، ومثقف قدير، وواحد من أصحاب الرؤى السياسية الرفيعة والقيم الليبرالية الفريدة المتشبعة بالثقافة الموضوعية العميقة والجديرة بكل احترام وتقدير

وُلد ناقدنا في مدينة القاهرة في سنة 1944. وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي درس فيه النقد على أيدي عمالقة وجيل الآباء المؤسسين للثقافة المصرية في حقبة الستينيات من القرن العشرين. والتحق بالعمل صحافيًا في جريدة الجمهورية في أوساط الستينيات محدثًا ثورة في مجال النقد السينمائي، ومؤسسًا لتيار جديد، ومدرسة كبيرة تخرجت فيها أجيال عديدة من نقاد مصر البارزين في مجال النقد السينمائي. وكان مقال الأستاذ سمير فريد وإسهاماته العديدة في جريدة الجمهورية من أروع ما يكون ومن أول وأهم ما يقرأ فيها.

وكان في مقاله يمزج السينمائي الثقافي بالاجتماعي بالسياسي بشكل مدهش. وكان هو بحق فارس جيل الستينيات في النقد السينمائي إلى جوار عمالقة الرواية والمسرح والقصة القصيرة. ولم يكن الأستاذ فريد من بين كتاب المقال النقدي السريع، وإنما كان من أصحاب الرؤية العميقة والمحللة للأمور والظواهر والأشياء وربطها ببعضها البعض بحس قلما توافر لأحد غيره. كان ذا قلم نقدي رصين.

وفضلًا عن كتابة المقالات النقدية، لم يغفل فريد عن التعبير عن رؤاه الفكرية في الفن والسينما والتأسيس لمدرسته النقدية التي كان يحلم بها. فنجده قد أصدر عشرات الكتب العلامات في تاريخ النقد السينمائي المصري والعربي. ونذكر من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، "الواقعية الجديدة في السينما المصرية" الذي قدّم فيها لجيل الثمانينيات الرائد في تاريخ السينما المصرية الذي جدّد السينما المصرية وأعاد لها شبابها، وكتابه المهم "أضواء على سينما يوسف شاهين" الذي يعتبر من أهم الكتب المؤلفة عن صاحب فيلم "الأرض"، وكتابه العلامة عن "الصراع العربي الصهيوني في السينما" الذي يعد أيضًا من المراجع المهمة عن تلك الأزمة، وغيرها الكثير.

ودون شك، فإن إسهامات فريد العديدة في التأسيس والمشاركة والحضور في مهرجانات سينمائية مصرية وعربية ودولية عديدة، لهي من أهم مساهماته في إيصال صوت مصر للعالم وصوت العالم لمصر. ونتيجة لذلك، فقد اختير الراحل الكبير كعضو لجان تحكيم في مهرجانات دولية كثيرة. وكان بحق صوت مصر السينمائي النقدي المستنير في العالم كله

وأذكر أنه أخبرني أنه لم ينقطع مرة عن الذهاب إلى مهرجان "كان" السينمائي الدولي في شهر مايو من كل عام منذ أن ذهب إليه وهو شاب صغير، وكذلك كان يذهب إلى مهرجان برلين السينمائي الدولي باستمرار الذي كرم ناقدنا الكبير في دورته الأخيرة باعتبار الأستاذ سمير فريد واحدًا من أهم النقاد السينمائيين في مصر والعالم العربي والعالم من خلال مسيرة إبداعية حافلة في الكتابة عن السينما لمدة نصف قرن عبر من خلالها عن مصر والعالم العربي خير تعبير.

وكذلك حصل الأستاذ فريد على "الميدالية الذهبية" من مهرجان كان السينمائي الدولي نظرًا لعطائه الكبير في مجال النقد السينمائي في مصر والعالم العربي عام 2000. فقد نقلنا بحق إلى العالم ونقل بصدق العالم إلينا.

وكان الأستاذ سمير فريد نشيطًا ومتحمسًا للغاية وصاحب أفكار عديدة جريئة وجميلة. فكان صاحب فكرة إنشاء "المهرجان القومي للسينما". وأيضًا شارك في تأسيس "مهرجان الأفلام القصيرة والوثائقية"، وكذلك تأسيس جمعية النقاد السينمائيين المصريين في أوائل سبعينيات القرن العشرين. وكان عضوًا بارزًا في الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين بداية من أوائل سبعينيات القرن العشرين أيضًا.

أما في مصر، فقد تقلد مناصب سينمائية إدارية كثيرة مثل إدارته لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، وكذلك لمهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل في دورتهما في منتصف ونهاية تسعينيات القرن العشرين. ورأس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته بين عامي 2013-2014. ونجح الأستاذ فريد في الدفع بالمهرجان الدولي للأمام والإبقاء على صفته الدولية التي كانت مهددة بالسحب في تلك الفترة العصبية من تاريخ مصر المعاصرة

وعلى المستوى الشخصي، كانت تربطني صداقة قوية بالراحل الكبير. وكان محبًا ومشجعًا للأجيال الشابة في الكتابة النقدية عن السينما. وعندما بدأت الكتابة في النقد السينمائي في جريدة "الحياة اللندنية" الغراء وفي مجلة "الكتب.. وجهات نظر" القاهرية المتميزة، وجدت الأستاذ سمير فريد متحمسًا ومشجعًا لي للغاية حتى أنه دعاني لكتابة مقال عن "السينما المصرية والأدب" وصدر باللغة الإيطالية في كتاب أعدته الناقدة السينمائية الإيطالية سلفيا بازولي وصدر عن مهرجان تورينو السينمائي الدولي في الاحتفالية التي كانت مخصصة للسينما المصرية في ذاك العام.

ولا أنسى أنه دعاني لحضور العرض الخاص بفيلم "أرض الخوف" للراحل العبقري أحمد زكي وللمخرج المبدع الكبير داود عبد السيد في سينما مترو في وسط القاهرة. وكانت تعليقات الأستاذ على الفيلم وشخصياته، خصوصًا الفنان الراحل حمدي غيث في دور المعلم هدهد، من ما أمتع التعليقات النقدية من ناقد كبير في قامة وقيمة الأستاذ سمير فريد. وقدمنى إلى المخرج الكبير داود عبد السيد وزوجته الصحافية المتميزة الأستاذة كريمة كمال.

وحين سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على درجة الدكتوراه في الآثار المصرية، انقطعت صلتي المباشرة بالناقد الكبير بسبب السفر وبسبب أنه لم يكن يحب التراسل عبر الإيميل، غير أني كنت أتابع ما يكتبه باهتمام بالغ خصوصًا مقاله المتميز في جريدة "المصري اليوم" الغراء.

وكنت أنتظر ما يكتبه حتى أتعرف إلى ما يُنتج في العالم من أعمال سينمائية جديدة. وكنت أرى بعينه النقدية البارعة وأتعرف على المخرجين والمخرجات والنجوم والنجمات والأفلام الجديدة سواء الروائية أو التسجيلية.

كان الأستاذ سمير فريد متحدثًا لبقًا للغاية، وحلو المعشر، وذكياً، وشخصية مهذبة، ودمث الخلق للغاية. في رأيي، كان الأستاذ سمير فريد ينتمي إلى طبقة النبلاء والفرسان في زمن عز فيه النبلاء وكاد أن يختفى منه الفرسان

رحم الله أستاذنا الكبير الناقد العظيم الأستاذ سمير فريد وعوضنا عن فقده خيرًا، وألهمنا وألهم أسرته الصبر والسلوان، وأدخله فسيح جناته وجزاه عنا خير الجزاء. إنه نعم المولى ونعم النصير. آمين.

بوابة الأهرام في

17.04.2017

 
 

سمير فريد.. عاشق السينما الذي يهديه مهرجان الإسماعيلية دورته الـ19

القاهرة ـ «سينماتوغراف»

أمتع وأفضل وقت أقضيه هو الذي أكتب خلاله مقالي اليومي عن السينما جملة قالها سمير فريد في أحد اللقاءات التليفزيونية التي أجراها خلال فترة رئاسته لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2014، وتعد مفتاحا لدخول العالم الواسع والخاص جدا لذلك الغائب الحاضر دائما وأبدا.

في إخلاص الزاهد العاشق كان سمير فريد يتعامل مع السينما منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية وحتى اللحظة التي غاب فيها عنا، فريد اسما وصفة، لم يشغله طيلة حياته إلا الفن السابع ولعل الدليل الأبرز على ذلك هو كم المؤلفات التي تركها إرثا في المكتبة السينمائية العربية وحجم التأثير الذي تركه في نفوس جميع من عرفوه.

فريد، الذي تبلغ المؤلفات ومترجمات التي تحمل اسمه 67 مؤلفا، إضافة لمشاركته في 25 مؤلفا جماعيا، ابن جيل كان يعاني من انعزال الجمهور عن النقاد، فكان المتاح له فقط في شبابه مقاله في جريدة الجمهورية والكتب التي يصدرها او الندوات التي يديرها ويقدمها، ولكن النقد كفن لم يكن يصل للجميع، فحمل على عاتقه هو وجيله من النقاد الاتجاه بالسينما إلى الجمهور، فكان نافذة على سينما مختلفة وجديدة على الجمهور المصري.

إنجازات فريد السينمائية تتخطي بكثير عالم النقد فما تركه أكثر من كتب ومؤلفات بالغة القيمة، ترك كيانات سينمائية حية تنبض فنا وثقافة، حيث أسس المهرجان القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1970، والمهرجان القومي للأفلام الروائية الطويلة عام 1971، والمهرجان القومي للسينما المصرية عام 1991، إضافة لمهرجان أفلام الاتحاد الأوروبي والذي أقيم لمدة دورتين في عامي 2005 و2006، وايضا مهرجان أفلام حوار الثقافات والذي لم يستمر سوى لدورة وحيدة عام 2006، ومهرجان افلام المرأة والذي استمر دورتان عامي 2007 و2008.

وشارك في تأسيس عدد من المهرجانات السينمائية العربية أبرزها مهرجان دمشق لسينما الشباب عام 1972، ومهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي، ومهرجان أبو ظبي لأفلام البيئة.

كما أدار ثلاثة من اهم المهرجانات السينمائية المصرية فكان مديرا لدورة عام 1985 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ورئيسا لنفس المهرجان في دورة عام 2014، ومديرا لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة دورة عام 1995، ومديرا لمهرجان القاهرة الدولي لأفلام الأطفال عام 1998، إضافة لمشاركته في العديد من لجان التحكيم في المهرجانات المصرية والعربية والدولية تتجاوز 30 لجنة تحكيم.

حصل طيله مسيرته السينمائية على العديد من التكريمات والجوائز، منها الميدالية الذهبية لمهرجان كان في فرنسا عام 1997، بمناسبة اليوبيل الذهبي للمهرجان، حيث تم تكريمه مع 19 ناقدا من مختلف دول العالم وكان هو الوحيد من الوطن العربي وأفريقيا.

وحصل على نفس الميدالية ايضا عام 2000 بمناسبة الدورة الأولى في القرن الواحد والعشرين، وفاز بجائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2002، والجائزة التقديرية للمهرجان القومي للسينما المصرية عام 2005، والجائزة التقديرية لمهرجان أوسيان في الهند هام 2012، والجائزة التقديرية لمهرجان دبي عام 2013، والجائزة التقديرية لمهرجان المركز الكاثوليكي المصري عام 2013، والجائزة التقديرية من مهرجان برلين الدولي كاميرا البرلينالي عام 2017.

طيلة ما يزيد عن 60 عاما لم ينقطع يوما عن السينما، سواء بالمشاركة في كل الفعاليات أو كتابة مقاله اليومي، في المهرجانات دائما ما كان يتحلق حوله عدد من المهتمين والمحبين والعاملين في السينما، فكانت نصائحه وآراؤه وأفكاره منارة ومرشدا للعديد من النقاد الشباب الذين أصبحوا اليوم علامات في النقد السينمائي، أو الممثلين الذين صاروا اليوم نجوما أو المخرجين الذين تحولت أفلامهم إلى علامات في السينما المصرية، كل هذه النصائح كان يقدمها بحنان الأب وحكمة الأستاذ، لكنه لم يكن يتعامل أبدا من هذا المنطلق.

يقولون في الأثر أن لكل إنسان نصيبا من اسمه، وقد حصل سمير فريد على نصيب الأسد من اسمه، فكان سميرا وأنيسا ومرشدا لكل محب وصانع سينما في العالم العربي، وكان ناقدا ومفكرا سينمائيا فريد الطراز قلما يجود الزمان بمثله.

سينماتوغراف في

17.04.2017

 
 

عن رائد فن النقد الموضوعى أتحدث .. سمير فريد

بقلم : أمينة الشريف

كانت آخر مكالمة بيني وبين الناقد الكبير الراحل الأستاذ سمير فريد يوم سفره لحضور مهرجان برلين الذي قررت إدارته تكريمه ومنحه جائزة باعتباره واحداً من أهم النقاد العرب.. وأتذكر أنه كان يوم سبت وهو موعد الاجتماع الأسبوعي وكنت قد طلبت من أحد الصحفيين الشبان التواصل معه سواء بإجراء حوار معه وتكريمه في دار الهلال للاحتفاء به لحصوله علي هذه الجائزة الدولية ولكن يبدو لانشغال الناقد الكبير في أمور عدة من بينها التجهيز للسفر أو أنه لم يكن يجيب عن الأرقام غير المسجلة عنده ولم يحدث التواصل بينه وبين هذا الزميل واتصلت به وجاءني صوته الهادئ المرحب .. أستاذ سمير مبروك علي التكريم يشرفني ويشرف مجلة «الكواكب» أن أجري معك حواراً أو أن تكون ضيفا للاحتفاء معك بهذا التكريم الدولي غير المسبوق لأي صحفي آخر، فإذا به يقول لي بصوت يملؤه الترحيب بكل تواضع بل أنا الذي يشرفني إجراء هذا الحوار معى في هذه المجلة العريقة، ولكني سوف أتجه إلي مطار القاهرة خلال ساعات قليلة للسفر إلي المهرجان وسأعود إلي القاهرة يوم 20 فبراير، لأنني بعد انتهاء المهرجان سوف أمضي بضعة أيام لإجراء بعض الفحوصات الطبية.

ولم يحدث هذا اللقاء المنتظر بسبب ظروفه الصحية.. وعندما قرأت خبر وفاته أعتبرت نفسي والمجلة من الخاسرين لأنني أري أن الجلوس إلي القامات والرواد كل في مجاله أمر لا يعوض أبداً ولا يساوي أي أموال مهما كانت قيمتها خاصة وأنني كنت قد خططت أن اصطحب معي ذلك الزميل محمد نبيل الشاب المجتهد أثناء إجراء الحوار حتي يتعرف به وليستزيد من علمه وخبراته ولأنه يدرس النقد الفني ويتابع الأفلام السينمائية العالمية لأنه يجيد اللغة الإنجليزية.

الناقد الكبير الراحل سمير فريد لم يكن رقما ضمن عدد النقاد وهم قليلون جدا عندنا لاسيما الذين يكتبون عن دراسة ومعرفة وتحليل ومقارنة بل كان متفرداً باعتباره متخرجاً في قسم النقد الفني التابع لمعهد الفنون المسرحية في سبعينيات القرن الماضي ولم يكن يكتب مجرد انطباعات وتلميحات وإسقاطات هي السمة المميزة لكثير من الذين يتصدون بالحديث عن الأعمال الفنية وينسبون أنفسهم زوراً وبهتاناً للنقد والنقاد!!

الناقد الكبير بدأ صعود سلم النقد الفني من أوله حتي وصل إلي قمته ولم يفكر أبداً أن يحيد عنه إلي مجالات أخري كما يحلو للكثير - خاصة الآن - للعمل في كل المجالات لمجرد التكسب المادي أو الانتشار.

منذ بدأت العمل في الصحافة الفنية .. أقرأ النقد واتعرف علي آرائه التي كان ينشرها في جريدة «الجمهورية» وبعض الجرائد المصرية والعربية خاصة مجلة «الكواكب» وأخيراً مقاله اليومي الشهير «صوت وصورة» في جريدة المصري اليوم منذ سنوات. كان مطلعا علي كل التجارب السينمائية خاصة الجديدة والناشئة في العالم كله ومسانداً للمبدعين العرب بشكل خاص وكان إذا سافر إلي المهرجانات الدولية لا تفوته فائتة لا يعتمد علي البيانات والأخبار الصحفية والمطبوعات التي تصدرها المراكز الصحفية لهذه المهرجانات، بل كان يسعي دائما إلي المعلومة من اصحابها - ومشهور عنه رفضه لأي أشكال رقابية علي حرية الإبداع مهما كانت، لا يمنعه من ذلك خوف ولا عتاب ولا لومة، لائم كان أيضا مشجعاً رائعاً للتجديد والتطوير والابتكار ولا أنسي عندما كتب في عموده اليومى بالمصري اليوم مشيدا بالتطوير الذي أصبحت عليه مجلة الكواكب أخيراً خاصة كتابة ترقيم الأعداد والسنة التي صدرت فيها المجلة، مناشداً بعض الجهات الأخري بحذو هذه الخطوة.

الأستاذ سمير فريد الذي كتب 50 كتاباً عن السينما والسينمائيين والفنانين ويستحق مشواره الطويل في مجال النقد أن يؤلف عنه كتاب قيم إلي جانب تجميع مقالات في كتاب آخر حتي تكون نبراساً لكل من يريد أن يكون ناقداً مهما في أكاديمية النقد الفني التي أرسي قواعدها سمير فريد. وأطالب أيضا بأن تخصص جائزة باسمه لأفضل مقال نقدي في المهرجانات السينمائىة في مصر.. وداعاً الناقد الكبير سمير فريد..

الكواكب المصرية في

18.04.2017

 
 

جائزة تحمل اسمه .. رحيل سمير فريد عميد النقاد العرب

كتب : طاهر البهى

رحل عميد النقاد السينمائيين العرب سمير فريد 73 عاما، ديسمبر 1943 - 4 أبريل »2017 وهو ناقد سينمائى يعد النموذج والقدوة والمثل الأعلى لكل من يريد أن يمتهن هذه المهنة؛ فهو الناقد المحترم صاحب السيرة العطرة النظيفة، الذي كسر القالب الكريه للمحرر الفني في السينما، فهو ليس بالآكل على الموائد، ولا المتسكع الذي يفرض نفسه على موائد الفنانين، وهو ليس بالساذج الجاهل الذي يمسك الورقة والقلم ويسأل الأسئلة التافهة التي تكشف عن سطحية المحرر، بل إن أكثر ما يميز أستاذنا الراحل أنه كان أكثر ثقافة ووعيا ودراية من أكبر نجم انتقده أو حلل أعماله، وهو بحق مؤرخ السينما المصرية، المولود فى القاهرة سنة 1943 .

تخرج فى قسم النقد بالمعهد العالى للفنون المسرحية 1965 . وعمل صحفيا وناقدا سينمائيا فى جريدة الجمهورية 1964 ، وكان يتابعه قراؤه في مقال يومى فى صحيفة «المصرى اليوم » تحت عنوان «صوت وصورة » وقد انتبهت الدولة إلى قيمته فحصل على جائزة الدولة للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة سنة 2002 ، وكانت له مكانة دولية نظرا لرؤيته العميقة وفهمه الواعي لآفاق السينما العالمية، وهو أحد الذين أسهموا في تكوين رأي عام للسينما العالمية من خلال مشاركاته الفعالة في المهرجانات الدولية، ولذلك لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن يحصل سمير فريد على التقدير الدولي من أكبر المهرجانات السينمائية العالمية، فحصل أيضا على ميدالية مهرجان «كان » الذهبية فى الدورة الأخيرة فى القرن العشرين، وسوف يذكر له الفن السابع والمكتبة السينمائية العربية أنه شارك فى إصدار ثلات مجلات سينمائية، كما صدر له نحو 50 كتابا لا تخلو مكتبة دارس أو متذوق أو فنان من بعضها على الأقل و تم تكريمه فى الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائى الدولى، وكرم فى مهرجانات عالمية، أبرزها «كان » و «فينيسيا

وما من شك أن رحيل «فريد » هو خسارة فادحة للنقد السينمائي ولفن السينما بصفة عامة، فهو أحد أهم أعلام النقد السينمائى العربى وصاحبالإسهامات فى مسيرة النقد فى العالم العربى، وبصمته لا تخطئها العين على المهرجانات المصرية حيث ترأس مهرجان القاهرة السينمائي الدوليعام 2014 دورة عام وكان مديرا فنيا للمهرجان عام 1985 وأيضا هناك العديد من المهرجانات السينمائية العربية التي كرمته ومن أهمها مهرجان دبي السينمائي، وهو صاحب فكرة إنشاء المهرجان القومى للسينما، كما كان مديراً لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة عام 1995 ، ومديراً لمهرجان القاهرة الدولى لسينما الطفل فى دورة عام 1998 .

وكان لقب سمير فريد في الوسط الفني هو «الموسوعة » نظرا لاخضاع كل ما يتعلق بالسينما إلى الدراسة العميقة، التي صاحبها إلمام شديد بكل نواحي العلوم والمعارف.

وفي أول رد فعل لتكريم اسم الراحل قال الناقد أمير أباظة رئيس مهرجان الأسكندرية السينمائي، أن مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصرين قرر بالإجماع إطلاق اسم «سمير فريد ،» أحد مؤسسي الجمعية، على جائزتها التي تمنحها جميع لجان تحكيمها في المهرجانات المصرية، وذلك تكريما لدوره التاريخي في إثراء الثقافة السينمائية في مصر والعالم العربي.

قامة دولية

فى تصريح خاص لـ «حواء » قالت الناقدة الكبيرة ماجدة موريس بوصفها واحدة من أهم من اقتربوا من الراحل سمير فريد، والتي تعاونت معه: أن الراحل يتميز بقيم ومزايا كثيرة أهمها إلمامه الواسع بالحركة السينمائية، وقد ساعده في ذلك اتقانه للغات أجنبية، وأيضا جديته الشديدة في عمله، ويعرف كل من يعمل بهذه المهنة أنه فتح أعيننا على المهرجانات العالمية وحرص منذ بداياته على المشاركة فيها، وكان من حظه أن فتحي غانم وهو قيمة فنية وأدبية أتاح له هذه الفرصة، وكانت الرحلة في ذلك الوقت تتكلف آلاف الجنيهات ولا يستطيع صحفي ولا ناقد في عمرهتوفيرها.

كانت هذه هي الفرصة الأولى، ولكن لأن الموهبة كالجريمة لابد أن تنكشف، فقد طغت موهبة الراحل، وأبهر الجميع خلال المهرجان بثقافته الموسوعية، وظهر هذا في كتاباته المتعمقة، حتى أصبح واحدا من القلائل الذين يتلقون دعوات لحضور المهرجانات على نفقة إداراته، تكريما له كقامة دولية تخطت الحدود، في وقت كان بعض الصحفين من المنطقة يقضون الوقت في الكافيهات، كان سمير فريد يشاهد كل العروض ويكتب عنها!

وتكمل ماجدة موريس تحليلها لشخصية الراحل بقولها: لا تنسى أيضا أنه ابن الستينيات ذات الانتعاشة الثقافية، فعلى مقربة من صحيفة الجمهورية كان يوجد نادي سينما القاهرة، والذي تخرج فيه أيضا أحمد الحضري بعد دراسته السينما في انجلترا، وفي وسط القاهرة كانت توجد جمعية الفيلم وجمعية النقاد المصرين، وسمير فريد كان مشاركا في كل هذه النشاطات، وكان هناك مشروع رائد لتنوير الرأي العام، ودور طليعي وتثقيفي، استفاد منه وكان جزءا لا يتجزأ من هذا العالم.

الراحل أيضا كان أول من قدم جريدة عن السينما بعنوان «السينما والفنون » من دار التحرير، ولكى تدرك مدى احتضانه زملاءه، اذكر لك أنه شاهدني لمرة واحدة، كنت أناقش فيلما في ندوة، ومرت شهور ثم فوجئت به يطلب انضمامي إلى جريدته لأكتب بابا ثابتا عن التليفزيون، لم يكن أنانيا ينفرد بالنجاح، بل كان مسئولا ثقافيا كبيرا، وقد اختلفت معه أحيانا وهذا طبيعي، فلم يغضب لأن الاحترام بيننا دائما كان موجودا.

النقطة المهمة في حياته أنه لم يكن شتاما، بل صاحب قلم نظيف ولسان طاهر، ومثالا يحتذى، وفرحت له عندما حصد جوائزه الأخيرة ومنها جائزة دبي للرواد، وستظل كتبه أكاديميات مفتوحة للدارسين.

حواء المصرية في

20.04.2017

 
 

الناقد الجاد سمير فريد .. صاحب الرؤية العميقة والكتابة السلسة

كتب : د. حسن عطية

ليس من قبيل المبالغة المقترنة دوما بحديث الحزن عن القامات التى ترحل عن دنيانا ، القول بأننا قبل "سمير فريد" وجيله لم نكن نعرف نقدا سينمائيا بالمعنى العلمى الدقيق لمصطلح (النقد السينمائي) بل هى حقيقة تاريخية ، فكل من سبقوه وسبقوا جيله كانت علاقتهم بالنقد واهية ، وكانت كتابتهم تتراوح بين المديح والهجاء ومغازلة النجوم ، عبر عرض سريع لـ (قصة) الفيلم ، والبحث عن (رسائله) الظاهرة ، واهتمام مبالغ به بممثلي الفيلم المتعرضين له ، لكن لا حديث عن رؤية مخرجه وبنائه الدرامي للفيلم وجمالياته ، وتقنيات مدير تصويره وصائغ مونتاجه ، ولا أى حديث بالمرة عن قيمة الصورة ودلالاتها الفكرية .

سبق "سمير فريد" أبناء جيله ، حتى ممن وفدوا إلي الحياة قبله بسنوات مثل "سامى السلامونى" و"رءوف توفيق" ، ومهد لجيله من النقاد المتميزين ومن تتلمذوا على أيديهم سبل التعامل مع الفيلم السينمائى باعتباره عملا دراميا رائقا ، ينتمى لهذا النوع الخاص الذى يجمع تحت مظلته المسرح والإذاعة والتليفزيون إلى جانب السينما ، وبالتأكد كان لقسم النقد المسرحي الذى درس فيه "سمير فريد" بالمعهد العالي للفنون المسرحي ، وتخرج فيه عام 1965 مجتازا اختباراته بجدارة وحاصلا على تقدير امتياز عن مشروع تخرجه النقدي (دلالات الصمت فى مسرحية صمويل بيكيت فى انتظار جودو) ، كان له دور مهم فى تأسيس وعيه النقدى للفيلم السينمائى ، وإدراكه لقيمة اللغات غير الكلامية مثل: الصمت فى المسرح ، والصورة فى السينما ، دعمه بقراءات عميقة فى الأنواع الأدبية المختلفة ، كما أكد د. "جابر عصفور" فى تقديمه لكتاب "سمير فريد" (أدباء العالم والسينما) "ان هذه القراءات دعمت "رؤاه النقدية ، وأكسبتها عمقا لا يكف عن التجدد مع المتابعة الدءوب لكل ما يحدث فى السينما على امتداد العالم" (أدباء العالم - 2008- ص11) ، وهى قراءات ممتدة من قبل ما يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، وحتى رحيله عن عالمنا ، قراءات لم يكف لحظة عن الاستفادة منها فى قراءته للفيلم السينمائي ، الذى أخلص له ، فانفتحت الشاشة أمامه على آفاق لا محدودة ، فلم يعد الفيلم كما هو عند من لم تدركه حرفة النقد الجاد مجرد (قصة ومناظر) تعبر عن لحظات عابرة تمر بالواقع المعيش ، بل صار عالما فسيحا يحمل الماضى والحاضر والمستقبل معا ، ولذا صارت الواقعية لديه مدانة إذا اقتصرت على مجرد نقل نفايات الواقع وسفالته على الشاشة كما يظن بعض المتطفلين على عالم السينما ، وكم كان مقالا قديما له ، أتذكره اليوم ، نشره عام 1967 بجريدة الجمهورية ، التى عمل بها فور تخرجه فى المعهد ، كان حادا وصريحا وهو ينتقد فيلم "سيد عيسي" (جفت الأمطار) وحمل عنوان (أيتها الواقعية كم من الجرائم ترتكب باسمك) لعدم وعى صناع الفيلم ، أن الواقعية لا تعنى نقل الواقع كما هو والتمسك بأهداب البطل الإيجابي ، بل إعادة صياغة الواقع فى بناء درامي يتضمن رؤية تنويرية لوعى الجمهور تدفعه لإدراك الخلل القائم فى واقعه ، فيعمل على تغييره .

وقبل رحيله عنا كتب بزاويته الشهيرة (صوت وصورة) بجريدة (المصرى اليوم) داعيا "السينمائيين الأحرار فى مصر ، أو بالأحرى صناع السينما المستقلة ، إلى أن يحملوا كاميراتهم الفوتوغرافية والسينمائية ويذهبوا إلى العريش وإلى الإسماعيلية ، حيث ذهبت مائة وثلاثين أسرة مسيحية من العريش ، ويصنعوا الأفلام عما حدث ويحدث له" ، لم تكن دعوته هذه تعنى نقل الواقع فى أفلام (تسجيلية) توثق الواقع عبر شهادات المواطنين المسيحيين الذين واجهوا الموت فى العريش وأجبروا على الفرار منها ، وإنما أيضا لتكون مادة لصياغة أفلام (روائية) ترصد ما حدث وتعيد بناءه فى أفلام قادرة على العيش عبر الزمن ومخاطبة عقل الإنسان ووجدانه فى أزمنة مختلفة ، وهو ما تجلي فى مشاركته عقب نكسة 67 فى تكوين (جماعة السينما الجديدة) مع "رأفت الميهي" و"محمد راضي" و"سامي السلاموني" و"فتحي فرج" وأيضا "على عبد الخالق" الذى قدموا معه أول أفلامه (أغنية على الممر) بالمشاركة فى الإنتاج مع مؤسسة السينما ، التى تم اغتيالها أوائل السبعينيات ، وأعاد الفيلم الذى كتبه "على سالم" كنص مسرحي ، تصوره لفصيلة على طريق الموت أثناء النكسة ، وتمسكهم حتى الرمق الأخير بموقعهم حتى لا يمر العدو الصهيونى منه .

درامية السينما

أسس "سمير فريد" رؤيته للسينما وعلاقتها بالواقع منذ تلك السنوات العصيبة التى مرت بجيلنا ، لم ييأس لحظة من قدرة هذا الشعب على المواجهة والتصدى للهزيمة بقوة إرادته ، ولم يغترب لحظة عن واقعه ويدين شعبه متهما إياه بالفهلوة كما فعلت شريحة من المثقفين وقتها ، وعبرت عن رأيها المتعالي فى أحد أعداد مجلة (الفكر المعاصر) حينذاك ، وراح "سمير فريد" يطور رؤيته هذه خلال سبعينيات القرن الماضى ، ويوثق علاقته برفيقيه المقربين والمتفقين معه فى الرؤية "كمال رمزى" الذى تخرج بعده بثلاث سنوات فقط ، بنفس قسم (النقد المسرحي) بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، وإن بدأ الكتابة النقدية تقريبا فى نفس عام عمل "سمير فريد" متسلحا بإدراك كبير بقيمة الفيلم الدرامية والفكرية ، وحاملا وجدانا إنسانيا يتخطى به حدود الواقع الظاهرة ، و"على أبو شادى" القادم من قسم التاريخ بكلية الآداب ، والمعمق لرؤيته النقدية ربطا لعلاقة اللحظة الراهنة بالتاريخ ، ودراسة أكاديمية بالمعهد العالي للنقد الفني لجنس الدراما أواسط السبعينيات .

منذ منتصف ستينيات القرن الماضى و"سمير فريد" يتابع بدأب حركة السينمائيين المصريين والعرب والدوليين ، وراح طول الوقت يعمق من رؤيته النقدية لواقعية السينما ، مانحا توجهات مبدعي سينما الثمانينيات مثل "خيرى بشارة" و"عاطف الطيب" اسم (الواقعية الجديدة) ، وهو مسمى يتجاوز ما تعارف عليه من موجة (السينما الإيطالية الجديدة) فى أربعينيات القرن الماضي ، وأفلام فرسانها "روسللينى" و"دي سيكا" و"فيسكونتى" ، المستهدفة تصوير حياة الطبقات الدنيا فى الشوارع والبيوت المفتوحة ، بصورة أقرب للسينما التسجيلية ، إلى مفهوم (الواقعية الجديدة) الذى بشر به "روجيه جارودى" فى كتابه المهم (واقعية بلا ضفاف) ، الذى ترجمة "حليم طوسون" ترجمة واعية ونشر لأول مرة عام 1975 ، والتى أسست الواقعية على الانطلاق من الواقع وإليه ، بغض النظر عن الأسلوب الذى يكتب به الشعر حتى ولو بدا غامضا مثل قصائد "سان جون بيرس" أو الرواية التى تبدو كابوسية مثل أعمال "كافكا" أو ترسم به لوحات كتكعيبيات "بيكاسو" ، ولذا احتفي "سمير فريد" بفيلم (المومياء) لشادى عبد السلام ، وقدمه عام 1970 فى فينسيا بإشادة كبيرة بجمالياته التى لم تخف عنده واقعيته ، بنفس القدر الذى احتفي فيه بأفلام "توفيق صالح" التحريضية ، منطلقا من رؤيته النقدية التى ترى "أن العبودية للواقع فى كافة الفنون لا تقل عن العبودية للاستعمار" (الانسان المصرى على الشاشة ، سمير مع آخرين 1986 ، ص209) .

وضوح الرؤية

هذا الوعى بالواقع والواقعية أدى بناقدنا الكبير إلى إدخال الإنسان المبدع عنصرا أساسا وفاعلا بين الكاميرا السينمائية والواقع الذى يعبر عنه ، فالسينمائى لا ينقل الواقع أبدا كما هو ، وإلا فقد مهنيته ودوره كمثقف يؤثر أو ينبغي أن يؤثر بفيلمه على وعى جمهوره ، وحتى فى السينما التسجيلية ، فهو لا يسجل ما يحدث فى الواقع إلا من خلال عينه وزوايا تصويره وتحديده لمن يتحرك فى بؤرة عدسته ومن سيغيبه خارج الكادر ، كما أن كم الصور الملتقطة عن الواقع لابد وأن تبنى داخل فيلم له بنيته الدرامية ، حتى مع هذه السينما التسجيلية التى يتصور معها البعض أنها مجرد تقرير خبرى عن الواقع ، وقد صاغ "سمير فريد" رؤيته النقدية للواقع ، والمؤسسة على قاعدة درامية ، وعقل متحرر من كافة قيود الرقابة وأساليبها المختلفة ، صاغها فى مقالات صحفية تعد نموذجا لكيفية النقد غير الجارح ، والكتابة غير المتقعرة التى تغرق فى المصطلحات الأكاديمية ، مصرا على الكتابة الواضحة الواعية التى تحمل رؤيته كاملة لقرائه دون إلغاز .

إنه بالفعل الناقد الجاد عميق الرؤية ، سلسل الكتابة ، المخلص لحرفة النقد ، والمدرك بأن الناقد قيمته فى أن يظل ناقدا ، وليس ناقدا وحرفا أخرى ، وبأن على المثقف ألا ينعزل عن مجتمعه ، بل عليه أن يتفاعل معه ، ويشاكسه ، ويعمل على التدخل فى حركته من خلال المشاركة بالرأى والعمل فى مؤسساته المختلفة ، فالمجتمع لن يتغير بمجرد أن ننقده ، والسينما لن تتقدم بمجرد أن نشاهده فرحا بها أو سخطا عليها ، بل لابد وأن نشارك فى دفعها للأمام بالإدارة أو بالاستشارة ، لذا لم يكف "سمير فريد" لحظة عن إبداء الرأى وتقديم النصيحة وومنح ثقافته وخبراته لمن يلجأ إليه .. إنه المثقف الفاعل فى المجتمع .. النموذج الفذ للناقد الممسك بجمرات الجمر .

####

كبرى الصحف أفردت مساحات للحديث عن إنجازاته ..

«ديتركوسليك» مدير مهرجان برلين :

سمير فريد كان شغوفاً بالسينما وفقدته علي المستوي الشخصى

كتب : محمد نبيل

لم يكن الناقد الراحل سمير فريد مجرد لاعب أساسى فى تدشين العديد من الجمعيات والمهرجانات السينمائية فى مصر والوطن العربى خلال النصف قرن المنصرم، ولكنه استطاع أن يصل بالنقد إلى مرحلة جديدة جعلت اسمه يتردد فى كبرى مهرجانات العالم، تفتح له الأبواب على مصرعيها ويتم استقباله بحفاوة بالغة،وبمجرد رحيل سمير فريد تبارت المهرجانات فى نعى الناقد الكبير، وسط توقعات بتكرار اسمه على منصات هذه المحافل السينمائية مستقبلا، بالرغم من عدم تكريمه بالشكل اللائق أثناء حياته وهى سمة نبرع فى ممارستها دون التعلم من الدروس.

إنه الكاتب الصحفي والناقد والباحث السينمائي، الذى أسهمت إصداراته التي تجاوزت الخمسين كتاباً مؤلفاً ومترجماً بالعربية ولغات أخرى في إثراء المكتبة الثقافية العربية، فضلاً عن مشاركاته الفاعلة في لجان السينما، وعلى رأسها عضويته في اللجنة الدولية لكتابة التاريخ العام للسينما في الأمم المتحدة، ورئاسته لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة والثلاثين ولقب بعميد النقاد العرب.

وكان محل تكريم وحفاوة كبيرين في المحافل السينمائية العالمية؛ مثل مهرجان كان الذي منحه ميدالية «كان» الذهبية في آخر دورات القرن العشرين (2000)، والجائزة التقديرية في مهرجان أوسيان بالهند (2012) و«جائزة تكريم إنجازات الفنانين»، التي منحها له مهرجان دبي السينمائي (2012) فضلاً عن فوزه بجائزة الدولة للتفوق في الفنون التي استحقها في مصر عام 2002 كما كرمه مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ67 خلال شهر فبراير الماضى، بمنحة «كاميرا البرلينالي» التقديرية، ليكون أول ناقد عربي، وأول شخصية مصرية عربية وإفريقية، يفوز بالجائزة، منذ أن بدأت في العام 1986، وتذهب إلى شخصيات ومؤسسات ساهمت على نحو متفرد في فن الفيلم.

المهرجان الألمانى العريق نعى فريد بشكل مدهش عبر إصدار بيان صحفى من خلال موقعه الرسمى، فضلا عن تدوينه ذلك على صفحته بموقع "تويتر"، وتحدث خلال البيان عن فضل فريد فى تأسيس جمعية النقاد المصريين عام 1972 والعديد من المهرجانات فى مصر وعلى رأسها المهرجان القومى للسينما، كما أكد البيان أن الناقد المصرى رافق المهرجان لعقود ممتدة وكانت له نصائح هامة يؤخذ بها فى العديد من كبرى المهرجانات السينمائية والتى اهتمت أن يكون ضمن لجان تحكيمها، فيما اختتم البيان بكلمات لـ"ديتر كوسليك" رئيس مهرجان برلين والذى قال: "مع رحيل سمير فريد فقدنا صوتا مهماً من العالم العربي، حيث كان التزامه وشغفه للسينما لا مثيل لها، كما أننى على المستوى الشخصى فقدت أيضا صديقاًَ قديماً".

وقد أفردت العديد من الصحف العالمية ولا سيما المهتمة بالسينما مساحات لتوديع فريد، ومنها مجلة «فاريتى» الشهيرة والتى أشارت إلى تأليفه عشرات الكتب عن السينما العربية والعالمية، ودوره الفعال فى عدد من لجان التحكيم لكبرى المهرجانات، بخلاف وجوده على رأس مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورة ناجحة عام 2014، وتكريمه من قبل مهرجان دبى السينمائى عام 2013.

الكواكب المصرية في

23.04.2017

 
 

رشيد مشهراوى يكتب:

مِن مشهراوى إلى سمير فريد: تحية طيبة وبعد

أفتقدك يا صديقى.

لا تُشغِلنى البلاغة فى التعبير عندما يكون الحزن شديد اللهجة، فى لحظات عجزت خلالها الروح عن صياغة المشاعر، وأبلغ ما أملك مِن قول لك هو أننى: «أفتقدك كثيراً يا صديقى».

جاءنى الخبر وهز القلب والكيان لحظة قالوا: «صديقك مات».

على الرغم مِن أنَّ الموت حق على كل إنسان، إلاَّ أنه الأقسى والأصعب والأفجع على النفس، خاصةً عندما يكون الفقيد «سمير فريد».

فقدانك جعلنى أحاول وبصعوبة استيعاب ما علمتنى الحياة، صعوبة الاستسلام للمكتوب وللقضاء والقدر، مات صديقى وسيموت غيره الكثيرون وسنموت نحن عن قريب أو بعيد، ولكن فقدانك جعلنا نتجرع الموت من خلال غيابك يا سمير يا فريد.

قالوا: «مات صديقك»، وأعلم أنَّ الموت هو الحقيقة الوحيدة فى هذه الدنيا، وغداً سيُدفن كل هذا الجمال تحت التراب، يا إلهى، أيُعقل هذا...؟ هل يُعقل أنَّ الموت المكتوب على جبيننا جميعاً لم يمهلك لكى تواصل حضورك الضرورى لنا وبيننا.

كم تمنيتُ أن يكون لى وطنٌ يشبه الأوطان ويحتوى على مطار يطير بى إلى القاهرة لنظرة وداع قبل تحريك التراب، وقبل فوات الأوان، الوطن يا صديقى الذى صنعناه سينمائياً بأحلامنا وأنفاسك ودعمك ومساندتك، عجز اليوم عن أن يمنحنى لحظة وداعك، كم تمنيتُ أن تطلقنى بندقية ثائر فلسطينى من رام الله إلى عتمة مثواك الأخير، ولكنَّ بَنادِقنا يا صديقى موجهة صَوبَ الاتجاه المعاكس لاشتياقى وللوداع ولأحلام أوطاننا.

يا صديقى..

فى غيابكَ تتشابه الأيام وتتوحد، رافضة مراعاة الطقوس التقليدية للعزاء والرثاء، لا فرق بين اليوم الأول والثالث والخميس والأربعين، تجتمع الساعات وتعلن أنه لا موعد جديد بيننا لنناقش صوتنا وصورتنا على شاشة سينمائية تعرضنا للعالم كعرب ومصريين وفلسطينيين وسينمائيين، لا مائدة جديدة فى مقهى قديم لأجلسَ أمامك أو بجوارك كطفل مجتهد يُدَوِّنُ ما تقوله على قصاصة الورق الملون بشعارات وأسماء المقاهى لكى أعيد كتابة حوار فى سيناريو جديد أو إعادة مونتاج مشهد ما فى فيلم وليد.. لا رصيف وخُطَى وصمت لأدَوِّنَ فى ذهنى النظرة والبسمة ولحظات التأمل التى كنتَ قادراً على قراءتها وتحليلها وتوظيفها، كما كان حال اللقاء الأخير الذى سبق الرحيل بأيام.

لا لَيلَ لِـنَسهرَ فى محافل السينما العربية والعالمية ونعود من عتمة قاعات العرض إلى ضوء المعرفة والحوار عن كل ما هو جديد ومفيد ومختلف وسينمائى، عن كل ما هو يشبهك بمعرفتك وتجددك واختلافك.

علمتنا أن نحكى حكاياتنا وأن نكون أنفسنا، وأن نصغى لأصوات قلوبنا، وأن يكون الولاء للسينما أولاً وأخيراً.

كنتَ ومازلتَ شريكَ الطرح ورَفيق الدرب والسيرة والمسيرة، والأبلغ مِن كاتب والأكبر مِن ناقد، والأهم مِن مؤرخ، والأبعد مِن سينمائى حالم، لأنك الصديق فى زمن عز فيه صدق الصداقة وندر فيه الوفاء.

سنفتقدك يا صديقى رغم بقائك فينا، وسنواصل بعضاً من عطائك عبر بعضٍ من إلهامك عن الحياة والحرية والحق والإنسانية والسينما.

لروحك الطاهرة السلام، ولنا الصبر والسلوان.

المصري اليوم في

02.05.2017

 
 

دروس سمير فريد الكبرى

محمد بدر الدين

 تبقى الدروس الكبرى لعميد النقد السينمائي العربي سمير فريد، في دورات المهرجانات السينمائية الدولية التي ترأسها وكيف أدارها، من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إلى مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، إلى مهرجان القاهرة الدولي لأفلام الأطفال، إلى الاستعانة به لخلق مهرجانات سينمائية عربية خارج مصر وكيف أقامها، وتبقى دروسه الكبرى في مؤسسات الثقافة السينمائية التي أسسها وفي المقدمة جماعة السينما الجديدة 1968، وجمعية نقاد السينما المصريين (كعضو في الاتحاد الدولي للنقاد "فيبريسي" 1972)، وفي مشروعه من أجل نشر هذه الثقافة من خلال مكتبة الأسكندرية...

وتبقى دروسه الكبرى في مكتبته الشخصية وأرشيفه السينمائي اللذين لا مثيل لهما، وفي دأبه وتفانيه من أجل مهمة ومهنة تفرغ لهما، وصفهما بوضوح رؤية كامل، في مقدمته المدققة النموذجية على قصرها لكتابه الثاني "العالم من عين الكاميرا" عام 1968 بعبارة: (المساهمة في بناء نقد سينمائي عربي)... وتبقى دروسه الكبرى في دراسته هو نفسه كإنسان فرد ولكنه إنسان/ مؤسسة في ذات الوقت، بتنظيمه الدقيق لعمله وفي مهام وآفاق وأحلام ظلت راسخة لديه، واضحة جلية في رؤيته الكلية، منذ البداية وعلى امتداد مراحل ومحطات المسيرة الزاخرة لخمسة عقود والسيرة العطرة لسبعة عقود...

وتبقى دروس سمير فريد الكبرى في مشروعه النقدي العملاق، وفي أكثر من خمسين كتاب ستظل درة وعيون كتب المكتبة السينمائية العربية، منذ أولى كتبه مثل "العالم من عين الكاميرا"، الذي أصدره في منتصف العشرينيات من عمره، وقد كان هذا الكتاب هو أول ما بدأت حديثي به في حضور سمير فريد، في الندوة التي أظل أعتز بأني أشرفت باقتراحها وبإدارتها في جمعية نقاد السينما المصريين احتفاء بمرور نصف قرن على بداية مشروعه النقدي، وتم توزيع ورقة فيها بعنوان: (خمسون عاماً من النقد السينمائي)، هي في ذات الوقت مقالة مسهبة لي عنه (نشرتها في مجلة "الهلال" ـ عدد مايو عام 2015)..

في هذه الندوة قلت: (إن كتاب "العالم من عين الكاميرا" عندي هو ليس فحسب بمثابة إعلان قوي عن بداية المشروع النقدي لناقد، وإنما هو الإعلان التأسيسي أيضاً لمدرسة جديدة متبلورة ناضجة في النقد السينمائي العربي، والإعلان عن أن هذا النقد لدينا يتقدم إلى أرقى مستوى في العالم للنقد السينمائي كعلم وكتخصص، وفي الكتاب إرساء لمبادئ ظلت سارية ومؤسسة في نقدنا العربي، من بينها أن السينما ليست فناً جماعياً على النحو الذي يشاع، وإنما هي إبداع فردي حر لفنان هو المخرج، ومن دون أدنى تعارض مع إبداعات كل المشاركين الأساسيين في "العملية السينمائية")..

ثم أقول مجدداً، ومؤكداً الانبهار التالي: إنها لحالة نبوغ أقرب إلى الإعجاز أن نقرأ لناقد وفي هذه السن المبكرة كتاباً بهذا النضوج الشامل ووضوح الرؤية والقدرة على التعمق والتدقيق وبهذا الأسلوب في الكتابة، الذي يظل عندي من أجمل أساليب الكتابة في العربية على الإطلاق، وتظل سماته الرئيسية مستمرة في كل رحلة نصف القرن، فعلى الرغم من الوضوح والتحديد والدقة، وإلى حد الصرامة، وعلى الرغم من العلمية والموضوعية مع السلاسة، إلا أنه تكمن في هذا الأسلوب دائماً، أدبية وإلى حد الشعرية

والحق ان السهل الممتنع هنا، وأيضاً الإعجاز مرة أخرى، أن تنبع الشعرية في أسلوب سمير فريد من هذا الوضوح والتحديد والتدقيق ذاته، وأن تنبع الأدبية من هذه العلمية ذاتها، وأن ينبع الجمال من هذه الموضوعية والصرامة ذاتها!... والحق عندنا كذلك، أن كل هذا ظل ينبع من صفاء الرؤية، ومن صدق صاحبها، وأولاً وأخيراً من موهبة تبلغ حد النبوغ بل العبقرية.. أجل، تبقى دروس سمير فريد الكبرى في كتبه، والتي تستحق دراسة مسهبة بل دراسات، تتأمل وتتناول، وتستفيد وتناقش وتجادل... إن الحوار مع سمير فريد لن ينتهي أبداً.

الجمهورية المصرية في

04.05.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)