كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

فاتي اكين لـ"النهار":

انجزتُ "القطع" من أجل والدي التركي

والمسلم الذي ينكر الإبادة!

هوفيك حبشيان - البندقية

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والسبعون

   
 
 
 
 

"القطع" لفاتي أكين كان قبل عرضه صباح الأحد الماضي في جزيرة الليدو أحد الأفلام المنتظرة في دورة هذه السنة من مهرجان البندقية (27 آب ـ 6 أيلول). ابادة الأتراك للأرمن قضية لم تتناولها السينما الا نادراً، خلافاً لـ"منافستها" اليهودية التي أصبحت مادة لمئات الأفلام على مرّ التاريخ. فما بالك اذا انقضّ عليها مخرج تركي يريد تصفية حساباته مع ماضٍ ثقيل يشعر بعبئه، كما قال لـ"النهار" في المقابلة الآتية التي أجريناها معه بعد يومين على العرض العالمي الأول للفيلم.

عندما التقيتُ صاحب "حافة الجنة"، المخرج أكين، في نادي التنس الفينيسي، وجدته مهموماً أكثر مما يلزم بالاستقبال الفاتر الذي حظي به الفيلم. رأيتُ أكين فرحاً بالنجوم الخمس التي منحه إياها الناقد السينمائي المصري سمير فريد. مراراً، فتح النشرة التي ظهرت فيها نجوم النقاد المعتمدين، وكأنه طفل صغير حاز اغلى ما يطلبه. ثم، التفت الى مسؤول الجهة الإيطالية للانتاج، فلامينيو زدرا، وقال له: "هذا الرجل (فريد) من مصر، يعرف معاناة أهل هذه المنطقة. النقّاد الآخرون بورجوازيون".

من الأشياء التي تحفّظ عنها بعض النقاد: كلاسيكية الفيلم. أغضبهم أيضاً أن الكل في "القطع" يتكلم لغته الأم، إلا الأرمن الذين يتكلمون الانكليزية بلكنة أرمنية. عندما سألته عن سبب هذا الخيار، ردّ ممازحاً: في أي لغة نتكلم الآن معاً؟ الانكليزية! الفيلم اتُهم أيضاً بالإفراط في الميلودراما والعنف. بعضهم فاته ربما أن أكين لم يصوّر نزهة إكزوتيكية الى الشرق الاوسط، بل جريمة لا يزال أحفاد مرتكبيها ينكرونها. هذا فيلم ناضل أكين ولا يزال يناضل من أجل فرضه على الرأي العام التركي. سبعة أعوام وهو يبحث عن الشكل المثالي لنقل الإبادة الى الشاشة. دول عدة شاركت في الانتاج، في مقدّمها فرنسا وألمانيا، ما أعطى العمل طابعاً دولياً.

النتيجة مبهرة على أكثر من صعيد. أنجز أكين فيلماً جماهيرياً من النوع الرصين. أولاً، هذا من الأفلام التي لم تعد على الموضة (فكرة يؤكد عليها مارتن سكورسيزي في الملف الصحفي للفيلم)، لأسباب كثيرة، أبرزها أن السينما الحالية لم تعد تحبّ المساحات الشاسعة، وعبور القارات، ولم تعد تؤمن بسوى الحلول السيناريستية التي تغذّي الميل الى اللؤم. الملاحم لم تعد تجدي ولا تشبع حاجة الناس الى تجاوز الواقع والسخرية منه.

أكين يسير هنا عكس التيار. فيلمه يتطلع الى العالم من الزاوية الواسعة. لم يقبل هذا الحائز "الدب الذهب" في برلين (2004)، إلاّ أن يصوّر بالـ35 ملم والسينماسكوب. ليس هذا وحده ما يجعله يحذو حذو أحد الملهمين له في هذا الفيلم: سيرجيو ليوني. فالفيلم يحمل شيئاً من الوسترن تدعمه الموسيقى التصويرية البديعة التي وضعها ألكسندر هاكه.

يلماز غونيه وعدو الشعب

- [يشير فاتي أكين الى شاب يقف بالقرب منا]. هذا هو الممثل الذي أريده أن يضطلع بدور يلماز غونيه في فيلمي المقبل. أو ربما في أحد أفلامي المقبلة [توضيح من المحرر: المخرج الكوردي يلماز غوينه، الحائز على "سعفة" كانّ، اضطهدته السلطات التركية وسجنته، قبل ان يموت من السرطان في باريس عام 1984].

·        بعد فيلم عن مجازر الأرمن وفيلم آخر عن يلماز غونيه ستصبح "عدوّ الشعب رقم واحد" في تركيا، أليس كذلك؟

ـــ تقصد "بابليك انيمي"، فرقة الموسيقى الأميركية؟ أجل أحبّها (ضحك).

·        صرحتَ بأن الشعب التركي الآن بات مستعداً للتحدث عن هذه القضية، ولكن ماذا عن الحكومة والدولة التركيتين؟

- أعتقد أن الدولة مستعدة منذ زمن بعيد. على الأقل، أتاحت المجال للآخرين كي يتكلموا عن الإبادة. بعد 2007، نشأت في تركيا حركة شعبية غير منظمة. هؤلاء بدأوا ينشرون الوعي حول ما حدث عام 1915، من خلال الكتب واللوحات الخ. عاجلاً أم أجلاً، كان على السينما أن تلتحق بهذه الحركة الناشئة. في 24 من نيسان، يوم ذكرى الإبادة، يمكنك في تركيا اليوم أن تنظّم تظاهرة. صار هناك شيء من الانفتاح في هذا المجال. اليوم، صارت تصلني أولى المقالات التي كُتبت عن الفيلم في تركيا. قرأتها، وأنا سعيد بأنها تشيد بالفيلم، مع العلم أنها كتابات سياسية لا سينمائية. بعض الكتّاب قال إنه يجب عرض هذا الفيلم في تركيا.

·        ولكن، لنعد قليلاً الى الخلف. في مقابلة لي معك في كانون الاول من العام الماضي، قلت إنك تفكر في إنجاز هذا الفيلم منذ سبع سنوات. ما الذي جعلك تلتفت الى هذا الموضوع؟

- حقاً، لا أعرف. ابادة الأرمن شيء طاردني طوال حياتي، مذ كنت مراهقاً، ومذ سمعت عنها للمرة الأولى. الإبادة عبء عاطفي هائل، لأنها أُنكرت وأُهملت. كونها تابو جعلني أهتم بها أكثر فأكثر. وكلما كنت أطلع على تفاصيلها، كنت أدرك مدى كونها تابو. اليوم، لم أعد أذكر تحديداً المرة الأولى التي سمعتُ فيها عن الإبادة. كل ما أذكر اني لحظة سماعي عنها انحزتُ الى الأتراك لاشعورياً. كانت تلك المرة الأولى أشعر فيها بقوميتي التركية. كنا في المدرسة. وعندما عدتُ الى المنزل، قال لي والداي إن هذا كله أكاذيب اختلقها الأرمن وإن الإبادة لم تحصل، وطلبا مني ألاّ أتحدث عنها. بدلاً من أن أكتفي بتوصياتهما، ذهبتُ الى المكتبة. قرأتُ كثيراً عن القضية. ثم اكتشفتُ كتاب فرانتز فرفل "الأيام الأربعون لجبل موسى". هكذا بدأ كل شيء. كان من الواضح أنني سأنجز فيلماً عن هذه القضية في يوم من الأيام. كانت مسألة وقت.

من كازان الى شابلن

·        لمَ استغرق المشروع هذا الوقت كله؟

- قبل سبع سنوات، كنتُ أحاول أن أنجز فيلماً عن مهاجر يوناني عام 1922، مع أدام بوسدوكوس. حكاية مغنٍّ تقطع عصابة حنجرته فيخسر صوته، ليضطر بعد ذلك تحت الضغط للرحيل الى أميركا. ثم، أدركنا أن المشروع مكلف جداً فعدنا أدراجنا وأنجزنا "مطبخ الروح". لكن الأفكار التي دوّنتها لمناسبة هذا المشروع بقيت في دفتري. بعدها، خطر في بالي إنجاز فيلم عن الصحافي الأرمني التركي هرانت دينك الذي اغتيل في تركيا. كنا دخلنا مرحلة ما بعد 2007. جهزتُ السيناريو، لكن رفض الممثل الذي كنتُ أريد إسناد دور دينك إليه، وكنت كتبتُ الدور من أجله! حاولتُ مع أربعة ممثلين آخرين: رفض قاطع من الجميع. احترمتُ خيارهم، ولا ألومهم. فأنا أقيم في المانيا، أما هم فيعيشون في تركيا. كنت أسألهم: هل تعتقدون أن أحداً سيغتالكم بعد هذا الفيلم؟ كان الواحد منهم يقول إن هناك خطراً في ان يتعرف إليه احد عندما يكون خارجاً من حانة مثلاً، ويتعرض له جسدياً. بعد هذا الرفض، عدتُ الى حكاية المهاجر اليوناني وحوّلته الى أرمني. هذا القرار اتخذته عام 2010. منذ ذلك التاريخ، عملتُ على الفيلم بشكل يومي.

·        يونانيون وأرمن، هذا يحملنا الى ايليا كازان. هل كان مصدر وحي سينمائي عندك؟

- جداً. كان المصدر الأهم. مع شابلن طبعاً. وسيرجيو ليوني. في أفلام شابلن، نجهل من هي شخصية شارلو. ليس عندنا أيّ معلومات عن خلفيته الاجتماعية. هو يثير الضحك لكنه حزين وتائه. قد يكون أرمنياً، لا أحد يعرف.

والدي والفيلم الروماني

·        في "القطع"، البطل يصاب بالبكم ما يجعله واحداً من تلك الشخصيات في الأفلام الصامتة، وخصوصاً أن الفيلم تجري حوادثه في زمن السينما الصامتة.

- أجريتُ أبحاثاً مختلفة للإتيان بتجسيد دقيق عن تلك المرحلة. أفضل طريقة لابتكار الأزياء مثلاً كانت أن نرجع الى أفلام تلك الفترة. بدأتُ أشاهد أفلام شابلن مثلاً، ولكن بعد فترة لم أعد أرى إلاّ شابلن في الكادر. القوة البصرية لأفلامه كبيرة جداً. بصراحة أقول: أول مُشاهد في بالي كان المشاهد التركي، وليس فقط المثقفين بل الجميع. كنت أريد التوجه الى ناس في مثل حال والدي: رجل من الطبقة الوسطى ينكر حصول الإبادة. حاولتُ أن أنجز فيلماً يجد فيه نفسه. هذا المسلم الذي يصلّي خمس مرات في اليوم الواحد، كنت أريده أن يهتمّ بمصير ربّ عائلة مسيحي يبحث عن ابنتيه. لم أكن أريد أن أتحداه من منظور سينمائي، يكفي أنني أتحداه في مجالات اخرى. لا أخفي أن المشاهد الأرمني هو الآخر كان في بالي، سواء أرمن أرمينيا او الأرمن الذين في مختلف أنحاء العالم أو أرمن تركيا. هؤلاء ثلاثة أنواع من الأرمن مربوطون بمعاناة تاريخية واحدة. التحدي كان الآتي: هل من الممكن أن أنجز فيلماً يتماهى والدي فيه مع الحكاية التي يطرحها، وفي الوقت نفسه يتيح للأرمن القول: نعم، هذا ما حصل؟ كان من الصعب جداً تقريب وجهات النظر حول صراع عمره مئة عام. كان عليّ أن أنقّب في الجانر السينمائي الذي تحبّه الطبقة العاملة: الملحمة، ديفيد لين، "لورنس العرب"... أبي يعرف جيداً أفلام لين، لكنه لا يعرف "أربعة اشهر، ثلاثة أسابيع ويومان" (ضحك).

تروما لم نتعالج منها

·        هل التركيز في الفيلم على البُعد الديني للإبادة جاء نتيجة أبحاث تاريخية؟

- كل شيء في الفيلم موثّق ويرتكز على معطيات تاريخية لا يمكن التشكيك في صحتها. ذهبتُ عند تانر أكشام، وكان مصدر إلهام كبير لي. كتب أكشام كثيراً عما حصل. وهذه الأشياء التي أُريها في الفيلم حصلت فعلاً: بعضهم أُجبر على تغيير ديانته. وعندما كان أحدهم يعتنق الاسلام، أحياناً - وليس دائماً - كان الأتراك يتركونه حياً. هذا ليس فيلماً علمياً عن الإبادة، فللابادة أوجه مختلفة وأسباب مختلفة، كانت الغيرة أحدها. أتكلم عن غيرة الأتراك من الأرمن. لهذا السبب وضعتُ مشهداً عن الغيرة في مطلع الفيلم. هؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام يسمّونهم في تركيا "دومنيه". ليس عليَّ أن أقول هذا، لكنه معطى علمي: المحرقة كانت محض عنصرية، بمعنى أنه كان ينبغي محو اليهود من الوجود. بينما لم تكن رغبة الأتراك قتل كل الأرمن، بل التخفيف من حضورهم في بعض المناطق والتقليل من شأنهم في مناطق معينة. النازيون لم يكونوا يقبلون أن يتحول اليهود الى مسيحيين.

·        هناك آنيّة معينة في ما يظهره الفيلم، وخصوصاً مع ما يحصل اليوم في المنطقة من صعود فظيع للأصوليات في ما يسمّى "الدولة الاسلامية"...

- هذا كلّه لم يكن بدأ في مرحلة كتابتي للقصة. اليوم أسوأ من قبل، ذلك أن الصراع لم يعد قائماً بين المسيحية والاسلام، إنما بين الاسلام وفروعه. حتى الإرهابيون باتوا على أنواع وعقائد ومذاهب. في رأيي، هذا كلّه يحصل بسبب انعدام المراجعة التاريخية في تلك المنطقة من العالم. هناك "تروما" عميقة أحدثت شرخاً ولم نعالجها. لم نتصارح. ماذا تفعل عندما تعاني من خلل نفسي؟ تذهب الى الطبيب. عليك أن تواجه المشكلة اذا أردت الشفاء منها. لماذا لم تعد البلدان الأوروبية تتقاتل بسبب ما حصل في الحربين العالميتين الاولى والثانية؟ لأنها قفزت فوقهما وأنجزت أفلاماً وكتباً عن تلك المرحلة. هناك سياسيون اجتمعوا وقرروا عدم العودة الى الوراء. اسمّيها ثقافة المراجعة، الشيء الذي لا نملكه. للمناسبة، عندي رغبة كبيرة في إنجاز فيلم عن الحرب، فيلم على طريقة كوبريك في "فول ميتال جاكيت"، وقد تكون منطقة الشرق الاوسط تلك أرضاً خصبة لخيالي.

ابليس في كلّ منا

·        هل عنوان الفيلم، "القطع"، يعبّر عن هذا الانفصال عن التاريخ؟

- القطع ينسحب على أشياء كثيرة: الانقطاع عن العائلة مثلاً. عندما تذهب الى يريفان، تجد نصباً تذكارياً عن الإبادة تعلوه شجرة مشطورة شطرين. سألتُ مدير المتحف هايك ديمويان عن معنى هذا، فقال لي إنه يرمز إلى شعب مقسوم قسمين: أؤلئك الذين بقوا هنا والذين صاروا في أنحاء العالم.

·        هل كان ضرورياً لك الذهاب الى أرمينيا؟

- نعم. بعدما قررتُ إنجاز هذا الفيلم، تمت دعوتي الى مهرجان "غولدن ابريكوت" كي أقدّم فيه فيلمي "مطبخ الروح". وهكذا كان.

·        الفيلم يقفز فوق الإبادة، فيصبح البطل المضاد نازاريت (طاهر رحيم) ملاحَقاً بالعنف أيمنا حلّ، حتى عندما يخطو خطوته الأولى في أميركا. الشيء الأول الذي يتلقاه ما إن يضع رجله في أرض الميعاد هو رصاصة...

- ابليس في كلّ منا، المهم ألاّ يتغلب علينا ليجعلنا نقوم بما لا نريد القيام به.

·        ألهذا السبب، لم تجعل من نازاريت رجلاً خالياً من الشوائب؟

- نازاريت مجرد رجل. لا يتوانى عن رمي الحجر على الآخرين رغبة منه في الانتقام الأعمى. كلٌّ منا قادر على القتل اذا دعت الحاجة الى ذلك. وكلٌّ منا قادرٌ على أن يمدّ يده الى الآخر. هذا أعظم ما في الانسان. وهذا ما أردتُ أن أحلله في هذا الفيلم.

الثمن: النقاد

·        ما رأيك بالاستقبال الإشكالي للفيلم في البندقية؟

- ليست كل المقالات سلبية. سبق أن قلت مَن الذي طمحت إلى مخاطبته من خلال هذا الفيلم: الناس العاديون. هذه مهمة صعبة. اذا أردتُ أن أصالح طرفين متخاصمين حول قضية بهذا الحجم، فعليَّ أن أدفع الثمن: النقّاد.

·        أحببتُ أيضاً إصرارك على التقاط مَشاهد الفيلم بالطريقة القديمة، أي بالـ35 ملم والسينماسكوب...

- أحبّ صورة الشريط السينمائي. السيللولويد أرفع شأناً من الديجيتال وأكثر قدرة على التقاط الضوء. عندما تعمل بالفيلم الخام، تصوّر أقلّ وتكون على علم بمَ تريد تصويره، خلافاً للديجيتال الذي يحضّك على التصوير كون كلفته ليست عالية. بالفيلم، أصوّر من 20 الى 30 دقيقة "راشز" في اليوم؛ بالديجيتال أصوّر 90 دقيقة، وأتعذب خلال المونتاج. لذلك، أميل الى الفيلم وسأظلّ أدافع عنه ما دمتُ حيّاً.

النهار اللبنانية في

04.09.2014

 
 

في فينيسيا: رجال طحنتهم الحرب.. وشخصيات تتطلع ولا ترى.. وعنف بعنف مماثل

مع الياباني «نوبي: حرائق في السهول» والسويدي «حمامة على غصن» والتركي «سيفاس»

فينسيا: محمد رُضــا

هناك خلط كبير في شأن الكاميرا المحمولة. تقفز. تجري. تدور. تهتز. لكن إذا لم يكن هناك مخرج يمتلك الحس السينمائي الصحيح والمعرفة الكاملة بما يريد تحقيقه فإن كل ذلك القفز والجري والدوران والاهتزاز لا يتعدى هذه المواصفات على الإطلاق.

هذا واضح بين فيلمين تم عرضهما هنا في الدورة الحالية من مهرجان فينسيا، هما التركي «سيفاس» لكعن مجديشي، والياباني «نوبي: حرائق في السهول» لشينيا تسوكاموتو.

الكاميرا تلهث دوما وراء بطلها الصغير في فيلم مجديشي، مخرج أفلام تسجيلية، لكنه يجرب نفسه في فيلم روائي لأول مرة. إنها تتحرك حتى ولو لم يتحرك هو، وحين يقدم على الحركة تعتقد، تبعا لأسلوب صاحبها، أن من واجبها الآن أن تتبع خطواته. في بعض الأحيان تسبقه وتخطيء حين يمر أمام انحراف ما فتضيعه ولو للحظات. في أحيان أخرى هي مثل رجل يقتفي أثر رجل آخر ليضايقه. الصبي نفسه لا يبدو مدركا لماذا هو في هذا الفيلم وما هو مطلوب منه تحديدا. يفعل ما يؤمر.

«سيفاس» تركي بمساهمة من «مؤسسة الدوحة للأفلام» هو اسم كلب معين يقال إن بلدة سيفاس الأناضولية هي التي هجنته. هناك مقدمة تتضمن تعريفنا ببطل الفيلم أصلان (دوغان إيشي) الذي يتعرض دوما إلى مضايقات أترابه في المدرسة وخارجها. بعد ذلك هو في صميم معركة إثبات وجوده عندما يلحظ أن كلبا شرسا ترك ليموت بعد معركة عض دموية مع كلب آخر. أصلان يتبنى الكلب ونشهد مزيدا من معارك الكلاب وبعض المشاهد المؤذية الأخرى (حصان يحمل آثار تعذيبه مثلا). كل ذلك أكثر مما يستطيع حس مرهف أن يتحمله. العنف هنا موفر باسم النقد الواقعي، لكن الفيلم كان يحتاج إلى أن ينتقد فنيا وليس واقعيا. أن يغير من منوال تقديم العنف بعنف مماثل.

طبعا بعض الفيلم يحاول القول إن أصلان اندفع في تبنيه للكلب وتوجيهه لقتال الكلاب الأخرى بسبب عزوف رفاقه عن الرغبة في صداقته وهو يريد التأثير على الفتاة الصغيرة عيشة (إزغي إرغن) توددا لها. لكن الفيلم على هذا المنوال وحده لا ينفع وعندما يقرر والدا أصلان إشراك الكلب في مباراة غير قانونية بين الكلاب تدرك ما ستتلقفه من مشاهد، لكنك لن تدرك ما هي الغاية من وراء ذلك كله.

أما «نوبي: حرائق في السهل» فهو مختلف. صحيح أنه عنيف لكن عنفه موجه لغاية إنسانية مثلى. مأخوذ في الأساس عن رواية الكاتب الياباني المعادي للحرب شوهاي أوكا التي نشرت سنة 1951 والتي نقلها المخرج الجدير كون إتشيكاوا إلى فيلم أفضل سنة 1959. الفوارق هي فنية بالتأكيد، لكن ذلك يشمل نظرة كل مخرج إلى الرواية التي تتحدث عن جندي مصاب بالسل كان يحارب على الجبهة الفلبينية عندما أصيب بالمرض ثم فقد فرقته والتحق بمن بقي من فرقة أخرى تحاول الهرب إلى نقطة آمنة ليصار نقلها إلى اليابان.

في الرواية كما في الفيلم الأول التأكيد على فجاعة الحرب وأهوالها من باب نقدها. في الفيلم الجديد، هذه الأهوال موجودة وبل أكثر من الفيلم السابق، لكن وجهة نظر المخرج شينيا تسوكاموتو هي أن العنف والضراوة في الإصابة والنزيف والبتر والجثث التي تتقطع أمام العين هي السبيل ذاته. لكن ما يحصده المشاهد من هذه المشاهد يضع فاصلا بينه وبين الرسالة الحقيقية المتوخاة.

يبدأ الفيلم برحلة مكوكية لبطل الفيلم (المخرج نفسه في الدور) ما بين موقع فرقته والعيادة على بعد بضع ساعات من الموقع الأول. في المشهد الأول يتلقى صفعة من يد آمره العسكري الذي يطلب منه الذهاب إلى العيادة العسكرية للتعافي من مرض السل. حين وصوله تطالعه الأبدان الجريحة التي تتألم والطبيب الذي يقول له إنه لا يملك الوقت لمداواته فهو غير جريح. يضطر تامورا للعودة إلى فرقته ليتلقى صفعة أقوى ويرسل من جديد لكن الطبيب يرفض مرة أخرى، وتامورا يعود مجددا. هذه المرة الصفعة ترديه أرضا وحين يقف على قدميه يخبره آمره بالعودة من حيث جاءوا «إذا ما رفض الطبيب مداواتك، أقتل نفسك».

تامورا لن يعود ولن يقتل نفسه رغم أن الطبيب لن يسعفه. بل سيحاول الهرب من جحيم مستعر. يلتحق بجنود فرقة أخرى وهذه تتعرض لهجوم كبير من قبل المليشيات الفلبينية في تلك الأدغال الكثيفة.

المواقع الطبيعية في الفيلم مهمة ولو أن الأحداث تقع في وديان وجبال وليس في سهول كما ينص العنوان. تلتقط المشاهد كاميرا حاضرة وقوية (من ساتوشي هاياشي والمخرج تسوكاموتو من حين لآخر). محمولة على اليد طوال الوقت لكنك لن تشعر بثقلها عليك بل ستندمج تماما مع العرض الماثل بواقعياته وجوانبه المختلفة.

البحث عن الطعام يمتد كخيط لا ينقطع منذ مطلع الفيلم. الجميع يتحدث عن البطاطا المحلية يأكلها نية أو مطبوخة (إذا ما وجد سبيلا إلى إشعال نار) وحين ينفذ هذا الطعام وأكل أوراق الشجر لا ينفع يستدير بعض الناجين لأكل «السعادين»، لكن السعادين المقصودة ليست الحيوانات المعروفة بهذا الاسم بل من يمكن قنصه من الأهالي. وفي النهاية يستدير الباقون على قيد الحياة ليحاول كل منهم خداع الآخر لقتله وأكله. لن نشاهد الأكل لكن وحشية الموقف ماثلة مثل وحشية الموت فيما هو أشبه بجهنم على الأرض.

إما في «حمامة على غصن تتأمل في الوجود» فتجد استخدام الكاميرا مختلفا جدا وإلى حد النقيض في رائعة السويدي روي أندرسون الذي يحقق أعماله في فنلندا. الكاميرا (بيد استيفان بورباس وغيرغلي بالوس) ليست للتحريك. لا تتحرك مطلقا في الحقيقة وذلك تيمنا بأسلوب عمل المخرج أندرسون.

مشاهده من لقطة واحدة. الكاميرا تنتصب غالبا في وسط المكان (المكان كثيرا ما هو داخلي) وبينها وبين الشخص أو الأشخاص مسافة واضحة تخالها ذات المسافة بين المخرج وشخصياته وبين الشخصيات بعضها بين بعض وبل بينها وبين مفهومها للحياة. الجو الذي يخلقه كل هذا هو جو بارد ورمادي فاتح كما ألوان الصورة.

إنه الجزء الثالث من ثلاثية المخرج الذي قدم قبل سنوات «أنتم الأحياء» و«أغاني من الطابق الثاني» تم عرضهما في «كان» وهو يبدأ (بعد مقدمة لرجل يعاين حمامة محنطة في أحد المعارض) بثلاث «إسكتشات» كوميدية قصيرة عن الموت وتحت عنوان «لقاءات قريبة مع الموت»: رجل بدين يحاول في داخل منزله فتح زجاجة نبيذ بينما زوجته تستمع إلى الموسيقى وتغني في المطبخ وراءه من دون أن تراه. يحاول فتح الزجاجة مرة تلو المرة وفجأة يتعرض لأزمة قلبية ويسقط ميتا بينما زوجته لا تزال غير مدركة بما وقع.

المشهد الثاني هو لامرأة مسنة فوق سريرها في المستشفى. يدخل أحد أقاربها وينظر إلى الحقيبة التي تصر على الإمساك بها. يسأل قريبه الآخر لماذا ما زالت ممسكة بالحقيبة فيقول له إنها تؤمن بأن حقيبتها ستدخل معها الجنة ثم هاهما يحاولان انتزاع الحقيبة. يتحرك السرير فوق دواليبه في مشهد سوريالي موجع ومضحك.

الثالث لا يقل وجعا، وإن قل ضحكا: الكاميرا تفتح على رجل مسجى ميتا على أرض مطعم. كان دفع الحساب ثم هوى. فريق المسعفين فوقه. لا فائدة. لقد مات. عاملة الصندوق همها التأكيد أنه ليس من سياسة المطعم إعادة المال في أي ظرف، ثم تعرض الطعام على من يريد من الزبائن. يتقدم رجل ويأخذ البيرة فقط.

من هذه الإسكتشات، التي تستشف منها منوال الكوميدي الفرنسي الراحل جاك تاتي، ندلف إلى الحكاية الرئيسة في الفيلم، أو إلى الفيلم بلا حكاية واحدة لأنه مبني على تعدد ملاحظة بضع مواقف في حكايات متجزئة كل منها لا يتجاوز السطر الواحد أو السطرين لو تخيلناه مكتوبا على الورق.

في اللب بائعان متجولان نتابعهما (بالتداخل مع قصص وشخصيات أخرى) وهما يحاولان بيع ثلاثة إكسسوارات في حقيبة بنية: يستخدمان الوصف نفسه وطريقة البيع نفسها ولا يحققان شيئا: نابان يمكن تركيبهما لبث الرعب، لعبة تطلق صوتا لضحك ناشر وقناع رأس ووجه مخيف. مثل الشخصيات الأخرى جميعها هاتان الشخصيتان وحيدتان في فخ الحياة. الفيلم بأسره هو عن سوء فهم الحياة وتقديرها. على الهاتف تردد بعض الشخصيات «أنا سعيد أنك بخير». هذا التواصل يوجز معاناة بشر لم يعد لديهم الوقت لتفعيل العاطفة الكامنة في الداخل وحتى ولو كانوا صادقين في أنهم سعداء لأن الطرف الآخر بخير، فإنها نوع من السعادة التي تخفي حزنا كون المتحدث يعلم أنه ليس بخير مثل الآخر.

الكاميرا كونها لا تتحرك تمنح المشهد كل ما يحتاجه من عمق الدلالة. هناك «فوكاس عميق» بحيث إن أبعد الشخصيات عن الكاميرا تبقى واضحة، لكنه يتجانس والعمق الذي يريد المخرج بلوغه في وصف حالات إنسانية متعبة تتألف من شخصيات كل منها شخصية وحيدة حتى العظم.

العنوان مشار إليه بصوت اليمامة من حين لآخر (وليس صوت الحمامة كما في العنوان). بعض الناس ينظر إلى مصدر الصوت. لا نرى نحن أي طائر، لكننا ندرك أن هؤلاء فقدوا الصلة بالعالم. إنهم يتطلعون إلى اليمامة لكنهم لا يرونها في الوقت ذاته.

الشرق الأوسط في

04.09.2014

 
 

تحفتان فى مسابقة فينسيا:

«القطع».. و«حمامة فوق غصن شجرة تفكر فى الوجود»

بقلم   سمير فريد

شهدت مسابقة فينسيا ٢٠١٤ تحفتين من روائع السينما، وهما الفيلم الألمانى «القطع» إخراج فاتح أكين، والفيلم السويدى «حمامة فوق غصن شجرة تفكر فى الوجود» إخراج روى أندرسون. ورغم أن «القطع» فيلم ملحمى، و«حمامة...» ينتمى إلى ما بعد الحداثة، فكلاهما من الأعمال الفنية التى تصبح من كلاسيكيات السينما فور عرضهما الأول، أى من علامات الإبداع التى تعيش طويلاً.

ولد فاتح أكين فى هامبورج عام ١٩٧٣ لأبوين تركيين هاجرا إلى ألمانيا، ودرس فى جامعة الفنون، وأخرج العديد من الأفلام القصيرة والطويلة، الروائية والتسجيلية، وفاز وهو فى الثلاثين من عمره بجائزة الدب الذهبى فى مهرجان برلين عام ٢٠٠٤ عن فيلمه الروائى الطويل الثالث «وجهاً لوجه»، كما فاز بجائزة أحسن سيناريو فى مهرجان كان ٢٠٠٧ عن فيلمه «حافة السماء»، وبجائزة لجنة التحكيم الخاصة فى مهرجان فينسيا عام ٢٠٠٩ عن فيلمه «فى المطبخ». وهو اليوم من كبار مخرجى السينما فى أوروبا والعالم.

مذبحة الأرمن

يأتى «القطع» فى عام مرور مائة سنة على نشوب الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤، وعشية سنة حرب الإبادة التى تعرض لها الأرمن فى تركيا عام ١٩١٥، وهى من القضايا الشائكة، حيث تنكر الدولة التركية رسمياً اعتبارها حرب إبادة.

ومنذ أن بدأ فاتح أكين العمل فى «القطع» وهو أول أفلامه من الإنتاج الكبير (أكثر من عشرين مليون دولار) وصور فى ألمانيا والأردن وكندا وكوبا، والجميع ينتظر ماذا سيكون موقفه من الخلاف المحتدم بين الأتراك والأرمن. ولكن الفيلم، وكما ذكرت فى المؤتمر الصحفى لمناقشته فى مهرجان فينسيا، تجاوز أن يكون ضد الأتراك أو مع الأرمن، وإنما جاء ملحمة تكثف ماذا حدث فى العالم منذ مائة سنة، ولايزال يحدث حتى اليوم. إنه عمل إنسانى يدور فى الماضى، ولكنه يتحدث عن الحاضر، بل وعن المستقبل أيضاً فى ١٣٨ دقيقة ليس فيها دقيقة زائدة أو ناقصة.

فاتح أكين فى كل أفلامه يعبر عن الشرط الذى وجد فيه باعتباره ألمانياً من أصول تركية، فهو ألمانى ولكنه لم ينس جذوره، وكيف ينساها وقد نشأ مع والديه اللذين ولدا وعاشا فى تركيا، ولماذا ينساها. وبحكم موهبته الأصيلة استطاع فى أفلامه أن يجسد العلاقات المركبة بين الثقافتين الغربية والشرقية، والمسيحية والإسلامية، ووصل إلى ذروة هذا التعبير فى فيلمه الجديد.

أوليس من القرن العشرين

كتب أكين السيناريو مع الأمريكى المخضرم مارديك مارتين الذى كتب أكثر من فيلم من إخراج سكورسيزى، وجاء بطله نزار (طاهر رحيم) الحداد الأرمنى الذى يستمد اسمه من الناصرة، حيث ولد المسيح عليه السلام، مثل أوليس بطل ملحمة هوميروس الخالدة «الأوديسة»، ولكن من القرن العشرين. وعبر الفيلم بعمق عن جوهر الإسلام، حيث يتم إنقاذ نزار من الموت على يد التركى المسلم محمد (بارتوكوكاجلايان)، وعن عظمة الحضارة العربية الإسلامية، حيث ينقذه من الموت مرة ثانية عمر نصر الدين، صاحب مصنع الصابون فى حلب، والذى يقوم بدوره ببراعة الممثل الفلسطينى الكبير مكرم خورى.

صور الفيلم بالألوان للشاشة العريضة، وهو حجم مناسب تماماً للمعالجة الدرامية الملحمية. ويبدأ قبل العناوين بخريطة الدول التى اشتركت فى الحرب العالمية الأولى، والتحالف بين ألمانيا والإمبراطورية العثمانية التى تهاوت بعد الحرب وهزيمة ألمانيا، ويستخدم كتابة الزمان والمكان على الشاشة من ١٩١٥ إلى نهاية الحرب عام ١٩١٨ وحتى ١٩٢٣. وليست هناك وسيلة أفضل ليتابع المتفرج رحلة بطله عبر العالم من ماردين التركية حتى فلوريدا ومينابوليس ونورث داكوتا فى الولايات المتحدة، مروراً برأس العين فى تركيا وحلب فى سوريا وبيروت فى لبنان.

مفاتيح تلقى الفيلم فى البداية، وترتبط مع النهاية ارتباطاً فكرياً وثيقاً، حيث تتكرر الأحداث المرعبة التى نراها فى تركيا العثمانية التى تمثل العالم القديم فى أمريكا أو العالم الجديد. يعمل نزار حداداً، وكان المسيح عليه السلام نجاراً، ويعيش مع عائلته الكبيرة وأسرته الصغيرة بين البيت ومحل الحدادة والكنيسة، فهو متدين وإن اهتز إيمانه نتيجة الأهوال التى شاهدها، ومصرع زوجته راكيل (هنيدى زهرة) وابنتهما التوأم لوسينيوأرسينى (دينا وزين فاخورى) فى مذبحة الأرمن عندما كان بعيداً، بعد أن قام الجيش العثمانى بإجباره على الاشتراك فى رصف طريق فى الصحراء.

«القطع» فى عنوان الفيلم يعنى قطع الأعناق، ويتعرض كل المشتركين فى رصف الطريق إلى قطع أعناقهم، وعندما يأتى الدور على نزار يبقيه محمد على قيد الحياة، ولكن السكين يقطع أحباله الصوتية، فيصمت حتى نهاية الفيلم، ويتحول إلى شاهد أخرس مثل شابلن فى السينما الصامتة. ولا يسترد نزار قدرته على الضحك إلا عندما يشاهد فيلم شابلن الصامت «الطفل» فى حلب.

يعلم نزار بوقوع المذبحة وأن بقايا الأرمن فى رأس العين، فيتجه إليها. وفى مشهد من أعظم مشاهد الفيلم نرى بقايا الخيام والجثث المحترقة والجرحى فى النزع الأخير، ويجد من بينهم زوجة أخيه التى تخبره بأن كل أفراد العائلة قد قتلوا، وتطلب منه أن ينقذها من العذاب، فيخنقها فى أول لقطة كبيرة لوجهه فى الفيلم، فأحجام اللقطات وكل شىء محسوب بدقة كما فى كل الأفلام الكبيرة، وعلى سبيل المثال لا نسمع آذان الصلاة الإسلامية إلا مرة واحدة عندما يفتح عمر نصر الدين مصنعه فى حلب ليأوى نزار.

وفى حلب، بعد نهاية الحرب يلقى السكان بالحجارة على الجنود الأتراك وهم ينسحبون من المدينة، ويرى نزار حجراً يصيب طفلاً تركياً فى عينه، فيبتعد ويرفض المشاركة. وبالصدفة يلتقى مع مساعده ليفون (شوبامساراف) الذى كان يعمل معه فى محل الحدادة، ويخبره ليفون بأن ابنتيه التوأم على قيد الحياة، وأن زوجته قامت بتسليمهم إلى عائلة من البدو.

ولكن يبقى الأمل

يبدأ نزار البحث عن التوأم، وفى كنيسة أرمنية فى بيروت يجد صورة لهما، ويعرف أنهما تزوجا وذهبا إلى كوبا. ويمسك الأب بصورة ابنتيه، وهنا أيضاً تحية إلى الفوتوغرافيا مثل تحية شابلن، ويصل إلى كوبا، وعندما يعرف أنهما ذهبا إلى مينابوليس فى أمريكا يذهب إليها، وأخيراً فى نورث داكوتا يعثر على لوسينى التى تخبره بأن أورسينى قد ماتت، ويذهبان معاً إلى قبرها: الأمل يجب أن يبقى طالما ظل الإنسان على قيد الحياة، وذلك جوهر الفيلم.

نزار مثل أى بطل ملحمى يقترب من الموت عده مرات ولكنه لا يموت. ويعبر فاتح أكين عن هذا المعنى بأسلوب سينمائى خالص، حيث يرى نزار فى الخيال فوق الواقع زوجته الذبيحة تناديه استيقظ بعد ضربة موت، ويرى التوأم يرددان نفس النداء بعد ضربة موت أخرى.

وتربط بين أجزاء الفيلم من البداية إلى النهاية أغنية أرمينية كانت تغنيها الزوجة قبل النوم، والأغنية لم تترجم عند عرض الفيلم، ولكن ليس من المهم معرفة كلماتها، وإنما تكفى الروح التى تشع من الصوت أثناء أدائها. إننا أمام عمل فنى لا ينسى.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

04.09.2014

 
 

سهى عراف: أنا فلسطينية وفيلمي فلسطيني

البندقية - هدى ابراهيم

لا يعرف أغلب نقاد السينما أن سهى عراف، مخرجة وكاتبة العمل الفلسطيني المشارك في "أسبوع النقاد"، لها تجارب سابقة لافتة، كاتبة للسيناريو، خصوصاً مع المخرج الإسرائيلي عيران ريكليس، في فيلمين حققا نجاحاً كبيراً، هما "زيتون" و"شجر الليمون". 

خاضت سهى تجربة الإخراج السينمائي بعد نجاحها في الوثائقيات، وسبق أن قدمت فيلم "نساء حماس" عام 2010، وهي واحدة من مخرجي فلسطيني الداخل ممن رفضوا اعتبار أعمالهم إسرائيلية الانتماء. لذلك لم يحمل شريط "فيللا توما" اسم أي بلد، لأن وضع اسم فلسطين عليه كان سيعرض المخرجة للملاحقة. غير أن الفيلم سيحمل اسم فلسطين في افتتاح مهرجان الإسكندرية الشهر الجاري.

يقدم شريط "فيلا توما" قراءة خاصة لحالة الشرخ الاجتماعي الفلسطيني، إذ يتناول عزلة الأقليات من خلال حياة عائلة مسيحية تعيش في رام الله أثناء الانتفاضة الأولى. يعالج الفيلم حالة الانعزال شبه الكلي جراء الاحتلال الإسرائيلي الذي فكك المجتمع الفلسطيني، وإذ تتطرق المخرجة لهذا الواقع، فهي تتطرق أيضاً لمسألة الأقليات في الشرق الأوسط، في ظل كل ما يجري من تحولات عاصفة.

العربي الجديد التقت المخرجة في البندقية، وكان هذا الحوار.

·        بأي انطباع خرجتِ من العرض الأول لشريطك "فيلا توما"، في الدورة الحادية والسبعين لمهرجان البندقية، في إطار تظاهرة "أسبوع النقاد"؟

الواقع أنني قبل مجيئي إلى البندقية، لم أتمكن من رؤية الفيلم، وبالنسبة لي كانت هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها داخل قاعة عرض، واستمتعت به كمشاهدة. كنت متوترة في البداية، لكنني شاهدته باستمتاع كأنه لم يكن فيلمي. أنا فرحة بالنتيجة، لأن ردة فعل الجمهور كانت جيدة.

·        لماذا اخترت هذا العالم النسائي المقفل في رام الله؟ 

قبل أن أصبح كاتبة سيناريو ومخرجة، كنت صحافية. عقب توقيع أوسلو، ساد تفاؤل بقرب حلول السلام، شهدت رام الله في تلك الفترة حركة بناء ومشاريع بنية تحيتة..، فجأة بدأت تزدهر. 

ذهبت للقاء رئيس بلديتها السابق، فحدثني عن فندق "رام الله"، ونصحني بزيارته. يقع الفندق جنب المنارة، ويفصله عن الشارع الرئيسي جدار كبير، وشجر سرو قديم عال. حين تفتحين باب الفندق تشعرين أنك دخلت إلى متحف. صاحبة الفندق السيدة عايدة عودة، توفيت قبل أشهر، كانت تعيش في الفندق وتحافظ على كل الأثاث القديم مغطّى بشراشف بيضاء. 

·        ماذا وجدت في هذا "المتحف"؟

كان لديها الشمع والبخور، وصور الراحلين. كانت تعيش على ذكريات المكان. وجدت هنا صور لعمر الشريف وفاتن حمامة، للملك حسين الذي كان يأتي أحياناً إلى رام الله وينزل عندها، والرئيس القوَّتلي. إنها تعيش في الماضي، لديها جنايني يعتني بالحديقة، وهي تعيش بمفردها ولا تخرج. كأنها جمدت الوقت في فقاعة. هذه الصورة شدتني كثيراً. بعد ذلك بدأت بكتابة الفيلم، ورأيت أن شخصية واحدة ضئيلة ولا تخلق دينامكية. كان التحدي أن أخلق أربع شخصيات، وأطورها في هذا العالم المغلق.

·        هناك ابنة الأخ الشابة، وهناك (الأخوات الثلاث). هل هناك تلميح ما إلى تشيخوف؟

صحيح. كنت أبحث في الشريط عن شيئ من سمات عمل تشيخوف، حتى أن العنوان في نسخة العمل الأولى كان "الأخوات الثلاث". اعتقدت أن ذلك أفضل لديناميكية الفيلم. كنت أريد الاشتغال بين الأخوات وفي طباعهنّ، شخصية الأخت الطاغية، والمركبة عاطفياً، وتلك التي لا تفقه شيئاً، لأخلق صراعاً درامياً نفسياً بينهن، وأكشف عن كل ما يدور في الخارج. لدي ستة مشاهد خارجية فقط. فيلمي مثل البصل، طبقات تقشرينها واحدة تلو أخرى. هذا العالم المقفل، هذه البرودة العاطفية، هذه الوحدة، هذا الانعزال، حرصت على تصويرها رغم أن العالم تغير كثيراً. التقطت هذا الزمن الخارج عن الزمن، هذه الفقاعة الوقتية المنفردة..

·        كيف جاء اختيارك للممثلات؟

كان الأمر سهلاً جداً، لأنهن صديقاتي. أنا ونسرين نعرف بعضنا منذ أيام الطفولة، كلانا من قرى الجليل، ودرسنا معاً في مدرسة ترشيحا. أما علا طبري فأعرفها من أيام جامعة حيفا. شيرين دعيبس، تعرفتُ عليها حين قدمت فيلم "أميركا" في مهرجان حيفا. ثم التقينا في مهرجان الدوحة السينمائي. لم أقم بامتحان شاشة لأي منهن. المشكلة تمثلت في اختيار الصبية الصغيرة ابنة الأخ، ماريا زريق في دور بديعة.

·        هي تظهر لأول مرة؟

نعم. اختيارها كان أمراً صعباً، لأنني كنت أبحث عن صبية بعمر 16 أو 17 سنة، وكنت أريد فيها نوعاً من جمال خاص، كنت أريد أسئلة في عينيها. كنت أريد لعيونها أن تحكي وتتساءل. 

أن يكون فيها سذاجة وطيبة وانكسار، لكن وفي نفس الوقت قوة تحدٍّ، وكل هذه الأشياء مركبة، إذ لا يكفي أن تحب شخصاً ما وهي مكسورة، كيف تهرب معه وتقيم معه علاقة، وهي آتية من تربية متزمتة. يجب أن تتمتع بقوة معينة، وكان يجب أن تشبه قليلاً عماتها. دور ماريا كان صعباً جداً أن أجد له الممثلة، أما الأخوات الثلاث فالأمر كان سهلاً.

·        هذا الفيلم يعرض للمرة الأولى في البندقية، ومسيرة إنتاجه كانت صعبة رغم محاولاتك، وخصوصاً لجهة أن الفيلم مُوِّل إسرائيلياً، لكنكِ رفضتِ أن يدرج تحت اسم إسرائيل، وخرج الفيلم من دون هوية. هذا ما وافقت عليه؟

فكرة الفيلم كانت قائمة لدي منذ عشر سنوات. بذلت محاولات مستميتة لتمويل العمل. توجهت إلى منتجين ومؤسسات أوروبية وعربية. من أجابني لم يعجبه سيناريو الفيلم، ومما قالوه لي مثلاً إنهم غير معنيين بفيلم عن "المسيحيين". من الأجوبة التي جاءتني أيضاً، أن الفيلم ليس فيه دراما، وأكثر من مرة سمعت أن الفيلم سطحي جداً. 

كان هناك توقعات مني كفلسطينية، أن أكتب قصة معينة. بعد ذلك توجهت إلى العام العربي، وكان الجواب "لا"، عدة مرات. اضطررت إلى التوجه إلى الصناديق الإسرائيلية، يعني كمواطنة من سكان 1948. ثم لم نجد منتجاً يقوم بتبني الفيلم بميزانية ضئيلة، فاضطُررت أن أنتجه بنفسي. كانت تجربة جداً صعبة. جئنا بأشياء من بيوتنا. علا طبري جاءت بسجادة أمها وصور أبيها من بيتها. جمعنا الكثير من الأغراض من بيوتنا. كان الأمر صعباً.. أحياناً كنا نقوم بلقطة واحدة ولا نعيدها بسبب ضيق الوقت. 

·        ضاع الفيلم بين فلسطين (المخرجة) وإسرائيل (الممولة)؟

بالنسبة لي الفيلم فلسطيني وسيبقى فلسطينياً. أنا فلسطينية والفيلم فلسطيني، وأحداثه تدور في رام الله. أتعرض لضغوط شرسة منذ شهر ونصف، حتى إذاعة الجيش الإسرائيلي دخلت على الخط... خمس وزارات تدخلت ضدي. كل ذلك لأني رفضت أن أسجل الفيلم باسم إسرائيل.

قالوا لي، "هذا الفيلم لنا وليس لك. نحن مولناه". لكني أصررت على أن التمويل لا يحدد هوية الفيلم. هوية المخرج هي من تحدده. الصراع صراع سياسي، تدخلت فيه وزيرة الثقافة التي تخوض حالياً انتخابات في الليكود. وزير الاقتصاد ادّعى بأنه استدعاني لاستجواب، وأنا لم يصلني أي شيء من هذا القبيل. 

·        تعرضت لمضايقات بسبب موقفك؟ 

قبل مجيئي إلى هنا بيوم أرسلوا إلي رسالة من قبل محامٍ، طالبوني فيها بأن أغير الشريط إلى فيلم إسرائيلي في 24 ساعة. فقلت لنذهب إلى المحكمة، ليس هناك في عقودي أي بند ينص على أن فيلمي إسرائيلي. 

من حقي أن آخذ هذه الأموال، وفي حالتي حاربت على ثلاثة جبهات: حاربت دفاعاً عن هويتي. حاربت حمايةً عن حقوقنا، نحن -فلسطينيي الداخل- ندفع الضرائب لهذه الدولة، نحن نشكل عشرين بالمئة من سكان (دولة إسرائيل)، وحقنا من ميزانية وزارة الثقافة عشرين في المئة، فيما نحن نأخذ أقل من واحد في المئة. من ينجز الأفلام على حسابنا هم المخرجون الإسرائيليون، وليس نحن.

إنها قصة كل فلسطينيي الداخل. نحن في آخر فترة تعرضنا لحملة عنصرية غير مسبوقة. العدوان على غزّة أخرج الشياطين، و"شفنا الويلات". العنصرية هذه المرة كانت أشد شراسة وضراوة. في مظاهرات الإسرائيليين كان صراخ "الموت للعرب" في كل مكان.

·        أنت تتناولين الأقلية المسيحية في المجتمع الفلسطيني، هل هذا نابع من تجربة خاصة، أم بسبب أن هذا الموضوع لم تتطرق إليه السينما الفلسطينية؟ 

حين كتبت الفيلم لم تكن مشكلة المسيحيين قد برزت في العراق، ولا كانت هناك "داعش". لم أفكر بعمل فيلم مسيحي، أنا غير متدينة، لكنني أحترم كل شخص متدين. وفي رام الله الستينيات كانت نسبة المسيحيين تشكل أكثر من تسعين في المئة، اليوم هذه النسبة هي أقل من عشرة في المئة، هذا ما عثرتُ عليه خلال عملية بحثي، كما كان فيها طبقة أرستقراطية كبيرة جداً.

يعني أنا مهم بالنسبة لي ، أن تعرف أوروبا ذلك. أغلب الناس لا يدرون بوجود عرب مسيحيين، ولا فلسطينيين مسيحيين. كان يهمني ان أظهر هذه الصورة، لم يكن هناك قرار وتخطيط مسبق للأمر.

·        قبل هذا الفيلم حققتِ نجاحاً في كتابة السيناريو لأكثر من فيلم. هل الكتابة بالنسبة لك غير كافية؟

أنا أريد أن أكمل في كتابة السناريوهات، وأكتب حالياً لغيري. أكتب سيناريو للمخرج البوسني دانيس تانوفيتش، وأكتب للمخرج الإسباني خوليو سوتو. لكنني في الوقت نفسه حين كتبت "فيلا توما" عرفت أنني أكتب السيناريو لأخرجه بنفسي. 

·        ماذا تركت لكِ هذه التجربة من أثر؟

أقدر كل امرأة تقوم بصنع فيلم، حتى ولو لم يكن عملها موفقاً. بعد هذه التجربة اكتشفت كم هو صعب أن تقوم امرأة بعمل فيلم، وبتُّ أفهم اليوم لماذا ليس عندنا الكثير من المخرجات. أكتب حالياً سيناريو فيلم "جفاف"، هناك منتج، وأحب أن أصوره في الأردن، وسأعمل مع جمال سليمان بعد أن التقينا في الدوحة، وأبدى موافقته على أن يكون بطل فيلمي القادم.

العربي الجديد اللندنية في

04.09.2014

 
 

صناع "ذيب" يحضرون عروض الفيلم في فينيسيا

كتب- محمد فهمى:

من عدة مدن عربية وأوروبية، يتوجه صناع فيلم ذيب إلى مدينة فينسيا لحضور العرض العالمي الأول للفيلم ضمن فعاليات مهرجان فينسيا السينمائي، حيث يشارك الفيلم في مسابقة آفاق جديدة ضمن دورة المهرجان الـ 71، ومن المقرر أن يُعرض الفيلم يومي 4 و5 سبتمبر.

ويحضر عرضي الفيلم من صناعه المخرج ناجي أبو نوَّار، أبطال الفيلم جاسر عيد، حسن مطلق، حسين سلامة وجاك فوكس، المنتجان باسل غندور وروبرت لويد، المنتج المنفذ نادين طوقان، المنتجان المشاركان ناصر قلعجي وليث المجالي، المنتجان المساعدان يانال كاساي، عيد سويلحين، مدير الإنتاج ديالا راعي، الملحن جيري لين، مدير التصوير وولفغانغ تالر.

فيلم ذيب هو مغامرة صحراوية ضخمة مدتها 100 دقيقة تحفر عميقاً في كثبان الرمال المنسية بالتاريخ العربي، وهو أول الأفلام الطويلة للمخرج والكاتب الأردني ناجي أبو نوّار الذي بدأ في كتابته وإخراجه منذ عام 2010، ونال مشروع الفيلم منحاً مقدمة من صندوق سند في أبو ظبي، مؤسسة الدوحة للأفلام، وصندوق رؤى جنوب شرق السويسري.

وقام إنتاج ذيب شركة بيت الشوارب التي أسسها الأردني باسل غندور، بالتعاون مع نور بيكتشرز من خلال المنتج البريطاني روبرت لويد، وشركة الخلود للإنتاج الفني، وقد شارك في الإنتاج ناصر قلعجي وليث المجالي، وتقوم نادين طوفان بدور المنتج المنفذ.

تدور أحداث الفيلم في الصحراء العربية عام 1916، ويتناول قصة الفتى البدوي ذيب وشقيقه حسين اللذين يتركان أمن مضارب قبيلتهما في رحلة محفوفة بالمخاطر في مطلع الثورة العربية الكبرى. حيث تعتمد نجاة ذيب من هذه المخاطر على تعلم مبادئ الرجولة والثقة ومواجهة الخيانة.

تم تصوير فيلم ذيب في صحراء جنوب الأردن، وتعاون فيه المنتجون مع المجتمعات البدوية التي تم التصوير بالقرب منها، وقد تم اختيار ممثلي الفيلم من العشائر التي تعيش في المنطقة منذ مئات السنوات، وذلك بعد إشراكهم في ورش عمل للتمثيل والأداء لمدة 8 أشهر قبل بدء التصوير.

وقام بدور الشخصية الرئيسية في الفيلم الطفل جاسر عيد، بالاشتراك مع حسين سلامة، حسن مطلق ومرجي عودة، بالإضافة إلى الممثل جاك فوكس، وقد شارك ناجي أبو نوّار في كتابة السيناريو بالاشتراك مع باسل غندور.

ويجمع الفيلم فريق عمل عالمي، يأتي في مقدمتهم مدير التصوير النمساوي وولفغانغ تالر الحائز على العديد من الجوائز السينمائية، الملحن البريطاني جيري لين، مصممة الديكور البريطانية آنا لافيل، بينما قام روبرت لويد بمونتاج الفيلم.

الوفد المصرية في

04.09.2014

 
 

"فيلا توما" فيلم فلسطيني بمهرجان البندقية

أمير العمري-البندقية

من قبل عرضه في مهرجان البندقية أثار فيلم "فيلا توما" -أول أفلام الفلسطينية سهى عراف كمخرجة- ضجة كبيرة في إسرائيل، إذ احتج عدد من المسؤولين الإسرائيليين في وزارة الثقافة ومؤسسات الدعم السينمائي على قيام مخرجة الفيلم بنسبة فيلمها إلى فلسطين عندما تقدمت به إلى المهرجان الكبير رغم حصولها على دعم حوالي أربعمائة ألف دولار من صندوق دعم الأفلام الإسرائيلية، وهو ما دفع وزيرة الثقافة الإسرائيلية إلى التصريح بأنها ستطالب برد المبلغ الذي حصلت عليه المخرجة إلى خزينة الدولة بدعوى أنها خالفت شروط الحصول على الدعم المالي من الأموال العامة.

سهى عراف ردت بالتصريح أولا بأنها كانت ستتفهم الأمر لو أن الاعتراض جاء على قتل النساء والأطفال الفلسطينيين في غزة، ثم نشرت مقالا في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أكدت فيه أن هويتها فلسطينية، وقالت إنها تعيش في دولة إسرائيل ومن حقها كمواطنة تدفع الضرائب أن تحصل على الدعم الذي يحصل عليه غيرها من السينمائيين الذين يعملون داخل نطاق الدولة دون أن يترتب على هذا أن تتخلى عن هويتها وهوية فيلمها. والسجال لا يزال مستمرا حتى لحظة كتابة هذه السطور.

وسبق لمخرجة الفيلم أن كتبت سيناريو فيلمين من أفضل ما أنتجت السينما الإسرائيلية، هما "العروس السورية" و"شجرة الليمون"، وهما من إخراج عيران ريكليس الذي يعتبر أحد دعاة السلام في إسرائيل، كما أنه ينادي بضرورة حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة.

وعبّر فيلما ريكليس عن موقفه هذا، بل كانا يكشفان للعالم القيود العنصرية التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين الذين يعيشون في الداخل أي وراء خط 1948، والاعتداءات التي تمارسها السلطات على أراضيهم بدعوى الاعتبارات الأمنية، وذلك من خلال شكل فني رمزي جذاب يبتعد عن الشعارات ويصور الشخصية الفلسطينية في تفاصيلها الإنسانية.

الأخوات الثلاث

ولا شك في أن الفضل يعود أساسا إلى قوة السيناريو الذي كتبته سهى عراف، ونجاحها في تصوير الحياة الفلسطينية بشفافية ورهافة حس، كما يعود أيضا إلى المستوى الرفيع للأداء التمثيلي في كلا الفيلمين، والذي قام به عدد من أفضل الممثلين الفلسطينيين.

أما فيلم "فيلا توما" -الذي كتبته وأنتجته وأخرجته- فهو أبعد ما يكون عن تناول "الحالة الفلسطينية" في جدليتها وعلاقتها بالأحداث الساخنة اليومية التي تحدث في الضفة الغربية، بقدر ما كان الفيلمان السابقان أقرب إلى تناول الموضوع السياسي من خلال التفاصيل الإنسانية المؤثرة.

تختار الكاتبة (المخرجة) منطقة رام الله كموقع للأحداث، وتصور كيف انحدر الحال بثلاث شقيقات فلسطينيات ينتمين إلى عائلة فلسطينية مسيحية من عائلات "الطبقة الراقية" بعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967.

لكن الزمان في الفيلم لا يبدو دقيقا، فنحن نسمع من يشير إلى أيام الانتفاضة الأولى، أي إلى أواخر الثمانينيات، والمشكلة التي تواجه الشقيقات الثلاث، وكبيرتهن -التي تقوم بدورها نسرين فاعور، وهي شخصية مهيمنة مسيطرة تدير الأمور بطريقتها الجافة داخل المنزل الذي يحافظ على أثاثه العتيق- أنه لم يعد هناك فلسطينيون كثيرون مسيحيون يصلحون أزواجا لهن.

وعندما تأتي ابنة شقيقهن اليتيمة للعيش معهن بعد أن تغادر الدير تنقلب حياتهن رأسا على عقب، فهذه الفتاة الشابة البريئة "بديعة" لا تبدو راغبة في التأقلم مع نمط الحياة الجافة للشقيقات "العانسات"، فترغم على تعلم المشي بطريقة ما يعتبرنها طريقة الطبقات الراقية، كما تتعلم كيف تجلس وكيف تعزف على البيانو، لكنها تغرم بشاب فلسطيني مسلم من أبناء المخيمات، وتقيم علاقة معه تنتهي إلى أن تحمل منه، ثم نعلم بشكل عابر أنه استشهد في إحدى عمليات المقاومة.

هنا يتحول الفيلم إلى ميلودراما ثقيلة عتيقة عن كيفية الخلاص من تلك "الفضيحة" التي تهتز لها العمة الكبرى، مما يجعلها تتمنى موت الفتاة، وهو الأمر الذي يحدث بالفعل عند الولادة!

إيقاع بطيء

يتردد في الفيلم أن والد الفتاة الشابة "بديعة" أي شقيق الأخوات الثلاث كان قد تزوج بامرأة مسلمة أنجب منها بديعة ابنته الوحيدة، مما أدى إلى مقاطعة العائلة له، وعلى حين تستهجن العمة الكبرى علاقة الفتاة بشاب مسلم تبدو الشقيقة الصغرى (تقوم بالدور المخرجة والممثلة شيرين دعبيس) أقرب إلى بديعة، فهي تستنكر تلك النبرة العنصرية في الحديث عن "الآخر" كما تبدو أكثر تفهما لمشاعر بديعة ورغباتها.

وهناك أيضا إشارات إلى هجرة الشباب الفلسطينيين المسيحيين إلى أميركا وصعوبة العيش في ظل الاحتلال، وكأن المشكلة أصبحت تنحصر في عدم القدرة على العثور على أزواج مناسبين، وهو ما يجعل الفيلم يبدو مجردا تنتمي شخصياته إلى عالم عتيق من الماضي، ولا أثر في الفيلم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لا بدّ أنه يلقي بظلاله الثقيلة على حياة الفلسطينيين، بل يبدو الهم الرئيس للعمة الكبرى متركزا في تزويج بديعة وربما شقيقتيها أيضا.

ويعاني الفيلم من التكرار والإيقاع البطيء وسطحية رسم الشخصيات، والمبالغات الميلودرامية التي تحدث أثرا عكسيا لما هو متوقع منها، كما يؤدي جمود الشخصيات وافتعال حركاتها وتصرفاتها، بل وكيفية مشيها في شوارع المدينة بكل تلك الأزياء الغريبة والقبعات التي تضعها فوق الرؤوس والماكياج المغالي إلى عدم تعاطف المتفرج معها.

كما تعتمد المخرجة في بناء المشاهد على التصميم المسرحي، سواء في الحركة أو في الإضاءة (الخافتة الجانبية)، مع الاعتماد على حوار طويل لا ينقطع وموسيقى ثقيلة متكررة حزينة تستخدم فيها نغمات التشيللو والكمان والبيانو.

النتيجة أننا أمام عمل سينمائي لا يقدم رؤية جديدة لقضية العيش الفلسطيني تحت الاحتلال، ولا لموضوع الأسرة الفلسطينية التي فقدت عمادها الذي كانت تستند إليه اقتصاديا، ولا لتداعيات فكرة رفض الانتماء السياسي بدعوى البعد عن "وجع الرأس" اكتفاء بإحكام إغلاق الأبواب جيدا والعزلة عن العالم كما تفعل الشقيقات الثلاث، إلى أن تقع الكارثة التي تهز حياتهن.

ولو كانت أحداث هذه القصة المسرحية في بريطانيا الفيكتورية أو إيرلندا الكاثوليكية المتشددة لما اختلف شيء، وهذه هي المشكلة الحقيقية للفيلم!

الجزيرة نت في

03.09.2014

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)