كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

مهرجان فينسيا الدولي للسينما،

جوني دب لـ «الشرق الأوسط»:

أختار ما أراه مناسبًا حتى ولو لم يحرز نجاحا تجاريا

الممثل والمنتج الأميركي في «قداس أسود» يقتل بلا رحمة ويورط الجميع معه

فينسيا: محمد رُضا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والسبعون

   
 
 
 
 

·        {كيف حالك؟ أنا مسرور لرؤيتك}.

قال جوني دَب عندما تصافحنا بحيوية مفاجئة بعد مؤتمر صحافي طويل أنهكته فيه أسئلة من نوع: «لماذا لم تحضر كلبيك إلى المهرجان؟». يقول وهو يجلس في مطعم في إحدى تلك الجزر المنتشرة في منطقة فينسيا: «قلت لها ما خطر لي. رددت: لقد قتلتهما وأكلتهما وذلك تبعًا لنصيحة رجل أسترالي ضخم الجثة».

ضحك مستمتعًا وأضاف: «لا بد أنها فوجئت بهذه السخرية لكن السؤال كان سخيفا».

جوني دَب موجود هنا بمناسبة عرض فيلمه الجديد «قداس أسود» من إخراج سكوت كوبر في ثالث عمل له بعيدًا عن التمثيل بعد «قلب مجنون» و«بعيدًا عن الأتون» Out of the Furnace، وهو يختلف عنهما، من حيث كونه فيلمًا أكبر حجمًا.

يروي «قداس أسود»، الذي تنطلق أحداثه في مدينة بوسطن سنة 1975 وتنتهي بعد عشر سنوات، قصة واقعية حول شخصية رئيس عصابة اسمه وايتي بولغر (جوني دَب) لعب على حبال الجريمة والبوليس بلا هوادة مورّطًا كل من حوله حتى وإن كان بعضهم (مثل أخيه بل ويؤديه بندكيت كمبرباتش) يحاول أن ينأى بنفسه عنه. بِل هو النقيض ولو أن الفيلم لا يملك الوقت لمنحه حضورًا كافيًا ولا يكترث، عن صواب، لإظهار تعارض مواقفهما حيال القانون بعد أن أشار إلى ذلك بلقطات ومشاهد قصيرة.

المتورط الأكبر هو تحري «إف بي آي» جون (جويل إدغرتون) الذي اعتقد أنه إذا ما استمال وايتي ليصبح مخبرًا يرشده إلى كيفية التخلص من عصابات بوسطن الأخرى، بذلك يبرز جون أمام رؤسائه من جهة، ويتيح لوايتي ممارسة ما يريد ممارسته من ناحية أخرى. لكن جون يسقط في الفخ ويصبح، وأحد زملائه (ديفيد هاربور)، متعاونين مع وايتي أكثر مما يجب. بكلمات أخرى، يطغى عنصر المال الذي أخذ وايتي يغدقه على جون وبدأت رائحة التسويات تستوي على نار تحقيقات «إف بي آي». أو كما يصرخ أحد المحققين في وجه جون: «كيف حدث أنه لا توجد جريمة في بوسطن إلا وكان وايتي وراءها، من دون أن يلقى القبض عليه حتى الآن؟».

ما آل إليه كل شخصية من هذه الشخصيات مذكور في عناوين نهاية الفيلم، لكن الكثير من الشخصيات الأخرى تُقتل إما على يدي رجال وايتي أو على يديه نفسه. وأكثر عمليات القتل عنفًا هي تلك التي يرتكبها بنفسه، وتشمل الخنق وإطلاق النار، ما عدا الضرب الدموي المبرح. وايتي متمتع بتلك التغطية التي وصلت إليه مثل هدية من السماء، بات قادرًا على أن ينفّذ جرائمه كما يشاء. «إف بي آي» يحتاج إليه، هذا إلى أن تدرك ما قادتها إليه خطة تحريها جون وفساده، مما أدّى إلى سجنه لاحقًا.

* الخيط الدقيق

ليس «قداس أسود» فيلمًا للجميع لكن أولئك الذين فوجئوا بجوني دَب ينقل الأداء العابث الذي مارسه في سلسلة «قراصنة الكاريبي» إلى بعض أفلامه الأخرى، مثل «ذا لون رانجر» و«روم داياري» The Rum Diary سيجدونه مختلفًا تمامًا مع جهد في مكانه للخروج من النمط السابق بحثًا عن أداء جديد في فيلم يختلف عن أعماله السابقة وفي شخصية رجل مجرم وعنيف لا يرحم.
في أحيان كثيرة تستطيع أن تطالع أسلوب مارتن سكورسيزي في «أصحاب جيدون» Goodfellas، وتشاهد كيف يبني المخرج سكوت على بعض أسس فرنسيس فورد كوبولا في «العراب»، وكيف يعالج موضوع العلاقة بين السلطة والجريمة، على غرار ما فعل المخرج سيدني لوميت في أكثر من فيلم («سربيكو»، «أمير المدينة» من بينها).

جوني دَب يكشف عن جانب أسود من الأداء لم ينفّذه منذ أن أدى تحت إدارة تيم بيرتون دور «سويني تود» (2007) الذي أدّى فيه شخصية حقيقية أخرى هي شخصية الحلاق البريطاني في أواخر القرن التاسع عشر الذي كان يقتل زبائنه ويرميهم إلى غرفة تحت الأرض لفرمهم وبيع لحومهم.

هذا الجانب المظلم يحتاج إلى تفسير منه، وهو ما سعى إليه السؤال الأول:

·        هذا دور شديد العنف ويكشف عن جانب منك رأيناه في بعض الأفلام، لكن مع جانب من السخرية التي لا نجدها هنا. أذكر مثالاً «سويني تود».

- السخرية التي تذكرها تعود إلى التقاء وجهتي نظر، المخرج تيم بيرتون، وأنا حول الكيفية التي نستطيع فيها تقديم شخصية سويني على هذا النحو. لكن شخصيتي هنا تنتمي إلى فيلم مختلف تمامًا. سكوت ترك لي حرية كيف أمثلها، لكنه كان حريصًا منذ البداية على التعبير عن أنه يريد مني أن أعكس شخصية وايتلي بقسوتها. إنه (وايتلي) بلا ريب شخصية عنيفة وهو لا يقيم وزنا لأي إنسان أو قيمة إنسانية. هذا وضع يختلف إذن عن وضع «سويني تود» أو أي فيلم آخر مثلته مع تيم بيرتون.

·        طبعًا. ليس هناك من مشاريع جديدة بينك وبين تيم.

لا أعتقد.

·        في هذا الفيلم تقترب من زوجة موظف «إف بي آي» جون، وتهددها بطريقتك التي تثير الخوف، وتمزج لطفًا مصطنعًا بقسوة التهديد وجديته. ماذا تفعل لكي تنجز هذا المستوى من الأداء؟ هل تتمرّن عليه؟

- صوّرنا هذا المشهد في أحد أيام الأسبوع الأخير من التصوير. لذلك كان كل شيء لدي جاهزا للقيام بهذا المشهد على هذا النحو. أقصد أنني كنت وجدت الخيط الدقيق للشخصية التي ألعبها، وعندما تفعل ذلك كممثل، تتوالى المشاهد التي تقوم بها كوحدة مجتمعة.

·        لأجل أن يأتي الأداء متحدًا مع بعضه.

- بالطبع. ليس واردًا التراجع عن الشخصية أو إظهار جانب ما منفصلاً عن الجواب الأخرى. لو كنت في ذلك المشهد لطيفًا فقط، لبدا ذلك غريبًا.

* إلى تورنتو

·        ماذا قرأت عن وايتي بولجر ساعدك على إتقان دورك؟

- تم اقتباس الفيلم عن كتاب لجيرارد أونيل ودِك لير، لكن المناسبة كانت متاحة للبحث عن مقالات ووثائق وكتب أخرى. لا أستطيع أن أقول إنها كانت جميعًا ضرورية، لكن ساعدتني في رسم صورة ذهنية عن الرجل. الآن، هناك تشخيص وهناك تشخيص. يمكنك أن تقوم بنقل صورة مجسدة كاملة كما هناك إمكانية تحريفها على ما تتفق والمخرج عليه. سكوت (المخرج سكوت كوبر) وأنا قررنا الالتزام بالصورة القريبة. طبعًا مهما كانت قريبة لن تكون هي الصورة ذاتها.

·        هل توافق على أن بعض أفلامك الأخيرة بدا أقل إثارة للاهتمام من أفلام أخرى سابقة لك؟

- لا أدري. لا يعرف الممثل ذلك إلا من بعد انتهاء الفيلم (يضحك). أؤكد لك أن كل شيء كان ورديًا قبل وخلال التصوير، لكن الفيلم في النهاية يواجه رهان الجمهور. لا أعتقد أن الخطأ يكمن في الأفلام أو في الاختيارات بحد ذاتها، بل في حالة غامضة ناتجة عن لقاء الفيلم مع جمهوره. أحيانا ما يكون اللقاء عاصفًا وناجحًا وأحيانا ما يكون هادئًا. أختار ما أراه مناسبًا ولو أنني في بعض الأحيان أدرك أن نجاحه التجاري لن يكون كبيرًا.

·        ليس أفلامك فقط التي لم تلقَ نجاحًا عند عرضها، هناك ممثلون في الصف الأول مثلك غفل الجمهور عنهم. هل تعتقد أن تأثير المؤثرات طغى على تأثير الممثل؟

- هذا يمكن أن يكون صحيحًا تمامًا. قد تكون هذه هي القضية.

·        قلت ذات مرّة إن عملك في السينما جاء بلا تخطيط. بدأت موسيقيًا ثم وجدت نفسك في الأفلام.

- هذا ما قلته قبل قليل في المؤتمر الصحافي. ألم تكن هناك؟

·        لا أحضر المؤتمرات الصحافية.

- هذا ما قلته عندما سُئِلت عن كيف أنظر إلى حياتي المهنية اليوم. لقد مثلت في الكثير من الأفلام.

·        نحو خمسين فيلم.

- هذا صحيح. واستمتعت كثيرًا بالتمثيل. لكني في الحقيقة لم أنطلق كممثل. قد تعلم ذلك. انطلقت كموسيقار ثم وجدت نفسي في التلفزيون ومنه إلى السينما.

·        ما توقعاتك بالنسبة لهذا الفيلم؟

- أنا سعيد به وسعيد بأنه شهد عرضه العالمي الأول هنا. سننطلق إلى تورنتو (الأحد) لأن الفيلم سيعرض هناك أيضًا.

·        هل تفضل مهرجانًا فنيًا مثل فينسيا أو مهرجانًا شاملاً مثل تورنتو؟

- كل واحد في اعتقادي يكمل الآخر. ألا توافق؟ فينسيا مهرجان قديم له صيت جيد جدًا لأنه يستقبل الأفلام الفنية ويصر على اختياراته هذه. تورنتو هو المهرجان الذي يحتاج إليه الفيلم لكي ينتشر. «قداس أسود» هو فيلم جيد لذلك هو هنا وفيلم يطمح لجمهور كبير واعتقد أنه سيجده ولذلك سيكون في تورنتو.

·        أعرف أن عليك الانطلاق لمقابلة أخرى، لكن دعني أسألك سريعًا: من تحب من الممثلين الأوائل؟ بمن تأثرت؟

- لا أعرف إذا تأثرت.. ربما. لكن جون باريمور ومارلون براندو من بين أحب الممثلين إلى نفسي.

الشرق الأوسط في

06.09.2015

 
 

فينيسيا 72:

"فرانكوفونيا" ذاكرة المتحف ونسيان الحرب

صفاء الصالحبي بي سي - فينيسيا

ترك المخرج الروسي القدير الكسندر سوكوروف بصمته في متحف "الارميتاج" الشهير إلى جانب كل التحف العظيمة التي يضمها من فناني مختلف العصور والبلدان، ليس عبر منحوتة أو لوحة تعلق على جدار، بل في نحت بالضوء وفي الزمن عبر تحفته الفنية "رشان أرك" أو "الفلك الروسي"، وكانت إنجازا نادرا في تاريخ السينما، إذ صور الفيلم بمجمله في لقطة واحدة متصلة وعلى مدى نحو 90 دقيقة.

ويبدو أن القائمين على متحف اللوفر أرادوا لمسة مماثلة من سوكروف فاشتركوا في إنتاج فيلمه الجديد "فرانكوفونيا" الذي عرض في مهرجان فينسيا في دورته الـ 72 الجارية هذه الأيام.

وتأخذ عودة سوكروف إلى "المتحف"، الموضوع الأثير لديه، أهمية خاصة في هذا الوقت الذي تترى فيه أخبار تدمير الآثار والشواخص والتحف الفنية في العراق وسوريا، لتشكل صرخة تحذير، وإن تأتي في صيغة استعارات تأملية وليس نداءً مباشرا، ضد ما يتهدد تراث الإنسانية ومنجزها الفني والجمالي الذي يرمز له سوكروف في فيلمه بسفينة ممتلئة بحاويات تختزن تحفا فنية وسط بحر هائج.

فسوكروف هنا يضع المتحف، ذاكرة الحضارة الانسانية ومخزن منجزها الجمالي والثقافي، في مواجهة الحرب: النسيان والتدمير والبشاعة. فنراه يركز على علاقة خارج ما تطرحه الايديولوجيات المنتصرة والصور النمطية التي تروجها عن علاقة بين مدير متحف اللوفر وضابط نازي ارستقراطي، يجمعهما الحرص معا على انقاذ تراث الإنسانية ومنجزها الجمالي، مرموزا إليه هنا بمتحف اللوفر وسط طوفان الحرب العالمية الثانية.

سفينة الحضارة الانسانية

يقدم الفيلم، الذي يتخذ شكل مقالة تأملية شاعرية، خلطة يمكن أن نسميها "سوكروفية" بامتياز، فسوكروف بات أحد أصحاب الأساليب الفنية المميزة في المشهد السينمائي الراهن، واستطاع عبر أفلامه الروائية والوثائقية وحياته المهنية الطويلة أن يصنع بصمته الخاصة بين كبار مخرجي السينما المعاصرة.

ومن سماته الأسلوبية هنا: المزاوجة بين الروائي والوثائقي واستخدام صوت السارد (وهو المخرج نفسه) بأسلوب أقرب إلى التداعي الحر أو تيار الوعي في الرواية، الذي سمح له بتقديم تأملاته ورؤاه المعرفية وتعليقاته أحيانا على ما يجري، بل ومحاورته للشخصيات بوصفه واحدا منها، فضلا عن مزواجة الأحلام والرؤى الخيالية مع الحدث الواقعي، وإن تراجعت عناصر أخرى من مميزاته الاسلوبية لكنها لم تختف كليا في هذا الفيلم ، كاللقطات الطويلة وحضور المشهد الطبيعي المميز لديه.

يبدأ سوكروف خلطته بلقطات فوتغرافية لكبار رموز الثقافة الروسية، وتحديدا تشيخوف وتولستوي، بعضها تطهرهما على فراش الموت، ويخاطبهما بالاسم مستنهضا اياهما.

ثم ننتقل إلى شاشة مظلمة وصوت حوار متقطع عبر السكايب مع قبطان سفينة تحمل حاويات تضم تحفا فنية ويبدو أنها وسط أمواج بحرعاتية وطقس سيء (استعارة القبطان هنا تذكر بفيلم سوكروف الوثائقي "اعتراف: من يوميات قبطان" الذي قدم في خمس حلقات تلفزيونية)، لكنها استعارة عامة تظل محورا أساسيا في بناء الفيلم وتجعله صرخة تحذير ضد ما يتهدد التراث الثقافي الإنساني من خطر، وكأنه فلك أو سفينة نوح (ثقافية) (لاحظ عنوان فيلمه آنف الذكر) وسط بحر الحروب والتدمير الهائج.

وينتقل سوكروف بعد ذلك إلى باريس في الأربعينيات في فرنسا المحتلة من النازيين، ويستخدم مجموعة من الأشرطة الوثائقية تقدم لقطات من شوارع باريس الخالية ومحاولة الناس التأقلم مع الحياة تحت الاحتلال في تلك الفترة. كما يستعرض متحف اللوفر ومراحل بنائه، قبل أن ينتقل إلى خيطه الدرامي الرئيسي وهو العلاقة بين مدير متحف اللوفر جاك جوجار (أدى دوره الممثل لوي دو دي لونكساه) وضابط الماني هو الكونت فرانسس وولف مترنيخ (الممثل بنيامين أوتزغيت) الذي ترسله القيادة الألمانية للأشراف وحصر التحف الفنية التي يضمها متحف اللوفر والتي قام الفرنسيون بنقلها إلى أماكن سرية في قصور وبيوت ومخازن أسر مختلفة للحفاظ عليها.

ويدفع عشق الرجلان، المثقفان، للفن وحرصهما على إنقاذ التراث الإنساني بهما للوقوف في خندق واحد لإنقاذ هذا التراث على الرغم من موقعيهما في جبهتين مختلفتين.

فوجوجار، دفعه حرصه على أمانة حفظ اللوفر التي في عنقه إلى البقاء موظفا في الخدمة العامة في الادارة الفرنسية تحت الإحتلال النازي على الرغم من مغادرة العديد من زملائه.

وثقافة ميترنيخ، الأرستقراطي العاشق للفنون، تجعله محملا بمهمة الحفاظ على هذا المنجز الفني الإنساني الكبير ومتحديا لقيادته ومنطق الحروب والتدمير الذي سارت عليه.

إنها صورة عن علاقة استثنائية خارج سياق ركام الصور النمطية التي تمتلأ بها السينما والادب والثقافة الشعبية لهذا النمط من الشخصيات، كثقديم الاول في صيغة الخائن ما دام ارتضى التعاون مع المحتل، والثاني في صيغة الغازي المستبد والمتجبر.

الذاكرة والنسيان

ويستغل سوكروف هذه الحكاية ليقدم تأملاته عن علاقة الفن بالسلطة أو القوة بشكل أعم، ويستثمر معروضات اللوفر الغنية ليناقش اطروحته تلك بدءا من الثيران المجنحة وأفاريز القصور الآشورية ومنحوتاتها التي تمجد القوة (ويتوقف عندها طويلا) إلى الأعمال المعاصرة.

وفي تجواله في المتحف يستحضر سوكروف شبحين يتجولان في المتحف، الأول لنابليون الذي يعزى إليه الفضل في إنشاء الكثير من مرافق المتحف وجلب تحف الحضارات الإنسانية المختلفة إليه، والثاني لماريان (رمز فرنسا والثورة الفرنسية) فنراهما يدوران في أروقته، نابليون مرددا كل هذا بفضلي "أنا جلبت كل ذلك" وماريان لا تردد سوى شعار الثورة الفرنسية "حرية، مساواة، أخوة".

ولا يعدم سوكروف أن يزج هنا أشرطة وثائقية أخرى من الأربعينيات، كتلك التي تظهر هتلر متجولا في باريس أمام برج ايفل أو متحف اللوفر.

لا شك أن باريس هنا تتجاوز خصوصيتها كمكان لتصبح تجسيدا للثقافة الآوروبية، تلك الفكرة التي يلمح اليها سوكروف دائما، وركز عليها في فيلمه السابق "رشان أرك" جاعلا من الارميتاج رمز هذه الثقافة المشتركة ومن شبح القنصل الفرنسي في روسيا القرن التاسع عشر دليل السرد الأساسي الذي نتابع المشاهد من منظوره مقابل تعليقات الراوي (سوكروف نفسه) في بنية حوارية متقابلة بينهما.

بيد أن سوكروف في تركيزه على مفهوم الثقافة الأوروبية، وهي قضية مهمة في روسيا الواقعة بين قارتين أوروبا وآسيا، لا يدعو إلى اندماج ثقافات البلدان الأوروبية في ثقافة واحدة بل على التركيز خصوصيات هذه الثقافات المختلفة ضمن هذه البوتقة الجامعة التي اسمها الثقافة الاوروبية، كما اشار في المؤتمر الصحفي الذي اعقب عرض الفيلم في الموسترا (مهرجان فينيسيا).

وعلى الرغم من احترامه الشديد للثقافة الفرنسية وميله اليها يعود سوكروف للتساؤل والمقارنة مع ما فعله الألمان من قصف وتدمير طال المعالم والمنجزات الحضارية في مدن شرق أوروبا وما تضمه من تراث فني إنساني وتحف فنية عالمية ثرة، وبشكل خاص متحف الارميتاج في بطرسبورغ.

الفن والسلطة

ووسط هذه الانتقالات السردية يظل سوكروف يطرح تأملاته بحرية شديدة، فيتوقف، مثلا، عند أهمية رسم البورتريه في الثقافة الأوروبية ويراه انجازا أوروبيا خالصا بالمقارنة مع ثقافات أخرى لم تمل إلى التشخيص كالثقافة الإسلامية (يذكرنا هنا بالموضوعة الأساسية التي بنى عليها الروائي الحائز على جائزة نوبل أورهان باموق روايته اسمي أحمر).

ووسط فيوضات الجمال والفن تلك يتألق المصور الفرنسي برونو ديلبونيل (الذي سبق أن عمل مع سوكروف في فيلمه السابق فاوست) في تجسيد رؤى المخرج وتأملاته تلك، فبدت صوره في غناها وتنوعها وألوانها وتوزيع الإنارة فيها اقرب إلى التحف الفنية نفسها التي يصورها وامتدادا لإجوائها، فنراه يستعير توزيع الألوان والضوء والكتل فيها، وطغي عليها لون أصفر مغبر مثل ذاك الذي نراه في صور الأماكن العتيقة. وحرص على تصوير المشاهد الروائية بمرشحات تظهرها أقرب إلى الافلام الوثائقية القديمة، بالأبيض والأسود، المصورة على أفلام السليولويد التقليدية المطلية بحبيبات هاليد الفضة.

وعلى الرغم من موضوعة الفيلم التي تنهل من الثقافة الفرنسية واختيار متحف اللوفر مكانا لها، وعلى الرغم من كون سوكروف ضيف في العديد من دورات مهرجان كان، إلا انه اختار مهرجاني فينيسيا وتورنتو لعرض فيلمه هذا.

وربما وقف وراء هذا الاختيار انحياز عاطفي، حيث أن مهرجان كان السينمائي لم يمنح سوكورف أيا من جوائزه الكبرى، ونوع من الوفاء لمهرجان فينيسيا الذي كرمه في عام 2011 بأسده الذهبي عن فيلمه "فاوست"، وهو الجزء الرابع من رباعيته عن السلطة وافساد الإنسان، الذي سبقته أفلامه الثلاثة الاولى "مولوخ" 1999 عن هتلر و"تورس" 2000 عن لينين و"الشمس" عن الإمبراطور الياباني هيرو هيتو.

لا شك أن ظلال فيلم "رشان أرك" تهيمن على "فرانكوفونيا"، ويظل الأخير دون الفيلم الأول، على الأقل في منجزه التقني، عندما قدم سوكروف فيه فيلما بنحو تسعين دقيقة في لقطة واحدة وبعشرات الشخصيات التاريخية ومئات الكومبارس بازيائهم واكسسوارتهم ومستلزمات بناء المشاهد التاريخية الأخرى، وأدارهم ببراعة في محاولة تصوير واحدة في هذه اللقطة الطويلة في متحف الارميتاج، الذي اعطي له لمدة 36 ساعة فقط حينها لانجاز مجمل فيلمه.

إلا أن سوكروف حرص هذه المرة على التنويع الأسلوبي والهرب إلى فضاء التأملات والتعليقات والأرشيف الوثائقي، ربما لأنه لم يكن بالحرية ذاتها في تصويره في أرجاء اللوفر، لكن العمل في النهاية جاء تنويعا أسلوبيا ضمن بصمة سوكروف التي باتت مميزة في السينما العالمية، وصرخة الذاكرة التي يمثلها المتحف بوجه النسيان الذي تمثله الحروب والهمجية وكل ما يتهدد منجز الإنسان الحضاري.

الـ BBC العربية في

06.09.2015

 
 

مهرجان فينيسيا الدولي: مهرجان فينيسيا بين رجاله ونسائه

الممثلون يستولون على هوليوود والممثلات لهن أوروبا والعالم

فينسيا: محمد رُضا

مدينة بوسطن التي حضرت في فيلم جوني دب «قدّاس أسود» حضرت أيضًا في فيلم أميركي آخر اسمه «تسليط ضوء» (Spotlight) مع مارك روفالو وراتشل ماكأدامز كصحافيين يحققان في ضلوع القساوسة الكاثوليكيين في فضائح جنسية. مثل الفيلم السابق، ومثل ما لا يقل عن عشرة أفلام في المسابقتين الرئيسة والموازية «آفاق»، هو مأخوذ عن الواقع بتصرف مع مايكل كيتون، نجم المهرجان في العام الماضي عبر فيلم افتتاحه «بيردمان» في دور رئيس التحرير.
الدورة الـ72 التي انطلقت في الثاني من سبتمبر (أيلول) وتنتهي في الثاني عشر منه، لا تختلف في مسألة أن الشاشة هذا العام موزّعة بين أفلام تعرض لأوجاع العالم وبين سباق حول أي منها سيستحوذ الجوائز الأولى، وبين تلك الكنوز من الممثلين الذين يمرون فعليًا في أفضل حقباتهم الإبداعية.

بين «تسليط ضوء» و«قدّاس أسود« هناك أكثر من ممثل جيّد في دوره حتى بالنظر إلى تلك الأدوار المساندة التي أسندت إلى بعض النجوم المعروفين مثل مايكل كيتون وجوش برولين وإدغرتون كمبرباتش وأدام سكوت. مما يعني أن السعي لأسد البندقية (اسم الجائزة المعروفة منذ دوراته الأولى قبيل الحرب العالمية الثانية) سيتمحور بين مارك روفالو وجوني دب في هذين الفيلمين كما بين باقي الممثلين الرئيسيين في الأفلام الأخرى. في مقدّمة هؤلاء، ومن يبدو أن الجائزة هي التي تسعى إليه بقدر ما يسعى إليها، إيدي ردماين الذي أذهل الحاضرين ببطولته دورًا بالغ الصعوبة في فيلم بالغ التميّز اسمه «فتاة دنماركية».

جائزة للفشل

هذا الفيلم الذي حققه توم هوبر (أيضًا عن أحداث وشخصيات واقعية) هو الوحيد بين تلك المذكورة التي تؤدي فيه المرأة دورًا أول. هي إليسا فيكاندر التي لديها ما بين الآن ونهاية العام المقبل ثمانية أفلام أخرى توالت عليها تباعًا (المقابلة أدناه). أما باقي الحضور النسائي الآخر فمتوفر، في معظمه، في أفلام غير أميركية كما الحال مع فيلم سو بروكس الأسترالي «البحث عن النعمة»، بطولة رضا ميتشل، والفيلم الإيطالي «لأجل حبك» الذي تقوم فاليري غولينو ببطولته، والإيطالي الآخر «مرغريتا» مع كاثرين فروت في بطولته والفيلم الجنوب أفريقي «النهر غير المنتهي» (The Endless River) الذي يقدّم موهبة سمراء جديدة اسمها كريستال دونا روبرتس.
في هذا الفيلم الأخير لمخرج جديد اسمه أوليفر هرمانوس، نجد الممثلة كريستال تستقبل زوجها بيرسي الخارج من السجن بعد أن قضى فيه أربع سنوات لسرقات صغيرة قام بها. بيرسي يلتقي وبعض أصدقائه في حانة وضيعة يخططون لعمليات أخرى. في الوقت ذاته هناك الفرنسي النازح حديثًا لجنوب أفريقيا والذي يعيش في تلك المزارع الشاسعة خارج مدينة كايبتاون، استيفيز الذي يفاجأ بمداهمة عصابة منزله وقتل طفليه واغتصاب زوجته ثم قتلها أيضًا. على نحو مفهوم يريد الانتقام ويريد من البوليس ألا يعده بإلقاء القبض على تلك العصابة بل إلقاء القبض عليها بالفعل. ما هو غير مفهوم السبب الذي من أجله لا يكتفي المخرج بتقديم الحدث متواصلاً عوض تقسيمه إلى فصول لا تعني شيئًا على الإطلاق؟

استيفيز يقتل زوج البطلة ثم يتقرب منها ويصبحان عشيقين إلى أن تكتشف أنه قتل زوجها. لكن لا شيء مؤكد في هذا الفيلم، بل مبني على افتراض يلي افتراضا آخر. وجائزة أكثر نهايات الأفلام فشلاً يمكن أن تذهب إلى هذا الفيلم بلا ريب.

موسيقى حزينة

في الجوار، خارج المسابقة، تابعنا فيلمًا تسجيليًا جيّدًا من المخرجة آمي بيرغ عنوانه «جانيس: فتاة صغيرة حزينة» (الترجمة الأقرب إلى: Janis: Little Girl Blue) وهو عن المغنية الراحلة جانيس جوبلن في إنتاج تلفزيوني الأصل (محطة PBS الأميركية).

جانيس تكساسية متمردة من صغرها عانت من قسوة رفاقها في المدرسة صغيرة كما حين دخلت المرحلة الثانوية و«انتخبت أبشع فتاة في الكلية». إن كانت هناك أسباب أخرى لسخطها على حياتها وهي صغيرة، فإن الفيلم لا يذكره بل ينطلق من هنا لتصويرها وهي تشق طريقها في عالم الغناء متأثرة - على نحو شديد - بمغنيات البلوز (ما يعرف بـDelta Blues الجنوبية تبعًا لحوض المسيسيبي وألاباما) قبل أن تنتقل إلى نوع آخر من البلوز الأقرب إلى الروك وفي بالها (كما في موسيقاها) تقليد لمغني «الصول» أوتيس ردينغ.

لكن وصولها من نقطة «أ» إلى نقطة «ب» لم يكن هينًا لأنها كانت موهوبة لكنها لم تكن، حسب الفيلم، مديرة أعمال جيّدة إذ إنها دائمًا ما انبرت بقيادة الفرقة صوتيًا (ولديها صوت قوي ومميّز الإلقاء) في حين لعبت الموسيقى المصاحبة دورًا ثانويًا. عندما سعى مدراء أعمالها ملاحظين أن الصوت وحده لا يكفي لم تترك الأغاني اللاحقة (في السبعينات) ما تركته تلك الأولى.

المشكلة الأكبر هي أن جانيس كانت مدمنة هيروين، أو كما يقول أحد موسيقيي الفترة عنها: «طالما هي على المسرح تغني ومحاطة بالإعجاب فإنها سعيدة. أما ما بعد ذلك فهي وحيدة تلجأ إلى المخدرات كعلاج».

يقوم الفيلم على وثائق وأفلام مسجلة (كثيرة) حول المغنية وعلى شهادات من شقيقتها وشقيقها والكثير من الموسيقيين الذين صاحبوها. بعضهم خرج من داء الإدمان سليمًا والبعض لم يدمن مطلقًا لكن الجميع يعكس شعوره بخسارتها المبكرة. ماتت جوسلين في العام 1970 (بعد ثلاث سنوات من موت أوتيس ردينغ في حادثة طائرة) نتيجة عودتها إلى الإدمان بعد ستة أشهر نقاهة. الفيلم، الذي تكبّد سنوات من البحث والعمل، جيّد في كل نواحيه والذين لا يعرفون المغنية من قبل قد يجدونه اكتشافا. يمر، على ذلك، بفترات لا يأتي خلالها بجديد يُضاف، لكنه شمولي في تغطيته وجيد في توليفه منتقلاً بين الحقبات المختلفة للمغنية بسهولة.

«رذاذ أكبر» هو أيضًا، ولو في حدود، عن الموسيقى لكن بشخصية خيالية لا تمت إلى الواقع. هو فيلم إيطالي من إخراج لوكا غوادانينو سبق للمخرج الفرنسي الراحل جاك ديراي أن حققه تحت عنوان «المسبح» سنة 1969. في كلا الفيلمين شخصيات لها جوانب مختلفة وواقع واحد: لقاء من دون موعد في مكان يبدو مناسبًا لكل الاحتمالات. التغيير الرئيس الذي يقع بين هذين الفيلمين هو أن المخرج الحالي أراد توسيع البؤرة ليحيط بواقع لم يكن واردًا في الستينات أو ما بعدها لعدة عقود: بما أن الأحداث اختيرت لتدور فوق جزيرة بانتالاريا في آخر صقلية (جزيرة صغيرة كانت في الواقع سجنًا ثم فتحت أبوابه واستقر من فيه فوقها) وبما أن الجزيرة هي محطة وصول للهاربين من جحيم الحرب السورية حاليًا، اختار أن يغلق فيلمه بما يشي بعالمين متناقضين واحد يعكس اهتمامات فردية، والآخر يعكس اهتمامات عامّة وكاسحة في الحاضر الأوروبي اليوم وهي قضية لاجئي الحرب. تيلدا سوينتون في دور المغنية التي فقدت صوتها، والتي وصلت مع صديقها هاري (راف فاينس) إلى الجزيرة بعدما نجحت العملية وهي الآن في وارد استعادة ما فقدته. في هذا الدور نجد تيلدا تمثيل أفضل من كثير من الممثلات الناطقات كدليل لموهبتها المثيرة دومًا.

أليسيا فيكاندر بطلة «فتاة دنماركية».. مرشحة لأفضل ممثلة عن الفيلم

تحدثت لـ «الشرق الأوسط» وتساءلت عمّن تكون الممثلة التي ستفوز بالدور قبل أيام قليلة من اختيارها

«فتاة دنماركية» يتحدّث عن الرسامين آينر وغيندر (إيدي ردماين) وزوجته غيردا (أليسيا فيكاندر) اللذين كانا يعيشان في كوبنهاغن قبل الانتقال إلى باريس الأكثر انفتاحا حتى في مطلع القرن العشرين، الفترة التي تقع فيها الأحداث.

كان كل شيء يسير على ما يرام بينهما إلى أن وضعت الزوجة على زوجها رداء نسائيًا لكي ترسمه به. شيء كهرب هذا الرجل حين لامسه الرداء. بعد ذلك لم يعد يتصرّف كرجل بل أخذ يستخرج أنوثة كانت خافية في داخله. الفيلم عن المراحل التي خاضها لكي ينتقل من «هو» إلى «هي» وصولاً إلى قبوله القيام بعملية جراحية تقفل باب الذكورة للأبد رغم خطورتها الشديدة في ذلك الحين.

لكن الفيلم، بمهارة أو دونها (قد نترك نقده لرسالة لاحقة)، لا يتحدث عن آينر الذي أصبح ليلي، بل عن الزوجة التي كان عليها أن تعيش حياتها من تلك اللحظة وما بعد في أزمة متعددة الجوانب. إنها تحب زوجها ولا تستطيع أن تتوقف عن حبّه بعد انتهاء العلاقة الطبيعية بينهما. تريده كما كان لكنها لا تقوى على إيقاف جنوحه صوب الأنوثة. أليسيا تؤدي الدور ببراعة مفاجئة كونها أدركت أنها أمام امتحان موهبة تستطيع عبره إما الفوز بالوقوف بقوة أمام الممثل إيدي ردماين الذي كان برهن عن قدراته في العام الماضي عندما لعب بطولة «نظرية كل شيء» أو التحول إلى مجرد مجرة صغيرة تدور في فلكه.

الاختيار الأول هو الذي حققته هذه الممثلة الشابة المولودة في السويد والتي تتقن لكنة إنجليزية على الشاشة وخارجها. في خلال سبع سنوات لمعت فيكاندر بقوّة فوجدناها في أفلام من فئات درامية تاريخية وحديثة مثل «علاقة ملكية» و«اسمي حب» و«العقار الخامس». هي أيضًا من لعبت دور الروبوت الذي يتدفق بالحياة في «إكس ماشينا» والتي نشاهدها حاليًا في «الرجل من أونكل».

تجلس أمامي في إحدى صالات فندق «إكسالسيور» وتبدأ الحديث بقولها:

«رغم أني توقعت كل مظاهر الاحتفاء بهذا الفيلم، إلا أنني مصابة بالدهشة. هذا الإعجاب الكبير به. هذا التقدير….».

·        *الموضوع يبدو أساسيًا في هذا الاحتفاء، لكنه لم يكن ليصل إلى التقدير الذي تتحدثين عنه لولا أداء ممثليه. هل توافقين؟

- (تضحك): تريدني أن أمدح نفسي؟ لا أستطيع. لكني أستطيع أن أؤكد أن ما قمنا به، إيدي وأنا وباقي الممثلين، لم يكن لينجح لولا موهبة (المخرج) توم هوبر.

·        *هناك ثمانية أو تسعة أفلام جديدة لك. لماذا هذه الوفرة؟

- هي ليست كلها هذا العام بل تتوزع بين هذا العام وبعضها في العام المقبل. كنت قلقة من أن يؤدي ذلك إلى ملل المشاهدين مني سريعًا، لكن هذا لم يحدث وأنا سعيدة تمامًا.

·        *تتحدثين عما ظهر لك من أفلام في الأشهر العشرة الأخيرة. صحيح؟

- نعم. بعض أفلام العام الماضي ظهرت هذا العام وهناك أفلام ستظهر في السنة القادمة.

·        *أمضيت نصف الوقت خلال عرض «فتاة دنماركية» أحاول أن أتذكر أين شاهدتك آخر مرّة قبل أن يتراءى لي «أكس ماشينا». تختلفين كثيرًا. هل هذا يحدث على نحو عرضي؟ هل لديك خطّة عمل ما؟

- في «إكس ماشينا» كان الدور نقيضًا تامًا لكل ما مثلته من قبل. أعتقد أن هذا طبيعي لأني لعبت كما تعلم شخصية مخلوق صناعي. أعتقد أن أي ممثلة كانت ستبدو مختلفة في هذا الدور عن أدوارها السابقة.

·        *لكن الاختلاف ليس الجوهر وحده. كان يمكن لأي ممثلة أيضًا أن تؤديه بلا حياة أو حيوية.

- شكرًا. سعيدة بهذا بسماعي هذا التقدير.

·        *كيف تم لك الفوز بهذا الدور في «فتاة دنماركية». قرأت أن الكثير من الممثلات رغبن به وقد تنافسن عليه؟

- كان الأمر غريبًا بالفعل. كنت مستقلة قطار «الأندرغراوند» (مترو الأنفاق) في لندن عندما قرأت في صحيفة أن الفيلم المقبل لتوم هوبر بعد «البائسون» سيكون «فتاة دنماركية» مع الممثل إيدي ردماين وقرأت نبذة عن القصة. قلت في نفسي، هذا الفيلم سيكون مثيرًا للاهتمام. وتساءلت عمن قد تكون الممثلة التي ستفوز بالدور الأول. ما هي إلا أيام قليلة حتى استلمت مكالمة هاتفية تعلمني أن السيناريو سوف يصلني في خلال أيام قليلة لأنني مرشحة لهذا الدور.

·        *السيناريو مطبوع وليس على لينك.

- مطبوع. المكالمة أوشت لي أنني على رأس سلم المرشحات بالنسبة للمخرج. وصل السيناريو بعد يومين وقرأته في جلسة واحدة ووافقت عليه.

·        *قمت على ما أعتقد بتجربة إلقاء.

- نعم. مرّتين. في المرّة الأولى أمام المخرج لساعة. في المرّة الثانية مع إيدي ردماين لثلاث ساعات.

·        *إنه دور صعب بسبب كل تلك العواطف الداخلية والخارجية التي تمر بك. فنانة سعيدة وراضية تواجه معضلة أن الرجل الذي تحبه لم يعد يود أن يبقى ذكرًا. من أين استمددت الطريقة التي مثلت بها الدور؟

- هو دور صعب بالتأكيد. لا أمانع في أن أقول ذلك. لكن الكثير من الوقت الذي أمضيناه في التحضير ساعدني على تطوير الشخصية التي مثلتها تبعًا للمراحل التي ذكرتها من فنانة سعيدة إلى امرأة اكتشفت أنها كانت السبب في قيام زوجها بالبحث عن هويته فجأة.

·        *كنت متحررة من التقيد بالتصرفات الواقعية للفنانة غيردا وغينر. نحن لا نعرف شيئًا عن شخصيتها الحقيقي.

- نعم إلى حد بعيد. ليس هناك فيلم عنها لكي أشاهده ولكن عدم التقيد زادني حرية في الاعتماد على قدراتي الخاصة. حررني من التقليد أو التساؤل حول كيفية ترجمتي للشخصية على الشاشة.

·        *هل ترسمين؟

- (ضحكت طويلاً). لا أعرف شيئًا عن الرسم.

·        *ألم تكن هذه أصابعك التي نشاهدها تمسك بالريشة وتضع الخطوط النهائية أو اللمسات الأخيرة على اللوحات؟

- نعم كانت يدي اليمنى. لكن هذا كل ما فعلته للوحة وتطلّب ذلك جهدًا كبيرًا.

فجأة تركت أليسيا الطاولة وتتجه إلى طاولة أخرى كانت تركت عليها حقيبتها الصغيرة. تعود وتفتحها وتقول:

«سأريك شيئًا. سأريك رسمي لوجه إيدي ردماين… هل تذكر في الفيلم المشهد الذي أقوم برسمي له؟»

تخرج هاتفها وتمر على كل تلك الصور المحفوظة فيه إلى أن تصل إلى صورة للوحتها عن الممثل وتعرضها عليّ:

«ما رأيك؟»

·        *تشبه لوحة فتاة في العاشرة طلب منها معلم المدرسة أن ترسمه. شخصيا كنت سأرسم أسوأ منها

- لقد أمضيت نصف ساعة أو ربما أكثر لأصل إلى هذه النتيجة.

·        *أوافق ما تردد فور عرض الفيلم من أنك واحدة من المرشّحات الأول للفوز بجائزة أفضل ممثلة. هل شاهدت أفلاما أخرى بأدوار نسائية متقدّمة؟

- لم أستطع مشاهدة أي فيلم بعد. الوقت منذ وصولنا مر سريعًا. شاهدنا الفيلم في الحفل المخصص ثم تابعنا كل تلك المقابلات التي أجريناها. بالكاد هناك وقت للراحة. لكني أود لو أنني شاهدت بعض الأفلام وسأكون سعيدة كثيرًا لو أن الفيلم أو إيدي أو توم أو أنا ربحنا جائزة.

الشرق الأوسط في

07.09.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)