كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

«نوارة».. السؤال الذي لم يأت من مقرر الثورة! (تحليل نقدي)

كتب: رامي عبد الرازق

عن فيلم

«نوارة»

ومخرجته

هالة خليل

   
 
 
 
 

يقول نجيب محفوظ (إن المعاصر هو أسوأ مؤرخ) لأنه باختصار يرى كل شيء عن قرب في الوقت الذي تحتاج فيه بعض الحوادث والأمور الجسام إلى نظرة من بعيد كي تتمكن عين الرائي أو ذاكرة الحاكي من التقاط التفاصيل الكاملة أو شبه الكاملة للوقائع والتأثيرات.

في فيلم «نوارة»- الذي افتتح الدورة الخامسة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في عرض أفريقي ومصري أول بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان دبي في دورته الثانية عشرة- تبدو نية المخرجة هالى خليل في أن تعفي نفسها من دور المؤرخ الذي قد لا يصلح دوما للسينمائي، ولكنها تستغل الميزة الكبرى لصناعة الأفلام وهي طرح الأسئلة.

إن نوراة ليس فيلماً عما حدث في يناير 2011 ولكنه أقرب إلى السؤال الذي توجهه المخرجة إلى الجمهور- وربما إلى نفسها أيضا- تاركة الإجابات تأتي وتروح في ذهن المتلقي وهو يحاول الربط ما بين اللقطة الأولى التي تسير فيها الشابة نوارة/ منة شلبي في حارات ضيقة تحمل وعائين كبيرين من الماء تنوء بحملهم، بينما شعارات الثورة مرسومة بخطوط كبيرة على الجدران وبين اللقطة الأخيرة التي نرى فيها سور حديدي يغلق أتوماتيكيا بعد أن خرجت منه- أو دخلت بمعنى أدق- سيارة الشرطة التي تحمل نوارة المقبوض عليها، بينما تلوح المدينة في الخلفية وكأنها من خلف السور أصبحت سجنا كبيرا لنوارة، وكل ما تمثله من شرائح وطبقات اجتماعية. ما بين هذين اللقطتين تكمن العديد من الأسئلة والإشارات والدلالات المباشرة عن الواقع المصري ما بعد 2011.

وجعلنا من الماء

يمكن ببساطة أن نقوم بتفكيك نوارة إلى مجموعة من العناصر الأولية التي يسهل معها قراءة الفيلم والتشبع بأسئلته مع الأخذ في الاعتبار أن من التجني أو غير المنصف أن نتعامل معه باعتباره منشورا سياسيا مع أو ضد يناير بل إنه يبدو من أكثر التجارب التي أنجزت عن يناير حيادية في التعاطي مع الواقع الحقيقي بأقل قدر من الصراخ والشعارات وبانحياز كبير إلى الناس وليس الحدث، حيث إن ثمة فارق بين أن تنحاز إلى يناير كحدث، وأن تنحاز ليناير على مستوى الناس فالانحياز إلى الناس يؤدي إلى الانحياز لمطالبهم ومشاعرهم وأفكارهم عن يناير أما الانحياز ليناير فلا يؤدي بالضرورة إلى نفس النتيجة فالحدث خلافي أما الناس فلا جدال حول همومهم واحتياجاتهم.

أولى العناصر التي يمكن من خلالها قراءة التجربة هو عنصر (الماء) الذي خرج منه كل شيء حي، إنه أبسط احتياجات البشر وأكثرها ضرورية واستخداما في نفس الوقت (شرب- استحمام- نظافة)، الماء في نوارة مرادف للحد الأدنى من الحياة.

نجحت هالة خليل في أن تجعل الماء رمزا للفاقة والفقر المدقع، وفي نفس الوقت شكل من أشكال الرفاهية القصوى ففي الوقت الذي يبدأ فيه الفيلم بنوارة تحمل وعائين من الماء لمسافة طويلة لكي نعرف فيما بعد أن المنطقة العشوائية أو الشعبية التي تقيم فيها لا يصلها الماء لأنه لا توجد مواسير ورجالات الحي والمجلس المحلي«الشرفاء» يساومون سكانها على تركيب المواسير لأن (كل حاجة غليت بعد الثورة) نجد أطنانا من الماء تدفق بسخاء شديد ودون عناء في العالم الآخر، حيث فيلا شاهندا وأسامة باشا (شيرين رضا ومحمود حميدة) الوزير السابق ورجل الأعمال المعروف، حيث تعمل نوارة كخادمة طوال اليوم في سياق أقرب للعبودية الاجتماعية، حيث نراها تقوم بكل شيء تقريبا من تنظيف ومسح وكنس عبر لقطات مكثفة ومتتالية، ودون الوقوع في أي منزلقات ميلودرامية تفيد الاستفزاز الطبقي المباشر.

في مقابل العطش الذي ترويه بنهم شديد جدة نوارة/ رجاء حسين بعد أن أحضرت لها نوارة الماء وهي تتلذذ بشبق المحروم (الميه حلوة) نجد حمام السباحة الواسع الذي تسبح فيه خديجة ابنة شاهندة وأسامة وهي المقابل الاجتماعي والطبقي لنوارة (فتاة في مثل عمرها تقريبا ترتدي البيكيني وتسبح في كمية من المياه تكفي لري ظمأ حي نوارة بأكلمه).

تحرص هالة على حضور الماء ضمن عناصر الصورة دون افتعال أو إقحام ليصبح العنصر الشفاف مرآة تعكس الكثير من الدلالات الاجتماعية والسياسية والإنسانية في هذا البلد المنكوب.

بينما تتحفظ نوارة في استهلاك الماء وهي تغسل وجهها صباحا في الحمام المشترك نجد الماء يهر بلا مبالاة في حمام المستشفى الحكومي، حيث قامت كبيرة الممرضات بوضع والد علي زوج نوارة (أمير صلاح الدين) خوفا من أن يتم طرده.

وفي مقابل مساومة رجال شركة المياه لإدخال الماء لحي نوارة ومطالبتهم بزيادة مقابل المواسير ورشاوى الحفر نجد أسامة باشا الوزير السابق يقفز في حمام السباحة كحوت ضخم في دلالة واضحة لكونه أحد «حيتان» النظام السابق، ونجد بواب الفيلا (أحمد راتب) يقوم بغسل برش الزرع وغسل السيارات - وهو المطلب الأساسي لشاهندة هانم بعد أن غادرت الفيلا هي وزوجها وبنتها هربا من تهم التربح والفساد- (العربيات تتغسل كل يوم).

بل لا تخلو الإشارات السياسية المباشرة من توظيف لعنصر الماء فالوزير السابق يحرص على أن يظل شعره أسود بالصبغة- وهي رمز الطبقة الحاكمة وقت مبارك الذي كان يحرص وأعوانه على أن يبدو شبابا بشعر أسود طوال الوقت- ولكن بعد يناير تبدو الصبغة من وجهة نظر المخرجة غير قادرة على أن تخفي شيب هذا النظام فنراها في لقطة معبرة تزول مع الماء، بينما يغسل الوزير السابق رأسه قبل أن يتخذ الوزير وزوجته قرارا بالهرب عقب القبض على مبارك وعائلته.

وكفارق لوني وبصري مباشر يبدو التناقض الحاد بين الحارت والأزقة التي تسعى فيها نوارة حاملة أوعية الماء والمماشي والجسور المشجرة وقنوات المياه والملاعب التي تخلق من الكومبوند الذي تقع فيه فيلا شاهندة قطعة من الفردوس المفقود بالنسبة لنوارة وطبقتها الاجتماعية بل غالبية الشعب المصري.

إن نوارة عنما تقرر أن تستجيب إلى طلبات زوجها علي (الزوج مع إيقاف التنفيذ نظرا لعدم توافر حجرة واحدة يمكن أن تجمعهم كزوجين في هذا البلد الضيق معنويا) فإن أول لقطة لها عقب القرار هي لقطة تصورها تسبح باستمتاع شديد تحت الماء تماما كما كانت ترى خديجة المقابل الطبقي لها تسبح باستمتاع وحرية، تتعمد المخرجة كجزء من توظيفها لعنصر الماء أن يكون حاضرا وبقوة في لحظات الحب والجنس والسعادة المختلسة في حمام السباحة وفي البانيو وسط رغاوي الصابون الكثيفة، وفوق المرجيحة بشعور مبتلة عقب ممارسة الجنس والاستحمام لعدة مرات. لو أن الماء لا يمثل عنصرا دلاليا وموظفا بعناية لكان من السهل أن نرى مشاهد الحب والجنس فوق الفراش المفتقد، ولكن لأن الحب والجنس هنا ليسا هدفا في حد ذاته، ولكن الحد الأدنى من الحياة وضروراتها الإنسانية، وبالتالي وجب حضور الماء بعد أن طال بنوارة وعلي التيمم لسنوات طويلة.

ورابعهم كلبهم

ثاني العناصر الذي أدرجتها المخرجة في سياق طرحها لاسؤال (الحدث والواقع) هو الكلب «بوتشي»، الكلب الخاص بخديجة ابنة شاهندة وأسامة والذي نراه في البداية وهو يهاجم نوارة ويكاد يفتك بها، ولكن مع تطور شخصيتها وتحقيقها بعض النمو الدرامي تتطور علاقتها ببوتشي ليصبحا صديقين حتى إن المشاهد يرتبط شعوريا بالكلب للدرجة التي يحزنه معها قتله على يد أخو أسامة الذي جاء يبحث بهستيرية عن أخاه الهارب.

من ميزات القوة في أي عمل فني هو توظيف العنصر الدرامي الواحد ضمن أكثر من دلالة أو سياق فبوتشي في البداية يمثل جانبا من الخصومة الطبقية التي تعاني منها نوارة، هو يرفضها وهي تخاف منه، وهو في نفس الوقت حارس هذه مملكة الرفاهية مثله مثل عشرات الكلاب الذين نسمع نباحهم طوال الفيلم يتجاوبون مع نباحه أو يعلنون عن وجودهم تحت أقدام أسيادهم (أسياد البلد على حد تعبير أخو أسامة باشا وهو يقتل الكلب في النهاية) فيما بعد سوف تترك شاهندة الكلب ونوارة والبواب ليكونا علامة على بقاء البيت مفتوحا بعد هروبهم، هنا يكتسب بقاء نوارة والبواب مع الكلب دلالة اجتماعية واضحة ونظرة طبقية مباشرة، وتتأكد هذه الدلالة الاجتماعية عندما تتوقف نوارة عن الخوف من الكلب ويصبح صديقا لها تعد له الطعام الفاخر الذي يكفي لإطعام أسرة بأكلمها (ثمة إشارة بصرية جيدة بين عملية قلي الطعمية /طعام الفقراء وبين عملية إعداد أكل الكلب بوتشي الذي يتناول فرختين مسلوقتين وكمية من الخضار السوتيه، وهي إشارة لا تأتي متتالية أي في لقطتين متعاقبتين ولكنها جزء من البناء الدلالي للفيلم ككل).

حين تتوقف نوارة عن الخوف من الكلب يتضح فكرة الطبقة الاجتماعية الواحدة التي ينتمي إليها كلا الكائنين في هذا المجتمع بل إن كلاب طبقة شاهندة وأسامة يبدو وكأنها تعيش بصورة أفضل من شريحة نوارة وعلي بأكلمها.

أخيرا يتخذ الكلب دلالة سياسية عندما يدافع عن نوارة ضد أخو أسامة باشا/عباس أبوالحسن الذي يحاول أن يستجوبها بعنف شديد حول وجهة سفر أسامة وزوجته لنفهم أن الأخ بعباءته التي يرتديها فوق البذلة لم يكن سوى الظهير الشعبي المعروف لكي يدخل أسامة باشا مجلس الشعب وينال كرسي الوزارة، هذا الكلب /الطبقة التي تحاول أن تدافع عن مثيلاتها من الطبقات الدنيا ضد جبروت طبقة أسامة وشاهندة فلن تجد إلا القتل كرد فعل من الطبقة التي طالما حمتها وأمنتها (ألا يبدو هذا قريبا من عمليات التصفية المعنوية التي تعرض لها البعض عقب يناير 2011 والتي أدت بالكثيرين من خدام النظام السابق إلى السجون أو اغتيال السمعة).

كانت شاهندة مكونة من الأب والأم والابنة الجميلة ورابعهم كلبهم ولكن حين جاء وقت الفرار أصبح لزاما أن يترك هذا الكلب هنا لكي يحمي البيت الذي هجره سكانه على أمل العودة عندما يعود كل شيء كما كان قبل يناير.

الحامي والحرامي ..

يبدو اسم نوارة اسما براقا على المستوى الإنساني ولكن موضعه في السيناريو هنا لا غرض منه سوى أحداث هذا التناقض الصارخ ما بين المعنى المشتق من النور، وذلك الخفوت والشحوب والأسى الملامحي والشكلي الذي تعاني منه الشخصية بحكم فقرها وعظام روحها التي طحنها العيش في بلد مجتمع كل شيء فيه طبقي وعشوائي وغامض وغير مفهوم حتى ثورته نفسها.

بالطبع لا يمكن إنكار الجهد الكبير الذي بذلته هالة المخرجة لتوظيف إمكانيات منة شلبي بداية من الشحوب وإضعاف الجسد، مرورا بالقضاء على طبيعة الإلقاء السريع للكلمات التي هي إحدى سلبيات الأداء عند منة في أغلب أدوارها، وكذلك القضاء على طريقتها الغريبة في السير.

من المعروف أن خمسين بالمئة من قوة الأداء لدى أي ممثل – ومن نصيب الجوائز التي يحصل عليها- ترجع إلى توجيه المخرج وإدارته ولطالما كان الاعتبار النقدي في جوائز التمثيل- التي حازت منها منة جائزة أحسن ممثلة في مهرجان دبي 2015- هو مناصفة التقدير ما بين الممثل والمخرج، حيث اكتمل الأداء بشكل ناضج نتيجة هذا الجهد الإخراجي في نوارة.

ولا شك أن المخرجة استطاعت توظيف هذا الشحوب والضعف الجسماني لصالح الجانب النظيف والشريف في الشخصية فهي ترفض خيانة الأمانة المتمثلة في رعاية الفيلا، وترفض التساهل في سرقة علي لها بل تدفعه لإعادة الساعة الثمينة التي سرقها وهي تعترف بكل شيء للشرطة لأنها ترى أنه لم يعد هناك مجال لإخفاء أي شيء بعد أن انكشف المستور. وهي ترفض أن تتزوج في فراش بشقة زوجها أو أن تمارس الجنس في غرفتها الصغيرة بالفيلا لأنها تريد أن تتعاطى مع الزواج كحق إنساني وليس كلذة مختلسة ولا يدفعها لذلك – أي ممارسة الحب والجنس بالفيلا- سوى رغبتها في الشعور بالأمان المعنوي والشعوري بعد أن تعرضت لقسوة أخو الوزير وعنفه غير المبرر عليها.

نوارة تحمل في داخلها ذلك الوازع الديني المعرف لدى الطبقات الشعبية المصرية والذي نراه في لقطة واضحة تنظر فيها إلى مئذنة أحد الجوامع التي تطل على الحواري الضيقة التي تحمل الماء عبرها. ونجده في رغبتها بأن تقوم بتسفير جدتها للحج، وفي دعائها المستغيث بالله وتساؤلها عن سر ما يحدث لها من نكبات متتالية، وهي في سيارة الشرطة بعد أن قبض عليها بتهمة السرقة من أموال عائلة الوزير المتحفظ عليها، وهي مفارقة شديدة السخرية والعبثية تصل إلى تخوم الكوميديا السوداء فالنظام فاسد، ولكن الشعب هو المتهم! والوزير السابق يسرق، ولكن نوارة هي التي يقبض عليها!

كان من الممكن أن يكون نوارة فيلما أكثر تميزا لو تخلص قليلا من ثقل المباشرة والخطابية التي اذدحم بها شريط الصوت خاصة، بينما يتعلق بتوظيف نشرات الإذاعة والبرامج الحوارية، خاصة في مشاهد الأتوبيس الخاص بنقل الخدم داخل الكومبوند، حيث بدى بعضها فجا، خاصة المؤلف منها (مصر بلد غنية بس منهوبة) فهذا ما نعرفه وندركه وتؤكد عليه الصورة بكل تناقضتها الصارخة فلماذا إذن الإصرار على تأكيد تلك المعلومة المكررة صوتيا بمختلف الوسائل (إذاعة وتليفزيون؟)، صحيح أن الفيلم يبدو في توجهه المباشر والواضح والبسيط قاصدا شرحه من المتلقين غير المخضرمين سينمائيا والذين ربما يحتاجون إلى التبسيط والتوضيح لضمان وصول السؤال الفيلمي إليهم، ولكن ليس معنى هذا أن يتحول الأمر إلى تكرار أشبه بتكرار الكتاتيب في تحفيظ القرآن.

ثمة فارق كبير بين سيل التعليقات الإذاعية والتليفزونية التي تنهال على المتلقي عبر سياقات الفيلم ومشهد واحد تحاول فيه نوارة أن تشق طريقا للميكروباص الذي تركبه كي تصل إلى شغلها في فيلا الوزير السابق عبر واحدة من مظاهرت (العيش والحرية والعدالة الاجتماعية) هذا الفارق هو فارق تعبيري وفني، فرغم المباشرة التي يتسم بها كلا المشهدين إلا أن مشاهد التعليقات الإذاعية تبدو أكثر جفافا من مشهد شق الطريق إلى أكل العيش عبر المظاهرة التي تنادي بالعيش!

رغم ذلك سوف يبقى نوارة واحدا من التجارب الفيلمية المهمة التي حاولت أن تطرح سؤالا بسيطا من خارج المقرر الثوري المفروض منذ يناير 2011 حتى الآن هذا السؤال باختصار: (ماذا فعلت الثورة للبسطاء من هذا الشعب؟).

المصري اليوم في

19.03.2016

 
 

بشار إبراهيم يكتب:

“نوارة”.. فيلم ثوري عن ذكرى ثورة

لم يقل فيلم “نوارة” للمخرجة هالة خليل، إن ما حدث في 25 يناير 2011 لم يكن ثورة، بل لعله لا يريد قول ذلك أصلاً، على رغم ما جرى في نهر الأحداث، خلال الـ18 يوماً، وما تلاها، مما عكّر صفو الأحلام، وشوّش الآمال، وجعل المستقبل أكثر ضبابية، وقابلية للنكوص، إلى درجة يجعل الترحّم على أيام زمان أمراً ممكناً لدى الكثيرين من الذين انهارت بهم الأيام، فتزعزعت سكينتهم، وتقوّض اطمئنانهم، على ما كان فيه من أوهام، خميرتها الفقر والقلة الحيلة والتعب حدّ المذلة، والنفور من التمرّد والخوف من التضحية.

هذه المرة، ومع فيلم “نوارة” (122 دقيقة، 2015)، يمكن القول إن السينما المصرية قاربت ثورة يناير 2011، بواحد من أهمّ أفلامها وأكثرها ذكاء، غير غافلين عن “الشتا اللي فات” للمخرج إبراهيم البطوط، و”بعد الموقعة” للمخرج يسري نصرالله، و”فرش وغطا” للمخرج أحمد عبدالله، ولا عن “18 يوماً”، و”تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي”، وكثير من الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة. فبالاستفادة مما سبق، وبالموازاة معه، يأتي “نوارة” إضافة سينمائية هامة، تنبغي قراءتها من مستويات عدّة، لا ضير إن كان من بوابة الثورة، أم من باب الفعل السينمائي، فهذا الفيلم مكتنز بما يريد قوله وتقديمه على الشاشة، ليبدو أقرب إلى مداخلة سينمائية طويلة تنبش جراحاً لم تندمل بعد.

المشاهدة المتأنية لفيلم “نوارة” مثيرة وممتعة في آن، لما ينطوي عليه من قصديات فكرية وممارسات سينمائية مدروسة، وعلى قدر كبير من الاختلاف والتميّز والنباهة. إنه فيلم ثوري أكثر مما هو فيلم عن الثورة، فيلم لا يستسلم بسهولة لفكرة الثورة، لا لهيجانها، ولا لإغواءاتها، وميادينها، وشعاراتها ووقائعها، بل يتعامل بطريقة ثورية مع فكرة الثورة، ويضعها في سياق جدلي تاريخي، اقتضى منه العمل على تشريح ثلاثي الأبعاد، طال كلاً من البنية الاجتماعية، ومؤسسة الدولة، وبنية النظام، هذه الأقانيم التي تتبادل الفعل وردّ الفعل، والتأثير العميق، فيما بينها، من دون توفّر القدرة الدائمة على تحديد التخوم الفاصلة بين أيّ منها والآخر.

منذ المشاهد الأولى تتوضح نيّة فيلم “نوارة” بالاستفادة من الخلفية التاريخية التي توفرها ثورة يناير 2011، للغوص في عملية تشريح البنية الاجتماعية المصرية، التي نراها تنقسم في شكل فادح ما بين الفقراء والمفقرين، من جهة، والأغنياء والمثرين، من جهة أخرى، لنجد أنهما عالمين منفصلين تماماً: عالم الأسياد، وعالم العبيد، ولا رابط بينهما سوى رحلة الذلّ اليومية للعبيد الذاهبين للعمل في خدمة الأسياد، عائدين في المساء إلى «عششهم»، التي لا تليق بالحياة الآدمية، ولا بعيش البشر وكرامتهم الإنسانية.

ومع انسحاق الطبقة الوسطى، وأنصاف المتعلمين، تحت وطأة الإفقار، تتنشر مظاهر الفساد والإفساد الاجتماعي وأمراضه: السرقة واللصوصية، وانتشار النمط الطفيلي في الاقتصاد، على حساب الاقتصاد الإنتاجي، لنجد الفتاة نوارة تعمل خادمة، وجدّتها تبيع السندويش، ولا يبتعد علي أيضاً عن هذا الطراز من المهن غير المنتجة، التي لا تولد في النهاية إلا المزيد من الفقراء والمفقرين، في تعميق للشقة الاقتصادية ما بين قاعدة المجتمع وقمته التي تراكم ثرواتها أيضاً بطريقة أقرب إلى الريعية، إن لم يكن النهب والرشاوى واستغلال المنصب.

بوجود هذه البنية الاجتماعية المعلولة، سيكون من الطبيعي أن تكون مؤسسة الدولة تعاني من مزيد من العلل. مؤسسة منخورة بسوء الإدارة، تعاني من معضلات الفساد: ليس فقط على مستوى الصحة والماء، كما يبدو في ظاهر الصورة الفيلمية، بل في مختلف مناحي الحياة، بما فيها افتقاد القدرة على استيعاب الطاقات البشرية المهدورة إمكاناتها، بخاصة الشباب منهم، والعجز عن حماية حياة الناس وصحتهم، وتأمين معيشة كريمة، ذات كفاف لهم. مع مؤسسة دولة من هذا الطراز الناس متروكون لمصائرهم وأقدارهم التي تطوّح بهم، قشة في مهبّ أكثر من ريح عاتية، لا تبقي ولا تذر.

ولا تنفصل بنية النظام عن مؤسسة الدولة إلا بمقدار الرغبة في الحفاظ على الحصة الأكبر من المغانم، في مقابل الحدّ الأدنى من الخسائر، إن لزم الأمر. هكذا تبدو مؤسسة الدولة مطية بنية النظام، وكبش الفداء الجاهزة للتضحية بها عند كل منعطف، وفي كل مأزق، وبالقسوة اللازمة، بما فيها الفتك الدامي، من سجن أو إبعاد. مطاردة وحتى قتل. وهذا ما يوضح قوة القبضة الأمنية التي تتمسك بها بنية النظام، وتواريها بخبث خلف ظهر مؤسسة الدولة، لتبدو هذه في صورة الفاعل، وهي في الحقيقة ليس أكثر من عكازة نخرها نمل الفساد والانفتاح منذ أكثر من أربعين سنة.

التأثيث المدروس لفيلم «نوارة»، على هذا النحو، لن يستقيم إلا إذا تمّ التعامل مع الثورة بوصفها حدثاً خارجياً، يجري على الضفة الأخرى من تواجد الشخصيات مادياً ونفسياً. هنا من الواجب أن لا تنتمي الشخصيات إلى زمن الثورة. لا ينبغي أن تدخل فيه، ولا أن تخرج منه. الثورة حدث خارجي، وهذا يعني أنه لن يحدث أيّ تغييرات درامية عاصفة، أو جوهرية، في أيّ من شخصيات الفيلم، وعلى هذا ستستمر نوّارة في ذهابها وإيابها ما بين القطبين: الأشد تعاسة حيت تعيش، والأكثر بذخاً حيث تعمل. وسيستمر علي في دوامته المركبة: النفسية والمادية والاجتماعية، بما فيها من فقر وكبت وقلة حيلة وعجز.

كأنما فيلم “نوارة” يريد القول إن الثورة لم تدخل حياة الفقراء، ولم تزعزعها. فقط عندما غيّرت الثورة من حياة الأسياد، أحدث تغييراً في حياة العبيد، ولذلك كان الحجر الذي جرى رميه في مستنقع حياة نوارة، يتمثّل في مغادرة العائلة الثرية التي تعمل نوارة خادمة لديها، واضطرارها لترميم هذا الغياب.

يرسم الفيلم الفارق ما بين الثورة والتنحي؛ ترتبط الثورة بفعل التضحية التي يتهيّب الكثيرون منها، والتي تتنافى مع ميل المواطن أمثال نوارة إلى السترة، بينما يرتبط التنحي بتحقق الفكاك من عقد الإذعان المفروض على المواطن من دون رغبة ولا إرادة. لم تخرج نوارة إلى الثورة، لكنها خرجت عقب التنحي، تعترف بذلك، وتأمل أن يكون لها نصيب من الأموال المنهوبة، ولكنها بدل الأموال المنهوبة من قبل مبارك، سوف تحظى بقليل من الأموال المنهوبة من قبل أسامة باشا.

في “نوارة” لن نرى من خرج إلى الثورة، ولن نمرّ على ميدان التحرير، وشهدائه، ولكننا سنرى من لم تدخل الثورة إلى حياتهم، ورغم ذلك يدفعون الثمن، وسنغوص في أحياء القاع القاهري، في أسوأ صوره، من دون أن يشي لنا ببارقة أمل. ومع هذا يمكن القول بشجاعة إن فيلم “نوارة” فيلم ثوري على مستوى الفكرة والتناول والسرد، كما هو متميّز على مستوى التنفيذ السينمائي، فصاحبة “أحلى الأوقات” و”قصّ ولزق” عرفت كيف تقول قولتها السينمائية، وشهادتها الإبداعية، في زمن الثورة التي سرعان ما أضحت ذكرى. الممثلة منة شلبي في غاية التوفيق وهي تتلبّس “نوارة”، أكثر من مجرد أن تؤديها، وتتويجها بجائزة أفضل ممثلة عربية في الدورة الـ12 من “مهرجان دبي السينمائي الدولي” (ديسمبر 2015) مستحق تماماً. محمود حميدة وأمير صلاح الدين وأحمد راتب وشيرين رضا ورجاء حسين، وغيرهم، في هارموني أداء ممتاز. تصوير زكي عارف، ومونتاج منى ربيع، وموسيقا ليال وطفة، ركائز أساسية وقوية في هذا النجاح، الذي قادته إلى التميّز المخرجة الاستثننائية هالة خليل.

موقع زائد 18 المصري في

20.03.2016

 
 

«نوارة».. مرثية سينمائية عن 25 يناير

كتب: سعيد خالد

شهدت ندوة فيلم افتتاح المهرجان «نوارة» حالة من الجدل ما بين الحضور، بسبب تناول العمل تأثير ثورة 25 يناير على المواطن على المستوى الاقتصادى، فالبعض يرى أن الفيلم يؤيد الثورة ويدافع عنها، وآخرون يؤكدون أنه ضدها وهاجموه بشدة، وهى الندوة التي أدارها الناقد طارق الشناوى وحضرها صناع الفيلم منة شلبى التي تساقطت دموعها عقب انتهاء الفيلم نتيجة احتفاء الحاضرين والتصفيق والثناء على المجهود المبذول في العمل، وأمير صلاح الدين والمنتج صفى الدين محمود والمخرجة هالة خليل.

بدأ الشناوى الندوة قائلا: «هذا هو أول فيلم روائى يقدم الثورة بتفاصيلها المتعلقة بالإنسان المصرى، وعمق الفيلم أنه مع الثورة، وحالة الشجن أقرب إلى مرثية، والفيلم يقول كل شىء بلا صخب، لكن المخرجة كانت حريصة على تقديم حالة درامية بنوع من الهدوء والإيحاء.. ومنة شلبى عمرها الفنى 17 عاما، لكن في هذا الفيلم هناك حالة نضج، خاصة أن الفنان محمود حميدة، وهو أذكى ممثل في جيله، يرى قانون السينما ويعرف كيف يستغل طاقته ولديه القدرة على أن يجعل في الدور وهجا وإحساسا كبيرا.. أما أمير صلاح الدين فهو حصل على البطولة ويستحقها، وموسيقى ليالى وطفة كانت متميزة ووراء هذا الفريق منتج واعٍ».

وأكدت منة شلبى أنها اعتمدت في شخصية نوارة بشكل كبير على السيناريو لأنه مكتوب بشكل متكامل إضافة إلى المخزون الذي تملكه عن شخصية الفتاة الشعبية البسيطة التي تتحمل على عاتقها مسؤوليات متعددة، وقالت إنها لم تحتج إلى «شف» أو تقليد شخصية بعينها، وكانت حريصة على التعايش مع الحالة الإنسانية، وإنها أحبت كثيرًا «نوارة» وإن كانت أجهدتها لكنها تعلمت منها الكثير.

وقالت المخرجة هالة خليل إنها رفضت تقديم رسائل مباشرة من خلال الفيلم، وإنها حاولت رصد الحالة الإنسانية لنموذج من الفتيات في المناطق الشعبية من الثورة، وأشارت إلى أن الفيلم ليس حدوتة لكنه إيقاع اختارته لكى يفكر المشاهد، وإنها لا تحب التحدث وتهتم أكثر بالسماع لما قدمته، لكن نوارة لديها تراكمات كثيرة، وكل مشهد كان يحمل فكرة، والتحول في الشخصية كان كثيرا داخل الفيلم، وعندما قررت نوارة أن تتزوج على في البيت، كانت تريد معرفة رد فعله من الجمهور الذي شاهد الفيلم من قبل واكتشفت أنه وصل بشكل كبير.

المصري اليوم في

20.03.2016

 
 

منة شلبى: "نوارة" فى كل مكان.. وأشكر هالة خليل لأنها منحتنى شخصية متكاملة

الأقصر - جمال عبد الناصر

تقدم الفنانة «منة شلبى» فى فيلمها الأخير «نوارة» دورا يعتبر هو الأكثر تميزا وبريقا فى كل أدوارها، وهو الدور الذى نالت عنه جائزة أفضل ممثلة من مهرجان دبى السينمائى فى دورته الأخيرة وعقب عرض فيلمها بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية تحدثت «منة شلبى» لـ«اليوم السابع». وقالت «منة» إن شخصية «نوارة» موجودة فى كل مكان فى مصر وإن المخرجة هالة خليل قدمت لها الشخصية كاملة متكاملة وجلست معها عدة جلسات مكثفة لوضع تفاصيل الشخصية والنقاش حولها الشخصية سواء على المستوى الخارجى وملامحها، أو التركيبة النفسية. رغم أن المخرجة هالة خليل قدمت لها سيناريو محكما ومتكاملا ويحمل كل التفاصيل الخاصة بالشخصية.. ولكنها فى نفس الوقت لم تبخل عليها بالوقت والجهد لتخرج الشخصية مكتملة فنيا. وعن تعاونها أكثر من مرة مع المخرجة هالة خليل قالت: «تعاونت مع المخرجة فى فيلم «أحلى الأوقات» الذى شاركت فى بطولته مع هند صبرى وحنان ترك، وهو فيلم حاز على العديد من الجوائز عام 2004 لأنه أيضا يحتوى على قصة مختلفة بين 3 صديقات وحاز على جائزة أحسن فيلم خلال عرضه فى مهرجان جمعيه السينما. وأضافت: «ليس عيبا أن أتعاون مع مخرج أكثر من مرة بالعكس فهذا أفضل للفنان وأفضل للأداء وأفضل للمشاهد لأن المخرج حينها يعرف جيدا نقاط الضعف والقوة لدى الممثل ويستطيع أن يتعامل معها بسهولة، وكله يأتى بنتيجة إيجابية للمشاهد التى يستمتع بأداء الممثل فى كل الأحيان. وأكدت أن هالة خليل من نوع المخرجين الذين يحبون ممثليهم ويعملون معهم ليخرج الفيلم فى أفضل صورة. وقالت إن تكريمها بالمهرجان وسام على صدرها ودفعة حقيقية لها خاصة أن تكريمها مع مخرجة أفريقية كبيرة فى حجم «صافى فاى» ومخرج كبير ومعروف مثل «جاستن كابوريه». وأضافت الفنانة الشابة أنها عند لحظة تكريمها أو حصولها على جائزة تشعر دائما أن مجهودها لم يضيع هدرا وأن ما بذلته من مجهود وتعب مقدر من الجميع خاصة الجمهور الذى حضر العرض الخاص للفيلم فى المهرجان الذى هنأها. وقالت إنها تشعر بالسعادة لوجود مهرجان مصرى مهتم بالسينما الأفريقية «مهرجان الأقصر»، مضيفة أن مثل هذه المهرجانات تكتسى بأهمية قصوى فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر حاليا. وأكدت أنها دائما تعطى المهرجانات المصرية الأولوية فى الحضور مضيفة: «ما أستطيع أن أقدمه هو المشاركة بأعمالى فيها وحضور فعالياتها لأنها تدعم مهنتنا التى تجعل لنا مكانة فى المجتمع، واستحالة أن يوجه لها مهرجان سينمائى مصرى دعوة ولا تلبيها. وقالت إن الفيلم ليس سياسيا ولكنه يرصد حالات إنسانية شديدة الخصوصية لبسطاء من المجتمع المصرى كانوا يحلمون بالتغيير والحياة الكريمة والأمان والسلام الاجتماعى. وأضافت عن الفيلم: «يكشف الفجوة الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية فى مصر ويستعرض نماذج كثيرة من الشخصيات «نوارة» أحداها وربما تكون هى الأكثر تركيزا.. لكن جميع الشخصيات حولها تؤثر وتتأثر بها

اليوم السابع المصرية في

21.03.2016

 
 

منة شلبى: تكريمى فى «الأقصر السينمائى» دعمنى نفسياً وفنياً.. و«نوارة» علمنى التفاؤل (حوار)

كتب: سعيد خالد

كُرِّمت الفنانة منة شلبى فى حفل افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، كما عُرِض فيلمها «نوارة» لأول مرة فى مصر بعد عرضه الأول فى دبى، حيث فازت بجائزة أفضل ممثلة.. عن تكريمها وتجربة الفيلم الذى يستعرض المجتمع المصرى منذ ثورة 25 يناير وتنحِّى مبارك كان هذا الحوار.

بدايةً.. كيف ترين تكريمك فى حفل افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان الأقصر؟

- كنت سعيدة جداً، واعتبرتها رسالة خفية مليئة بالمشاعر والحب والاحترام من القائمين على المهرجان، الحقيقة كنت دائماً أرفض فكرة التكريم، لأننى من وجهة نظرى لم أقدم ما أستحق التكريم عليه، وهناك أسماء أكبر منى قامة وقيمة تستحق أن تقف مكانى، نعم اجتهدت وأبحث دائماً عن الاختلاف وتطوير أدائى، لكن كلمة «التكريم» مرتبطة لدينا بجملة «عن مجمل أعماله»، وحينما تحدث إلىَّ سيد فؤاد، رئيس المهرجان، قال لى «إحنا عاوزين نكرّمك على جائزة مهرجان دبى»، واعتبرتها مجاملة رقيقة دعمتنى نفسياً وفنياً لتقديم الأفضل، وأن أكون دائماً فى صفوف كبار النجوم.

كيف استقبلت ردود فعل الجمهور حينما عُرِض «نوارة»؟

- كنت حريصة على حضور العرض رغم أننى مجهدة جداً، وأفضل دائماً أن ألمس ردود الفعل بشكل مباشر ومدى تفاعل الجمهور مع الأحداث، والحمد لله راضية تماماً عن ردود الفعل، وبكم الجمهور الذى حرص على متابعته حتى نهايته وحضور الندوة التى أعقبته، وأعتبر الفيلم جزءاً من «روحى»، الناس «مصدقاه» أو لا، وهو أول عرض فى مصر وهو الأهم بالنسبة لى.

لماذا قلت إنك تعتبرينه التجربة الأهم فى مشوارك؟

- بالفعل فخورة بتقديمه وسط 29 فيلماً شاركتُ فيها، وحينما أرسلت لى المخرجة هالة خليل السيناريو قرأته فى ساعتين، واتصلت بها على الفور وأبلغتها بأننى متحمسة جداً، لأنه شيق ومعانيه عميقة، والسيناريو إنسانى يتحدث عن التأثير النفسى على الشعب عقب ربيع 2011 وفترة التنحى، والقبض على رجال الأعمال ومحاكمة الرموز السابقين، ويرصد صورة للفقراء والأغنياء فى هذا التوقيت بشكل حياتى بعيداً عن الصراخ والضجيج، محايد وله وجهة نظر عميقة ومحترمة تتناول معظم الآراء، قضيته تنحاز للإنسان والبشر بعيداً عن أى اتجاه أو موقف سياسى، وهنا كان جمال السيناريو حينما قرأته.

أين كانت صعوبة شخصية «نوارة» وكيف تأثرتِ بها؟

- صعوبتها كانت فى الحفاظ على الإطار العام للشخصية، ونمط الكاركتر، وطبقة صوتها ونظراتها ولغة عينيها، واعتبرت ذلك هو الرهان الأساسى لنجاحها، وأنا بطبعى شخصية غير شريرة لكنى لست فى طيبة نوارة، لأنها صاحبة تحمُّل وجلد تعلمت منها الكثير، فعلى الرغم من تحملها مسؤولية كل من حولها (جدتها وخطيبها ووالده المريض والمنزل الذى تعمل فيه خادمة) فإنها دائماً مبتسمة، وهى لا تمتلك إمكانيات حياتية، وحينما نزلنا «الحطابة» وجدنا أناساً بشوشة وجميلة وراضية برزقها ولديها الابتسامة والحب، تؤمن أن القادم أفضل، وهى روح غير موجودة لدى الكثيرين، لذلك أقول إن نوارة لم ترهقنى بقدر ما ساعدتنى نفسياً على الإيمان بالرضا وعلى ضرورة أن أنظر للأمور فى إطار واسع وبتفاؤل.

وماذا عن المشهد الأصعب فى الفيلم؟

- الجزء الأخير بالكامل من الفيلم كان الأصعب، خاصة مشهد النهاية.

دورة مهرجان الأقصر تشهد عرض أكثر من فيلم مصرى كيف ترين ذلك؟

- هو دليل على أن السينما تشهد تطوراً نوعياً وفكرياً، وهناك أكثر من مشروع ينبئ بنهضة العام المقبل، بتقديم أفلام محترمة تخاطب فئات متنوعة من الجماهير، وأتمنى أن تنجح فى جذب المزيد ممن اتجهوا لمشاهدة الأفلام الأجنبية، وستكون أعمالاً تمزج بين الجماهيرية والإبداع، تحقق إيرادات ويمكنها أن تنقل صورة مهمة للسينما المصرية عالمياً، منها «يوم للستات» للمخرجة كاملة أبوذكرى، بطولة وإنتاج إلهام شاهين ومعها نيللى كريم وناهد السباعى ومحمود حميدة وفاروق الفيشاوى وإياد نصار، إضافة إلى فيلم «اشتباك» للمخرج محمد دياب ومعه نيللى كريم وعدد من الوجوه الشابة، وهو مخرج متميز نجح فيلمه «678» فى تحقيق أعلى إيرادات لفيلم غير فرنسى فى تاريخ السينما الفرنسية عند عرضة هناك، ومن وجهة نظرى فإن مشكلة السينما حالياً فى قلة الكُتَّاب المتميزين، لدينا وفرة فى المخرجين والفنيين ومديرى التصوير.

وماذا عن فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» مع المخرج يسرى نصر الله؟

- أتعاون خلاله مع يسرى نصرالله، وهو مخرج مميز، وأعتبره إنساناً استثنائياً فخورة بصداقته، وهو يحب ويحترم الممثل «بتاعه»، أجسد خلاله شخصية «كريمة»، عمل مختلف لأنها فلاحة، لها طريقة معينة وكاركتر مميز، ودائماً لا أتردد فى قبول أى عمل ليسرى نصرالله.

ما سبب تأجيل مسلسلك «واحة الغروب»؟

- أعتبر نفسى محظوظة بدخول مدرسة كاملة أبوذكرى، وقدمت معها أحد أهم أدوارى فى السينما فى فيلم «عن العشق والهوى»، وهى كانت من أوائل من دعمونى وعلمونى الكثير فى هذه المهنة، بدءاً من فيلم «الساحر» لأنها كانت مساعدة المخرج رضوان الكاشف، إنسانة بديعة، وعلى المستوى الفنى هى مخرجة كبيرة، اتصلت بى وعرضت علىَّ الشخصية وقالت لى «شايفاكى فى الدور»، ولم أتردد لحظة حتى أقبله، وبدأت التحضيرات على أن يكون فى رمضان 2016، وكان العمل يحتاج تحضيرات لأننا نتناول عصر 1800، إضافة إلى أن دورى يحتاج لمعايشة ومذاكرة قوية، ولهذا كنت مع قرار تأجيله حتى يخرج بشكل جيد على أن يكون فى رمضان 2017.

كيف تقيِّمين نجاحك فى مسلسل «حارة اليهود»؟

- المسلسل تجربة مهمة، استفدت منها الكثير بالتعاون مع فنانين عظماء منهم هالة صدقى التى أعشقها على المستوى الشخصى، على الرغم من أننا لم تجمعنا مشاهد لكنى أعتبرها «وش السعد» بالنسبة لى، وكذلك تشرفت بالوقوف أمام أحمد كمال وصفاء الطوخى وسلوى محمد على، وأصعب ما فى التجربة أننى فقدت الأستاذ الكبير سامى العدل المقرب إلى قلبى «الله يرحمه».

ما سبب ابتعاد منة شلبى لفترات؟

- لأننى لا أحب العمل إلا وأنا فى حالة صفاء ذهنى، وأبتعد حينما أجد نفسى غير قادرة على تقديم ما هو مميز وجديد، احتراماً للجمهور الذى أقدره جداً، وعلى الممثل ألا يخرج للجمهور ليبرز مشاكله، إضافة إلى أننى لا أقبل أدواراً غير جيدة وأبحث دائماً عن سيناريو جيد.

شيرين عبدالوهاب صديقتك المقربة هل كنت تعلمين بقرار اعتزالها؟

- لا أعلم ما وراء هذا الخبر وفوجئت به، وحسب معلوماتى أن ما عاشته شيرين كان موقفاً عرضياً سيتم تجاوزه وستعود لعملها وحفلاتها وجمهورها، ولكنى تألمت بسبب ما نشر حول أنها تبحث عن «شو» فهذا كلام غير مقبول، لأنها نجمة وتمثل مصر عالمياً، من الممكن أن يكون القرار خاطئاً، لكن عيب ما يقال من أنها تبحث عن شهرة أو غيره.

المصري اليوم في

21.03.2016

 
 

تزاحم الجمهور على فيلم «نوارة».. والمكرمون يدعون للإنتاج المشترك بالقارة

كتبت_ آية رفعت

شهدت الأيام الأولى للدورة الخامسة من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية ضغطًا كبيرًا فى مواعيد المؤتمرات الفنية والثقافية خاصة مع حضور عدد من وزراء ثقافة الدول الإفريقية على رأسهم وزير ثقافة دولة السودان ودولة كوت ديفوار. وكذلك حضور عدد من النجوم لتدعيم المهرجان منهم الفنان فاروق الفيشاوى الذى رحل فى اليوم الثانى للمهرجان لوفاة ابن أخيه.. كما حرص الفنان فتحى عبد الوهاب على الحضور رغم عدم مشاركته بأى عمل سينمائى ولكنه قال إنه يسعى دائما للتواجد خاصة أن المهرجان قد بدأ بدعم من كل الفنانين وأنه نسق مع مخرج مسلسله الخانكة للحصول على 3 أيام إجازة من التصوير ليتمكن من حضور فعالياته.

وقد حضر عدد كبير من جمهور محافظة الأقصر لمشاهدة فيلم «نوارة» والذى تم اختياره كفيلم الافتتاح ولكن تم تأجيل عرضه لليوم التالى بسبب سوء الأحوال الجوية بمعبد حتشبسوت المقام به الحفل. ورغم ان قاعد المؤتمرات بالأقصر كبيرة جدا إلا أن تزاحم الجمهور على العرض ووقوفهم صفوفًا أمام السينما جعل العرض أكثر ازدحاما.

وأقام المهرجان مؤتمرًا صحفيًا للثلاثة المكرمين وهم جاستين كابوريه من بوركينا فاسو وصافى فاى من السنغال ومنة شلبى من مصر والتى حضرت فى آخر نصف ساعة من المؤتمر. وتحدث كل من النجوم الأفارقة عن التعاون المشترك بين الدول الإفريقية وضرورة توفير دعم مادى فيما بين القارة لأن أهلها هم من يشعرون بالمشاكل الموجودة بها.. كما أضافوا أن فقر الدولة الإفريقية لا يعنى أنهم فقراء فى الإبداع السينمائى لكن يجب على الدول تدعيم السينما لأهميتها فى مناقشة مشاكل المنطقة.

وفى نفس الندوة قالت منة شلبى انها تجد أن تكريمها من مهرجان عريق مثل الأقصر للسينما الإفريقية وسام على صدرها كما قالت انها تشعر وسط هؤلاء النجوم والرواد الذين لديهم تاريخ طويل بالفخر الاعتزاز وأنها أقل من انها يتم تكريمها لصغر سنها الفنى مقارنة بهم. بينما ظهرت شلبى مرة أخرى فى مساء نفس اليوم خلال العرض الأول الإفريقى لفيلمها «نوارة» حيث قالت خلال الندوة إنها لم تستدع أن تتعرف على شخصية مثل نوارة الفقيرة والتى تعيش فى العشوائيات أنها شخصية متكررة وموجودة حولنا جميعا.

من جانب آخر أقام المهرجان ندوة تكريمية لأعضاء مهرجان قرطاج السينمائى الدولى والذى يعتبر أول مهرجان للسينما الإفريقية.. وحضر الاحتفالية كل من رئيس المهرجان السيد إبراهيم لطيف  ود.فتحى الخراط مديره ووزير الثقافة دولة كوت ديفوار. وتم عرض فيلم تسجيلى عن مؤسس المهرجان طالع الشريعة بعنوان «طاع الشريعة فى ظل شجرة الباوباب».. وقال خرج العمل محمد شالوف إنه يهدى الفيلم لثلاثة من رواد السينما بالعالم العربى والعالم كله وهم الراحل يوسف شاهين وتوفيق صالح وعطيات الأبنودى.. كما قال إن وزارة الثقافة التونسية منحت له عددًا من التسجيلات النادرة بصوت الشريعة مما جعله يستطيع أن يكون مادة فيلمية هائلة عنه وعن المهرجان الذى أقيم أول مرة عام 1966 بأول دورة عالمية والباقى لإفريقيا فقط.

كما حضر وزير ثقافة كوت ديفوار الافتتاح الخاص لمعرض لتاريخ السينما المصرية والذى يضم عددًا كبيرًا من الأفلام وذلك بقصر ثقافة الفنون للمصور حسين بكر.. والذى جمع عددًا من صور الأفلام القديمة منها «سمارا» و«حبيب الروح» و«أمير الدهاء» وغيرها.

وغادر العديد من الفنانين فعاليات المهرجان فى اليوم الثالث منه وهم فتحى عبد الوهاب وأمير صلاح الدين ومنة شلبى وهالة خليل بينما حضر وفد آخر منهم محمد فراج وأمير رمسيس لعرض فيلمهما خانة اليك.

روز اليوسف اليومية في

21.03.2016

 
 

«نوارة».. احتفالية خاصة أول أيام مهرجان السينما الأفريقية

الأقصر ـ حاتم جمال الدين:

احتفل مهرجان الاقصر للسينما الافريقية بفيلم افتتاح دورته الخامسة «نوارة»، وبحضور ابطاله منة شلبى ومحمود حميدة وامير صلاح الدين، ومؤلفته ومخرجته هالة خليل، اقيمت ندوة للفيلم عقب عرضه فى قاعة المؤتمرات فى اول ايام المهرجان، والتى تحولت إلى احتفالية خاصة بالفيلم الذى اشاد الجمهور والنقاد بمستواه الفنى، وطريقة تناوله لثورة 25 يناير من وجهة نظر خاصة جدا اهتمت بالانسان البسيط واحلامه البسيطة فى حد ادنى من الحياة الكريمة.

فيما اجمع النقاد على حالة النضج الطاغية فى اداء بطلة العمل منة شلبى وتجسيدها لدور الفتاة الفقيرة التى تعيش بين عالمين احدهما يتمثل فى الحى الشعبى شديد الفقر الذى ينتظر سكانه ما ستحققه الثورة من تغيير فى حياته البائسة، وبين عالم الكومباوند الراقى الذى يعيش فيه الكبار الرافضون للثورة والذين يهربون بأموالهم خارج البلاد رغم ايمانهم بأنه لا شىء سيتغير.

وعلق الناقد طارق الشناوى مدير الندوة على اداء منة بانها قدمت حالة ابداع خاصة أنه رغم ان لمنة العديد من الادوار الجيدة التى قدمتها على مدى خلال 16 سنة مضت وحقق بعضها جوائز، الا ان نوارة يعد نقلة حقيقية على مستوى الاداء المتمكن.

فيما اشار إلى اداء محمود حميدة، والذى وصفه بالمحترف، وقال ان حميدة خلال الفترة الماضية يفاجئنا بادائه ادوارا لا تعد من ادوار البطولة ولكنه يستطيع ان يعطى الشخصيات التى يجسدها حالة من الوهج والعمق مهما كانت مساحة هذا الدور على الشاشة.

كما اشار إلى الدور الذى جسده امير صلاح الدين فى اولى بطولاته على الشاشة، واكد أنه قدم دورا يجعلنا نقول انه استحق بالفعل لدور بطولة.

وقال الشناوى عن الفيلم فى تقديمه لندوته، بانه لا يحمل قدرا كبيرا من العناصر التجارية، ولكنه تضمن الكثير من عوامل النجاح، واشاد بجرأة المنتج الذى قدم فيلم من هذا النوع من الافلام فى اول تجاربه مع السينما.

واضاف بان الافلام التى تناولت ثورة يناير من قبل بعضها حولت الثورة لـ«نكتة»، والبعض الاخر حمل وجهة نظر سياسية، وبعضها شارك فى مهرجانات دولية مثل كان وغيره، ولكن فيلم «نوارة» يقدم الثورة من وجهة نظر المواطن المصرى، وان الفيلم يقدم وجهتى النظر بين من كان مع الثورة ومن كان ضدها، فى صياغة تحمل قدرا كبيرا من الشاعرية.

وعن كيفية الامساك بملامح الشخصية، وكيفية تجسيدها عبر اداء داخلى لا يظهر الكثير منه على الشاشة، قالت منة شلبى انه اعتمدت بشكل كبير على رؤية المخرجة هالة خليل، وذلك من خلال الشخصية التى كتبتها فى السيناريو، وكذلك من خلال فترة تدريب طويلة فى جلسات عمل بينهما تم الاتفاق خلالها على ادق التفاصيل والتأكيد عليها.

وأدت منة ان كثيرا من ملامح شخصية نوارة نراها فى كثير من الناس الذين نعيش بينهم، وانها لم تكن بحاجة إلى معايشة الشخصية مع نماذج قريبة منها.

وخرجت الندوة بشكل مختلف عن ندوات الافلام المعتادة، ومن بدايتها فتحت الباب لمشاركات وتعليقات الصالة، حيث اكد المنتج محمد العدل سعادته بالفيلم، وداعب المنصة بقولة :«انا بزعل لما اشوف فيلم بهذا المستوى وماكونش انا المنتج».

واشاد المخرج عمرو عابدين بالمخرجة هالة خليل، وقال انها خريجة نفس دفعته فى معهد السينما وانه منذ السنة الاولى فى الدراسة كانت كل الدفعة تعلم ان هالة مخرجة من نوع خاص، وان الاعمال التى قدمتها تؤكد هذه التكهنات، ولكن نوارة فاقت التوقعات.

وعلق الناقد هشام لاشين على رسالة قدمتها هالة فى فيلمها فى مشهدى مقتل الكلب الحارس لفيللا رجل الاعمال الهارب برصاص شقيقه، وكذلك مشهد النهاية المتمثل فى القبض على نوارة، وقال إن الرسالة تقول بان مصير الاوفياء فى هذا البلد إما السجن او الضرب بالرصاص.

واشارت الفنانة سلوى محمد على إلى تقديم الفيلم لرجال نظام مبارك بصورة ناس لطفاء للغاية مع من يخدمونهم رغم انهم هم من تسببوا فى حالة البؤس والشقاء، وهى صورة من الواقع حيث كان رجال مبارك كذلك لطفاء وهم يسرقون الشعب المصرى.

واشارت إلى اختيار الفنان النوبى امير صلاح الدين لدور البطولة، وقالت ان هناك جملة ساقتها على لسان امه كانت ابلغ من أى سياسى تحدث عن قضية النوبة، عندما قالت لنوارة: «انا كنت اعارض زواجك من ابنى لانك جوربتى ـ غير نوبية بلغة اهل النوبة ـ ولكنى اكتشفت انك بنت جدعة» وعلقت سلوى قائلة ان جملة بليغة تؤكد على ان الشعب المصرى نسيج واحد.

من جانبها اكدت المخرجة هالة خليل ان اختيار امير لم يكن لانه نوبى، وانها اضافت صفة النوبية للشخصية التى جسدها بعد ان انضم لفريق العمل.

وشدد المخرج أحمد ماهر على ان الفيلم عبر عن الثورة بصدق شديد، وانه تجاوز الحدث السياسى وتناول الانسان المصرى، وانه يمثل شهادة ميلاد جديدة لمنة شلبى، وقدم للسينما المصرية بطلا جديدا اسمه امير صلاح الدين.

حرص محافظ الاقصر محمد بدر على حضور الفيلم، وتوافد جمهور الاقصر على قاعة المؤتمرات قبل موعد عرضه بما يزيد على الساعتين بحثنا عن حجز مقاعد لهم فى القاعة البالغ عدد مقاعدها 500 كرسى، حيث جاء العرض الاول لفيلم نوارة فى مصر كامل العدد.

وكان الفيلم مقررا عرضه فى حفل الافتتاح بمعبد الدير البحرى وتم تأجيل عرضه لأول ايام المهرجان لتوفير ظروف افضل لعرضه داخل قاعة سينما مجهزة.

الشروق المصرية في

21.03.2016

 
 

«نوارة» يفضح المتاجرين بثورة 25 يناير!

طارق الشناوي

هذا الفيلم يؤازر بدفء وحميمية ولغة سينمائية طازجة وعصرية ثورة 25 يناير.. كانت المخرجة والكاتبة هالة خليل في مشهد داخل الفيلم في إحدى المظاهرات تهتف للثورة، إلا أن الفيلم لم يضبط ولا مرّة في أي «كادر» هاتفا للثورة، هو عاشق للثورة.. هكذا قرأت تفاصيله التي حفرت ملامحها على الجو العام للأحداث، وقبلها على بنائه الدرامى ورؤيته الإخراجية، ليس عبثا ولا هو بالقطع مجانى أن المخرجة تعمدت أن تمنح الشريط نفسا تسجيليا بالحضور اللافت لنشرات الأخبار وبرامج «التوك شو»، بأصوات مذيعيها، من بينهم دينا عبدالرحمن وريم ماجد وتعليق عمرو حمزاوى وغيرهم، وكأنها تحاول الإمساك بالثورة الوليدة في أيامها الأولى.

قد تقرأ الفيلم كما فعل البعض برؤية أراها متعجلة، بأنه يقدم الثورة وكأنها وهم كبير، صدقه البسطاء عندما صدّروا لهم تلك الأكذوبة بأن كلاً منهم سيحصل على 200 ألف جنيه عندما تتم عودة الأموال التي سرقها مبارك والعائلة والحاشية، رغم أن الفيلم يفضح الإعلام الذي ردد هذا الوهم للناس وظل على موقفه المؤيد للثورة، ولو تأملنا النهاية وقرأناها بظلالها مع ضابط الشرطة عندما يقبض على «نوارة» ويضع في يديها الكلبشات، بحجة أنها سرقت أموالا من الفيلا التي تحميها، فالذى يقسو على البسطاء هو الفساد الذي كان ولايزال، مع الأسف الشديد، يعشش راسخا ومتغلغلا، وبعد مضى أكثر من خمس سنوات على الثورة لايزال في عنفوانه، والضحية هم هؤلاء الفقراء المذبوحون دوما قبل وبعد الثورة، و«نوارة» هي فقط النموذج الذي عشناه على الشاشة.

الفيلم كان هو افتتاح مهرجان الأقصر في دورته الخامسة التي تنتهى فعاليتها مساء غد، ولكن نتيجة لأخطاء تكنيكية وفى اللحظات الأخيرة أطاحت العواصف الهوائية بالشاشة، فتعذر عرضه إلا في اليوم التالى، وأياً ما كانت المبررات فهو خطأ تنظيمى، في كل الأحوال مهرجان الأقصر هو مهرجاننا السياسى الأول، لأنه يضع في مقدمة أهدافه قنوات التواصل مع عمقنا الأفريقى، وهو أول مهرجان يتم تدشينه بعد ثورة 25 يناير، حيث راهن على المجتمع المدنى ومنحه حريته في تحمل المسؤولية بعيدا عن هيمنة الدولة، المهرجان يعانى بالقطع مثل غيره من شُح الموارد المالية، وهو في حدود المتاح يسعى للحفاظ على بقائه وعلى انتقاله لأهالى الأقصر المحافظة التي يقام على أرضها مهرجانان سينمائيان، بينما منذ أكثر من ربع قرن لا توجد بها دار عرض واحدة، وهذه قصة أخرى.

في الأقصر أول ما يستوقفنى هو حالة الحنطور، أقصد العربة والحصان والحوذى، ومع الأسف يقفون بالعشرات أمام باب الفندق الذي يقام به المهرجان بسبب ندرة السياح، وفشل الخطط التي تنتهجها الحكومة لعودتهم، الحصان يبدو عليه الهزال، ومن المؤكد أن صاحب الحنطور يقتسم من قوت يومه لكى يوفر له ما يضمن مواصلة الحياة. حال الحنطور في الحقيقة يصلح لكى يصبح بداية منطقية لفيلم «نوارة» منة شلبى، فهو من زاوية ما من ضحايا الثورة أيضا، بعد انحسار السياحة، كل شىء في تراجع وهو ما يرصده الفيلم ولكن لا تتحمل أبدا الثورة النقية الطاهرة المسؤولية، من أرادوا إجهاضها هم الذين يبدون وكأنهم يحركونها مثل عرائس «الماريونيت». نوارة الفتاة المكافحة التي تنتظر أن يتم زواجها ممن أحبته الشاب النوبى الذي أدى دوره الوجه الجديد أمير صلاح الدين.

البداية لنوارة وهى تُمسك جردلى المياه في منطقة عشوائية، تستطيع أن تعتبرها نموذجا لـ20 % من المصريين يعيشون تحت وطأة نفس الظروف وتعوّدوا التعايش معها، وتلك هي المأساة، التكيف القسرى مع ظروف غير آدمية، والأمل فقط في أن تدخل مواسير المياه إليهم، إلا أن فساد المحليات ازداد شراسة وتوحشاً بعد الثورة. الفيلم يرصد الطبقة الفقيرة المهمشة التي تعيش على الفتات، بينما على الجانب الآخر هناك الفيلا الثرية التي تعمل بها نوارة، وكانت أمها الراحلة أيضا تخدم في نفس البيت، فكما نرث الغنى نرث الفقر. نوارة تحظى بمكانة خاصة لدى هذه العائلة، وهكذا حرص السيناريو في تفصيلة حتمية على أن نرى أنها الوحيدة التي تأتمنها على الدخول إلى حجرتها الخاصة، وأدت دورها شيرين رضا، زوجة رجل الأعمال محمود حميدة، نموذج الأثرياء الذين أطاحت الثورة بنفوذهم، بينما لايزالون حتى الآن يحتفظون بنفوذهم، غادروا الوطن إلا أنهم موقنون أن الأيام القادمة لهم، وأن تلك الهوجة كما كانوا يصفونها ستنقشع قبل أن تتحول إلى مؤامرة عند قطاع من الرأى العام، التناقض الظاهرى بين الثراء المبالغ فيه والذى تراه ماثلاً أمامها يوميا، والفقر الذي يحاصر نوارة هو ما نراه نحن، لكنها في الحقيقة تتعايش معه ولا تراه، فخطيبها أو زوجها مع إيقاف التنفيذ الذي يعمل في محل لإصلاح الآلات الكهربائية لا يحقق أي دخل بعد الثورة حيث تناقص الإقبال على كل شىء، وزادت السرقات، ولكن من المهم أن تضع المخرجة خطاً درامياً يوضح أن نوارة غير قابلة للتنازل الأخلاقى، بينما خطيبها قد يضعف مثل البشر أجمعين، ولكنه في اللحظات الأخيرة يقاوم هذا الضعف. الشاب النوبى لايزال يتمسك بحقه في الحياة، هو بالطبع يرنو لحياة شريفة بها الحدود الدنيا لمفردات الحياة، وحتى تظل المفارقة قائمة، فإننا دائما نعود للفيلا ونتابع البطلة في علاقتها مع صاحب الفيلا، أحد الرجال الذين استفادوا من اقترابهم بالدولة، وابنهما الذي نراه عبر «السكايب» يدعوهم للسفر خارج الحدود، بينما ابنته لا نراها سوى في حمام السباحة، فهى من الحمام وإلى الحمام تعود، ربما أرادت المخرجة تقديمها في تلك المشاهد للتخفيف عن المشاهد. الموقع الثالث بين البيت العشوائى والفيلا هو المستشفى الحكومى، الفقر هو الطريق السريع للمستشفى، ليصبح الموت هو النتيجة الحتمية، شاهدنا التفاصيل واللمحات الذكية الممرضة التي أدت دورها بتلقائية مفرطة، الوجه الجديد شيماء سيف، حيث إنها لا تترك من يدها التليفون المحمول ولا تتوقف في نفس الوقت عن تقاضى الرشاوى من المرضى الفقراء، وبينهم بطلنا الذي يعانى والده من سرطان فتلقى به أمام دورة المياه، لأن هناك من يدفع أكثر فيحصل على سرير. لدينا أيضا مكان محورى وهو بيت النوبى الفقير، ويقدم الفيلم هذا المجتمع الذي يحيط نفسه بدائرة خاصة، فالنوبى لا يتزوج إلا من نوبية، في هذا المجتمع الذي يتعامل مع المدينة يظل محتفظا بكل ثقافة النوبة، ولكن بطلنا وعائلته يتجاوزون ذلك بالموافقة على زواجه من نوارة، وتقدم لنا المخرجة هذه العائلة البسيطة، وفى مشهد مؤثر يأخذ أباه لمستشفى خاص على الموتوسيكل، في محاولة أخيرة لإنقاذه، آخر ما تبقى له بعد أن باع حتى المحل الذي يعمل به. يقدم الفيلم علاقة نوارة بالكلب، البداية عندما يهاجمها في لقطة اللقاء الأول وتتابع تفاصيل الخوف من المواجهة الذي لم يتوقف ولو لحظة واحدة حتى تتغلب على الخوف بعد سفر أصحاب الفيلا، والموقف الثانى عندما تتغلب على خوفها فتروضه وتخضعه لها، الثالث عندما يعتدى عليها شقيق حميدة، الذي يأتى هو ووالده للحصول على ما تصور أنه حقه، والرابع عندما يدافع عن نوارة، والخامس عندما يطارد العربة ويقتله شقيق حميدة الذي أدى دوره عباس أبوالحسن. كان ينبغى تكثيف هذا الخط، حتى لا يصبح وكأنه خيط درامى رئيسى عنوانه «نوارة والكلب».

هالة خليل تجيد فن قيادة فريق العمل، مشاهد غرفة جدتها رجاء حسين، وتلك العلاقة الدافئة معها، وإصرار الجدة على الحياة لتحقيق أمنيتها في دخول مواسير المياه من أجل تغسيلها بعد الموت، وحرصها على أن تكسب جنيهات قليلة لشراء الكفن. علاقة مقدمة بإبداع وألق، وفى تلك الأماكن الضيقة يتألق تصوير زكى عارف، ومونتاج منى ربيع، وتنسيق المناظر هند حيدر، وملابس ريم العدل، وتدخل موسيقى ليال وطفة في النصف الثانى من الفيلم على المستوى النفسى كنت أرى أن حضورها بكثافة ضرورة، ولكن الغياب في النصف الأول كان من الممكن أن تستعيض عنه بحضور خافت تدريجى، حتى لا يؤثر سلبا على أن يجذب لا شعوريا المشاهد، لأن الغياب في النصف الأول يمنح الموسيقى تواجدا نفسيا مكثفا في النصف الثانى. في الحقيقة الجو العام أحد معالم هذا الفيلم ومفتاحه الأثير، وهو ما حرصت عليه هالة خليل، لينبض أمامنا ويروى حكايتنا، أن تتناول الثورة من خلال بطلة لم تذهب لميدان التحرير إلا لحظة إجبار مبارك على الرحيل، هذا ما يمنح رؤيتها الفكرية والبصرية عمقا مضاعفا، لأنها واقعيا لا تتناول الثورة وتحديدا أيامها الأولى إلا أنها فكريا لا تروى سوى حكاية الثورة ولا ترصد لنا سوى الثورة، وبقدر ما يشى الفيلم بانحياز هالة للثورة بقدر ما يفضح من تاجروا فيها، ومن دفعوا الثمن من حياتهم ولايزالون وهم هؤلاء البسطاء المهمشون وعنوانهم «نوارة»، وكان دور عمر منة شلبى، وتعايشت فرشقت بحضورها في قلوبنا، بينما حميدة يظل قادرا على الشاشة أن يسرق اهتمام الناس بتلك الحالة من التواصل السحرى، نعم تستحق هالة خليل أن تصمت كل هذه السنوات لتهدى لنا «نوارة»!!

(خارج النص)

أوقف تليفزيون «دبى» برنامج «الملكة»، تقديم المطربة الإماراتية أحلام بعد حلقة واحدة أثارت استياء الجمهور، لم يدافع تليفزيون دبى عن برنامج تبدو فيه المطربة وهى تمارس قدرا لا ينكر من السادية على الضيوف الذين عليهم أن يصبحوا في هذه الحالة مازوخيين بالضرورة ليستمتعوا بتعذيب أحلام لهم، الشجاعة التي تحلى بها تليفزيون دبى تعنى أن العصمة أولا وأخيرا بيد المشاهد، متى تصيبنا هذه العدوى النبيلة؟!!

أحمد آدم تتحول أظافره إلى مخالب، بدلاً من أن تزغزغ المشاهد تثير دماءه، ورغم ذلك يستمر للعام الخامس بنجاح منقطع الجماهير، يحتل مساحة أسبوعية على الشاشة، وهو لا يفعل شيئا سوى أنه يدمى الجمهور، بينما يُفرض على جمهور الاستديو أن يضحك على تلك الإفيهات السخيفة حتى يتقاضوا في نهاية التسجيل بضعة جنيهات مقابل تمثيل الضحك!!

حاول محمد صبحى أن يُطل علينا برامجياً، وأرى أنه لايزال يعيش دور المصلح الاجتماعى ويقدم مواقف انتهت فترة صلاحيتها فلا تُضحك أحدا سوى محمد صبحى!!

لدينا أربعة أفلام تطرق بقوة أبواب مهرجان «كان» في دورته رقم 69 التي تبدأ 11 مايو، الأفلام هي: «يوم للستات» كاملة أبوذكرى، و«اشتباك» محمد دياب، و«مولانا» مجدى أحمد على، و«الماء والخضرة والوجه الحسن» يسرى نصرالله. أتصور أننا كحد أدنى سنظفر بفيلمين في المهرجان. آخر تواجد رسمى داخل المسابقة بفيلم «بعد الموقعة» يسرى نصرالله قبل أربع دورات. في منتصف الشهر القادم ستعلن أسماء الأفلام المشتركة رسميا، وأظن أن مصر ستعود بألق وقوة وأتمنى ألا يخيب ظنى.

السينما رجل، والدراما رجل وامرأة، وهكذا رغم غياب النساء في العادة عن بطولة الأفلام السينمائية واقتصارها بنسبة أكبر على الأبطال الرجال استطاعت الشاشة الصغيرة أن تحقق قدرا من التوازن، والدليل الحضور السنوى الدائم لأسماء مثل نيللى كريم وغادة عبدالرازق ورانيا يوسف، والثلاث بالمناسبة لسن من بين الأسماء التي تحقق رواجا سينمائيا، الأمر يحتاج إلى دراسة سيكولوجية الجمهور الذي يفضل أن يشاهد المرأة بالمجان لكنه يضن عليها بثمن التذكرة.

أضم صوتى إلى الكاتب الكبير محمد سلماوى في الدعوة لتدشين اسم المستشار إيهاب الراهب شخصية العام القضائية، في زمن يتم فيه الزج بالكُتّاب في السجون لإدانتهم جنائيا، نجد أن القاضى الذي حاكمه أدبيا في أول درجة وحكم له بالبراءة استدعى المتخصصين لإبداء الرأى في رواية أحمد ناجى التي تصلح بالمناسبة لكى تُصبح عنوانا للرداءة، عقوبتها أن يتصدى لها النقاد وليس قوات الشرطة!!

لا أدرى لماذا تتعمد الصحافة ألا تذكر الاسم الحقيقى لطلال ملحن أغنية نجاة «كل الكلام» التي تعود بها للغناء بعد 16 عاما، الغريب أن الأمير عبدالله الفيصل كان منذ الأربعينيات يتباهى بأنه يكتب الشعر وغنت له أم كلثوم قصيدتيه «ثورة الشك» و«من أجل عينيك» ولعبدالحليم «سمراء يا حلم الطفولة»، بينما هو يتخفى وراء اسم حركى «طلال»، والصحافة أيضا تُصر على أنه «طلال»، بينما الوسط الغنائى كله يعرف أنه الأمير خالد بن فهد!!

المصري اليوم في

21.03.2016

 
 

ماجدة خير الله تكتب:

هل كان لابد أن تأكلي من التفاحة المحرمة يا نوارة؟

لازالت صرخات نوارة، تشرخ صمت الكومباوند الهادىء الذى هجره أهله من أثرياء نظام مبارك وفروا هاربين بثرواتهم الضخمة. وسوف يحاصرك هذا السؤال ولا يترك لك مجالا لراحة الضمير، ما الذى فعلته البنت الغلبانة نوارة حتى تستحق هذا المصير؟

هل لأنها قضمت التفاحة المحرمة، وعاشت لحظات متعة مسروقة، تصورت أنها من حقها، أم لأنها حلمت بحياة أفضل؟ أليس غريبا أن من تفانوا فى خدمة طبقة الأسياد، وأخلصوا، هم أكثر من تأذوا، سواء كانت نوارة، أو بوتشي الكلب الوفى لأصحابه؟!

فيلم “نوارة” الذى كتبت له السيناريو وأخرجته هالة خليل، ينكأ الجراح مرة أخرى، ولو أنها لم تكن قد اندملت بعد.

لإحسان عبد القدوس، قصة قصيرة باسم “جرحى الثورة”، يقصد بها فئة أبناء الطبقات الإرستقراطية التى أصابها الأذى، بعد ثورة ظباط يوليو 1952 وقرارات التأميم العشوائية التى راح ضحيتها مئات الأسر، أما جرحى ثورة يناير2011، فهم طبقات كثيرة ومتفاوتة من الشعب المصرى، هم من حلموا ببداية جديدة تضع خطا فاصلا بينهم وبين الظلم الاجتماعى، والفساد الذى دمر حياة ملايين المصريين، لأكثر من ثلاثين عاما.

ومع ذلك فإن نوارة “منة شلبى”، لم تكن من المؤمنين بالثورة، ولم تكن تعارضها أيضا، إنها مثل قطاع كبير من الشعب المصرى، لا يعبء كثيرا بالأحداث الجارية، وكأنها أمر لا يخصه، لأن كل ما يشغل بالها، أن تعيش مستورة وترضى بأقل القليل، وقد صدقت حلم أن ثروة مبارك المنهوبة سوف يتم توزيعها بالعدل على كل مواطن مصرى، بحيث ينال كل منهم مبلغ مائتي ألف جنيه! ومش عارفة جابوا الحسبة دى منين؟!

المفارقة التى تعيشها نوارة، أنها تسكن فى منطقة عشوائية، وفى شقة بالغة التواضع، ليس بها مكان لقضاء الحاجة، ولامياه للشرب والاستحمام، وتضطر أن تحمل يوميا جراكن فارغة لتملأها بالمياه، وتعود بها، لجدتها العجوز، كى تستخدمها فى شئون الحياة الأساسية، وهى متزوجة من على “أمير صلاح الدين”، وهو شاب نوبى فقير مثلها، ولم يتمكن من تدبير مكان للزواج، فظلت علاقته بنوارة شفهية، فى انتظار فرج لا يأتى أبدا، وفى نفس الوقت فهى تعمل خادمة لدى أسرة أسامة بيه “محمود حميدة” التى تسكن فى كومباوند، مغلق على أصحابه من الأثرياء الذين يمتلكون قصورا مشيدة، وينعمون بالنفوذ والجاه والسلطان، وتضطر نوارة أن تركب خمس مواصلات كى تصل لمكان عملها فى الصباح الباكر من كل يوم، والغريب والمدهش أنها لا تشعر بالنقمة أو الحسد، بمقارنة حالها، بحال خديجة “رحمة حسن” ابنة العائلة التى تعمل لديها، وهى فى نفس عمرها تقريبا، ولكن تنعم بكل متع الحياة، ورفاهيتها.

العلاقة بين أهل القصر وبين نواره، تحمل قدرا من الود، على عكس الصورة النمطية، للعلاقة بين طبقة السادة، ومن يعملون لديهم من المعدمين، رب الأسرة أسامة بيه “محمود حميدة” رجل ظريف جدا، وهادىء الطباع، يسأل نوارة هل الشعيرات البيضاء قد ظهرت فى رأسى أم لا؟ وتجيبه بدون مواربة: أيوة فيه كام شعرة بيضا. أما سيدة البيت شاهندة هانم “شيرين رضا”، فهى لا تثق فى مخلوق غير نوراة، حتى إنها عندما قررت الهرب من مصر مع عائلتها، تركت لنوراة كل مفاتيح القصر، وطلبت منها أن تراعى المكان، ولا تخبر أحدا أنهم قد فروا للخارج! خوفأ من أن تنالهم يد القانون والعدالة كما حدث لبعض الوزراء والمتنفذين، من رجال نظام مبارك.

الجميل أن السيناريو لم يقدم عائلة أسامة بيه، بطريقة كفار قريش، غلاظ الملامح والمسلك، بل إنهم قوم ظرفاء، رغم كونهم من ناهبى أموال الشعب، وكانوا بالطبع ضد الثورة، باعتبارها ثورة رعاع.

نوارة” ليس فيلما عن ثورة يناير، ولكن عن ردود فعل طبقة  الأثرياء وأصحاب النفوذ فى الفترة الزمنية، التى تلت مرحلة إزاحة مبارك، وتمثيلية المحاكمات التى انتهت إلى لا شىء!

كل الدماء التى سالت، والشباب الذين زج بهم فى السجون، أو فقدوا أعينهم، ولم يحدث شىء، غير أن الفقراء صاروا فى وضع أشد سوءا، والذين كانوا يتلحفون بالستر ضاع عنهم الستر، والذين كانت لهم أحلام بسيطة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، لم يعد لهم صوت، بعد أن فقدوا الأمل فى أن شيئا يمكن أن يتغير. وكما قال حسن “عباس أبو الحسن” شقيق أسامة بيه، وهو يطلق عدة رصاصات فى الهواء، وكأنة يحارب طواحين الهواء، نحن أسياد البلد، وسوف نظل كذلك! وقد ظلوا كذلك فعلا، وكأن ثورة لم تقم، وضحايا لم يسقطوا، وربما تكون نوارة قد ادركت بالنهاية أنها كانت تعمل لدى مجموعة من اللصوص وسارقى قوت الشعب.

ليوسف إدريس قصة قصيرة وجميلة باسم “هل كان لابد يا لي لي أن تضيئي النور؟”، وربما ينفع أن نلقى السؤال بهذا الشكل: أكان لابد أن تقضمي من التفاحة المحرمة يا نواره؟

فيلم “نوارة”، هو طوق النجاة لمنة شلبى، يمكن أن تعتبره دور عمرها، حيث استخدمت كل وسائل التعبير التى يمتلكها ممثل محترف للتعبير عن البساطة والغلب والأمل والذعر، والتوتر والإحساس بالظلم.

ربما تكون منة شلبى مثل معظم نجمات جيلها اللائى ظهرن فى بداية الألفية الثالثة، لقد تم استغلالها  كوردة فى عروة جاكت البطل النجم، ولم تفلت من هذا التصنيف إلا فى أفلام قليلة جدا، وقد جاء الوقت الذى تعلن فيه عن موهبتها التى نضجت بشكل واضح، وأكيد كان لهالة خليل دور فى توجيهها، سواء من خلال السيناريو الذى اهتم بتفاصيل الشخصية، أو دورها كمخرجة.

أما “أمير صلاح الدين” الذى لعب دور “على” زوج نوارة، فهو اكتشاف لممثل لا تعرف كيف بدأ، ولكن موهبته تعلن عن نفسها،  أداء طبيعى بسيط ومقبول، ينبىء بأن مستقبلا فنيا ينتظره  لو أجاد إدارة موهبته.

محمود حميدة، عظيم رغم صغر دوره نسبيا، وكانت لحظات قبوله الأمر الواقع، واضطراره للهرب خارج مصر، من أروع مشاهده، رغم التزامه بالصمت التام، وشرود نظراته المفعمة بالغضب، وكأنه يقول لنفسه: كيف تجرأ هؤلاء الثوار على زحزحة مكانتى، وتهديد أمنى؟

شيرين رضا تكتسب أرضا مع كل دور تقدمه.

هالة خليل، تقدم مع ثالث تجاربها فى السينما الروائية الطويلة، تجربة أكثر عمقا وزخما، ولا تقل جمالا عما قدمته سابقا، فهى من المخرجين الذين لا يعملون من أجل التواجد والاستمرار وأكل العيش، ولكن  عندما يكون لديها ما تريد أن تقوله.

من أهم العناصر الفنية التى ساهمت فى تميز فيلم “نوارة”، كاميرا زكى عارف، مونتاج منى ربيع، رغم أن الجزء الأول من الفيلم كان يحتاج إلى ضبط إيقاع.

موسيقى ليال وطفة، مثيرة للشجن، بالإضافة لدورها فى تصعيد بعض المواقف الدارمية، وخاصة فى مشهد النهاية.

وتحية خاصة للكلب “بوتشي” الذى سوف ينافس شهرة الكلب “روي” أحد أهم شخصيات فيلم “الشموع السوداء”.

موقع زائد 18 المصري في

22.03.2016

 
 

جمهور الأقصر ينتقد «نوارة».. والفنانون يرونه عظيمًا

الأقصر ــ أحمد عثمان:

أثار فيلم «نوارة» حالة من الجدل فى الندوة التى أدارها الناقد طارق الشناوى عقب عرضه الأول لضيوف مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بين النقد لمضمون العمل، ومشيداً بالفكرة والمضمون لكن الجميع اتفق على الأداء الراقى والمتميز لأبطاله، خاصة منة شلبى ومحمود حميدة وأمير صلاح الدين وكذلك اتفق الحضور على نجاح هالة خليل كمخرجة وإن اختلفوا على المضمون.

الفيلم يرصد حياة فتاة فقيرة من حى شعبى «نوارة» أو منة شلبى تعمل خادمة فى قصر وزير سابق محمود حميدة وخطيبة لأمير صلاح الدين ويرصد الفيلم التفاوت الطبقى والعنصرى بين الفقراء والأغنياء من حيث الصورة والمعيشة وتأثير ثورة يناير على الطبقتين وكيف يراها كل منهما، وظهر الفيلم على أنه مؤيد للثورة، ورغم ذلك فإن البعض من الجمهور قال إنه سفَّه منها، وكان ضدها، ولكن المخرجة تركت الطرح مفتوحاً أمام الجمهور ليفهم كل واحد ما يراه، ومن هنا ظهرت حالة الجدل والاختلاف بشكل واضح، بعض الفنانين مثل المنتج محمد العدل الذى شارك فى مشهد ميدان التحرير والثورة أكد أن الفيلم قدم صورة حقيقية لواقع المجتمع وقت الثورة وتناغماً بين المضمون والصورة والموسيقى التصويرية والمونتاج وأداء أبطال الفيلم خاصة منة وأمير وحميدة والإخراج والتأليف وهو ما اتفق معه المخرج عمرو عابدين والممثلة سلوى محمد على التى أثنت على تناول الفيلم لقضية انخراط النوبيين فى المجتمع المصرى من خلال زواج أمير صلاح الدين وهو شاب نوبى من منة شلبى.

بينما أثنى الجمهور على أداء منة وأمير وحميدة واعتبره الجمهور حكيم الفيلم والسينما المصرية، وقالوا إن الفيلم لم يستغل وجود الفنان أحمد راتب بينما أعاد اكتشاف الفنانة القديرة رجاء حسين ونجح فى تقديم نجم سينمائى قادم هو أمير صلاح الدين الذى قدمه الفيلم فى ثوب جديد.

وانتقد بعض الحضور الصورة المثالية التى قدم بها الفيلم منة شلبى وأكد شاب أقصرى أنها مثالية مفتعلة وغير منطقية لفتاة طحنها الفقر تتمسك بالقيم والمبادئ حتى تسقط هذه القيم وتقبل أن تمارس حياتها فى قصر حميدة بعد هروبه وأسرته شيرين رضا وابنته فى الفيلم وأن ذلك حدث بعد مقتل كلب حميدة ودلل الفيلم على ذلك بسقوط الوفاء وأن جزاء الوفاء والفقر هو القتل، وأكد بعض الجمهور أن الفيلم كان ضد الثورة بدليل أنه تهكم عليها وسخر من تفكير البسطاء عندما تحدث عن عودة الأموال المهربة للخارج من رجال النظام السابق وخاصة بعد سقوط مبارك وحبسه وانتقدت سيدة فرنسية أن الفيلم تحدث عن الثورة باعتبارها بداية للتغيير فى حين أن الشوارع فى مصر مازالت مليئة بالقمامة والحياة سيئة فى المستشفيات والشوارع والسكن للفقراء.

الوفد المصرية في

22.03.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)