كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

رحيل المخرج المصري محمد كامل القليوبي:

السينما كأداة من أدوات الوعي

القاهرة ـ «القدس العربي» محمد عبد الرحيم:

عن رحيل من صحح تاريخ ميلاد السينما المصرية

محمد كامل القليوبي

   
 
 
 
 

لا أحد يستطيع أن ينكر قيمة ودور المخرج وأستاذ السيناريو في المعهد العالي للسينما محمد كامل القليوبي (8 مايو/أيار 1943 ــ 2 فبراير/شباط 2017) في الثقافة المصرية، الذي من خلال أفلامه وكتاباته في الصحف والدوريات المتخصصة يثير دوماً حالات من صدمة الوعي، والكشف عن الزائف في التاريخ والحياة المصرية. ربما تكون الكتابة عن أستاذنا الراحل وأستاذ أجيال من السينمائيين المصريين تعد أمراً في غاية الصعوبة، فقد تعلمنا على يديه، وتابعنا أعماله ومقالاته وموضوعاته التي كانت دوماً تعيد إعمال النظر والتفكير في ما يحدث حولنا، وتفسر الكثير من الإرباكات الواقعة اليوم.

فما الكتابة الآن إلا تحيّة عابرة لمُعلم كبير، سنعاود بالتأكيد رؤية أعماله الوثائقية على وجه الخصوص، وكتاباته النقدية الثاقــــبة، وهو من أهم مثقفي مصر، من دون صخب أو الادعاء المعهود لدى النخبة المدللة، أبواق السلطة في كل وقت. وسنحاول المرور سريعاً على أهم هذه الأعمال.

محمد بيومي الرائد الأول للسينما المصرية

كانت عمليات البحث والتنقيب وإعادة تصحيح المفاهيم المغلوطة هي همّ أستاذنا الراحل، وكان فيلمه التوثيقي عن محمد بيومي بمثابة إعادة اكتشاف للرجل المنسي. فمن بين العديد من أشرطة الأفلام المُهملة في بناية قديمة في الإسكندرية، يجمع القليوبي مادته البحثية ويبدأ رحلته في اكتشاف مؤسس السينما المصرية، ومؤسس أول استوديو لصناعة السينما في مصر عام 1922، إضافة إلى تأسيسه استوديو آخر في حي شبرا عام 1924 باسم «شركة فيلم مصر»، التي ضمت مجموعة من النجوم أمثال حسن الهلباوي وحسن مراد والمخرج محمد كريم.

محمد بيومي المتخرج في المدرسة الحربية في فبراير عام 19100، الحامل لرتبة ملازم ثان، الذي تم ترحيله إلى السودان مع الكتيبة الرابعة من العام ذاته، أصدر جريدة «آمون السينمائية» التي خصص العدد الأول فيها للزعيم سعد زغلول، واهتم بشؤون الحرب العالمية الثانية، فأصدر جريدة بعنوان «جريدة الحرب الناطقة» التي قامت على مجهودات المراسلين الحربيين، قبل أن تتوقف بانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. 

وأخرج فيلمه «برسوم يبحث عن وظيفة» الذي عرض عام 1924. بيومي كان عاشقا لرصد حياة الفقراء والمهمشين في الشوارع المصرية، فكانت كوميديا بيومي أقرب إلى روح الكوميديا السوداء، وقد جمعت أفلامه حالة خاصة من التعبيرية الألمانية لكن بنكهةٍ مصرية، إضافة إلى التنوع الكوميدي الساخر الذي يتناول اليوميات المصرية. فكان أول مَن وضع حجر الأساس لصناعة السينما المصرية (من كتاب «محمد بيومى الرائد الاول للسينما المصرية» لمحمد كامل القليوبي).

إسمي مصطفى خميس

«إسمي مصطفى خميس» هو الفيلم الوثائقي الذي قام بإخراجه القليوبي، والفيلم إذ يستدعي واقعة تاريخية حدثت في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن دلالتها الآن أكثر حدة، خاصة أن مصر تكاد تمر بالمرحلة نفسها لما بعد يوليو/تموز 1952،. فالفيلم يستعرض القمع العسكري الذي وصل مداه في القضية المشهورة بـ (إعدام خميس والبقري).

الواقعة

يتناول الفيلم تحقيقا سينمائيا حول الحادثة الشهيرة لإضراب عمال مصانع «شركة مصر للغزل والنسيج» في كفر الدوار في أعقاب قيام 23 يوليو في الثاني عشر من أغسطس/آب عام 1952. فعقب إضراب عمالي في مدينة كفر الدوار، في محافظة المحلة الواقعة بشمال مصر، وخروجهم للمطالبة بتحسين أوضاعهم وزيادة أجورهم وتطهير مصانعهم من أعوان الحكم الملكي آنذاك، تم القبض عليهم من قِبل السلطة الجديدة الحاكمة ــ حكومة محمد نجيب ــ فحُكِم على الكثيرين بالسجن، وتم إعدام كل من مصطفى خميس ومحمد حسن البقري، إثر محاكمة عسكرية سريعة، أقرّت الحكم بإعدامهما، وكانت هذه المرّة الأولى التي تتم محاكمة المدنيين عسكرياً، وأن يصل الأمر إلى الإعدام. كان ذلك في الثامن من سبتمبر/أيلول عام 1952.

المسكوت عنه

تعتبر هذه القضية ضمن أهم القضايا المسكوت عنها في التاريخ المصري الحديث، خاصة ما يخص يوليو 1952 والوجه الآخر لثوريتها المزعومة، غير الوجه الإعلامي، وما تم تدوينه في كتب التاريخ، التي يتدارسها تلاميذ المدارس. فالكشف عن ملابسات هذه القضية، والبحث في تاريخ وأفكار ضحايا على شاكلة هؤلاء، هو أمر أكثر من مجرد وثائقي، بل توثيق لهذه الحادثة، سواء بالصورة أو بالحوارات المطولة للشخصيات التي أراد لها الفيلم أن تتحدث عن هذه القضية. ويبدو أن اختيار عنوان الفيلم يوحي بشخصية تريد الحديث عن نفسها، شخصية ظلت صامتة طويلاً، وحانت فرصتها للحديث، وكأنها هي التي تسرد الحكاية بضمير المتكلم، لا ضمير الغائب. وهي حيلة بلاغية حتى يتماهى المشاهد أكثر مع ما سيراه من حكاية هذا الرجل، الذي اشتهرت قضيته هو ورفيقه، واختزلت في ذاكرة الجيل الجديد كمجرد حادثة تاريخية، كلما ذُكر تاريخ النضال العمالي في مصر.

توثيق الآراء

نظراً لقِلة الوثائق الرسمية، حلت الحوارات محلها، سواء حوارات الذاكرة، للشخصيات التي كان لها صِلة بالقضية، كشقيق مصطفى خميس أو الحوارات التحليلية للقضية لكل من المفكر والمؤرخ صلاح عيسى، أو رئيس حزب التجمع ــ لسان حال اليسار المصري ــ رفعت السعيد، خاصة أن الفيلم كشف انتماء مصطفى خميس السياسي، فقد كان عضواً في جماعة «النجم الأحمر»، وهي من الجماعات الشيوعية الكثيرة التي كانت منتشرة في تلك الفترة، والتي كانت بالطبع تناهض النظام الملكي، وتبحث عن العدالة الاجتماعية، وربما كان اتفاقها في الكثير من المبادئ التي نادت بها حركة يوليو، لكن على أرض الواقع دفع الرجل حياته ثمناً للخروج عن النظام الذي استنته الثورة.

اللحظة الراهنة

وكما جاء في أحد أحاديث المخرج الراحل بأنه فكّر في هذا العمل منذ عام 1979، لكن ندرة الوثائق والمعلومات عن هذه القضية أجّلت الموضوع طوال هذه السنوات، الذي استغرق إنجازه الفعلي ــ بعد التحضير ــ ما يُقارب العامين. ويروي مخرجنا عن الفيلم قائلاً: «إن هذا الملف شائك ويثير حساسيات كثيرة لدى أطراف عديدة، إذ بعد تولي السلطة بوقت قصير جداً، وتحديداً في الثالث عشر من أغسطس من عام 1952 أضرب عمال مصنع (الغزل والنسيج) الشهير آنذاك احتجاجا على أعوان الملك الذين لم يتم تطهير إدارة المصنع منهم، فقام الجيش بقمع الإضراب بعنف مفرط، ثم اعتقالهم آخذا معهم بالمصادفة شابين في عمر التاسعة عشرة، ثم حوكم الجميع خلال أسبوع وأعدم منهم عدد من العمال، وكان هذان الشابان من بينهم

وكانت محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية تحدث لأول مرة في تاريخ مصر المعاصرة، ما أثار خيبة أمل لدى الذين ساندوا الثورة، كما أدى إلى صمت مخيف في الحركة العمالية جعلها تصمت حتى عام 1968 عندما عادت المظاهرات ثانية إلى الشارع المصري». ويضيف القليوبي «البحث في الوثائق وأقوال الشهود أوصلنا إلى أن الشابين كانا بريئين، واكتشفنا أن قانون الإصلاح الزراعي الشهير، صدر بعد الإعدام بيومين للتغطية على تلك الفضيحة، كما أن الذين كان لهم دور من المسؤولين العسكريين آنذاك قاموا بإبعادهم عن المشهد تماما، بل أخفوا أيضا».

السينما المستقلة ودورها

يقول القليوبي في أحد حواراته عن السينما المستقلة «أعتــــقد أن السينما المستقلة هي مستقبل الفن السابع في العالم، فالشـــباب يعملون في السينما من منطلق حبهم لهذا المجال، ومع تقدم التكنولوجيا والأجهزة المتاحـــة قدموا أعمــــالهم بأنفسهم دون انتظار موافقة منتج، أو غيرها من معوقات. إنهم فعلاً أمل السينما العربية عموماً، ولو كانت أتيحت لجيلي هــــذه الفرصة كان الوضع اختلف تماماً. اليوم حرية العمل السينمائي مكفولة للجميع.

من يريد أن ينتج فيلماً عليه إحضار كاميرا ديجيتال والاتفاق مع زملائه على السيناريو. واللافت في هذا المجال أن الشــــباب موهــــوبون في التمثــــيل والإخــــراج والسيناريو، لذلك أتفاءل بهم
هكذا كانت رؤيــــة الرجل ومحاولاته الكشف والتصحيح لوقائع وأزمات المجتمع المصري، وحالة التردي التي وصل إليها. رحم الله أستاذنا ويكفيه ما قدمه للفن السينمائي والثقافة المصرية كأحد أهم رموزها وأكثرهم وعياً.

ببليوغرافيا

محمد كامل القليوبي، من مواليد 8 مايو 1943، تخرج في كلية الهندسة، وعمل لفترة في هذا المجال، ثم تركه وتوجه إلى دراسة السينما، حتى حصل على درجة الدكتوراه في علوم السينما. تنوعت أعماله ما بين الأفلام الروائية والوثائقية، منها.. «البحر بيضحك ليه، خريف آدم، أحلام مسروقة، اتفرج يا سلام. ومحمد بيومي، أسطورة روز اليوسف، نجيب الريحاني في ستين ألف سلامة، إسمي مصطفى خميس».

كما شغل منصب أستاذ قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما، في أكاديمية الفنون، ثم أستاذاً متفرغاً لمادة السيناريو في المعهد. كما كان رئيساً لمؤسسة (نون) للثقافة والفنون، التي تنظم مهرجان شرم الشيخ السينمائي للسينما المصرية والأوروبية. حصلت أعماله على العديد من الجوائز المصرية والدولية، وحصل أخيراً على جائزة الدولة التقديرية.

القدس العربي اللندنية في

03.02.2017

 
 

نجل المخرج محمد القليوبى:

والدى لم يمت من السرطان لكن توفى من تلوث الجراحة

كتب محمد تهامى زكى

كشف رامى القليوبى نجل المخرج الراحل محمد كامل القليوبى، أن والده لم يمت من السرطان إنما توفى نتيجة تلوث فى الدم بعد إجراء عملية جراحية فى ديسمبر الماضى، متهما الأطباء المعالجين له بالإهمال والاستهتار بحياة والده الراحل.

وكتب رامى عبر حسابه على تويتر: "ألاحظ أن العديد من الصحف والمواقع الإخبارية تتناول خبر وفاة والدى المخرج محمد كامل القليوبى بعد صراع مع مرض السرطان، فأود التوضيح أنه لم يمت بسبب السرطان وإنما نتيجة لتلوث الدم بعد عملية جراحية".

وأضاف رامى: "فى 18 ديسمبر الماضى خضع والدى لعملية جراحية لاستئصال ورم سرطانى فى القولون، أجريت العملية بواسطة استشارى وتم إبلاغ الأسرة بأن العملية كانت صعبة لكن ناجحة، إلا أن سلسلة من المضاعفات وأخطرها فك الغرزة وحدوث تلوث بكتيرى فى الدم وعدم تعامل الأطباء معه فى مرحلة مبكرة قبل تفاقمه، أدت إلى تدهور حالة والدى، ليتم نقله إلى المستشفى مرة أخرى لإجراء عملية ثانية وتلقى العلاج بالعناية المركزة".

وتابع رامى: "لم ينجح الأطباء فى السيطرة على التلوث البكتيرى الذى كان يحول دون علاج الالتهاب الرئوى بالمضادات الحيوية، ليتم إبلاغنا بتدهور حالة والدى ووضعه على جهاز التنفس الصناعى، ومنذ ذلك الوقت، لم نر الطبيب متواجدا فى المستشفى فى أوقات زيارة الأسرة".

واستطرد رامى: "جاءت نهاية هذه القصة حزينة، وما يزيد من آلامنا هو ما تعرضنا له من الاستهتار والتضليل والتهرب والكذب وإيهامنا بآمال لا أساس لها، حتى نوقع موافقات على إجراء تدخلات تكميلية صعبة وعالية الكلفة لم تأت بأى نتائج بل زادت من معاناة والدى وأسرته".

وأوضح نجل المخرج الراحل: "فى النهاية أود الإشارة إلى أن التكلفة الإجمالية لهذا العلاج الفاشل تجاوزت 500 ألف جنيه مصرى، وهو مبلغ غير عقلانى بالمقاييس المصرية والدولية مقابل خدمات طبية يتخللها الفشل والإهمال والاستهتار بحياة المريض، تم توفير الجزء الأكبر من المبلغ من أرصدة المريض وأسرته، بالإضافة إلى دعم مادى نشكر عليه أكاديمية الفنون ومعهد السينما ونقابتى المهندسين والسينمائيين، بينما لم تبد وزارة الثقافة أى جدية فى التعامل مع نداءات استغاثة متكررة".

اليوم السابع المصرية في

04.02.2017

 
 

أيقونة من جيل الستينيات

بقلم   سمير فريد

فقدت مصر، الوطن والثقافة، وفقد فن السينما، وفقدت شخصياً أحد أصدقاء العمر الأعزاء، محمد كامل القليوبى (٨ مايو ١٩٤٥- ٢ فبراير ٢٠١٧)، والذى يعتبر من أيقونات جيل الستينيات.

كان القليوبى من قيادات ثورة الشباب فى مصر التى بدأت يوم ٢١ فبراير عام ١٩٦٨، وذلك أثناء دراسة الهندسة فى جامعة عين شمس، واعتقل سياسياً لفترة قصيرة قبل أن يتخرج عام ١٩٦٩. وكان فى نفس الوقت يدرس فى المعهد العالى للسينما فى الجيزة، وتخرج عام ١٩٧٢. وفى عام ١٩٧٧ ذهب لاستكمال دراسته فى معهد موسكو وتزوج الناقدة الأدبية الروسية أولى نكلودفا، وأنجبا ابنهما الوحيد رامى، وحصل القليوبى على درجة الدكتوراه فى فلسفة الفنون عام ١٩٨٦، وعاد إلى مصر، حيث عمل بالتدريس فى قسم السيناريو بمعهد الجيزة، ووصل إلى رئاسة القسم.

ومن حسن الحظ أن أكاديمية الفنون أصدرت عام ٢٠٠٠ كتاب الزميل جلال الجميعى «رسائل موسكو من سيد عيسى ومحمد كامل القليوبى إلى سمير فريد». وفى رسائله من ١٩٧٨ إلى ١٩٨٢ يعبّر القليوبى عن أحلام وإحباطات جيلنا، كما تعكس الرسائل شخصيته الثرية التى تجمع بين النبل الأخلاقى الرفيع والعاطفة الصادقة التى تفيض فى كل عمل قام به، سواء كتاباته وأبحاثه ومحاضراته، أو الأفلام الروائية والتسجيلية الطويلة والقصيرة من ١٩٩١ إلى ٢٠٠٩.

صدرت من تأليفه ثلاثة كتب «محمد بيومى»، و«كمال أبوالعلا» ١٩٩٤، و«السينما وذاكرة العالم» ١٩٩٧، ومن ترجماته كتاب إيزنشتين الكلاسيكى «الإحساس الفيلمى» ١٩٩٨. وأخرج للتليفزيون مسلسل «الابن الضال» ١٩٩٩، ومسلسل «بعد الطوفان» ٢٠٠٤. وكان مثل أغلب أيقونات الستينيات نموذجاً للمثقف العضوى، كما أطلق عليه جرامشى الذى لا يكتفى بإبداعه، وإنما ينغمس فى الواقع، ولذلك كان عضواً فاعلاً فى اللجان وفى العمل الحكومى والعمل المدنى فى وقت واحد.

أخرج القليوبى ١٦ فيلماً، هى:

«حكاية ما جرى فى مدينة نعم» روائى قصير ١٩٧٢، «ثلاث لحظات خاصة» روائى قصير (روسيا) ١٩٧٩، «مذكرات نافذة» تسجيلى قصير (روسيا) ١٩٨٣، «اسكتشات عن مدينة» تسجيلى قصير (روسيا) ١٩٨٤، «محمد بيومى ووقائع الزمن الضائع» تسجيلى طويل ١٩٩١، «٣ على الطريق» روائى طويل ١٩٩٢، «البحر بيضحك ليه» روائى طويل ١٩٩٤، «جمال: تموت الظلال ويحيا الوهج» تسجيلى طويل ١٩٩٦، «أحلام مسروقة» روائى طويل ١٩٩٨، «اتفرج يا سلام» روائى طويل ٢٠٠٠، «الفلوت» تسجيلى قصير ٢٠٠٠، «خريف آدم» روائى طويل ٢٠٠٢، «أسطورة روز اليوسف» تسجيلى طويل ٢٠٠٢، «الوقائع المصرية المصورة» تسجيلى طويل ٢٠٠٥، «نجيب الريحانى» تسجيلى طويل ٢٠٠٨، «محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة» تسجيلى قصير ٢٠٠٩.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

05.02.2017

 
 

القليوبى.. نصف قرن سينما ورحل قبل تحقيق أحلامه

إعداد - سهير عبدالحميد

يبدو أننا على موعد هذه الأيام مع رحيل المبدعين ففى الوقت الذى نعيش فى صدمة رحيل الشاعر الكبير سيد حجاب لم تمر أيام وفوجئنا بخبر رحيل واحد من أعمدة الإخراج السينمائى وهو المخرج والسيناريست محمد كامل القليوبى صاحب البصمات السينمائية والذى فارق عالمنا بعد صراع مع المرض حيث ينتمى للجيل الثانى من مؤسسى الثقافة السينمائية فى مصر وله فكر وأسلوب متفرد فى أفلامه التى جاء المواطن البسيط على قمة أولوياتها وكان له الفضل فى اكتشاف تراث رائد السينما المصرية السكندرى الكبير محمد بيومى، وخلال السطور القادمة نبرز أهم محطاته ومعاركه.

مناصب وتكريمات

برغم دراسته للهندسة لكن كانت له ميول فنية وأدبية ظهرت أثناء دراسته الجامعية وهذا جعله يحصل شهادة الدكتوراة عن فلسفة الفن من معهد السينما بموسكو، وتولى العديد من المناصب المهمة منها رئيس المركز القومى للسينما التى ترك خلالها بصمة واضحة كما كان مقررا للجنة الفنون بمكتبة الإسكندرية، وترأس مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى، وشارك فى العديد من لجان التحكيم فى المهرجانات الدولية والمحلية وفى السنوات الأخيرة قام بتأسيس مؤسسة نون للثقافة والفنون التى نظمت مهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية والذى تحول فيما بعد لمهرجان شرم الشيخ كما حصل على جائزة الدولة التقديرية.

أفلام ومحطات سينمائية

قدم الراحل محمد كامل القليوبى على مدار تاريخه السينمائى عددا قليلا من الأفلام السينمائية سواء الأفلام الروائية أو التسجيلية بجانب مسلسلين واتسمت أعماله بعرض نماذج من حياة المهمشين والطبقة الكادحة التى حمل همومها على عاتقه هذه الأعمال هى
1-
الفيلم التسجيلى «محمد بيومى _ وقائع الزمن الضائع» حيث تناول من خلاله حياة الفنان السكندرى محمد بيومى وقام بالأداء الصوتى خلاله الفنان محمود ياسين.

2- فيلم «ثلاثة على الطريق» الذى قام ببطولته محمود عبدالعزيز وعايدة رياض وعلى حسنين ودارت أحداثه حول سائق لورى يقوم برحلة من الأقصر إلى طنطا على مدار يومين. وخلال رحلته على الطريق يركب معه طفل هرب من قسوة زوجة أبيه لكى يتجه إلى أمه فى طنطا، كما تركب معه أيضًا فى اللورى فتاة يوصلها إلى صديقة لها وخلال رحلة ثلاثتهم على الطريق، يواجهون العديد من المشاكل التى تعرقل مسار رحلتهم.

3- فيلم «البحر بيضحك ليه» بطولة محمود عبدالعزيز ونجاح الموجى وحنان شوقى ونهلة سلامة وشوقى شامخ.

4- فيلم «خريف آدم» بطولة هشام عبدالحميد وسعاد نصر وجيهان فاضل ولطفى لبيب وحسن حسنى.

5- «اتفرج يا سلام» بطولة ماجد المصرى وحنان ترك وهانى رمزى ومصطفى شعبان وعبير صبرى.

6- فيلم «أحلام مسروقة» بطولة فاروق الفيشاوى وسلوى خطاب وسميرة محسن.

7- مسلسل «بعد الطوفان» بطولة صفية العمرى واحمد عزمى وبثينة رشوان وهانى كمال.

8_ مسلسل «الابن الضال» بطولة مادلين طبر وغادة نافع وأحمد ماهر ونهلة سلامة.

9_ الفيلم التسجيلى «أنا.. اسمى مصطفى خميس»، الذى عكف على إعداده وتصويره أكثر من عامين ويدور حول الحادثة الشهيرة لإضراب عمال مصانع الغزل والنسيج بكفر الدوار بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 والتى تشكلت عنها محاكمة عسكرية حكمت على كل من مصطفى خميس، ومحمد حسن البقرى بالإعدام الذى تم تنفيذه فى الثامن من سبتمبر عام 1952.

10_ الفيلم الوثائقى الطويل «نجيب الريحانى.. فى ستين ألف سلامة» حيث قدم من خلاله حوارا مع جينا الريحانى ابنة النجم الكبير من زوجته الألمانية الجوانب الضبابية من الحياة الشخصية للنجم الأسطورة نجيب الريحانى (21 يناير 1889- 8 يونيو 1949) الذى صنع مدرسة خاصة فى كل أعماله وسطر بأعماله الغزيرة صفحة مهمة من تاريخ الفن فى مصر.

أحلام رحل قبل تحقيقها

كان الراحل محمد كامل القليوبى يحلم بإنشاء أول أرشيف سينمائى بمصر ولم ينفذ المشروع حتى الآن، أيضا كان هناك مشروع لفيلم يحمل عنوان «الهتيف» كان مرشحا له الفنان محمود عبدالعزيز وبعد رحيل الساحر لم يمهله القدر لاختيار بطل لهذا الفيلم.

روز اليوسف اليومية في

05.02.2017

 
 

عرض فيلم عن الراحل محمد كامل القليوبى فى افتتاح مهرجان شرم الشيخ

كتب علي الكشوطى

أعلن الكاتب الصحفى جمال زايدة القائم بأعمال رئيس مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية، أنه سيتم إعداد فيلم خاص عن الراحل المخرج الدكتور محمد كامل القليوبى من خلال أحد تلاميذه المقربين وهو المخرج سامى على لعرضه فى حفل الافتتاح كما سيتم عرض بعض أفلام الراحل، إضافة إلى عرض دراسة نقدية عن أعماله أعدها المخرج سيد سعيد وستعقد ندوة خاصة عنه تديرها الناقدة السينمائية ماجدة موريس ويتحدث فيها الدكتور خالد عبد الجليل الاستاذ بأكاديمية الفنون ورئيس المركز القومى للسينما والمخرج سيد سعيد وبعض تلامذته.

وكان الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة استقبل وفدا من مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية ضم الكاتب الصحفى جمال زايدة القائم بأعمال رئيس المهرجان، الناقدة ماجدة موريس عضو اللجنة العليا للمهرجان ومدير التصوير وديد شكرى المدير التنفيذى للمهرجان وبحضور حسن خلاف وكيل أول الوزارة المشرف على مكتب الوزير لمتابعة برنامج عمل المهرجان والأنشطة والندوات التى ستقام على هامشه وتكريمات كبار النجوم المصريين والأوروبيين.

وقد ناقش وزير الثقافة مع الوفد القسم الخاص بتكريم المخرج الراحل الدكتور محمد كامل القليوبى رئيس مؤسسة نون للثقافة والفنون التى أطلقت مهرجان الأقصر للسينما العربية والأوروبية لأربع دورات ناجحة ومن بعده مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية وقد تعهد لهم بتذليل كل العقبات التى تعترض عمل مؤسسات المجتمع المدنى التى تعمل فى مجال المهرجانات السينمائية نظرا لأهميتها فى دعم القوة الناعمة للدولة المصرية.

اليوم السابع المصرية في

07.02.2017

 
 

انطباعات طائرة.. حول أفلام محمد كامل القليوبى

بقلم :سيد سعيد

المخرج السينمائى

أعتقد أن رحلة الفنان الراحل محمد كامل القليوبي، فى مجملها كانت تراهن على الالتقاء فى منتصف الطريق بين تلك القوالب التى أنتجتها السينما المصرية، والتى حققت نوعا من النجاح الجماهيرى الواسع، وبين رؤيته المتقدمة لفن السينما بعد أن قام بتخليص هذا الإرث مما عاناه، ولا يزال يعانيه من الخلط فى المفاهيم، والكليشهات الشائعة فنصوص القليوبى السينمائية تخلخل هذه القوالب، أى أنها تستقطر القالب ثم تعيد إنتاجه فى نكهة جديدة وتأسيس جديد، وسنضرب هنا مثالا من قالب الميلودراما.

إن الميلودراما التى لا تزال تسيطر على أفلام السينما المصرية السائدة بنجاح، حيث ما زالت تلبى الحاجات السيكولوجية، وتقوم بنفس وظيفتها الأيديولوجية، والتى ستقوم على تبرير الرضا بالواقع على أسس ميتافيزيقية، ودينية، والمؤسسة على تأكيد أهمية القدر فى تحديد مصائر البشر، وحيث تقدم على المستوى الشعبى نوعا من الكثارسيس بعد أن تغرق المشاهد بطوفان من الدموع، وتهون عليه بلواه ومصائبه.

هذه المليودراما ليست هى ذات الميلودراما التى يقدمها القليوبى فى أفلامه، فالقليوبى يحاول أن يرد للميلودراما اعتبارها، ويعود بها إلى مفهومها النقي، ويعيد إليها وظيفتها التى نشأت معها منذ أن ظهرت فى فرنسا وإيطاليا فى نهاية القرن السابع عشر، وحتى ازدهارها فى القرن التاسع عشر كأحد روافد الفكر الرومانسى الذى نتج بدوره عن تلك الانفجارة الشعبية التى تمثلت فى ثورة 1789، وحيث بدأ مفهوم الشعب يلعب دوره فى الحياة الفكرية والإبداعية.

لم يكتف القليوبى برد الاعتبار إلى مفهوم الميلودراما، ولكنه حاول أيضا أن يخلصها من صيغتها النمطية الجامدة، ويجعل منها صيغة ديناميكية مفتوحة على قوالب أخرى، وقد ساعده على ذلك ثقافته الواسعة، وإلمامه بمنجزات السينما العالمية.

فبدلا من التماهى مع الصبغة الميلودرامية جعل منها مجالا للتأمل، ونافذة ينظر منها الإنسان على حياته بما يدفعه إلى طرح الأسئلة، وذلك باستخدام طرائق وأساليب المفهوم البريختى عن الفن من ناحيته، ومن ناحية أخرى باللجوء إلى جدل الواقعى بالفنتازى وحكاية ما جرى فى مدينة نعم البحر بيضحك ليه خريف آدم.

وهذا الاختراق للميلودرامي، متجذر فى الثقافة المصرية والعربية «ألف ليلة وليلة، الخطابات الشعبية» هذا الاختراق والتنافذ يولد رؤية مغايرة، وفى نفس الوقت يرتكز على مظهر من مظاهر الهوية، وبدلا من القدر الذى يلعب دورا رئيسيا فى الميلودراما التقليدية بأبعاده الرمزية والميتافزيقية، بلعب واقع منقوص، واقع محموم، وغير مستقر، ومفتوح على كل الاحتمالات ويجعل الأحداث تتحرك فى اتجاهات غير متوقعة، بل وملتبسة ويصعب معها تحديد أفق انتظار لما هو متوقع بما فيه مصائر الشخصيات، وكما يخترق الغريب اللامألوف، المألوف، فإن الهزلى يخترق الجاد فى الميلودراما القليوبية، ليلقى كل بظلاله على الآخر فيؤسسان معا علاقة بنائية توكد التثوير وافتقاد الاستقرار، وبدلا من ثنائية الخير والشر، والنور والظلام فى القالب الميلودرامى تقوم ثنائية المنطقى والعبثي، والعفو المرتجل وبين خطاب معقلى يسعى إليه المخرج لكى يضعنا أمام مسئولية كل ذلك وفق نظرة بريختية.

القالب هنا يتحول من أداة تزييف كما هو فى السينما المصرية السائدة إلى أداة تنوير وتثوير.

وإذا كان القليوبى قد بدا ملتزما بالتعاليم البريختية فيما يتعلق بالتغريب، خاصة قطع استمرارية الأحداث الرئيسية بأحداث فرعية سواء كانت من داخل السياق أو من خارجه أو إدخال مادة حكائية غريبة على مبنى الحكاية الرئيسية أو إدخال مادة وثائقية فى المتن الروائي، وكلها آليات تقوم بوظيفة تعليقية تستظهر ما هو كامن فى المادة الحكائية ويغض النظر عن عدم الانسجام البيوى المتعمد، فإن هذه المقاطعات السردية تشكل نوعا من الخطاب المضاعف تؤدى إلى وجود تأويل مضاعف، وتجعل الحدث الرئيسى مشدودا دائما إلى عمليات تبدلات وتحولات فى مساره السردي.

بالإضافة إلى أن القليوبى يوجه الممثلين ليكونوا على مسافة متوازنة من الشخصية التى يؤدونها، هذه الآليات التقريبية تجعل المرء يتساءل عن العلاقة بين القالب الميلودرامى الذى يتسم بالإفراط الانفعالى وبين المدخل البريختى الذى يسعى إلى تبريد هذا الانفعال وربما يكون الأمر مفهوما إذا ما عرفنا أن بريخت نفسه استخدم الميلودراما كوعاء لفكره الماركسي.

النظام السردى

تبدو بساطة السرد عند القليوبى بساطة خادعة، فهى وإن كانت تخلو من أى التوءات، أو حذلقة، فإنها تفاجئنا بصدمات خارج نصيه إن جاز هذا التعبير، وتقتحم ليس فقط استقرار وسيولة التتابع السردى بل أيضا تخلخل النص وتفقده تماسكه الشكلى وتطيح بما يسمى الوحدة العضوية بهدف انتزاعنا من حالة الاندماج، وتجعلنا على الأقل فى حالة حياد مؤقت.

وفى جانب آخر، ووفقا لهذه الجمالية التى تقوم على المشاركة لا الاندماج، يأخذ الشكل السردى فى بعض أفلام القليوبى بتقنية الكولاج الذى يتخذ أشكالا متنوعة بين فيلم وآخر، ففى فيلم «ثلاثة على الطريق» تتحق العملية السردية من تتابع وقائع منفصلة تتوزع على مساحة السرد، هذه الوقائع المنفصلة لا تنمو ولا تتطور أو تتداخل بفعل التتابع ولكنها تسهم بترادفها وفى كلياتها فى تحولات وعى الأبطال وليس بوصفها تسلسلا منطقيا أو سببيا.

فى فيلم «البحر بيضحك ليه» هناك تعاقب فى الأحداث ولكنه ليس تعاقبا سببيا بل هو تعاقب عشوائي، فهو لا يسير وفق خطة محددة، إنه تعاقب حالات «البطل» أكثر منه تعاقب أحداث، لذلك فالإيقاع لا يأتى من التسلسل التعاقبي، ولكن من التنوع الذى يكشف عن دراما داخلية، وهى التى تشكل الكولاج الذى يأخذ شكلا تركيبيا، والذى تتحكم فيه بدوره وسائل سينمائية صرفة.

الكولاج هنا يحافظ على تشظى الأجزاء ويمنحها حرية نسبية لتؤكد تشظى العالم وعشوائيته، وعلى المشاهد نفسه أن يقوم بتأويل وربط الأجزاء المتشظية.

جمالية الصورة

رغم ثقافة القليوبى الواسعة، واطلاعه المستمر على أحدث إنجازات السينما العالمية، فإنه يبدو غير منقاد إليها، ولا يلهث خلفها، أو استنساخها، وهو أمر يحسب له، وهو هنا يبدو كمخرج غير متحذلق، ولا يميل إلى الإبهار البصرى أو التقني، كما أنه لا يسعى إلى تعقيد مفتعل، فهو لا يلجأ إلى مؤشرات تتلاعب بالصورة، وتذهب بها بعيدا عن مجريات الأمور خارج الفيلم، بل تبدو أفلامه منطوية على نوع من العفوية ويترك للكاميرا حرية التفاعل مع المشهد المصور.

واللافت للنظر هنا أن القليوبى وفى بحثه النظري، لم يقدم نقدا يحيد به عن موقفه من جمالية الصورة ولكنه أشار إلى علاقة السينما بفنون الفرجة السابقة عليها عند المصريين وربما أراد القليوبى ألا يحدث انقلابا فى تقاليد المشاهدة عند المصريين، والتى تجذرت منذ أمد بعيد فى السينما المصرية، فيربك مشاهده، ويحافظ على درجة ما على تلك التقاليد.

وبعد

هذه مجرد انطباعات طائرة تترك تفاصيلها لمجال دراسة وبحث منفصل إن شاء الله.

جريدة القاهرة في

07.02.2017

 
 

عناصر الفرجة الشعبية.. في وداع محمد كامل القليوبي

بقلم :خالد عزت

محمد كامل القليوبى شخصية سينمائية فريدة من نوعها, ويبدو لى أن تميزه الساحر المفصح عن نفسه فى وضوح كامل, يكمن فى طرقه لطرقات سينمائية غير مسبوقة, أهملها الآخرون، ونأوا بأنفسهم عن السير فيها وخوض غمارها, ونأوا أيضا عن جنى ثمرتها المشتهاة، من تلمس مواضع الدهشة والحيرة الإنسانية لدى الشخصيات التى يختارها بعناية بالغة لأفلامه والتى تستند إلى تراث مجيد من النفى والتهميش الباذخ.

إن شخصياته الأثيرة «عبر فيلميه الأولين» عن صورة الهامشيين والعيارين من باعة الأسواق الفقراء وأرباب الملاعيب والأوباش والعياق.. وأيضا جماعة الخيالين من مبتدعى الملاهى الشعبية المرتجلة التى تحتل مكانة متميزة فى مشهديته السينمائية, والتى تبرز عشقه وهوسه الشخصى بفنون الفرجة والأداء، وفضاءات الموالد الشعبية, وجماليات الازدحام والتلاصق ومأثورات عابرى السبيل من الرواة الشعبيين الذى يحملون عبر ذاكرتهم السحرية كنزا حقيقيا من قاموس البذاءة الإنسانية ذات الخيال الحسى الخصب.

ربما يكون «كامل القليوبي» المخرج الوحيد فى تاريخ السينما المصرية الذى التفت بتقدير وإعجاب إلى جماليات المخايلة «خيال الظل» والى تراث «شمس الدين بن دانيال» وباباته الثلاثة وتضمين ذلك التراث عبر نسيج أفلامه.

فإلمامه بتاريخ الملاهى الشعبية بكل أنواعها ومصادرها التراثية وطقوس اللهو والتسلية للطبقات الدنيا فى مختلف عصورها القديمة والحديثة وفنون الخلاعة والمجون والتى هى باستعارة بارت: كيمياء جديدة للنص أو امتزاج وذوبان النص فى الجسد. والتغنى بثقافة الحرافيش والعوام ومخيلة النفي, وهى بالطبع كنز لا ينضب معينه أبدا, وأيضا الاحتفاء بكل ما هو متروك ومهمل من نصوص سرية مختلسة كاختلاس لذة محرمة.

وشغفه الجمالي/ الحسى بتلك الثقافة المتناقلة والحية فى تجددها وتقلب أهوائها وأيضا حداثتها المعاصرة لكل زمان ومكان قد منح فيلميه «ثلاثة على الطريق/ البحر بيضحك ليه؟» مذاقا مدهشا مؤطرا بسياق اجتماعى آن ومعاصر, دافعا بذلك «الخطاب» إلى المتن بدلا من ظلال الهامش الذى ظل أسيرا وحبيسا له طوال قرون طويلة وقد وسمته المؤسسات الرسمية بالابتذال والخروج عن الذوق العام.

شىء ما ساحر وسحرى فى ذات الوقت يكمن فى توار خفى عبر نصّ فيلم «ثلاثة على الطريق» هذا الشىء الخفى والمقلق الذى يشير دون أن يفصح إلى كتابى الأثير «الف ليلة وليلة». تماس الفيلم مع الكتاب وتناصه مع نصيّة مخيلة المخايل للعبة (خيال الظل أو ظل الخيال) هو الباب الخفى الموارب الذى يخايلنى الآن إلى عبوره. بالنسبة إلى فإن «ثلاثة على الطريق» هو واحد من درر قلائل انتجتها المخيلة السينمائية خلال العقد الأخير من القرن الماضى المضطرب بأحداثه، ولوثة تغيراته الهزلية والمفاجئة، وايضا موضاته السينمائية والأدبية التى لم يبق من اثرها شىء، وهو يشكل مع صنوه «البحر بيضحك ليه» كنزا ثمينا لفن الفرجة وتراث المخايلة، وتضمينا معاصرا لتاريخ ارباب السبيل والحرافيش. فقيمة العرض المطلوب والمرجو من مخرج مثل «كامل القليوبي» لا تكمن فى مصارعة هذا الواقع وإنما بالأحرى فى مشاكلته ومخايلته والتلاعب معه وبه، مع خلق نصية موازية لنص الواقع/ العالم وتخليق عوالم مصنوعة تحل تدريجيا محل العالم الأصلى وتأخذ مكانه دون أن تفقده خواصه المضيئة وعواطفه الإنسانية الجياشة بالرغم من استحالته إلى مجرد ظلال باهتة.

عند هذا المستوى الجمالى فإن (ثلاثة على الطريق) تعبير فذ عن آليات عمل المخيلة فى علاقتها بالواقع وبظرف تاريخى معاش قابل للفرجة عليه والتلاعب بمكوناته وعناصره التى تأخذ فى الذوبان والانحلال شيئا فشيئا, مفسحة المجال لعالم الشاشة الذى يصبح أكثر إنسانية وانسجاما فى خليطه الإنسانى العجيب عن عالم الواقع الذى يلفظ أنفاسه ويشحب وجوده الإنساني.

لا يلجأ «القليوبي» فى أول أفلامه «ثلاثة على الطريق» إلى الحديث عن ماضى بعيد أو قريب وثرثرات الحنين هناك لكنه يقرر الوقوف هنا والآن: ان يتحدث عن واقع معاش فى زمن انتاج الفيلم «1993» ومن هنا تكمن صعوبة التلقى فى فيلم «ثلاثة على الطريق» من حيث ان نص الواقع نفسه لم يكتمل بعد.

فنحن وشخصيات الفيلم نحيا فى التسعينات بكل عنفها الضارى وازماتها الطائفية وافول الصراع بين اليمين واليسار, وواقع لم ينفض عنه بعد غبار «حرب الخليج» التى لا تزال صورها تبث من وقت لآخر عبر شبكة الـCNN – كعرض هوليوودى غير مسبوق. وظلال التغيرات العالمية تشارك شخصيات الفيلم رحلتها عبر طريق زراعى يصل الخريطة من أقصاها إلى أقصاها, ونرى أحداثها عبر شاشات التلفاز المنتشرة فى مقاهى الطرق السريعة «الحرب اللبنانية/ سقوط جدار برلين/ أحداث البوسنة/ اجتماعات البابا شنودة فى نقابة المحامين لمناقشة ازمة الفتنة الطائفية/ الحصار المضروب من قبل قوات الأمن المركزى حول قرى الصعيد/ المشروع العالمى الجديد للتفتيت/ الانحياز الما بعد حداثى المستند إلى تكنولوجيا البث الرقمى وتحويل الإنسان إلى مجرد صورة مؤطرة عبر شاشة الكترونية قابلة للفرجة والاستعادة والاستمتاع بها وقت العطلات الرسمية/ المجاعات والمذابح البشرية الجماعية التى تتوالى امامنا ولا تخلف وراءها سوى ارقام لا تفيد شيئا غير التراكم الكمي. ومن هنا تطفو على السطح الإشكالية البنائية التى تطرحها مثل تلك الأفلام التى تقف على أزمة حاضر يعصف بالدماغ «وهى نفسها الإشكالية الجمالية المطروحة عبر الأفلام التى تعرضت لأزمة الحرب اللبنانية كما تتبدى فى مجمل افلام المخرج مارون بغدادى»، والسؤال هو كيفية تمثيل هذا الواقع العشوائى الذى يحدث الآن عبر الشاشة, واقع لم يزل فى حالة صيرورة وتكون, يعيشه المشاهد إلى حد التخمة ويستغرقه كليا بوحشية تياراته المتصارعة بجنون هذيانى وسط خضم هذه الصور العشوائية التى تبث دون توقف عبر شاشات التلفاز, فى نصوعها المضىء ودقتها الصارمة والنظيفة التى لا تشوبها شائبة تلاعب تقنى ماهر أو يخيل لنا انها هكذا!! غير متورطة فى النهش اليومي.

فالصعوبة هنا تكمن فى الاختيار وحريته المحفوفة بمخاطر الانزلاق والنمطية, وتقديم صورة غير حقيقية ومشوهة لتلك الآنية, التى هى الشَرَك. فالسؤال الموضوع الآن هو: كيفية النفاذ عبر هذا التشوش الذى يهزأ بكل خيال ونظام من اجل استخلاص معنى ما ينتظم فى سياق فنى له جمالياته, وله وجوده المستقل عن الواقع الذى من الممكن ايضا ان يستعير لنفسه «الفيلم» من الواقع كل هذه الفوضى والتشوش والتحطيم وأن يكون مراوغا فى مواجهة عالم مضطرب يسير فى فوضى العرى الكامل.

.. من الممكن أن نقف قليلا فى تأمل لتلك الاستعارة المدهشة والماكرة أيضا, والتى اوجدها «القليوبي» كتيمة رئيسية وعمود فقارى ينتظم جسد الفيلم وهى: تيمة الرحلة/ الطريق (الحياة/ الوطن) مشيدا فيلمه مثل لوحة من الموزاييك تطاول مناح متعددة من العرض الإنسانى وتتضافر فيها الخيوط من الحكى إلى السرد إلى التضمين (مشاهد.. السيرك/ خيال الظل/ مقاطع تسجيلية/ نشرات اخبار) والموزعة بدقة مونتاجية عبر زمن الفيلم, حيث تنتظم كجزئيات متناهية فى الصغر، مشغولة بحذق ومهارة وتعمل بكفاءة عالية لحساب الشكل الكلى للوحة التى ينتهى الفيلم دون اكتمالها, ولكن ايضا دون أن تكف عن ان تخايل الجميع فى اكتمالها الصعب والمضني.

أما زمن تشييد هذه اللوحة هو الطريق الذى تقطعه السيارة وتستغرقه فى الانطلاق بين نقطتين متباعدتين على الخريطة «الصعيد/ الدلتا» اما النظر إلى اللوحة نفسها فربما يستغرق الحياة برمتها!! والحاجة إلى عبور هذا الطريق حتمية وقسرية, وعلى كل شخصية من شخصيات الفيلم أن تعبره, وعلى الجميع أن يتساند فى زمالة انسانية صادقة لاجتياز الطريق الصعب الذى يحتاج إلى رفقة لبعض الوقت لن تدوم كثيرا, لكنها ربما تترك أثرا مدهشا لن يمحى بمرور الوقت, وعلى كل شخصية مهما كانت ضآلتها وموقعها فى النص السينمائى أن تضيف إلى تلك اللوحة شيئا من مخزونها ومخيلتها, وسوف يتحدد حيز المشاركة بالهدف الذى يعينه كل شخص لنفسه فى نهاية الطريق.

وتيمة العبور او الرحلة تستدعى فى التو فكرة التلاقي/ الفراق والمصادفة العابرة التى تجمع «بشكل قدري» اناسا من كل فج عميق:سائق عربة نقل «قام بأداء الشخصية محمود عبد العزيز يعمل على خط «الصعيد/ الدلتا» عفوى لا يوفر جهدا ولا حيلة فى تغذية حواسه النهمة والاستمتاع بمطايب وملذات الحياة/ صبى يهجر بيته فرارا من قسوة زوجة الأب ليلحق بأمه التى تعمل راقصة فى طنطا/ راقصة «غازية» تعمل فى فرقة متجولة تطوف بين الموالد فى إقليم الصعيد, يطاردها السائق من أجل ممارسة الجنس معها, ثم تنعقد صداقة بينهما فتقرر الرحيل معه/ شاب يتهرب من الزواج بفتاة كان قد غرر بها يقابلان السائق على الطريق فيحملهما معه/ مهرب آثار يوصى السائق بتوصيل قطعة آثار مقابل بعض المال/ قوادون وبائعو مخدرات يلتقى معهم السائق داخل احدى الغرز على الطريق/ حاو يعمل فى سيرك شعبى متنقل يوزع تعليقاته الساخرة وتفشل العابه دائما فى اقناع جمهور المتفرجين بمهارته كساحر/ ابنة حاو يلتقى بها الصبى «خليل» فتنعقد بينهما أواصر صداقة عابرة يحيطهما خلالها طقس من ظلال سحرية لخيال الظل/ شابان احدهما يسارى والآخر يمينى يهربان معا واحدهما مشدود إلى الآخر بقيد حديدي/ خليط غريب من البشر من مختلف المشارب والأصوات والانتماءات يقودهم حظهم العاثر إلى الالتقاء داخل زنزانة احد اقسام الشرطة, حيث يجلس الشيخ إلى جوار القسيس والحاوى مع السائق والشيوعى مع المخبر الذى ارشد عنهم جميعا/ صداقة تجمع بين «رجل» مجرب سملت عيناه بالمكرور والسائد, وصبى يسعى إلى اكتشاف العالم من حوله, حيث يقوده الصبى فى النهاية إلى اكتشاف نفسه واعادة الدهشة اليه من جديد/ علاقة تنشأ عبر الطريق بين صبى وراقصة مجرية لفنون الجسد حيث تمنحه الراقصة لذة الكشف عن المخبوء « كهبة بدائية» وتعيد اليه توازنه العاطفى الذى يفتقده مع عائلته, وايضا تقوده إلى الجنس وهو يقف على اعتاب مراهقته. فالرحلة هنا تستدعى معها على الدوام شر الطريق ومجاهدات اهواله المتوقعة والمفاجئة التى تخلب الألباب، ويتطلب من رواده ان يحرزوا اللذة كشرط للاجتياز المضنى مثل لذة الحكى وشره, سرد الحكايات والحديث المسهب عن النفس لدفع الملل والرتابة التى يستشعرها راكبو العربة اثناء الطريق, فشر الطريق مقرون بشر «الحكي» والافضاء والتنهدات والمراوغة النصية, كما يحمل داخله أيضا شر الشرور وهو الوصول إلى نقطة ختام, او الاستكانة إلى نقطة محددة فى السرد تغلق عندها الحكاية وتكف شهوة المخيلة عن معانقة صورها. وجمال الحكى مرهون بمخيلة «الحاكي» وصنعته وقدرته على الاستحواذ على اهتمام السامع, وشغفه بمعرفة مصير «المروى عنه», ويجب بالطبع الا تنتهى الحكاية قبل نهاية الطريق, والا ستصبح كالكتابة على سطح ماء لا يحفظ قولا ولا يصون عهدا وشريعته النسيان. والطريق يستلزم دوما يقظة الحواس لإحراز لذة «الرؤية», إذ يستدعى نوعا من الإثارة والتهيج للنظر والاكتشاف مثلما نرى الصبى «خليل» وهو يلوم السائق لأنه لا يبصر شيئا من الطريق الذى اعتاد ارتياده بشكل مستمر, فافقده طزاجة الرؤية والكشف.

وجميع شخصيات «ثلاثة على الطريق» واقعة تحت سحر الترحال والسفر وارتياد فضاءات مكانية تعج ايضا بالعابرين ومرتادى الطريق, الباحثين عن لحظة الإمساك بمعنى الذات الخفى وبرؤية ما غير معتادة أو مكرورة للعالم من حولها.

وتبدو تلك الأمكنة المخايلة مثل قدر «طوبولوجي» مستحيلة فشخصيات الفيلم من العوام لا انتماء لها إلى مكان محدد, وسيارة النقل تبدو «عبر الفيلم» وكأنها مكان/ بيت متحرك يخوض غمار الأهوال, وينضم اليه, بل يسعى اليه عابرو السبيل والمحتاجون إلى مشاركة إنسانية.

إنها سيارة الإنقاذ التى تنتشل كل النفايات الإنسانية التى القتها الظروف الاجتماعية والأحداث والفقر والقهر الإنسانى على جانبى الطريق.

وأماكن الفيلم موزعة إما إلى خيام الغجر والغوازى والملهيين المحترفين الذين ينتقلون بين الساحات والموالد عبر البلاد, يغشون الأسواق وساحات المواد «مسيحية/ إسلامية» لكسب معاشهم بتقديم أنواع التسلية المختلفة من عروض الفرجة الشعبية, او مقاة وغرز لخدمة حركة المسافرين على الطريق, أو اماكن اخرى تتركز داخلها علامات القوة والسلطة مثل اقسام الشرطة.

فالراقصة التى دفعتها الظروف إلى ان تهجر بيت عائلتها فى «قرية أبو قرقاص» تقرر فى النهاية أن تعود إلى زيارة مكانها القديم, والصبى الذى يهجر بيت اسرته من أجل بيت امه الذى لم يره من قبل لكنه ايضا يتركه فى النهاية ليواصل رحلته مع السائق. والشخصيات تهجر حياتها من أجل حياة أخرى مجهولة تخايلها, وربما يكتنف نفس الشخصيات ايضا الشك فى أنها ستعثر بين جدرانها على سعادتها النهائية, أو على الأقل تقدير سوف ينتظرهم جميعا فى جوف تلك البيوت التى يرتحلون إليها نفس البؤس والإنهاك الذى عرفوه فى أماكنهم الأولى.

.. فالمكان فى «ثلاثة على الطريق» – علامة متحولة يعادى الثبات ويكتنفه شىء سحرى مثل قصور ومدن الف ليلة وليلة التى تنقضى فى لمح البصر وغمضة عين, هو العالم القابل للزوال فور أن تنظر اليه حتى يظل قابعا فى الحلم والمخيلة.

فالحيرة التى يجد السائق نفسه فيها عندما يستيقظ فى أحد مشاهد الفيلم من نعاس غلبه وهو ينتظر الراقصة حيث يجد نفسه نائما فى العراء وقد سرقت نقوده فيلتفت حوله متسائلا فى دهشة وكأنه سادر فى غواية حلم: أين الخيام التى كانت قائمة هنا؟! والحكمة المرصودة له: لا تندم على شىء فاتك منها!!

فعالم «ثلاثة على الطريق» هو ساحة عرض «مولد» يتلاقى فيها مصادفة خليط عجيب دون معرفة سابقة, وهم أنفسهم جزء من العرض الارتجالي, والمحفظة التى تسرق دوما بصورة هزلية من السائق «تحت ثقل حواسه المخدرة» لا تلبث أن تعود اليه ايضا بطريقة المصادفة التى هى إحدى سمات اللعبة فلا أحد يستطيع الفكاك من هذا السيرك, والحكايات تتماس مع بعضها البعض, والأفعال المضحكة الناتجة عن عماء الحواس واحتدامها مع من حولها, كما تتوالد الحرارة والوهج عن تلاصق الأجساد فى زحام المولد, وايضا المصير المقترن بالطريق, فالفضاء المكانى هنا رغم اهميته الفنية هو خلفية للفضاء البشرى والوجودي.

فالبشر هم الذين يحددون سمات ومذاق الأشياء والأماكن وأيضا الزمن وايقاعاته. فنظرة الصبى «خليل» البريئة والمرتعبة قليلا إلى جسدى الراقصتين البدينتين تلك النظر غير المعتادة فى براءتها المختلسة لكثافة اللحم المترجرج امامه هى التى منحت كل هذه الحرارة والتوهج الحسى والموسيقى لهذا المشهد الساحر, فنظرة الارتعاب المحملة بخياله عن امه والممتزجة بالوسواس الجنسى هى التى اعطت ذلك البريق المحرق لكشف ما هو داخلى فى الأساس وهى التى اخرجت جسدى الراقصتين من رتابتهما وهما يؤديان رقصة هز البطن وسط رواد الغرزة الذين كفوا عن النظر والتشهى بلذة الفرجة ما عدا الصبى فهو بمفرده يحمل عناء المشهد كله, وايضا فرحة الاختلاس والعناق كانا من نصيبه وحده.

.. شىء ما اشبه بجماليات المفارقة فى «الليالي» يحدث فى «ثلاثة على الطريق» وعلى سبيل المقارنة: اذ يرتهن الكتاب برمته, وتنويعات الحكي, وصيغ المروى عنه, والصوت وفضاءات الأمكنة والعالم, والأنس والجان وكل المصائد والسخريات اللاذعة, والموت والميلاد فى مخيلة «شخص واحد», برأس امرأة, فاذا قدَّر لهذه المخيلة أن تموت فستموت معها على الفور كل العوالم التى شيدت, وكل القصور التى قامت, وستختفى قماقم العفاريت, وستنضب كل البحار التى مخرها «سندباد» فى رحلاته, وتنقضى كل الشهوات واللذات التى سفحت على مدار متون الحكايات على أفخاذ النساء والجوارى، وفى «ثلاثة على الطريق» يرتهن العرض الارتجالى بمواصلة الرحلة, بأن يصل السائق إلى نقطة ختام هى نفسها نقطة البدء من جديد, فاذا مات «السائق» تنتهى الرحلة وينطفئ هذا العالم فجأة او تظلم الشاشة وفى منتصف الرحلة يضع الصبى «السائق/ الرجل» أمام ذاته, لأول مرة رعب الاختيار ان يحدد لنفسه هدفا وغاية وعليه أن يتمها رغم كل شىء حتى لو فقد حياته، أن يحمل الصبى إلى امه إنه اشبه ببطل تاركوفسكى فى فيلمه «حنين» -ان يضع البطل لنفسه غاية وحيدة ورغم تفاهتها فهى تموضع أمام البطل إمكانية ان يلقى مصيره, وهو أن يحمل «شمعة» ليعبر بها بركة كبريتية وعليه ان يحافظ حتى النهاية على الشمعة موقدة.

وعبر الفيلم يظهر تأثير بابات المسرح الشعبى المعروف «بخيال الظل» بل يجرى عليها القليوبى نصه المعاصر مضمنا إياها مقاطع من تعليقات الواقع اليومى فى تسعينات القرن الماضي, وفى مشهد ساحر يتداخل العرض بالحقيقة حيث يحتضن الصبى «خليل» ابنه الحاوى امام شاشة خيال الظل, فتظن جمهرة المتفرجين بأن ما يرونه هو جزء من تمثيلية خيال الظل المؤداة.

إن الاصالة الفنية تتبدى فى اختيار «محمد كامل القليوبي» لموضوعاته السينمائية وشخصياته الدرامية وفضاءات المكان والزمان التى تدور معها الحكاية, فبعد «ثلاثة على الطريق» يقتبس فيلمه التالى «البحر بيضحك ليه» عن رواية الكاتب البرازيلى «جورج امادو» -كينكاس الذى عاش مرتين-وربما يكون فيلم «البحر بيضحك ليه» اقرب إلى البرولوج الافتتاحى الذى يورد فيه المخرج كل عناصره الفنية وشخصياته المحببة إلى نفسه والتعبير عن شغفه بعالم فنى بعينه. فى «البحر بيضحك ليه؟» هناك تلك اللحظة الحاسمة للاختيار والانحياز والهجر. هجر المتن إلى الهامش نهائيا, حيث يترك «بطله» حياته المريحة النظامية إلى رفاق التشرد والتساند الإنساني, حيث يجتمع عالم الشطار والعيارين الذى لا يستمد قيمة من المنظومة التقليدية المحكمة, وإنما تنبع مباشرة من اليومى والحياة الحارة بكل تقلباتها وأهوائها المرتبطة بالحاجة الغريزية المباشرة فى الرضوخ التلقائى لمتطلبات الفرد «المادية/ الجنسية» حيث ينضم إلى الحواة والسحرة والمهرجين والمشعوذين وبنات الهوى, وحيث يرتبط العرض ببدن العارض ذاته هو الأداة والقيمة فى ذات الوقت.

فالوجود الإنسانى كما يستعرضه «محمد كامل القليوبي» عبر فيلميه «ثلاثة على الطريق/ البحر بيضحك ليه؟» هو سيرك وساحة يتعارك فيها البشر بكرامة, وتتصارع فيها الأفكار والحواس, وجمهرة المتفرجين هم أنفسهم المؤدون على خشبة المسرح, وإذا كان العالم قد خلق فى حلم إله متعال,والليالى رويت ارضاء لرجل ملول,فإن «ثلاثة على الطريق» قد صنع من اجل حلم لن يتحقق له الاكتمال.

جريدة القاهرة في

07.02.2017

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)