كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

مهرجان البندقية في دورته الثانية والسبعين:

أوروبا بحسب ألكسندر سوكوروف باخرة تغرق

البندقية - هوفيك حبشيان

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والسبعون

   
 
 
 
 

ألكسندر سوكوروف، معلّم السينما الروسية المعاصرة، يحلم بأوروبا في جديده "فرنكوفونيا" المعروض في مسابقة الدورة الثانية والسبعين لمهرجان البندقية السينمائي (٢ - ١٢ أيلول). يتكلم عنها بصوتٍ عال، بحنين احياناً، بواقعية احياناً اخرى، وبشاعرية في معظم الاحيان. العنوان الفرعي للفيلم يبشّر بأننا سنرى متحف اللوفر الباريسي تحت الاحتلال النازي. بيد ان الفيلم ــ القصيدة، وإن كان موضوعه اللوفر (عاصمة العالم كما قيل عنه)، يذهب أبعد من ذلك بكثير، ليقدّم استنتاجاً سياسياً فلسفياً ثقافياً عن الفنّ والانسان والسلطة في أوروبا المترجحة بين خطايا ماضيها واستقرار حاضرها.

"فرنكوفونيا" كوكتيل من الأفكار والخواطر المرمية في قالب سينمائي يصعب تصنيفه، سواء درامياً او وثائقياً. عمل هجين يشبه صانعه في امتداد واضح لبعض الأفلام التي قدمّها سابقاً. واذ استعمل كلمة "صانع" هنا، فلاقتناعي بان "فرنكوفونيا" قائم على صنعة، على قصّ ولصق، على حرفة في تركيب حكاية تحمل بصمات صاحب الرباعية الشهيرة عن السلطة والديكتاتورية. واستطراداً، يمكن القول ان هذا الفيلم صنعة فريدة في كيفية استرجاع لقطات ومٓشاهد من السينما بالأسود والأبيض وترتيبها في سياق التأويل. نَفَس سوكوروف حاضر، اسلوبه مكثّف، اطلالاته على التاريخ باهرة، وقراءته للواقع الاوروبي يموضعه في مقدمة المثقفين الاوربيين المتضلعين من الموضوع الذي يبحثون فيه. "فرنكوفونيا" أول فيلم ذي شأن سينمائي وانساني وفني، شاهدته في مهرجان البندقية هذا العام، وحتى كتابة هذه السطور.

الحصة الكبرى من الفيلم ترتكز على العلاقة بين مدير اللوفر والضابط النازي المكلف المحافظة على المقتنيات داخل المتحف الشهير، يوم تمّ نقلها الى أحد القصور في العام 1939. يشهد الحوار بينهما على شيء من التودد. هناك، ما يفرقّهما وما يجمعهما في آن واحد. انها علاقة خاسر برابح، في مقابل التعلق بالتحف والاصرار على تهريبها الى مكان أكثر أماناً، علماً ان التعميم كان واضحاً بعدم المس بالارث الثقافي الانساني. هذا الجزء من الفيلم مُستعاد درامياً، مع ممثلين، وفيه الزيف الجميل المحبب الذي يجعل هذا الخيار طريفاً كون الحديث هنا عن متحف، اي عن أعمال لا مكان فيها الا للأصيل. فيلم سوكوروف عبارة عن "باتشوورك". انها اجتهادات فكرية تجول وتصول لتخرج العمل عن الاطار التقليدي. هناك الكثير من صور الأرشيف، واهتمام بالغ بالصوت، مع التذكير بأن التعليق الصوتي المرافق هو لسوكوروف نفسه. من تشيخوف وتولستوي الى محادثة عبر الـ"سكايب"، لا يحتاج سوكوروف الى ذريعة بل نقرة. بلى، هو بهذه الحرية في فيلم أوصاه به متحف اللوفر! مرونة كبيرة يتمتع بها لقول ما يريده، واقتلاع الأسئلة الشائكة من محلها. بالنسبة إليه، أوروبا كانت مفترسة بقدر ما كانت رائدة. ونابوليون هو هذا الرمز الذي يجوب في أروقة اللوفر بحثاً عن دور، عن اعتراف، وتأكيد. حركات الكاميرا التي تحلّق فوق المباني الباريسية الجميلة، والعديد العديد من الابتكارات الصغيرة كطائرة نازية تعبر باحة المتحف الداخلية، يمكن اعتبارها من الاعجازات التي تفعل فعلتها في المُشاهد وتجعل الفيلم يرتقي الى مصاف جوهرة تضيء العتمة.

عندما يصوّر سوكوروف فيلماً كهذا، فإنه يصوّر أشياء يعرفها عن ظهر قلب. أفلامه كلها تنهل من ينبوع الفنّ والثقافة. يعتبر نفسه تلميذاً وليس معلماً، بيد ان الأديب والرسام والموسيقي وحدهم قادرون على تعليمه. لذلك، كان متوقعاً ان ندخل برفقة سوكوروف الى داخل بيت العنكبوت، فنراه ينسج تلك العلاقة التاريخية بين السلطة والفنّ، فيصبح اللوفر معها حاضنة الثقافة والحضارة، وتلك الباخرة التي تواجه أمواجا ضخمة تضع مصيرها ومصير ما تحمله من تحف فنية في مهب العاصفة.

بالنسبة إلى سوكوروف، باريس هي أكثر من عاصمة فرنسا. لمَ حافظ عليها النازيون، في حين انهم دمّروا عدداً من العواصم الأوروبية الاخرى؟ هذا سؤال الجواب عنه لا يتضمنه الفيلم، وإن كانت الاطلالة على الارميتاج تجعلنا ندرك حجم التهديد. في كل حال، شبح نابوليون حاضر في الفيلم، عبر عوداته المتكررة وتأكيده انه صاحب الفضل في جلب التحف الى اللوفر خلال حملاته. الأمر لا ينفك يتحول الى لازمة مضحكة. هذا كله، في حين ان ماريان، رمز الثورة الفرنسية، تذكّر بشعار الجمهورية: "حرية، مساواة، اخوة". طبعاً، يتردد صدى هذا في واقعنا المعاصر. ما يصوّره سوكوروف - ملقياً بنفسه في عصر النهضة، هو صعود وهبوط مستمران، عظمة وانحطاط بلا توقف، وهو يتحكّم بالاقصوصة من داخل غرفته المغطاة بالكتب والمراجع. يجري هذا على ايقاع باخرة تصارع الأمواج. حتى في مقابلاته، لا يخوض سوكوروف مجال الشرح وتفكيك الايحاءات والرموز. لكن اللبيب من الاشارة يفهم.

■■■

المخرج الفرنسي كزافييه جيانولّي يشارك في مسابقة البندقية بفيلم مشاغب الى حدّ ما، يساهم في رفع مستوى البهجة لدى المُشاهد، بعد مجموعة أفلام تحملنا كالعادة الى أقاصي المآسي والأحزان. عنوان الفيلم "مارغريت"، تجري حوادثه في العشرينات، الفترة التي كانت تسمى "سنوات الجنون"، وهو يتمحور بشكل أساسي على سيدة من الطبقة الاريستوقراطية مهووسة بالغناء وتحبّ الأوبرا، فنتابع جراء هذا الهوس الذي لديها، صولاتها وجولاتها مع الغناء. لكن صوتها صوت غراب واداؤها نشاز ينال من الأذنين. مارغريت امرأة ثرية تجمع تبرّعات، زوجها يخونها والكلّ يسخر من اصرارها على الغناء. امرأة محوطة "محمية" من الخارج لكنها وحيدة من الداخل، لا أحد يجرؤ على مصارحتها بأنها مهزلة كونية وانها لن تبلغ أبداً حلمها بصوت كصوتها.
الكلّ يحرص على ابقائها في دائرة أوهامها المغلقة حيث مجموعة منافقين خبثاء، يقولون لها ما تريد ان تسمعه. حتى النقّاد في بعض الصحف يكتبون عنها ما لا يؤمنون به... الى اليوم الذي تقرر فيه تقديم ريسيتال كبير، فتحلّ الفضيحة الموصوفة. نحن ازاء فيلم تراجيكوميدي هنا يجمع ما بين اللؤم والاحساس بالشفقة الذي تثيره مارغريت من دون أن تدرك اياً من هذا كله. هذا ايضاً فيلم عن الاصرار والنفاق والاوهام والحبّ، تتألق فيه الممثلة الكبيرة كاترين فرو كعادتها. كان يمكن فرنسوا أوزون ان ينجز "مارغريت" (هل تتذكرون فيلمه أنجيل"؟)، لما يتضمّنه من إمعان في باروكية مفرطة، لذيذة، مدمرّة احياناً. كلّ الامكانات وُضعت في خدمة هذه الرؤية المتقنة لفرنسا في زمن ألقها، زمن كباريهاتها وناسها الانيقين وصورتها المغرية. الفيلم ايضاً إهداء إلى واحدة من أبرع الممثلات الفرنسيات، كاترين فرو، وهنا، على الرغم من كلّ الشخصيات الثانوية التي تساندها في دورها، يمكن القول إنها تحمل الفيلم على كتفيها. كان يمكن شخصيتها ان تواجه خطر الوقوع في الازدراء، بيد انها تنتشلها من كلّ الأخطار، وتجيد منحها ما ينبغي من طيبة وانسانية ليتماهى معها المُشاهد، فتولّد في داخلنا احساساً بالذنب كوننا نسخر من شيء هو أحد أعز الأشياء عند الانسان: الايمان بنفسه.

■■■

الاوكراني سرغي لوزنيتسا. هذا الاسم قد لا يعرفه الكثيرون، الا انه لواحد من ألمع سينمائيي الأفلام الوثائقية في العالم. كلّ جديد له ينطق شعراً واحساساً بالمكان والزمان، وهما شرطان أساسيان لكلّ وثائقي تواق الى كشف تفاصيل عن حياة البشر ونقلها الى الشاشة المستطيلة. بعد "ميدان" الذي عُرض في مهرجان كانّ العام الماضي (عن حوادث أوكرانيا في العام ٢٠١٣)، يعود لوزنيتسا الى هوايته المفضلة: حياة البشر المقهورين في لحظة تاريخية، لحظة انتقال روسيا الى مرحلتها الديموقراطية، سيكون هناك بالنسبة إليهم ما قبل تلك اللحظة وما بعدها. من خلال فضوله الفطري في استجواب التاريخ عبر صور الأرشيف، يضع مخرج "في الضباب" فيلماً كاملاً على الرغم من انه لم يصوّر مشهداً واحداً منه.

كلّ شيء يبدأ في الصيف من العام ١٩٩١. مجموعة من الشيوعيين المتشددين يحدثون انقلاباً لإسقاط الاتحاد السوفياتي الذي استمر حكمه منذ ٧٠ عاماً. بعد فترة قليلة من هذا الذي يعرفه لوزنيتسا باعتباره "الحدث" (عنوان الفيلم - يُعرض خارج المسابقة)، ينهار الاتحاد السوفياتي، ويُرفع العلم الروسي ذو الألوان الثلاثة. وفي حين كان الانقلابيون يحتجزون غورباتشيوف، كانت التلفزيونات والاذاعات التابعة للدولة، تبث "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي بدلاً من نشرة الأخبار.

في غفلة من التاريخ، يجتمع الآلاف في لينينغراد (سان بطرسبرغ حالياً)، للمطالبة بدولة ديموقراطية يقودها بوريس يلتسين. ما يقدمّه لوزنيتسا هنا هو مونتاج بارع مؤلف من أرشيف بالأبيض والأسود، أرشيف باهر يُعتبر استخدامه امتداداً لما بدأه المخرج في فيلمه "بلوكادا". وجوه كثيرة، قلقة، يائسة، مقموعة بعد سنوات من الاحتجاز لحريتها. "الحدث" فيلم يمعن في التفاصيل الصغيرة الموحية، حيث ينطوي تلاحق الصور على ادراك بالغ للسينما كآداة تغيير. لا يخفي لوزنيتسا وقوعه في سحر سان بطرسبرغ، والمكانة التي تحتلها في قلب عمله. يقول في مقابلة صغيرة، إنه اراد من خلال هذا الفيلم إزالة كلّ الميثولوجيات التي ألقت بظلالها على الحدث الفعلي وحالت آنذاك دون كشف الحقيقة المتعلقة بالناس. ليس السياسون هم الذين يهتم بهم لوزنيتسا بل البشر، وقد وجد في هذا الفيلم المسافة اللائقة، زمناً وفكراً، للحديث عنهم.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

"افرست" لبالتازار كورماكور: السطحية رغم التضاريس!

يصعب إسقاط معانٍ كثيرة على فيلم الافتتاح، "افرست" لبالتازار كورماكور (خارج المسابقة)، المسطّح على رغم تضاريسه. وكذلك تزويده تيمات خالدة تعود إليها السينما مراراً في مثل هذه الأفلام، كغريزة البقاء أو سخط الطبيعة الأنانية التي لا تبالي البتة بالحياة البشرية. فالطبيعة لها الكلمة الفصل دائماً. السيناريو الذي يزدحم بشخصيات لا عمق لها، يمتنع عن الاتيان بلمسة جديدة. لا جديد حتى على سقف العالم، وقد يكون هذا المستجد الوحيد في الفيلم والحقيقة الوحيدة التي تتسرّب منه. فما إن يصل المتسلّقون إلى القمة، حتى نشعر بمحدودية الفعل وبالملل الذي يصيب المشروع بأكمله. هذا برهان آخر على أنّ متعة الحياة هي في الطريق الذي تجعلنا نسلكه لبلوغ الهدف وليست في الهدف ذاته. حتى هذه الأفكار الصغيرة التي نلملمها هنا وهناك، تأتي بجرعات قليلة، وفي قالب غير مبتكر وغير مستفز، بل يجتازه بعض الملل، وخصوصاً أنّ المعالجة السطحية للشخصيات لا تجعلنا نتعاطف معها كما ينبغي.
التُقطت مشاهد "افرست" (إنتاج بريطاني) في ثلاثة مواقع طبيعية: جبال الألب الإيطالية، وايسلندا حيث مسقط المخرج، وفي قاعدة في الافرست النيبالية. مكان رابع هو ستوديوات بوكنغهامشاير حيث صُوّرت مَشاهد إضافية. صحيح أنّ المؤثرات البصرية مدهشة وهي مفخرة الفيلم، لكنها جاءت - وفق تصريح المخرج خلال المؤتمر الصحافي - بعد أيام وأيام من التصوير في الجبال الشاهقة.

مدير المهرجان ألبرتو باربيرا لم يخفِ رغبته في أن يحظى الفيلم بمصير مشابه لمصير الفيلمين الأخيرين اللذين عُرضا في افتتاح الـ"موسترا"، أي "جاذبية" و"بردمان" ("أوسكارات" وانتشار دولي وترحيب نقدي واسع)، بيد أنّ مستوى "افرست" لا يرقى البتة الى مستوى الفيلمين المذكورين. هذا الفيلم في بعض لقطاته إعجاز تقني، صورةً وصوتاً في المقام الأول. وربما لأن كورماكور أقدم على نزع العواطف من الفيلم وخفضها الى حدّها الأدنى، فالتعاطف الإنساني ظلّ شكلياً، وخصوصاً في زمن صار الموت فيه محتوماً وليس اختياراً أو ترفاً.

النهار اللبنانية في

07.09.2015

 
 

سوكوروف من مهرجان البندقية:

العالم القديم لا يعرف إلا العنف والعسكر!

المصدر: "النهار" - البندقية - هوفيك حبشيان

ألكسندر سوكوروف، معلّم السينما الروسية المعاصرة، يحلم بأوروبا في جديده "فرنكوفونيا" المعروض في مسابقة الدورة الثانية والسبعين لمهرجان البندقية السينمائي (٢ - ١٢ أيلول). يتكلم عنها بصوتٍ عال، بحنين احياناً، بواقعية احياناً اخرى، وبشاعرية في معظم الاحيان. العنوان الفرعي للفيلم يبشّر بأننا سنرى متحف اللوفر الباريسي تحت الاحتلال النازي. بيد ان الفيلم ــ القصيدة، وإن كان موضوعه اللوفر (عاصمة العالم كما قيل عنه)، يذهب أبعد من ذلك بكثير، ليقدّم استنتاجاً سياسياً فلسفياً ثقافياً عن الفنّ والانسان والسلطة في أوروبا المترجحة بين خطايا ماضيها واستقرار حاضرها.

"فرنكوفونيا" كوكتيل من الأفكار والخواطر المرمية في قالب سينمائي يصعب تصنيفه، سواء درامياً او وثائقياً. عمل هجين يشبه صانعه في امتداد واضح لبعض الأفلام التي قدمّها سابقاً. واذ استعمل كلمة "صانع" هنا، فلاقتناعي بان "فرنكوفونيا" قائم على صنعة، على قصّ ولصق، على حرفة في تركيب حكاية تحمل بصمات صاحب الرباعية الشهيرة عن السلطة والديكتاتورية. واستطراداً، يمكن القول ان هذا الفيلم صنعة فريدة في كيفية استرجاع لقطات ومٓشاهد من السينما بالأسود والأبيض وترتيبها في سياق التأويل. نَفَس سوكوروف حاضر، اسلوبه مكثّف، اطلالاته على التاريخ باهرة، وقراءته للواقع الاوروبي يموضعه في مقدمة المثقفين الاوربيين المتضلعين من الموضوع الذي يبحثون فيه. "فرنكوفونيا" أول فيلم ذي شأن سينمائي وانساني وفني، شاهدته في مهرجان البندقية هذا العام، وحتى كتابة هذه السطور.

الحصة الكبرى من الفيلم ترتكز على العلاقة بين مدير اللوفر والضابط النازي المكلف المحافظة على المقتنيات داخل المتحف الشهير، يوم تمّ نقلها الى أحد القصور في العام 1939. يشهد الحوار بينهما على شيء من التودد. هناك، ما يفرقّهما وما يجمعهما في آن واحد. انها علاقة خاسر برابح، في مقابل التعلق بالتحف والاصرار على تهريبها الى مكان أكثر أماناً، علماً ان التعميم كان واضحاً بعدم المس بالارث الثقافي الانساني. هذا الجزء من الفيلم مُستعاد درامياً، مع ممثلين، وفيه الزيف الجميل المحبب الذي يجعل هذا الخيار طريفاً كون الحديث هنا عن متحف، اي عن أعمال لا مكان فيها الا للأصيل. فيلم سوكوروف عبارة عن "باتشوورك". انها اجتهادات فكرية تجول وتصول لتخرج العمل عن الاطار التقليدي. هناك الكثير من صور الأرشيف، واهتمام بالغ بالصوت، مع التذكير بأن التعليق الصوتي المرافق هو لسوكوروف نفسه. من تشيخوف وتولستوي الى محادثة عبر الـ"سكايب"، لا يحتاج سوكوروف الى ذريعة بل نقرة. بلى، هو بهذه الحرية في فيلم أوصاه به متحف اللوفر! مرونة كبيرة يتمتع بها لقول ما يريده، واقتلاع الأسئلة الشائكة من محلها. بالنسبة إليه، أوروبا كانت مفترسة بقدر ما كانت رائدة. ونابوليون هو هذا الرمز الذي يجوب في أروقة اللوفر بحثاً عن دور، عن اعتراف، وتأكيد. حركات الكاميرا التي تحلّق فوق المباني الباريسية الجميلة، والعديد العديد من الابتكارات الصغيرة كطائرة نازية تعبر باحة المتحف الداخلية، يمكن اعتبارها من الاعجازات التي تفعل فعلتها في المُشاهد وتجعل الفيلم يرتقي الى مصاف جوهرة تضيء العتمة.

عندما يصوّر سوكوروف فيلماً كهذا، فإنه يصوّر أشياء يعرفها عن ظهر قلب. أفلامه كلها تنهل من ينبوع الفنّ والثقافة. يعتبر نفسه تلميذاً وليس معلماً، بيد ان الأديب والرسام والموسيقي وحدهم قادرون على تعليمه. لذلك، كان متوقعاً ان ندخل برفقة سوكوروف الى داخل بيت العنكبوت، فنراه ينسج تلك العلاقة التاريخية بين السلطة والفنّ، فيصبح اللوفر معها حاضنة الثقافة والحضارة، وتلك الباخرة التي تواجه أمواجا ضخمة تضع مصيرها ومصير ما تحمله من تحف فنية في مهب العاصفة.

بالنسبة إلى سوكوروف، باريس هي أكثر من عاصمة فرنسا. لمَ حافظ عليها النازيون، في حين انهم دمّروا عدداً من العواصم الأوروبية الاخرى؟ هذا سؤال الجواب عنه لا يتضمنه الفيلم، وإن كانت الاطلالة على الارميتاج تجعلنا ندرك حجم التهديد. في كل حال، شبح نابوليون حاضر في الفيلم، عبر عوداته المتكررة وتأكيده انه صاحب الفضل في جلب التحف الى اللوفر خلال حملاته. الأمر لا ينفك يتحول الى لازمة مضحكة. هذا كله، في حين ان ماريان، رمز الثورة الفرنسية، تذكّر بشعار الجمهورية: "حرية، مساواة، اخوة". طبعاً، يتردد صدى هذا في واقعنا المعاصر. ما يصوّره سوكوروف - ملقياً بنفسه في عصر النهضة، هو صعود وهبوط مستمران، عظمة وانحطاط بلا توقف، وهو يتحكّم بالاقصوصة من داخل غرفته المغطاة بالكتب والمراجع. يجري هذا على ايقاع باخرة تصارع الأمواج. حتى في مقابلاته، لا يخوض سوكوروف مجال الشرح وتفكيك الايحاءات والرموز. لكن اللبيب من الاشارة يفهم.

في حديث معمّق مع "النهار" ننشر تفاصيله قريباً، قال سوكوروف: "كيف سأتعرّف الى العرب مثلاً إن لم أزر متاحفهم؟ كلّ منا يعيش في مكان بعيد من الآخر، كلّ منا في زاوية. فقط عبر زيارة الأرميتاج، يمكنك أن تتعرّف إلى ثقافتنا الروسية وتغرم بها. قد لا تحبّ سياسيينا أو الأباطرة الذين حكمونا، ولكن تاريخ الفنّ هو تاريخ الناس، البشر الذين هم نحن، مَن جاء قبلنا ومَن سيأتي من بعدنا".

أما عن جرائم ما يُعرف بـ"داعش" في حقّ الحضارات التي مرّت في العراق وسوريا، فقال: "كل شيء بدأ مع الحرب الأميركية على العراق. عندما سقطت بغداد بدأت العصابات نهب الآثار من متحفها، وهو واحد من أغنى المتاحف في العالم. منذ ذلك الوقت، كان مفهوماً ما الذي سيحصل، كانت هذه صفعة على وجه الحضارة. الأمر لا علاقة له بصدام حسين، فالله عاقبه، ولكن شهد العالم خللاً في التوازن. لم يكن يحق للأميركيين التصرّف بهذا القدر من الاستهتار. للأسف، العالم القديم لا يعرف سوى منطقين: العنف أو العسكر".

وعندما سألناه إذا كان يعتقد أنّ هذا كله مخطط سلفاً، كان رده: "نحن إزاء الغباء الآدمي. نحن نعيش نتائج انعدام الثقافة والفهم. حكّام العالم انتزعوا منّا الشخصية الإنسانية، إنهم أكثر البشر في حاجة الى الإنسانية. ما نشهده سببه تفضيل السياسة على الانسان".

"البندقية ٧٢" -

"الحدث" لسرغي لوزنيتسا: الأرشيف ينطق شعراً

المصدر: "النهار" - البندقية - هوفيك حبشيان

الاوكراني سرغي لوزنيتسا. هذا الاسم قد لا يعرفه الكثيرون، الا انه لواحد من ألمع سينمائيي الأفلام الوثائقية في العالم. كلّ جديد له ينطق شعراً واحساساً بالمكان والزمان، وهما شرطان أساسيان لكلّ وثائقي تواق الى كشف تفاصيل عن حياة البشر ونقلها الى الشاشة المستطيلة. بعد "ميدان" الذي عُرض في مهرجان كانّ العام الماضي (عن حوادث أوكرانيا في العام ٢٠١٣)، يعود لوزنيتسا الى هوايته المفضلة ضمن الأفلام المعروضة في الدورة الثانية والسبعين لمهرجان البندقية السينمائي (٢ - ١٢ أيلول): حياة البشر المقهورين في لحظة تاريخية، لحظة انتقال روسيا الى مرحلتها الديموقراطية، سيكون هناك بالنسبة إليهم ما قبل تلك اللحظة وما بعدها. من خلال فضوله الفطري في استجواب التاريخ عبر صور الأرشيف، يضع مخرج "في الضباب" فيلماً كاملاً على الرغم من انه لم يصوّر مشهداً واحداً منه.

كلّ شيء يبدأ في الصيف من العام ١٩٩١. مجموعة من الشيوعيين المتشددين يحدثون انقلاباً لإسقاط الاتحاد السوفياتي الذي استمر حكمه منذ ٧٠ عاماً. بعد فترة قليلة من هذا الذي يعرفه لوزنيتسا باعتباره "الحدث" (عنوان الفيلم - يُعرض خارج المسابقة)، ينهار الاتحاد السوفياتي، ويُرفع العلم الروسي ذو الألوان الثلاثة. وفي حين كان الانقلابيون يحتجزون غورباتشيوف، كانت التلفزيونات والاذاعات التابعة للدولة، تبث "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي بدلاً من نشرة الأخبار.

في غفلة من التاريخ، يجتمع الآلاف في لينينغراد (سان بطرسبرغ حالياً)، للمطالبة بدولة ديموقراطية يقودها بوريس يلتسين. ما يقدمّه لوزنيتسا هنا هو مونتاج بارع مؤلف من أرشيف بالأبيض والأسود، أرشيف باهر يُعتبر استخدامه امتداداً لما بدأه المخرج في فيلمه "بلوكادا". وجوه كثيرة، قلقة، يائسة، مقموعة بعد سنوات من الاحتجاز لحريتها. "الحدث" فيلم يمعن في التفاصيل الصغيرة الموحية، حيث ينطوي تلاحق الصور على ادراك بالغ للسينما كآداة تغيير. لا يخفي لوزنيتسا وقوعه في سحر سان بطرسبرغ، والمكانة التي تحتلها في قلب عمله. يقول في مقابلة صغيرة، إنه اراد من خلال هذا الفيلم إزالة كلّ الميثولوجيات التي ألقت بظلالها على الحدث الفعلي وحالت آنذاك دون كشف الحقيقة المتعلقة بالناس. ليس السياسون هم الذين يهتم بهم لوزنيتسا بل البشر، وقد وجد في هذا الفيلم المسافة اللائقة، زمناً وفكراً، للحديث عنهم.

"البندقية ٧٢" -

"مارغريت" لكزافييه جيانولّي: البورجوازية عندما تغني!

المصدر: "النهار" - البندقية - هوفيك حبشيان

المخرج الفرنسي كزافييه جيانولّي يشارك في مسابقة الدورة الثانية والسبعين لمهرجان البندقية السينمائي (٢ - ١٢ أيلول) بفيلم مشاغب الى حدّ ما، يساهم في رفع مستوى البهجة لدى المُشاهد، بعد مجموعة أفلام تحملنا كالعادة الى أقاصي المآسي والأحزان. عنوان الفيلم "مارغريت"، تجري حوادثه في العشرينات، الفترة التي كانت تسمى "سنوات الجنون"، وهو يتمحور بشكل أساسي على سيدة من الطبقة الاريستوقراطية مهووسة بالغناء وتحبّ الأوبرا، فنتابع جراء هذا الهوس الذي لديها، صولاتها وجولاتها مع الغناء. لكن صوتها صوت غراب وأداءها نشاز ينال من الأذنين. مارغريت امرأة ثرية تجمع تبرّعات، زوجها يخونها والكلّ يسخر من اصرارها على الغناء. امرأة محوطة "محمية" من الخارج لكنها وحيدة من الداخل، لا أحد يجرؤ على مصارحتها بأنها مهزلة كونية وانها لن تبلغ أبداً حلمها بصوت كصوتها.

الكلّ يحرص على ابقائها في دائرة أوهامها المغلقة حيث مجموعة منافقين خبثاء، يقولون لها ما تريد أن تسمعه. حتى النقّاد في بعض الصحف يكتبون عنها ما لا يؤمنون به... الى اليوم الذي تقرر فيه تقديم ريسيتال كبير، فتحلّ الفضيحة الموصوفة. نحن ازاء فيلم تراجيكوميدي هنا يجمع ما بين اللؤم والاحساس بالشفقة الذي تثيره مارغريت من دون أن تدرك اياً من هذا كله. هذا ايضاً فيلم عن الاصرار والنفاق والاوهام والحبّ، تتألق فيه الممثلة الكبيرة كاترين فرو كعادتها. كان يمكن فرنسوا أوزون ان ينجز "مارغريت" (هل تتذكرون فيلمه "أنجيل"؟)، لما يتضمّنه من إمعان في باروكية مفرطة، لذيذة، مدمرّة احياناً. كلّ الامكانات وُضعت في خدمة هذه الرؤية المتقنة لفرنسا في زمن ألقها، زمن كباريهاتها وناسها الانيقين وصورتها المغرية. الفيلم ايضاً إهداء إلى واحدة من أبرع الممثلات الفرنسيات، كاترين فرو، وهنا، على الرغم من كلّ الشخصيات الثانوية التي تساندها في دورها، يمكن القول إنها تحمل الفيلم على كتفيها. كان يمكن شخصيتها ان تواجه خطر الوقوع في الازدراء، بيد انها تنتشلها من كلّ الأخطار، وتجيد منحها ما ينبغي من طيبة وانسانية ليتماهى معها المُشاهد، فتولّد في داخلنا احساساً بالذنب كوننا نسخر من شيء هو أحد أعز الأشياء عند الانسان: الايمان بنفسه.

النهار اللبنانية في

07.09.2015

 
 

على حلة عينى

بقلم: سمير فريد

كما قال إيهاب حسن «صفعت شرطية بائعا متجولا فى تونس عام ٢٠١٠ فاشتعل الشرق الأوسط»، والمقصود محمد بوعزيزى الذى انتحر حرقاً بعد صفعه وامتد الحريق إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، ولم يخمد حتى الآن مع اختلاف الدرجات وتباين الأوضاع. وبعد خمس سنوات شهد مهرجان فينسيا ٢٠١٥ عرض الفيلم الفرنسى التونسى البلجيكى المدعوم من صندوق سند فى الإمارات «على حلة عينى» إخراج ليلى بوزيد فى برنامج «أيام فينسيا» فى دورته الأربعين، والذى تدور أحداثه فى تونس صيف ٢٠١٠ قبل شهور من بداية الثورة.

هناك سينما كاملة أنتجت فى هذه السنوات هى «سينما الربيع العربى» من عشرات الأفلام من الإنتاج العربى وغير العربى، أغلبها تسجيلية، وأقلها روائية، وهو أمر طبيعى ومنطقى، فالروائى يحتاج إلى مسافات زمنية للتأمل وصياغة الدراما، وإن كان هذا لا يعنى أن الأفلام التسجيلية تفتقد الدراما، ولكنها تختلف عن دراما التمثيل.

«على حلة عينى» أحدث أفلام سينما الربيع العربى الروائية. ورغم أنه يحمل الجنسية الفرنسية بحكم جنسية الشركة منشأ الإنتاج، وأغلب فنانيه خلف الكاميرا من الفرنسيين، إلا أنه فيلم تونسى خالص من حيث هويته الثقافية. إنه إعلان مولد مخرجة موهوبة فى أول أفلامها الروائية الطويلة. وقد ولدت ليلى بوزيد فى تونس عام ١٩٨٤، ودرست الأدب الفرنسى فى جامعة «السوربون» فى باريس عام ٢٠٠٣، ثم السينما فى معهد «فيميس» حيث تخرجت عام ٢٠١١، وبعد فيلم التخرج القصير أخرجت فيلماً قصيراً آخر بعنوان «زكريا» عام ٢٠١٣.

ليلى بوزيد من أجيال الشباب الذين قاموا بالثورة، وكانوا ولايزالون يقودون الثورة التى انضمت إليها الأجيال الأخرى من الآباء والأجداد. ولم يكن من الغريب أن يأتى فيلمها الأول الذى كتبته مع مارى- صوفى شامبون، تعبيراً عن جوهر الثورة، والدافع الأكبر لقيام الشباب بها وقيادتها، وهو أن يعيشوا فى حرية.

شجاعة أدبية

امتلكت ليلى بوزيد شجاعة أن تقدم فيلماً غنائياً عن الثورة. ومن هذه الزاوية تذكرنا بالأستاذ يوسف شاهين فى «عودة الابن الضال» عام ١٩٧٦ الذى يعتبر من كلاسيكيات السينما الغنائية السياسية. كما امتلكت الفنانة شجاعة أن تكون القصة عن فتاة فى الثامنة عشرة انتهت لتوها من دراستها الثانوية، وتريد أن تحترف الغناء، ولكن أسرتها تريد لها دراسة الطب. وهى قصة معتادة فى الأفلام المصرية التى تمثل تراث جمهور السينما السائدة فى تونس، واختيارها يعنى التوجه إلى هذا الجمهور من ناحية، وإدراك أن القصة المعتادة لا تعنى المعالجة الدرامية المعتادة.

الفتاة هى فرح (بيه المظفر) المغنية الأولى فى فريق موسيقى من الشباب يقوده برهان (منتصر العيادى) الذى يتبادل الحب مع فرح، أو هكذا يبدو من أول لقطة فى الفيلم. ولكن الأغانى السياسية التى ألفها غسان عمامى ولحنها خيام اللامى، تؤدى إلى القبض على فرح حيث تتعرض لإهانات بالغة من الشرطى الذى يحقق معها بما فى ذلك التحرش الجنسى. وأثناء التحقيق معها تكتشف فرح أن برهان كان يتعاون مع الشرطة، وهو الذى أبلغ عنها باعتبارها متمردة ضد السلطة. ومع ذلك ترفض أن تقول إنه مؤلف الأغنية التى كانت الدافع المباشر للقبض عليها. ولا يتم الإفراج عن فرح إلا بعد أن تتصل أمها حياة (غالية بن على) بشرطى تعرفه، وعرض نفسها عليه، ولكنه يرفض شفقة أو احتراماً لحب قديم. ويتجلى هنا الإحساس الدرامى القوى للمخرجة، فهذا الشرطى ربما يكون الرجل الوحيد الذى يتصف بالنبل فى كل الفيلم.

حياة وفرح

إننا أمام فيلم نسائى بامتياز عن امرأتين من تونس الأم حياة والابنة فرح، ولا تخفى هنا دلالة اسم كل منهما. الأم التى تعرف جيداً الدولة البوليسية وتريد حماية ابنتها منها، والابنة التى لا تخشى تلك الدولة حباً فى الحياة ورغبة فى الفرح. وهناك ثلاثة مشاهد كبرى تعبر عن العلاقة بينهما، وعن تمكن المخرجة فى صياغة أسلوب واقعى متطور. عندما تقود الأم السيارة بسرعة شديدة وبجوارها ابنتها لتحصل على وعد منها بالكف عن الغناء أو يموتا معاً. وعندما تغلق الابنة باب غرفة نوم أمها لتتمكن من الخروج فى الليل ثم تعود وتطلب الصفح عنها. والمشهد الثالث مشهد النهاية الذى لا ينسى عندما تقترب الأم من روح ابنتها التى خبت بعد تعرضها للسجن، وتنجح فى استعادتها بالحب والأمل. ويكشف هذا الفيلم عن ممثلة كبيرة حقاً هى غالية بن على فى دور الأم الذى أدته ببراعة وامتياز.

هناك نقاط ضعف فنية فى الفيلم (١٠٢ دقيقة) أبرزها السيناريو والمونتاج حيث تترهل الدراما ويسقط الإيقاع فى بعض الأحيان وكانت ٩٠ دقيقة تكفى وتزيد. وربما تكون النزعة النسائية الغالبة السبب فى غموض العلاقة بين الأم والأب المستغرق فى عمله فى مكان بعيد، والعلاقة بينه وبين ابنته. كما أن هناك مشاهد مبتسرة لغضب العمال فى مكان عمل الأب، ومشاهد تقليدية رتيبة، خاصة فى بداية الفيلم، وعند الاحتفال بعيد الفطر. ولكن نقاط الضعف الفنية لا تخفى نقاط القوة التى تجعل الفيلم محاولة صادقة للإجابة عن سؤال لماذا كانت الثورة.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

07.09.2015

 
 

الممثلة «تيلدا سوينتون» لا تستطيع الكلام في فيلم جديد يعرض في «فينيسيا السينمائي»

فينيسيا (إيطاليا) – د ب أ:

أضافت الممثلة الإنكليزية تيلدا سوينتون لمسة أساسية إلى فيلم جديد هو عبارة عن إعادة إنتاج للفيلم الكلاسيكي «لا بيسين» لعام 1969، حيث أكدت أنها تظهر بشخصية تجد صعوبة في الكلام في الفيلم المسمى «إيه بيجر سبلاش» أو «دفقة أكبر»، بحسب ما قالته سوينتون خلال مهرجان فينيسيا السينمائي بإيطاليا في دورته الـ 72 الأحد.

وفي الإصدار الجديد لهذا الفيلم وهو من إخراج الإيطالي لوكا جوادانينو، تلعب سوينتون دور أسطورة الروك ماريان لين التي ذهبت إلى جزيرة إيطالية صغيرة برفقة صديقها الأصغر، وسرعان ما تتطور الأحداث إلى فوضى خطيرة لدى وصول شريكها السابق وابنته بينيلوب فجأة إليهما.

وسبق أن تعاونت سوينتون مع المخرج الإيطالي في أفلام أخرى، لكنها قالت إنها لم تتخيل نفسها في شخصية الفيلم الجديد عندما عرض عليها المخرج هذا العمل.

ويتعارض صمت سوينتون في هذا الفيلم وهمسها في بعض الأحيان مع الأداء المفعم بالحيوية للمثل رالف فينيس الذي يؤدي شخصية هاري الذي يؤدي استرساله دائما في الحديث إلى أشياء سيئة أكثر من الجيدة في العلاقات بين الشخصيات الأربع الرئيسية في الفيلم.

وقالت سوينتون: «إنهم جميعا يبدون وكأنهم يصارعون حقيقة أنهم لا يستطيعون حقا التواصل مع بعضهم»، في إشارة إلى شخصيات الفيلم الرئيسية.

وقام جوادانينو بتصوير فيلمه في جزيرة بانتيليريا البركانية القريبة من ساحل شمال أفريقيا وأضفى بعدا للواقعية إلى القصة مع وصول المهاجرين إلى سواحل الجزيرة.

القدس العربي اللندنية في

07.09.2015

 
 

«الفتاة الدنماركية» يحصد إعجاب نقاد «فينيسيا»

في الدورة الـ72 من مهرجان فينيسيا السينمائي، حصد فيلم «الفتاة الدنماركية» إعجاب النقاد وتعاطف الجمهور.

بعدما «تقمص» شخصية عالم الفيزياء الفلكية ستيفن هوكينغ ببراعة، يؤدي الممثل البريطاني إيدي ريدماين دور أحد رواد عمليات التحول الجنسي في فيلم «دي دينيش غيرل» وهو أحد الأفلام التي كانت مرتقبة في الدورة الـ72 من مهرجان فينيسيا.

تدور أحداث الفيلم في الدنمارك، حيث يتحول الرسام الدنماركي اينار فيغينير إلى «ليلي البي» من خلال عملية في دريسدن (ألمانيا)، ليصبح بذلك من اوائل الاشخاص المعروفين في العالم، الذين خضعوا لعملية لتغيير جنسهم، بعدما كان يقول: «هذا ليس جسمي، أريد ان اتخلص منه».
وأخرج الفيلم توم هوبر الحائز عدة جوائز اوسكار عن فيلم «ذي كينغز سبيتش»، وقد عرض «ذي دينيش غيرل» للمرة الاولى في مهرجان البندقية السينمائي أمس الأول.

وفي الفيلم المقتبس عن رواية تحمل العنوان نفسه لديفيد ارشوف (2000) وتستند الى قصة حقيقية، أتى قرار اينار (ليلي) بالقيام بهذه العملية غير المسبوقة، والتي دونها مخاطر كثيرة لتغيير الجنس، نتيجة مسار طويل بدأ في العشرينيات. واللافت ان هذا الاكتشاف الذي انطلق بداية على انه لعبة زعزع العلاقة الزوجية، الا انه لم يقض عليها.

وكان اينار رساما معروفا بمشاهده في كوبنهاغن، ومتزوجا من غيردا الفنانة ايضا التي كانت لوحاتها تلقى نجاحا اقل.

وأوضح هوبر، للصحافيين، بعد استقبالهم فيلمه بالتصفيق: «تحلت ليلي بشجاعة غير معقولة في نضالها من اجل تحقيق ذاتها»، مبيناً أن هذا الفيلم «هو عن الاستيعاب» وبعض مشاهده اشبه بلوحات فعلية بألوان رائعة، معتبرا ان «الطريقة الوحيدة لجعل هذا الاستيعاب ممكنا هو عبر الحب والرأفة».

ورداً على سؤال حول قراره عدم منح الدور إلى ممثل متحول جنسيا، قال المخرج ان خيار ايدي ريدماين كان «غريزيا» وإن الممثل قبِل الدور قبل فوزه بأوسكار افضل ممثل هذه السنة، لتأديته شخصية هوكينغ في فيلم «ذي ثيري اوف افريثينغ».

وأكد المخرج «انا اشعر فعلا ان لدى ايدي شيئا ما أنثوي الطابع. ويجب ألا ننسى ان ليلي في ثلثي الفيلم تظهر بمظهر رجل».

بدوره، قال ايدي ريدماين، الذي اشاد النقاد بأدائه، إن «الفيلم هو في المقام الاول قصة حب كبيرة وفريدة فيها الكثير من الشغف». وأقر الممثل البريطاني بأنه أعجب اولا بالدور الذي تطلب شأنه في ذلك شأن دور الفيزيائي المريض، تحولا جسديا لافتا، لكنه مضى يقول: «هذا ايضا افضل سيناريو تلقيته حتى الآن، وتأدية هذا الدور كان بمنزلة حلم».

وقد التقى ريدماين اشخاصا متحولين جنسيا، واطلع على يوميات ليلي، ما سمح له بإدراك اكبر لتحدي التحول الى امرأة على الشاشة.

وقد تحولت ليلي إلى ملهمة لغيردا التي ادت دورها ببراعة الممثلة السويدية اليسيا فيكاندر، وراحت العلاقة بينهما تتعزز مع إدراك الزوجة الطبيعة الحقة لزوجها وتقبلها له، بل راحت ترسمه بشكل رائع، ما حقق لها النجاح وأدى إلى عرض اعمالها في باريس.

وقالت الممثلة السويدية ان «الجميل» لدى غيردا هو «حبها غير المشروط لزوجها الذي يسمو فوق كل شيء».

الجريدة الكويتية في

07.09.2015

 
 

فينيسيا 72:

"مدام كوراج" والجزائر بين عدمية جيل وخيبة آخر

صفاء الصالحبي بي سي - فينيسيا

تختصر المقارنة بين (عمري) المخرج الجزائري مرزاق علواش تاريخا كاملا من التحولات في الواقع الجزائري وحياة الشباب فيه، وأعني المقارنة بين عمر بطل فيلم علواش الأول "عمر قتلتوا الرجلة" 1976 (الذي قاده خطواته الاولى للشهرة ولقي استقبالا نقديا جيدا في المهرجانات) وعمر بطل فيلمه الجديد "مدام كوراج" 2015، الذي يعرض في تظاهرة آفاق (أورزانتي) ثاني ابرز تظاهرات الموسترا (مهرجان فينيسيا السينمائي) هذه الأيام.

وتبدو خلاصة الصورة مروعة بين وعود الحداثة النامية وبدايات أزمة الدولة الوطنية في سبعينيات القرن، وواقع اليأس والخراب الذي تؤول إليه الأمور في أيامنا الراهنة.

ولا تقتصر هذه المقارنة على الشخصيتين، بل على مجمل أجواء الفيلمين، صورة وصوتا، إذ تكفي المقارنة في شريط الصوت بين الفيلمين لنرى كيف احتلت الخطب الوعظية الدينية مجمل خلفية الصورة في الفيلم الجديد مقابل الأغاني ومقاطع الأفلام في "عمر قتلتوا الرجلة".

فاذا كان عمر السبعينيات، يمتلك وظيفة، ويعيش في شقة مع عائلة كبيرة في حي باب الواد الشعبي ويسمع الأغاني ويتابع الافلام، ويرافقه جهاز التسجيل وأشرطة الكاسيت، فأن عمر "مدام كوراج" مشرد تماما ومدمن على الحبوب المخدرة (الارتين) التي تسمى محليا (مدام كوراج، أي السيدة شجاعة) ومنعزل تماما عن المجتمع ترتبط علاقته به باختيار ضحايا من النساء لسرقتهن، ويعيش في خرابة طرف أحدى المناطق العشوائية مع أخته وامه.

بيد أن ما يجمع الاثنين هو الحلم وذاك النمط من الحب الرومانتيكي، فعمر الأول يتعلق بفتاة سمع صوتها عبر شريط كاسيت، والثاني يتعلق بفتاة حاول سرقة عقدها من رقبتها وانتهى مرابطا أمام شقتها ينام بين أكوام الازبال تحت شباكها.

حب مستحيل

فعمر (الجديد) يائس لا مستقبل له، محطم نفسيا، يعيش على تخدير حبوب الارتين وحلم حب مستحيل مع سلمى الفتاة التي حاول سرقتها ثم تعلق بها.

يعيش عمر مع أمه التي تعيش في خرابة في إحدى العشوائيات على هامش حي سكني في مستغانم في الجزائر،الى جانب اخته التي تضطر إلى احتراف الدعارة بعد أن يستغلها قواد في المنطقة.

يتسلل عمر في الليالي التي يعود بها إلى البيت (الخرابة) مثل لص، وتواجهه امه دائما بسيل من الشتائم، لكنها تستقبله بالاحضان حين يعود إليها يوما حاملا أكياس خضروات وفاكهة وقليل من اللحم، دون ان تسأله عن مصدر نقوده، وهي التي لا تكف عن الاستماع للخطب الدينية.

يظل عمر مطاردا (منذ لحظة افتتاح الفيلم الأولى نراه يركض لاهثا يطارده أربعة اشخاص بعد قيامه بسرقة)، وتظل علاقته بالمجتمع، الذي يحيط به، علاقة غارات ينفذها للسرقة بعد تناوله حبوب الارتين التي تمنحه شجاعة الإغارة على هذا المجتمع الذي يعيش على هامشه وسرقة الأضعف فيه وهن النساء.

وقد حكمت مبادئ "الرجلة" (أقرب إلى مفهوم الفتوة يسود بين شباب الأحياء الشعبية الجزائرية) سلوك عمر السبعينيات، حتى أن عنوان فيلم علواش جاء "عمر قتلاتو الرجلة"، يقول علواش عن نركيزه على هذا المفهوم في مقابلة قديمة "أردت تصوير حياة شبان حي شعبي ثقافته قائمة على مبادئ "الرجلة". وإذا عدت إلى فيلمي الأول، تجد أن عنوانه الكامل كان "عمر قتلاتو الرجلة". و"للرجلة" مكانة هامة في بنية شخصيات وفكر هؤلاء الشباب. وحتى المنتمون منهم الى الجماعات المتطرفة، فأنهم يتمسكون بمبادئ "الرجلة" ويحترمونها".

لكنها تتخذ لدى عمر المعاصر صيغة انتقام كما نرى عند شرائه مدية كبيرة وذهابه إلى القواد الذي استغل اخته وضربها ليقوم بجرحه في حوضه وفي مكان حساس من جسده.

ويتصاعد هذا الحس بالانتقام بعد أن يقوم أخو سلمى باختطافه وضربه وتعذيبه كي يبتعد عن طريقها، فيهاجم البيت بمديته لكنه يفاجئ بأبي سلمى المريض بدلا من الأخ وبوجه سلمى التي تقف بين مديته ووالدها.

وينهي علواش هنا فيلمه بنهاية مفتوحة، حيث يظل عمر قابعا تحت سلم العمارة في انتظار الأخ لقتله، لكنه ينام هناك بعد أن يبتلع حبوبه المخدرة، وتكتشفه سلمى في الصباح عند خروجها لترافق زميلاتها الى المدرسة وتتركه نائما.

واقعية نقدية

في هذا الفيلم يظل علواش، كعادته في أفلامه الأخرى، على حافات الواقعية النقدية، غائضا في تناقضات المجتمع الجزائري، متناولا واقع البؤس والتهميش الاجتماعي وملتقطا أبطاله من بين هؤلاء المهمشين واللامنتمين.

وكثيرا ما يهاجم علواش في الصحافة الجزائرية المحلية متهما بالإساءة للمجتمع الجزائري والتركيز على عيوبه، بيد أن علواش يبدو منشغلا بتصوير واقع الفساد وفشل بناء الدولة الحديثة في الجزائر المعاصرة وما ينتجه من تهميش اجتماعي واستلاب.

لقد خلق العجز عن تجاوز واقع الاستلاب وبنية الفساد المستحكمة أرضا خصبة للعنف والأفكار المتطرفة بين الأجيال السابقة الحالمة بعد الاستقلال والمدحورة والغارقة في الخيبة أو النوستالجيا حاليا، والجيل الراهن الذي يبدو يائسا وعدميا يحلم بالهجرة ويمثل زادا للعنف.

يقول علواش معلقا فيلمه مدام كوراج إن "هوامش المجتمع، كتجارب هذا الصبي وآلاف المراهقين المهمشين الذين يعانون من البؤس اجتماعيا وسايكولوجيا، يستحيلون إلى ارض خصبة للعنف".

ويمثل البحث عن جذور العنف ونقد الخطاب الديني وهيمنة الدين في الحياة الاجتماعية الجزائرية أحد الثوابت الأساسية في أعمال علواش لا يكاد يخلو منها فيلم من أفلامه، التي تمتلئ باشارات وتلميحات إليها وإن لم تكن تتناول الموضوع مباشرة (راجع مقالينا في بي بي سي عن فيلميه "التائب" "وسطوح")

بيد أن هذا النقد قد يسقط في المبالغة إحيانا، وقد تصل حد الكاريكاتير في التعامل مع الشخصيات الدينية. كان علواش في الثمانينات ينتقد استخدام البعض لاشارات تنقد الإسلام ارضاء لدوافع انتاجية في السينما العربية المهاجرة، لكننا نراه في أفلامه الأخيرة، لا سيما بعد تصاعد مد الجماعات الاسلامية في الجزائر، لا يعزف عن إيراد مثل هذه الإشارات.

وكما في "سطوح"، ظل صوت الاذان يتكرر بشكل مبالغ فيه كخلفية صوتية في كثير من المشاهد وكذلك الحال مع مواعظ الشيوخ الدينية، فلا نرى مشهدا للأم أو بيت عمر دون سماع صوت وعظ ديني في خلفية الصورة. ونجد في ذلك نوعا من المبالغة، بيد أنه لا يعدم أن يكون لدية استخداما ناجحا لمثل هذه الاشارات في بعض المشاهد دون شريط الصوت، كالمشهد الذي يضع عمر فيه سلسلة ذهبية فيها شكل مصحف ذهبي وكلمة الله بارزة فيها، ونحن نعرف أنه سرقه من جيد إحدى السيدات بالتأكيد.

ليل عمر ونهار سلمى

لا شك أن علواش من أغزرالمخرجين الجزائرين أو العرب انتاجا، وهو بارع في اكتشاف حلوله الإنتاجية ومواصلة العمل بميزانيات منخفضة، كما هي الحال في هذا العمل الذي قدرت ميزانيته بنحو 600 الف يورو، ودخل في تظاهرة في المهرجان تحت لافتة انتاج فرنسي جزائري إماراتي، إذ كان من الأفلام التي حصلت على منحة صندوق دعم السينما في أبو ظبي (سند).

لم يعن علواش كثيرا بتقديم مشاهد بصرية جمالية، قدر انشغاله بتقديم صورة الواقع المشوه، ضمن حدود ميزانيته المتواضعة، فمعطم مشاهده خارجية صورت في أحياء عشوائية أو شعبية، وصور الكثير منها بكاميرا محمولة.

وكنا في معطم الوقت أمام لقطات سريعة تحاول بلهاث الركض مع عمر المطارد ابدا، أواللحاق بسرعة دراجته النارية،وسط شوارع مستغانم، ولا مجال للتأمل البصري الجمالي بل ركض وسط واقع رث، وكأن الكاميرا كانت تخشى التوقف فيه، فتتسارع لقطاتها في ايقاع سريع متوتر جسمه استخدام القطع الحاد في الانتقال في كثير من المشاهد.

وغلبت المشاهد الليلية على المشاهد التي يظهر فيها عمر في عالمه المعتم المنعزل، مقابل مشاهد نهارية لسلمى عدا اطلالات قليلة من شباك الشقة ليلا على عمر المنتظر تحتها.

وأدار تصوير فيلم علواش الفرنسي أوليفييه غيربوا، الذي سبق أن عرف كمدير انتاج لعدد من الافلام من بينها، شيق اللليدي تشاترلي، وهذه تجربته الثانية في تصوير فيلم روائي بعد أن صور 3 أفلام قصيرة.

ونجح علواش بشكل في ادارة ممثليه الذين اختارهم من ممثلين شباب هواة، كعدلان جميل ولمياء بوزواي، الذين جسدوا ادوارهم بنجاح وبدوا مقنعين جدا في تقمص شخصياتهم دون مبالغات واضحة في الأداء عادة ما تصيب الممثلين الهواة.

في "مدام كوراج" يصيف علواش حلقة جديدة في سلسلة بحثه وغوصه العميق في أزمة الواقع الجزائري، ممسكا بمبضع جراح ماهر ومسلحا بوعي نقدي حاد، ما يجعل من أفلامه منذ سبعينيات القرن الماضي الى يومنا هذا سجلا ثرا لمناقشة تحولات هذا المجتمع.

الـ BBC العربية في

08.09.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)