ملفات خاصة

 
 
 

«آخر أيام المدينة».. ساقط قيد!!

طارق الشناوي

عن فيلم

«آخر أيام المدينة»

   
 
 
 
 
 
 

حتى الآن وغالبا سيستمر بعد الآن ليصبح فيلم «آخر أيام المدينة» هو اللغز الأكبر فى حياتنا السينمائية، فهو «ساقط قيد» لا هو مسموح بعرضه جماهيريا ولا هو فى قائمة الممنوعات، هناك جهة ما تريد للأمر أن يظل ضبابياً.

الفيلم الذى أخرجه تامر السعيد وبطولة خالد عبدالله، كان العنوان الوحيد للسينما المصرية فى مهرجان «برلين» 2015، ومن بعدها شارك فى أكثر من خمسة عشر مهرجانا دوليا، إلا أنه ممنوع عرضه حتى فى المهرجانات المصرية.

سبق لنفس الجهة التى من الممكن أن نُطلق عليها «إكس» أن حالت دون عرضه فى مهرجانى «القاهرة» الدورة رقم «38» ومهرجان «شرم الشيخ» فى دورته الأولى، ولم يستطع المهرجانان تقديم أى أسباب مقنعة للمنع.

«آخر أيام المدينة»، وكما سبق أن تناولته فى «المصرى اليوم» انتظر كل هذه السنوات التى وصلت إلى خمس حتى يعرض فى مهرجان «برلين» داخل قسم «المنتدى» الذى يعتنى بالتجارب التى تحمل طموحا سينمائيا، معوقات عديدة لعبت دور البطولة فى تعثر التجربة عن الانطلاق، لا تخص فقط الفيلم ولكنها تنسحب على صناعة السينما المصرية التى لا ترحب سوى بالإنتاج التقليدى وتتوجس خيفة تجاه كل ما هو مختلف، أو لديه مجرد شروع فى أن يصبح نفسه على الشاشة.

الرهان الصعب أن يتأجل عرض الفيلم- أى فيلم- عن موعده الطبيعى، ورغم ذلك تستشعر أنه ولد فى هذه اللحظة، وأن سنوات التأجيل كانت هى تحديدا سنوات الاكتمال، حيث يثير بداخلك الكثير من الأسئلة التى تصاحبك قبل وأثناء وبعد المشاهدة.

تامر السعيد كان يرصد حالة التمرد فى مصر ضد حكم مبارك، فلقد شارك فى الثورة، لكنه لم يشأ أن يضع خط الثورة وإجبار مبارك على التنحى لتصبح هى الذروة للشريط السينمائى، لأنها كانت فى هذه الحالة ستحجب الرؤية عن هدفه العميق، ما يقدمه الفيلم من فساد لم ينته بإزاحة رأس النظام، فلاتزال تعشش بالمدينة جذور الفساد الذى يحميه سدنة متخصصون فى تسويق أنفسهم فى كل العصور، مدعوما هذه المرة بالبذاءة التى أصبح لها رواد تحميهم الدولة، ربما لأنها تعلم أن لهم دورا ما سيسند إليهم فى اللحظة المناسبة.

القاهرة هى العشق وتحديدا قلب العاصمة «وسط البلد»، خالد عبدالله يؤدى دور المخرج، وهو يلتقط كل شىء، مثل مظاهرات «كفاية» التى لعبت دورا فى طرق الباب للثورة وفضحت بصوت عال سيناريو التوريث البغيض.

الثورة كانت هى الضرورة والحل والحسم، وهذا هو ما أراده المخرج. كان تامر مرنا جدا مع محاذير الرقابة عندما طلبت منه أن يحذف نداء «يسقط حُكم العسكر» فذهب إلى معامل برلين ليحذفها من كل النسخ وتفهم أن التوقيت الآن قد يساء تفسيره، وهو أيضا كما قال لى على استعداد من أجل وصول فيلمه للناس أن يتفاهم ويتفهم أيضا كل طلبات الرقابة طالما لن يؤثر ذلك على العمق الفكرى الذى أراده، ورغم ذلك فإن قرار حجب الشريط من الواضح أنه متجاوز صلاحيات الرقابة، وتلك الجهة الضبابية «إكس» لاتزال متخوفة من العرض، الغريب أن هذا الفيلم سيلقى جماهيريا مصير أفلام مثل «آخر النهار» و«أخضر يابس» و«على معزة وإبراهيم» وغيرها، حيث تعرض بدون أن يلحظ أحد أنها عُرضت أصلا، ولكن تعنت «إكس» هو الذى يزيد الشغف بها!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

09.01.2018

 
 
 
 
 

آخر أيام المدينة.. جدارية قاهرية لماض لم يغب

إبراهيم محفوظ

عُرض فيلم “آخر أيام المدينة” لتامر السعيد وبطولة خالد عبد الله، لأول مرة في الملتقى السادس والأربعين لمهرجان برلين السنيمائي وفاز فيه بجائزة “كاليجري”، قبل أن يدور العالم حاملاً معه صورة نادرة من القاهرة خاصةً والمدن العربية عامةً، وربما أفضل ما يشهد على ندرة هذا المنظور، هو واقعة سحب الفيلم من مهرجان القاهرة السينمائي قبل أيام قليلة من بدء المهرجان.

ويجسد الفيلم إحدى التجارب الإبداعية للسينما المصرية المستقلة، وهي تجربة شاقة استغرقت تسعة أعوام من الجهد والمثابرة لتواجه المشاكل المعتادة للسنيما المستقلة من قلة المصادر الإنتاجية والإمكانيات المادية، وينكشف هذا الجهد بوضوح في أول ثواني من العرض وقبل بداية الفيلم فعليًا عندما تظهر على الشاشة كلمات “وهذا الفيلم بدعم من” ثم تطول القائمة من صناديق ثقافية ومنح دولية.

يركز الفيلم على القاهرة كمدينة وساحة دائمة الحركة في إطار محدد، حيث تتناول القصة تحديدًا علاقة المرء بمدينته أو القاهري بقاهرته، وكيف يشكلها وتشكله، ويظهر هذا البناء السردي في أولى لقطات الفيلم حيث يقف خالد عبد الله في إحدى شُرفات المدينة المطلة على النيل، وينظر إلى فراغ المدينة الفوضوي واللون الأصفر الداكن الذي يطغي على ملامح المدينة.

ويبدو أن هذا العمل الذي كتبه السعيد بالاشتراك مع رشا سلطي هو محاولة قاهرية ناجحة لإعادة تكوين المدينة على غرار فيلم “روما” الشهير والكلاسيكي للمخرج الإيطالي فدريكو فلليني، ويقوم الفيلم بانتشال وتوثيق انتصارات وهزائم القاهرة عامي 2009 و 2010 تحديدًا، اللذين غابا عن الوجدان مع قيام الثورة.

من خلال الشخصية الرئيسية الذي يقوم بصناعة فيلم لا يَعرف من موضوعه إلا أنه محاولة للبحث عن النفس، تُسرَد قصص عديدة منفصلة ومترابطة لشخصيات شكلت المدينة مصائرها لتكشف عن جانبي المدينة القبيح والجميل في آن واحد، وتعقد مقارنات عدة بين القاهرة وبيروت وبغداد. يتحاور خالد المصري مع أصدقائه اللبناني والعراقيين الذين أتوا من بيروت وبغداد وبرلين ليلتقوا في القاهرة، فيجري حوارًا عميقًا وشائكًا بين مدينة تقف على أنقاض الحرب الأهلية، ومدينة تعاني من اجتياح أمريكي، ومدينة يبتلعها فسادها، بينما يقارن كل هذا بالمنفى وبرودته القاتلة.

ورغم أن خالد يبدو أحيانًا غير قادر على ملء وإحياء فراغ صمته أثناء الفيلم، إلا أنه في المجمل يقوم بدور محكم يبرز فيه الشخصية الرئيسية بترددها وحزنها ومشاعرها المعقدة والمرتبكة، إلى جانب ذلك يرافق خالد مجموعة من الممثلين الذين قاموا بأدوار رائعة أحيت العمل وأضافت له طعمًا خاصًا، وهؤلاء الممثلون الرائعون هم: ليلى سامي وحنان يوسف ومريم صالح وحيدر حلو وباسم فياض وباسم حجر، مع ظهور خاص ومفاجئ لأبلة فضيلة. لكن ربما الأبطال الحقيقيون للفيلم هم الشخصيات والمارة والباعة الجائلين والشحاذون الذين يظهرون مرارًا وتكرارًا في خلفية بعض المشاهد أو في مركزها أحيانًا، ليثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من المدينة التي تحيا بناسها.

ويقوم مدير التصوير باسم فياض –وهو الممثل أيضا– بإبراز صورة متسقة وصادقة للقاهرة بقبح بنايتها واصفرار جوها الذي يمتلئ بالغبار والتلوث. لكن في الوقت نفسه، ومن خلال خلط مشاهد تبدو مهتزة وغير واضحة -كأن خالد هو الذي يلتقطها بنفسه- مع صور وتكوينات محكمة يستطيع فياض أن يبرز الحميمية التي تتسم بها المدينة.

أما على شريط الصوت يسيطر صخب المدينة وضجيجها الذي تتخلله بعض الحوارات القصيرة التي تبدو أقرب للشوارد والأفكار. بالإضافة إلى ذلك يعتمد السعيد كثيرًا على فصل الصوت عن الصورة وتحويل الممثل إلى راوٍ يحكي عن مشاعره المدفونة في عمق الصورة ويكشف خبايا نفسه.

إلى جانب ذلك يجيد السعيد توظيف الموسيقا البديعة لإميلي ليجراند وفيكتور مويسي كي يسبح بالمشاهد عبر شوارع وسط المدينة التي تبدو أنها تمثل المدينة بأكملها بالنسبة إلى السعيد وفريق عمله، لكن ربما عشرة أفلام لا تكفي لإبراز مدينة الجوانب والطبقات المختلفة لمدينة بحجم القاهرة.

في المجمل، يأخذنا سعيد في جولة خلال 118 دقيقة محكمة ليطوف بنا في وسط المدينة في جولة مشوبة بالحنين والواقعية والصدق ليقدم عملاً يستحق الإشادة في أولى أفلامه الروائية الطويلة.

كاتب ومترجم مصري

 

مجلة فن الإلمانية في

26.01.2018

 
 
 
 
 

بعد حل أزمة "كارما".. مخرجة تطالب بالنظر إلى "آخر أيام المدينة"

كتب: نورهان نصرالله

طالب عدد من صناع السينما والمثقفين، لجنة السينما ووزارة الثقافة في إعادة النظر في فيلم "آخر أيام المدينة" للمخرج تامر السعيد، حيث يرفض جهاز الرقابة على المصنفات الفنية منح الفيلم إجازة للعرض،

وقالت المخرجة عايدة الكاشف عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "بيان استقالة لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة شجعني إني أرجع أكتب عن فيلم (آخر أيام المدينة) تاني، نظرًا لأهمية الاستقالة، وما ذكر في البيان عن وجود أكثر من حالة منع غير فيلم (كارما)، الشكر واجب لأعضاء اللجنة، خاصة إن عدد كبير من كبار الأعضاء ومن شبابها كان متابع معانا تفاصيل موقف فيلم (آخر أيام المدينة) مع الرقابة، وكانوا ملمين بكل اللي حصل ومتحكاش، أحب أوضح لهم وللجميع وضع الفيلم الآن وبعد أكتر من سنة ونص على محاولات عرضه".

وتابعت "الكاشف": "في ديسمبر 2017، تم رفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري وهي الآن تنظر أمام هيئة مفوضي الدولة بالدائرة 17 من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة قمنا فيها بالطعن على قرار المصنفات الفنية السلبي بامتناعها عن منح ترخيص العرض العام لفيلم (آخر أيام المدينة)، تاريخ أول جلسة يوم 7 فبراير 2018 وتم احالتها في اول جلسة إلى "هيئة مفوضي الدولة".

وأضافت: "أول جلسة أمام هيئة المفوضين يوم 18 مارس 2018 وتم تأجيلها مرتين : الأولى ليوم 20 مايو 2018 ثم إلى 15 يوليو 2018 وجميع التأجيلات المذكورة كانت بسبب انتظار المحكمة لرد الدولة متمثلة في وزير الثقافة والإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السمعية والسمعية بصرية، أرجو أن يتم إدراج وضع الفيلم في جدول اجتماع الجمعية العمومية للنقابة ووقوف المستقيلين من لجنة السينما خلف الفيلم وأصحابه كما حدث مع فيلم كارما".

تدور أحداث الفيلم في عام 2009، داخل مدينة القاهرة العريقة، حول حياة "خالد" المخرج الشاب الذي يحاول أن يصنع فيلمًا عن تلك المدينة وما تحمله من أحلام، في الوقت الذي يعاني فيه من احتمالية أن يُطرد من شقته، والمرأة التي يحبها تريد أن تهاجر خارج مصر، متذكرًا في نفس الوقت أيام طفولته عندما كانت القاهرة مكانًا أكثر إشراقًا.

والفيلم بطولة خالد عبدالله ومريم صالح وعلي صبحي وحنان يوسف وحيدر حلو وليلى سامي، من تأليف رشا سلطي وتامر السعيد.

 

الوطن المصرية في

13.06.2018

 
 
 
 
 

آخر أيام المدينة

سعد القرش

أنجز تامر السعيد «آخر أيام المدينة»، وأعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عام 2016 عن مشاركة الفيلم في مسابقته الرسمية، ثم استبعده، ولم يقدم سببا يدعو للاحترام.

مساء الأربعاء 5 ديسمبر 2012، قابلت تامر السعيد عند قصر الاتحادية. ومن تجليات ثورة 25 يناير 2011 وهي في عافيتها أن تفاجئك بصديق غاب عنك سنوات، فتجده أمامك ولا يتأكد لك في دخان قنابل مسيلة للدموع وجحافل السلفيين وبلطجية الشرطة أنه هو إلا بتبادل كلام عابر، ثم يختفي ولا تراه إلا بعد سنين، في سكون موجة الثورة وصعود الثورة المضادة. كنا قد تفرقنا، وغادرت بعد فجر الخميس 6 ديسمبر، وفي الطريق اتصلت بي زميلتي عزة مغازي، وأخبرتني بإصابة الحسيني أبوضيف بطلق ناري، ونسيت تامر، ثم قابلته في وسط البلد، وهو مثلي محبط، بعد مرور الثورة بخيبتيْ أمل، والثانية/ الحالية أكثر وعيا بشروط بقائها لفترة أطول، وقال إنه يكاد ينهي فيلمه الروائي «آخر أيام المدينة».

 تامر مخرج له قضية، لا يقدم تنازلات تجسدها أعمال تجارية، بل يراهن على القيمة، وكان قد ذهب إلى المغرب لإنجاز فيلم، وذهنه خال من فكرة محددة. إنه ليس فلاحا متواكلا يبذر البذور، ثم ينتظر ثمارا متوقعة، ولكنه قناص يختبر قدراته وهو يجوب الآفاق، صياد يرمي شباكه، وينتقي ما يشاء أو يزهد في كل شيء.

صادف مظاهرة فيها رجال تبيّن أنهم من ضحايا سنوات الرصاص، فصوّرهم في المسيرة التي جاءت كمشهد أخير في فيلمه «غير خدوني»، وهو عمل وثائقي غاص عميقا في ماضي الضحايا، والفيلم يظهر من عنوانه المأخوذ من أغنية شهيرة لفريق «ناس الغيوان». وفاز «غير خدوني» بالجائزة الكبرى في مهرجان الإسماعيلية، وحظي باستحسان جمهور تابعه بتأثر لا يخلو من دموع. ورشحتُ الفيلم لانتشال التميمي مدير مهرجان روتردام للفيلم العربي، فنال الجائزة الفضية عام 2005، وذهبت الجائزة الذهبية لفيلم هالة لطفي «عن الشعور بالبرودة». وكانت فرصة لأشاهد في روتردام فيلم تامر السعيد «يوم الاثنين» الذي فاز أيضا بجائزة الفيلم القصير، وأن أكتشف مخرجا يوجز، في بضع دقائق، شحنة من المشاعر، ويطلقها في تتابع بصري وحواري شاعري.

أنجز تامر السعيد «آخر أيام المدينة»، وأعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عام 2016 عن مشاركة الفيلم في مسابقته الرسمية، ثم استبعده، ولم يقدم سببا يدعو للاحترام. وأعلن عن مشاركة الفيلم في مهرجان شرم الشيخ، بعيدا عن عقدة ميدان التحرير، وظننتها حيلة تحفظ ماء وجه النظام؛ فيجادل بالسماح للفيلم بالعرض في مهرجان، ولو لبضعة أفراد في المنتجع السياحي، ولكن النظام كان أقلّ رشدا. وفي مهرجان أسوان لأفلام المرأة في فبراير 2018 أخبرني مسؤول أن قضية الفيلم أكبر من جهاز الرقابة، ولا أصرّح ببقية كلامه؛ فلم يقله للنشر. ولا يزال الفيلم يجوب المهرجانات ويحصد الجوائز، ويحرم منه أهله، رغم الحفاوة به، وقال لي إبراهيم العريس إنه من أفضل أفلام السينما المصرية، إن لم يكن الأهم، ثم أرسل إليّ من بيروت كتابه الجديد «السينما والمجتمع في الوطن العربي.. القاموس النقدي للمخرجين»، وفيه يصف السعيد بأنه «سينمائي يسعى إلى الاكتمال».

في 11 يونيو 2018 سحبت الرقابة ترخيصها بعرض فيلم «كارما» للبرلماني خالد يوسف، فاجتمعت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة في اليوم نفسه، وأعلنت استقالتها؛ لاكتشافها «أن هناك انهيارا غير مسبوق في مناخ حرية الرأي والإبداع»، فسمح النظام بعرض الفيلم. ولم تجتمع اللجنة أو تقدم استقالتها، منذ مارس 2018، احتجاجا على حبس أعضاء بفرقة مسرحية قدمت عرض «سليمان خاطر» في ناد اجتماعي بالقاهرة، ولم تبال منذ ثلاث سنوات بميوعة أجهزة لا تملك شجاعة التصريح بعرض «آخر أيام المدينة»، ولو للنقاد والصحافيين في مهرجان، وهذا اغتيال معنوي لمخرج لا يملك «مهارات» خالد يوسف.

روائي مصري

 

العرب اللندنية في

24.06.2018

 
 
 
 
 

من «لاشين» إلى «آخر أيام المدينة» قائمة طويلة من الأفلام الممنوعة في مصر

فايزة هنداوي

القاهرة ـ «القدس العربي»: كان فيلم «كارما» للمخرج خالد يوسف مهددا بعدم العرض قبل موعد طرحه في السينمات بساعات رغم حصوله على تصريح بالعرض من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية في مصر، حيث عاد الجهاز واتخذ قرارا بعدم العرض دون إبداء أسباب واضحة، لولا تدخل عدد من الفنانين وتهديد أعضاء لجنة السينما في المجلس الأعلى باستقالة جماعية ما أجبر جهاز الرقابة على العدول عن قراره.

هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، ذلك أن تاريخ السينما المصرية منذ بدايتها حافل بعدد كبير من الأفلام التي منعت من العرض من خلال جهاز الرقابة على المصنفات الفنية أو جهات سيادية أخرى لأسباب مختلفة منها سياسية كالتعرض بالنقد لنظام الحكم ومنها ما يتعلق بمشاهد جنسية، ومنها دينية من خلال التعرض للدين المسيحي أو الإسلامي وعلاقة المسيحيين والمسلمين. 

أول فيلم منع عرضه في مصر كان «لاشين» عام 1938 من إخراج الألماني فريتز كرامب، وبطولة حسن عزت وحسين رياض ونادية ناجي، ويروي قصة شخص اسمه لاشين كان قائدا لجيش أحد الحكام، وهو الذي يدير شؤون الحكم، في حين أن الحاكم لا يفعل شيئا، بل كان ضعيف الشخصية متعدد العلاقات النسائية.

وعندما شاهده بعض السياسيين قالوا للملك فاروق حاكم مصر أنه هو شخصية الفيلم، فطلب من أحمد حسنين رئيس الديوان أن يصدر قرارا بوقف عرضه.

«ليلى بنت الصحراء/ليلة البدوية» إنتاج 1937 يتحدث عن فتاة بدوية جميلة، تحب ابن عمها لكن ملك الفرس يدبر مؤامرة لاختطافها ويحاول اغتصابها، قبل أن يأتي ابن عمها لإنقاذها. عرض الفيلم لأول مرة عام 1937 باسم «ليلى بنت الصحراء» لكن اعتراض الحكومة الإيرانية عليه أدى لمنعه باعتباره يسيء إلى كسرى ملك فارس، ولم يعد إلى شاشات العرض إلا بعد ست سنوات بعد أن اشترطت الرقابة إدخال بعض التعديلات عليه وبعد تغيير اسمه إلى «ليلى البدوية».

من بين الأفلام التي منع عرضها لفترة أيضا فيلم «السوق السوداء» إنتاج 1945 كتابة وإخراج كامل التلمساني، يتناول قضية السوق السوداء التي ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية في مصر وأدت لبروز طبقة أغنياء الحرب.

بعد ذلك منع عرض فيلم «مسمار جحا» الذي قام ببطولته إسماعيل ياسين وعباس فارس وكمال الشناوي، أنتج بداية 1952 للمخرج إبراهيم عمارة، واستعرضت قصة الفيلم مساوئ العهد الملكي وتأثيرها على الفقراء.

وتم منع فيلم «الشيخ حسن» بطولة حسين صدقي وليلي فوزي وهدى سلطان، كونه يحرض على الفتنة بين المسلمين والمسيحيين.

وبعد ثورة 23 يوليو ظل فيلم «الله معنا» ممنوعا من العرض لسنوات طويلة لأن مجلس قيادة الثورة تخيل ان الفيلم يعظم دور محمد نجيب الذي كان مغضوبا عليه وقتها على حساب دور الرئيس جمال عبد الناصر.

«المتمردون» أيضا منع من العرض عام 1966 واتهم بالإساءة لسمعة مصر وللرئيس جمال عبد الناصر.

الفيلم إخراج توفيق صالح، وبطولة شكري سرحان وميمي شكيب، يتناول قصة طبيب يذهب للعلاج في إحدى المصحات النائية وسط الصحراء، وخلال تواجده هناك يكتشف عمق التفاوت بين مستوى الخدمة التي تقدم للمرضى الأغنياء وتلك التي تقدم للفقراء، فيقود تمرداً ضد إدارة المستشفى لكن السلطات تنجح في إخماده.

أما فيلم «شيء من الخوف « الذي أنتج عام 1969 فكان مهددا بالمنع لولا تدخل جمال عبد الناصر، حيث يروي قصة قرية تستولي عليها عصابة من اللصوص، يقودها عتريس الذي يغرم بإحدى بنات البلد فؤادة، لكنها تقود تمرداً ضد عصابته، ينتهى بإحراق السرايا التي يقطنها من قبل أهل البلد، منع الفيلم من العرض واعتبر أنه يرمز بشخصية عتريس إلى الرئيس عبد الناصر، استطاع مخرج الفيلم حسين كمال الوصول للرئيس شخصياً وقام بعرض الفيلم عليه فأمر عبد الناصر بعرضه فوراً وقال جملته الشهيرة: «إحنا مش عصابة وأنا مش رئيس عصابة وإلا كنا نستاهل الحرق».

كما منع فيلم «أبي فوق الشجرة» 1969 لفترة طويلة وهو بطولة عبد الحليم حافظ لاحتوائه على مشاهد القبل وخدشه الحياء العام.

امتد منع عرض الأفلام لفترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات وكانت البداية مع فيلم «العصفور» الذي أنتج في عام 1972 تأليف وإخراج يوسف شاهين، ويتحدث عن مرحلة الهزيمة بعد حرب 1967 ومنع لأنه يرمز لشخصيات معينة في السلطة، وسُمح بعرضه بعد حرب 1973 ولكن بعد حذف مجموعة من مشاهده. 

وفي عام 1973 منع فيلم «زائر الفجر» بعد أسبوع واحد من طرحه في السينمات، وتبدأ أحداث الفيلم عندما تستقبل شرطة النجدة بلاغًا بمقتل صحافية يسارية في شقتها، ثم ينتقل وكيل النيابة إلى مسرح الحادث ويحاول التوصل للقاتل ويأتي تقرير الطبيب الشرعي بأن الوفاة طبيعية نتيجة مرض الصحافية بالقلب. وبالبحث حول ملابسات وفاتها تتسع دائرة الجريمة من كونها وفاة طبيعية إلى جريمة قتل معنوية نتيجة للفساد الاجتماعي والقمع السياسي وملاحقة المعارضين وتصفيتهم.

ولم يعرض إلا بعد 3 سنوات من إنتاجه وأصيب مخرجه بالاكتئاب وذبحة صدرية توفي على إثرها.

أما فيلم «حمام الملاطيلي» للمخرج صلاح أبو سيف الذي أنتج عام 1973 فجاء في تقرير الرقابة إن سبب منعه هو انه يحتوي على مشاهد خادشة للحياء العام ومناقشته لقضية المثلية الجنسية. والفيلم بطولة شمس البارودي ويوسف شعبان ومحمد العربي. 

وواجه فيلم «وراء الشمس» من إنتاج عام 1978 اتهامات الخيانة والعمالة للمعارضين ومنع عرضه وهو من بطولة رشدي أباظة ونادية لطفي، وتدور قصته حول السجن السياسي بعد هزيمة 1967 ومنع نتيجة كشفه للانتهاكات وأساليب التعذيب التي حدثت خلال حقبة الستينيات.

أما فيلم «المذنبون» 1975 فلم يكتف النظام بمنعه من العرض بل أمر الرئيس الراحل أنور السادات بإحالة 15 من موظفي الرقابة للمحاكمة لموافقتهم على عرض الفيلم الذي وصفه بأنه يشوه المجتمع المصري.

وبعد عرضه بستة أسابيع صدر قرار وزاري بسحب فيلم «درب الهوا» أنتج عام 1983 لعرضه سوق الدعارة، إلى أن عاد إلى الشاشة الكبيرة عام 1991.

وواجه فيلم «البريء» عقبات كثيرة حيث ناقش قضايا حسّاسة كمفهوم الطاعة العسكرية، وفكرة تناقضها مع مصلحة الوطن، وفكرة الجلاد كصنيعة السلطة والّذي يتحوّل إلى النّقيض فيثور على صانعيه، ويصل حتّى القضاء عليهم. وفي 2005 سمح وزير الثّقافة المصري حينها بعرض النّسخة الأصلية على شاشة السينما في افتتاح مهرجان السينما القومي، أي بعد 19 عاما من إنتاجه، والفيلم بطولة أحمد زكي، ومحمود عبد العزيز، وجميل راتب، وممدوح عبد العليم.

أما فيلم «العقرب» الذي أنتج عام 1990 من إخراج عادل عوض، فتم منعه من العرض لاحتوائه على مشاهد جريئة. والمشاهد الجريئة أيضا كانت وراء منع فيلم «جنون الحياة» إنتاج عام 2000 حيث جسدت إلهام شاهين دور المرأة التي تكتشف خيانة زوجها محمود قابيل، لها فتقرر الانتقام وإقامه علاقة جنسية مع سائقها كريم عبد العزيز.

وما زال الفيلم ممنوعاً من العرض العام والتلفزيوني حتى الآن. 

آخر الأفلام التي تعرضت للمنع كان «حلاوة روح» الذي منعه رئيس الوزراء المصري السابق ابراهيم محلب، وحين سألوه عن الأسباب وهل شاهد الفيلم أم لا، قال «لم أره لكنني سمعت عنه» وكان الفيلم يعرض بالفعل حيث حصل على تصريح الرقابة، واستقال الدكتور أحمد عواض رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية من منصبه وقتها اعتراضا على القرار، وقام منتج الفيلم محمد السبكي برفع دعوى قضائية وبالفعل ربحها وتم عرض الفيلم بعد عدة أشهر من منعه. 

تدور أحداثه في إطار اجتماعي رومانسي لكن يظهر ولد في مشاهد جنسية مع جارته الجميلة، والفيلم من إنتاج محمد السبكي عام 2014 وإخراج سامح عبد العزيز.

أما فيلم «آخر أيام المدينة» للمخرج تامر السعيد فرغم عدم صدور قرار رسمي بمنعه، إلا أنه الم يحصل على تصريح جهاز الرقابة منذ عامين، ورغم قبوله في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة عام 2016 إلا أن إدارة المهرجان عادت ورفضت مشاركته بدون أسباب واضحة، والفيلم يناقش أسباب اندلاع ثورة 25 يناير.

 

القدس العربي اللندنية في

23.06.2018

 
 
 
 
 

آخر أيّام المدينة لتامر السعيد: فيلم عن القاهرة التي لا تنتهي

شيماء العبيدي

المدينة، هي صنع بشريّ بامتياز. لذا فهي تتماهى والروح الانسانيّة في جميع أبعادها وتتشكّل تجسيدا لتجليّات هذه الروح المتناقضة. المدينة استبطان لدواخل صانعها وترجمة ماديّة لكلّ المحسوسات المكثّفة للإنسان. تكتسب المدينة تعقيد الإنسان وتشتّته فتخسر تناغمها على مرّ السنين، تلبس اختناقه فترتفع مبان شاهقة تقطع نفس روّادها، تقام على سواعد المنتصرين فتخلّد روح الانتصار في زخارفها، وتبنى على أكتاف المهزومين فتتشقّق جدرانها سنة بعد سنة. تعيش المدينة كلّ ما يعيشه الإنسان، تغرق، تحترق، تسقط، تنهار تماما وتتجدّد في أشكال مختلفة في كلّ مرّة. بالمدينة روح أزليّة، تتلوّن دائما لتقول: "أنا لا شيء، سوى ما صنع الإنسان من نفسه".

مع كلّ هذا، تبقى المدينة أكبر من صانعها، هي المخلوق الذي تجاوز خالقه ليحتويه، ويكون سبب مأساته وانجازاته. خلقت المدينة من روح صاحبها ليلبس هو فيما بعد روحها، يؤثّر فيها ويتأثر بها إلى مالا نهاية.

سيكون من قبيل التعسّف إذا اختصرنا علاقة الإنسان بالمدينة في صيغة واحدة أو نوع واحد من العلاقات، ليس لأنّه منطق خاطئ، لكن لأنّها ضحيّة موجة الفردانيّة الطاغية على العالم اليوم، لتكون لكلّ فرد وجهة نظر خاصة به. "بغداد مو مدينة، بغداد صديق"، هكذا تحدّث حسن، أحد شخصيات تامر السعيد في "آخر أيّام المدينة"، الفيلم الذي يجعل من القاهرة شخصيّته الرّئيسيّة، ويحوّلها إلى مركز تحوم حوله كلّ الموجودات.

كثيرة هي المدن، ولا يتحوّل سوى العظيم منها إلى هاجس، فنرى القاهرة في السينما المصرية اليوم، كما كنّا نرى روما في موجة الواقعية الإيطاليّة الجديدة، وكما كنّا نرى برلين تتصدّر بحسنها وخيبتها عناوين ومعلّقات الأفلام الألمانيّة. " آخر أيام المدينة"، ينطلق من هذه التجارب في تجسيد المدينة، لكن سرعان ما يتجاوزها، كاسرا كلّ الحواجز الزجاجيّة التي تستعملها القاهرة لتوهمك بأنّك تعرفها، تاركة في قلبك نقطة سوداء، هي ذلك الغموض. عند مشاهدة الفيلم، نفكّر أنّ تامر السعيد لا يعيش في القاهرة إنّما يعيش معها، فتكرّمت عليه بأن أرته ما لم يره غيره.

الكثير ممّا ذكرناه، وما لن يفينا ذكره نصّ واحد، هو روح "آخر أيام المدينة" الذي تماهى مع القاهرة شكلا ومحتوى.

عن محتوى الفيلم، يجيبنا تامر السعيد بكلّ اقتضاب" هو فيلم عن ازاي شخص يواجه العالم وهو ينهار من حوله، وهو وحيد". القاهرة مكان مكتضّ، يعجّ بالخلق والمخلوقات وبالأشياء، بها أضعاف من كلّ شيء يمكن أن نراه بمدينة أخرى، لا تعطي سوى بغزارة، لذلك هي لا تأخذ سوى بكثافة. كلّ هذا نراه في الفيلم، نشعره ونعيشه بقوّة، في الأصوات المتعالية لكلّ شيء، الناس والسيارات والأشغال والاحتفالات والمظاهرات وفي الحركة أيضا وطبيعتها، نراه وراء زجاج المغازات وعلى وجوه المارين وفي المباني وفي الصمت. في الفيلم، لا يخرق تامر السعيد القاعدة بل يؤكّدها، أنّنا لا نعيش وحدتنا ولا نمارس فعليّا صمتنا سوى في قلب الاكتضاض، وأنّه ليس هناك أرضيّة خصبة أكثر من الفوضى والضغط، حتى نلتفت إلى أنفسنا، فلا معنى لدواخلنا لو لم نجد لها انعكاسات في كلّ ما يحيط بنا. هكذا كان خالد، شخصيّة الفيلم، يتغذّى من المشاهدة والاستماع واللمس، لأنّ فيض القاهرة بكلّ شيء يغذّي الحواس. لا يوجد أيّ سرّ في الفيلم، لا غموض ولا ما يدعو للفضول، لقد تعرّت المدينة أمامنا وأمام تامر، عاشقها، الذي قدّم لنا من خلال الفيلم فرصة للتوقّف أمامها وتأمّلها دون أن نكون مجبرين على الرّكض وراء نسق سريع أو حدث نأمل أن يحصل. لا يوجد حدث قادح، لا نهاية سعيدة ولا تراجيديا ولا أيّة عقدة، نحن في " آخر أيّام المدينة"، أمام حالة انهيار ثابتة وسقوط متواصل دون أيّة نهاية.

تحمل القاهرة تناقضات لا يمكن عدّها، ما يجعل منها مكانا ينتفي فيه كلّ شعور بالاختلاف والغرابة، هي مكان أليف، طيّع لدرجة القدرة على استيعاب كلّ حمل وثقل، هي مدينة لا يمكن أن تشعر بها أنّك هجين. لهذا، حوّلها تامر السعيد في فيلمه إلى مرآة لمدن أخرى، لا تقلّ عنها حملا تاريخيّا وثقافيّا وانهيارا راهنا تعود بدايته إلى عقود. حسن وطارق من العراق وبسام من لبنان، هم أصدقاء خالد (البطل)، يتقاسمون معه السؤال، يحملون مثله نفس الهاجس، ويراقبون، كما يفعل هو، سقوط مدنهم عاجزين عن الحركة. هناك منهم من أدّى به هذا العجز إلى الهروب، هناك من زجّ به إلى الموت ومن انتهى كارها كلّ شيء. أمّا عن خالد، فلا شيء.

في شكله، يلبس الفيلم لون الحزن، "الأصفر"، لتكون عمليّة تصحيح الألوان، لغة في حدّ ذاتها وسط الفيلم. تلعب الكاميرا في الفيلم دورا استثنائيّا، فهي،على عكس العادة، ليست كاميرا ذاتية ترينا ما تراه الشخصيّة، إنّما ترينا ما يمكن لأيّ زائر أن يرغب برؤيته، حيث تجد نفسك غير قادر على التزام الثبات. في شوارع القاهرة، من شأن كلّ تفصيل أن يشدّ انتباهك ويدعوك للنظر إليه بتمعّن، لهذا نجد كاميرا السعيد تجيل نظرنا نحو كلّ شيء، متمنّين أن تتوقّف قليلا، حتى نشاهد أكثر.

خانقة هي القاهرة، وفيها لمن يحب الحياة الكثير من الفسح. هكذا اختنق آخر أيام المدينة، حيث ندرت فيه اللقطات العريضة، فسجن كلّ شيء بين لقطات كبيرة ومتوسّطة، لكنّه كتب بفيض من الإحساس يخرجك من كلّ لقطة إلى مجالات شاسعة من التخيّل والتأمّل. لا تحمل القاهرة حقيقة واحدة، وإن كان لها حقيقة، فهي لا تقدّمها لأحد، فالسؤال الدّائم، هو أحد أهمّ أركان عبادتها وأسس العيش فيها. لم يقدّم تامر السعيد عبر فيلم أيّ حقيقة سينمائيّة، هو بالعكس، ساءل الحقيقة في حدّ ذاتها وساءل السّينما أيضا في معناه وفي الشاكلة التي يجب أن يقدّم عليها هذا الفنّ. لا ينتهي آخر أيّام المدينة عند كونه فيلم، فقد تجاوز ذلك ليكون تجربة سينمائيّة يجب أن تطرح يوما ما للدراسة. لا توجد حدود في الفيلم، ولا نستطيع خلاله إيجاد الفرق بين الواقع والتمثيل، فقد صوّر تامر المراحل الروائيّة في الفيلم بتقنيات تصوير الفيلم الوثائقي، وأضاف لمسة جماليّة وحكائيّة على مراحل التصوير المرتجلة للحياة اليوميّة في مصر. مع هذا الفيلم، نراجع معنى الارتجال، ونعيد النظر في فكرة الفصل بين الفيلم الروائي والفيلم الوثائقي. علينا أن نتساءل كثيرا حول كلّ ما شاهدناه في آخر أيام المدينة، أمّا عن تامر، فقد أجاب بكلّ أريحيّة بعد ما تعلّمه من تجربته مع الفيلم. الإجابة، هي الحريّة.

الحريّة، أو التوق إليها، هو ما جعل من تجربة الفيلم تمتدّ على عشر سنوات، تلك الرغبة في القيام بشيء لا تتدخّل به سلطة من يتبنّاه ماليّا. تجربة صعبة ومريرة، نتذوّق لذّتها حين ينتهي كلّ شيء، ونعلم أنّنا قمنا بكلّ ما نريد، ونعلم أنّنا حينها فقط سنبدأ من جديد.

آخر أيّام المدينة، هو شهادة تدوم ساعتين عن القاهرة، بطاقة هويّة لمدينة يغطّيها الحشد حين يستيقظ وتتعرّى عندما ينام الجميع.

 

مجلة مسك في

06.06.2018

 
 
 
 
 

تامر السعيد: «آخر أيام المدينة»... قبل الطوفان

شفيق طبارة

«لإظهار تناقضات المدينة (...) وتزايد العنف (...) وتوثيق صمت أولئك الذين يرون مدنهم، وقد غزاها القمع والجهل والتطرف» هذا ما قاله تامر السعيد عن فيلمه «آخر أيام المدينة» (٢٠١٦). عندما نقرأ هذه الكلمات، نرى طموح المخرج المصري في فيلمه. كلماته ليست سهلة. وتقديم هذه الأفكار بطريقة سينمائية، خصوصاً أننا نتكلم عن مدينة كبيرة مثل القاهرة لديها خصوصيتها، ليس بالأمر الهين. لكن تامر السعيد (1972) نجح في تحويل كلماته إلى الشاشة الكبيرة بلغة سينمائية فريدة ونادرة نوعاً ما في السينما العربية.خلال مشاهدة الفيلم، ومع تتابع المشاهد، نجد أنفسنا أمام عمل يستحق كل دقيقة أنفقت عليه (استغرق تصوير الفيلم سنوات أو صوّر على سنوات عدة). يرصد العمل العلاقة «الجدلية» لا «الإشكالية» (سنعود لاحقاً إلى مسألة الجدلية والإشكالية في العلاقة مع المدينة) بين خالد (خالد عبد الله) ومدينته القاهرة. يحاول خالد أن يستعيد علاقته بها، عبر استرجاع أيامه السعيدة فيها من خلال صناعة فيلم لا يكتمل، ويبحث عن سكن لا يستطيع الحصول عليه.

تدور الأحداث في فترة زمنية دقيقة هي «آخر أيام المدينة». مدينة توشك على أن تعانق الحرية التي تتوق إليها (ثورة 25 يناير). تأخذنا كاميرا تامر إلى القاهرة المزدحمة التي يخنقها الضجيج، بهشاشتها ووجوه أهلها المتعبة مثلها. يأتي صوت المذياع لينقل لنا الصورة التي يروج لها الإعلام الرسمي الذي يبحث عن متنفّس للغضب الذي يحتقن ويعلو في الشارع على شكل تظاهرات واحتجاجات متفرقة هنا وهناك. يولي الشارع وجهه إلى مشكلات ومباريات المنتخب الوطني، فيحمل أعلام بلاده فقط ليحتفي بانتصارات المنتخب، وينسى هزائمه المتتالية لصالح انتصار رياضي. تبقى القاهرة وسكانها بين موجات التدين الظاهري، وتزييف السلطة للصورة؛ تنتقل الكاميرا مع خالد بين شوارع وسط البلد والمستشفى الذي ترقد فيه والدته، وأماكن طفولته لإيجاد مكان له في مدينته. يرصد الفيلم اللحظات السابقة للتمرد، ويتركنا لإكمال ما سيحدث للمدينة ولسكانها: فإمّا أن تبادله الحب أو تخذله مرة جديدة.

قدم تامر السعيد فيلمه بطريقة جعلتنا غير مدركين تماماً ما إذا كان شريطاً تسجيلياً أم روائياً. من خلال هذه الطريقة، أثبت أن فيلمه، والسينما بشكل عام، يمكن أن تكون تنبؤية، تجعلنا نرى أشياء لا يمكن أن نراها إلا عبر عدستها، عبر وضع طبقات الصور فوق بعضها، لنرى تفاصيلها الدقيقة. من خلال طريقة تقديمه للصور، أثبت السعيد أن «ثورة يناير» ليست فجائية (على الرغم من أن الفيلم ليس عن الثورة). وقد يقول العكس مَن لم يراقب بطريقة صحيحة ما يحدث.

لم يجمّل المخرج القاهرة. لقطاته التسجيلية لم تكن إستيطيقية، لكنه دعانا إلى رؤية الجمال فيها. القاهرة جميلة في الفيلم من دون تزويق، مثل مشهد المرأة التي تسمع أم كلثوم وتدخّن على الشرفة. المرأة عجوز، جميلة مثل القاهرة، لكنها تبدو كهلة مثقلة بالضجيج والتراب ووجوه الناس الحزينة. لم يفرض تامر رؤيته علينا، بل شاركنا في الفيلم ومشاهده كي يوصل لنا ما يريد قوله كمشهد المصعد عندما يسمع خالد دعاء الركوب رغماً عنه، وكيف أن الناس يتأخرون عن موعدهم لأنهم يصلّون وليسوا على دراية أصلاً بالموعد المتفق عليه. نرى بأعيننا هذا التدين الظاهري (المدّ الإخواني) البعيد عن أصول الدين. أما في المشهد الذي يسمع فيه خالد من أبلة فضية أنها لا تتذكر شيئاً عن والده، فلم يُرِنا المخرج إحباطه، بل أحبطنا معه من دون أن يقول خالد إنّه محبط. وهنا تأتي مهارة المخرج في إشراك المشاهد في الفيلم، إذ لم نكن مجرد متفرجين.

تجتمع بيروت والقاهرة وبغداد في الفيلم على الهمّ نفسه.

قدم تامر السعيد تداخلاً بين القاهرة ومدينتَي بيروت وبغداد من خلال قصص ومشاهد أصحاب خالد مع مدنهم. بيّن لنا أن «العواصم» في منطقتنا تشبه بعضها، مهمومة، باختلاف مشاكلها. وهنا نعود إلى العلاقة الإشكالية والجدلية بين المواطنين ومدنهم. علاقة أصحاب خالد مع مدينتَي بيروت وبغداد إشكالية، لديهم مشاكل مع مدنهم، يكرهونها في لحظات، ويحبونها في لحظات أخرى وعلاقتهم بها غير واضحة تماماً. العلاقة الإشكالية هي كشيء ليس له جواب محدد، أو ربما له أكثر من إجابة ليس من بينها إجابة واضحة مُجمع عليها، مثل إشكالية من جاء أولاً البيضة أم الدجاجة. أما علاقة خالد (وإذا صح القول علاقة تامر السعيد، لأن الفيلم هو على شكل سيرة ذاتية)، فهي علاقة جدلية مع المدينة. علاقة بتأثير متبادل قد يكون عكسياً. علاقته بها كعلاقة المرأة الفلسطينية التي تزرع الزهور والخضار في فوارغ القنابل. القنابل التي تتسبب في موت من حولها، أحالتها هي أواني زرع تنتج الحياة. خالد أو تامر يحبّ القاهرة، كعشيقة، لكنها تخونه وتخذله في كل مرة.

 

الأخبار اللبنانية في

16.04.2020

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004