ملفات خاصة

 
 
 

هل يتدخل وزير الثقافة المصري؟

أمل الجمل

عن فيلم

«آخر أيام المدينة»

   
 
 
 
 

التصريحات الصادرة عن مسؤولي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في شأن استبعاد الفيلم المصري «آخر أيام المدينة» للمخرج تامر السعيد من المسابقة الرسمية للمهرجان- وتعنتهم في رفض عرضه بأي من أقسامه المختلفة وفق اقتراح عدد من كبار المخرجين المصريين الذين تدخلوا لحل الأزمة- تُعد سابقة نادرة من نوعها بين المهرجانات السينمائية الدولية الخمسة عشر المصنفة فئة «أ» وفق الاتحاد الدولي للمنتجين FIAPF، ما أصاب الكثيرين بالغضب وجعل البعض يُعبر عن فقده الثقة في إدارة المهرجان، واصفين سياستها بالتناقض وعدم الشفافية والإصرار على اتباع أسلوب يتسم بالازدواجية في التعامل بتمييز الفيلم الأجنبي وتفضيله على نظيره المحلي لأسباب لا يفهمها كُثر من صناع السينما ونقادها حتى الآن. فالبيان الصحافي الصادر عنهم مليء بالمغالطات؛ إذ يذكر أن «المدير الفني يوسف شريف رزق الله طلب من المخرج تامر السعيد أن يتوقف عن إرسال فيلمه للمهرجانات الأخرى لحين عرضه في مهرجان القاهرة»، وأن رزق الله كان قد رشح «آخر أيام المدينة» في البداية إلى قسم «آفاق السينما العربية»، وكلا الأمرين نفاهما مخرج الفيلم تامر السعيد مؤكداً لـ «الحياة»، أن رزق الله طلب منه في البداية أن يشارك الفيلم ضمن قسم «أفلام مصرية مشرفة» لعرضه على الأجانب، فردَّ عليه السعيد بأنه طوال الشهور الماضية يعرضه على جمهور الأجانب. وهو إن ضحى بعرضه في مهرجاني دبي وقرطاج ووافق على عرضه في القاهرة السينمائي سيكون ذلك حتى يشاهده المصريون وليس الأجانب. فهو فيلم صُنع عن مدينة القاهرة وحلمه أن يُعرض في تلك المدينة التي يحتفي بها.

زحمة مهرجانية؟

ثم يخرج علينا ثانياً رزق الله بتصريح متلفز محاولاً التبرير بحجج يقول فيها: «طلبنا من المخرج أن «يخِف» من المشاركة في المهرجانات في الشهور التالية والتي تسبق انعقاد مهرجان القاهرة حتى لا يكون (القاهرة السينمائي الدولي) في ذيل المهرجانات، لكننا فوجئنا بأنه بعد مشاركته في مهرجان لندن شارك أيضاً في مهرجان في مونتريال ثم في شيكاغو وفيينا، ويبدو أن القائمة لا تنتهي». بعيداً من الاستنكار المتصاعد - من السينمائيين والمثقفين المصريين الذين أصدروا بياناً وقَّع عليه ما يقرب من الثلاثمئة - في شأن مغالطات إدارة المهرجان، أو في ما يخص كلمة «يخِف» ومدلولها أو المقصود منها بدقة في تصريح رزق الله السابق. إذ لم يُوضح عدد المهرجانات المسموح به والذي يعادل كلمة «يخف»؛ خصوصاً أن اللائحة ليس بها ذكر لهذا الأمر. لكن المدُهش والمثير للتساؤل وربما الريبة– أساساً بسبب التناقض وسياسة ازدواجية المعايير- فالفيلم الإسباني «ميموزا» Mimosas- الذي ساهمت في إنتاجه فرنسا والمغرب وقطر وإسبانيا شارك في أكثر من 12 مهرجاناً حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ أي قبل بدء المهرجان القاهري بأسبوعين، ما يعني إمكان مشاركته في أكثر من مهرجان آخر فيُصبح «القاهرة السينمائي» في ذيل القائمة. كما أنه مخالف للائحة المهرجان لأنه شارك في مهرجاني موسكو وكارلوفي فاري، وهما ضمن قائمة الـ15 مهرجاناً فئة «أ» وفق تصنيف الاتحاد الدولي للمنتجين FIAPF والذي تنص لائحته على أنه لا يجوز لمهرجان القاهرة أن يقبل في مسابقته الرسمية أحد الأفلام التي شاركت فيها. وهو الأمر الذي تكرر مع أفلام أخرى اختارها منظمو مهرجان القاهرة للمشاركة في المسابقة الرسمية ومنها على سبيل المثل: Kills on Wheels - A good wife وتكشف قائمة عروض الفيلم الأخير على المواقع السينمائية في الشبكة العنكبوتية أنه شارك في مهرجاني موسكو وكارلوفي فاري؛ أي أنه بذلك يكون مخالفاً للائحة الـFIAPF ، كما أنه قبل أن يصل إلى مهرجان القاهرة سيكون قد شارك في 19 مهرجاناً. إذاً لو طبقنا معيار رزق الله الذي استبعد به فيلم تامر السعيد سنكتشف أن فيلم A good wife هو أيضاً جعل «القاهرة السينمائي» في ذيل القائمة، فلماذا استبعدوا «آخر أيام المدينة» بينما قبلوا الفيلم الصربي؟!

لا يوجد أي بند في اللائحة يشترط عدم العرض في منطقة الشرق الأوسط. يُشترط فقط ألا يكون العمل قد عُرض في مصر حتى يُسمح له بالمشاركة في المسابقة الدولية في مهرجان القاهرة، لكن على أرض الواقع والحقيقة التي تؤكدها التجارب السابقة للمخرجين المصريين نجد أن «القاهرة السينمائي» لا يقبل في مسابقته الرسمية أي فيلم مصري عُرض في منطقة الشرق الأوسط. وهو أمر قد لا نلومهم عليه نظراً إلى المنافسة الشرسة بين المهرجانات العربية، لكن ما يُؤخذ عليهم هنا هو الازدواجية، فلماذا يُطبقون ذلك المعيار أو «العُرف» على الفيلم المصري فقط بينما يستثنون الفيلم الأجنبي؟ فالشريط السينمائي «آخر أيام المدينة» تنطبق عليه اللائحة تماماً وكذلك العُرف الذي يتعامل به المسؤولون في المهرجان، فهو لم يُعرض في أي مهرجان أو قاعة عرض سينمائية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، لكن تم استبعاده، في حين يتم الترحيب والتهليل للفيلم الإسباني «ميموزا» الذي سبق عرضه تجارياً في بيروت يوم السابع من تموز (يوليو) الماضي. وكذلك الفيلم الجزائري «حكايات قريتي» الذي تم اختياره للمسابقة الرسمية سبق عرضه في مهرجان عنابة في الجزائر منذ أسبوعين. إذاً فلا هو عرض عالمي أول ولا عرض عربي أول، وهو الأمر الذي تكرر في العام الماضي مع فيلم «مدام كوراج» الذي سُمح له بالاشتراك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة رغم عرضه قبله في مهرجان في إسرائيل، بينما استبعد منظمو مهرجان القاهرة فيلم «قدرات غير عادية» للمخرج داود عبدالسيد لأنه عُرض في مهرجان دبي السينمائي الدولي.

بعد الخيبات المتلاحقة

والآن، بعد أن كان مهرجان القاهرة السينمائي يُعاني من عزوف مخرجي السينما المصرية – الذين تنتمي أعمالهم إلى الآرت هاوس- عن العرض داخل مسابقتهم، مُفضلين عليه مهرجان دبي لأسباب مادية وترويجية، فإن ما حدث مع فيلم تامر السعيد ستكون له نتائج خطيرة؛ منها تضخم أزمة الثقة إزاء المهرجان القاهري، فأي مخرج لن يثق بوعود ودعوات هذا المهرجان؛ لأن ما حدث مع «آخر أيام المدينة» وارد أن يتكرر مع آخرين. ومن هنا نتوقع أن مخرجي السينما المستقلة الجادين - السائرين خارج إطار السينما التجارية المبتذلة والركيكة – سيفضلون دائماً عرض أفلامهم في دبي أو في أي مهرجان عربي آخر له صدقية، ولن يلومهم أحد لأن لديهم تجارب سابقة مؤلمة تعيد طرح التساؤل: لماذا يُسمح للفيلم الإيطالي والإسباني والصربي والجزائري، بينما يُحرم الفيلم المصري المستقل «آخر أيام المدينة» والذي لم تشارك أي من مؤسسات الدولة أو وزارة الثقافة المصرية في دعمه وظل صاحبه يجري هنا وهناك على مدار عشر سنوات باحثاً عن دعم مادي أو لوجيستي أو معنوي حتى يُنجزه كما يريد وليتفادى أي تدخل من جهة إنتاجية قد تفرض شروطها؟! فهل يكون عقاب الجيل الجديد الذي يُقدم سينما مغايرة أن يُحرم من العرض في مهرجان بلاده والذي تأتي موازنته من أموال دافعي الضرائب ومن موازنة وزارة الثقافة التي يُصرح وزيرها حلمي النمنم مراراً بأنه حريص على دعم السينما المصرية وصناعها؟ فأين هذا الدعم وأين موقف الوزير من تصرفات المسؤولين في مهرجان القاهرة السينمائي؟! هنا لا يمكن للمرء سوى أن يستعيد بمرارة طافحة تلك الكلمات التي لحنها وغناها المبدع سيد درويش في أوائل القرن الماضي: «أهو ده اللي صار وأدي اللي كان، ملكش حق تلوم عليَّ، تلوم علي إزاي يا سيدنا، وخير بلادنا مهوش في إيدنا».

الحياة اللندنية في

04.11.2016

 
 

رانيا يوسف تكتب:

“كلاكيت تاني مرة”

المهرجان الدولي الذي حوله السينمائيون إلي خناقة شوارع

عزيزي القاريء هذا المقال يقرأ بإشراف عائلي، هو لا يحتوي علي ألفاظ مسيئة ولا مشاهد جنسية ولكن قد يحتوي علي كام مشهد أكشن، الجميع في هذا المشهد أعصابهم مشدودة عقولهم غائبة لسانهم سريع الغضب، يتراشقون السباب علي مسمع من الجمهور، وكأنهم فعلاً في خناقة تنقصها المطاوي والسنج، يا أيها السينمائيين مرهفي المشاعر، صانعي الإبداع أعطيتم درساً صادماً للجمهور ، أنتم يا أهل الفن كُنتُم من أرقي وأرق صانعي البهجة، فقدتم في لحظة غضب ثقة الجميع بكم.

بدأت المشاجرة رسمياً علي موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك الذي تحول في خلال ساعات الي ساحة قتال بين بعض السينمائيين، مخرجين، كتاب، نقاد، صحفيين، انقسمت الجبهات في هذة الحرب الافتراضية بين جبهتين، أو هكذا قام كل فريق بتصنيف من خالفه الرأي، لا نختلف جميعنا انزعجنا من خبر استبعاد إدارة مهرجان القاهرة السينمائي لفيلم “اخر ايام المدينة”، وهو العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه تامر السعيد، الفيلم عرض لأول مرة ضمن فعاليات الدورة السادسة والستين لمهرجان برلين في شهر فبراير الماضي ضمن قسم منتدي السينما الجديدة، وجاءت كل المقالات التي كتبت حول الفيلم سواء في الصحافة العربية أو العالمية تشيد بعمل سينمائي راقي وهام يترك بصمة مهمة للسينمائيين الشباب في السينما المصرية، واستبشرنا خيراً عند إعلان مهرجان القاهرة عن مشاركة الفيلم ضمن المسابقة الدولية التي تضم فيلم مصري آخر هو “يوم للستات” للمخرجة كاملة ابو ذكري، للعام الثاني علي التوالي يشارك فيلمان من مصر في المسابقة الدولية، خبر مبهج بالفعل ، لكن أيام قليلة وأعلن المهرجان استبعاد الفيلم لسبب وجده صناع الفيلم والمتضامنون معهم يحمل الكثير من المغالطات ولا يتساوي مع اشتراك افلام اخري في نفس المسابقة، جميعهم عرضوا في مهرجانات سابقة .

إلي هنا يوجد طرفا نزاع ، مخرج الفيلم وإدارة المهرجان، تبادل الاثنان البيانات والمعلومات، وبالطبع الجميع يريد مشاهدة الفيلم، عرضه خارج القاهرة حتي وإن شارك في كل مهرجانات الدنيا في كفه، وعرضه أمام جمهوره الذي صنع به ومن أجله الفيلم في كفة أخري، هو النجاح الحقيقي، فمن حق المخرج الدفاع عن وجود فيلمه في المسابقة وللمهرجان حق الرد، وللسينمائيين السباب تخيلوا، انصرف كل منهم إلي جبهته رافعين راية الشتائم إلي حد “فرش الملاية”، لكل من اختلف معهم اتهموه بالجهل والتواطؤ ،ومن لم يبد أي موقف أصلاً اتهموه بالجبن، الجميع خاين والجميع كاذب والجميع متواطئ والجميع يخضع للمصالح الشخصية، هستيريا أصابت الوسط السينمائي في مصر خلال أيام قليلة فضحت الكثير وأصبح كل من له ثأر عند احد ينتهزها فرصة للزيطة عليه، غاب الهدف الأساسي وطفا علي السطح مواهبهم الحقيقية في الردح، نشر المخرج أمير رمسيس رسالة بعثها إليه مخرج آخر تحمل سباب لو كنّا في دولة تعترف أن السباب جريمة اخلاقية لعوقب هذا المخرج علي ما كتبه، لم نتوقف عند السباب، تطور الانفعال الي نشر وقائع من خلف الكواليس تخص المهرجان خلال الدورات الماضية، وتخص بعض المخرجين وأعمالهم وحقيقة تهافتهم علي الحصول علي المنح الإنتاجية وتفضيلهم لمهرجان دبي علي مهرجان القاهرة، وتعنت الإدارات السابقة للمهرجان في قبول افلام مصرية دون اخري، مع العلم ان هذا من حق اي مهرجان، لكن مع الايمان التام الذي يملأ المصريين بسياسات الشللية وأحزاب المصالح كل الظنون مستباحة، الملاية امتلأت عن آخرها وأصبح المهرجان في وادي وصناع الفيلم في وادي والمتراشقون بالفضائح في وادي آخر.

لم تنته المعركة حتي لحظة كتابة هذة السطور، ولكن انتهينا إلي أننا لن نري الفيلم الا لو قرر صناعه عرضه تجارياً في دور العرض، مشاهدة هذا الفيلم أصبحت واجب قومي لا يقل عن مقاومة الاٍرهاب، الطريف أن جميع الأطراف ستتوحد يوم عرض الفيلم في قاعة العرض ، الجميع حقاً يتلهف لمشاهدته، ننتظره داخل المهرجان أو خارجه، في دور العرض أو في عرض خاص، المهم عند الجمهور أن يري الفيلم اما شرف مشاركته في مهرجان القاهرة أو غيره يخص صناع العمل وحدهم.

بوابة يناير المصرية في

06.11.2016

 
 

«آخر أيام المدينة»..الحكاية فيها إنَّ!

طارق الشناوي

هل هى الحقيقة تماما أم أن هناك أشياء أخرى لم يأت بعد أوان إعلانها، أتحدث عن فيلم (آخر أيام المدينة) للمخرج تامر سعيد وبطولة خالد عبدالله الذى كان عنوانا للسينما المصرية فى مهرجان (برلين) فى شهر فبراير الماضى، ومن بعدها شارك فى أكثر من عشرة مهرجانات.؟

قبل أن نسأل عن حقيقة أسباب منعه من مهرجان القاهرة السينمائى إليكم أولا قصة كيف شارك فى المهرجان.

كنت أنا حلقة الوصل فى تقديمه للقاهرة، لأن لائحة المهرجان تسمح، فهو لم يشارك رسميا فى التسابق عند عرضه فى برلين بل فى قسم (المنتدى) الذى يعتنى بالتجارب الجديدة، وطبقا للائحة مهرجان القاهرة، فالأمر لا يشكل أى عائق تنظيمى، وجدت ترحيبا من تامر بل تستطيع أن تقول أمنية أن يعرض الفيلم رسميا بالمهرجان، ليراه المصريون، وهو ما وجدت عليه أيضا ترحيبا مماثلا على الجانب الآخر من كل من ماجدة واصف رئيسة المهرجان ويوسف شريف رزق الله المدير الفنى، علاقتى بالمهرجان لا تتجاوز أننى عضو باللجنة الاستشارية العليا، وهى لجنة متطوعة بالعمل، من بين أعضائها يسرا ومريم ناعوم ومحمد حفظى ومنى ذوالفقار والناقد أحمد شوقى وعمرو قورة، كان التخوف الذى أبداه يوسف وهو بالطبع محق، أن الفيلم تردد مشاركته فى مهرجان (قرطاج) ولا يجوز أن يعرض بالقاهرة بعد عشرة أيام من قرطاج، وأكد لى تامر أنه حدث تواصل بالفعل مع مهرجان قرطاج وعدد آخر من المهرجانات العربية ولكنه لو حصل على وعد من القاهرة لن يعرضه بقرطاج أو أى مهرجان عربى آخر، وأنه يشرفه أن يسبق مهرجان القاهرة الجميع فى العرض على المستوى العربى، فهذا هو جمهوره الذى ينتظره.

لست أدرى هل تقدم تامر بالعرض على الرقابة المصرية قبل عرضه فى برلين، أم أنه عرضه هناك بدون علم الرقابة هنا، لقد كان المخرج محمد دياب محترفا فى اللعب مع الرقابة المصرية، بفيلمه (اشتباك) وتقدم بالنسخة قبل عرضه بقسم (نظرة ما) حتى يضمن ألا تبدأ الأسئلة بل والاتهامات التى من الممكن أن تلاحقه لو عرضه مباشرة هناك نظرا لحساسية القضية التى يتناولها الفيلم، ولكن وافقت الرقابة مبدئيا على العرض فى (كان) لأنها بالطبع وبعد الإعلان عن ترحيب (كان)، كان من المستحيل سياسيا إعلان الرفض أو حتى الحذف.

موافقة الرقابة للعرض بالمهرجان حتى لو كانت غير ملزمة من الناحية القانونية للعرض فى الداخل، إلا أنها تمهد الطريق للموافقة على العرض العام، ولو تابعت (اشتباك) فى علاقته الرسمية ستجد أن الدولة وافقت على العرض الجماهيرى على مضض وبعد إضافة لوحة بما معناه أن أحداث الفيلم تدور عقب عزل مرسى عن رئاسة الجمهورية ونزول جماهير تنتمى للإخوان لإيقاف التحول السلمى للسلطة، اعترض دياب على اللوحة بينما حفظى الذى شارك بالإنتاج، تفهم موقف الرقابة ومعنى تعبير تفهم أنه لم يوافق إلا مضطرا لضمان عرض الفيلم، كانت هناك تعليمات سرية تقضى بعدم الترحيب به، وبالفعل لاحظت أن أكثر من دار عرض فى مناطق تعتبر هى الجمهور المستهدف الرئيسى للفيلم لم تقدمه على الشاشة، أى أن أصابع الدولة كانت حاضرة مع (اشتباك) بشكل مباشر أو غير مباشر، فهل هى حاضرة أيضا فى منع عرض (آخر أيام المدينة) بالمهرجان، مما اضطر ماجدة واصف ويوسف شريف رزق الله إلى الاعتذار لتامر عن عدم المشاركة بحجة أنه عرض فى العديد من المهرجانات خارج العالم العربى، لم أشارك أو أعرف تفاصيل الاتفاق بين إدارة المهرجان وتامر سعيد، وهل تمت الموافقة رسميا على بعض المشاركات فى المهرجانات التى سبق للمخرج الارتباط بها، أم أن الأمر لم يكن محسوما بدقة من البداية وترك الباب مواربا لتامر فى العرض وترك أيضا الباب مواربا للمهرجان فى الرفض، ما يتصوره صُناع الفيلم أن الدولة لا ترحب بعرض الفيلم، ووجدت أن يأتى الرفض من المهرجان لأسباب تنظيمية وليست سياسية.

الفيلم وكما سبق أن تناولته هنا فى (المصرى اليوم) انتظر كل هذه السنوات التى وصلت إلى خمس حتى يعرض فى مهرجان (برلين) داخل قسم يعتنى بالتجارب التى تحمل عادة طموحا سينمائيا، معوقات عديدة لعبت دور البطولة فى تعثر التجربة عن الانطلاق لا تخص فقط الفيلم ولكنها تنسحب على صناعة السينما المصرية التى لا ترحب سوى بالإنتاج التقليدى وتتوجس خيفة تجاه كل ما هو مختلف، أو لديه مجرد شروع فى أن يصبح نفسه على الشاشة.

الرهان الصعب أن يتأجل عرض الفيلم- أى فيلم- عن موعده الطبيعى ورغم ذلك تستشعر أنه ولد فى هذه اللحظة وأن سنوات التأجيل كانت هى تحديدا سنوات الاكتمال، حيث يثير بداخلك الكثير من الأسئلة التى تصاحبك قبل وأثناء وبعد المشاهدة.

الفيلم تم تنفيذه قبل الثورة أقصد 25 يناير، وبرغم أن مخرج الفيلم والذى ساهم أيضا فى الكتابة والإنتاج تامر السعيد كان يرصد حالة التمرد فى مصر ضد حكم مبارك، تامر شارك فى الثورة ولكنه لم يشأ أن يضع خط الثورة وإجبار مبارك على التنحى لتصبح هى الذروة للشريط السينمائى، لأنها كانت فى هذه الحالة ستحجب الرؤية عن هدفه العميق، ما يقدمه الفيلم من فساد لم ينته بإزاحة رأس النظام، فلا يزال يعشعش بالمدينة جذور الفساد الذى يحميه سدنة متخصصون فى تسويق أنفسهم فى كل العصور، مدعوما هذه المرة بالبذاءة التى أصبح لها رواد تحميهم الدولة، ربما لأنها تعلم أن لهم دورا ما سيسند إليهم فى اللحظة المناسبة.

القاهرة هى العشق وتحديدا قلب العاصمة (وسط البلد)، خالد عبد الله يؤدى دور المخرج، وهو يلتقط كل شىء، مظاهرات (كفاية) التى لعبت دورا فى طرق الباب وتفضح بصوت عال سيناريو التوريث.

كتبت فى نهاية المقال، الثورة كانت هى الضرورة والحل والحسم، وتوقف الفيلم عن الكلام المباح، ويبقى السؤال هل تسمح الدولة فى ظل حالة نراها جميعا من انحسار مساحات الحرية وإغلاق الأبواب، هل يمنح الفيلم فرصته رقابيا وإذا نفذ من سيف الرقابة هل يستطيع أن يجد دور عرض ترحب به بينما يسيطر على سوق السينما نظام احتكارى يتيح للمنتج أن يصبح هو صاحب دور العرض والموزع، هل يسمحون بعرض فيلم يؤكد حتمية الثورة، بينما عدد منهم فى قلب النظام يناصبون الثورة العداء، وتلك الكلمات من الممكن أن نكررها بعد قرار المهرجان بمنع عرضه، فأنا مع الأسف أشك أن أصابع الدولة حاضرة فى قرار الاستبعاد!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

المصري اليوم في

07.11.2016

 
 

تامر السعيد ودور مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

روان الشيمي

ترجمة: أحمد شافعي

نشب النزاع بين السينمائي تامر السعيد ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي إثر قرار المهرجان الشهر الماضي بعدم عرض فيلم سعيد «آخر أيام المدينة»، ولم يهدأ النزاع ولم ينته إلى حل. بل أثار أسئلة حول التوترات بين الأجيال داخل صناعة السينما، وموقف الدولة من السينما غير التجارية وغياب الشفافية عن عمل المهرجانات التابعة للدولة.

في الأول من نوفمبر استضافت لميس الحديدي المخرج في برنامجها الشهير «هنا العاصمة» على شاشة سي بي سي لمناقشة تحفظه على القرار وتقديمه التماسًا موقعًا من270 فنانًا لإعادة إدراج الفيلم في مسابقة المهرجان. رتبت الحديدي ـ التي دعت إدارة المهرجان إلى إعادة النظر في المسألة ـ مداخلات هاتفية مع ماجدة واصف رئيسة المهرجان وإلهام شاهين (النجمة السينمائية ومنتجة فيلم كاملة أبو ذكري «يوم للستات»المشارك في المسابقة وفيلم افتتاح المهرجان) وأبو ذكري.

تقول إدارة المهرجان إنها وجهت الدعوة في البداية لسعيد لعرض فيلمه خارج المسابقة، لكنه أقنعهم بالسماح له بالاشتراك في المسابقة، حسبما أُعلن في 7 سبتمبر. والفيلم بحسب ما يرى المهرجان ـ التابع لوزارة الثقافة المصرية ـ عُرض في الكثير للغاية من المهرجانات، بما ينم عن عدم احترام صناعه لمهرجان بلدهم.

لكن سعيد يقول إن الفيلم لم يُدع نهائيًا للمشاركة خارج المسابقة، وإنه كان قد عرض في19 مهرجانًا عندما أدرجه مهرجان القاهرة في مسابقته، وإن الطرفين اتفقا على أن يكون ذلك افتتاحًا للفيلم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد وعد سعيد بعدم قبول أي دعوة جديدة من أي مهرجان، لكنه يقول إنه أوضح أنه لن يسحب الفيلم من المهرجانات التي التزم معها بالفعل. وقال سعيد إن المهرجان لم يسأله مطلقًا عن عدد المهرجانات التي عُرض فيها الفيلم وإنه لم يكن على علم بوجود حد أقصى لعدد المهرجانات.

في برنامج الحديدي قالت الفنانة المخضرمة شاهين، بطلة فيلم «واحد صفر» والمؤيدة بشدة للدولة، إن على السينمائيين المصريين دعم مهرجان القاهرة السينمائي، وإنها رفضت العديد من دعوات المهرجانات احترامًا لاتفاقها مع مهرجان القاهرة.

ورغم أنها جزء من صناعة السينما التجارية والتليفزيون، فقد بدت أبو ذكري (مخرجة«واحد صفر» و«ذات») أكثر تعاطفًا. فقد وقعت على الالتماس الذي دعت إليه المخرجة هالة لطفي وقالت للحديدي إنها على الرغم من حزنها من الاضطرار إلى عدم عرض الفيلم في المهرجان مع استمرار سعيد في جولته، فهي لم تتمن للفيلم الخروج من المسابقة.

أوضحت أن في فيلمها نجومًا كبارًا، وأن له فرصة كبيرة في التوزيع السينمائي المحلي والإقليمي، في حين أن طبيعة فيلم سعيد ـ وهو فيلم بطيء الإيقاع تأملي يفتقر إلى منحنى سردي واضح ـ تجعل من الصعب عليه تحقيق النجاح في العرض التجاري. ومن هنا كان لعرضه في مهرجان القاهرة أن يساعد على تمكينه من العرض التجاري المحلي.

خلال مؤتمر صحفي لمهرجان القاهرة في 27 أكتوبر، تساءل العديد من الصحفيين عن استبعاد «آخر أيام المدينة» من المسابقة، وتركزت الأسئلة عن القواعد التي تبرر القرار، وعن سر عدم منح الفيلم فرصة عرض أخرى. قالت واصف إنه رغم عدم عرض «آخر أيام المدينة» إلا في مهرجان بي إف آي لندن السينمائي، ورغم رفضه دعوات مهرجانات أخرى مثل مهرجان «مونبلييه» بناء على طلب مهرجان القاهرة، فقد عرض فيلم سعيد في العديد من المهرجانات. واحتجت بأن هناك قواعد داخلية مختلفة تنطبق على الأفلام المصرية غير تلك المنطبقة على الأفلام الدولية، لكن رئيسة المهرجان لم تحدد هذه القواعد، أو متى وضعت، أو من الذي وضعها.

قالت واصف لمدى مصر بعد المؤتمر: «إن بعض الأفلام كان يمكن أن تعرض هذا العام في دبي أو قرطاج وغيرهما لكنها اختارت القاهرة، واحترمت المهرجان، ما حدث مع هذا الفيلم هو أنه ظل يقول إن ’هذا افتتاح إقليمي’. لا، نحن مهرجان دولي يا تامر. نحن لسنا مهرجانًا إقليميًا. في حالة الأفلام الأجنبية قد لا يهم الأمر كثيرًا، لكن حينما يكون فيلم مصري في جولة، وحينما يكون افتتاحه هنا، فهذا أمر كبير».

يصر سعيد في تصريحاته وفي الالتماس، على أن قواعد المهرجان لم تخترق، وعلى أن الفيلم لم ينافس في أي مهرجان تابع للاتحاد الدولي لاتحادات منتجي السينما الذي يضم مهرجان القاهرة وأربعة عشر مهرجانًا آخر. وإنه كان من شأن هذا العرض أن يكون أيضًا الافتتاح المصري لـ«آخر أيام المدينة».

يقول جوزيف فهيم ـ الناقد السينمائي، وواضع برنامج مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نسخته الـ36 في عام 2014 في ظل قيادة رئيس المهرجان السابق سمير فريد، إن للمهرجان الحق في اتباع سياساته الداخلية في ما يخص الأفلام التي يختارها ـ حتى لو لم تكن هذه السياسات معلنة رسميًا. يقول فهيم الذي لم تعد له علاقة بالمهرجان، وهو حاليًا عضو أسبوع نقاد برلين وممثل الشرق الأوسط في مهرجان فاري كارلوفي السينمائي الدولي إن «الجميع يعرفون القواعد. ولكن مشكلة مهرجان القاهرة هي غياب الشفافية وتذبذب القرارات».

يقول فهيم إنه خلال السنة التي وضع فيها البرنامج ـ وهي أيضًا السنة التي استعان فيها المهرجان القاهرة بفريق أكثر شبابًا مما ألفه المهرجان وتعاون خلالها مع مهرجانات أخرى، وأفصح عن معلومات تخص إنفاقه وقراراته ـ كانت السياسة المتبعة هي أن تكون الأفلام المصرية المشاركة في المسابقة لم تعرض عالميًا من قبل، على أن تكون الأفلام الأجنبية لم تعرض إقليميًا من قبل. أما الأفلام المصرية التي أرادوا عرضها في المجموعة الرسمية لكن خارج المسابقة، مثل فيلم «ديكور» لأحمد عبد الله، فقد أقاموا لها عروضًا في القاعة الرئيسية بدار أوبرا القاهرة.

يقول فهيم إن «هناك شيء اسمه العرض المفرط لفيلم، لكن عليك أن تقرر بنفسك، قبل فترة طويلة، وأن تتخذ القرار قبل القبول بالفيلم. كان بوسعهم أيضًا أن يقترحوا على سعيد عرض فيلمه خارج المسابقة».

دعم السينمائيون الفكرة في نقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، فالمخرج أمير رمسيس كتب قائلًا إنه متعاطف مع مأزق سعيد، لكنه حزين لأن بعض السينمائيين والمشاركين في فيلم سعيد طلبوا منه التزام الصمت في ما يتعلق بموقفه، فهو لا يرى أن قرار المهرجان باستبعاد الفيلم خاطئ مائة في المائة. أوضح رمسيس ـ المشارك في لجنة تحكيم ملتقى القاهرة السينمائي للإنتاج المشترك ـ السبب الذي يجعله يتفهم موقف المهرجان ويحثه على عرض الفيلم خارج المسابقة. وهذا ما وافق عليه السينمائي يسري نصر الله الذي وقع بيان لطفي مصرًا على أن المشكلة تتمثل في عدم الاتساق.

والحقيقة أن واصف قالت في برنامج الحديدي: «ربما ارتكبنا خطأ في البداية بقبول الفيلم في المسابقة الدولية. لقد كان للفيلم مكان في المهرجان، لكن خارج المسابقة». وردًا على ذلك تساءل سعيد لماذا يدفع ثمن خطأ المهرجان، وقال إنه رفض دعوات عديدة في المنطقة وخسر بذلك فرصة افتتاح محلي.

يتفق أغلب المعلقين على أن اختيار الفيلم ثم استبعاده لم يؤثرا بالسلب على الفيلم فقط، وإنما لوثا سمعة المهرجان المعيبة أصلًا. فالسينمائيون المصريون يشكون منذ سنين من عدم بذل المهرجان جهودًا كافية لإدراج أعمالهم، ومن سوء إدارة ميزانيته، بينما يشير الجمهور والصحافة إلى غياب المعلومات بشأن العروض وسوء إدارة الجمهور وعدم كفاية التسويق.

تلك هي القضايا ـ التي تعاني منها مهرجانات الدولة الكثيرة ـ التي حاول فريق فريد أن يعالجها في الدورة السادسة والثلاثين، لكن الوزارة لم تدعهم مرة أخرى في الدورة التالية من المهرجان، وسط تكهنات من البعض حول أن انتقاد الممثل خالد أبو النجا للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي في 2014 قد يكون السبب وراء ذلك. وقد أعلن وزير الثقافة أن لجنة تقصي حقائق سوف تحقق في الأداء المالي لفريد وفريقه. ورغم عدم العثور على أخطاء، فقد أرغم فريد على الاستقالة.

بعيدًا عن فيلم سعيد، فالمسألة تتعلق بدور مهرجان القاهرة السينمائي في دعم صناعة السينما المصرية. يقدم برنامج ملتقى القاهرة السينمائي التابع للمهرجان دعمًا محدودًا لإنتاج الأفلام، ولكن لا يوجد دعم للتوزيع أو المنافسة. وحقيقة أن مهرجان القاهرة السينمائي مهرجان يشيع فيه العثور على قاعات عرض خالية ـ إلا في حالة الأفلام المصرية التي عادة ما تكون أكثر مما ينبغي ـ تشير إلى أن المنظمين بحاجة إلى إعادة النظر في المعايير المختلفة التي يطبقونها على عدد المهرجانات المسموح للأفلام المصرية والأجنبية بأن تكون قد شاركت فيها، لا سيما أن مهرجان القاهرة يأتي في نهاية السنة المهرجانية في نوفمبر.

يظل المعيار الذي تدخل بموجبه الأفلام المسابقة أو تُعرض في المجموعة الرسمية غير واضحة. فمسابقة العام الحالي تتضمن أفلامًا عُرض أغلبها في العديد من المهرجانات وفازت بجوائز وفي بعض الحالات عرضت في الخارج عرضًا تجاريًا. وبعض الأفلام عرض في المنطقة مثل الفيلم المغربي ميموسا Memosa الحاصل على جوائز، والذي عرض تجاريًا في بيروت وشارك في أكثر من 20 مهرجانًا. وفيلم «غرباء كاملون»للمخرج الإيطالي ياولو جينوفيس عُرض تجاريًا في إيطاليا وشارك في عدد من المهرجانات، ولكنه مشارك في المسابقة.

يحتج فهيم بأن السينمائيين المصريين يختارون عرض أفلامهم في مهرجان القاهرة لأسباب عاطفية، لكن العرض لا يعني الكثير من الناحية العملية. يقول إن «كثيرًا من المصريين يختارون عرض أفلامهم في دبي الذي يشهد الكثير من الافتتاحات ويجتذب المزيد من النقاد. والمشاهدة فيه تكون أفضل، والسوق أفضل، والفرص أكثر»، مضيفًا أن المشاركة في مهرجان القاهرة تفيد المهرجان أكثر مما تفيد الأفلام.

وحين تقبل الأفلام العالمية الناجحة التي جابت العالم في مهرجان القاهرة، فإن الأفلام المصرية ـ التي كثيرًا ما تُنتج في ظل ظروف أصعب من الناحية الاقتصادية والسياسية والفنية، إذ يواجه السينمائيون المستقلون في عملهم عقبات قانونية ـ تواجه المزيد من العراقيل لتتمكن من المنافسة. وحتى لو أن المهرجان يحتفظ بحق تقرير قواعده، فسينتفع الجميع لو أنه يعلن هذه القواعد أو يثبتها من سنة إلى سنة على أقل تقدير. كما أن سمعة المهرجان ستتحسن إذا جعل من أولوياته مساعدة السينمائيين المحليين على عرض أفلامهم في القاهرة ووفّر لهم الدعم لدخول الأسواق العالمية.

هناك أفلام روائية مصرية جابت العالم لكنها لم تعرض في مصر ـ مثل «الخروج إلى النهار»لهالة لطفي (2012) وكثير من الأفلام التسجيلية ـ لأن حفنة من كبار المنتجين يحتكرون جميع دور العرض المحلية تقريبًا. وحينما تنجح أفلام صغيرة في الوصول للعرض التجاري فهي تعجز في العادة عن المنافسة، بسبب عجزها عن توفير حملات الدعاية الضخمة التي تتوفر للعروض التجارية الأخرى. وكان ذلك حال فيلم «هرج ومرج» لنادين خان، و«فرش وغطا» لأحمد عبد الله. وبوسع المهرجانات الدولية أن تصبح المنفذ الوحيد للسينمائيين غير التجاريين للظهور وكسب المال.

زاوية ـ التي يوزع ذراعها التوزيعي فيلم سعيد ـ تحاول أن تؤسس جمهورًا للسينما المستقلة بتوفير عرض واحد، أو حتى أسابيع كاملة، للأفلام في قاعاتها بوسط مدينة القاهرة وغيرهما من المدن. ولو أن مهرجان القاهرة يريد المنافسة كمهرجان عالمي المعايير فعليه أن يستهدف القيام بدور في دعم الصناعة المحلية.

لكن يبدو أن مهرجان القاهرة لم يغير نبرته في الجدل الحالي. ففي مؤتمره الصحفي الأولى حول الموضوع في 25 أكتوبر، قال المهرجان إن مديره الفني يوسف شريف رزق الله معجب بالفيلم فنيًا «ويتمنى التوفيق للمخرج وفريقه في أفلام قادمة في المستقبل». وردًا على الالتماس والحملة الإلكترونية أصدر المهرجان بيانًا صحفيًا في 5نوفمبر يتهم فيه فريق «آخر أيام المدينة» بـ«محاولة تلويث سمعة المهرجان في مصر وفي العالم بترويج أكاذيب وتخرصات زائفة».

موقع "مدى مصر" في

10.11.2016

 
 

تساؤلات حول الوضوح والتضامن المشروط

حكيم عبدالنعيم

لميس الحديدي: هل في حاجة في الـcontent [المحتوى]. أنا ابتديت اقلق؟ دكتورة ماجدة هل في حاجة لها علاقة بالمضمون أو الرقابة أو غيره؟

ماجدة واصف: أنا ماعرفش اذا كان تامر أخد إذن الرقابة ولا لأ، دا مسألناهوش عليه. أحنا شفنا الفيلم وعحبنا. يمكن دفاعًا عن النوعية دي من الأفلام كان اختيارنا، رغم مشاركته في مهرجانات كتير .

بذلك السؤال وتلك الإجابة اختتمت الإعلامية لميس الحديدي الفقرة الخاصة بتغطية أزمة فيلم «آخر أيام المدينة» في حلقة الثلاثاء الأول من نوفمبر 2016 من برنامج «هنا العاصمة» على قناة النهار، والتي استضافت فيها مخرج الفيلم تامر السعيد، والذي دافع بدوره عن موقفه طوال نصف ساعة، هي مدة الفقرة، ردًا على تبرير لجنة مهرجان القاهرة لسحب الفيلم في اللحظة الأخيرة من المسابقة الدولية للمهرجان بحجة مشاركته في مهرجانات أخرى كثيرة.

دافعت ماجدة واصف رئيسة مهرجان القاهرة السينمائي في مداخلتها عن موقف المهرجان الضعيف، وكان رد تامر السعيد على قدر كبير من الوجاهة.

انتفض الجميع تضامنًا مع الفيلم، بداية من بيان فريق عمل الفيلم نفسه ثم البيانالتضامني الذي وقع عليه أكثر من 200 فنانًا ومثقفًا، الذي أعقب رد مهرجان القاهرة وتبريره باستبعاد الفيلم من المسابقة الدولية بالمهرجان، و أخيرًا بيان اللجنة الثقافيةبنقابة الصحفيين المتضامن مع الفيلم ضد قرار المهرجان.

جاءت حلقة «هنا العاصمة» لتضع النقاط على الحروف من وجهة نظري، ليس فيما يخص الأسباب المعلنة عن رفض الفيلم وسحبه من المسابقة الدولية بالمهرجان وما يتعلق باللائحة أو ما يُفترض أن يحدث.. إلخ، بل فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المنتجات الفنية رقابيًا وتوضيح في أي نقطة بالضبط نقف. من الطبيعي أن يكون موقف الإعلامية لميس الحديدي واضحًا تمامًا في تضامنها مع الفيلم، فتضامنها مرهون بمحتوى الفيلم، حيث عبرت عن قلقها أن يكون هناك شيئًا ما، لم تصرح به، قد يحتوي عليه الفيلم ويكون سببًا في المنع أو أن يكون هناك موقف من الرقابة أو ما شابه، لأن التضامن مع الفيلم في هذه الحالة سيكون أمرًا تشوبه التساؤلات، ويضع كل متضامن في مرمى نيران الرقابة (المنزهة بالطبع و المعصومة من الخطأ!) ومرمى نيران من سيدافعون طواعية، دون أدنى معرفة لا بالفيلم ولا مهرجان القاهرة عن الرقابة، لمجرد أن دور الرقابة من وجهة نظرهم هو المنع والضبط والربط وخلافه، والرقابة بالطبع هي ممثل الدولة في مثل تلك الأمور، فكل قرار وأي قرار لها هو قرار صائب!

في الحقيقة، فليس موقف وانحياز وتساؤل الإعلامية لميس الحديدي المرتاب هو الأزمة، وإنما الأزمة هنا هو إجابة ماجدة واصف التي لم تنف، لكنها لم تؤكد أيضًا، إن كان هناك موقف رقابي من الفيلم، أو سبب غير معلن لرفض الفيلم، لكنها في نفس ذات الوقت أكدت أن اختيار المهرجان للفيلم كان ربما دفاعًا عن تلك النوعية من الأفلام أياً كانت محتواها.

الأزمة هنا باختصار تتعلق بعدم الوضوح وعدم الشفافية من جانب إدارة المهرجان، لأن الأمر بات واضحًا تمامًا، فليس هناك أمر واحد لا تعرفه إدارة المهرجان منذ البداية، وكل ما يطرحه المهرجان من أسباب رد عليها تامر السعيد وفريق عمل الفيلم كاملة وبالوثائق – إذا استطعنا القول – وما يتبقى هو موقف واضح من إدارة المهرجان يصرح بأسباب واضحة وحقيقية نستطيع التعامل معها، بشكل يجعلنا نحتفظ بما لدينا من احترام لمحاولات هذا المهرجان الدؤوبة لإنجاز حدث فني مهم، لدى العاملين فيه الحد الأدنى، بل أكثر من ذلك، من الاحترافية والمثابرة.

أظن أن ما قالته واصف، في وصفها للموقف الأولي من اختيار الفيلم بـ«الخطأ الكبير»، هو بداية لمحاولة التعامل مع الأزمة بشكل يليق بمهرجان يرغب في أن يكون ضمن أهم المهرجانات العالمية عمليًا وليس فقط بشكل نظري. لكن يبقى السؤال عن سبب عدم اتخاذ ذلك الموقف من الفيلم منذ البداية؟

إذا كان موقف إدارة المهرجان داعمًا وبشدة للفيلم من البداية، رغم علم الإدارة بأن ذلك الاختيار قد يتسبب في كثير من المتاعب لاحقًا، فما الذي جد وجعلها لا تستطيع التعامل مع الضغوط، إذا كانت هناك ضغوط، ما أدى لارتكابها خطأ تنظيمي وإداري بسحب الفيلم في آخر لحظة؟ والأهم: ماهي الآلية الرقابية التي يجري بها التعامل مع الأفلام المعروضة في مهرجان القاهرة السينمائي؟ هل هناك معايير رقابية بعينها؟ أم أن الأمر لا يخضع لأي نوع من الرقابة؟

أخيرًا، أتمنى بكل صدق أن تكون الأسباب الحقيقية وراء سحب الفيلم في اللحظات الأخيرة هي مجرد أخطاء تنظيمية وإدارية، وإدراك متأخر لاختيارات منظمي المهرجان والقائمين عليه، وأظن أن مكسبًا كبيرًا نتج عن تلك الأزمة، وهو حملة التضامن الواسعة«غير المشروطة» مع الفيلم وفريقه، ذلك النوع من التضامن الذي ينبهنا بهدوء من وقت لآخر بأن ثمة محاولات جادة للنجاة وسط كل هذا الرعب المحيط.

موقع "مدى مصر" في

10.11.2016

 
 

'آخر أيام المدينة' يثير أزمة في القاهرة السينمائي قبل انطلاقه

العرب/ ناهد خزام

أثار استبعاد الفيلم المصري "آخر أيام المدينة" للمخرج تامر السعيد من المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، العديد من علامات الاستفهام حول الآلية التي تتبعها إدارة المهرجان في اختيارها للأفلام المشاركة.

كانت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي تنطلق فعالياته في الـ15 من نوفمبر الجاري، قد أبلغت صناع الفيلم المصري “آخر أيام المدينة” للمخرج تامر السعيد، بموافقتها على عرضه ضمن المسابقة الرسمية، ثم عادت لتعتذر من جديد عن عدم قبولها للفيلم متعللة بأسباب يراها صناع الفيلم أنها تعسّفية وواهية ولا تمت للشروط الواردة ضمن لائحة المهرجان بصلة.

السبب الرئيسي الذي أعلنته إدارة المهرجان مبرّرة تراجعها عن عرض الفيلم، هو أنه (الفيلم) قد عرض في العديد من المهرجانات الدولية الخارجية، لكن الغريب أن هذا الأمر لا تتضمنه لائحة المهرجان، والتي يقتصر شرطها في الأفلام المشاركة على ألا تكون قد عرضت من قبل في المهرجانات الدولية الرئيسية التي يشملها الاتحاد الدولي لصناع السينما، وهو ما أكد عليه صناع الفيلم في بيانهم الذي نشر على صفحتهم الرسمية، إذ لم يشارك الفيلم في أي من هذه المهرجانات المذكورة، كما لم يشارك حتى في أي من المهرجانات الإقليمية بالمنطقة العربية وشمال أفريقيا.

وأثار هذا الأمر العديد من التساؤلات بين المهتمين بالشأن السينمائي في مصر حول أسباب القبول ثم الرفض، وبدا أن هناك شعورا يترسخ لدى العديد من المتابعين بأن هناك أبعادا أخرى وراء هذا الرفض ليست لها علاقة بما أعلنته إدارة المهرجان، ما دفع السينمائيين المصريين إلى إصدار بيان داعم لصناع الفيلم قبل أسابيع قليلة من انطلاق المهرجان.

وطالب البيان، الذي وقعه عدد كبير من السينمائيين والمثقفين والمهتمين بالشأن السينمائي في مصر، بقبول عرض الفيلم من جديد ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، كما عبّر الموقّعون عليه عن انزعاجهم الشديد من القرارات المتضاربة لإدارة المهرجان، خاصة وأن موافقتها على عرض الفيلم دفعت القائمين عليه إلى الاعتذار عن المشاركة في مهرجانات عربية أخرى، مفضلين أن يعرض الفيلم في مهرجان مدينته التي يحتفي بها.

أحداث الفيلم تدور حول مخرج شاب يحاول إخراج فيلم عن مدينة القاهرة قبل سنتين من ثورة 25 يناير 2011

وأكد البيان على دعم صناع الفيلم الذي احتفى به كل مهرجان دولي ذهب إليه، وتخوفهم من تحول المهرجان بسبب قرارات كهذه إلى جهة غير مسؤولة تتخلى عن دورها كواجهة لفن وثقافة البلد وكوسيلة لدعم وتشجيع المواهب الجديدة وتقديمها للجمهور.

وما أثار ريبة البعض أن إدارة المهرجان قد وافقت على عرض أفلام أخرى شاركت في المهرجانات نفسها التي شارك فيها الفيلم المشار إليه، بل إن البعض من هذه الأفلام قد عرض ضمن فعاليات سينمائية في المنطقة العربية وعلى نطاق تجاري أيضا، في الوقت الذي التزم فيه صناع فيلم “آخر أيام المدينة” بعدم المشاركة في أيّ من المهرجانات الإقليمية، ما فوت عليهم فرصة المشاركة في فعاليات أخرى هامة.

كان لافتا خروج البعض من الأصوات من إدارة المهرجان نفسها، معلنة عن استيائها من استبعاد الفيلم، رغم الموافقة عليه من قبل لجنة اختيار الأفلام. ومن بين هذه الأصوات على سبيل المثال المونتيرة والناقدة صفاء الليثي، وهي واحدة من أعضاء لجنة الاختيار والمشاهدة، إذ أعلنت صراحة عن وقوفها إلى جانب صناع الفيلم في معركتهم، كما وقّعت على بيان السينمائيين المصريين.

وعبّرت الليثي عن دهشتها لهذا الاستبعاد بقولها “شرّفت بالمشاركة في لجنة اختيار الأفلام بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ38، وأحسست بالفخر بعد مشاهدة فيلم ‘آخر أيام المدينة’ للمخرج تامر السعيد”.

وتضيف الليثي “الفيلم تم اختياره بحماس من أعضاء لجنة المشاهدة وكنت منهم، وعدم إدراجه ضمن أفلام المسابقة يمثل إحباطا لي كناقدة وكسينمائية، لأن رأيي ورأي الزملاء لم يحترم، ولأنني لا أفهم متى سنحترم قراراتنا ونفي بمسؤولياتنا تجاه صورة بلدنا وتجاه مبدعيها، وتجاه المتلقي الذي من حقه مشاهدة أحدث الأفلام، وأن يكون له السبق قبل عرضه في مهرجانات عربية أخرى”. أما المخرج والمونتير المصري أحمد عبدالله السيد فقد علق على هذه الأزمة، بقوله “أنا أتفهم أن المهرجان لديه لوائحه ولديه رغبة في الالتزام بها، ولكني لا أتفهم أن هذه اللوائح لم يتم تطبيقها على أفلام أخرى موجودة في المسابقة وعرضت في مهرجانات عديدة من قبل، بل إن أحد أفلام المسابقة الرسمية قد عرض تجاريا في بيروت، فضلا عن أن الفيلم لم يكسر اللائحة في بند العروض السابقة التي تمكن للجميع مطالعتها”.

ويضيف السيد “أتفهم أن يقيم المهرجان نوعية وطبيعة عروض المسابقة بتقييمه الخاص، وله كل الحق، لكني لا أتفهم أن يتم رفض الفيلم كليا وإقصاؤه تماما من كافة عروض المهرجان”.

وأعرب مخرج الفيلم تامر السعيد عن امتنانه للتضامن الواسع مع فيلمه، مؤكدا أن هذا التضامن والالتفاف الكبير من قبل السينمائيين المصريين، هما أكبر من قضية الفيلم ذاتها.

مخرج الفيلم تامر السعيد يعرب عن امتنانه للتضامن الواسع مع فيلمه، مؤكدا أن هذا التضامن والالتفاف الكبير من قبل السينمائيين المصريين، هما أكبر من قضية الفيلم ذاتها

ويذكر أن فيلم “آخر أيام المدينة” قد حظي بتقدير عدد كبير من النقاد والكتاب السينمائيين المصريين وغير المصريين، ومن بينهم على سبيل المثال عميد النقاد السينمائيين سمير فريد والذي وصفه بأنه “نقطة تحول في السينما المصرية”.

وتدور أحداث الفيلم في العامين اللذين سبقا ثورة الـ25 من يناير لمخرج شاب يحاول إخراج فيلم عن مدينة القاهرة، وتمزج أحداث الفيلم بين الأسلوب شبه الواقعي وشبه التسجيلي.

ويعد “آخر أيام المدينة” العمل الأول للمخرج تامر السعيد، وهو أيضا أول فيلم روائي مصري للممثل خالد عبدالله، بعد بطولة عدد من الأفلام العالمية منها “عداء الطائرة الورقية” و”يونايتد 93” و”المنطقة الخضراء” مع الممثل العالمي مات ديمون.

ويجسد خالد في الفيلم، الذي صور على مدار عامي 2009 و2010 في القاهرة وبغداد وبيروت وبرلين، شخصية مخرج شاب يعيش في وسط القاهرة ويحاول أن يصنع فيلما عنها في لحظة يكاد أن يفقد فيها كل شيء.

ويمتزج الفيلم، الذي ألفه المخرج عن حياته وقصص أصدقائه مع رحلة عن الفقد والوحدة والصداقة واكتشاف الذات وسط مدينة تبدو على وشك الانفجار، وتشارك في بطولته كل من ليلى سامي وحنان يوسف ومريم سعد وعلي صبحي وحيدر حلو من مصر، وباسم حجار من العراق، وباسم فياض من لبنان.

العرب اللندنية في

11.11.2016

 
 

قراءة فيما وراء أزمة "آخر أيام المدينة"

أيهما استبعد الفيلم من القاهرة السينمائي..

المنافسة أم الرقابة؟!

د. أمــل الجمل

لايزال كُثر في الوسط السينمائي المصري يتساءلون عن الأسباب الحقيقية وراء منع أو استبعاد فيلم "آخر أيام المدينة" من مسابقة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 15-24 نوفمبر الجاري، باحثين عن مبرر مُقنع لرفض المسؤولين فيه من إدراجه ضمن أي برامج موازية وخارج المسابقة الرسمية.

الأمر لم يتوقف عند حدود التساؤل وانما تجاوزه بوضع سيناريوهات عدة تحاول تفسير هذا الرفض المتعنت والإصرار على الاستبعاد بشكل مُجحف يُخالف المنطق والعقل. البعض مثل الناقد طارق الشناوي –عضو اللجنة الاستشارية العليا للمهرجان القاهرة - خرج ليُعلن في الصحف أن "الحكاية فيها إن"، متسائلاً: "هل هى الحقيقة تماما أم أنهناك أشياء أخرى لم يأت بعد أوان إعلانها،" وهو تساؤل يشي بوجود معلومات ربما تكشف عن وجود أياد خفية لعبت دورها في منع عرض فيلم المخرج المصري المستقل تامر السعيد، "، وهو أحد الاحتمالات التي طرحها صناع الفيلم في بيانهم الأخير: "استنتاجنا الأخير هو أحد أمرين؛ إما أن ادارة المهرجان تطبق معايير مزدوجة بشكل واضح وصريح على حساب فيلمنا، أو أن هناك سببًا آخر غير معلن للاستبعاد لا تُفصح الادارة عنه. إن اصرار ادارة المهرجان على استبعاد الفيلم بدون ذكر أسباب عادلة أو منطقية أدي إلى فتح باب التساؤلات عن للأسباب الحقيقية وراء القرار، وما إذا كان قد مورس عليها أي ضغوط لتستبعد الفيلم؟ هذا ليس رأينا فقط بل هو رأي كثيرين ومنهم من هو قريب من المهرجان نفسه".

سيناريو الرقابة

"هل للأمر علاقة بالرقابة؟" "هل مضمون الفيلم به شيء يُحرك الجهات الرقابية؟" تساؤلات تبادرت إلى الأذهان منذ بدأت الأزمة إذ كان هناك دائما سؤال يتكرر بين المثقفين والسينمائيين وحتى على صفحات الميديا بمختلف أشكالها المقروءة والمرئية، لكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا تحركت الرقابة – فجأة - بعد شهر ونصف من الإعلان الرسمي للمهرجان الذي أكد فيه ضم "آخر أيام المدينة" للمسابقة الرسمية؟! لماذا جاء الرفض مباشرة بعد عرض الفيلم بمهرجان لندن الذي شارك فيه أيضاً فيلم "يوم للستات" لكاملة أبو ذكري والذي أنتجته وشاركت في بطولته الهام شاهين والذي ينافس هو أيضاً على جوائز المسابقة الرسمية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي إلى جانب كونه فيلم الافتتاح؟! وجدير بالذكر أن المنتجة وإحدى بطلاته وموزع الفيلم حضروا عرض الفيلم بمهرجان لندن بصحبة بعض أصدقاء المنتجة والممثلة الشهيرة.

التساؤلات السابقة عن الرقابة كانت إجابتها المطروحة على الملأ: أنه لا توجد أسباب رقابية، وأن الرقابة لم تشاهد الفيلم بعد. أما في الكواليس فانقسمت الآراء بين مجموعة تُؤكد الرأي السابق، وثانية تطرح شكوكاً على أن للرقابة علاقة بالمنع والاستبعاد، وكانت حُجة أصحاب هذا الرأي هو صمت المسؤولين بالمهرجان وتحملهم لكل هذا النقد والهجوم الذي بلغ أن وصفهم أحد النقاد الكبار - والذي سبق له رئاسة المهرجان - بأن عملهم بهذا الأسلوب واستبعادهمللفيلم المصري "يُخالف الأصول المهنية"، فلماذا تحملوا كل هذا النقد من دون أن يُقدموا حججا منطقياً أو برهاناً يتسق والعقل يُبرر لجؤهم للتمييز المتعسف ضد الفيلم المصري؛ فأي الرأيين يُعبر عن الحقيقة، هل حقاً الإصرار على قرار الاستبعاد يتعلق بـ"جهات رقابية ما"أرادت ألا تُسفر أو تكشف عن وجهها؟ أم أنه مجرد حالة وتصرف غير مفهوم من شخصيات كان لابد لها أن تقاوم أي إجراءات أو محاولات للاستبعاد والمنع في سبيل ألا تتخلى عن مسؤوليتها الأخلاقية ووعودها تجاه الفيلم المصري وصُناعه حتى لو كان الثمن تقديم استقالتها احتجاجاً على مثل تلك الممارسات إن وُجدت؟ 

لكن رئيسة المهرجان ماجدة واصف - في أحد تصريحاتها المتلفزة – مثلما أكدت بكلماتها على التمييز ضد الفيلم المصري واتباعها أسلوباً يعتمد على الازدواجية في تطبيق المعايير، نفت أيضاً أن يكون قرارها متعلقاً بالرقابة، مُؤكدة على أنها لا تعرف ما إذا كان مخرجه قد حصل على موافقة رقابية أم لا؟ من دون أن توضح "واصف" أن العرض بمهرجان القاهرة لا يشترط موافقة الرقابة، بل على العكس العرض على الرقابة للمصنفات الفنية والتدخل الرقابي من شأنه أن يكون له عواقب وخيمة على المهرجان القاهري من قِبل الاتحاد الدولي للمنتجين السينمائيين FIAPF، ومن هنا يمكن تخمين– في حالة صحة السيناريو الرقابي – لماذا لم يُفصح الرقيب عن وجهه لأنه في تلك الحالة سيكون قرار استبعاد الفيلم سببا في تعريض المهرجان القاهري للعقاب وربما سحب الشرعية الدولية منه مثلما حدث في أوائل الثمانينات، كما أنه في تلك الحالة كان لابد وأن يصطدم قرار الاستبعاد بالمجتمع الثقافي والسينمائي بأكمله وكان من الطبيعي أن يتضامن مع الفيلم أضعاف المناصرين له حالياً - محليا ودولياً - لأن الاستبعاد كان سيتحول إلى قضية تخص حرية الإبداع ومقص الرقيب.  

قبل أن نُوضح مضمون الفيلم وبعض  النقاط التي قد تُثير حفيظة الرقابة لابد من توضيح أنه وفقاً للدراسات التاريخية فإن للرقابة أشكالاً عديدة بعضها يكون متنكراً وحريصاً على عدم الإفصاح عن نفسه، ومن ثم عندما تتم الإشارة للرقابة في حالة "آخر أيام المدينة" فليس المقصود بها جهاز الرقابة على الأفلام والمصنفات الفنية في شكله المباشر، لأن الأجهزة الرقابية عديدة ومتنوعة وبعضها غير معروف الشكل وغير معلن عنه، والتصاريح والموافقات بالعرض أو المنع لا تتوقف فقط على جهاز الرقابة في شكله المباشر.

لماذا يبدو سيناريو التدخل الرقابي محتملاً؟ أولا؛ لأن المسؤولين بالمهرجان رفضوا تسوية الأمر بأي شكل من الأشكال، ورفضوا اقتراحات كبار المخرجين السينمائيين المصريين بالعرض خارج المسابقة أو بأحد البرامج الموازية، حتى أن المخرج والمونتير المصري أحمد عبد الله السيد كتب مقالاً مطولاً يحكي عن تجربة سابقة له مع المهرجان موضحاً أنه عندما رفضوا عرض فيلمه "ديكور" داخل المسابقة الدولية لأنه شارك بأحد المهرجانات، لكنهم في المقابل سمحوا له بعرض فيلمه خارج المسابقة، واقترح عبد الله أن يتم التعامل بالمثل مع "آخر أيام المدينة" حتى يُتاح للجمهور المصري مشاهدة الفيلم، ولتقليل خسائر المخرج الذي اعتذر للمهرجانات العربية الأخرى فأصبح منذ فبراير الماضي وحتى مايو المقبل لديه ستين دعوة دولية لعرض فيلمه لكنها تخلو جميعاً من أي مهرجان في المنطقة العربية التي خرج منها وهو ما يُؤثر سلبا على توزيع الفيلم الذي ينتمي للسينما المستقلة والخالي تقريبا من النجوم أي أنه سيواجه صعوبات جمة في توزيعه؟! 

أما فيما يتعلق بمضمون الفيلم - والذي يُرجح سيناريو الرقابة - فهناك مشاهد قد تثير انزعاج بعض الجهات في مصر خصوصا في ظل الأوضاع الحالية المتزايدة السوء على الصعيد الاقتصادي وفيما يخص سقف الحريات، فالمخرج يرصد حصار تلك المدينة "القاهرة" بين شقي الأمن والتشدد الديني، وهو أثناء ذلك يُسجل عددا من المظاهرات المنتشرة في الشوارع المصرية قبل اندلاع ثورة 25 يناير والتي نددت بالتوريث والفساد في عهد مبارك، في ظل إحكام القبضة الأمنية ممثلة في سيارات الأمن المركزي المنتشرة في كل مكان والمحاصرة للمتظاهرين، والضرب المبرح الذي يناله أحد الشباب على أيدي رجال بزي مدني يوسعونه ضربا قبل أن يحملوه في سيارة للشرطة، إضافة إلى الهتافات المنددة بحكم العسكر: "يسقط يسقط حكم العسكر"  والمؤكدة على أحقية الشعب في التظاهر: "الإضراب مشروع مشروع، ضد الفقر وضد الجوع"... فهذه اللقطات كان يمكن لها أن تمر بسلام في أي فترة تاريخية سابقة حتى تحت دعوى التنفيث، لكن هل يُسمح لها أن تُعرض اليوم على الشاشات الكبيرة من دون اللجوء لاجتثاثها أو بترها؟!

السيناريو الثاني

أما السيناريو الثاني والمنتشر بقوة في الكواليس وطرحه البعض على الملأ – على صفحات التواصل الاجتماعي - فيضع احتمالا يتعلق بالمنافسة الشرسة التي جعلت المنتجة والممثلة الشهيرة تُصر على استبعاد فيلم "آخر أيام المدينة" حتى تطمئن على الجائزة، وهو الأمر الذي أصبح واضحاً للعيان بعد المداخلة المتلفزة لها التي أيدت فيها قرار الاستبعاد مستخدمة عبارات تبتز بها عواطف الجمهور مثل: "لازم شوية تضحية يا تامر علشان مهرجاننا" وعندما سألها المخرج: "تضحية بمن؟" لم تجبه واستطردت: لازم نعمل برستيج لمهرجان القاهرة، عاوزين نكبره، لأنه المهرجان بتاعنا وبيمر بظروف صعبة، فلازم نقف جنبه ونكبره، نحترمه وندي له وضعه." ثم أضافت: "المهرجانات الكبيرة مثل كان لا تقبل أن يُعرض بها فيلم تم عرضه في أي مهرجان قبلها." لكنها لم تقل لماذا تُطبق قواعد مهرجان "كان" على الفيلم المصري ويُستثنى منها الفيلم الأجنبي فيعرض ويشارك بالمسابقة الدولية إلى جوار فيلمها رغم أن بعض الأفلام الأجنبية عُرضت في 19 مهرجان سابق؟!

اللافت في الأمر أن مخرجة "يوم للستات" كاملة أبو ذكري كانت مٌناصرة لحق فيلم السعيد في العودة للمسابقة، ووقعت على البيان المؤيد لذلك، اللافت أيضاً أن إحدى المشاركات في لجنة المشاهدة واختيار الأفلام بالمهرجان القاهري وهى المونتيرة والناقدة السينمائية صفاء الليثي هاجمت قرار الإدارة بالاستبعاد ودافعت عن حقها وحق زملائها في اختيار الفيلم مؤكدة أن الإدارة رفضت أن تمنحهم حق مشاهدة فيلم الافتتاح مُشيرة في أحد تصريحاتها على صفحات التواصل الاجتماعي أن "منتجة فيلم الافتتاح تحدثت باسم مصر وباسم المهرجان لتؤيد استبعاد الفيلم من المسابقة التي ينافس فيلمها على جوائزها، وأنها زايدت على تفضيلها لمهرجان مصر والتضحية بجوائز دولية من أجل مصر."

السيناريو السابق ربما يُؤكده تصريح أحد أعضاء اللجنة الاستشارية العليا للمهرجان والذي عبر فيه عن شكوكه بتدخل الرقابة، لكنه بدأ حديثه بأن "الحكاية فيها إن"، وأنه هناك أشياء لم يأت الأوان لذكرها.  

عين على السينما في

12.11.2016

 
 

د. أمل الجمل تكتب:

رد أخير على مغالطات مهرجان القاهرة السينمائي والاتهامات الموجهة لي

نشرت إدارة مهرجان القاهرة مقالًا تصف فيه ما كتبته من نقد عن المهرجان بأن به “مغالطات كثيرة وأن المعلومات الصحيحة تنقصه”، وهنا أرد على مغالطات هذه الإدارة وعلى المعلومات المنقوصة التي لا توضح حقيقة الصورة:

أولًا: وصفتني الإدارة قائلة: “قرّرت الكاتبة أن تُكذَب رواية إدارة المهرجان حول الاتفاق الذي أُبرم مع تامر السعيد مخرج فيلم «آخر أيام المدينة» وأن تنحاز لما قاله المخرج، على رغم أن الدليل لدى الطرفين هو روايات شفهية، حيث أن الاتفاق لم يكن مكتوبًا،

وبالطبع أنا لا أُنكر انحيازي، لكن السؤال هو: ما الذي جعلني أنا وغيري ننحاز لرواية مخرج “آخر أيام المدينة”؟ لماذا انحازت كاملة أبو ذكري – مخرجة فيلم “يوم للستات” فيلم الافتتاح والمنافس في المسابقة الرسمية – فقد وقعت على البيان متضامنة مع السينمائيين والمثقفين المصريين المطالبين بعودة الفيلم للمسابقة مثلمًا أكدت على ذلك في اتصال هاتفي لها في برنامج متلفز أُذيع على الهواء يوم 1 نوفمبر الجاري، فألا يُعتبر تصرف المخرجة الشجاعة كاملة أبو ذكرى انحيازًا لتجربة فيلم “آخر أيام المدينة” ضد الظلم الذي وقع عليه، ولماذا لا تعترف إدارة المهرجان بأن هناك نحو 1200 توقيع من كبار السينمائيين المصريين والعالميين يتضامن مع الفيلم، 1200 توقيع محلي وعالمي ينحاز لرواية صناع “آخر أيام المدينة” وقد طالبوا المهرجان بإعادة الفيلم إلى المسابقة الرسمية. 1200 توقيع بينهم سينمائيون عالميون مثل كوستا جافراس وفولكر شلوندورف وبيلا تار، 1200 توقيع بينهم أسماء أعمدة المشهد السينمائي في مصر وشباب السينمائيين المستقلين وكبار صناع السينما في العالم ومنهم مَنْ كرمه المهرجان في دورات سابقة. 1200 توقيع بينهم مديري مهرجانات ومبرمجين من مهرجانات دولية بعضها في قائمة الاتحاد الدولي للمنتجين التي يستخدمها المهرجان للدفاع عن قراره باستبعاد الفيلم.

بالطبع في ظل عدم منطقية الحجج التي تسوقها إدارة مهرجان، وفي ظل رفضهم لكل الحلول المقترحة من السينمائيين الكبار، وممن لهم تجارب سابقة مشابهة مثل المونتير والمخرج أحمد عبدالله السيد وتجربته مع فيلم “ديكور” الذي عرض خارج المسابقة، لكن تعنت المسؤولين بالمهرجان جعلنا نصدق رواية الطرف الآخر، هنا – في مثل تلك الحالة – لابد أن أعلن انحيازي دفاعًا عن حق الفيلم المصري في أن يُعامل بالمثل مع نظيره الأجنبي عند الاختيار، ولن أُنكر انحيازي بعد ما شاهدت من عدم الالتزام بالوعود فرئيس المهرجان ماجدة واصف وعدت على الهواء مباشرة في البرنامج التلفزيوني/ وفي حوار آخر / أنها ستُعيد النظر لحل هذه الأزمة وبإعادة فتح باب النقاش مع اللجنة الاستشارية العليا ثم بعد أكثر من أسبوع تُصدر الإدارة بيانًا – باللغة الإنجليزية فقط – يقولون فيه أن قرار استبعاد الفيلم هو قرار نهائي.

الحقيقة التي لا تريد إدارة المهرجان القاهري الاعتراف بها أن أغلب الوسط السينمائي والثقافي في مصر غير مقتنع بما سردوه من حجج ومبررات، وهناك تساؤلات عن الأسباب الحقيقة وغير المعلنة التي منعت الفيلم من العرض بالمهرجان، حتى أن الناقد السينمائي سمير فريد – الرئيس الأسبق لمهرجان القاهرة السينمائي لعامي 2013 و2014 – وصف تصرف الإدارة قائلًا: “فُوجئت. ودُهشت من قرار الاستبعاد لأنه يخالف الأصول المهنية التي يعرفها جيدا الزملاء الأصدقاء الأعزاء في قيادة المهرجان. “. واصفًا إثارة غضب الرأي العام السينمائي جراء هذا الاستبعاد بأنه “غضب عن حق”.

ثانيًا: تقول إدارة المهرجان: “يقول الواقع إنه لو لم يكن لدى المهرجان رغبة حقيقية في دعم الفيلم وصانعه لما كنا قد وافقنا من البداية على شرط التواجد في المسابقة، وهي الموافقة التي نشعر الآن أننا ربما قد أخطأنا فيها، في ظل إنكار المخرج للاتفاق، وإصراره على الإشارة إلى شيء لم نطلبه من قريب أو بعيد وهو العرض الأول في الشرق الأوسط”.

وردًا عليهم أقول: المنطق يقول أنه لو كان لديكم أي رغبة حقيقية بالفعل لدعم الفيلم وصانعه لم يكن ليصدر قرار بالاستبعاد التام والنفي خارج المهرجان بعد أن ضيعتم عليه كل فرص العرض في المهرجانات العربية الأخرى، كنتم أتحتهم له فرصة بديلة، بأن يُعرض خارج المسابقة، أو يكون فيلم الختام كما اقترح الأستاذ سمير فريد، أو أُتيح له مكان في البرامج الموازية. المنطق يقول هذا.

أما حكاية: “وهي الموافقة التي نشعر الآن أننا ربما قد أخطأنا فيها، في ظل إنكار المخرج للاتفاق، وإصراره على الإشارة إلى شيء لم نطلبه من قريب أو بعيد وهو العرض الأول في الشرق الأوسط”. فسأضعها إلى جوار فقرة أخرى تقول: “تورد الكاتبة عددًا من الأخطاء والاستنتاجات التي لا مجال لها من الصحة، فتزعم أن هناك «عُرفًا» بمنع الأفلام التي عرضت في الشرق الأوسط من المشاركة في المسابقة الدولية وهذا غير صحيح، لأن مهرجان القاهرة مهرجان دولي لا يضع في اعتباره إطلاقًا شروط المهرجانات الإقليمية”.

إدارة مهرجان القاهرة تُنكر هذ العرف الذي خبرته جيدًا – بالطبع شفهي – من تجارب سابقًا ومن أحاديث من داخل المهرجان، وهنا أستند إلى تصريح مكتوب ومنشور للناقد السينمائي طارق الشناوي أحد أعضاء اللجنة الاستشارية العليا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي – والذي كان حلقة الوصل بين المهرجان وبين المخرج تامر السعيد في بداية الاتفاق – تحت عنوان “الحكاية فيها إن”، مستهلًا مقاله بتساؤل عن أسباب الاستبعاد التي أعلنتها إدارة المهرجان ونصه: “هل هي الحقيقة تماما أم أن هناك أشياء أخرى لم يأت بعد أوان إعلانها؟ ثم يحكي الشناوي عن تردد المدير الفني للمهرجان – يوسف شريف رزق الله – في قبول فيلم “آخر أيام المدينة” بالمسابقة موضحًا أن سبب تخوفه “أن الفيلم تردد ذكر مشاركته في مهرجان (قرطاج) ولا يجوز أن يُعرض بالقاهرة بعد عشرة أيام من قرطاج، ” فهل بعد تصريح الشناوي لاتزال إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تُصر على تكذيبي وعلى أنهم “مهرجان دولي ولا يضع في اعتباره إطلاقًا شروط المهرجانات الإقليمية؟

ثالثًا: تتهمني إدارة مهرجان القاهرة قائلة: “ترتكب الكاتبة مغالطات صريحة عندما تتحدث عن لوائح الاتحاد الدولي للمنتجين FIAPF الذي ينتمي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي إلى فئته الأولى ويخضع لضوابطه، فتسوق أمثلة بأفلام مثل «ميموزا» و»جريمة على كراسي متحركة» مشيرة إلى أنها مخالفة للائحة المهرجان لمشاركة الأول في مهرجان كان والثاني في كارلوفي فاري. والحقيقة أن كلا الفيلمين خاضع للائحة المهرجان التي تمنع فقط الأفلام التي شاركت في المسابقات الرسمية للمهرجانات المصنفة ضمن الفئة الأولى، بينما شارك فيلم «ميموزا» في أسبوع النقاد بكان، وشارك «جريمة على كراسي متحركة» في برنامج سينما شرق الغرب في كارلوفي فاري، وكلاهما لا يمنع الفيلم من التنافس في القاهرة،

وهنا في ردي عليهم أستند لنصوص لائحة المهرجان الذي ينظموه وقد وضعوا لائحته بأنفسهم، وأبدأ من المادة 15 التي تذكر أن: “مواد اللائحة – وضعت بالعربية والانجليزية – تخضع للقوانين المصرية وفي حال أي خلاف يُعتد بالنص العربي. ولذلك سوف أستشهد بالنص العربي من اللائحة فيما يلي:

بداية: يُحدد البند الأول من المادة الرابعة الأقسام التي يتكون منها المهرجان وأولها: القسم الرسمي للأفلام الروائية والتسجيلية الطويلة ويضم: “المسابقة الدولية” – خارج المسابقة.

وتنص المادة السادسة على أن: تختار إدارة المهرجان لجنة تحكيم “المسابقة الدولية” للأفلام الطويلة. “.

وينص البند الخامس من المادة 11 على ألا يكون الفيلم الذي يُعرض في المسابقة قد عُرض في مسابقة مهرجان دولي آخر معتمد من الاتحاد الدولي للمنتجين (FIAPF).

سنلاحظ أنه في المادتين الرابعة، والسادسة تم توصيف وتحديد المسابقة الرسمية بـ”الدولية” لأن هناك مسابقات أخرى داخل المهرجان، ولكن المادة 11 تكتفي بقول (“مسابقة” مهرجان دولي آخر)، فلماذا لم يحدد المسؤولون بالمهرجان القاهري تفاصيل اللائحة بدقة فيقولوا: (“المسابقة الدولية”أو”المسابقة الرسمية” لأي مهرجان دولي آخر.) بالطبع هناك فارق بين “المسابقة” و”المسابقة الدولية” – وبالمناسبة هم في ردهم على ما كتبت استخدموا توصيف “المسابقات الرسمية” للمهرجانات – وهذا الخلط أو بالتحديد اسقاط وصف “الدولية أو “الرسمية” عن الموصوف “المسابقة” يجعلنا نعتبر مشاركة أفلام مثل “ميموزا” و”زوجة طيبة”، و”جريمة على كراسي متحركة” مخالف للائحة، لأنهم لم يحددوا منع مشاركتها في المسابقة الرسمية لأي مهرجان دولي آخر، وإنما اكتفوا بكلمة “مسابقة”.

أضف إلى ما سبق أن كلمات “المسابقة الدولية” تم ذكرها في الدعوة الرسمية المقدمة من المهرجان لمخرج فيلم “آخر أيام المدينة” والموقعة من رئيس المهرجان ونصها كالتالي: “يسعد مهرجان القاهرة السـينمائي الدولي الذى يعقد دورته الثامنة والثلاثون في الفترة من 15 الى 24 نوفمبر القادم، موافقتكم على اختياره فيلمكم “أخر أيام المدينة” للعرض في “المسابقة الدولية” للمهرجان”.

كما أن خطاب الاعتذار المقدم من ماجدة واصف رئيس المهرجان يستخدم كلمات “المسابقة الرسمية” إذ تقول: “دفعنا الاعجاب بفيلمك “أخر أيام المدينة” إلى اختياره للمشاركة في “المسابقة الرسمية” لمهرجان القاهرة السـينمائي الدولي في دورته الثامنة والثلاثين”.

رابعًا: وتأكيدا على ما كتبت في جميع مقالاتي – عن هذه القضية ومنها مقالات تعود لعام 2015 أي تخص الدورة السابقة للمهرجان، انتقدت فيه أيضًا ازدواجية المعايير التي يتبعها المسؤولون بالمهرجان، والتي سنكتشفها من قراءة سطور خطاب الاعتذار المُرسل من المهرجان للمخرج تامر السعيد – ومقارنتها بحالة الأفلام الأجنبية المشاركة بالمسابقة إذ تقول واصف في خطابها: “وقد اخترنا فيلمك للمشاركة بالمسابقة الرسمية رغم اشتراكه حتى تاريخ اتصالنا بك في شهر أغسطس الماضي في “سبعة” مهرجانات دولية، ولكن فوجئنا بعد هذا الاختيار والاعلان عنه بمشاركته في “خمس” مهرجانات دولية أخرى: جيدينيا فى بولندا – ريو فى البرازيل – لندن فى انجلترا – شيكاغو فى الولايات المتحدة، وأخيرًا فى مونتريال بكندا، وبذلك يأتى عرض الفيلم في مهرجان القاهرة في ذيل هذه القائمة مما يعتبر نوعًا من الاساءة الى سمعة المهرجان”.

بعيدا عن المغالطات في ذكر أسماء المهرجانات – ومنها مثلًا “مهرجان مونتريال” وهو أمر لم يحدث إذا لم يعرض “آخر أيام المدينة” في هذا المهرجان الذي ينتمي للمهرجانات الدولية الـ15 فئة “أ” ولكنه عُرض بأحد المهرجانات بمدينة مونتريال – وبتأمل سريع لعدد المهرجانات التي جعلت رئيس المهرجان ومديره الفني يستبعدا فيلم “آخر أيام المدينة” سنجد أنه شارك في 12 مهرجان – وقت إصدارهم بيان الاستبعاد – مما جعلهم يعتبروا أن “مهرجان القاهرة سيكون في ذيل القائمة مثلما يعتبر نوعًا من الاساءة الى سمعة المهرجان”. والسؤال هنا: لماذا لا يُعتبر الفيلم الأسباني “ميموزا” مسيئا لمهرجان القاهرة رغم أنه عرض في أكثر من 14 مهرجان – إضافة إلى عرضه بالصالات التجارية ببيروت كما عُرض مؤخرا بقسم “سينما العالم” بمهرجان قرطاج؟ ولماذا لا يُعتبر فيلم “زوجة طيبة” الذي عرض في 19 مهرجان دولي مسيئًا للمهرجان القاهري؟ أليس في ذلك تمييز ضد الفيلم المحلي؟ ولماذا لم تعتبر إدارة القاهرة السينمائي أن مهرجان “عنابة” يقل في قيمته عن مهرجان القاهرة إذ لم ترفض مشاركة الفيلم الجزائري “حكايات قريتي” الذي شارك فيه قبل أسابيع ومع ذلك ضمته لأفلام المسابقة الدولية، بينما اعتبرت المهرجانات الدولية التي شارك فيها فيلم تامر السعيد أقل قيمة من مهرجان القاهرة؟

الحقيقة الغائبة التي لا يذكرها المسؤولون عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أنهم غير قادرين على احضار فيلم أجنبي واحد داخل المسابقة الدولية يكون عرض أول عالمي، فجميع الأفلام المشاركة تم عرضها على الأقل في أربعة مهرجانات، أو تسعة، أو 14، أو 19 مهرجان، لكنهم يتشددون ويتعنتون مع الفيلم المصري في محاولة للتغطية على عجزهم الواضح على صعيد الأفلام الأجنبية.

خامسًا: تُدافع إدارة المهرجان عن نفسها وتنفي تحيزها للفيلم الأجنبي أو تمييزه عن المصري وتسرد بعض التفاصيل التي تحاول بها إثبات حرصها وانحيازها للفيلم المحلي، فتقول أنها تقدم فرص أفضل لعرض الفيلم المصري “إذ تقدم العرضين لأفلام المسابقة في المسرح الكبير للسماح للفيلم بالحصول على أكبر عدد من المشاهدين، في حين تعرض الفيلم الأجنبي مرة واحدة فقط بالمسرح الكبير والمرة الثانية بإحدى سينمات وسط البلد”. وهى معلومات منقوصة لإخفاء الحقيقة، فالصحيح أن الإدارة مُضطرة لعرض الفيلم المصري مرتين بالمسرح الكبير لأن الأفلام المصرية يكون الإقبال عليها شديد جدا لدرجة أنه في كل عام تحدث مشادات ومعارك أمام البوابة الخارجية لدار الأوبرا وكذلك أمام باب الدخول لقاعة المسرح الكبير – المكان المخصص للعرض – بسبب التزاحم العنيف على مشاهدة الفيلم المصري، حتى أنه في كثير من الحالات يعجز بعض صناع الأفلام وأبطالها من الدخول ويتم احتجازهم بالخارج وسط الجماهير الحاشدة، ومن يُشكك في ذلك فعليه مراجعة أرشيف كافة الصحف المصرية ليتأكد بنفسه، ومن لا يمتلك الوقت أو الصبر على مراجعة الأرشيف فليتأمل المشهد هذا العام بالأوبرا قبل عرض الأفلام المصرية.

موقع "زائد 18" في

15.11.2016

 
 

مهرجان القاهرة السينمائي يستبعد فيلم «آخر أيام المدينة»

فايزة هنداوي - القاهرة ـ «القدس العربي»:

أنهى الناقد يوسف شريف رزق الله المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الجدل القائم منذ فترة حول مشاركة فيلم «آخر أيام المدينة» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث أكد في تصريحات خاصة لـ «القدس العربي» أن الفيلم لن يشارك في مهرجان القاهرة نهائيا، سواء في المسابقة الرسمية أو أي من المسابقات أو البرامج الأخرى، وكانت إدارة المهرجان، الذي تنطلق فعالياته الثلاثاء المقبل، قد أبلغت صناع الفيلم بعرضه ضمن المسابقة الرسمية، ثم استبعدته بعد ذلك، وقال رزق الله، إن تامر السعيد مخرج الفيلم شارك في مهرجانات أقل مستوى كثيرا من «القاهرة» مخالفا لاتفاقه مع إدارة المهرجان بعدم عرض الفيلم في هذه المهرجانات.
وكانت ماجدة واصف، رئيسة المهرجان قد صرحت من قبل بأنها سوف تحاول البحث عن مخرج للأزمة بعرض الفيلم في أحد البرامج الموازية في المهرجان، وذلك بعد ضغط كثير من السينمائيين الرافضين لاستبعاد لفيلم، إلا أن رزق الله أكد أنهم لم يتمكنوا من ذلك، لأنهم انتهوا من وضع جميع البرامج والجداول ولا يمكن تغيير هذه البرامج في الأيام الاخيرة.

«آخر أيام المدينة»، بطولة خالد عبد الله وهو الفيلم الروائي الأول للمخرج تامر السعيد، وقد حظي بتقدير لجنة مشاهدة المهرجان وعدد كبير من النقاد، حيث وصفه الناقد السينمائي المصري سمير فريد بأنه «نقطة تحول في السينما المصرية».

القدس العربي اللندنية في

17.11.2016

 
 

"آخر أيام المدينة" المُقصى من مهرجان القاهرة:

الشيء بالشيء يذكر

نديم جرجوره* 

الأسئلة المطروحة في "آخر أيام المدينة"، الروائي الطويل الأول للسينمائي المصري تامر السعيد، كثيرةٌ، ككثرة التساؤلات المحيطة بعلاقته بـ "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، في دورته الـ 38 (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016).

لكن الأسئلة أهمّ من التساؤلات، لأنها معنية بصنيع سينمائي، وبحرفية مهنية، وبجمالية سردية وبصرية، وبعمل يُمكن اعتباره بمثابة تأكيدٍ إضافيّ على انتقال السينما المصرية الجديدة، وإن يكن بهدوء، إلى آفاق أوسع وأبهى وأعمق، بمستوياتها المختلفة في الشكل والمضمون والبناء الفيلمي والمعالجة السينمائية، في حين أن التساؤلات تُدخِل الجميع في نزاعات تُسيء إلى جماليات الفيلم، وأسئلته الحسّاسة والدقيقة والعميقة والآنيّة، وتمنع المشاهدين السينمائيين، الذين تتسنّى لهم مشاهدته، من التمعّن في مفرداته السينمائية، التي تُغلِّف أسئلته المتنوّعة.

التساؤلات مشروعة. مُشاهدةُ "آخر أيام المدينة" تؤكّد شرعية تساؤلاتٍ، تُختصر بواحدٍ: لماذا يُسحب الفيلم من كلّ مسابقةٍ أو برنامجٍ في المهرجان، عشية بدء دورته الأخيرة هذه؟ لكن المُشاهدة إياها تكشف، في الوقت نفسه، عن أكثر من سببٍ، يبقى أبرزها توغّله في صميم الاجتماع المصري، في الأعوام القليلة الفائتة، بمآزقه واختناقه وشقائه وتعثّراته وأكاذيبه، في السياسة والاقتصاد والسلوك الفردي والعام. فالتقاطٌ واقعيٌّ لصدامٍ محتدم بين سلطةٍ (تَبُثّ إذاعات عديدة أخباراً عن الرئيس، حسني مبارك، وكلّها عن إيجابيات كثيرة يقوم بها لمصر ولناسها وللمنطقة وشعوبها، في مقابل الخراب اليومي الحاصل في أُسس الحياة اليومية تلك) ومواطنين، مزعجٌ لسلطةٍ آنية تُشبهها، فتنقضّ السلطة الآنية على فيلمٍ يقول واقعاً، ويعيش إحساساً، ويبوح بانفعالٍ متأتٍ من هذين، الواقع والإحساس، إذْ يُردِّد البعض أن "تمنّياً" سلطوياً على المهرجان يفضي إلى سحبه، فتُساق حججٌ واهية لتبرير الفعل. وهذا غير مؤكَّد، مع أن الفيلم واضحٌ في مواقفه وحساسيته الإنسانية والأخلاقية والتأملية إزاء البلد والمجتمع والناس، والمواقف هذه تُقلِق كلّ سلطة.

قلقٌ وانهيارات

أما أسئلة الفيلم، فموزّعة على معنى العلاقة بالمدينة، راهناً وماضياً؛ كما على معنى الصداقة، والانهيارات الجمّة التي تعيشها المدينة، بمساحاتها وعماراتها ومناخها وفضائها، وناسها أيضاً. والمدينة، إذْ تكون القاهرة صورتها الأولى، تذهب، بالتالي، إلى بيروت وبغداد، في حوارٍ مبطّن بينها، عبر حوارٍ مباشر بين أربعة أصدقاء ينتمون إليها، فتتحوّل المدينة إلى مساحة أوسع لرؤية أوضح، تعكس قسوة الانهيار وبشاعته، في عيونٍ تُراقب وتنظر إلى ما هو أبعد من الواضح، وفي انفعالٍ يلتقط وينتبه إلى ما هو أعمق من الملموس.

والمدن تلتقي وتتنافر. والأصدقاء الأربعة يلتقون ويبتعدون ويتخاصمون ويقولون ويغضبون ويتوترون، لكنهم يبدون جميعهم كأنهم يعيشون لحظات أخيرة، في حياة أخيرة، لمدنٍ أخيرة لن يقدروا على الخروج منها، إما لأنهم يرفضون، وإما لأنهم لا يتجرّأون، وإما لأنهم يعجزون، وإما لأنهم يتآمرون معها على أنفسهم فيبقون، أو يتآمرون مع أنفسهم إكراماً لها، فيبقون (أيضاً). والتباسات كهذه طاغية بقوة، على المدينة وناسها، وعلى الأصدقاء والمحيطين بهم، وعلى الفضاء الخانق، وعلى مغزى البقاء أو الهجرة، والعلاقة بأهلٍ وتفاصيل صغيرة ومنشآتٍ تقضي على روح المدينة، أو تُعيد صوغها بلغة أخرى.

في هذا كلّه، تمتلك اللغة السينمائية حيوية اشتغالها في مقاربةٍ بصريةٍ تتوغل في أعماق المدينة والناس، وفي متاهات المدينة والناس، وفي مآزق المدينة والناس. الحبّ المعلَّق جزءٌ من انهيارٍ يمتد من الجسد إلى الروح، في المدينة والأفراد. والذاكرة مُعلَّقة أيضاً، كراهنٍ منشغلٍ بتحوّل قاتل، في الاجتماع والاقتصاد والسلوك والعلاقات، قبل بدء "ثورةٍ" معلَّقة، هي أيضاً، بين أحلامٍ يستحيل تحقيقها مع أنها بسيطة وطبيعية ومشروعة، ووقائع مأسوية أصعب من أن تُفكَّك وتُحلّ تعقيداتها الجمّة.

والصمت، في "آخر أيام المدينة"، ردة فعل على ضجيج القاهرة، أو هكذا يبدو، على الأقلّ، مع أن غلياناً عنيفاً يعتمل في ذات كلّ شخصية، خصوصاً خالد (خالد عبد الله)، المُصوّر الساعي إلى إنجاز فيلم عن المدينة والماضي والذاكرة، لكنه عاجزٌ ومرتبكٌ وقلقٌ في بحثه عن فهمٍ للأشياء، وفي تنقيبه عن معنى الصورة في تأريخ لحظة منهارة، وفي استعادة ماضٍ هائم في غيابه.

لكن، هل يستطيع خالد الاستماع إلى الصمت في ضجيج القاهرة؟ يُحيل السؤال إلى لغة السينما في سردٍ درامي تتداخل فيه ثنائية الواقع ـ الحلم، بثنائية الوثائقي ـ الروائي. وهذا لن يكون انتقاصاً من القيمة الدرامية ـ الجمالية لـ "آخر أيام المدينة"، لأنه يؤكّد براعة السينمائيّ تامر السعيد (كاتب السيناريو، بالتعاون مع رشا سلطي) في تجاوز الخطوط الفاصلة بين الثنائيات كلّها، لتشييد عمارته البصرية، بلغة الصورة، في مواجهة انهيار العمارات الأخرى.

عمارةٌ سينمائيةٌ

وخالد، إذْ يكون ركيزةً أساسية للعمارة السينمائية تلك، يُصبح شاهداً يُصوِّر ـ بعينيه، وآلة الكاميرا الخاصة به، وجهاز هاتفه الخلوي ـ ما يراه هنا وهناك. لكنه يُصوِّر أيضاً (أو بالأحرى يحاول ذلك) ما يريد أن يراه ويكتشفه ويعرفه، وهذا صعبٌ في زمن شقاء يُعاند الحياة، ويغلبها أحياناً، وفي زمنٍ يلفّه النسيان (أبلة فضيلة تنسى، أم أنها تتناسى، ماضياً قديماً في راهنٍ ضاغط يُمزّق الروح ويُشرّدها في أكثر من متاهة وألم). يريد خالد حباً ينسلّ من قلبه وروحه، ويريد بيتاً صغيراً يُدمَّر أمام عينيه وكيانه، ويريد مدينةً تنهار حوله ومعه، ويريد صداقات تنكسر في غربةٍ أو موتٍ أو متاهةٍ. يريد ذاته، لكن ذاته تضيع في أزقة روح محطّمة، وفي شوارع مزيّنة بالأحمر منذ "ألف عام"، وفي مدنٍ مسحوقةٍ بحداثةٍ أو خرابٍ أو وجعٍ أو توهانٍ أو حصارٍ أو تلاعبٍ.

في مقابل تجاوز الخطوط الفاصلة بين الثنائيات كلّها، يُزيل تامر السعيد خطوطاً تفصل بين كاميرا يُصوِّر بها فيلمه، وكاميرا يُصوِّر خالد بها ما يُصوِّره. في لقطات عديدة، تنعدم الفواصل بين المشاهد التمثيلية والواقعية، أو بين شغل خالد وشغل تامر. هذا طبيعي في أفلامٍ تريد كسر مألوفٍ سردي، للذهاب عميقاً في الجرح أو الأسئلة. لكنه، هنا، يتّخذ أكثر من بُعدٍ جمالي، إذْ بقدر ما تقترب كاميرا خالد من وجوه من يُحاورهم ويسألهم ويتحدّث إليهم، تقترب كاميرا تامر من حساسية الاقتراب الأول، كما من ارتباكاته والتباساته ومساراته المعلَّقة.

يبدأ "آخر أيام المدينة" في ديسمبر/ كانون الأول 2009. هذا ليس هامشاً، بل متن حكاية يرويها خالد بأشكالٍ مختلفة، أثناء بحثه عن شقّة، يُفترض به الانتقال إليها خلال وقتٍ قريب. والوقت القريب ضيّقٌ: ليلى (ليلى سامي) تختار طريق الغربة، وهو باقٍ حيث هو. أسئلة ماضيه وماضي مدينته تتوه، معه، فيهما (الماضي والمدينة). وحنان (حنان يوسف) تغادر الإسكندرية، ولا تقول سبباً، بل تبوح بعينين أو ملامح وجه أو معالم ذاكرة مخفية في الأعماق، عن مدينتين وأحوالٍ، وعن أولوية العيش راهناً، بدلاً من الارتهان لماضٍ. أصدقاؤه الثلاثة، اللبناني باسم (باسم فياض) والعراقيان حسان (حيدر حلو) وطارق (باسم حجار)، يأتون القاهرة ويغادرونها إلى بيروت وبغداد وبرلين، واحتدام نقاشٍ عن بقاء في مدينة أو اغترابٍ عنها إلى مدينة أخرى. الأم (زينب مصطفى) ممدّدة على فراشٍ في "مشفى السلام" (أي رمزٍ هذا، وأية حكاية؟). اختلاط المصائر المعلَّقة مكثّفٌ، درامياً، بسردٍ متقطّع بسبب ارتباك الجميع وقلقهم، وبتصوير يلوّنه الغموض والغبار والأصفر الغامق أحياناً أولى، وانعدام وضوحٍ في الرؤية أحياناً ثانية، وانبثاقُ الفجر والعتمة كمن يُصارع من أجل بقاء غير مفهوم، أحياناً ثالثة.

لا أحد على ما يُرام

لن يكون أي شيء على ما يُرام، ولا أي أحدٍ، في محيط خالد وأصدقائه، والناس الذين يلتقيهم. المدينة تعاني احتضاراً قاسياً، كوالدة خالد. والمدينة تنهار أمام عينيه، كانهياره هو أمام ذاته، وكانهيار كلّ شيء فيه. مقتل الصديق العراقي، ومتاهة الصديق اللبناني، واغتراب الصديق العراقي الثاني، ومتاهته هو، أمورٌ تنفلش في المساحات الضيّقة للعيش، وفي المسافات البعيدة التي تفصل انفعالاتهم عما يريدون، والتي تصنع من البقاء/ الاغتراب توقاً إلى خلاصٍ لا يأتي.

لكن، هل يصحّ تحليلٌ كهذا، في قراءة فيلمٍ يمتلك من السينما أجمل ما في ارتباكاتها وقلقها وحسّها الملتبس والمعلَّق؟ أم أن "آخر أيام المدينة" أجمل من أن يُختزَل بقراءة ذاتية؟ أميلُ، ولو قليلاً، إلى الخروج من كتابةٍ تبغي مقاربة نقدية، كي يُتاح للفيلم فرص تواصل مطلوب مع مشاهدين يتوقون إليه. والفرصة العربية الأولى تُلغى، لأن إدارة "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" تتراجع عن قرارها بإدراجه في مسابقة أو برنامجٍ، لأسبابٍ مبهمة، يُلمِّح بعضها إلى ضغطٍ أمني يحول دون عرضه (وهذا غير مؤكَّدٍ البتّة)، ويُردِّد بعضها الآخر أن ضغطاً "سينمائياً" يُمارَس على إدارة المهرجان، من قِبل إلهام شاهين، مُنتِجَة "يوم للستات" لكاملة أبو ذكري (افتتاح الدورة الـ 38)، والممثلة الأولى فيه، كي يُتاح لهذا العمل مساحة أكبر، إلى جانب "البر التاني" لعلي إدريس، الذي يعتبره كثيرون "فاشلاً"، نقدياً وسينمائياً وفنياً، مما يُخفِّف من حدّة المنافسة على "يوم للستات"، على المستوى المصري تحديداً، في المسابقة الرسمية، في حين أن سحبه من البرامج الأخرى يعيد طرح سؤال السبب الخفيّ لذلك. أم أن "الحكاية فيها إنّ"؟

أقاويل ونزاعات وصراعٍ من أجل حقٍّ طبيعيّ لفيلمٍ سينمائي، يتمثّل بعرضٍ عربي أول في بلده. لكن، يبدو أن فيلماً سينمائياً متين الصُنعة الفنية والدرامية والجمالية، يُخيف مسؤولين وإداريين لشدّة جماله البصريّ في كشف بعض عورات بيئة وحياة ومعنى.

*ناقد سينمائي من أسرة "العربي الجديد"

####

استبعاد "آخر أيام المدينة":

هل "يسقط حكم العسكر" السبب؟

محمد جابر

بعد أكثر من شهر ونصف من إعلان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن عرض الفيلم المصري "آخر أيام المدينة" في مسابقته الرسمية، جاء الخبر مفاجئاً باستبعاده قبل بدء المهرجان بأسبوعين فقط، وسط ضبابية كاملة في الرؤية.

المفاجأة تأتي من أن الحادثة غير مسبوقة في استبعاد فيلم بعد الإعلان عن عرضه رسمياً، وكذلك لأن "آخر أيام المدينة" يعتبر من أهم الأفلام المصرية التي أنتجت في السنوات الأخيرة، فقد عرض في أكثر من 30 مهرجاناً دولياً منذ فبراير/شباط الماضي، وفاز بـ3 جوائز على رأسها جائزة "كاليغاري" من مهرجان برلين السينمائي.

"المفاجأة تأتي من أن الحادثة غير مسبوقة في استبعاد فيلم بعد الإعلان عن عرضه رسمياً"

وبرر البيان الرسمي للمهرجان، وكذلك فيديو قصير لمديره الفني يوسف شريف رزق الله، استبعاد الفيلم بأنه "فوجئ بمشاركة الفيلم في قرابة العشرة مهرجانات، جميعها يسبق تاريخه موعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومنها ما يقل كثيراً في التاريخ والقيمة، وكأن فريق الفيلم يضع مهرجان القاهرة في ذيل قائمة اهتمامه"، ومن هنا أتى قرار الاستبعاد تبعاً للقاهرة السينمائي.

 

على الناحية الأخرى، قال صنّاع الفيلم في بيانهم الرسمي إن مهرجان القاهرة لا يشترط من الأصل أن يكون عرض فيلم فيه هو عرضه العالمي الأول، وأن الفيلم عرض في "19 مهرجاناً قبل تلقي دعوة مهرجان القاهرة، و13 مهرجاناً منذ تلقي الدعوة حتى الآن، ولم يرد من مهرجان القاهرة أي استفسار حول عدد مشاركات الفيلم قبل أو بعد الاتفاق، ولم نحاول إخفاء تلك الأرقام في أي مرحلة، بل اعتقدنا أن نجاح الفيلم دولياً هو أحد أسباب اهتمام مهرجان القاهرة بالفيلم"، قبل أن يؤكد صناع العمل في بيانهم على احتفاظهم بسلك كل الطرق القانونية بسبب الأضرار المادية والمعنوية المرتبطة باستبعاد الفيلم، والتي يأتي على رأسها عدم إتاحة الفرصة له للعرض في مهرجانات أخرى عربية وإقليمية بعد الاعتذار من أجل العرض في القاهرة.

وبالنظر إلى اللائحة الرسمية للمهرجان، وإلى بعض الأفلام التي تعرض في مسابقته الرسمية لهذا العام ولا يعتبر "القاهرة السينمائي" هو عرضها العالمي الأول، ومن بينها –للمفارقة- الفيلم المصري "يوم للستات" من إخراج كاملة أبو ذكري، والذي عرض في مهرجان لندن مع "آخر أيام المدينة" قبل أسابيع قليلة وسيعرض ضمن المسابقة الرسمية للقاهرة، بل أنه أيضاً فيلم الافتتاح. وبالنظر لتلك التفاصيل، فإن السبب المعلن لاستبعاد الفيلم لا يبدو حقيقياً، وكأنه واجهة لسببٍ آخر يخجل المهرجان من قوله، وإذا وضعنا في السياق أن "آخر أيام المدينة" تدور أحداثه قبل شهور قليلة من ثورة يناير 2011، ويتنبأ ــ نظراً لكون الفيلم تم تصويره بالكامل قبل الثورة من الأصل ــ بحالة الغليان والغضب الموجودة في الشارع والتي ستؤدي حتماً لرد فعل، مع هجاء واضح للسلطة ولجهاز الداخلية، وكذلك يؤرخ لبعض الأحداث والمظاهرات التي اشتعلت في تلك المرحلة بتصوير تسجيلي في الشارع وفي تفاعل بين أبطال الفيلم وما يدور حولهم في الحقيقة، ومن ضمنها إحدى الوقفات الاحتجاجية التي يهتف فيها المتظاهرون "يسقط يسقط حكم العسكر"، فإن السبب غير المعلن لاستبعاد الفيلم من العرض في مهرجان القاهرة، والذي سيدخل صناعه لاحقاً في صدام مع الرقابة على المصنفات الفنية، هو على الأغلب سياسي.

الغريب فعلاً أن اللجنة نفسها التي اختارت الفيلم قبل عدة أشهر للعرض في المهرجان، وهو أمر منطقي نظراً لقيمة الفيلم والاحتفاء العالمي الكبير به في رحلته بين بلدان العالم المختلفة، هي ذاتها التي استبعدته الآن، كأن المهرجان الأكبر في مصر الذي يفترض به أن يرعى الأفلام، خصوصاً المستقل منها والذي تم تنفيذه على مدى سنوات طويلة بجهود صناعه، إذا به يقف ضدها، ويفوت على الفيلم حتى فرصة العرض في مهرجان إقليمي آخر مثل "قرطاج" أو "دبي" أو غيرها من الفاعليات السينمائية في المنطقة التي أعلنت بالفعل عن الأفلام التي ستعرض بها، لتفقد "القاهرة" فيلمها الذي يحتفي بها.. وتُفقده في المقابل أي فرصة عرض عربية أخرى هذا العام.

العربي الجديد اللندنية في

21.11.2016

 

####

 

"آخر أيام المدينة": من تعسف بمهرجان القاهرة لجوائز دولية

القاهرة/ مروة عبد الفضيل

بعد التعسف الشديد الذي واجه صنّاع فيلم "آخر أيام المدينة"، استطاع الفيلم أن يحصد الجوائز في المهرجانات الدولية قبل عرضه الأول في دور العرض المصرية.

وحصد الفيلم أمس جائزتين من مهرجانين مختلفين، الجائزة الكبرى وجائزة لجنة تحكيم الشباب لأحسن فيلم في مهرجان نانت الثامن والثلاثين للقارات الثلاث. وكذلك جائزة أحسن فيلم روائي في مهرجان الفيلم العربي بسان فرانسيسكو.

وكان الفيلم قد تعرض للظلم الشديد من القائمين على مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة، التي رأستها الناقدة ماجدة واصف، حيث تم قبول الفيلم في البداية لعرضه في المسابقة الرسمية للمهرجان، ثم فوجئ صناع الفيلم باستبعاده، بحجة أنه عرض في مهرجانات عدة، وأنه مبرمج للمشاركة بمهرجانات أخرى.

وسبّب قرار الاستبعاد سجالاً بين القائمين على الفيلم وعلى المهرجان، من خلال بيانات إعلامية أصدرها الطرفان، وتم استبداله بفيلم آخر وهو "البر التاني"، للمخرج على إدريس ولم يحصد الفيلم أيًّ جوائز.

وفيلم "آخر أيام المدينة"، الذي كان عرض للمرة الأولى في برلين في قسم السينما الجديدة في فبراير/شباط من العام الجاري، تدور أحداثه في عام 2009 داخل مدينة القاهرة، حيث تبدأ حياة خالد المخرج الشاب الذي يحاول أن يصنع فيلمًا عن تلك المدينة وما يحمله من أحلام، في الوقت الذي يواجه احتمال أن يتعرض للطرد من شقته، والمرأة التي يحبها تريد أن تهاجر خارج مصر، متذكرًا في الوقت نفسه أيام طفولته عندما كانت القاهرة مكانًا أكثر إشراقًا.

والفيلم من بطولة خالد عبد الله ومريم صالح وعلي صبحي وحنان يوسف وحيدر حلو وليلى سامي، ومن تأليف وإخراج تامر السعيد.

العربي الجديد اللندنية في

30.11.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004