كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

علا الشافعى تكتب:

رسالة إلى أستاذى ومعلمى محمد كامل القليوبى..

عن رحيل من صحح تاريخ ميلاد السينما المصرية

محمد كامل القليوبي

   
 
 
 
 

لم تكن أستاذا للسيناريو أو مخرجا لأفلام مهمة بل إنسان يصعب تكراره..

وستظل موجودا وسأنتظر لقاءك لتقول نفس الجملة "ما تختفيش يا علا"

"نحترف نحن الكلمات نصيغ الجمل التى تبكينا أو تضحكنا.. ولكن كل شىء يذهب ويتوقف عندما نفكر فى رثاء المقربين وأصحاب الفضل علينا.. لا أعرف ماذا أكتب، بمجرد أن سمعت خبر رحيل أستاذى وصديقى، سامحنى لأننى كنت أعتبرك  من أهم أصدقاء الحياة، رغم أنك المعلم والأستاذ.

بمجرد أن قرأت جملة، "الدكتور والمخرج السينمائى محمد كامل القليوبى فى ذمة الله"، كل شىء توقف للحظة شعرت أننى عاجزة عن التعبير، لا توجد كلمات أرددها؟ هل تعلم أننى كنت سأمر عليك اليوم؟ هل تعلم أننى والمبدع داوود عبد السيد تحدثنا عنك، وقالى إنه يأمل أن يراك هو الآخر بخير، لأنه لن يتحمل صدمة رحيل أخرى، هل تعلم أننى كنت أنام وأصحو يومياً على أمل أن أراك فى ندوة أو مهرجان ستصادفنى وتقول لى جملتك المشهورة "إنتى فين.. بلاش تختفى كدا".

عمن أكتب وأتحدث، أستاذى الذى وقفت أمامه وكان واحداً من أعضاء لجنة الاختبار فى امتحانات القبول بالمعهد العالى للسينما قسم سيناريو، وهو يسألنى ويناقشنى فى الأدب، أعرف يقينا أنك تذكر جيداً عندما سألتنى عن الأديب عبد الحكيم قاسم، لا أنسى ابتسامتك الصافية وأنت تتلقى إجاباتى.. أذكر كيف همست للمخرج خيرى بشارة، بجوارك فى المقعد أثناء الاختبار وقلت له، "إن علا حاصلة على بكالوريوس الإعلام قسم صحافة وتعمل تحت التمرين، ليس ذلك فحسب، بل إنها فى المركز الإعلامى بمهرجان الإسكندرية تعمل فى خدمة زملائها الصحفيين، وتسافر يومياً إلى القاهرة لحضور الاختبارات فى قسم السيناريو".

لم أقل لك يوماً ولم أبح كيف إننى لا أزال ممتنة لكل موقف أو كلمة كنت تقولها أمامى أو من ورائى، كنت ترانى مكافحة وتقدر ذلك وتحترمه، عماذا أكتب، عن علمك الوفير فى تاريخ السينما العربية الذى نقلته إلينا، ومحاضراتك التى لم تفتنى إحداها، أم عن حرفية السيناريو التى علمتنى إياها، عن أستاذى الذى جلست أمامه كطالبة تحاول أن تعرف ماهية فن السينما، أم عن إخلاصك فى العمل ودأبك، أم عن الصحفية التى كنت أحد مصادرها الذين يأخذون بيدها ويشرحون لها ولا يبخل عيها بمعلومة.. عن حبك لطلابك من أبناء الدول العربية.. عن إيمانك بالقيم والمبادئ والحرية والعدالة، وهى التى ظللت تدافع عنها حتى آخر لحظة فى حياتك.

الدكتور محمد كامل القليوبى بالنسبة لى ليس أستاذ السيناريو المرموق ومؤرخ السينما وصاحب أفلام "3على الطريق ـ  والبحر بيضحك ليه ـ وخريف آدم ـ  واتفرج يا سلام ـ وأحلام مسروقة"، ومسلسلات "طعم الحريق ـ بعد الطوفان"، أم أفلامك التسجيلية "محمد بيومي ووقائع الزمن الضائع"1990 ـ "تموت الظلال فيحيا الوهج 1996"، وأخرها فيلمك البديع والذى يكشف كذب من يكتبون التاريخ على هوى الحكام "أنا اسمى مصطفى خميس"، وهو الفيلم الذى يعد تتويجا لجهد كبير شمل توثيقا وتأريخا للمناضل عم طه سعد عثمان وعبد المنعم الغزالى والمناضل الشهيد أحمد شرف، ومحاولات القيادي الشيوعى نبيل الهلالى، لكشف الحقائق، إضافة إلى الحاج محمد خميس شقيق الشهيد مصطفى خميس المتهم الأول فى أحداث غزل كفر الدوار أغسطس 1952 ، فيلمك الذى بات وثيقة مهمة تطرح العديد من الأسئلة.

عماذا أكتب، عن المناضل محمد كامل القليوبى، أحد رموز الحركة الطلابية فى السبعينيات، أم عن دورك فى النهوض بالسينما التسجيلية، وتعزيز دورها فى الحفاظ على تاريخ الوطن وذاكرته، فعلت كل ذلك، مخرجاً ومؤلفاً وكاتباً وناقداً ورئيساً للمركز القومى للسينما، ومعلماً فى المعهد العالى للسينما، ومسئولاً عن جمعية «نون» للثقافة والفنون التى ترعى مهرجان السينما الأوروبية وقبل هذا وبعده، عن دورك كمناضل سياسى فى إطار الحركة الطلابية لجيل السبعينيات التى كان القليوبى واحداً من أبرز نجومها اللامعين أثناء دراستك فى كلية الهندسة، والتى قادتك فيما بعد لدراسة السينما، ونيل شهادة الدكتوراه فى فنونها .

كثيرون سيكتبون عن ذلك، كثيرون سيحللون ويستفيضون فى الكتابة عن إبداعك.. أستاذى ومعلمى وصديقى، لن أنسى حكاياتك، لن أنسى سرعة بديهتك وجملك، لن أنسى رفقتك فى السفر، لن أنسى خفة دمك وحبك لأصدقائك، لن أنسى كل ما رويته عن رامى ابنك الوحيد، الذى كنت تفتخر به فى كل جملة تقولها.

أستاذى أنت موجود بيننا، سأنتظر لقاءك صدفة وستقول لى نفس الجملة "ما تختفيش يا علا".

اليوم السابع المصرية في

02.02.2017

 
 

محمد كامل القليوبي ...«في ستين ألف سلامة»!

طارق الشناوي

قبل أكثر من 25 عاما نشرت الجرائد خبر رحيله، كان قد قدم فيلما تسجيليا عن رائد السينما المصرية المجهول، اول من كتب ومثل واخرج وأنتج الأفلام الضابط السكندري المظلوم في تاريخنا محمد بيومي، واستطاع القليوبي وعلى نفقته الخاصة، إنقاذ تراث بيومي من الضياع، كان الفيلم قد حصل على الجائزة الأولى كأفضل فيلم تسجيلي طويل من مهرجان دمشق (( السيف الذهبي))، مذيع الحفل السوري قال جائزة المخرج محمد القليوبي لفيلمه عن المخرج الراحل محمد بيومي، اختلط الأمر على محرري الصحف المصرية والعربية بين بيومي وقليوبي، وعدم حضوره المهرجان أكد اللبس،ونشراسمه في اكثر من جريدة رابطا بينجائزة القليوبي الذهبية ورحيله المفاجئ عن عالمنا.

أول مرة أرى محمد كامل القليوبي، كان يرتدي قميصا من الجبس عائدا لتوه من موسكو بعد ان حمل رسالة الدكتوراة عن السينما المصرية، لم يمنعه حائل الجبس المنيع ،وكانت بصحبته زوجته الرائعة الروسية، ما الذي دفع القليوبي لحضور هذا الاجتماع ،أنها أزمة السينما المزمنة ،وكان لديه ما يقوله ،ولكن طبعا ظلت أفكاره حبيسة ادراج وزراء الثقافة الذين تتابعوا على الكرسي.

عشقه للسينما المصرية دفعه لتحقيق رسالة الدكتوراة عن معشوقته، وعلى عكس أغلب الأساتذة المتخصصين والأكاديميين، كان يرى في حسن الامام طاقة نور وقدرة استثنائية لتقديم روح السينما المصرية وقدم دراسة لا تنسى عن الامام ((مخرج الروائع )).

القليوبي ينتمي لجيل متمرد ،ربطته صداقة بل توأمة مع الكاتب والمخرج داوود عبدالسيد، لا يوجد سيناريو كتبه داوود إلا وعين القليوبي هي اول من يقرأ ويعقب، فلم تكن هناك أدنى حساسية بين الصديقين، داوود أيضا كان أول من قرأ للقليوبي سيناريو (( 3 ع الطريق))، وهو الذي رشح لبطولته محمود عبدالعزيز واتصل به، كان محمود قد لعب بطولة (( الكيت كات)) لداوود، ولهذا تحمس لتجربة القليوبي، والفيلم ينتمي ل((سينما الطريق)) حيث يتيح الانتقال من مكان إلى أخر ويحقق في نفس الوقت التنوع والتشويق ،وحظي الفيلم بمكانة استثنائية ومثل مصر في اكثر من مهرجان دولي.

كان القليوبي بطبعه بعيدا عن الصخب الإعلامي، مثلا قبل 15 عاما شاهدنا بطل ومنتج فيلمه(( خريف ادم)) هشام عبدالحميد يملأ الدنيا ضجيجا لاختيار فيلمه لمسابقة الاوسكار الرئيسية،لأول مرة في تاريخنا العربي، لأننا نشارك مثل اغلب دول العالم في اوسكار افضل فيلم أجنبي التي تعني _ غير ناطقبالانجليزية _، ولكن هشام كبطل ومنتج للفيلم عرضه تجاريا في أمريكا فأصبح من الناحية القانونية من حقه أن يشارك في الأوسكار العام. أقام المنتج والبطل الأفراح والليالي الملاح ابتهاجا بالحدث، ولكن الفليوبي، كان يدرك أن المشاركة هنا فقط شكلية ،لأن الفيلم انطبقت عليه الشروط، وبالفعل خرج الفيلم ،من التصفيات المبدئية للأوسكار، فلم يشفع له في البداية سوى الموسيقي التصويرية ،لراجح داوود التي تجمع بين الربابة والاوركسترا السيمفوني بما يتوافق مع رائحة واجواء الصعيد، وكانت تلك هي رؤية القليوبي .

الزمن تغير وضاق المتاح أمام كل الجيل ولكن القليوبي، لم يستسلم أنشأ مؤسسة((نون )) الثقافية، واقام مهرجان الأقصر للسينما الأوربية، الذي اصبح بعدها عربيا واوروبيا، وعندما حانت الفرصة لنقله إلى ((شرم الشيخ)) كان القليوبي متحمسا ،ولكن بعض الأصوات تمسكت بالأقصر وثبت خطأها ،والدليل أنه سيقام الشهر القادم في شرم ،ولكن بدلا من أن يحضر القليوبي ليفتتح المهرجان سوف تُهدي إلى روحه دورة المهرجان.

من أهم أفلام البدايات فيلمه عن رائد السينما (( محمد بيومي)) ،ومن أهم أفلام النهايات عن رائد الكوميديا (( نجيب لريحاني في ستين ألف سلامة))، واتذكر أنني اعترضت على العنوان لما يحمله العنوان من سخرية ،فقال لي ان تلك كانت رغبة نجيب الريحاني التي اوصي بها قبل رحيله، وأنه شخصيا يتمنى أن يقولوها عنه، عزيزي القليوبي سأنفذ وصيتك ((في ستين ألف سلامة))!!

المصري اليوم في

02.02.2017

 
 

المخرج الكبير محمد كامل القليوبي . فارس سقط..

في وداع فارس. محمد كامل القليوبي

بقلم صلاح هاشم

كتب الشاعر المصري الكبير زين العابدين فؤاد يذكّر بمآثر صديقنا المشترك المخرج الكبير محمد كامل قليوبي، كتب يقول :

" ..محمد كامل القليوبي مثقف موسوعي نادر مترجم، وناقد وباحث ومخرج

اعاد اكتشاف تاريخ السنما المصرية باكمله في فيلمه التسجيلي العظيم : محمد بيومي
وفتح ملفات قضية اعدام العاملين : البقري ومصطفي خميس في فيلمه التسجيلي الاخير
المناضل الطلابي الذي اعتقل في فبراير 1968 وهو طالب في هندسة عين شمس
ثم اعتقل في يناير 1975 وهو مهندس.

درس الهندسة لكنه عشق السنما فحصل علي درجة الكتوراة واصبح استاذ السيناريو والمخرج المتميز

سكنا في نفس الشارع في شبرا في الستينات

وفي نفس الزنزانة في سجن طرة عام 1975 وكان معننا : احمد فؤاد نحم وابراهيم منصور ومحمد صالح وعبد الرحمن ابو عوف وصابر زرد ومحمد روميش وقد غيروا سكنهم
رحنا معنا في رحلة جسد عبد الفتاح الجمل من القاهرة الي دمياط في صحبة ابراهيم اصلان ومحمد البساطي

خرجنا معا في رحلة جسد محمد البساطي الاخيرة

وفي رحلة نبيهة لطفي الاخيرة 

وهنا ينتهي كلام شاعرنا المصري الكبير الصديق زين العابدين فؤاد

وأحب أن أضيف هنا من عندي أن القليوبي كان كل هذه الأشياء لي وأكثر، وبخاصة عند جيل الستينيات الذي ننتمي اليه، والذي فتح له عمنا عبد الفتاح الجمل صفحات جريدة "المساء " ،لينشر على العالم أشعاره وتطلعاته،دراساته وقصصه ،أحلامه وأفكاره .كان القليوبي يجسد لي حرص جيل باكمله على النهل من المعارف الجديدة،في الثورة والفكر والسينما ،على درب التنوير، والتغييرأيضا، وربما كان ذلك "الفضول المعرفي " هو الذي جعل حياة الفارس الذي سقط، و حياتنا ، بمثابة "رحلة " مستمرة للتقدم والتطور مع العصر،ونقل المعارف الجديدة الى الاجيال الصاعدة، للوعي بزمننا وعصرنا،على درب التغيير،لكن في وداع فارس سقط ، يظل اليقين الواحد : ستظل الرحلة مستمرة ..

صلاح هاشم مصطفى

كاتب وناقد سينمائي

سينما إيزيس في

03.02.2017

 
 

محمد القليوبي.. رباعية التمرد وكسر التابوهات

هشام لاشين

في 1993 شهدت الشاشة الكبيرة عرض الفيلم اول للمخرج محمد كامل القليوبي، والذي حمل اسم " ثلاثة على الطريق" ليعلن بقوة عن مخرج مختلف عن التيار السائد في هذه الفترة ، حيث كان الطابع الإنساني المغلف بوجهة نظر سياسية وفلسفية طاغياعلي إسلوب المخرج الجديد ، مع مسحة يسارية كانت تشكل جانبا كبيرا من إنتماءه الايدلوجي ، وكان هذا العمل واحدا من ثلاثية هامة في حياة المخرج المبدع حيث يمكن وضع ها العمل مع (البحر بيضحك ليه) و(خريف أدم) لنرك أننا أمام حالة إبداعية خاصة جدا ، ويمكن إضافة فيلم (إتفرج ياسلام) للقائمة بإعتباره جزء من حالة عامة موجودة في هذه الأفلام .

في الفيلم الاول سوف نري القليوبي يقدم لنا رحلة 3 اشخاص سائق لوري وطفل يحاول الهرب من قسوة زوجة أبيه، وسيدة، تريد الذهاب الى صديقة لها، وفي خلال رحلتهم الثلاثة، يتعرضون لبعض الأزمات من خلال القبض عليهم واتهامهم بتوزيع منشورات، والفيلم يلمس معاناة مشتركة لطوائف وشرائح مختلفة من المجتمع في إطار بانورامي رائع كما يقدم جانبا من العلاقة بين المسلم والمسيحي في هذه الفترة وهو ماحاربته الرقابة لفترة وظل مبتورا لسنوات طويلة حتي تم عرضه كاملا في 25 يناير 2012 .

أما فيلم " البحر بيضحك ليه" فهو تجربة  أكثر نضوجًا وإنسانية،وتمتزج فيها الفلسفة بالفانتنازيا والفرجة الشعبية من خلال  حيث "حسين" الموظف المنضبط المكبوت على المستوى الإنساني والذي يراه الجميع مجنونًا لخروجه عن النمط التقليدي، فهو المخلص النزيه المسالم القنوع، الذي يجد نفسه مضطرا للتمرد علي هذا القالب فيهجر هذا العالم الذي يقدس الروتين بما فيه زوجته القاسية المتبلدة ويقرر ان يعيش بحرية فيتعرف علي فتاة من عالم الموالد الشعبية ، كل ذلك وهو يتابع الأحداث العنيفة التي كانت تدور في البوسنة والهرسك على الشاشة.

ووتزايد رغبة حسين الثورية في التمرد علي الواقع الإجتماعي مع إعتقاله من خلال شقيق زوجته وتلفيق التهم السياسية له  ، ويقرر توجيه الصفعة للجميع خصوصا مع دخول سيد النص لعالمه هو الأخر ليبدأ رحلة صعلكة حتي الثمالة ، وليصبح هذا الفهلوي النص دليله ومرشده في العالم الليلي، وفي لحظة فاصلة يشعر بطلنا انه يولد من جديد بعد ان يتزوج"نعيمة ولعة" وينضم لأصدقاءه من العالم السفلي الجديد في إشارة فلسفية للتمرد والتحليق بعيدا حتي لو إضطر الإنسان للبحث عن حريته في هذا العالم المشبع بالصعلكة والمجون .

ولغة الصورة في هذا الفيلم كما في باقي أفلام القليوبي الاربعة مهمة ولها دلالتها مثل مشهد المنتقبات الخارجات من البحر في إشارة لمحاولة البعض بالاستمتاع بحياتهم في ظل التشدد المحيط .

أما فيلم (إتفرج ياسلام)  فيضيف به القليوبي بعدا وطنيا وموقفا أخلاقيا وسياسيا يتناغم مع قناعاته حيث نتابع ثلاثة أصدقاء من خريجى الجامعة العاطلين ، ينجح احدهم فى الالتحاق بالعمل فى قرية سياحية بسيناء، ويعجز الثاني عن الارتباط بمحبوبته وجارته ، فيضطر اللجوء إلى صديقه لمعاونته للعمل فى القرية، حيث ينجح فى إنقاذ سائحة أمريكية عجوز من الموت بأزمة صحية طارئة، مما يرشحه للعمل فى القرية، وعندما تعود السائحة الأمريكية لبلدها تموت، ويتضح أنها يهودية الديانة، ترسل وصيتها بفاكس لمنحه ثلث التركة وقدرها 151 مليون دولار بشرط قبوله الإشراف على تنفيذ الوصية لصالح جهات إسرائيلية، ورغم فقره وضغوط مدير القرية السياحية وابنته إلا أنه يرفض الثروة حتى لا تستفيد إسرائيل.

ورغم ان هذا الفيلم يدور في قالب أقرب للكوميديا إلا ان القليوبي يرسل من خلاله رسالته وموقفه من الاحداث وخصوصا من قضية بهذا الحجم .

هنا نصل لذروة أعمال القليوبي من حيث الحبكة والإخراج وهو فيلم (خريف أدم) الذي رشح للأوسكار بالفعل ولعب بطولته هشام عبد الحميد في واحد من اروع ادواره علي الإطلاق حيث نري قمة نضوج المخرج فنيا وفلسفيا وإجتماعيا .

تدور أحداث الفيلم، حول رجل يكرث سنوات عمره للثأر، من قتلة ابنه يوم زفافه، وتدور أحداث الفيلم ما بين 1948إلى 1968، وحول المتغيرات التي تطرأ بين هذه الفترة، وفكرة الثأر التي لا تموت بمرور السنين، وهو مرثية تقطر شجنا وشاعرية حول الوطن والأحلام الصغيرة والإحباطات المتتالية ، بل هو فيلم العجز العربي المختزل في مجموعة من الحكايات الصغيرة التي إتخذت الصعيد أرضية خصبة للحديث بإستفاضة ، وكل ذلك من خلال رواية للأديب محمد البساطي والسيناريست علاء عزام حيث يقول القليوبي من خلال فيلمه أن الذين يعيشون في الماضي لابد ان ينهزموا في الحاضر وان تلك هي مشكلة العقلية العربية .

ورغم ان الفيلم يقدم قصة ثأر تبدو تقليدية في الصعيد إلا انه ينطلق منها لحكايات أخري عن ثأر أكبر وهزيمة أعمق من 67 بينما يكشف مدي العجز علي مستويات عديدة في حياتنا لتبقي النهاية مفتوحة مع طلقات رصاص لانري صاحبها لكنها تنبأ بما يمكن ان يكرسه مثل هذ ا العجز الطاغي .

وفي هذه الأفلام عموما سوف يكشف لنا القليوبي عن مدرسته الخاصة (ان جاز التعبير) في الفن وفي السياسة والمجتمع والتي كرسها برئاسته لمؤسسة "نون" للثقافة والفنون، التي تنظم مهرجان شرم الشيخ السينمائي للسينما المصرية والأوروبية ، والذي قرر ان يهديه دورته الشهر القادم ، حيث نري إستخدام الصورة والكلمة في التعبير عن وجهة نظره في الاحداث ، ويكشف عن إنحياز للإنسان في كل زمان ومكان ، وكيف كان إنشغاله بوحدة المصير بين هذا الإنسان وواقعه المهزوم والمحاصر بالقهر علي مستويات أمنية وسياسية مختلفة ناهيل عن حصار التقاليد التي حاول أن يثقبها القليوبي ليلقي حجرا ، ويعلن التمرد كما فعل بطله إتفرج ياسلام ، فالحل من وجهة نظره في كسر التابوه وعدم الإستسلام للمصير الذي يدفع المجتمع أبطاله نحوه .

بوابة العين الإماراتية في

03.02.2017

 
 

في رحيل محمد كامل القليوبي: أرشفةُ ذاكرةٍ وصونُ حياةٍ

نديم جرجوره

رغم التفاوت الواضح في الاشتغال السينمائيّ، الذي يصنعه في حياته المهنية، مخرجاً ومؤلّفاً، يحتلّ المصريّ محمد كامل القليوبي (1943 ـ 2017) مكانةً أساسية في المشهد السينمائيّ المصري والعربي. وإذْ تبدو أفلامه الروائية، قليلة العدد، مرتبكةً في صنيعها الإبداعيّ (له تجربة تلفزيونية أيضاً)، فإن نتاجه الوثائقي، الأقلّ عدداً، يُشكّل حالة ثقافية وإنسانية وتاريخية، لارتباطها الوثيق بالتأريخ البصريّ لعناوين، تكاد تختفي بسبب تجهيلٍ أو إلغاء، مقصودَين أو غير مقصودين، في آليات العمل الرسميّ، تحديداً، في مصر.

وهو، بوفاته في الثاني من فبراير 2017، يخترق بعض المخفيّ والمسكوت عنه، كي يُعيد رسم ملامح بيئة مفتوحة على السياسة والاجتماع والحياة والفنّ. فأفلامه الروائية تطرح، رغم اضطراب المفردات الإبداعية بين عملٍ وآخر، أسئلة الحياة والعزلة والانكسار والخيبات، بينما يُعتَبر فيلماه الوثائقيان ـ "محمد بيومي: وقائع الزمن الضائع" (1989) و"اسمي مصطفى خميس" (2013) ـ "مرآة" حكاياتٍ يُراد لها تغييبٌ، لامتلاكها حيوية العيش والتحدّي والمغامرة والكشف والفضح.

فعلٌ تأسيسيّ

ذلك أن الوثائقيّ الأول، باستعادته حقبةً تاريخية أساسية في سيرة الفن السابع المصري، يعكس نمطاً من إبداع الصورة المتحرّكة، في بدايات الاختراع السينمائي، مع محمد بيومي (1894 ـ 1963). والوثائقي الثاني يُعيد قراءة لحظةَ نضالٍ ميدانيّ عمليّ، يبتعد كلّياً عن مزاجية الخطاب والتنظير، من أجل حقٍّ إنساني في حياة أفضل، كمحاولة لتحقيق شيء من عناوين "ثورة الضباط الأحرار" (1952)، التي تسحق مناضلين يُدافعون عن هذا الحقّ، مستنداً إلى سيرتَي مصطفى خميس (1934 ـ 1952) ومحمد حسن البقري (1936 ـ 1952)، اللذين يُحكم عليهما بالإعدام في 12 أغسطس 1952 (يُنفَّذ الحكم في 8 سبتمبر من العام نفسه)، بعد قيادتهما إضراباتٍ وتظاهراتٍ في مصانع "شركة مصر للغزل والنسيج" بكفر الدوار، في أعقاب تلك الثورة نفسها.

بهذا المعنى، يمتلك الوثائقيان ميزة التنقيب التوثيقيّ في جزءٍ منسيّ أو مُغيَّب في التاريخ المصري الحديث. وهي ميزة تجعل محمد كامل القليوبي في واجهة المشهد السينمائي، الذي يُحوِّل عدسة الكاميرا الوثائقية إلى أداة فنية تصون بعض الذاكرة من الاندثار، وتجعل الصورة نوعاً من كشف مُبطَّنٍ، وتُقدِّم وقائع يُفترض بها أن تُصان ضد النسيان. وإذْ يرى نقّادٌ في الفيلمين الوثائقيين شهادة إنسانية مفعمة بحبٍّ، يُظهره القليوبي في كيفية سرده الحكايتين، للسينما والحياة والذاكرة والفن، فإنّ النمط المُعتَمَد في صُنعهما أقرب إلى المفهوم التقليدي في صناعة الوثائقيّ ـ التسجيليّ، من دون أن يحول هذا دون أهمية المادة، وكيفية تقديمها وتحصينها من النسيان.

وهذا لن يمنع الباحث، أو المهتمّ بالتاريخ والسينما معاً، من تقديرٍ يستحقه جهدٌ، يبذله محمد كامل القليوبي في صناعته الوثائقية. فاختراق المحجوب والمغيَّب لن يكون سهلاً، خصوصاً إذا كان الموضوع سياسيّاً مرتبطاً بذاكرة ثورة، تُقام من أجل تبديلٍ جذريّ في الحياة اليومية للمصريين، فإذا بالثورة نفسها تُظهر بعض خرابها، منذ اللحظات الأولى لقيامها، بإعدام مناضِلَين يُطالبان بزيادة أجرٍ. وفي مقابل السياسيّ ـ النضاليّ، يتحوّل البحث في أرشيف الذاكرة القديمة عملاً شاقاً، إذْ تختفي وثائق، وتندثر حكايات، ويغيب مطّلعون مباشرون على الموضوع. مع هذا، يُنجز القليوبي فيلميه الوثائقيين، فيُصبحان شهادتين بصريتين عن حكايتين يُخرجهما من عتمةِ الماضي إلى حيوية الراهن، عاملاً على توثيقهما، جاعلاً من التوثيق البصريّ كشفاً وبوحاً وتأريخاً.

غير أن لمحمد كامل القليوبي اختباراً سينمائيّاً لن يكون، رغم ارتباكاته الفنية والجمالية والدرامية، أقلّ أهمية من الفعل التوثيقيّ، خصوصاً بإنجازه "ثلاثة على الطريق" (1993) و"البحر بيضحك ليه" (1995)، تحديداً، اللذين يُقدِّم الراحل محمود عبد العزيز (1946 ـ 2016)، فيهما، تنويعاً يُضاف إلى جمالية أدائه التمثيلي في أفلامٍ عديدة سابقة عليهما ولاحقة بهما، بالإضافة إلى بهاء حضوره أمام كاميرا، تمنحه حيّزاً لمزيدٍ من الغوص في أعماق شخصيتين، تبحثان عن منفذٍ للخروج من ارتباك العيش على التخوم القاسية للحياة، وتسعيان ـ في ذلك ـ إلى تعرية الذات والروح معاً من أهوالِ المواجهات والتحدّيات.

جغرافيا الروح

وإذْ يبدو "ثلاثة على الطريق" مزيجَ تنويعاتٍ سينمائية، يختزلها مفهوم الرحلة الإنسانية في الروح والجغرافيا والعلاقات؛ فإن "البحر بيضحك ليه" امتدادٌ لاشتغال القليوبي على "تيمة" الرحلة نفسها، وإنْ باختلافٍ واضحٍ في أسلوب البحث والتساؤل والمتابعة والمعالجة. فعلى الطريق الممتدة بين الأقصر وطنطا، لن تبقى رحلة محمود (محمود عبد العزيز) مجرّد سفرٍ ليومين، إذْ تنكشف، أمامه ومعه، أحوال ذواتٍ مقهورة، تريد فَرَجاً من عيشٍ مكبوت ومسحوقٍ، وتعمل على تفكيك جدران العزلة المفروضة عليها، وإنْ يكن الخلاص معلّقاً أو ملتبساً أو منقوصاً (ثلاثة على الطريق). وفي الشوارع المكتظّة بـ "حواديت" وأفرادٍ وحالاتٍ، ينساق إليها حسين (عبد العزيز) "هرباً" من روتينٍ يعانيه في المنزل والمكتب والعلاقات، تتحوّل الرحلة من جغرافيا الروح إلى روح الجغرافيا، إذْ يظهر ولعٌ دفينٌ في نفوس البعض، إزاء معنى الانبثاق من وجعٍ، إلى محاولة الانقلاب على الوجع نفسه (البحر بيضحك ليه).

لن يكون سهلاً التعمّق في مسارات هذين الفيلمين، لكونهما يصنعان من صُوَرهما مرايا تُشبه، بشكلٍ أو بآخر، تلك المصنوعة في فيلميه الوثائقيين. ذلك أن محمد كامل القليوبي يجعل من الكاميرا منفذاً لإطلالة حسية على زوايا الروح والجسد والذاكرة والأزمنة والحالات والانفعال. والمرايا، إذْ تعكس المخبّأ (أو بعضه، على الأقلّ) في الأمس واليوم، تجعل الرحلة ملاذاً للحظةٍ مطلوبة، ومتنفّساً يهيم به الفرد في مقارعته ضغوط العيش، ومنعطفاته القاسية.

وإذْ يختار القليوبي، في فيلميه الوثائقيين، من سيلتقيهم، كأفرادٍ وشخصيات يمتلكون حكايات شبه منسية، كي يعيد معهم كتابة المغيَّب، فإن محمد وحسن، في فيلميه الروائيين، لن يملكا ترف الاختيار، بسبب الحضور الطاغي للصدفة، التي تؤدّي دوراً أساسياً في تكوين العوالم المختلفة حولهما. لكنها، في السياق الدرامي، لن تكون مجرّد صدفة عادية، لأنها سببٌ جوهريّ في تأسيس بُنى درامية منبثقة من واقعٍ، وفي صوغ مسارات ومصائر، وفي صناعة لحظة إنسانية أو لقطة بصرية.

غير أن هذا لن يظهر في "خريف آدم" (2002)، مثلاً، إذْ يرتبك السيناريو في سرده الدرامي، ويبلغ هشام عبد الحميد، فيه، حدّاً لا يُحتَمل من التصنّع والفبركة والادّعاء، في تأديته الدور المحوريّ للحبكة. والزمن، الممتد بين عامَي 1948 و1968، سيكون عائقاً في كتابة الفعل الدراميّ والفضاء الإنساني الخاصّين بالتبدّلات المتنوّعة، التي يشهدها العالم المنفلش خارج جنوب مصر، بينما الرتابة في تقديم الأحداث الداخلية أقوى من أن يغلبها أي حراكٍ إبداعيّ.

 ربما لهذا ينكفئ محمد كامل القليوبي عن السينما الروائية، وينصرف إلى تدريسٍ وأبحاثٍ في أرشيف ذاكرة وماض، قبل أن يُنجز "اسمي مصطفى خميس"، كمن يرغب في إنهاء حياته المهنية، كما يبدأها: تحقيق وثائقيّ بصريّ ينشغل بأمسٍ، هو لحظة أساسية في تأسيس تحوّل أو تبدّل أو تغيير.

* ناقد سينمائيّ من أسرة "العربي الجديد"    

ضفة ثالثة (العربي الجديد اللندنية) في

03.02.2017

 
 

محمد كامل القليوبي.. غياب حادي سينما التسعينيات

مها عمر*

غادر المخرج المصري محمد كامل القليوبي (1943-2017) عالمنا أمس، عن عمر يناهز الـ74 عامًا، بعد صراع طويل  مع المرض. الفنان الذي تخلّى عن الهندسة التي درسها في "جامعة عين شمس"، وهب نفسه كليًا لعالم السينما، إلى درجة أنه أصبح إحدى علاماتها البارزة، وإذا أردتَ أن تقرأ فترة التسعينيات في مصر قراءة إنسانية لا تملّ منها، فابحث عن أفلامه، لكونه يقدم مجتمع التسعينيات المصري برؤية تمتاز بالسّهل الممتنع.

قدّم القليوبي مصر التسعينيات برؤية سينمائية تمتاز بالسهل الممتنع

هناك إجماع أن "البحر بيضحك ليه" أجمل أفلام القليوبي، كما أن هناك إجماعًا أيضًا على تجاهل متعمد لهذا الفيلم، ربما بسبب نظرته الفلسفية، وربما بسبب الكسل في تناول وعرض هذا النوع من الأفلام. فالنص تسعيناتيّ ساحر، وفيه مواطن جمال شديدة الإنسانية، ورغم أنه يبدو في المجمل ابن بيئته إلا أن هناك عناصر خلّدته. ستلاحظ كذلك البُعد السريالي في الفيلم، واستخدامه للرمز، ليس فقط في أحلام البطل حسين (محمود عبد العزيز)، لكن في ملابسه ومشاكله التي يتورط فيها، وفي مواقفه في الحياة.

تبقى أعمال القليوبي حاضرة في ذاكرة المشاهدين الجدين للسينما، وليس العاديين، لأنها ليست من الأعمال التي قد تحظى بالتصفيق الواسع، ولا هي ذات طابع تجاري كما اتسمت أفلام تلك الفترة. "البحر بيضحك ليه"، رغم بعض مشاهده الساخنة وشعبية أبطاله، وخضوعه لبعض معايير السوق، ووسقوطه في فخ "التنميط" أحيانًا، إلا أنه من الاستحالة أن يكون فيلمًا عاديًا

على أي حال، إذا عُرف السبب بَطل العجب، فالرجل حصل على شهادة دكتوراه فلسفة في الفن من "معهد السينما في موسكو"، وهذا ما جعل اللمسة الفلسفية في أفلامه مفهومة المصدر، فهي وإن بدت شديدة المحلية إلا أن مفارقاتها متقنة وكوميدية.

في فيلمه "ثلاثة على الطريق"، لم يعرض بضاعةً كاسدة إلى جمهوره، بل كان يقدّم ذلك الصراع الخفي بين السلطة والناس والخرافة والبحث عن الذات. وفي خلفية الحكاية روتين حياة الفقراء والمهمشين الذين يسعون إلى الحياة بكفاح وصخب

أثرى القليوبي المكتبة الوثائقية، أجملها على الإطلاق فيلمه عن نجيب الريحاني

أثرى القليوبي المكتبة الوثائقية بعدة أفلام منها "محمد بيومي"، و"أسطورة روز اليوسف"، و"تموت الظلال، ويحيا الوهج"، و"نجيب الريحاني في ستين ألف سلامة"، و"اسمي مصطفى خميس". وقد عرضها التليفزيون المصري في عجالة في عدة مناسبات، أجملها على الإطلاق فيلمه عن نجيب الريحاني.

لم يكن يجيد السباحة مع التيار، ففي عام 1979، مع التضييق على المثقفين بعد اتفاقية "كامب ديفيد"، كونت جمعية جمعية نقاد السينما "لجنة مقاومة السينما الصهيونية"، التي كان القليوبي من أعضائها مع سمير فريد وعلي أبو شادي وكمال رمزي، وتبنت اللجنة مقاومة التطبيع الثقافي والسينمائي مع الكيان الصهيوني. ومع تزايد التضييق، انتقل القليوبي إلى روسيا لنيل الدكتوراه، فتعمّق في البحث والدراسة الأكاديمية، كما تقلّد منصب رئيس "المركز القومي للسينما"، ومقرّر "لجنة الفنون في مكتبة الإسكندرية"، وترأس "مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر الأبيض المتوسط" عام 2003، وكان آخر مناصبه رئاسة مؤسسة "نون للثقافة والفنون" التي تنظم "مهرجان الأقصر"، و"مهرجان شرم الشيخ السينمائي للسينما المصرية والأوروبية"، كما نال جائزة الدولة التقديرية.

*مترجمة وباحثة من مصر

موقع "صوت ألترا" في

03.02.2017

 
 

المخرج المصري محمد كامل القليوبي يترجل

الراحل القليوبي يمتلك سجلا حافلا من الأفلام السينمائية الروائية والمسلسلات والأفلام التسجيلية على مدار أكثر من 35 عاما.

العرب/ القاهرة - أعلن المعهد العالي للسينما في مصر الخميس وفاة المخرج والأكاديمي محمد كامل القليوبي عن 73 عاما بعد صراع مع المرض.

وكتب المعهد بصفحته الرسمية على موقع فيسبوك رحل عن عالمنا إلى دار البقاء المخرج الفنان الأستاذ الدكتور محمد كامل القليوبي، تاركا خلفه أجيالا من الفنانين الذين علمهم على مدى أكثر من خمسة وثلاثين عاما، وكما من الأفلام السينمائية الروائية والمسلسلات والأفلام التسجيلية والمواقف السياسية التي لا تنسى”.

وولد القليوبي في 8 مايو 1943، وتخرج من كلية الهندسة قسم الطرق والمطارات إلا أن شغفه بالفن دفعه إلى الالتحاق بالمعهد العالي للسينما. وحصل على منحة للدراسات العليا في روسيا ونال درجة الدكتوراه من معهد السينما الاتحادي في موسكو.

ومن أبرز أفلامه خريف آدم بطولة هشام عبدالحميد في 2002، واتفرج يا سلام بطولة هاني رمزي وماجد المصري في 2001، وأحلام مسروقة بطولة فاروق الفيشاوي في 1999 وثلاثة على الطريق بطولة محمود عبدالعزيز في 1993، وقدم الراحل أيضا بعض المسلسلات من بينها بعد الطوفان وطعم الحريق، وله أيضا العديد من المؤلفات في مجال السينما.

وكان القليوبي أستاذا للسيناريو بالمعهد العالي للسينما، وكرمته العديد من المهرجانات المصرية والعربية، كما نال جائزة الدولة التقديرية في مجال الفنون عام 2011.

وتولى رئاسة مؤسسة نون للثقافة والفنون التي تنظم مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية والمقرر إقامته في الفترة من 5 إلى 11 مارس القادم.

العرب اللندنية في

03.02.2017

 
 

محمد كامل القليوبي... مصر تودّع صانع بهجتها

 مدحت صفوت

القاهرةشيّعت مصر مساء أمس جثمان محمد كامل القليوبي (1943 ــ 2017)، عقب الصلاة عليه في مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط (القاهرة القديمة). وكان المخرج والسيناريست المصري قد انطفأ إثر معاناة طويلة مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 73 عاماً. خسارة جديدة يتلقاها محبو «الفن السابع»، بفقدان واحد من أهم صنّاع البهجة الفنية في تاريخ السينما العربية، ومخرج عدد من الأفلام التي عُدَّت علامات بارزة في مسيرة الفن العربي.

أفلام يأتي في مقدمتها «البحر بيضحك ليه» (1994)، مع الراحلين محمود عبد العزيز وشوقي شامخ ونجاح الموجي، الذي طرح من خلاله تساؤلات عن إمكانية الحياة من دون قيود، مهدياً إياه إلى «الرواد الشجعان للسينما المصرية الذين أنجزوا عام 1928 أول فيلم روائي كوميدي طويل في تاريخ السينما المصرية بعنوان «البحر بيضحك»». قبل «البحر بيضحك ليه»، كان قد بدأ مع «الساحر» بفيلم «ثلاثة على الطريق» (1995)، ثم واصل مشواره الإبداعي المنحاز إلى القيم الجمالية والانتصار للإنسانية في أفلام «أحلام مسروقة» (1999)، و«اتفرج يا سلام» (2001)، و«خريف آدم» (2002)، إلى جانب مسلسلي «بعد الطوفان» (2003) و«طعم الحريق» (2014). وقد أخرج عدداً من الأفلام التسجيلية منها: «محمد بيومي ووقائع الزمن الضائع» (1990)، و«تموت الظلال فيحيا الوهج» (1996)، و«أنا اسمي مصطفى خميس» (2013)، الذي يوثق لأحداث «كفر الدوار» التي جرت في أعقاب اندلاع ثورة يوليو (1952)، وراح نتيجتها شهيدان، قُضي بإعدامهما، هما محمد مصطفى خميس (أمين مخازن) ومحمد حسن البقري (حارس)، فضلاً عن الحكم على 11 آخرين بعقوبات راوحت بين 15 سنة أشغال شاقة وسنة واحدة.

ذات لقاء معه قبل سنوات، قبل أن تتدهور حالته الصحية، مازحناه قائلين: «وثقت حادث كفر الدوار صحافياً قبلك والتقيت عائلة «خميس» وشهود عيان على واقعة مرّ عليها ستّون عاماً». ضحك قبل أن يجيب: «استغرق الفيلم مني سنوات، ومع ذلك على الجميع أن يسائل التاريخ لنصنع غدنا». هكذا، يؤكد الرئيس الأسبق لـ «المركز القومي للسينما» أنه فعلاً واحد من «الرواد الشجعان» الذين أهدى إليهم فيلمه الثاني.

فنياً، لا يعتني المخرج الإسكندراني بتصنيف الفيلم أو جنسه، لا يكترث بنوعية العمل بين روائي طويل أو تسجيلي، فالمستهدف لديه هو الجِدّة والجودة، إلا أنّ للأفلام التسجيلية مكانة خاصة في قلبه. الأهم ـــ على حد قوله في أحد حواراته الصحافية ـــ يكمن في «أن تكون الأعمال جيدة بغضّ النظر عن تصنيفها، لكن أنا أشعر بأنّ الأفلام التسجيلية لها وضعية خاصة عندي. وفي ما يتعلق بالأعمال الروائية الطويلة، أحب عندما أقدمها أن تكون في أفضل صورة، والحمد لله معظم أعمالي نالت جوائز في مهرجانات كبيرة، بعيداً عن كل شيء، أنا راضٍ تماماً عن مشواري الفني وأفلامي». من جهتها، نعت «الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما» القليوبي، الذي سبق أن عمل أستاذاً للسيناريو ورئيساً لـ «المعهد العالي للسينما»، واصفة إياه بـ «الباحث الكبير ورئيس «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط» الأسبق وعضو الجمعية، وواحد من أهم صناع السينما في مصر والوطن العربي».

الأخبار اللبنانية في

03.02.2017

 
 

مكتشف الرواد..محمد كامل القليوبي

منير عتيبة

معظمنا يعرف المخرج محمد القليوبي، يعرف أعماله السينمائية، وربما التقاه البعض فى ندوة أو مؤتمر أو مهرجان فنى، لكن الباحث الرائد الذى غير الكثير مما كنا نظنه عن تاريخ وبدايات ورواد السينما المصرية، هذا الباحث محمد كامل القليوبي ربما لا يعرف الكثيرون عنه شيئا، وربما أقل منهم من يعرفون عن رحلته فى اكتشاف رائد السينما المصرية محمد بيومي، وهى الرحلة التى تقدم نموذجا للإصرار والإخلاص والبحث الجاد.

لم يكن محمد بيومى سئ الحظ جدا، فبعد وفاته سنة 1963 بخمسة عشر عاما فقط بدأ الدكتور محمد كامل القليوبي رحلة البحث عنه سنة 1978، فى حين أن غيره من عباقرة العالم فى مجالات مختلفة كان يتم اكتشاف بعضهم بعد رحيلهم عن عالمنا بقرن من الزمان أو يزيد.

بدأت رحلة بحث الدكتور محمد كامل القليوبي عن محمد بيومى الرائد الأول للسينما المصرية عام 1978، فأخذ ينشر مقالات ودراسات عن هذا الرائد، إلا أن البعض شككوا فى تأكيد القليوبي على الدور الريادى لبيومى، فترك القليوبي بطون الكتب والمجلات القديمة وغادر مكتبته ودار الكتب، وبدأ تنقيبا أثريا عن أفلام بيومى، فعثر على التراث الهائل لهذا الرائد الكبير والذى أكد عمليا صدق نظرية القليوبى عن ريادة بيومى للسينما المصرية.

ستة عشر عاما قضاها القليوبي بحثا عن ووراء وفى حياة بيومى منذ 1978 وحتى صدور كتابه محمد بيومى.. الرائد الأول للسينما المصرية سنة 1994 عن أكاديمية الفنون، وحدة الإصدارات سينما2، وقد سبق هذا الكتاب بحثان للقليوبي عن بيومى هما البحث الأركيولوجى المتمثل فى التنقيب والبحث ثم الكشف عن أفلام بيومي وأوراقه ومذكراته وتراثه، والبحث السينمائى المتمثل فى فيلم محمد بيومى ووقائع الزمن الضائع الذى أنجزه القليوبي عن حياة بيومى وأعماله.

تغلغل القليوبي فى حياة بيومي من خلال ما كتبه من مذكرات وأزجال ومقالات وما أصدره من مجلات وما رسمه من لوحات وما كتبه غيره عنه، ومن خلال أفلامه الروائية والوثائقية، ومن خلال شهادات الذين عاصروا بيومى وتعاملوا معه.

ينقسم كتاب القليوبي عن بيومى إلى ثلاثة أجزاء رئيسية:

1-الجزء الأول يتضمن المادة العلمية التى جمعها القليوبي عن حياة بيومى وأعماله المكتوبة والمرئية، وينقسم هذا الجزء إلى ثلاثة أقسام كما يلى:

1-1-يهتم القسم الأول بـتسجيل حياة بيومى أو على الأصح الخطوط العامة لها ولمسارها متوقفا عند ما اعتبره محطات هامة فيهاص9. وفى هذا القسم يقدم لنا القليوبي بيومي باعتباره ذلك الإنسان المتوقد الذكاء والموهبة، الذى لا يقر له قرار، دائم التنقل والترحال بين دراسات مختلفة، وأعمال متنوعة، وبلاد عديدة، وأهم ما يميز بيومي أنه يحمل روح الرواد الذين يبحثون دائما عن الجديد شعارهم ما لم يفعله من قبل أحد”.

1-2-وفى القسم الثانى يعرض القليوبي محاولة قراءة أوراقه يقصد بيومي- السينمائية، وتتمثل فى كل ما كتبه عن السينما فى أوراقه ومذكراته ومحاولة استيعابها على ضوء ظروف حياته وعمله فى السينما، وواقع السينما المصرية وقتهاص9. وهنا يقدم القليوبي عرضا لمذكرات بيومي المعنونة الجندى المجهول مذكرات وأزجال، ولكتابه غير المنشور الشريط الأحمر-الجيش فى عهد الاحتلال البريطانى، وبعض مقالاته وما كان يكتبه من ملاحظات عن المعلومات الخاطئة التى تنشرها بعض الصحف والمجلات عن بدايات السينما المصرية ناسبة الفضل فى قيامها إلى طلعت حرب، ومعطية دورا كبيرا لمحمد كريم وحسن مراد متجاهلة تماما محمد بيومي، بالإضافة إلى الرسائل التى كان يبعث بها إلى بعض الجهات والمسؤولين ليوضح لهم الحقيقة.

1-3-ويعنى القليوبي فى القسم الثالث بمحاولة دراسة أعمال محمد بيومى السينمائية مع وضع أول فيلموجرافيا له فى حدود ما تمكنا من تحقيقهص9. وهنا كان القليوبي حريصا على الدقة المتناهية فلم يسجل فى الفيلموجرافيا سوى الأعمال التى تأكدت من إنجازها سواء التى وجدت مؤخرا أو التى تم الاستدلال بصورة قاطعة على وجودها رغم فقدها”.

2-أما الجزء الثانى من الكتاب والذى يشمل النص السينمائى لفيلم القليوبي عن بيومى فيتضمن المعلومات التى سبق وأوردها فى الجزء الأول بأقسامه الثلاثة، ولكن يزيد عليها الشهادات الحية التى سجلها الفيلم للسيدة شارلوت يوسف كرالوفيتش أرملة بيومي ودولت بيومي ابنته وبطلة فيلمه الخطيب نمرة 13 وغيرهما.

3-والجزء الثالث هو الوثائق التى يتضمنها الكتاب، ويقع هذا الجزء فى 56 صفحة (الكتاب كله 185 صفحة) ويضم عددا كبيرا من الوثائق المتنوعة مثل الإعلانات عن الأعمال التى قام بيومي بممارستها بعد إحالته إلى الاستيداع عام 1918 كالخياطة، وصناعة الموبيليا، والأدوات الفوتوغرافية، والصحف التى أصدرها بيومي تأييدا لثورة 1919، ورسومه الكاريكاتيرية السياسية، والشهادات التى حصل عليها من ألمانيا فى مجال السينما، وأزجاله، وإعلانات أفلامه، وغيرها. بالإضافة إلى 21 صورة فوتوغرافية متناثرة فى الكتاب، بعضها لبيومي فى مراحل مختلفة من حياته، وصورة لزوجته، وصورة لابنته، ولوحات بريشته، ولقطات من أفلامه.

يتميز كتاب القليوبي بأنه شخصى جدا، بمعنى أ،ه يحكى تجربة القليوبي الشخصية فى التعامل مع بيومى، كيف عثر عليه؟ كيف بحث عنه؟ الصعوبات التى واجهته، المجهود الذى بذله، رؤيته الخاصة للمداة الوثائقية التى تجمعت بين يديه، إبداعه لفيلم عن بيومي من خلال هذه المادة.

فلولا الاقتناع الخاص، والمثابرة الشخصية، لما كان لهذا البحث الذى طوله 16 عاما أن يستمر ولسنا متأكدين من استمرارية أية محاولات للبحث عن هذا التراث الضخم والذى يتجاوز عدده أكثر من ألف فيلم مفقود فى غيبة أية مراكز بحثية متخصصة أو حتى اهتمام حقيقى بهذا الموضوع حيث لا تعدو عملية العثور على الأفلام الأولى المفقودة للسينما المصرية أكثر من كونها جهد شخصي قام به كاتب هذا الموضوع القليوبي- بمبادرة منه وبتمويل عملية البحث، التى تعد أول عمل أركيولوجي فى تاريخ السينما المصرية، على نفقته الخاصةص11.

ويرى القليوبي أن الفيلموجرافيا التى وضعها لأعمال بيومي السينمائية والدراسة التى كتبها حول هذه الأعمال لا تعدو كونها محاولة أولى كان لى شرف إنجازها لا لشئ سوى لأننى أول من اكتشفها واطلع عليها فأصبحت أول من يمكنه عمل ذلك.. ولكن مع عرض الأفلام جميعها فسيصبح هناك مجالا لكثير من النقاد والدارسين لإعطاء أضواء جديدة وعمل دراسات جديدة على هذه الأفلامص9.

وهذا تأكيد على إن تعامل القليوبي مع المادة الوثائقية ليس هو التعامل الوحيد الممكن، وليست قراءته لأعمال بيومي هى القراءة الوحيدة المحتملة، ولكن يمكن التعامل مع هذه المادة وقراءة تلك الأعمال بوجهات نظر مختلفة، ومن زوايا متعددة حسب اهتمام الباحث، خاصة وأن المادة والأعمال موضوع البحث من الثراء بحيث تحتمل تعدد زوايا النظر إليها.

ولعل تضمين القليوبي للنص السينمائي لفيلم محمد بيومي ووقائع الزمن الضائع فى الكتاب يؤكد على هذه العلاقة الشخصية فى التعامل مع المادة الوثائقية، وينطبق عليه ما قلناه فى السطور السابقة عن الفيلموجرافيا باعتبار أن حياة وأعمال بيومي تتسع لاجتهادات كثيرة توضع بجوار اجتهاد القليوبي، مع الاحتفاظ للقليوبي بدور الرائد والمكتشف لبيومي وأعماله.

والقليوبي نفسه يقول فى ختام مقدمة الكتاب:”وأخيرا فإن هذا البحث بقدر ما يكمل مهمتى تجاه هذا الموضوع بقدر ما يفتح الباب أمام دراسات واجتهادات أخرى حول الرائد محمد بيومي، ليس فقط بالنسبة لعمله السينمائي، وإنما أيضا بالنسبة لإبداعاته كفنان تشكيلى وكشخصية وطنية لعبت دورا هاما فى تاريخنا المعاصر”. لذلك لا نعجب من تأكيد وإعجاب القليوبي بالأسلوب البالغ الخصوصية لبيومي، وذلك فى دراسته لأفلامه، فهو يقول:”إن الحساسية البالغة الخصوصية والدقة التى يتميز بها أسلوب محمد بيومي فى تصوير أفلامه الوثائقية تعبر على الأغلب عن وجهة نظر ذاتية خاصة، إنها رؤية خاصة لما يصوره، رؤية محمد بيومي بحسه الوطنى والقومي الخالصة وبمشاعر جامعة تنقل موقفا كاملا من الموضوع المصور حتى وإن بدا محايداص65. “ومن الطبيعي أن هذا الموقف الذى تأخذه كاميرا محمد بيومي فى هذه المشاهد الوثائقية وغيرها ليست نتيجة لتخطيط مسبق من جانب صاحبها، ولكنها على الأصح طريقة وأسلوب فى رؤية العالم والتعامل معه، اختيار يبدو تلقائيا أحيانا، وعفويا فى أحيان أخرى، وهنا تتجسد مشاعر صاحب العمل، ولكن تتحكم فيه أيضا عين خبيرة ومقدرة تقنية عاليةص66.

وهذا الإعلاء من جانب القليوبي لخصوصية بيومي هو ما يتميز به كتاب القليوبي أيضا، فما أوردناه فى الفقرات السابقة ينطبق بكيفية ما على القليوبي بالقدر نفسه الذى ينطبق به على بيومي.

مما هو جدير بالإعجاب فى النص السينمائى الذى كتبه القليوبي بعنوان محمد بيومي ووقائع الزمن الضائع وهو الجزء الثانى من الكتاب، تعامل القليوبي مع المعلومات والوثائق المتاحة لديه على مستويات متعددة بحيث أصبح العمل مشحونا بقدرات وإمكانات درامية عالية.

فعلى المستوى الأول: نجد شهادات الأحياء الذين عاصروا بيومي وتعاملوا معه، كل منهم يقدم الجانب الذى يعرفه عن هذا الرائد، وهؤلاء الشهود هم: زوجة بيومي السيدة شارلوت يوسف كرالوفيتس وابنته السيدة دولت بيومى، والسيدة فايزة محمود ندا زوجة المصور عبد الرؤوف بسيونى، والسيدة ماجدة حسن صدقى حفيدة بيومي، والدكتور حمزة البسيوني والأستاذ سعد عبد اللطيف زميلا بيومي فى حركة أنصار السلاح المصرية، والأستاذ فوزى حمزة محامى بيومي.. كل هؤلاء يطرحون معلومات وذكريات تخص بيومي، وتتميز بالذاتية والحميمية والحنين إلى الماضى وإلى الرجل الذى يتحدثون عنه، فهذا مستوى موضوعى/ذاتى فى الوقت نفسه.

ولكن المستوى الثانى المتمثل فى صوت المعلق يأتى موضوعيا تماما بلا أى قدر من الذاتية فهو يقدم معلومات أكيدة ويقرأ وثائق، وهذا المستوى موضوعى.

أما المستوى الثالث فهو ذاتى تماما، إنه محمد بيومي يتكلم. ويلاحظ القليوبي تعامل مع هذا المستوى بذكاء وحساسية كبيرين، فعندما نسمع صوت محمد بيومي لا نحصل غالبا- على معلومات، ولكننا ندخل فى الشخص ذاته، أقصد أننا نتعرف مشاعر وأحاسيس بيومي تجاه المعلومات التى يقدمها المستوى الأول/الشهود، او المستوى الثانى/ التعليق، ولذلك فصوت بيومي نسمعه غالبا وهو يلقى الأشعار والأزجال التى كتبها.

وهذه المستويات الثلاثة تكون مايشبه الضفيرة أو الحبل المجدول، فهى برغم تميز كل منها عن الآخر؛ تتحاور وتتداخل جدليا، فيعلق بعضها على بعض، وتضيف إلى بعضها البعض، لتعطى فى النهاية النص السينمائى المكتمل.

أريد أن أسجل ملاحظة شخصية- أخيرة على اسم النص السينمائى محد بيومي ووقائع الزمن الضائع فهو عنوان مشحون بالحنين الشديد إلى الماضى، وهو يوحى بدلالات غير حقيقية فيما أرى، فمن خلال قراءتى للكتاب كله أرى أن الزمن لم يكن ضائعا بالنسبة لبيومي ولا بالنسبة لمصر أو القليوبي نفسه.

فقد عاش بيومي زمنه/عمره بالطول والعرض والعمق، عاش حياة حافة لا تتاح مثلها إلا لقلة نادرة، فعل فى حياته كل ما أراده، وتمتع بكل ما فعله، ومشروعه الكبير/صناعة السينما فى مصر كان تأكيدا على أن شيئا لم يضع من بيومي، فهو قد أسس المشروع الكبير الذى حلم به، وهو الذى أعطاه بنفسه لطلعت حرب لينفذ ما خطط له بيومي، لأن بيومي يعلم أنه لا يستطيع أن ينفذ كل الخطة بسبب قصور إمكاناته المادية، وبسبب طبيعته الشخصية أضا، فهو يحمل بداخله روح الرواد القلقة، يريد فتح طرق جديدة دائما، وقد يسير فى الطريق خطوة أو خطوات ليشد الآخرين إلى السير فيها، حتى إذا اطمأن إلى أن غيره يستطيع أن يواصل المضى فى الطريق بحث عن درب جديد غير مطروق ليمهده.. وهكذا.

تقول السيدة شارلوت عن زوجها لكن هوه بقي.. كان عايز يفتكر دايما على حاجه جديده.. يعنى عايز يعمل حاجه جديدهص102.

فإذا كانت قد بدرت من بيومي بادرة ندم فى وقت ما فلم يكن الندم لأنه تر مشروعه لطلعت حرب ولكن لأنه لم يحفظ حقوقه قانونيا عند تنازله عن المشروع.

ولم يكن الزمن ضائعا بالنسبة لمصر، فالبذرة التى بذرها بيومي أثمرت صناعة كبيرة فى مصر والوطن العربى كله.

وبالنسبة للقليوبي نفسه فلم تضع منه ثانية واحدة، لقد أمضى 16 عاما فى البحث والدراسة والتنقيب، وخرج بتراث هائل ونتائج كبيرة غيرت الكثير من المفاهيم التى كانت راسخة عن بدايات ورواد السينما المصرية، وهذا الزمن الذى أمضاه القليوبي فى عمله ذاك جعله هو الآخر رائدا من رواد البحث الأركيولجى فى تاريخ السينما المصرية.

رحم الله الباحث والمخرج الراحل محمد كامل القليوبي.

موقع "كلافو" في

03.02.2017

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)