كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

فيديريكو فيلليني.. الفنان الحائر بين شخصياته

شخصياته الكاريكاتيرية ما زالت تعيش بيننا

فينسيا: محمد رُضا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والسبعون

   
 
 
 
 

قيام مهرجان فينسيا بعرض نسخة جديدة من أحد أفضل أفلام فيديريكو فيلليني مناسبة للحديث عن مخرج ما زال اسمه مدويا حتى من بعد 22 سنة من رحيله. الفيلم المختار للعرض هو «أماركورد» أو «أتذكر»، وحمل أيضا عنوان «فيديريكو فيلليني يتذكر»، ولو أن المخرج صرّح مواربا بأن الفيلم ليس سيرته الشخصية.

في الحقيقة لم يحقق سيرة شخصية أو ذاتية لا في «أتذكر» ولا في أي فيلم آخر. استبدلها بمنظوره ورؤيته والكثير من نفسه. فيلليني لم يسرد ذكرياته أو سيرته، لكنه صنع عوالم من تلك الذكريات أكثر من مرّة. في «ثمانية ونصف» و«دولتشي فيتا» و«جنجر وفرد» و«أتذكر» من بين سواها. وحين لم يضع في فيلم تلك الشذرات الشخصية عالج أفلام ببصمته الخاصّة العصية على التقليد، وهذا شمل كل فيلم حققه من عام 1954 («لا سترادا») وحتى الأخير سنة 1990 («صوت القمر»).

ولد في مدينة ريميني الإيطالية في العشرين من يناير (كانون الثاني) سنة 1920. والده كان بائعا متجولا حلم أن يدرس ابنه القانون ويصبح محاميا. لكن فيلليني الابن كان له رأي آخر: لقد استهواه السيرك والرسم منذ الصغر وخاض الكثير من المتاهات في حياته صبيا وشابا باحثا عن هوية محددة لما يريد. في السابعة عشرة من عمره نزح إلى مدينة فلورنسا، حيث عمل رسام كوميكس في إحدى الصحف، ومنها إلى روما حيث مارس العمل نفسه، بالإضافة إلى تحرير محاضر المحاكمات كصحافي. وهناك رابط بين ولعه بالرسم الكارتوني وبين شخصياته الحية التي صورها في ما بعد على الشاشة.

عمل مع المخرج ذي النفحة الواقعية روبرتو روسيلليني في «روما مدينة مفتوحة»، عام 1954، وكان ذلك أول احتكاك له بالسينما. في سنة 1948 مثّل مشهدا من أحد جزءي فيلم «الحب» لروسيلليني وعنوان الجزء «المعجزة» كما كتبه. وبعد ذلك ببضع سنوات شارك خلالها ألبرتو لاتوادا إخراج فيلم بعنوان «أضواء المنوعات»، أخرج فيلليني أول فيلم كامل له هو «الشيخ الأبيض» الذي كان قد كتب السيناريو له ورغب المنتجون في البداية في إسناد إخراجه إلى لاتوادا أو مايكلانجلو أنطونيوني، لكن فيلليني أصر على أن يخرجه بنفسه. منذ البداية استوى فيلليني على عرش خاص به، وتميّز بأسلوب مبدع وخصائص في الشكل لم تتوافر عند أحد من رفاقه.

* قطار المهرجين

* هناك استعراض كبير للوجوه والأشخاص في كل فيلم من أفلام فيديريكو فيلليني. بعض تلك الاستعراضات تتميز بشخصيات مهذبة أقرب إلى الحياة الحاضرة (كما في «تدريبات الأوركسترا»، 1978)، لكن معظمها كناية عن شخصيات تبدو غريبة ومجنونة ومثيرة للخوف أو للضحك أو للاثنين معا.

إذ بدأ فيلليني الرسم الكارتوني يستطيع المرء سريعا وببساطة أن يجد العلاقة بين تلك الهواية الأولى التي احترفها في الصحف في ما بعد، والكيفية التي يقدم فيها نماذجه من الشخصيات، فهي أيضًا تماثل الرسومات في غرائبيتها وعدم واقعيتها. لكن الأمر في مدلولاته ليس مجرد استكمال معين لولع سابق، وليس مجرد انتقال ذلك الولع من وسط فني إلى آخر، بل هناك الكثير من الأسئلة التي تثيرها تلك الشخصيات الغريبة التي يقدمها لنا: من هم هؤلاء؟ لماذا يثقلون على كاهل فيلليني؟ كيف يستطيع أن يلتقط معانيهم؟ أين يجدهم وماذا يريد منهم؟

في «فيلليني: مفكرة مخرج» (كتاب حكى فيه عن ذاته) يقول حول شخصياته:
«
نعم، أعلم أن الأمر يبدو مشينا وقاسيا، لكني كثير الإعجاب بكل هذه الشخصيات التي تطاردني. تتبعني من فيلم إلى آخر. كلها شخصيات مجنونة إلى حد. تقول إنها بحاجة إليّ، لكن الحقيقة أنني بحاجة إليها أكثر. إن قيم شخصياتي الإنسانية كثيرة، وفيرة، كوميدية وأحيانا مشوقة».

إذن هناك علاقة وطيدة بين فيلليني وتلك الشخصيات «المجنونة قليلا» التي يقدمها. هناك، كما يمكن أن نستنتج ليس من هذا الحديث فقط بل أساسا من أفلامه، شغف كبير بها: الفتى السمين، المرأة القبيحة، الأنثى اللعوب، الفنان أو المثقف الباحث عن هويته، الأزواج المحبطين، الأقزام، ذوي الوجوه النحيفة، ذوي العيون البارزة، وكل شكل يمكن لك أن تتخيله.

هذا جلي في «ساتيركون»، «روما»، «السفينة تبحر»، «كازانوفا»، أو «مدينة النساء» وسواها حيث تقطع الكاميرا على تلك الشخصيات الكارتونية شكلا في لقطات كثيرة. أحيانا في مشاهد طويلة وهم كثيرا ما يتطلعون إلى الكاميرا في حديث مباشر غالبا ما ينتهي بضحكة. هم - شكلا على الأقل - مهرجون يتجاوزون العدسة وينظرون إليك بالعين كما لو كنت حاضرا. وحضورك مزدوج: على الكرسي الذي جلست عليه لتتفرج، ومن خلال الشخصية «العاقلة» الوحيدة التي تمر بين كل هؤلاء. هذه الشخصية قد تكون فتى ساذجا يبحث عن حياة أفضل من تلك المحيطة به (ساتيركون) أو رجلا عاديا كان يحلم في قطار (مدينة النساء) أو صحافيا على ظهر سفينة (والسفينة أبحرت).

* كاريكاتيرية فقط

* هذا الحضور الثاني غالبا ما هو الحضور البريء وسط هذا الجمع من الشخصيات ذات الوجوه المطلية الغريبة أو الأجساد غير الطبيعية.. إنما غير المشوهة. وبعض هذا الحضور هو وجود فيلليني نفسه في نهاية المطاف، فإذا كان يلاحق شخصياته ويصورها باهتمام عاكسا شغفه التام بها فإنه من الطبيعي أن تكون بعض تلك الشخصيات البريئة التي تدور في الوسط هي تلك التي تعبر عنه، ونحن الذين لا نعلم الكثير عن حياته الأولى (بقيت غامضة في الكثير من أجزائها) يمكن لنا أن نتلقف شيئا عن ماضيه من خلال مراقبتنا لبعض علاقاته بتلك الشخصيات خاصة لناحية تصويره للمرأة في معظم أفلامه ووضعها في أنماط «كاريكاتيرية» متعددة اضطر في النهاية إلى أن يجمعها معا ويضعها في «مدينة النساء» بحيث صارت لدينا نماذج وأنماط المرأة الفاتنة، المرأة القوية، المرأة ذات الحاجات الجنسية النهمة وكثيرات أخريات معظمهن يعكسن شعورا داخليا لدى بطل فيلليني أو فيلليني نفسه بالخوف منهن.

لكن كما لاحظ الناقد ديفيد تومسون في كتابه «القاموس النقدي للسينما»، تخلو أفلام فيلليني من بناء الشخصيات. بكلمات ذلك الناقد أن فيلليني ليس لديه شخصيات بالمعنى الدرامي الكامل أو التجسيدي. يقول إنها «ليست شخصيات بل كاريكاتير فقط». في هذا نصيب كبير من الصحة. وأتساءل بدوري إذا ما كان فيلليني قادرا على أن يبتدع شخصية حقيقية ما. بالتالي أن يجسد شخصا له أبعاد أفراد فرانشيسكو روزي أو مايكلانجلو أنطونيوني. لكن إذا ما كان فيلليني قادرا على أن يفعل ذلك فإنه قادر - بطبيعة الحال – على أن يسرد حكاية الفيلم بطريقة عادية أو مألوفة، وهو ما لم يفعله إلا في حالات نادرة ومبكرة في حياته الفنية (الشيخ الأبيض).

يبقى أن رسوماته - شخصياته ما زالت تحمل في ثناياها الكوميديا الخفية. أحيانا السخرية أو ذلك اللون منها الذي أتقنه المخرجون الإيطاليون أكثر من غيرهم. وهذا ما يساعد على اعتبار نماذجه المتعددة مجموعة من المهرجين احتشدوا في قطار كل عربة منه تحكي قصة مختلفة.

الشرق الأوسط في

03.09.2015

 
 

اليوم يبدأ السباق للفوز بالأسد الذهبى

بقلم   سمير فريد

تبدأ اليوم فى مهرجان فينسيا الـ٧٢ (٢-١٢ سبتمبر) عروض مسابقة الأفلام الطويلة، أو السباق للفوز بالأسد الذهبى، أعرق جوائز السينما الدولية فى العالم.

قائمة أفلام المسابقة (٢١ فيلماً من ١٣ دولة)، مع قائمة أفلام مسابقة برلين فى فبراير، ومسابقة كان فى مايو، تمثل «كِريمة الكِريمة» فى سينما العالم كل سنة. وليس معنى هذا بالطبع عدم وجود أفلام كبرى خارج هذه القوائم الثلاثة، ولكنها تمثل أكثر من ثلثى الأفلام التى تصنع تاريخ السينما فى ١٢ شهراً. ولهذا، وكما اعتدنا مع قارئ «المصرى اليوم»، ننشر قائمة مسابقة مهرجان فينسيا ٢٠١٥ كاملة، وهى:

الولايات المتحدة الأمريكية

١- قلب كلب- إخراج لورى أندرسون

٢- متساوون- إخراج دريك دوريموس

٣- وحوش أمة-إخراج كارى فوكوناجا

٤- غير المألوف- إخراج شارلى كوفمان ودوكى جونسون

إيطاليا

٥- دماء دمى- إخراج ماركو بيلوكيو

٦- من أجل حبك- إخراج جوزيبى

م. جودنيو

٧- ضجة أكبر- إخراج لوكا جواداجنينو

٨- انتظار- إخراج بيرو ميسينا

فرنسا

٩- فرانكوفونيا- إخراج ألكسندر سوكوروف

١٠- معطف الفراء- إخراج كرستيان فينسنت

١١- مرجريت- إخراج زافير جيانولى

بريطانيا

١٢- الفتاة الدنماركية- إخراج توم هوبر

بولندا

١٣- ١١ دقيقة- إخراج ييرجى سكوليموفسكى

كندا

١٤- تذكر- إخراج آتوم إيجويان

أستراليا

١٥- بحثاً عن الرحمة- إخراج سيو بروكس

الصين

١٦- فرس البحر- إخراج زاو ليانج

إسرائيل

١٧- آخر أيام رابين- إخراج آموس جيتاى

تركيا

١٨- نزوة            - إخراج إيمين ألبير

الأرجنتين

١٩- الجماعة- إخراج بابلو ترابيرو

فنزويلا

٢٠- من هناك- إخراج لورينزو فيجاس

جنوب أفريقيا

٢١- نهر بلا نهاية- إخراج أوليفر هيرمانيوس

خريطة السينما فى العالم

المستوى الفنى المرتفع لأفلام المسابقة أمر بدهى، واستهداف أكبر قدر من التنوع الثقافى أمر بدهى أيضاً، وأن يكون هناك فيلم تسجيلى واحد على الأقل، وفيلم تشكيلى (تحريك) واحد على الأقل، من بين أفلام المسابقة، أمر بدهى ثالثاً لأنها مسابقة للأفلام الطويلة، وليست للأفلام الروائية، وإن كان لها الغلبة بحكم جمهورها الأكبر.

وفى هذا العام يشترك الفيلم الأمريكى التشكيلى «غير المألوف»، والفيلم الصينى التسجيلى «فرس البحر». والتنوع الثقافى واضح تماماً، فالأفلام من ١٣ دولة من كل قارات العالم. وتعبر أعداد الأفلام عن خريطة السينما فى العالم إلى أبعد الحدود. فأكبر عدد (٤ أفلام) من الولايات المتحدة الأمريكية، وهى أقوى سينما، ونفس العدد من إيطاليا، وهى بلد المهرجان. والمهرجانات تدعم صناعة السينما المحلية حيث تقام، وتوزيع الأفلام «الأجنبية» جزء منها. وفرنسا هى البلد الثالث (٣ أفلام). وتمثل السينما الأوروبية ٩ أفلام، فهى القوة الثانية بعد أمريكا. وآسيا ٣ أفلام، وهى القوة الثالثة، وأمريكا اللاتينية فيلمان، وهى القوة الرابعة، ومن أستراليا فيلم واحد، وهى سوق متوسطة القوة، ومن أفريقيا فيلم واحد من جنوب أفريقيا، وهى أكبر صناعات السينما فى القارة الآن بعد غياب السينما المصرية، وإن كانت أفريقيا كلها أضعف أسواق السينما فى العالم. وبالنسبة للعالم العربى أصبح أكبر عدد من دور العرض فى الإمارات، أى فى آسيا على الصعيد القارى.

ويتميز الاشتراك الإيطالى بأحدث أفلام فنان السينما العالمى الكبير بيلوكيو «دماء دمى»، وبوجود عدد من كبار النجوم فى الأفلام الثلاثة الأخرى، مثل جولييت بينوش فى «انتظار»، وتيلدا سوينتون ورالف فينيس فى «ضجة أكبر»، وفاليريو جولينو فى «من أجل حبك».

وفى المسابقة الأفلام الجديدة لعدد من كبار مخرجى السينما العالمية، وهم إلى جانب بيلوكيو، الروسى سوكوروف الذى يشترك بفيلمه الفرنسى «فرانكوفونيا»، والبولندى سكوليموفسكى، والكندى آتوم إيجويان الذى يعبر عن مذبحة الأتراك ضد الأرمن فى سنة مرور مائة سنة عليها فى فيلمه «تذكر»، والإسرائيلى جيتاى الذى يتذكر اغتيال رابين فى فيلمه «آخر أيام رابين». وبالطبع، ليس هذا حكماً مسبقاً على أهم أفلام المسابقة، فقد تأتى أحسن الأفلام من مخرجين غير معروفين، وقد يأتى أحسن التمثيل من ممثلين ربما يمثلون لأول مرة. وإنما هى الأفلام المنتظرة، وتتميز أى مسابقة بالاكتشافات الجديدة، وإن خلت مسابقة فينسيا ٧٢ من أفلام أولى لمخرجيها.

ويؤخذ على مهرجان فينسيا هذا العام، سواء فى برنامج المهرجان، أو البرنامجين الموازيين، فى المسابقات وخارج المسابقات، عدم وجود أى فيلم ألمانى طويل أو قصير. ولا يعقل أن تغيب السينما الألمانية، وهى أقوى سينما فى أوروبا، وتذكر فقط كمشاركة فى إنتاج بعض الأفلام كشريك ثان أو ثالث.

لجان التحكيم

تتكون لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة التى تمنح جائزة الأسد الذهبى لأحسن فيلم و٧ جوائز أخرى، برئاسة المخرج المكسيكى ألفونسو كورون، وعضوية المخرجين التركى نورى بلجى سيلان، والتايوانى هو هيساو-هسين، والبولندى باولو باوليكوفسكى، والإيطالى فرانشيسكو مونزى، والمخرجتين الفرنسية إيمانويل كاريرى، والبريطانية لينى رامساى، والممثلتين الأمريكية إليزابيث بانكس، والألمانية ديان كروجر.

وتتكون لجنة تحكيم مسابقتى آفاق للأفلام الطويلة والقصيرة برئاسة المخرج الأمريكى جوناثان ديمى، وعضوية المخرج الفرنسى ألكسى ديلابورتى، والممثلتين الإيطالية أنيتا كابرونى والإسبانية باز فيجا. وتمنح ثلاث جوائز للأفلام الطويلة وجائزة لأحسن فيلم قصير.

وتتكون لجنة تحكيم جائزة لويجى دى لورينتس لأحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول فى برنامج المهرجان والبرنامجين الموازيين برئاسة المخرج الإيطالى سافيريو كوستانزو، وعضوية المنتج الصينى روجر جارسيا، والمخرج الأمريكى شارلز بورنت، والناقدتين الفرنسية ناتاشا لورنت والمكسيكية دانيلا ميشيل. والجائزة مائة ألف دولار أمريكى مناصفة بين المنتج والمخرج.

وللمرة الثالثة تشكل لجنة تحكيم لأحسن نسخة جديدة مرممة من فيلم طويل وأحسن فيلم تسجيلى طويل عن السينما فى برنامج كلاسيكيات السينما. ويرأس اللجنة المخرج الإيطالى فرانشيسكو باتيرنو، وأعضاؤها ٢٦ من خريجى جامعات إيطاليا الذين درسوا تاريخ السينما.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

03.09.2015

 
 

سينما - مهرجان البندقية أطلق أمس دورته الـ 72:

"غير متوقَّعة، مفاجِئة، مزعجة" يقول عنها ألبرتو باربيرا

البندقية ــ هوفيك حبشيان

موعدٌ يتجدد في جزيرة الليدو الايطالية مع اطلاق الدورة الثانية والسبعين لمهرجان البندقية (2 - 12 الجاري)، وهو أقدم التظاهرات السينمائية في العالم. تأتيتنا هذه الطبعة بكميّة من الأفلام التي ستجذب المهتمين بالفنّ السابع من كلّ أنحاء العالم، مشاهدين كانوا أم محترفين أم نقّاداً. الـ"موسترا"، خلال 11 يوماً، الجزيرة الصغيرة تمتلئ بنجوم وأعلام ومتطفلين، في محاولة لجعل أمجاد هذا المهرجان تنبعث من جديد، بعد فترات ركود مرّ بها. خلافاً لكانّ، الـ"موسترا" تفتح أبوابها لغير العاملين في مجال السينما، هؤلاء في استطاعتهم المشاركة في هذا الحدث الدولي عبر شراء بطاقات لمعظم الأفلام المعروضة.

قبل عرض "ايفيريست" أمس في الافتتاح، كانت للبندقية مساء الثلثاء محطة مع واحد من معلّمي السينما في العالم: أورسون وَلز (1915 - 1985)، الذي نحتفي هذا العام بمئوية ميلاده. اثنان من أفلامه عُرضا في صالة دارسينا: "تاجر البندقية" (قصير) الذي أنجزه في العام 1969 ورائعته "أوتيللو" (1951)، في اطار التفافة وجّهتها التظاهرة الايطالية لصاحب "المواطن كاين".
المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون (53 عاماً) يترأس لجنة التحكيم، بعد عامين على تقديمه هنا في هذا المكان آخر أعماله، "جاذبية"، مع جورج كلوني وساندرا بولوك. أسماء معروفة وذات قيمة تنضّم اليه في هذه اللجنة: البريطانية لين رامسي، البولوني بافيل بافليكوفسكي، الأميركية اليزابيث بانكس، التايواني هو شياو شيين، التركي نوري بيلغي جيلان، الفرنسي ايمانويل كاريير، الألمانية ديان كروغر، الايطالي فرانتشيسكو مونزي. الملصق، حيث وجه ناستازيا كينسكي مع الطفل جان بيار ليو في الخلفية، من اعداد سيمونه ماسّي. للسنة الثالثة على التوالي يُكلَّف المخرج الشاب تصميمه.

21 هو عدد الأفلام التي تتسابق على "الأسد الذهب" التي ذهبت العام الماضي إلى المخرج الأسوجي الفذّ روي أندرسون ورائعته "حمامة تجلس على غصن تتأمل في الوجود". التشكيلة الرسمية ذات الاقسام الثلاثة (مسابقة، خارج المسابقة، "آفاق") تنطوي كما جرت العادة في كلّ المهرجانات على سينمائيين جدد وآخرين لهم باع طويل، علماً أن 3193 فيلماً بين قصير وطويل وصلت الى مكتب الـ"موسترا" هذه السنة. في المؤتمر الصحافي الذي عقده ألبرتو باربيرا، صرّح بأننا سنكتشف أفلاماً "غير متوَقّعة، مفاجِئة، مزعجة".

السينما الايطالية تهيمن على المهرجان هذه السنة عبر مشاركة 4 أفلام في المسابقة. اثنان منها لا نعرف عنهما الكثير وهما لمخرجين غير معروفين: "من أجل حبك" لجيوسيبي غودينو مع الممثلة الكبيرة فاليريا غولينو و"الانتظار" لبييرو ميسينّا. الفيلم الثالث، "ايه بيغر سبلاش"، للوكا غوادنينو، هو "ريميك" فيلم "حوض السباحة" الشهير الذي أخرجه جاك دوروا في العام 1969 مع ألان دولون ورومي شنايدر. النسخة الجديدة من بطولة تيلدا سوينتون ورالف فاينز وماتياس شونارتس. هذا الأخير برع في فيلم "بولهَد" في العام 2011، وأعدنا اكتشافه العام التالي في "عن الصدأ والعظم" لجاك أوديار. المساهمة الايطالية تُختتَم بفيلم ماركو بيللوكيو، أحد جهابذة بلاد فيلليني. "دمُ دمي" هو عنوان جديده، الذي يتمحور على موضوع جد "ايطالي"، حيث قصص الماضي تتشابك بحكايات من الراهن. صوّر بيللوكيو الفيلم في قرية بوبيو، ويستند في جزء منه إلى عقد مقارنة تحليلية بين وضع الاجتماع الايطالي سابقاً وما آلت اليه الأحوال حاضراً. المشروع له نكهة عائلية، اذ ان ابن المخرج وابنته يشاركان فيه بصفتهما ممثلين.

هذا الطغيان الايطالي اذا كان دليلاً على شيء ما، فهو دليل على محاولة خروج سينماها من التقوقع الذي أصابها في العقدين الأخيرين. ففي مهرجان كانّ الماضي، لم تكن هناك ثلاثة أفلام ايطالية فحسب داخل المسابقة الرسمية (سورنتينو، غاروني، موريتي)، بل اثنان منهما كانا بطابع وتوجه دوليين، الميل الذي يتجدد هنا مع "ايه بيغر سبلاش".

مقابل "طَلْينة" المسابقة، هناك ايضاً "فرنستها". فمن أصل 21 فيلماً، 10 مدعومة جزئياً بأموال فرنسية. أما الأفلام الفرنسية الخالصة فعددها اثنان: "القاقم" لكريستيان فانسان مع فابريس لوكيني و"مارغريت" لكزافييه جيانولّي مع كاترين فرو.

الأفلام الأميركية المشاركة في المسابقة: "قلب كلب" للموسيقية والفنانة الاستعراضية لوري أندرسون الذي تأتي هنا بفيلمها الأول. "أكوالز" مع كريستين ستيوارت، يقحمنا في علم الخيال صحبة شاب عاجز عن كبت مشاعره. درايك دوريموس إسم المخرج الذي يخوض هنا تجربته الاخراجية الثالثة، وهو في مطلع الثلاثينات من عمره. فيلمه "كالمجنون" سبق أن نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى في ساندانس العام 2011. من بلد السينما أميركا ايضاً وايضاً، فيلم ثالث عنوانه "وحوش اللاأمّة"، بتوقيع المخرج كاري فوكاناغا ذي الأصول اليابانية. فوكاناغا سبق ان قدّم أفلمة لرواية شارلوت برونتي الشهيرة، "جاين اير". أمّا رابع الأفلام الأميركية المتسابقة على "الأسد الذهب"، فهو "أنوماليا" لتشارلي كوفمان ودوك جونسون، شريط تحريك بصوتَي جنيفر جايسون لي وديفيد ثاوليس. دائماً بلغة شكسبير، ولكن بريطاني الاخراج، يأتينا السينمائي توم هوبر، الذي اشتهر مع "خطاب الملك" (2010) والأفلمة الميوزيكالية لـ"البؤساء" (2012) بجديد سمّاه "الفتاة الدانماركية"، يضطلع فيه ادي رادماين الفائز بجائزة "أوسكار" هذه السنة عن دور العالم ستيفان هوكينغ في "نظريّة كلّ شيء"، دور أول متحوّل في دانمارك الثلاثينات. الفيلم من انتاج أميركي بريطاني ألماني.

في فيلمه الخامس عشر كمخرج، يستعين الكندي آتوم ايغويان في جديده "تذكّر"، بأسماء كبيرة ككريستوفر بلامّر ومارتن لاندو وبرونو غانز. الحبكة: ناجٍ من الهولوكوست يعتقد انه عثر على النازي الذي قتل زوجته في أوشفيتز، فينطلق في رحلة للاقتصاص منه، بيد انه ينسى خلال السفر السبب الذي جعله يتخذ هذا القرار. على الضفة الأخرى من الحكاية الهولوكوستية، تقف شخصية اسحق رابين التي يجد المخرج الاسرائيلي أموس غيتاي ضالته فيها. في ذكرى مرور عشرين عاماً على اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي، يتركز جديد غيتاي، "رابين، اليوم الأخير"، على التحقيقات التي أجرتها اسرائيل لمعرفة ملابسات مقتله. ترى، كيف سيعالج مخرج "أنا عربية"، قضية شائكة؟ لننتظر ونرَ...

موضوع شائك آخر هو ذاك الذي يعالجه المخرح الروسي المعلّم ألكسندر سوكوروف. مع "فرنكوفونيا"، يعود صاحب رباعية السلطة والديكتاتورية الى الـ"موسترا" التي أعطته قبل أربع سنوات "أسدها" عن "فاوست". "فرنكوفونيا"، مدخل سوكوروف الى الحرب العالمية الثانية خلال الاحتلال النازي لباريس. يركّز الفيلم على ما حدث في كواليس متحف اللوفر عندما أحكم العسكر قبضتهم عليه. طبعاً، بموضوع مشابه، أقل ما ننتظره من سوكوروف هو درس في التاريخ والسينما والثقافة. تحدٍّ جديد اذن يضعه نصب عينيه، علماً أن اللوفر شرّع أبوابه أمام المخرج الروسي كي يموضع فيه كاميراته، مثلما سبق أن فُتحت له أبواب الـ"أرميتاج" يوم صوّر فيه "الفيلق الروسي".

أخيراً، يأتينا المخرج البولوني الكبير يرزي سكوليموفسكي بـ"11 دقيقة". الرقم في العنوان يشير الى عدد الدقائق الذي ستبقى خلاله الكاميرا برفقة كلّ شخصية من الشخصيات التي يصوّرها صاحب رائعة "قتل أساسي"، الذي اكتشفناه في البندقية قبل خمسة أعوام.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

من براين دو بالما إلى مرزاق علواش

هـ. ح.

18 فيلماً ستُعرض خارج المسابقة، فيها شريط وثائقي عن براين دو بالما نفذه كلٌّ من نوا بومباك وجاك بالترو. دو بالما، الذي سيتّم تكريمه بجائزة "المجد للسينمائي"، يبلغ اليوم الخامسة والسبعين من العمر وآخر مرة جاء فيها الى البندقية كانت يوم عرض فيها "شغف" في العام 2012، الذي يستعير فيه من تيمات أفلامه السابقة لكن ضمن قوالب مستحدثة. اثناء آخران سيكرمهما المهرجان أيضاً: المخرج الفرنسي برتران تافيرنييه، صاحب "حول منتصف الليل"، السينيفيلي الكبير المتخصص بالسينما الأميركية والعاشق الأبدي لعصرها الذهبي. وأيضاً المخرج المكسيكي أرتورو ريبستاين. وقد سبق لـ"النهار" أن حاورت كليهما.

يقتصر الحضور العربي على مشاركة المخرج الجزائري مرزاق علواش، الذي بات من الزائرين المنتظمين للبندقية. في جديده المعروض ضمن مسابقة "آفاق"، يحكي علواش عن صبي من سكان بيوت التنك في ضواحي مدينة مستغانم الجزائرية. من دون ان ننسى "على حلّة عيني"، المشارك في قسم "أيام البندقية"، وهو للتونسية ليلى بوزيد. تضع بوزيد كاميراتها عشية اندلاع "ثورة الياسمين" لتغوص في تفاصيلها الحياتية من خلال عيني فرح، إبنة الـ18.

أرتور النوستالجيّ وبرتران الغاضب!

مهرجان البندقية يلتفت هذه السنة الى وجهين من وجوه سينما المؤلف: المكسيكي أرتورو ريبستاين والفرنسي برتران تافيرنييه. الأول ستُسند إليه جائزة الـ"بينالي"، والثاني سيحظى بـ"أسد ذهب" عن مجمل أعماله. مناسبة للعودة الى ما قالاه لـ"النهار" يوم حاورتهما في كلّ من باريس وأبو ظبي.

ريبستاين: "في المكسيك، لم تكن هناك معاهد سينمائية. كان والدي منتجاً، اعتدت مرافقته إلى مواقع التصوير. في كلّ مرة، كان يجدني سعيداً. ومن خلال زياراتي المتكرّرة إلى ستوديوات التصوير، اكتشفتُ أن السينما ستكون مهنتي إلى الأبد. باشرت قراءة الكتب وارتياد الصالات المظلمة. هكذا تعلّمت. كان الزمن مختلفاً. كنا في حقبة تتيح لنا مشاهدة كل شيء. لم تكن الحال كما هي عليه الآن في المكسيك، حيث لم تعد ممكنةً مُشاهدة الأفلام المميّزة إلاّ في "نوادي السينما". كانت صالات السينما تتيح لنا خيارات كثيرة، خلافاً لواقعنا الراهن، الذي يحاصرنا بالسينما الأميركية التجارية. كانت الصالات موزّعة بين آخر فيلم لأنطونيوني وفيلليني، وجديد جون فورد. كانت الإيرادات عالية للنوعين. أتكلّم عن مرحلة لم يكن الأميركيون أفسدوا فيها كل شيء بعد.

عملي مع لويس بونويل أسطورة. المواقع الإلكترونية تنقل هذا الخبر، لكنها معلومة غير صحيحة. آنذاك، كنت أطلب من المخرجين السماح لي بزيارة مواقع تصوير أفلامهم. هذه كانت الطريقة الوحيدة لتعلّم الإخراج. بونويل كان صديقاً لوالدي، تشاركا لسنوات حبّ الأسلحة وإطلاق الرصاص. إذاً، طلبت إلى بونويل كما طلبت إلى غيره أن أشاهده وهو يعمل. طبعاً، كنت شديد الإعجاب به، فسمح لي بمراقبته، بين حين وآخر، وأنا جالس في زاوية من الستوديو. كان شيئاً عظيماً أن تشاهده يُصوّر "الملاك المدمر" (1962). المشكلة أنهم يقارنونني ببونويل بسبب هذه الكذبة. هذه المقارنة تحمّلني أعباء كثيرة.

أشعر ببعض الحنان تجاه ذلك الشاب الذي أنجز الفيلم، لكنّي لا أستطيع التعرّف إليه. "زمن للموت" ليس من أفلامي المفضلة. فعلت آنذاك ما كان في إمكاني فعله. لم يُسمَح لي بإنجازه على النحو الذي كنت أراه. بعض الندم ينتابني في ما يتعلّق به. لكن هذا كله بات خلفي، وطواه الزمن. اليوم، أنظر إلى تلك المرحلة من حياتي بنوستالجيا".

تافيرنييه: "عندي الكثير من الفضول حيال أشياء كثيرة. انا من جيل يقدّر الخيال. هناك سينمائيون كبرغمان، عاد مراراً وتكراراً الى التيمات الباهرة نفسها. لكني أجد ان من الرائع ان يذهب المرء في استكشاف امكنة وازمنة مختلفة. هناك جملة في سيرة مايكل باول اتمنى لو انني كتبتها، فحواها انه صنع كل افلامه ليتعلم. كنت اندهش في كل مرة اكتشف فيها موضوعاً سيقحمني في عالم اجهله. عندي شغف بالاستكشاف، واعتقد ان الأفلام نوع من استكشاف، وما نتقاسمه مع الجمهور هو متعة ما اكتشفناه. قد تكون لهذه المتعة اشكال مختلفة. قد تولّد لديك الدهشة او الضحك او الغضب او الاعجاب. لم اكن اعرف شيئاً عن معظم الأمكنة التي صوّرتها قبل ان امسك الكاميرا واذهب اليها.

حبي للسينما الأميركية لا يزال. للسينما الكلاسيكية وللثقافة ايضاً. كان لهذه الثقافة آثار سلبية ايضاً. أغضب حين أرى ان ثقافة أميركا لا تصل الى الناس كما يصل جهلها. تبقى اميركا البلد الديموقراطي حيث هناك العدد الأقل من حائزي جوازات السفر نسبةً الى عدد السكان. أي ان هناك عدداً كبيراً من الناس لم يزوروا في حياتهم بلداً آخر، وحتى لم يغادروا الى ولاية أخرى. هناك ثقافة التعصب التي تترجم من خلال بعض الاداء في السياسة الخارجية لأميركا. هناك بعض الجمل الشهيرة لرؤساء اميركيين، منها: هل يتكلمون اللغة اللاتينية في أميركا اللاتينية؟ على رغم حماقاتهم، لا اتخيل ان القادة الاوروبيين يمكنهم ان يكونوا على هذا القدر من الغباء. هذا الاحساس الذي عندي تجاه اميركا وثقافتها، وهو احساس متناقض وملتبس وقائم على العداء والحب، يتشاركه معي الكثير من الأميركيين. اعرف كثراً منهم يعشقون بلادهم لكنهم في الوقت نفسه غاضبون حيال التجاوزات".

النهار اللبنانية في

03.09.2015

 
 

مهرجان البندقية:

افتتاح عند سقف العالم وحياة جديدة لأفلام لا تُنسى

البندقية - سعيد مشرف

انطلقت مساء الأربعاء الفائت، الدورة الثانية والسبعون لمهرجان البندقية السينمائي في جزيرة الليدو الإيطالية. 21 فيلماً من القارات الخمس تحتضنها المسابقة الرسمية هذه السنة، مع هيمنة واضحة للإنتاجات الإيطالية والفرنسية والأميركية، وتراجع ملحوظ في عدد الأفلام الآسيوية التي كانت الشغل الشاغل لمدير الموسترا الأسبق ماركو موللر.

من الصعب جداً، لا بل من سابع المستحيلات، تكوين فكرة عامة عن مستوى الدورة الحالية من خلال الإمعان في تفاصيل البرنامج. فما نقرأه من أسماء مشاركة فيها يبعث على الحلم ولكن قد يحتمل الخيبة. في المقابل، قد يكون بعض المجهولين الذين ينامون بين السطور، في طليعة هذه الدورة التي تستمر إلى السبت المقبل، تاريخ إسناد لجنة التحكيم برئاسة المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون، «الأسد الذهبي» الى الفيلم الذي ستراه أهلاً بالجائزة المهيبة التي ذهبت العام الماضي الى المخرج السويدي روي أندرسون.

فيلم الافتتاح، «إيفيرست» للمخرج الآيسلندي بالتازار كورماكور، كان من هذه الأفلام المخيّبة بعض الشيء. أراد كورماكور شريطاً استعراضياً كبيراً، شامل الرؤية للإنسان المتروك لمصيره في وجه العواصف والمصائب الطبيعية التي تتدافع نحوه من كلّ حدب وصوب. حظي الشريط بموازنة بلغ قدرها نحو 70 مليون دولار، وجاء نتيجة دمج بين التصوير الحيّ في أماكن حقيقية (جبال الألب الإيطالية وإيفيرست وآيسلندا) وستوديوات بريطانية. ولكن في الفيلم هنّات كثيرة، على رأسها اللقاء بين الصنف الحميمي الذي يكاد يتحول بسرعة مسلسلاً تلفزيونياً مملاً، وبين «أساليب» مخرج لا يخفي انبهاره بالضخامة والعظمة والأحجام التي تغوي البصيرة. المدير الفني لـ «موسترا» البندقية ألبرتو باربيرا، ضرب ضربتين موفّقتين في السنتين الماضيتين عندما اختار للافتتاح «جاذبية» لألفونسو كوارون، و «بردمان» لأليخاندرو غونزاليث إيناريتو. كلاهما لفّ العالم وحصد جوائز وفاز بإطراء النقاد. مع «إيفيرست»، أراد أن يكرر التجربة الناجحة، بيد أن الفيلم يبقى أقل أهمية من العملين المذكورين.

موت في الهيمالايا

تستند فكرة «إيفيرست» إلى كتاب أصدره جون كراكوير، وهو أديب ومتسلّق جبال، عن موت ثمانية من متسلّقي جبال هيمالايا العام 1996 بعد عدم قدرتهم على الصمود في وجه العاصفة الثلجية التي قضت عليهم. تحوّل الكتاب إلى واحد من أكثر الكتب مبيعاً، الأمر الذي دفع منتجي الفيلم الى نقله إلى الشاشة وإسناد الإخراج إلى كورماكور، الذي كان أثبت براعة معيّنة في الإخراج (سبق أن فاز بجائزة «الكرة البلورية» في مهرجان كارلوفي فاري). ثمة خليط من المَشاهد الحية الحقيقية التي تتداخل مع مَشاهد نُفذت بالحواسيب. ولكنّ المخرج يشدّد على أنّ جزءاً كبيراً مما نشاهده لم يخرج من رحم الكمبيوترات، بل عاشه فعلاً الطاقم التقني والتمثيلي، بعدما أمضى ساعات وهو يصوّر في أعالي الجبال.

يكتظ «إيفيرست» بالشخصيات الهامشية التي يتركها السيناريو تنمو كالأعشاب البرية على هامش الحكاية، مركزاً على حفنة منها، في مقدّمهم «قائدا» الرحلة (جايسون كلارك وجايك غيلنهول) اللذان سيلقيان حتفهما خلال المغامرة هناك في «سقف العالم» (نحو تسعة آلاف كلم ارتفاعاً) مع ستة آخرين، خلال تسلّقهم قمة الإيفيرست. تعاطي كورماكور مع الموضوع لا يشي بأنه مشغول بأسئلة كبيرة، مشروعه كبير ولكن طموحه السينمائي يكاد لا يتخطى إظهار الكيفية التي يموت فيها المغامرون. سينماه تنفيذية، لا تحلّق عالياً في مجال التساؤلات الوجودية، لا قلق فيها ولا همّ. أما تقنياً، فتلك مسألة أخرى. سواء على صعيد الصوت أو الصورة، يبرع كورماكور في جعلهما «حليفَي» الواقعية، الى درجة أننا نلمس المكان الذي نراه ونشعر فيه الى أقصى حد.

من المؤسف والحال هذه، أن يكتفي الفيلم بقصّ الحكاية وألا يذهب الى أبعد من ذلك، وأن يبقى في المستوى الأول منها. كان يمكن التنقيب في تيمات كثيرة تمتد الى قلب هذا النوع من الأفلام، المغامراتية في الظاهر ولكن الوجودية النفسية في الباطن. بيد أنّ الخلاصات يتركها كورماكور للمُشاهد، ويمنع نفسه عن توجيه مشاعرنا وإملاء نوع خاص من الإحساس علينا، مقتصداً الجانب العاطفي للفيلم، الى حدّ أنّ هذه التقنية تحول دون اهتمامنا الفعلي بمصير الشخصيات التي تحظى بمعالجة سطحية، ما يجعلها مجرد ظلال تعبر الشاشة وتصعب عملية تماهينا معها. من تيمة غريزة البقاء الى تيمة عدم مبالاة الطبيعة بالحياة البشرية، هذا كلّه يشقّ طريقه الى الفيلم بهدوء، ولكن يبقى أنها تيمات نستنتجها ولا يتم تلقيننا إياها.

أمجاد مستعادة

عرض الأفلام الكلاسيكية المرمّمة في المهرجانات الدولية بات محطة ثابتة تبثّ البهجة في قلوب مَن يتخذون من السينما طريقة تفكير وأسلوب حياة. و «البندقية» مثل كانّ وبرلين، يحرص في كلّ دورة على الإتيان بأفلام سقطت من الذاكرة ليعيد برمجتها بهدف تعريف الأجيال الجديدة إليها واستعادة أمجادها أو صناعة مجد جديد لها. عشية الافتتاح، شهد «البندقية» على سبيل المثال، عرض فيلمين من أفلام العملاق أورسون ويلز، الذي يحتفي العالم هذه السنة بمئوية ولادته. وهكذا اكتشفنا، على مدى السنوات الفائتة، تحفاً سينمائية كان إطلاعنا عليها اقتصر على المُشاهدة المنزلية. فمثلاً، في إحدى الدورات الماضية، تسنّت لنا مشاهدة «أن تكون في العشرين من العمر في الأوراس» لرونيه فوتييه. فجأة، روح جديدة دبّت في الفيلم الذي عاد الى المهرجان الفضل الكبير في نزع الغبار عنه. في الدورة الحالية، الأفلام المرممة كثيرة ومتنوعة. من «سيرج الجميل» لكلود شابرول الى «ألكسندر نفسكي» لسرغي أيزنشتاين، مروراً بـ «السماء يمكنها الانتظار» لأرنست لوبيتش، تأكد لـ «موسترا» الأهمية القصوى لحضور القديم الى جانب الحديث، علماً أنّ بعضاً مما ننعته بالقديم هو أكثر طليعية وحداثة من أفلام كثيرة معاصرة معروضة تنعدم فيها كل أشكال التجديد والتجريب.

المشتركون

سنة بعد سنة، يعود بعض الكبار إلى البندقية، وفي شكل منتظم. الموعد يتجدّد مع الجمهور كأنه أمر بديهي ألا يتجدّد، وكأنه لا يوجد مكان آخر لهذا اللقاء. هؤلاء يسمونهم باللغة الفرنسية «المشتركين». في الدورات الأخيرة، كانت لأمثال ماركو بيللوكيو وبراين دو بالما وأموس غيتاي إطلالات متكررة على فينيسيا. إنتاجاتهم كلّها عرضت هنا. قد يكون حضور بيللوكيو أمراً طبيعياً كونه إيطالياً، لكن يصبح مدعاة استغراب الى حدّ ما عندما يتعلّق الأمر بمخرج أميركي مثل فريدريك وايزمان. فكيف إذا أضفنا الى ذلك حقيقة أنه أصبح في الخامسة والثمانين من العمر ولا يزال ناشطاً، ينجز فيلماً كل عام. جديده هذه السنة، وهو يحمل الرقم 40 في سجله السينمائي المجيد، يغوص في أحياء الكوينز في نيويورك، حيث النسبة الأعلى من التنوّع العرقي والإتني في الولايات المتحدة. وايزمان هو من هؤلاء الذين يستحقون أكثر من حياة لتصوير كل ما يعشعش في ذهنهم من أفكار وأسرار، وبالتالي فإن حضوره، هذه المرة أيضاً في مهرجان البندقية، كفيل بأن يبعث الحياة في مشاهدة سينماه المميزة والحديث عنها مجدداً، ولك خاصة في اكتشاف المتفرجين العوالم التي يبرع في تصويرها وبثّ الحياة فيها، فتبدو جديدة غير مألوفة حتى بالنسبة الى المعتادين عليها، وهذا بالطبع جانب من سحر السينما وهذه السينما في شكل خاص.

الحياة اللندنية في

04.09.2015

 
 

بحضور حشد متميز من نجوم الفن السابع

فيلم «إيفرست» افتتح مهرجان البندقية السينمائي

انطلقت مساء امس الاول فى مدينة البندقية الايطالية اعمال الدورة 72 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي حيث عرض فى حفل الافتتاح فيلم إيفرست الدرامي المأخوذ من قصة حقيقة ، ويشارك فى المهرجان هذا العام عدد متميز من الاعمال يتضمن مجموعة تشمل العديد من الأفلام مبنية على أحداث جرت بالفعل..

ويقدم إيفرست صورة عاطفية ومقربة لفريقي تسلق جبال ومرشديهما الذين حاربوا من أجل البقاء على قيد الحياة عام 1996 بعدما حاصرتهم عاصفة ثلجية شرسة على أعلى قمة جبلية في العالم. وقال بالتازار كورماكور المخرج الأيسلندي، إنه اصطحب فريق العمل إلى منطقة قريبة من معسكر القاعدة لتلك البعثة في نيبال لتصوير جزء من الفيلم هناك، ومن أجل معايشة الواقع.

وتابع أن فريقه بدأ في الشعور بالمرض في تلك المرحلة بسبب الارتفاع الشديد، مضيفا لقد مررتهم عبر الكثير من الألم، وأن الممثلين لم يتعرضوا إلى خطر فعلي خلال الفيلم.

وقال جيك جيلينهال، الذي يجسد شخصية أحد المرشدين جنبا إلى جنب مع جايسون كلارك، إنه تحدث إلى أحد أقارب أعضاء البعثة من أجل إعادة جوهر الأحداث التي كشفها فيلم إيفرست.

وتابع أعتقد أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتقك عندما تحاول أن تعيد تجسيد شيء حدث بالفعل وفي الوقت الذي استخدم فيه كورماكور حادث 1996 لتصوير دراما الصراع الإنساني مع الطبيعة، واعتمدت العديد من الأفلام الأخرى في مهرجان البندقية أيضا على أناس حقيقيين، بالإضافة إلى اتجاهات اجتماعية وسياسية حالية.

وقال باربيرا رئيس مهرجان البندقية : أصعب شيء هو اختيار فيلم الافتتاح لأنه يكون فئة خاصة من الأفلام، يجب أن يكون مبهرا وليس به الكثير من العنف لأن جمهور ليلة الافتتاح مختلف عن باقي جمهور المهرجان.

ومن بين الأفلام المتنافسة داخل المسابقة الرسمية ذا دينش غيرل بطولة إيدي ريدماين الذي يتناول قضية التحول الجنسي، وفيلم رابين .. ذا لاست داي للمخرج الإسرائيلي عاموس جيتاي عن إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي اغتيل عام 1995، وفيلم بيستس أوف نو نيشن بطولة إدريس إلبا، وفيلم مانديلا: لونغ ووك تو فريدم المأخوذ عن رواية لطفل جند للقتال في إفريقيا كما يقدم المهرجان خارج المسابقة الرسمية، العرض الأول لفيلم بلاكماس بطولة جوني ديب، الذي يجسد دور رجل العصابات الأيرلندي-الأميركي ويتي بولجر، إلى جانب فيلم سبوت لايت بطولة مايكل كيتون.

يشار إلى أن 21 فيلما يتنافسون ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان هذا العام،.

وتشارك في المسابقة الرئيسية للمهرجان أفلام من الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وتركيا وفنزويلا والأرجنتين وجنوب أفريقيا وبريطانيا وكندا وبلدان أخرى.

أما الوفد الروسي فجاء إلى المهرجان بفيلم وثائقي جديد من إخراج نجم السينما العالمية والمخرج السينمائي الروسي المشهور ألكسندر سوكوروف الذي حمل إلى المهرجان فيلما بعنوان فرانكوفونيا، يروي قصة الحفاظ على التحف الفنية الثمينة في متحف لوفر الفرنسي إبان الحرب العالمية الثانية. وستعلن الجوائز في 12 سبتمبر.

النهار الكويتية في

04.09.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)