أفلامه التسجيلية ردت الاعتبار لصفحات مجهولة فى تاريخنا
السياسى والسينمائى
بعد صراع طويل مع المرض غيب الموت المخرج الكبير
الدكتور محمد كامل القليوبي عن عمر يناهز
74
عاما،
تاركا لعشاق السينما إرثا مميزا من الأعمال السينمائيه وبالأخص
الوثائقيه والتى ألقى من خلالها الضوء على جزء مهم من تاريخنا
السينمائى والسياسى أيضا..
ولد
القليوبى فى العام
1943
و حصل
على بكالوريوس الهندسه من جامعه عن شمس عام
1969،
ثم انتقل لدراسه السينما وحصل على دبلوم الدراسات العليا من المعهد
العالى للسينما عام
72
قبل أن
يسافر لموسكو للحصول على شهادة الدكتوراة من معهد السينما بموسكو.
أما
بطاقه تعارف الجمهور بالقليوبى فكانت من خلال فيلمه الوثائقى المهم
“محمد
بيومى وقائع الزمن الضائع”
والذى
أعاد الاعتبار من خلاله لرائد السينما الحقيقى محمد بيومى الذى
انتج وأخرج أول فيلم مصرى عام
1930،
حيث نجح القليوبى وعلي نفقته الخاصة فى إنقاذ تراث بيومى بعد بحث
دؤوب عنه فى مسقط رأسه الاسكندريه.
والفيلم يرصد رحله البحث عن رائد السينما المجهول محمد بيومى، و
تراثه السينمائى المهم الذي تركه، ومن ثم كان طبيعيا أن يحصد
الفيلم العديد من الجوائز ومنها السيف الذهبى من مهرجان دمشق
السينمائى.
إنصاف
كذلك
فيلمه
“أنا
اسمي مصطفى خميس”
2013،
والذى يعد تحقيقا سينمائيا يوثق من خلاله لأحداث إضراب عمال مصانع
شركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار والتى جرت فى أعقاب ثورة يوليو
1952،
وقضي فيها بإعدام اتنين من الحركة العماليه هما محمد مصطفى خميس
ومحمد حسن البقرى، فضلاً عن الحكم على
11
آخرين
بعقوبات بالسجن.
والفيلم كما أشرنا يوثق تاريخ نضال الحركة العمالية المصرية، ويعيد
للضوء صفحات تم تجهيلها، تماما كما فى فيلمه الوثائقى الهام
“نجيب
الريحانى فى ستين ألف سلامه”
عام
2008،
والذى يبرز من خلاله الجوانب الضبابية من حياة أسطورة الكوميديا
نجيب الريحانى الذى كان مدرسة خاصة فى كل أعماله سطر من خلالها
صفحة مهمة من تاريخ الفن فى مصر.
عشق التوثيق
وفيلم
“نجيب
الريحانى فى ستين ألف سلامة”
من
إنتاج مؤسسة نون للثقافة والفنون والتى أسسها القليوبى عام
2008،
حيث تقيم المؤسسه مهرجان الأقصر للسينما الأوربيه والذى انتقل
مؤخرا لشرم الشيخ.
كما
قدم القليوبى فيلما وثائقيا أيضا هو
“أسطورة
روزاليوسف..تموت
الظلال ويحيا الوهج”
والذى
يرصد من خلاله سيرة المبدعة روز اليوسف، راصدا مشوارها الفنى
والصحفى والمعارك التى خاضتها من أجل إنشاء المؤسسة التى حملت
اسمها وتخرج فيها العديد من المبدعين الذين تخرجوا منها ولازالت
تدفع بالمبدعين..
مما
سبق نتأكد أن للأفلام التسجيلية مكانة خاصة فى قلب مبدعنا الراحل
كما صرح لنا فى أحد حواراته الصحفيه التى أجراها معى مشير إلى أنه
“للأفلام
التسجيلية وضعية خاصة عندى”،
لكنه و بشكل عام كان حريصا على أن تكون أعماله بشكل عام جيدة وبغض
النظر عن تصنيفها وفقا لتصريحاته.
اختيارات
ينتمى
القليوبى، لجيل مخرجى الواقعيه فى السينما المصرية، لم يهتم يوما
بالكم، ما يفسر
“قله
أعماله الفنية بشكل عام، لكنه كان راضيا عن مجملها بشكل عام، رافضا
الاذعان لشروط الإنتاج ما يفسر أيضا لماذا حمل معظمها توقيعه كمنتج
الي جواره كمؤلف.
أولي
أعماله الروائية الطويله حملت توقيعه مؤلفا و قدمها عام
1993
وهو
“ثلاثه
على الطريق”
الذى
لعب بطولته الفنان محمود عبد العزيز والفنانة عايدة رياض وهو ينتمى
“لسينما
الشارع”
حيث
تدور أحداث الفيلم حول ما يواجهه سائق عربه نقل خلال احدى رحلاته
مع رفقاء طريق تتنوع دوافعهم و مشاكلم أيضا، إلا أن الرابط الوحيد
بينهم هو الفقر، وهو ما شكل دوما هاجسا فى سينما القليوبى.
وفى
العام
1995
التقى
القليوبى مجددا مع الساحر الراحل أيضا محمود عبد العزيز فى فيلمه
“البحر
بيضحك ليه”،
وهو أيضا من تأليفه ويحمل كما يؤكد المخرج السينمائى الدكتور على
الغزولى رؤيه تحريضيه للإنسان تدفعه للتمرد على ظروفه وحياته فيعيد
صياغتها بما يحقق له الرضا والسعادة التى يحلم بها حتى لو كان فى
نظر البعض جنونا.
يواصل
الغزولى، أن من أعماله أيضا التى واصل فيها ابداعه المنحاز نحو
القيم الجمالية، منتصرا للإنسانية فيلمه
“أحلام
مسروقة”
فى
العام
1999،
كذلك فيلمه
“اتفرج
يا سلام”
و”خريف
آدم”
الذى
رشح للمنافسة على أوسكار كأفضل فيلم أجنبى ولكنه خرج فى التصفيات،
مضيفا:
أن
القليوبى وعلى الرغم من أن رصيده السينمائى فى مجال الإخراج وكتابة
السيناريو ليس كبيرا من الناحية العددية الا أنه يحمل قيمة فنية
كبيرة فغالبية أفلام محمد كامل القليوبى تتناول حياة الفقراء
والمهمشين والمحرومين من أبناء الشعب وهى
“ثلاثة
على الطريق”
و”البحر
بيضحك ليه”
و”أحلام
مسروقة”
و”اتفرج
يا سلام”و”خريف
آدم”،
كما أسهم بإخراج عدد كبير من الأفلام التسجيلية المهمة جدا.
رؤية القليوبى
من
ناحية أخرى وصف الناقد السينمائى القليوبى بأنه كان بعيدا عن الصخب
الإعلامى، وما يؤكد ذلك هو فيلم
“خريف
أدم”
عندما
شاهدنا بطل ومنتج الفيلم هشام عبدالحميد يملأ الدنيا ضجيجا لاختيار
فيلمه لمسابقة الاوسكار الرئيسية، لأول مرة فى تاريخنا العربى،
لأننا نشارك مثل أغلب دول العالم فى اوسكار افضل فيلم أجنبى، ولكن
هشام كبطل ومنتج للفيلم عرضه تجاريا فى أمريكا فأصبح من الناحية
القانونية من حقه أن يشارك فى الأوسكار العام.
وقد
أقام المنتج والبطل الأفراح والليالى الملاح ابتهاجا بالحدث، ولكن
الفليوبى، كان يدرك أن المشاركة هنا فقط شكلية،لأن الفيلم انطبقت
عليه الشروط، وبالفعل خرج الفيلم، من التصفيات المبدئية للأوسكار،
فلم يشفع له فى البداية سوى الموسيقى التصويرية لراجح داود التى
تجمع بين الربابة والاوركسترا السيمفونى بما يتوافق مع رائحة
واجواء الصعيد، وكانت تلك هي رؤية القليوبى.
صاحب قضية
ترأس
القليوبي، قسم السيناريو فى المعهد العالى للسينما فى الفترة من
1987
وحتى
عام
2006،
وتولى مناصب عديدة منها رئيس المركز القومي للسينما ومقرر لجنة
الفنون بمكتبة الإسكندرية كما ترأس مهرجان الإسكندرية السينمائى
الدولى لدول البحر الأبيض المتوسط فى عام
2003،
كما شارك فى العديد من لجان التحكيم فى مهرجانات سينمائية دولية
وإقليمية، وعرضت أفلامه فى المهرجانات الدولية والمحلية، ويصفه
النقاد بأنه
“مشاكس
ومتمرد وثورى”
بحكم
طبيعة شخصيته، لكن الجميع يتفقون فى الرأى على أنه فنان صاحب قضية
وثابت على مواقفه المبدئية لم يعرف النفاق ولا المهادنة.
كذلك
كان القليوبى، من مؤسسى لجنة مقاومه التطبيع الثقافى والسينمائي مع
الكيان الصهيونى التى تكونت من خلال جمعيه كتاب ونقاد السينما وذلك
فى العام
1979،
ومع تضييق الخناق عليه سافر لموسكو لنيل درجة الدكتوراة و تزوج من
الناقدة الروسيه أولغا تكلودفا والتى أنجب منها إبنه الوحيد رامى.
كان للراحل الكثير من الآراء والتى من شأنها إخراج صناعة السينما
المصرية من عثرتها، تحديدا موقفه من الكيانات الإنتاجية المحتكرة
للانتاج و سوق التوزيع، كذلك رأيه فى قضيه ترميم الأفلام للحفاظ
على التراث السينمائى وهو الحلم الذى سعى لانجازه، إلا أن المعوقات
والروتين حالا دون ذلك، أيضا أراءه حول جهاز الرقابه والتى رأى
دوما أنها تقتل الابداع.
عدد
كبير من أصدقاء وتلاميذ القليوبى حرصوا على رثائه، كان فى مقدمتهم
الشاعر زين العابدين فؤاد الذى كتب: “محمد
كامل القليوبى مثقف موسوعى نادر، مترجم وناقد وباحث ومخرج، أعاد
اكتشاف تاريخ السينما المصرية بأكمله فى فيلمه التسجيلى العظيم
“محمد
بيومى”،
وفتح ملفات قضية إعدام العاملين البقرى ومصطفى خميس فى فيلمه
التسجيلى الأخير، هو المناضل الطلابى الذى أعتقل فى فبراير
1968
وهو
طالب فى هندسة عين شمس، ثم اعتقل فى يناير
1975
وهو
مهندس، درس الهندسة لكنه عشق السينما فحصل على درجة الكتوراة وأصبح
أستاذ السيناريو والمخرج المتميز..
ويوضح
زين:
كنا
جيرانا فى نفس شارع شبرا فى الستينيات، وضمتنا نفس الزنزانة فى سجن
طرة عام
1975،
خرجنا معا فى رحلة جسد عبد الفتاح الجمل من القاهرة الى دمياط فى
صحبة إبراهيم أصلان ومحمد البساطى، وخرجنا معا فى رحلة جسد محمد
البساطى الاخيرة، وفى رحلة نبيهة لطفى الاخيرة، والآن أخرج وحيدا
فى وداعه. |