كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

راف فاينس موسيقي وأديب في «رذاذ أكبر».. والمرأة تلهمه

الممثل البريطاني يعتبر أن خوف الفنان

من الكاميرا والمسرح طبيعي

ڤينيسيا: محمد رُضا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والسبعون

   
 
 
 
 

في «رذاذ أكبر» نجد الممثل راف فاينس منتجًا موسيقيًا وعلى صداقة وطيدة بالمغنية ماريان (تيلدا سوينتون). اتفقا على ترك بعضهما البعض ليذهب كل في سبيله. ماريان تعرّضت لمتاعب في حبالها الصوتية، والآن هي مع صديق بلجيكي جديد (ماتياس شوونارت) فوق جزيرة بونتالاريو الإيطالية التي يقضي فيها المنتج هاري عطلته مع ابنته بينيلوبي (داكوتا جونسون).

لكن هاري، المنتج، ليس راضيًا عن علاقة ماريان بصديقها الجديد وسيحاول في هذا الفيلم الإيطالي الناطق بالإنجليزية الذي يشارك بمسابقة الدورة 72 لمهرجان فنيسيا الحالي. عوض ذلك سوف يثير الكثير من الذكريات الحزينة والمتاعب الجديدة.

آخر مرّة التقيت فيها مع راف فاينس كانت في تورنتو سنة 2013 بمناسبة عرض فيلم آخر مثل فيه دور العاشق أيضًا هو «امرأة غير مرئية». لكن في حين أن هذا الفيلم السابق مقتبس عن نص يتعامل وشخصية تشارلز ديكنز (كما أدّاها فاينس نفسه)، فإن الفيلم الجديد مأخوذ عن «المسبح» وهو فيلم فرنسي للمخرج الراحل جاك ديراي حققه سنة 1969.

بين الفيلمين بالطبع ظهر في «فندق بودابست الكبير» حيث لعب دور صاحب الفندق الكائن في بعض جبال أوروبا البعيدة المتهم بقتله امرأة مسنّة لاستحواذ ثروتها. ثم مثل في «امرأتان»، وهو فيلم روسي - فرنسي - بريطاني مشترك قبل أن يحط الرحال في هذا الفيلم الجديد.

·        من دواعي السرور أن يراك المرء دائم العمل منذ أن ظهرت في شخصية هيذكليف في «وذرينغ هايتس» قبل 21 سنة. إلامَ تعزو هذا الحماس؟

- لا أؤمن بالحلول النصفية على ما أعتقد. لا أجد أنني أجيد لعبة الإقدام على شيء ثم التوقف عنه ولا تهمني العطل كثيرًا. طبعًا يتاح لي أن أرتاح بين فيلم وآخر أحيانا، لكن راحتي الحقيقية هي في أن أمنح العمل الذي أقوم به كل طاقتي. أن أرى نفسي أنجح فيما أقوم به سواء أكان العمل هو التمثيل أو الإخراج.

إذ أقول ذلك لا أريد أن أبدو لك ولقرائك أنني أقبل على كل عرض فيلم أستلمه. لا، حقيقة الأمر أن هذا الممثل الذي أمامك سنحت له الفرصة في تقديم نفسه للوسط السينمائي كشخص يميل إلى نوعية مختلفة من الأفلام عن تلك التي تسود الإنتاجات حاليًا. قد تقول لي، لكنك ظهرت في أفلام من تلك التي تنتمي إلى الأفلام السائدة، لكن هذا له شرح بسيط: على الممثل أن يسمح لنفسه ببعض الأعمال التي قد لا تصنّف فنية، لكن خامتها في الوقت ذاته جيّدة. شيء مثل سلسلة أفلام «هاري بوتر» (ظهر في أربعة منها).

·        أو «سكايفول» والفيلم المقبل «سبكتر» مثلاً

- هذا صحيح. هذان الفيلمان ليسا من الإنتاجات الفنية المحضة، لكنهما جيدان. لا يمكن اختراق مهنية الصنعة التي تم تنفيذهما من خلالها. أقصد الاحتراف الكبير الذي توزع في كل ركن من أركان العمل. كما لا بد تعرف ألعب شخصية الرئيس «م» الذي يدير شبكة العاملين في المخابرات البريطانية. استلمت المنصب بعد السيدة التي كانت استلمته من مسؤول سابق. لكن - وأنا هنا أحاول إعطاء مثال لا أكثر - الجميع، وأنا منهم، كانوا حريصين على استغلال فرصة وجود «م» جديد لتقديم شخصيّته الخاصة وليس لمجرد الجلوس في ذلك المنصب ومزاولة المهمّة ذاتها. الممثل عادة ما يبحث عن هذه النقاط المضيئة، عن تلك الظروف التي ستتيح له أن يوظفها على نحو مفيد له وللفيلم.

·        أنت ربما أكثر من سواك حاليًا، قادر على تغيير شخصيّتك على نحو شامل من فيلم لآخر. يكفي أنك لعبت شخصية تشارلز ديكنز التي هي مختلفة عن شخصيتك في سلسلة «هاري بوتر» التي بدورها مختلفة عن شخصيتك في سلسلة جيمس بوند، وهذه عن شخصيتك في الفيلم الأخير. ثم كل هذا ينطبق على أعمالك السابقة. هل هذا متعب أم سهل؟

- يبدأ كل شيء من الكلمة الأولى التي يقرأها الممثل في السيناريو. وإذا كانت الشخصية مرتبطة بشخصية واقعية أمر يختلف عما إذا كانت خيالية. لكن، كم الجهد الذي على الممثل أن يقوم به لإتقان الدور الذي رضي بتمثيله كبير جدًا. لا يكفي أن تقول لنفسك هذا ما سأقوم به.. هذا هو تفسيري للدور وسأتبع هذا التفسير. أعتقد أنه من واجب كل الممثلين البحث عن الجانب الأبعد من الشخصية التي يريدون تمثيلها. حتى ولو كانت مكتوبة على نحو جيّد هناك أكثر من طريقة لأدائها. بعض الطرق تعود لاختلاف كل ممثل عن الآخر بأسلوب عمله أو بسلوكه الأدائي، لكنها ستبقى الغاية التي يريد أن يصبو إليها لاكتشاف ما وراءها ولتقديمها على نحو يؤازر الفيلم. أنت في النهاية لست وحدك. هناك سواك.

·        هل شاهدت الفيلم الفرنسي الذي تم اقتباس هذا الفيلم عنه؟

- شاهدته بعد أن وافقت على الدور، لأنه من الضروري أن أعرف الاختلافات بين الفيلم السابق والفيلم الذي كنا بصدد إنجازه. ليس على صعيد التمثيل، لأن الممثل لا يحتاج لأن ينقل ما قام به الممثل السابق، بل على صعيد العمل ككل.

·        في هذا الفيلم تمر بحالة من الغيرة العاطفية. هل لو حدث لك ما نراه على الشاشة لتصرفت بالطريقة ذاتها؟

- (يضحك) ربما إذا كان كل شيء في الواقع هو على النحو الذي ورد في الفيلم. لكني أنظر إلى شخصية هاري في الفيلم كرجل غير قادر على ضبط تصرّفاته أو عواطفه. بصحبته ابنته التي لم يكن يعلم بوجودها (من علاقة أخرى) وأمامه امرأة ربما لم يكن يحبها، لكن لمجرد أنها كانت صديقته، فإنه يشعر الآن بالغيرة لأنها بصحبة رجل آخر. أنا أذكى من أن أقع في هذا المطب. لو حدث لي أي شيء مشابه سأكون أكثر تماسكًا.

·        أحيانا ما تقوى العاطفة على المنطق.

- لا أستطيع الجدال في هذه النقطة. معك حق.

·        قائمة أفلامك وقائمة المسرحيات التي قمت بتمثيلها تجعل من المقبول، ربما، القول إن لا شيء بات صعبًا عليك. أضف إلى ذلك أنك تحوّلت إلى مخرج يملك طموحًا عاليًا. هل هذا التفسير صحيح؟

- لا أعرف إذا ما كان صحيحًا. لا أعتقد. كل دور هو صعب التنفيذ وإلا لما جذبني شخصيًا إليه. لكني أقول لك شيئًا مهمًّا، أو آمل أن يكون: هناك دومًا الأيام التي أبدو فيها أمام نفسي على الأقل، كما لو أنني أجهل كل شيء. تشعر بأنك في الخطوة الأولى من جديد كما لو أنك لم تتقدّم بعد.

·        هل هذا هو الخوف الذي يتحدّثون عنه؟ خوف الممثل من الجمهور المسرحي أو من الكاميرا؟

- الخوف موجود قبل أن تبدأ. هو هناك. تشعر به وقد تحاول أن تتجاهله لكنك تدرك أنك هناك. اليوم الأول من التصوير هو الأصعب. كذلك اليوم الأول من الوقوف على خشبة المسرح. لأن ما يسبق تلك اللحظة التي تصل بها إلى أحد هذين الموقعين، التصوير أو المنصة، هو لحظات من القلق الذي هو نتيجة طبيعية تلازم الفنان. لكن هذا القلق يتبدد أول ما يبدأ الإلقاء.

(يستدرك) أول ما يبدأ الإلقاء على المسرح لكن بمجرد الوصول إلى مكان التصوير والالتقاء بالجميع. الخوف يتبدد وكما ذكرت هذا خوف طبيعي يجعلك تتحفز وتنتبه. لا أعتقد أن الممثل الذي يهتم بالعمل، وأنا لا أريد أن أعمم، يخلو منه. إنه خوف صحي، بكلمات أخرى.

·        كلام رائع، لأنه عندما تذكر الخوف على هذا النحو تجعلني، كمستمع، أتذكر ممثلين يبدون أمام الشاشة كما لو أن التمثيل مجرد تنفس طبيعي يتعامل مع الرئة أكثر مما يتعامل مع الرأس.

- هذه ملاحظة مصيبة لأن بعض الممثلين، وربما الكثير منهم وأنا لن أذكر أسماء، يقدمون أنفسهم كما هم للمشاهد. الشخصية التي يؤدونها هي الشخصية ذاتها التي هي هم. أو قريبة جدًا منهم. أو أدوها سابقًا فنجحت فعاودوا تقديمها في كل مرّة. هذا النوع من التمثيل لا يعرف لحظات خوف. ربما، كما ذكرت، أشبه بعملية تنفس.

·        إلى حد ما في «رذاذ أكبر» يفاجئ اختيار المكان لتصوير هذا الفيلم. لقد زرت الجزيرة ذات مرّة ووجدتها مختلفة عما تبدو اليوم.

- إذا التقيت بلوكا غودانينو (المخرج) سيقول لك لماذا اختار هذا الموقع بالذات.

·        طبعًا هناك شيء من الربط الحالي بقضية المهاجرين. في نهاية الفيلم هناك التذكير باللاجئين الهاربين من أوطانهم إلى ساحل الجزيرة.

- أعتقد أن هذا هو بعض السبب. مشكلة اللاجئين مؤسفة. لا أحد كان يتخيّل أن يقع هذا في هذه الحقبة من الزمن. بعد كل تلك الحروب التي مرت في التاريخ. بعد كل ضحاياها وكوارثها ما زال هناك من يقدم عليها. عندما صوّرنا الفيلم كان الهاربون من دول المتوسط هم تونسيون وليبيون. الآن هناك آخرون بالإضافة إلى من سبقهم.

·        في أول فيلم أخرجته «كوريليانوس» سنة 2011 طوّعت نص ويليام شكسبير للحديث عن هذه المسألة: الحروب وتوابعها.

- نعم. الفيلم كان مناسبة للتطرق إلى النزعة السلطوية في تلك الحروب. واحدة من العوامل التي هي في الأساس شخصية. شكسبير كتب عن شخصيات ونفذ منها إلى كل المسائل الخلفية الناتجة عن تصرفات وسلوكيات تلك الشخصيات.

·        هل سنجدك وراء الكاميرا من جديد؟

- ليس في وقت قريب. عندي مشروعان آخران لكن الوقت مبكر للحديث عنهما.

·        في «المرأة غير المرئية» نجد تشارلز ديكنز بحاجة للإلهام الذي توفره له الفتاة الشابة التي وقع في حبها. هنا في «رذاذ أكبر» شخصية هاري، التي تقوم أيضًا بتمثيلها، بحاجة أيضًا للإلهام المتمثل بشخصية تيلدا سوينتون. هل أنت شخصيًا تحتاج للمرأة لكي تهلمك؟

- كنت أسأل نفسي إلى أين ستمضي بسؤالك. الوضعان يختلفان.. لنتكلم عن الأفلام أولاً.. في «المرأة غير المرئية» كان ديكنز، حسب اعتقادي، يحتاج إلى نيلي كملهمة. وهي موجودة في روايته «ديفيد كوبرفيلد» تحت اسم آخر. سمّاها آنا. أعتقد من خلالها كان ديكنز يبحث عن المرأة - الملاك وهو يوفر هذه الشخصية الملائكية في روايته. هل تذكر المشهد الذي يقرأ فيه ديكنز على نيلي مقطعًا من «توقعات عظيمة»؟ أعتقد أن هذا هو أفضل إعلان حب كُتب باللغة الإنجليزية.

في الفيلم الحالي، هناك حاجة لدى هاري للمرأة في حياته لكونها حياة غير مستقرة عاطفيًا. المرأة هنا ليست ملهمة بالمعنى الشعري أو الأدبي وأكثر من ذلك هي حاجة عاطفية في المقام الأول. الشخصيات جميعًا مختلفة ومصادر اختلافها في الأساس مختلفة أيضًا. لكن نعم هاري يحب ماريان وهي ملهمته أو بالأصح كانت ملهمته لحين مضى.

·        وبالنسبة لك؟

- أحتاج للمرأة كإلهام، لكنه جانب معين من الإلهام. ما يلهمني تحديدًا هو حبي للعمل والعمل نفسه. أن أستطيع سبره وتحليل شخصيته والخروج بشخصية جديدة ترضيني وترضي المشاهدين.

الشرق الأوسط في

11.09.2015

 
 

'على حلة عيني'

معالجة تقليدية تفشل في التعبير عن جيل الثورة

العرب/ أمير العمري

في فيلم “على حلة عيني”، وهو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة التونسية ليلى بوزيد الذي عرض في تظاهرة “أيام فينيسيا” بمهرجان فينيسيا السينمائي، نجد توفر كل العناصر التي تكفل له تمويلا فرنسيا ومساهمة فرنسية في الإنتاج وباقي الجوانب السينمائية الأساسية: كتابة السيناريو التي اشتركت فيها الفرنسية ماري صوفي شامبون مع ليلى بوزيد، والتصوير للفرنسي جيوبفير، والمونتاج ليلان كوربيل.

 “على حلة عيني” للمخرجة التونسية ليلى بوزيد في أول تجاربها الإخراجية الطويلة والذي عرض في تظاهرة “أيام فينيسيا” بمهرجان فينيسيا السينمائي، نجد كل العناصر التي تكفل له تمويلا فرنسيا ومساهمة فرنسية، فلدينا هنا فتاة شابة مراهقة، تنتمي إلى أسرة تونسية محافظة، لكنها متمردة، تحاول الخروج على التقاليد المتزمتة، وتبحث عن التحقق من خلال الغناء.

هذه التركيبة القائمة على فكرة الفتاة المتمردة في مجتمع شرقي “إسلامي” منغلق، تريد أن تتحرر وتعيش حياتها كما ترغب وليس كما ترغب أسرتها، تغشى الحانات الليلية، تعاقر الخمر، تختلط بالرجال، تقيم علاقة عاطفية وجسدية كاملة مع شاب تحبه، تكذب على أمها باستمرار لتبرير تأخرها خارج المنزل، أو للتحيل من أجل الخروج، واللحاق بفرقة من الشباب، تقدم أغاني “الروك” التونسية في الحانات والمقاهي لمجموعة من السكارى ومدمني المخدرات من الشباب الذي يغشى مثل هذه الأماكن.

سيطرة الأم

الأسرة في الفيلم ليست أسرة بطريركية- أبوية، بل في الحقيقة، ماتريركية- أموية، فالأب شبه غائب أو مغيّب، فهو يعمل في مدينة قفصة البعيدة عن العاصمة، لا ينجح في الانتقال إلى تونس العاصمة إلاّ بعد أن يرضخ للأمر الواقع وينضم إلى الحزب الحاكم في مرحلة متقدمة من الفيلم.

وهو ضعيف الشخصية أمام سيطرة الأم، والاثنان ينتميان إلى الطبقة الوسطى، وهناك إشارات غير واضحة تماما في الفيلم، إلى أنهما كانا جزءا من حركة النضال السياسي في الماضي، لكنهما استسلما لدوافع الصعود في ظل الأمر الواقع.

من المؤسف أن الفيلم الأول لليلى بوزيد لا يقنع أحدا، رغم تميزه على الصعيد الحرفي في التصوير والصوت والديكور

بطلة الفيلم، فرح تفضل الغناء على دراسة الطب رغم تفوقها الدراسي، والأب يبدو متأرجحا بين تلبية طلبات زوجته، والاستجابة لرغبات ابنته، ولكن غيابه وضعف شخصيته يبرران طغيان شخصية الأم حياة.

وسرعان ما يصبح الصراع في الفيلم محصورا بين الأم والابنة، الأم تريد فرض رقابة على سلوك الابنة عن طريق الاستعانة بخادمة تدعى أحلام، لكن أحلام سرعان ما تتعاطف مع فرح وتتستر عليها على العكس من رغبة الأم.

ومع ذلك فقضية فرح لا تثير التعاطف، ليس بسبب تمردها ورغبتها في التحرر، بل لأنها لا تملك قضية من الأساس، فالغناء الذي تقدمه، رغم أنه يعبر بشكل عام عن مرارة العيش في تونس وسوء الأوضاع والمهاجرين غير الشرعيين الذين يموتون في البحر، إلاّ أنه لا يرقى إلى مستوى “الغناء الثوري” التحريضي الذي يمكن أن يبدو مزعجا للسلطة مثلا، ونحن على أعتاب الثورة التونسية فالأحداث في أواخر 2010، أي قبل أشهر قليلة من اندلاع الأحداث التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس بن علي. والنتيجة أن المشاهد يمكنه أن يتعاطف أكثر مع موقف الأم التي تخاف على ابنتها من مجتمع الليل في تونس الذي يمتلئ بالذئاب.

إشارات عابرة

هناك إشارة عابرة تأتي في سياق الفيلم على لسان برهان، الشاب الذي تحبه أحلام، وهو رئيس الفرقة الموسيقية التي تصاحبها في الغناء، فهو يشير إلى أنه وجماعته هدف لمراقبة الشرطة بسبب نشاطهم على الفيسبوك.

في حين أننا لا نشاهد فرح قط، مشغولة بتبادل الأفكار أو بالتعبير عن أفكار سياسية عبر الفيسبوك أو غيره، بل تدفعها طوال الوقت رغبة واحدة في الغناء، حتى لو كانت الفتاة الوحيدة وسط حشد من الشبــاب الجائع جنسيا، وهو ما سيعرضــها لاحقا لبعض المشـاكل مع شاب آخر من أفراد الفرقة، سيطمع في جسدها، مما سيؤدي إلى وقوع خــلاف كبـير بينها وبين حبيبها برهان.

أما مشكلة الحرية عند فرح، فهي مشكلة شخصية منبتة الصلة عن المشكلة الاجتماعية والسياسية العامة، فهي تبحث فقط عن خلاصها الذاتي بعيدا عن فكرة تغيير الواقع.

من المؤسف أن الفيلم الأول لليلى بوزيد لا يقنع أحدا، رغم تميزه على الصعيد الحرفي في التصوير والصوت والديكور

وقد يكون هذا مقبولا لو كان الفيلم قد اكتفى بهذه الزاوية، أي زاوية التمرّد الفردي الذاتي والرغبة في اختيار طريق مختلف، وهي فكرة مستهلكة أصلا في السينما العربية، لكن بعد مضي نحو ثلاثة أرباع مساحة الفيلم الزمنية، يتجه الفيلم في الـ25 دقيقة الأخيرة إلى وجهة أخرى، مع اختفاء فرح أي اعتقالها، ولجوء الأم إلى رجل كانت ترتبط بعلاقة حب معه في الماضي، لكنه آثر أن يصبح مخبرا يتعاون مع شرطة النظام، وهذا مجرد استنتاج بالطبع، فالفيلم لا يوضح هذا الجانب، بل يبقيه غامضا شأن الكثير من الجوانب الأخرى.

هنا يريد الفيلم أن يقول لنا إن الأغاني التي تغنيها فرح تثير غضب السلطة، ثم يكتشف حبيبها برهان أن زميلا له في الفرقة هو عادل المغرم بفرح وقد كان ينازعه عليها، يعمل مرشدا لحساب الشرطة، وأنه كان يسجل وينقل كل ما يفعلونه بالصوت والصورة، دون أن نعرف تحديدا ما هو الشيء الخطير الذي يفعلونه.

فالغناء يتم بشكل علني وسط مجموعات من العابثين والسكارى، ولا يبدو أنه يصب في أي حركة من حركات التمرد والغضب، بل يبدو عند فرح نزوة صبيانية مراهقة أكثر منه قضية وجود، خاصة وأن فرح لا تتمتع أصلا -لسوء الحظ- بصوت يمكن أن يثير إعجاب أي مستمع للغناء على أيّ مستوى.

فرغم أن تونس تمتلئ بالأصوات البديعة النادرة في مجال الغناء من بين الشباب، إلاّ أن المخرجة ليلى بوزيد اختارت أسوأ نموذج ممكن، هذه الممثلة المبتدئة بية المظفر التي يعجز صوتها بنشازه، عن الوصول إلى الطبقات العالية حسب الألحان الموضوعة لها، حيث بدت وكأنها تصرخ أو تصيح صيحات حادة منفرة كلما وصلت إلى تلك المقامات العالية، والمشكلة أيضا أن المخرجة تخصص مساحة كبيرة من الفيلم لتلك الأغاني التي لا تطرب ولا تحرّض.

إن صنع الأفلام الأولى لا يتحقق بالنوايا الحسنة، ولا بتركيبة عامة قد ترضي الممول الغربي الذي يرحب بأي فكرة تدور حول تمرّد الفتيات في مجتمع متخلف

مشاكل الفيلم

من علامات التخبط في السيناريو أن نرى الأم التي سبق أن طردت ذلك الصديق القديم شرّ طردة، وهو الذي جاء يلفت نظرها لما يمكن أن تواجهه فرح، تذهب إليه وهي تكشف عن فتنتها، لكي تقدم له نفسها مقابل أن يساعدها في إطلاق سراح ابنتها. وفي المقابل يرفض الرجل قبول العرض في شهامة، ويعطيها ورقة تقدمها لإطلاق سراح ابنتها.

وإذا كان الثائر في هذا الفيلم ليس ثائرا، والمرشد ليس وغدا، بل يمكن أن يكون أيضا شهما، فالشرطة السرية أيضا ليست بذلك السوء الذي نسمع عنه، ففي مشهد استجواب الضابط لفرح، لا نرى ضربا بالسياط ولا صعقا بالكهرباء، أو حرقا بالسجائر المشتعلة، بل مجرد بعض الصياح وقليلا من الشتائم، وأسئلة ساذجة تدور حول من الذي يكتب لها الأغاني، كما لو كانت الشرطة تعجز عن معرفة ذلك، خصوصا وأن الفيلم سبق أن أوضح أن أحد شباب الفرقة يعمل مرشدا للشرطة، وأنه كان يصور بالفيديو كل ما يدور كما رأينا.

وإذا لم تكن الشرطة تتسم بالبشاعة والقسوة، وإذا لم يكن الغناء يميل بوضوح إلى التحريض السياسي، بل يكتفي بهجاء الفقر والغربة، وإذا كان الضابط قد كشف لفرح أن حبيبها برهان كما تسمع في تسجيلات صوتية له، يتخذها تسلية له، فهي مجرد نزوة جنسية يتفاخر بها أمام أصدقائه، فما الذي يبقى هنا؟ وما الذي يجعل فرح تهرع إلى برهان في النهاية، وترتمي في أحضانه رغم نذالته؟

إن صنع الأفلام الأولى لا يتحقق بالنوايا الحسنة، ولا بتركيبة عامة قد ترضي الممول الغربي الذي يرحب بأي فكرة تدور حول تمرّد الفتيات في مجتمع متخلف، بل أساسا، بالقدرة على تقديم شخصيات ومشاهد ومواقف وحبكة مقنعة للمشاهد. ومن المؤسف أن الفيلم الأول لليلى بوزيد لا يقنع أحدا، رغم تميزه على الصعيد الحرفي في التصوير والصوت وتصميم الديكور وتنسيقه.

العرب اللندنية في

11.09.2015

 
 

مهرجان البندقية:

فيلمان كبيران في قلب السياسة قبل كلمة النهاية

البندقية - سعيد مشرف

المخرج الروسي الكبير ألكسندر سوكوروف تألق بفيلمه الجديد «فرنكوفونيا» منذ لحظة عرضه في مسابقة هذه الدورة من مهرجان البندقية السينمائي الذي يُختتم غداً بتوزيع الجوائز وإسناد «الأسد الذهبي» لواحد من الأفلام الـ21 التي تتسابق عليها. بات اسم المعلم الروسي على كل لسان، بعد الكشف عن تفاصيل فيلمه هذا والذي يدور من حول متحف اللوفر في زمن الاحتلال النازي لفرنسا، وأجمع حوله عدد لا يستهان به من النقاد المختلفين جداً لناحية الذوق. علماً أن حسابات لجنة التحكيم بقيادة المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون قد لا تلتقي أبداً بحسابات عموم المشاهدين، وهذا شيء صار معروفاً في المهرجانات. أياً تكن النتيجة التي ستستقر عليها لائحة الجوائز غداً، فلا يمكن تجاهل حقيقة أن سوكوروف قدم تحفة بصرية فكرية وسينمائية يتردد صداها طويلاً في زمن الظلمات الذي نعيشه.

رحلة عبر التاريخ

يصطحبنا سوكوروف في جولة عبر التاريخ من خلال متحف اللوفر أيام احتل الجنود الألمان باريس، ومن خلال عملية تهريب أبرز التحف الموجودة فيه إلى أحد القصور الفرنسية بهدف حمايتها، يصوّر علاقة السلطة بالفنّ، وهما (أي السلطة والفنّ) موضوعان متكرران في معظم أعماله، سواء مجتمعان أو منفصلان. فسينما سوكوروف حافلة بالإشارات إلى الفنّ التشكيلي والأدب والثقافة، لذلك عندما يدخل اللوفر لينجز فيه فيلماً، نراه يقيم علاقة عضوية لا مفتعلة مع مادته. بحنين وشاعرية وواقعية في آن معاً، يقدم سوكوروف فيلماً غير قابل للتصنيف، لا هو وثائقي ولا هو روائي، بيد أن تأثيره في المشاهد كبير. نحن إزاء عاصفة من الأفكار والخواطر، تنم عن قلق على أوروبا، تلك القارة القديمة الأشبه بالباخرة المحملة تحفاً التي تصارع الأمواج الضخمة في عرض المحيط. نعم فعلها سوكوروف! فهو الذي يظهر في الفيلم خلف مكتبه يحاور عبر الـ«سكايب» قبطان باخرة تغرق، لم يتوان عن استعمال استعارة الغرق ليدلي بدلوه في واقع اوروبا المتأرجحة بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها. كل شيء صنع مجد سوكوروف، يُستعاد هنا بطريقة أو بأخرى: عمق المضمون، كثافة الأسلوب، روعة الإطلالة على تاريخ الناس، وألمعية قراءة للواقع الاوروبي.

من خلال العلاقة بين مدير اللوفر والضابط النازي المكلف الحفاظ على التحف في «عاصمة العالم» (هكذا كانوا يسمون اللوفر وفق سوكوروف)، يدخل الفيلم في تفاصيل القرار القاضي بعدم مس الإرث الثقافي الإنساني. هناك جزء من الفيلم درامي الصنع يستعين فيه بممثلين وهو ينطوي على إعادة فبركة اللقاء بين المدير والضابط على طريقة الأفلام الفرنسية القديمة، وهذا خيار يبدو طريفاً إذا تذكرنا أننا في متحف والزيف هو عدو المتاحف الأول. بسلاسة يُحسد عليها، يجوب سوكوروف وسط حقل من الأسئلة هي في الواقع ألغام وقنابل موقوتة. خلاصة هذا كله أن اوروبا حمت بقدر ما دمرت. أما نابوليون، الرمز الأعلى، ذلك الامبراطور الذي جاء بالكثير من التحف والآثار إلى اللوفر خلال حملاته، فيتسكع بين أروقة المتحف وهو يصيح «هذا كله بفضلي أنا». أسلوبياً، هناك في الفيلم لغة بصرية جميلة، كالطائرة الألمانية التي تدخل باحة المتحف الداخلية. كل مسارات الكاميرا التي تصوّر باريس من الأماكن العالية هي تحمل بصمة سوكوروف وتعانق سينماه.

ضد الأصولية اليهودية

ثاني أكثر الأفلام روعة وجرأة في مسابقة هذا العام لمهرجان البندقية السينمائي هو ذاك الذي جاءنا به المخرج الاسرائيلي أموس غيتاي، «رابين، اليوم الأخير». 20 سنة بعد اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابين الفائز بجائزة «نوبل» للسلام - شراكة مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد توقيعهما في البيت الأبيض اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يعود صاحب «يوم كيبور» إلى تلك اللحظة التي يبدو أنه لم يشف منها بعد، بل هي معلقة في حلقه.

غيتاي ينكأ الجرح، معتبراً أن تصفية رابين جسدياً على يد اليميني المتطرف أمير يغال وضعت نقطة نهائية لأي محاولة لبناء سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، كما أنها سدت نافذة الأمل الصغيرة التي فُتحت في عهده. اغتيال غيّر المعادلة، دائماً وفق غيتاي، وسيكون هناك دوماً ما بعد ذلك الاغتيال وما قبله. اليوم، في فيلمه كما في تصريحاته الصحفية، يحذر غيتاي من ظاهرة صعود الأصولية اليهودية في اسرائيل، التي أفرزت عدوانية وبطشاً وقتلاً، ولا يتوانى لتثبيت مقولته عن ذكر حادثة حرق ثلاثة فلسطينيين بينهم الطفل محمد الدوابشة، على يد متطرفين يهود.

يرتكز الفيلم على التحقيقات التي تلت اغتيال رابين في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1995. سُمح لغيتاي معاينة ملفات لجنة شمغار التي تولت التحقيق، والتعمق في تفاصيلها. اللافت أنه أراد الاضطلاع ليس فقط بدور المخرج والشاهد على «انهيار الأمل الباقي»، بل أيضاً دور المحقق والقاضي وصانع العدالة، إذا انه يشهر كل الأسئلة التي تجاهلتها اللجنة وهي بالنسبة لغيتاي أساسية لفهم اسرائيل ومنطقها. فهذه اللجنة قصرت وفق غيتاي في لفت الانتباه إلى الجوّ الذي كان مهيمناً قبل الاغتيال والذي أدى إلى الاغتيال، وهو جوّ ساد فيه التخوين وهدر الدم، ما جعل المتشددين اليهود يستندون إلى النصّ الديني لتبرير القتل، كما جعلهم يستحضرون بعضاً من محتوى التوراة، كمبدأ ما يُعرف بـ «الدين روديف» الذي يبيح ليهودي قتل يهودي آخر إذا كان يصب في مصلحة اليهود، لمنح غطاء شرعي للجريمة. في الآخر، يستعمل غيتاي قضية رابين «مطية»، لرصد البيئة الثقافية والاجتماعية والدينية التي حدث فيها الاغتيال.

مشهد الاغتيال

مع بداية الفيلم، نعود عشرين سنة إلى الخلف، يوم تجمَّع الاسرائيليون في ميدان ملوك اسرائيل حيث ألقى رابين بمناسبة اتفاقية اوسلو خطابه الأخير قبل أن تخرج 3 طلقات من مسدس أمير يغال، طرحت رابين أرضاً. مشهد الاغتيال الذي هو مزيج من فيديو صوره أحد الشبان أثناء الاغتيال ولقطات صورها غيتاي خصيصاً للفيلم، يقطع الأنفاس اذ يستخدم فيه غيتاي التصوير المتواصل على غرار ما فعله في فيلمه ما قبل الأخير «أنا عربية».

يقول الفيلم ان الاستجوابات لعدد من المسؤولين الأمنيين غداة الجريمة، كشفت التقصير الذي حدث، فتبين مثلاً أن السيارة التي كان رابين على متنها بين الحياة والموت وصلت إلى المستشفى بعد مرور ثماني دقائق على الاغتيال، علماً أن المستشفى لا يبعد إلا نصف كم من موقع الجريمة. غيتاي لا يتهم فقط اليهودية الأصولية، بل أيضاً المخابرات الاسرائيلية التي سمحت للعقل الديني المتشدد أن يؤكد تفوقه ويثبت وجوده. القاتل وجهه مكشوف، شاب في الخامسة والعشرين يستقي عقيدته من التوراة، أما الوجه الحقيقي للقاتل الأكبر، فهذا الوجه لم يُكشف بعد. في العموم، خطاب آموس غيتاي هو الآتي: لا يمكن لكل هذا التطرف أن ينتج حالة طبيعية يعترف فيها أحدهم بالآخر. كل هذه الضغينة تحملنا إلى الهلاك. خطاب غير مبتكر بلا شك، ولكنه صادق وفعّال.

صورة بسيطة لبلد يرقص على صفيح ساخن

أمل الجمل

يمكــــن النظـر الى فيلـــم «على حلة عيني» – من إنتاج فرنسي تونسي بلجيكي إمـاراتي مشترك - كفيلم غنائي عن بعض مبــــررات قيام الثورة التونسية، أو بمعنى أدق، عـــن المناخ الذي ولدت فيه تلك الثورة، إذ تــــدور أحداثه في صيف عام 2010، أي قبـــل فترة وجيـــزة من اندلاع الثــورة، وفيه ترسم المخرجة الأجواء السياسية والإجتماعية الخانـــقة التـــي ميزت النظام السابق تحت حكم بن علي بكل ما في ذلك من رقابة ومنع وحصار لن يستبعد قتل الأحلام لو استلزم الأمر.

وعلى رغم أنه منذ أول أغنية بالفيلم والتي تعبر كلماتها عن مناهضة القهر السياسي وشبح الفقر والمعاناة، يمكن المرء أن يتوقع ما سوف يحدث لاحقاً للبطلة الشابة الجميلة ذات الصوت الآسر القوي، فإن هذا التخمين لن يضعف من جمال الفيلم والاستمتاع به، بسبب الطريق الذي اتبعته المخرجة الشابة ليلى بوزيد – ابنة المخرج التونسي الكبير نوري بوزيد - في تحريك شخصياتها وبناء التفاصيل وتراكمها، وأسلوبها في معالجة فكرتها والتي تشاركت في كتابتها مع ماري صوفي شامبون، من دون أن يخلو الفيلم من بعض الارتجال حيث منحت بوزيد فرصة للممثلين كي يعبروا عن أنفسهم وعن إحساسهم بالشخصيات التي يجسدونها.

خيط متين

يأتي في مقدمة أطراف الحكاية الفتاة المراهقة فرح البالغة من العمر 17 سنة والتي انتهت للتو من الثانوية العامة والمغنية الأولى في فرقة موسيقى الروك، قامت بدورها بيه مظفر وهي ممثلة غير محترفة كما انها ليست مغنية أساساً ولكنها خاضت تجربة التقدم لمعهد الموسيقي في طفولتها. تشكل فرح الخيط المتين الذي يربط جميع حلقات وحبات العُقد، سواء في علاقتها بأمها حياة – أدتها المطربة غالية بن علي- أو في علاقتها بكل من حبيبها عازف العود برهان – قام بدوره منتصر العيارى - وبقية أعضاء الفرقة الموسيقية التي تنتمي إليها والتي تضم 5 ممثلين موسيقيين غير محترفين، وكذلك والدها الغائب دوماً بسبب عمله في مدينة تونسية آخرى وغير القادر على نقل مقر عمله بسبب رفضه الانتماء للحزب المنتمي للنظام، والخادمة التي تبث قدراً من الكوميديا الخفيفة في ثنايا الفيلم والتي تسعى الأم من خلالها الى مراقبة ابنتها وتتبع أخبارها لكن الخادمة لا تبوح بأي من أسرار الابنة، إلى جانب ظهور الحبيب القادم من ماضي الأم والذي أصبح أحد أفراد النظام السياسي والذي يعيد التواصل معها لتحذيرها من تورط ابنتها فيما سيجلب عليها المشاكل بعد أن أصبحت تحت المراقبة.

من خلال علاقة الحب بين فرح وبرهان والغريم المراقب لهما تبدأ المخرجة أولى لقطات شريطها السينمائي بسلاسة وهدوء وتكوين جمالي واعد، يليه مشهد لقاء الابنة بأمها القلقة بسبب تأخرها. ثم سرعان ما نكتشف أثناء البروفة صوت فرح المتفجر بالحياة، المتمرد، الرافض للقهر والحرمان، الثائر على الأوضاع، والمعبر عن شخصيتها المتأججة الراغبة في اختبار كل الأشياء المثيرة والبهجة كالغناء والحب والشرب والخروج والسهر في البارات مع زملائها ومخالطة الغرباء والبسطاء. مع ذلك لا يجعل السيناريو منها شخصية مثالية. فهو يكشف إزدواجيتها وتناقضها حين تحنث بوعودها وتكرر الكذب على والديها حتى تحقق ما تريد من رغبات موسومة بالجرأة وعنفوان الشباب والقسوة أيضاً، فهى لا تتورع عن حبس أمها وإغلاق الباب عليها بالقفل حتى تتمكن من الذهاب إلى حفل الفرقة الذي منعتها من الذهاب إليها.

مستويات رمزية

ليس في الفيلم أحداث كبيرة، هناك فقط فتاة تعبر عن نفسها بالأغاني الثورية المناهضة للنظام الديكتاتوري القائم فيتم القبض عليها وتعذيبها وانتهاك جسدها في مشهد يعتبر ذروة الفيلم حيث نجحت المخرجة بمهارة وحساسية كبيرة أن تبث فينا الألم والإشمئزاز رغم أن المتلقي لا يرى شيئاً لكنه فقط يشعر ويحس. ورغم أن الحكاية بسيطة لكنها تحمل بين سطورها وفي أعماقها مستويات عديدة من الرمزية، ليس فقط من خلال أغانيها السياسية العديدة - ألفها غسان عمامى ولحنها خيام اللامى – الكاشفة لما يدور في المجتمع التحتي والوسط الغنائي والمنبئة بثورة قادمة لا محالة، ولكن أيضاً من خلال رسم الشخصيات بدءاً من شخصية فرح التي تحمل قبساً من اسمها، المُعبرة عن جيل ثوري مفعم بالأحلام والآمال والرغبات، رافض للقيود وساعِ لتحطيمها حتى لو تعرض للجرح أو السقوط، وهي في الوقت نفسه رمز لتونس التي يتصارع عليها الجميع ويريد أن يمتلكها وأن تخضع له حتى لو أهانها، مروراً بشخصية الأم «حياة» المحافظة والتي تمثل نموذجاً آخر للسلطة القهرية، فهي تخطط لمستقبل ابنتها على غير إرادتها، وتريدها أن تدرس الطب بدلاً من الموسيقى وأن تكف عن الغناء، لكن «حياة» لا تبقى شخصية جامدة طوال الشريط السينمائي إذ ينجح صناع العمل في تطويرها – بشكل غير مفتعل - في النصف الثاني من الفيلم عندما تحاول ألا تفقد ابنتها فتقترب من عالمها وتتواصل معها برقة بالغة، محاولة أن تكسر حاجز الصمت الذي حاصرها في أعقاب خروجها من السجن. أما شخصية الأب فلا تُجيد الدخول في المشاحنات إذ أنه يسعى فقط للتهدئة مثلما فعل مع ابنته ليحل الاشتباك والصدام الواقع بينها وبين والدتها، لكنه يمثل سلطة آخرى ظالمة إذ لم يمنح العمال أجورهم أو مكافأتهم فانفجر غضبهم المتأجج في مشهد سريع كالبرق، قد يبدو عابراً، لكنه مؤثر ويكمل رسم البورتريه لبلد كانت على سطح صفيح يغلي. إضافة إلى مشاهد آخرى تكشف ما كان يدور في أعماق هذا البلد من توترات واضطرابات كان لا بد لها أن تنفجر ذات يوم، مثل تلك اللقطات التي تشي بالاختلافات والخلافات في الفرقة الموسيقية وتكشف أن أحدهم يتجسس عليهم لحساب البوليس، وذلك رغم التباس الموقف في ما يتعلق بشأن برهان والذي يجعلنا نتساءل، هل حقاً كان يتعاون مع الشرطة، وهو الذى أبلغ عن فرح؟ أم أن صديقها المغرم بها الذي كان يمسك بالكاميرا دوماً ويسجل كل تحركاتهم؟ أم أن الأخير فقط وشى ببرهان ليتخلص منه معتقداً أنه يزيح العقبة الراسخة في طريقه إلى قلب فرح؟

يعتبر «على حلة عيني» الذي يشارك في هذه الأيام بإحدى تظاهرات مهرجان البندقية، الشريط السينمائي الأول الطويل لمخرجته بعد ثلاثة أفلام قصيرة حصل أحدها «زكريا» 2013 على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان أبو ظبي السينمائي، كما عرض في مهرجان «كليرمون فيران» الدولي للأفلام القصيرة في فرنسا. أما عملها الطويل الأول فيتميز بإيقاع متوازن - مدته 102 دقيقة - بدت فيه ليلى بوزيد قادرة على ضبط الزمن النفسي لأبطاله، ربما باستثناء تلك الدقائق الأخيرة التي أعقبت اغتصاب فرح على أيدي السلطة في مشهد عالٍ في قسوته الفنية، إذ جاءت النهاية أضعف، لكن الفيلم – على بساطته - يتميز إجمالاً بقوة التعبير السياسية عن الحياة اليومية في تونس ما قبل الثورة، مثلما تتميز لقطاته بالحيوية والجاذبية البصرية، خصوصاً أثناء تجوال الكاميرا كأنها عين أبطالها فتلتقط صورا للمجتمع التحتي في تونس بوجوه الفقراء المطحونين والمقهورين في الشوارع والبارات ومواقف السيارات.

الحياة اللندنية في

11.09.2015

 
 

مشروع فيلم مصرى يفوز بدعم ٣٠ ألف يورو فى فينسيا

بقلم: سمير فريد

أُعلن، أمس، عن فوز مشروع الفيلم المصرى «على معزة وإبراهيم»، الذى يشترك فى ورشة «المونتاج الأخير» فى مهرجان فينسيا بثلاث جوائز مجموعها ٣٠ ألف يورو.

المشروع الفائز هو الفيلم الروائى الطويل الأول لمخرجه شريف البندارى، وعُرض منه ٤٤ دقيقة، والمتوقع أن يأتى فى مائة دقيقة. كتب البندارى السيناريو مع إبراهيم البطوط، وصَوَّره عمرو فاروق، وقام بالمونتاج عماد ماهر، وبتصميم الأزياء ريم العدل، ويقوم بالأدوار الرئيسية على صبحى وأحمد مجدى وسلوى محمد على وناهد السباعى، الفيلم إنتاج حسام علوان ومحمد حفظى، ومن الإنتاج المصرى الفرنسى المشترك. وتخرج شريف البندارى الذى وُلد فى القاهرة عام ١٩٧٨ فى معهد السينما بالجيزة عام ٢٠٠٧، وأخرج ٥ أفلام قصيرة هى: «صباح الفل» ٢٠٠٦، و«ساعة عصارى» ٢٠٠٨، و«حظر تجول»، و«فى الطريق لوسط البلد» ٢٠١١، و«حار جاف صيفاً» ٢٠١٥.

المصري اليوم في

11.09.2015

 
 

فيلم [تحت رمال بابل] يفوز بجائزة فينيسيا في مهرجان المدينة السينمائي الدولي

[بغداد-أين]

فاز الفيلم العراقي [تحت رمال بابل] بجائزة مدينة فينيسيا [البندقية] في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ٢٠١٥ .

وأعلن المركز العراقي للفيلم المستقل ومؤسسة عراق الرافدين للأنتاج الفني في بيان له تلقت وكالة كل العراق [أين] نسخة منه، عن "فوز الفيلم للمخرج [محمد جبارة الدراجي] بجائزة مدينة فينيسيا من بين ٥ أفلام عالمية أمس على هامش مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الثانية و سبعون".

وأضاف ان "هذه الجائزة تأتي بعد عده جوائز التي حصل عليها [تحت رمال بابل] حيث حاز الفيلم على العديد من الجوائز والمشاركات العالمية الكبرى، جائزة أفضل فيلم في العالم العربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي، وترشيحه لجائزة السلام الدولية التي تمنحها مؤسسة السينما العالمية في مهرجان برلين السينمائي الدولي ٢٠١٥".

وتابع ان "الفيلم الذي رفع وما زال يرفع اسم العراق عاليا ويثبت ان للسينما العراقية وجود حتى بين كبريات مهرجانات العالم، وهذا الفيلم الذي تمتلك حقوقه وزارة الثقافة العراقية، والذي لم يستلم مخرج الفيلم حقوقه لهذه اللحظة بعد سنوات من مطالبات وفضح المفسدين و على الرغم من القضايا التي رفعها الدراجي وانتهت لصالحه ".

وأشار البيان الى ان "فيلم [تحت رمال بابل] هي قصة حرب الخليج ١٩٩١م ، يفرّ إبراهيم وهو جندي عراقي، من الكويت في أعقاب انسحاب الجيش، ولدى عودته إلى وطنه، يواجه رحلة محفوفة بالمخاطر، فلا يوجد أمامه سوى مسار واحد فقط عبر الصحراء الجنوبية، ويقع إبراهيم في قبضة الحرس الجمهوري ويُزج به في سجون النظام المشينة لدى اشتباههم فيه بأنه خائن، ولكن في الوقت الذي يبدو فيه مصير إبراهيم محسوماً، ينتفض سكان الجنوب العراقي خارج أسوار السجن غارسين أمل الحرية في نفوس الأسرى والمُعتقلين".انتهى

حمرين برس العراقية في

11.09.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)