كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

شمعة «نور» على شاشات الإبداع

كتب : مصطفي محرم

عن رحيل

هرم العطاء

نور الشريف

   
 
 
 
 

لم يكن  يخطر فى بالي أبدا أنه سيأتي يوم أكتب فيه عن رحيل صديق العمر الفنان الذي لا عوض عنه نور الشريف. ربما كان السبب الذي ملأني بهذا الإحساس لأنني أكبر منه بسبع سنوات وأنني أيضا كنت دائما أراه أمامي شابا يمتلئ حيوية ونضارة حتي عندما اشتعل رأسه شيبا. فعندما كان يتحدث كنت أحب أن أسمع حديثه الذي يبدو دائما متحمسا متوهج الفكر، كانت الابتسامة قلما تفارق شفتيه، حاضر البديهة في دعابته، محبا للحياة، واثق النفس ويتطلع دوما إلي الغد حيث يأتي الجديد. ولكن الإنسان يقف عاجزا أمام القدر الغاشم عندما يداهم ضحيته فجأة بالمرض اللعين فلا يملك أمام وحشيته سوي الاستسلام لقضاء الله.
 
ترجع معرفتي الوثيقة بمحمد جابر محمد عبدالله وشهرته نور الشريف إلي أكثر من أربعين عاما من منتصف الستينيات تقريبا حيث كان يسكن بالقرب مني عندما كنت أقيم مع عائلتي في بركة الفيل في السيدة زينب. وفي الحقيقة بدأت هذه الجيرة قبل ذلك عندما كان يسكن محمد جابر أو نور الشريف في شارع جامع أزبك وكنت أسكن أنا الآخر في أول هذا الشارع من ناحية بركة الفيل ، أذكر أن والده أو عمه لا أتذكر بالضبط كان يملك داكاناً صغيراً لبيع الجاز وبعض أصناف البقالة. وبعد وفاة أبيه ثم عمه انتقل ليعيش مع شقيقته في عمارة صغيرة بيضاء اللون مازالت موجودة حتي الآن خلف دار عرض سينما الهلال الصيفية في حي السيدة زينب. ثم انتقلت أنا أيضا مع عائلتي إلي عمارة تتوسط حي بركة الفيل حيث كان يسكن بالقرب منى النجوم عبدالمنعم إبراهيم وعزت العلايلى وفريد شوقي وعبدالحليم حافظ والدكتور فوزي فهمي.
كان أخي الأصغر طالبا في معهد الفنون المسرحية بقسم النقد في الوقت الذي كان نور الشريف يسبقه بعام وفي السنة النهائية بالمعهد وهو لم يكن يبلغ العشرين من عمره.. وكان نور صديقا للمخرج عبداللطيف زكي الذي كان هو الآخر في ذلك الوقت طالبا في معهد السينما وكان نور الشريف يتردد علي عبداللطيف زكي الذي كان يسكن في الشقة المجاورة لشقتنا
 
ومن هنا كنت أقابله أحيانا. كان نور الشريف يحرص علي الحديث معي، حيث كنت أعمل في ذلك الوقت في الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي في قسم القراءة والسيناريو وكان المخرج الكبير صلاح أبو سيف رئيسا لتلك الشركة. كان الشاب القصير الضامر الجسد المتألق العينين يحاول أن يتقرب إلي صحبتي من أجل أن يعرف أخبار الأفلام التي تقوم  الشركة بإنتاجها وأخبار النجوم
.

وكانت مفاجأة وفرحة لي عندما اشترك نور الشريف في أحد الأفلام المهمة التي أنتجتها الشركة وهي فيلم (قصر الشوق) من إخراج حسن الإمام في دور كمال في الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ

وربما كانت هذه البداية هي التي جعلته يهتم بأدب نجيب محفوظ ويحرص على قراءة كل ما كتب إلا أنني اكتشفت أثناء مخالطتي له في بداية صداقتنا شغفه الكبير بالقراءة حتي أنني عندما كنت أسأل عن بعض الكتب التي كنت قرأتها وهل قرأها فأجده قد التهم أكثرها فأناقشه فيها ويناقشني هو الآخر فيها.

وقد لفت نور الشريف أنظار المخرج محمد فاضل والكاتبين عاصم توفيق ومصطفي كامل عندما كانوا يعدون لمسلسل (القاهرة والناس) فأسندوا دور (عادل) إلي نور الشريف وهو أحد الأدوار المهمة، فكان في كل حلقة يلفت النظر بموهبته وأدائه المتميز، وأصبح نور الشريف من خلال هذا المسلسل نجما صغيرا يحيطه الناس بلهفتهم علي مشاهدته وحبهم الشديد لما يقوم به

ظل نور الشريف يداوم علي القراءة وطرح القضايا الفنية والسياسية وإيمانه الشديد بعبدالناصر، ورغم معرفته بكراهيتي لعبدالناصر إلا أن ذلك لم يبعد ما بينى وبينه في يوم  من الأيام. كان يجيد الاستماع ويتروى في التفكير وكانت ثقافته تساعده علي توضيح رأيه. ولم أجد هذا النوع من الممثلين طوال حياتى في الوسط الفني سوي مع محمود مرسي الذي كان يتمتع هو الآخر بثقافة عالية شاملة.

ظل نور الشريف يعمل في السينما في بداية حياته لمدة عشر سنوات ، ولكني لم أكن معجبا بما كان يقدمه في ذلك الوقت إلا بالقليل من هذه الأفلام مثل (بئر الحرمان) و(السراب) و(زوجتي والكلب) و(دمي ودموعي وابتسامتي). وربما كان هذا العدد الكبير من الأفلام متوسطة أو قليلة القيمة رغبة منه في الانتشار أو يعمل في أفلام مهمة رغم أن أدواره فيها صغيرة وتبتعد عن البطولة، ولكنه وفقا لذكائه الفني وثقافته كان يدرك أهمية أفلام مثل فيلم (زوجتي والكلب) وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج (سعيد مرزوق) وفيلم (دمي ودموعي وابتسامتي) للمخرج حسين كمال الذي كان نور الشريف يعشقه ويتمني العمل معه دائما حتي أنه أنتج له فيلم (حبيبي دائما) وهو فيلم مأخوذ عن الفيلم الأمريكي الشهير (قصة حب). 
كانت بداية نور الشريف للعمل في فيلم قمت بكتابته هو فيلم (مع سبق الإصرار) من إخراج اشرف فهمي في عام 7891 ، كان المرشح في البداية هو فريد شوقي في دور الرجل الريفي الذي خانته زوجته مع صديقه أو بمعني أدق مع واحد من أصدقائه فأخذ يبحث عن هذا الصديق وعندما تأكد أنه هو أخذ يطارده من أجل أن يعترف له بالحقيقة. كان هذا الدور يستغرق ستة وثلاثين مشهدا من السيناريو الذي يبلغ مائة وعشرين مشهدا ويقوم محمود يس بتمثيل الجزء الأكبر منها. وحيث كانت زوجة مصيلحي شابة صغيرة فكان أن اخترنا فريد شوقي للقيام بهذا الدور ولم نكن قد اتصلنا به. واستولت علي فكرة أو اقتراح أو ترشيح آخر وهو أن يقدم نور الشريف هذا الدور. وبرقت عينا اشرف فهمي وسرعان ما تحمس لهذا الاقتراح ، ولكن ما لبث أن ساورني القلق لصغر الدور، وكان نور الشريف في ذلك الوقت يقوم ببطولة الأفلام بمفرده ، ولكن أشرف فهمي صمم علي المحاولة وقام بإرسال السيناريو إلي نور الشريف. وفي اليوم التالي علي الفور أخبرنا نور الشريف بموافقته علي القيام بدور مصيلحي وأنه لا يمانع إذا ما أضفنا مشاهد أخري لدور محمود يس ولكن بشرط ألا نقترب من الست والثلاثين مشهداً المكتوبين لدوره. وفي الحقيقة لم نكن في حاجة إلي إضافة أي شيء أو حذف أي شيء

فوجئ محمود يس بنور الشريف في دور مصيلحي وذلك في أول يوم للتصوير بعد أن كان يظن أنه فريد شوقي. وكاد أن يتراجع محمود يس عن العمل في الفيلم ، ولكن المخرج أشرف فهمي استطاع أن يقنعه بالعدول عن ذلك ولست أعلم حتي الآن ما الذي دار بين أشرف فهمي ومحمود يس

حصل نور الشريف في فيلم (مع سبق الإصرار) علي جميع الجوائز السينمائية التي كانت تمنح في ذلك الوقت وكذلك حصلت أنا علي كل جوائز السيناريو. وسافر الفيلم للاشتراك في مهرجان مونتريال بكندا وأثناء وجودنا هناك قام الملحق الثقافي في سفارتنا في واشنطن محمد غنيم بالاتصال بنا حيث أخبرنا بأن السفير محمد شفيق غربال يدعونا للسفر  إلي واشنطن لعرض الفيلم هناك وبالفعل سافرنا وتم عرض الفيلم في أكبر قاعة عرض رسمية في واشنطن وذلك للمصريين وكثير من الأمريكيين، وأبدي الجميع إعجابهم بعبقرية تمثيل نور الشريف لدور مصيلحي

كان الفيلم الثاني الذي قمت بكتابته لنور الشريف هو فيلم (الحب وحده لا يكفي) وكان علي ما أظن باكورة إنتاج (شركة فينوس) التي يمتلكها المنتج الصديق محسن علم الدين

كتب هذا الفيلم في البداية عن رواية للصديق الأديب أحمد فريد السيناريست أحمد عبدالوهاب

ولكن نورالشريف لم يعجبه السيناريو واشترط لكي يعمل في هذا الفيلم أن أقوم بكتابة السيناريو والحوار ولم أوافق في البداية ، ولكن محسن علم الدين والمخرج علي عبدالخالق أخبراني بألا أقف في طريق إنتاج هذا الفيلم وأنهما سوف يستأذنان من السيناريست أحمد عبدالوهاب ودفع مستحقاته المادية فاضطررت أن أوافق وقمت بإعادة كتابة السيناريو وقابل الفيلم نجاحا كبيرا علي المستوي الجماهيري والنقدي وجري ترشيحه لمهرجان طشقند.

توالت كتابتى بعد ذلك لعدد كبير من الأفلام التي قام ببطولتها نور الشريف أذكر منها أهل القمة وعندما يبكي الرجال ويا رب توبة وانحراف والسكاكيني وصمة عار(وهو إعادة لفيلم الطريق) والوحل وعنبر الموت وغيرها من الأفلام التي لقيت نجاحاً كبيراً.

يتميز نور الشريف بدراسته لكل مدارس التمثيل ولكنه ابتعد عن مدرسة الاندماج وقد أيدني في إحدي المناقشات بأن الاندماج جنون.. فقد مارس منهج الاحتراف الذي يري بأن علي الممثل أن يكون واعيا لكل ما يفعله أثناء أداء الدور ويستطيع أن يقيس الانفعال ويحدد مداه وذلك اثناء البروفات وذلك بعد دراسة أبعاد الشخصية دراسة دقيقة وإضافة اللوازم في الحركة والكلام بحيث.

عندما بدأت كتابة المسلسلات التاريخية أو بمعنى آخر مسلسلات تاريخ الإسلام اخترت الجانب الفكرى فبدأت بمسلسل «ابن سينا» الذى أخرجه سيد مرزوق لتليفزيون الكويت وقام بدور ابن سينا نجم النجوم محمود يس فأضاف الكثير للشخصية بأدائه الرائع. ثم كتبت بعد ذلك مسلسل «ابن خلدون» رائد علم الاجتماع واخترت له نور الشريف الذى تحمس كثيرا لهذا المسلسل وشكرنى لاختيارى له لأداء دور هذا المفكر العظيم. وقام بإخراجه فى البداية إبراهيم الصحن ثم اعتذر لسابق ارتباطه بمسلسل آخر فاختار نور الشريف زميله فى الدراسة فى معهد الفنون المسرحية المخرج محمد عبدالسلام، وكان نور الشريف يعلم مدى إعجابى وتقديرى لمحمود يس فى أداء شخصية ابن سينا فإذا بى أفاجأ بأداء أكثر من رائع لنور الشريف فى قيامه بشخصية ابن خلدون. ولكن هذا المسلسل لم توافق الرقابة للأسف على عرضه فى مصر لأنه ينتقد نظم الحكم وينطق أحد الآسفين على حكام مصر بأن مصر منكوبة بحكامها. والغريب أن المسلسل جرى عرضه فى كل البلدان العربية التى كانت منكوبة هى الأخرى بحكامها أكثر من مصر ولكن الرقابة الحمقاء منعت عرض المسلسل.

وفى منتصف التسعينيات تقريبا قمت بكتابة مسلسل عن قصة لإحسان عبدالقدوس بعنوان «لن أعيش فى جلباب أبى». واخترت أنا والمخرج أحمد توفيق بأن يقوم نور الشريف بدور البطولة واخترت له اسم عبدالغفور البرعى، حيث لم يذكر إحسان عبدالقدوس اسما له فى القصة واكتفى بأنه الأب. أرسلنا لنور الشريف ملخصا للقصة فإذا به يتصل بى ويخبرنى بأنه لم يجد لنفسه دورا. فطلبت منه أن ينتظر حتى أقوم بكتابة معالجة وثلاث حلقات. وبالفعل أرسلت له المعالجة وثلاث حلقات وبعد يومين قام بالاتصال بى وأخبرنى فى حماس بأنه معنا.

كان نور الشريف يقرأ بعد ذلك كل حلقة انتهى من كتابتها ومعه المخرج أحمد توفيق. وكانت الملاحظات طفيفة والإعجاب كبيرا.

اختار المخرج الممثلة عبلة كامل ولكن لم أكن متحمسا لها فلم أكن شاهدت لها حتى تلك اللحظة عملا متميزا، ولكن بعد أن شاهدتها فى الحلقات أيقنت أنها بالفعل أفضل من تقوم بهذا الدور.

كنت أعتقد بينى وبين نفسى بعد أن انتهيت من كتابة حلقات مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» أنه مسلسل عادى مثل بقية المسلسلات التى يعرضها التليفزيون. لم أكن أظنه يعتبر فتحاً جديداً فى عالم الدراما التليفزيونية ولم أعتقد أنه سوف يقلب الأمور رأسا على عقب ويزلزل عروش كتاب الدراما التليفزيونية، حيث قدم نور الشريف أداء مبهرا فى دور الحاج عبدالغفور البرعى نال إعجاب أهل مصر وأهالى الدول العربية جميعها وأثار الأحقاد والغيرة من أهل الدراما السائدة وتربع نور الشريف على عرش الدراما التليفزيونية منذ تلك الواقعة.

أيقظنى نور الشريف ليخبرنى بعد فترة قصيرة من مسلسل جلباب أبى بأنه يبحث عن موضوع جديد وطلب منى بالبدء فى الكتابة وأن أختار المنتج الذى أريده.

أعطيت الموضوع لصديقى المنتج ممدوح يوسف فتقدم على الفور بالموضوع إلى قطاع الإنتاج، حيث كان يتولى رئاسته فى ذلك الوقت مدحت زكى وعلى الفور وافق مدحت زكى على المشروع بعناصره واعترض فى بادئ الأمر على المخرج محمد النقلى الذى كنت وعدته بإخراج هذا المسلسل «عائلة الحاج متولى» فقد كان مدحت يرى أن المسلسل أكبر من النقلى ويحتاج إلى مخرج متمرس ولكنى أصريت أن يقوم محمد النقلى بالإخراج ووقف نور الشريف إلى جوارى فى هذا الأمر.

ذهبت أنا ونور الشريف وممدوح يوسف ومدحت زكى وقابلنا صفوت الشريف وزير الإعلام فى ذلك الوقت وعرضنا عليه المشروع فوافق الرجل على الفور وتمنى له التوفيق.

بصراحة شديدة كنت أظن أننى لن أكتب مسلسلا آخر سوف يلقى نجاحا مثل الذى لقيه مسلسل لن أعيش فى جلباب أبى، فقد حقق لى هذا المسلسل شهرة لم أكن أحلم بها ولم أكن أتوقع لمسلسل «عائلة الحاج متولى» سوى نجاحا معقولا، خاصة أنه لم يتعبنى فى كتابته أو ربما متعة كتابته هونت على نفسى التعب. ولكن ما حدث خلال وبعد عرض المسلسل يفوق كل توقع من جانبى ومن جانب نور الشريف ولم نكن نتخيل أبدا أن يحقق نصف هذا النجاح وأقل ما يقال عن نجاح هذا المسلسل أنه أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن وقضى على شهرة أى مسلسل منذ بداية المسلسلات التليفزيونية حتى وقتنا هذا فكان بل ومازال  يمثل عصا موسى التى ألقاها فابتلعت جميع الحيات.

وكان المسلسل الرابع الذى كتبته لنور الشريف هو مسلسل «العطار والسبع بنات» حيث يقوم فيه بدورين مختلفين وهما دور الأب التاجر المتصوف ودور الابن وهو مسلسل فى رأيى أكبر قيمة من مسلسل «عائلة الحاج متولى» ثم أعقبته بمسلسل «عيش أيامك» الذى يعالج قضية مهمة وهى الفتور الذى يعترى الزوج بعد سن الخمسين ويصل إلى مرحلة مراهقة متأخرة. والغريب فى الأمر أننى فوجئت بعد عرض المسلسل بفيلم أمريكى بعنوان «كل سنرقص» من بطولة ريتشارد جير يعالج نفس الموضوع قريب منه جدا فأدركت أن توارد الخواطر بين المؤلفين حقيقة لاتقبل الشك.

قام نور الشريف بطل هذه الشخصيات المتنوعة فى الخمسة مسلسلات التى كتبتها له باقتدار لايفوقه أى اقتدار وأصبح أداؤه لها بمثابة دروس مهمة فى فن التمثيل يجب تدريسه فى المعاهد الفنية.

كان الاتفاق بينى وبين نور الشريف على أن أكتب له مسلسلا مأخوذا من رواية «الإخوة كرامازوف» للكاتب الروسى العظيم دوستويفسكى وتحمس المنتج محمد فوزى لذلك. وبالفعل تعاقدنا وقمت بالكتابة واخترت للمسلسل عنوان «أولاد منصور التهامى» وفى أثناء الكتابة تسلل المرض اللعين إلى جسد نور الشريف، ولكن هذا لم يمنعه من مواصلة الجلسات بيننا ومناقشة الحلقات وإصراره على أن أنتهى من الحلقات. وبالفعل انتهيت من كتابة الحلقات والأمل يحدونى على أن يتغلب نور على محنته ويقهر المرض ولكنى كنت أراه يزوى أمامى وبدأت صورته التى كانت تتمثل أمامى دائما تتغير فبعد أن كنت أراه شابا يمتلئ حيوية ونضارة حتى عندما اشتعل رأسه شيبا فإذا بالمرض اللعين يتوغل فى افتراسه ولم يتركه سوى حطاما، ولكن الغريب أننى رغم كل هذا كنت أحب أن أسمع حديثه الذى يبدو دائما متوهج الفكر ويشير إلى حبه للحياة والتطلع دائما إلى الغد، حيث يأتى الجديد. ولكن ماذا نقول وإرادة الله فوق فى كل شىء.

رحل عنا نور الشريف بجسده ولكنه ترك لنا ما سوف يذكرنا به دائما وجعله شمعة تضىء من التمثيل فى السينما والمسرح والدراما التليفزيونية.

####

نور الشريف:

نفسى إيراد قناة السويس يكون بالجنيه المصرى

كتب : حسام عبد الهادي

لم أصادق أحدا فى الوسط الفنى بنفس درجة صداقتى له، لم أحاور عقلية فى الوسط الفنى بدرجة عقليته، لم أسافر مع أحد من الوسط الفنى مثلما سافرت معه سواء داخل مصر أو خارجها.. فما أجمله فى أيام الترحال.. أذكر أننا كنا فى طريقنا إلى «العريش» لحضور مهرجان الأصالة الدولى بعد أن تقرر تكريمه فى تلك الدورة عام 2001، وفى العباسية طلب من سائق الأتوبيس التوقف ونزل لنفاجأ به عائدا إلينا حاملا أكياسا مليئة بالساندويتشات والمشروبات الغازية والمياه.

فى العريش أيضا وأثناء سيرنا فى السوق فوجئت به يتوجه إلى أحد البازارات ويشترى «جملين» قائلا لى: مصر رائدة فى الصناعات اليدوية التراثية التى - للأسف - انقرضت وليتها تعود، بعدها أخرج قلما ليكتب لى على أحد الجملين: «ذكرى العريش»، ويحتفظ لنفسه بالآخر، كان محبا للوطن، مخلصا له.. ولأنه ألفة المثقفين فى الوسط الفنى فكان يعرف كيف يلعب دوره جيدا لخدمة وطنه، ولذلك كتب اسمه فى سجل تاريخ السينما المصرية بحروف من نووووور.. الشررررررريف.

جمعتنا جلسات كثيرة منذ أن صادقته منذ حوالى 30 سنة وتحديدا عندما كان يقدم «لعبة السلطان» على المسرح القومى، ومن يومها والصداقة بيننا تزداد يوما بعد يوم، وطدتها سفرياتنا خارج أرض الوطن وغيرها، آخر لقاءاتنا قبل رحيله بقليل فتح لى قلبه كالعادة وقال لى: كنت أتمنى تقديم شخصية «جمال عبدالناصر»، فهذا هو حلم حياتى الوحيد الذى لم يتحقق، فأنا أشعر أن «عبدالناصر» لم يكن مجرد حاكم أو رئيس، بل كان أبويا وأبو الأمة العربية كلها، حفر فى وجدانى الكثير وشكل شخصيتى، وكنت أتمنى من خلال تقديمى لشخصية «عبدالناصر» أن أستعرض مقتل الأسرى المصريين فى 67 وكيف كانت تتعامل يد الصهاينة معهم بلا إنسانية.

سرح ثم قال: «عبدالناصر» لم يكن وحده فقط قدوتى، بل هناك ستة أشخاص آخرون منهم عمى «إسماعيل» الذى ربانى بعد وفاة والدى والشاعر «محمود الحنيفى» ناظر مدرسة الإبراهيمية أيامنا الذى علمنى كيف أقوم سلوكى، وكذلك أستاذ اللغة الإنجليزية فى مدرسة «بنبا قادن» الإعدادية بالسيدة زينب الذى علمنى كيف أحرص على تنظيم وقتى ومذاكرة دروسى وأن أعطى لكل شىء حقه، اللعب لعب، والجد جد، ولا أنسى «قرصته» لأذنى عندما أخطئ ليغرس فىّ تلك القيم، وأيضا شيخ الممثلين القدير «محمد توفيق» الذى علمنى فن التمثيل ونبل الأخلاق، وكذلك «نبيل الألفى» أستاذى ومعلمى فى كيفية توظيف الفن لخدمة الوطن ومع كل هؤلاء يقف «أرسطو» الذى علمنى كيف أفكر وأفلسف الأشياء قبل اتخاذ القرار وهى الطريقة المثلى للوصول إلى الهدف.

فى حماس شديد قال لى: عارف.. نفسى يكون دخل قناة السويس بالجنيه المصرى مش بالدولار، ده هيرفع قيمة الجنيه، وهيخليله وزن بين بقية العملات خاصة أن قناة السويس أهم مشروع ملاحى يحقق إيرادات على مستوى العالم.. سكت وقال: بجد نفسى الجنيه المصرى يسترد عافيته، خاصة أن محاولة السيطرة الأمريكية على اقتصادنا أصبحت شيئا واضحا وضوح الشمس، ومن ثم السيطرة اليهودية على كل مقدراتنا اللى أنا تناولته فى فيلم  «العاشقان»، ومن هنا يأتى دور السينما فى مواجهة الخطر الذى قد يحيق بالوطن، وهو ما اكتشفه كثير من الأفلام كان لها بعد سياسى مثل: «العزيمة»، و«درب المهابيل» و«السوق السوداء».

أنا لست ضد أن يكون الفن ممتعا أو وسيلة تسلية، ولكن ضد أن يكون مجرد نشرة أخبار، والدليل أن أغانى «عبدالحليم حافظ» الوطنية لم تسقط لأنها عبرت عن الشعب فى سياق فنى جميل ممتع، الأمل سواء فى السينما أو الغناء فى الأجيال المقبلة التى ستمثل نقطة تحول فى الفن المصرى، فما نعيشه الآن هو مجرد مرحلة مؤقتة!

بأسى شديد جدا قال لى: أنا حزين على القضية الفلسطينية التى أصبحت فى خبر كان، فلم يعد أحد مهموما بها بعد أن جردوها من عروبتها، فرغم أنها قضية مستمرة على مدار أكثر من 60 سنة، إلا أنه لم يخرج فيلم واحد يجعل العيش تحت قبضة الاحتلال قضية إنسانية تؤثر على شعوب العالم، وعلى اتخاذ قرار وقف هذا النزيف الإنسانى الذى بدأته فى «ناجى العلى»، وكنت أتمنى استكماله فى «يحيى عياش» الفدائى الفلسطينى المفترى عليه الذى اتهموه بالعنف والإرهاب.

وعن الوضع العربى قال: ما يحدث هو نتيجة طبيعة لغياب التخطيط والاستهتار بالمواطن العربى منذ عام 1974 وتحديدا منذ عصر الانفتاح الذى قدمت عنه «أهل القمة»، وهو ما انعكس على قوة العرب، فلم تعد الجيوش العربية قوية، ولا توجد صناعات وطنية، فالعولمة جاءت لقتل العرب التى تعتبرها عنصرا يجب أن يباد!

وكل هذا - للأسف - يحدث ونحن نتفرج عليه!

####

رحيل آخر الرجال المحترمين

كتب : فاتن الحديدي

اهتمت الصحافة الأجنبية برحيل الفنان الكبير «نور الشريف» بمستشفى الصفا بعد صراع مع مرض سرطان الرئة الذى هزمه أخيرًا.

50 عاما من التألق والنجومية ورصيد بلغ  182  فيلما من علامات السينما المصرية.

عرضت مجلة «إنترناشيونال بيزنس تايم» شذرات من حياته ووصفته بأنه قامة فنية عالية، تخرج نور الشريف، واسمه الحقيقى محمد جابر عبدالله، فى المعهد العالى للفنون المسرحية بتقدير امتياز عام 1967 ومن جيله محمود ياسين وعزت العلايلى، قدمه المخرج الكبير سعد أردش للمسرح من خلال دور صغير فى مسرحية «الشوارع الخلفية»، ورغم أنه لا يحمل مواصفات النجم الأول بالمقاييس المصرية وقتئذ، فإن موهبته الكبيرة فرضت نفسها وذكاؤه اللامع وقدرته المتفردة على التشكل والتلون وتغيير جلده من دور إلى دور، فهو الفتى الأول فى «قصر الشوق» و«سائق الأتوبيس» المهموم بمشاكله ومشاكل بلده مع المخرج عاطف الطيب، الذى نال عنه جائزة فى مهرجان «نيودلهى» السينمائى، وهو المفكر ورسام الكاريكاتير العربى ناجى العلى وهو الشخص العادى القلق الذى عاش فى غياهب نكسة وطن رافضا الفساد منتقدا سياسة الانفتاح الاقتصادى حاملا هموم وطنه والإنسان البسيط وهى نفس الأفكار التى جمعته بصديقه المخرج الراحل عاطف الطيب حتى وفاة الأخير عام 1995 وظل نور وفيا لأفكار الطيب، فقدم «دم الغزال» للكاتب وحيد حامد، وفيلمه الفريد «العار»، دوره الغريب فى «مسجون ترانزيت»، إضافة إلى اللون الرومانسى فى «بريق عينيك» و«بئر الحرمان»، و«بئر الخيانة».

ثانى محطات نور الفنية كانت مع المخرج الكبير حسن الإمام فى فيلم «قصر الشوق» عن قصة الكاتب العالمى نجيب محفوظ ونال عنه شهادة تقدير هى أول جائزة فى مشواره الطويل.

وتناولت المجلة علاقته بكرة القدم، حيث ذكرت أنه كان لاعبا فى فريق أشبال نادى الزمالك، لكنه لم يكمل مشواره فى كرة القدم بسبب حبه للتمثيل وقدم فيما بعد شخصية لاعب كرة «شحاتة أبوكف» فى فيلم «غريب فى بيتى» مع النجمة سعاد حسنى، عن مشوار لاعب فى القلعة البيضاء.

وأشارت الجريدة إلى تجربته الإخراجية الوحيدة فى فيلم «العاشقان» الذى قام ببطولته أمام رفيقة عمره الفنانة بوسى عام 2001 وله تجربة إخراجية وحيدة أيضا هى مسرحية «محاكمة الكاهن» عام .1994

وألقت المجلة الضوء على كونه منتجا ناجحا، حيث أنتجت شركته التى أسسها بمشاركة زوجته بوسى التى كانت تحمل أول حرفين من اسميهما عددا من الأفلام الشهيرة «دائرة الانتقام»، «قطة على نار»، «مدينة الصمت»، ورائعته «حبيبى دائما»، من إخراج حسين كمال عام 1981 وفى العام نفسه أنتج فيلمى «ضربة شمس» و«آخر الرجال المحترمين»، و«زمن حاتم زهران» وأخيرا «ناجى العلى».

وأشارت جريدتا ديلى ميل وميديا 24 إلى فيلمه الممنوع «ناجى العلى» الذى حذره الكثيرون من تصويره، لكنه أصر مقتنعا أنه يقدم عملا مهما بتقديم القصة الحقيقية للمناضل الفلسطينى ناجى العلى، رسام الكاريكاتير الذى استخدمت ريشته فى سبيل قضية بلاده وقام بمقابلات لجميع أصدقائه واستعان بالمخرج عاطف الطيب لإخراج العمل، كان سبب رفض مصر عرض الفيلم هو النقد اللاذع والهجوم الشديد من قبل ناجى العلى على اتفاقية كامب ديفيد وعلى شخص السادات، تم منع عرض الفيلم بعد أسبوعين بسبب مهاجمته لبعض الأنظمة العربية التى أصدرت قرارا بمنع عرض جميع أعمال نور الشريف فى دول الخليج ضمن قائمة شملت محسنة توفيق ومحمد حسنين هيكل.

ونعت جريدة «الليبراسيون» الفرنسية النجم الكبير، وقالت إن رحيله خسارة للفن العربى ووصفته بأنه واحد من أهم الفنانين فى السينما المصرية وأحد الرموز العالمية فى فترة الستينيات والسبعينيات، وركزت الجريدة الفرنسية على أعماله التى جسدها للكاتب العالمى صاحب نوبل الأديب نجيب محفوظ، فقد حصل على نصيب الأسد من هذه الأعمال الخالدة بـ 9 أعمال أولها «قصر الشوق»، حيث أدى شخصية «كمال أحمد عبدالجواد»، ثم فيلم «السكرية» مجسدا الدور نفسه، و«السراب» ثم «الكرنك» والأخير تناول فترة الستينيات وجرائم القهر السياسى والتعذيب داخل السجون، ثم «الحرافيش» و«الشيطان يعظ»، وقدم بعدها أحد أجزاء ملحمة الحرافيش بفيلم «المطارد»، وقدم شخصية «سماحة الناجى» الذى يعيش حياته مطاردًا وهاربًا من حكم بالسجن المؤبد.

موقع اليونيفرسال الإيطالى وجريدة الديلى ميل أيضا وجريدة لوموند احتفت بعلاقة النجم الراحل الكبير بالمخرج العالمى يوسف شاهين، ووصفته بأنه النجم المفضل للمخرج العالمى، حيث شارك فى معظم أفلامه وجسد شخصيته نفسها، وشهدت علاقة شاهين بنور الفنية أعمالا فريدة من نوعها بدءا من «حدوتة مصرية» 1982  وهو ثانى أفلام الرباعية الشهيرة «إسكندرية ليه، حدوتة مصرية، إسكندرية كمان وكمان، إسكندرية - نيويورك» وهى عن دور يحيى فى فيلم «حدوتة مصرية» قال نور: إنه كان واحدا من أصعب الأدوار التى مثلتها فى حياتى، فالشخصية الحقيقية قابعة خلف الكاميرا تراقبنى بقلق وطوال الأيام الثلاثة الأولى من التصوير لم نكف عن العراك ونجح شاهين فى عرض الظروف الاقتصادية والعائلية وانتقاد المجتمع.

كان رهان نور الشريف الأكبر على الإنسان رسم الشخصية وإضفاء عليها روح تخصها تصدقه فى كل حالاته فى «عمارة يعقوبيان» وفيلم «ليلة ساخنة» التى حصل على جائزة أفضل ممثل حتى رهانه الأخير فى فيلم «بتوقيت القاهرة » الذى جسد فيه دور رجل فى خريف العمر مريض بالزهايمر، ورغم علامات المرض الواضحة والوهن الشديد، فإن بريق العبقرية فى عينيه ولمعان الموهبة الفذة كانت تنير وجهه.

قدم نور أيضا شخصية ابن رشد فى فيلم «المصير» الذى يعد واحدا من أفضل الأفلام المصرية، وتم إنتاجه عام 1997 وتدور أحداثه فى القرن الـ 12 الميلادى أثناء حكم الخليفة المنصور حاكم الأندلس، حيث يدب الضعف فى جيشه بعد انتصاره على الإسبان وانتشرت الفوضى والعنف والتطرف واشترك فى العديد من المهرجانات الأوروبية وتم ترشيحه لنيل جائزة السعفة الذهبية، أما مهرجان «كان» فهو واحد من الأماكن النادرة التى تفتح أبوابها وذراعيها لاحتضان سينمات مختلفة من دول متنوعة جنبا إلى جنب مع السينما الأمريكية وقال نور عنه: كنت فخورا بالاشتراك فى فيلم يقدم للعالم صورة إيجابية عن العالم العربى.

####

انتقام مبارك وإبراهيم سعدة من «نور»

كتب : شيماء سليم

«أن نكون أو لا نكون، التحدى قائم والمسئولية تاريخية»، تلك هى إحدى مقولات فنان الكاريكاتير الفلسطينى الراحل «ناجى العلى».. التحدى ليس فقط عند الشعب الفلسطينى، ولكن عند من يساندهم ويدعمهم والمسئولية التى يتخذها هذا المساند والداعم للقضية تاريخية تلتصق بصاحبها طوال حياته وبعد رحيله أيضًا، وهو ما صار عليه الآن موقف الفنان الراحل «نور الشريف» من القضية الفلسطينية، والآن تم توثيقه صوتا وصورة على شريط سينمائى عن حياة أحد أهم فنانى فلسطين «ناجى العلى»، الذى تتصادف ذكرى رحيله الـ 28 فى نفس هذا الشهر - أغسطس - الذى رحل فيه أيضا «نور».

كان «الشريف» من أكثر المتحمسين والمدافعين عن القضية الفلسطينية، حيث انسحب من إحدى الحفلات التى كان يتم تكريمه بها، بعد أن قام المونولوجست «عادل الفار» بتقديم فقرة كاريكاترية عن الزعيم الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات»، وفى مناسبة أخرى كتب «نور» بيانا باسم السينمائيين ونقاد السينما العرب فى مهرجان فينسيا عام 1982 يعلن فيه عن موقفه المساند للقضية الفلسطينية بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطينى وأرسل برقيات إلى عرفات والملوك والرؤساء العرب

بعد هذا البيان بعشر سنوات يخرج إلى النور وثيقة تعبير «الشريف» عن دعمه للقضية الفلسطينية وهو فيلم «ناجى العلى» الذى قام ببطولته وإنتاجه وقام بإخراج الفيلم الراحل «عاطف الطيب»، وتم عرض الفيلم للمرة الأولى فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام .1992

الفيلم تناول بعضا من سيرة حياة الفنان «ناجى العلى».. يبدأ بمأساة الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين وأدان موقف الدول العربية ويصل الفيلم لذروته بالتعبير عن غياب الحرية والديمقراطية، موقف الفيلم وأصحابه والشخصية التى تناولها كان واضحًا وضوح الشمس، فلم يحاول التجميل أو التعديل، وجاء شجاعًا جريئًا منصفًا لسيرة صاحبه. ومثلما كان سلاح «ناجى العلى» هو القلم .. كان سلاح السيناريست «بشير الديك» هو الورق وسلاح «عاطف الطيب» هو الكاميرا وسلاح «نور الشريف» هو الجرأة لإنتاج هذا الفيلم الذى وصلت تكلفته لما يعادل الآن عشرين مليون جنية. والأداء التمثيلى الصادق لشخص هذا الفنان. المناضل الذى تعرض للسجن من القوات الإسرائيلية ثم من السلطات اللبنانية

عقب عرض الفيلم شنت الصحف المصرية القومية هجومًا عنيفًا على «نور» وعلى خلفية انتقاده السابق لاتفاقية كامب ديفيد وعصر الانتفاح فى عهد السادات وقادت جريدة «الأخبار» الحملة الشرسة بمقالة لـ«إبراهيم سعدة» رئيس تحريرها تحت عنوان «من أجل حفنة دولارات» كتب فيها (أنه بقدر تقديره وحبه لـ«نور الشريف» كفنان مهم إلا أنه لن يتسامح معه فى سقوطه بسبب هذا الفيلم الغريب والمرفوض. والذى ساهم «نور» فى إنتاجه وقام ببطولته وتناول فيه قصة فنان كاريكاتير متواضع الموهبة فلسطينى الجنسية. جند ريشته لسنوات طويلة متصلة وحتى آخر يوم فى حياته من أجل التشهير بمصر.. لقد اتهمنا ناجى العلى بريشته وقلمه بأقذر الاتهامات أقلها الخيانة والعمالة للصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية. ليس هذا فقط بل إنه صال وجال طعنا فى الشعب المصرى الذى يعانى من الأزمة الاقتصادية ومن الفقر والحرمان لهذا السبب كانت صدمتى فى «نور الشريف» الذى وافق على أن يتقمص شخصية هذا الحاقد على مصر والكاره لها)، نفس الموقف اتخذه الناقد «عصام بصيلة» فى مقال تحت عنوان «ديالوج ناجى العلى» كتب فيه («ناجى العلى» يهاجم مصر ورئيسها ويصف نساءها بالفجور والعيب ليس عليه. العيب علينا أننا نسكت على الإهانة ولذلك يسخر هؤلاء السفلة منا. ثم يصف الفيلم بأنه لا يمت للدراما ولا حتى تسجيلى أما عن «نور الشريف» فكتب يقول «خسارة أنا حزين أنه فقد شعبيته وإذا أحب أن يستعيد شعبيته التى كانت موجودة قبل «ناجى العلى» فليتفضل). 

«نور الشريف» تذكر هذه الأزمة قبل وفاته بقليل فى لقاء مع إحدى القنوات التليفزيونية. فقال أنه كان يتعرض للسب يوميا لمدة ستة أشهر فى هذه الجرائد، وتحديدا جريدتين، كان رد «نور الشريف» فى أثناء الأزمة من خلال عدة حوارات أجراها لبعض الصحف أن «ناجى العلى لم يكن ضد مصر الشعب ولكن ضد نظام اختلف معه وعبر عن وجهة نظره تجاهه.

استمر الهجوم على الفيلم من معظم الصحف الموالية للحكومة وفى نفس الوقت استمر الاهتمام بالفيلم وتم عرضه فى بعض الجامعات والجهات الثقافية

الأزمة جعلت الفنان الكبير يفكر فى الهجرة إلى لندن، ولكن شيئًا فشيئًا هدأت الحرب المعلنة على «نور»، والتى يبدو أنها كانت لها هدف مؤقت إما تحذير «نور»، أو ربما التعتيم على شىء آخر.

هدأت الحرب مع تدخل بعض المسئولين فى الدولة ثم اتصال صفوت الشريف وزير الإعلام فى عهد مبارك بالفنان «نور الشريف» ليطلب منه القيام ببطولة مسلسل «الثعلب»، وكان التليفزيون أرسل له سيناريو المسلسل وتردد فى قبوله. ولكن «صفوت الشريف» أكد له بوضوح أن «الثعلب» مسلسل مخابرات من إنتاج التليفزيون المصرى، وأنه سوف يؤدى شخصية الضابط المصرى، وهذا كله يؤكد أن الدولة ليست ضده. وأمام هذا الموقف من الدولة قبل «نور الشريف» العمل بالمسلسل.

####

سأظل فخورا بهذا الفيلم

بقلم: نور الشريف

هل لأنه ناجى العلى أم لأننى نور الشريف... أكتب هذه السطور؟ لا أدرى وإن كنت أعتقد أنه لا فرق...!! لا أستطيع أن أنسى هذا العام... عام (1990) حين خضت تجربة تصوير فيلمى (ناجى العلى) مع المخرج الراحل عاطف الطيب...

كنا، كل فريق الفيلم، مشتعلين بالحماس وكل منا بدا كما لو كان يشكل نقطة تحول مهمة فى مسيرته الفنية، وكنت راضيا عن نفسى بنسبة كبيرة، لأن العمل يحتل المقام الأول فى حياتى وحبى له يصل إلى حد الجنون، ورغبتى فى التجديد ملحة دائما وكذلك الجدية فى اختيار الموضوعات وهى النواحى التى توافق مرحلة ما بعد الانتشار فى حياة الفنان لتحقيق درجة من النجاح، بحيث يصبح مطلوبا فى السوق الفنى، أى أنه لا يقبل الأعمال الجماهيرية فقط، لأنها تقوده إلى نهاية مؤسفة، فالفنان الذى يصل إلى مرحلة الانتشار فى السوق يجب أن يعتمد درجة من التوازن حتى لا يفقد الإيمان الشعبى به، ويقوم هذا التوازن على طرح الأفلام الشعبية، فى الوقت الذى يستغل فيه كفاءته لتقديم أعمال فنية لا يستطيع تقديمها الجيل الجديد... ومن هنا انطلقت إلى (ناجى العلى) و (ناجى العلى) لم يكن مجرد فيلم جاد فى مسيرتى. كان دليلى الذى قادنى الى مرحلة النضوج فى زمن التردى السائد فى معظم النتاج الفنى. سواء على المستوى السينمائى أو المسرحى أو الموسيقى أو حتى التليفزيونى، كان هو البديل المطلوب للأفلام المبتذلة أو أفلام المقاولات التى تتعمد الابتعاد عن صلب الهموم الكبرى والموضوعات الجوهرية، وتعمل على طمس المشكلات الإنسانية والقومية والوطنية من خلال طرحها لموضوعات سطحية تخاطب الغرائز وليس العقول والقلوب.

فــ(ناجى العلى) فيلم الوطن والحرية، الوطن فلسطين وهى القضية القومية الأهم ومحور الصراع العربى الصهيونى، والحرية هى المشكلة المركزية فى وضعنا العربى، ومن خلال هذا الفيلم سعينا لطرح رؤية فنية سينمائية شكلا وموضوعاً تحاكى الفكرة جمالا وجدية.

وبالطبع كانت هناك أسباب أخرى غير رغبتى الملحة فى التجديد لخوض تجربة  (ناجى العلى ) أهمها أن صورة القضية الفلسطينية غير واضحة تماما لأن اختلاف وسائل الإعلام شوه هذه الصورة، وحدث تصيد لأخطاء بعض الشخصيات الفلسطينية، لذا فإن حماسى انصب على مواطن فلسطينى من داخل الأرض المحتلة لم يتغير ورغم تنقله من قطر إلى قطر إلا أن فلسطين ظلت تسكن داخله... هذا المواطن البسيط عاش حياة صعبة رفض خلالها التضحية بفنه وقضيته.

تعاملت مع  (ناجى العلى ) على مستويين: القضية الفلسطينية، والأرض، وهى دائما الرمز للفنان الملتزم... الفنان الذى لا يبحث عن تبرير لانهياره أو ضعفه أو ابتعاده عن قضية، بل يصر على موقفه دون الخضوع للتيارات الحزبية. إن حماسى لناجى العلى كان ينبع من التعلق بالقضية الفلسطينية بعيداً عن التحيز والضغوطات، إنه يحمل وجهة نظر المواطن العربى الفلسطينى.

دفعنى نحو ناجى العلى أيضا... اعتقاد أنه النموذج الرائع لغياب الحرية، لأنه لا يمسك مدفعاً ولم يؤلف حزباً بل قلم وريشة وحبر وأوراق فقط لا غير، إنه فرد يقف فى الساحة وحده، بل إنه ضعيف البنية، ولو كانت هناك مساحة من الحرية لأصبح  (ناجى) هو المرشد فى رحلة الصواب لأنه يعكس نبض المواطن الفقير، مواطن المخيمات، لكن ما حدث هو العكس، فغياب الحرية والديمقراطية قتله، هناك التباس يحدث عند الناس دوما ومحوره أن الحرية تعنى إطلاق الرأى فقط لأن الآخر سيستمع إليه ولا يفهمه، لكن الحرية أن تقول رأيك ولا يقتلك الطرف الآخر.

وعلى هذا المستوى نجد أن ناجى العلى هو الضمير القوى للعديد من القوميين العرب، لقد اختار طرح الرأى الجزئى والصريح دون تردد ولا خوف، لأن الصراحة صعبة حتى فى الحوار حيث لكل طرف تبعيته، فكيف الحال إذا كان هذا الشخص فناناً يطرح كل أخطاء الأنظمة.

ظللت عامين أو أكثر أتابع الموضوع وأجمع المعلومات وأقابل أصدقاء ناجى من الكويت ولندن والدول العربية وسجلت لهم كماً من الحوارات لا يمكن وصفه وهذا المشوار من البحث والتقصى كان لابد منه، لأن الشخصية حين تكون قريبة منك وفى عصرك من الصعب أن تصل إلى الحقيقة كاملة.

والحمد لله قدمت ناجى فى فيلم، هو فى الحقيقة فيلم عن الوطن والحرية، وأنا مرتاح الضمير، فالنقطة الأساسية فيه كانت عن القضية الفلسطينية من خلال مأساة فنان مبدع وملتزم. ورغم فرحتنا الغامرة أنا وصديقى الكاتب وليد الحسينى شريكى فى إنتاج الفيلم وصديقى المخرج الراحل المبدع عاطف الطيب وكل أسرة الفيلم الرائعة بعرض الفيلم جماهيرياً، إلا أن فرحتنا كادت تختنق على يد الهجوم العنيف الذى قادته إحدى الصحف المصرية ضد الفيلم وضد شخصية ناجى العلى رسام الكاريكاتير الفلسطينى الذى عاش عمره كله محارباً ومعتركاً بريشته ضد الاحتلال والاستسلام والتفكك العربى، صورنا الهجوم، نحن فريق الفيلم، كما لو كنا مجموعة من الخونة صنعوا فيلماً خصيصاً ضد مصر، حتى إنهم كتبوا وقالوا نور الشريف يقوم ببطولة فيلم الرجل الذى (شتم) مصر فى رسوماته، والحقيقة أن هذا الاتهام باطل، فـ (ناجى العلى) كان يعشق مصر لأبعد الحدود وهذا ما توضحه رسوماته، ولكنه هاجم السادات عند زيارته للقدس، وهاجم اتفاقية كامب ديفيد، ناجى العلى لم (يشتم) مصر ولكنه عبر عن رأيه فى رفضه لـ (كامب ديفيد)، وهذا كان موقف كل العرب آنذاك ومعظم المثقفين المصريين. سار الهجوم على الفيلم وفق سيناريو محبوك وربما أفلح فى التأثير على بعض البسطاء الذين لا يعرفون ناجى العلى ولم يدم هذا طويلاً فالغشاوة سرعان ما تزول، ويكفينى الاستقبال الحار الذى استقبلت به فى بعض الجامعات المصرية والجهات الأخرى حيث تم عرض الفيلم، وعقدت ندوات مفتوحة شارك فيها الآلاف ممن لم يتأثروا بهذا الهجوم

كل هذا شد من أزرى وساند موقفى فى الصمود وعدم الاستسلام وإصرارى على أن (ناجى العلى) من أهم أفلامى وسأظل أفخر به دائماً، بل سأظل أحلم بمواصلة مشوارى على نفس الدرب وتقديم شخصيات أخرى تشبه ناجى العلى، وتاريخنا العربى زاخر بها، ولن يرتاح بالى إلا إذا فعلته.

هذا المقال كتبه الفنان نور الشريف ونشرها على صفحته الشخصية بـ (الفيس بوك ) فى ذكرى رحيل رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى فى 30 أغسطس .2012

####

«نور» «الرجل الآخر»

كتب : مجدي صابر

كان العمل الوحيد الذى جمعنى بالفنان الكبير الراحل نور الشريف هو مسلسل «الرجل الآخر» وكان لذلك التعاون مصادفة غريبة.. فقد كنت أجهز قصة مسلسل بنفس الاسم للمنتج الراحل إسماعيل كتكت.. وتصادف أن كنت فى مكتب المنتج الكبير صفوت غطاس، وشاهد نسخة قصة المسلسل معى، فطلب قراءتها، وعندما انتهى منها فوجئت به يقول لى إن هذا المسلسل هو مسلسل نور الشريف القادم، وكان ذلك فى شتاء عام 9991، ورغم سعادتى فإننى طلبت من «غطاس» الاستئذان من كتكت أولاً.. ووافق إسماعيل- رحمه الله- أن يأخذ صفوت المسلسل، وذهب صفوت غطاس بقصة الرجل الآخر إلى نور الشريف، واعتذرت عن الذهاب معه للقاء نور.. ففى ذلك الوقت لم أكن اسمًا معروفًا فى سوق الفيديو.. وخشيت أن يرفض نور القصة مما يسبب حرجًا لى، ولكننى بعدها فوجئت باتصال من الفنان الكبير الراحل يخبرنى أنه قرأ قصة الرجل الآخر وأعجب بها.

وقتها أدهشتنى أشياء كثيرة.. بأن يتحمس نور الشريف لكاتب جديد بهذا القدر من الحماس، ويوقع عقد المسلسل دون حتى أن يقرأ السيناريو، لأنه وجد فى قصة العمل ما ينبئ بمسلسل قوى ومتميز.

بعدها جمعنى لقاء بنور الشريف لبخبرنى بأن قصة الرجل الآخر تشبه إلى حد ما رواية عالمية فى تيمة فقد الذاكرة وهى رواية، ولكن المعالجة مختلفة فى تناولها لموضوع فقد الذاكرة، ولم أكن قد قرأت تلك الرواية العالمية، ولكن ذلك الأمر كشف لى مدى ثقافة نور، وبدأت فى كتابة حلقات المسلسل دون أن يتدخل نور الشريف فى السيناريو، وأرسلت إليه أول عشر حلقات، وأنا أضع يدى على قلبى، ولكنه فاجأنى بمكالمة أخرى أشاد فيها بالحلقات.

وأذكر أننى فى الحلقة العشرين حتمت علىّ الدراما فى أحد المشاهد أن تصفع ميرفت أمين بطلة المسلسل نور الشريف بالقلم عندما اكتشفت أنه تزوج عليها سرًا بزوجة ثانية.. وعندما سألته كيف خدعها وتزوج بأخرى، قال لها إنها كانت زوجة فاسدة ولذلك تزوج عليها فتاة أخرى بريئة.

وتساءلت: هل سيقبل فناننا الكبير أن تقوم البطلة أمامه بصفعه، وقمت بالاتصال بنور الشريف وشرحت له الموقف.. فأثنى على المشهد وطلب عدم تغييره، ثم نصحنى نصيحة مازلت أعمل بها حتى الآن، وهي ألا أستشير بطل أى عمل لى فى مشهد قبل كتابته.

المهم أن كتابة المسلسل اكتملت، وبدأ ترشيح الأبطال.. ورشح المخرج الكبير مجدى أبو عميرة ميرفت أمين لبطولة المسلسل، وتحمس نور الشريف وقام بالاتصال بميرفت، ولكن ميرفت أمين التى اشتهرت بأدوارها الرومانسية.. خشيت أن تقوم بدور شرير حتى لا تتأثر فكرة الجمهور عنها، ولكن نور الشريف أقنعها بأن لديها رصيدا من حب الجماهير، ولن يتأثر ذلك الرصيد بدور شر.. بل إن هذا الدور سيعتبر إضافة لميرفت، وفى النهاية وافقت ميرفت أمين على القيام بالدور.

وتم ترشيح فنانة شابة لها نجوميتها فى دور ابنة نور الشريف.. وتحمست النجمة الشابة للدور ولكنها طلبت أجرًا كبيرًا.. ورفضت التنازل عن ذلك الأجر.. حتى بعد أن تحدث معها نور.. فكان قرار نور الشريف تغيير تلك النجمة بوجه جديد، وهكذا تم اختيار حلا شيحة للقيام بدور ابنة نور الشريف، وكان ذلك بمثابة ميلاد فنى ونجومية لحلا وتم ترشيح أحمد زاهر وأحمد رزق لدورين أساسيين فى المسلسل، بالرغم من أنهما كانا وجهين جديدين، وبعد عرض المسلسل تحول الاثنان إلى نجمين وحصل فيه نور الشريف على جائزة أحسن ممثل فى مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون.. كما حصلت ميرفت أمين على جائزة أحسن ممثلة وحصد المسلسل الجائزة الذهبية فى المهرجان.

وأذكر أننى تعرضت لهجوم شديد من بعض الأقلام التى هاجمتنى بشدة لدرجة أزعجتنى ولم أدر السبب فى هجومهم الشديد أمام عمل ناجح جدا.. ولكن نور الشريف قال لى وقتها إن ذلك الهجوم دليل على نجاحى وأنه كلما كان يقدم عملا ناجحا كان يهاجم هكذا كانت كلمات نور الشريف التى جعلتنى أتراجع فى قرار اعتزالى كتابة الدراما بعد ذلك الهجوم.

وأذكر أنه أقيمت للمسلسل عشرات الندوات كان نور الشريف- رحمه الله- يحرص على حضورها كلها.. كما كان يحرص على دعوة أبطال المسلسل الشبان بالذات لحضور تلك الندوات ليشاركوه النجاح.

هكذا كان نور الشريف.. كان فنانا عظيما وعملاقا.. ولم يكن الفن بالنسبة له مهنة.. بل كانت قضية حياة.. يحرص فى كل عمل أن يقدم مشكلة اجتماعية أو قضية تهم الناس.. وإن لم يجد المنتج المتحمس للعمل.. كان يقوم بإنتاجه بنفسه.

وفى لقائى الأخير بنور الشريف- رحمه الله- عند تكريمه فى مهرجان الإسكندرية السينمائى.. وذلك من خلال ندوة لتكريم نور الشريف وإطلاق اسمه على تلك الدورة من المهرجان.. وكانت تلك هى فكرة رئيس المهرجان الأمين أباظة وخلال الندوة التى احتشدت بالمئات من معجبيه.. وعشرات من الفنانين الذين حرصوا على حضور الندوة لتكريم نور الشريف.. وكانت مشاعر الحاضرين مليئة بالحب الجارف لنور.. مما دفع بالدموع إلى عينيه امتنانا وعرفانا.

رحم الله نور الشريف.. فهو وإن غاب عنا لكنه حاضر دائما بأعماله الرائعة وحضوره الفنى الذى خلدته أعماله إلى الأبد.

مجلة روز اليوسف في

15.08.2015

 
 

إبراهيم عبد المجيد: نور الشريف قارئ للأدب.. و«بين القصرين» أصعب أفلامه

عبد الفتاح دياب

قال الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد عن وفاة الفنان الكبير نور الشريف، إنه بالرغم من كونه لم يحتك بالفنان الراحل إلا أنه كان يعرف عنه أنه قارئ جيد للأدب والتاريخ، وكافة ينابيع الثقافة.

وأضاف عبد المجيد، في تصريحات خاصة، أن الدليل على كون "الشريف" مثقفًا أنه لعب أدوار هامة في الأعمال المأخوذة عن أعمال أدبية، يأتي على رأسها فيلم "بين القصرين" المأخوذ عن ثلاثية الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وأيضًا فيلمه "أهل القمة" المأخوذ عن قصة لمحفوظ تحمل نفس الاسم.

وأشار عبد المجيد، إلى أن الشريف قدم موضوعات جديدة في أفكارها، ويظهر ذلك في أفلامه التي عمل فيها مع المخرجين يوسف شاهين و عاطف الطيب.

واستكمل الكاتب قوله من أصعب الأدوار التي لعبها "نور الشريف" في أفلامه هو دور "كمال عبد الجواد" في فيلمه "بين القصرين"؛ لأنه تطلب مجهود ودراية بالشخصية المُجسدة، وهذا ما نجح فيه الفنان الكبير.

التحرير المصرية في

16.08.2015

 
 

غابت الدولة ووزير الثقافة فى وداع نور الشريف

محمد فودة

لا أجد تفسيراً لغياب وزير الثقافة الدكتور عبدالواحد النبوى، عن جنازة الفنان الكبير نور الشريف، ولا أعرف كيف يبرر ذلك؟! نور الشريف لم يكن مجرد ممثل قدير قدّم العديد من الأدوار المهمة وحصد العشرات من الجوائز المصرية والدولية، وشارك فى مهرجان «كان» السينمائى بفيلم «المصير» ليوسف شاهين، ولكن نور الشريف كان حالة سينمائية مضيئة شديدة الإبهار. غاب وزير الثقافة عن توديعه.. وغابت الدولة. غاب رئيس الوزراء أو مندوب عنه، ولم تكن جنازة نور الشريف تليق بقامته وقيمته. كان من المفترض أن تكون جنازة شعبية، فقد ظل نور حتى آخر عمره محتفظاً بقوميته ومحارباً شرساً ضد الصهيونية التى عرقلت مشروع فيلمه الكبير «خيط أبيض.. خيط أسود»، وهو فيلم عن فلسطين والقضية العربية فى مواجهة إسرائيل، ونور الشريف اعتاد مواجهة الأزمات، فقد أوشى به بعض المغرضين بأن فيلمه السياسى المهم «ناجى العلى» ضد مصر ويشتم فيه السياسة المصرية وقادتها.. وزادت الحملة الشرسة ومعها زادت دهشة النقاد والجماهير التى شاهدت الفيلم بعد أن تسربت بعض النسخ من العاصمة اللبنانية بيروت داخل مصر.. فقد خلا الفيلم تماماً من أى تجاوزات ضد مصر وقياداتها.. والمعروف أن نور الشريف رجل وطنى شريف لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يسقط فى ثغرات ضد وطنه، وكان نور الشريف إلى جانب ذلك محتفظاً بشباب عقله وقلبه برغم ذبول جسده بعد أن تمكن المرض منه..

كان نور الشريف فنانا مثقفا موسوعيا غزير المعرفة، لم يكن يكتفى بالثقافة السينمائية أو الفنية عموماً، بل كان ملماً بكل الأحداث والقضايا السياسية حتى أنك حين تستمع إلى آرائه العميقة يدهشك هذا الفهم الكبير. هذا المفهوم عند نور الشريف لم يكن هامشياً، بل كان يندمجا اندماجاً كاملاً مع كل أعماله، لهذا ظهرت أفلام له ذات بعد سياسى ثقافى اجتماعى مثل «سواق الأتوبيس» و«المصير» و«الحقونا» و«الكرنك» و«ناجى العلى» وغيرها عشرات الأفلام، ثم مسرحيات مهمة مثل «المليم باربعة»، وكانت أول مسرحية تتعرض لكارثة توظيف الأموال وما تسببت فيه من ضياع أموال قطاعات كثيرة من الشعب المصرى هباءً.. مسرحيات أخرى ومسلسلات أثارت جدلاً واسعاً وصل إلى أن حاربته إسرائيل بعد أن قدم مسلسل «الدالى»، بدأ هذا العمل الدرامى هادئاً يستوحى قصة حياة رجل الأعمال العصامى عثمان أحمد عثمان فى كثير من مواقف حياته المهمة.. وكان حس نور الشريف السياسى يقظاً جداً فى هذا العمل الذى تمكن خلاله من تشريح الشخصية الصهيونية التى توغلت فى ضمير الأمة العربية ومحاولاتها زعزعة الاقتصاد العربى بدءاً من مصر.. نور الشريف كان رجل المواقف وغياب الدولة عن وداعه غير لائق له ولتاريخه وللفن المصرى والثقافة المصرية.

لابد أن تعى الدولة أن الفن له ميراث وله كيان، ولابد أن يكون حياً فى وطن يقدر الفن ويعرف قدره.. لم تكن جنازة نور بقدر ما أعطاه للفن وللوطن وبقدر ما تركه من ثروة فنية لا تموت، بل هى فى وجدان الأجيال تعيش وتتعلم منها.. كان نور معطاءً بحيث لا يبخل أن يقدم للأجيال الشابة كل خبرته، وهذا ما حدث مع أغلب مخرجى السينما الذين تعاملوا معه، فكانت بصمته فى إخراجهم وباعترافهم هم. لقد ترك نور هذا الميراث الراقى، وسوف تكشف الأيام عن عظمة المكتبة الفنية التى تزخر بميراثه الفنى الغزير

اليوم السابع المصرية في

16.08.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2015)