كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

موسترا البندقية:

أنطوان دوانيل الوجه الرسمي لنزاع معلن!

البندقية ــ هوفيك حبشيان

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والسبعون

   
 
 
 
 

مَن منّا لا يتذكر اللقطة الأخيرة في فيلم "حياة ماجنة" لفرنسوا تروفو؟ أنطوان دوانيل يركض على شاطئ البحر قبل أن يرمي نظرته المعذبة في اتجاه الكاميرا. مشهد أسطوري يحتل هذه الأيام ملصق الدورة الحادية والسبعين (27 آب - 6 أيلول) لمعرض الفنون السينمائية، المعروف اختصاراً بمهرجان البندقية، الذي انطلق أمس بفيلم "رجل الطير - فضيلة الجهل غير المتوقعة" لأليخاندرو غونزاليث ايناريتو، المشارك في المسابقة الرسمية. الرسام الايطالي سيمون ماسي هو صاحب هذه المبادرة التي تأتي في سياق ردّ اعتبار البندقية إلى رموز السينما الأوروبية. في الدورات السابقة، كان هناك الرجل الذي يلوّح بيده كإشارة الى سينما تيو انغلوبولس، وها ان جدران الليدو تتزين الآن بوجه المراهق جان بيار ليو. مع كل هذه الأفلام الاشكالية، لا بد انه الوجه الرسمي لنزاع معلن. عظمة على عظمة!

هذه ليست المفاجأة الوحيدة في البندقية هذه السنة. هناك أيضاً قرار إسناد رئاسة لجنة التحكيم الى مؤلف الموسيقى الفرنسي ألسكندر ديبلا (1961)، الذي سبق أن كان عضواً في لجنة تحكيم الدورة 63 لمهرجان كانّ. إنها المرة الاولى تُسنَد فيها مثل هذه المهمة الى ملحّن. ولكن دعونا لا ننسى ان ديبلا هو ايضاً رجل سينما من الطراز الرفيع وسبق له ان تعامل مع سينمائيين من مثل بولانسكي وأوديار وماليك. ألبرتو باربيرا كشف في بيان، أن هذا الذي ترشح ست مرات لـ"الأوسكار" متذوق كبير للسينما ومطلع على تاريخها القريب والبعيد.

كما في كلّ مهرجان، هناك الأفلام المنتظرة، وهي غالباً لقامات كبيرة في السينما، تتنازعها المهرجانات الكبيرة. هؤلاء لم يعد لهم ما يثبتونه. هناك ايضاً الأفلام التي يراهن عليها باربيرا، الذي يتولى الادارة الفنية لـ"الموسترا" للعام الثالث على التوالي. فهذه تظاهرة اخرى تجمع بين أفلام الـ"هابي فيو" وتلك التي يمكن ان تكون لاعبة اساسية في موسم الجوائز. عن صعوبة اختيار الأفلام، هذا ما كان يقوله باربيرا في الدورة الماضية لـ"النهار": "برنامج كل مهرجان لا يتوقف فقط على ذائقة المدير الفني، إنما على معطيات أخرى، كجهوزية بعض الأفلام وعدم جهوزية البعض الاخر. بدأتُ مساري من مهرجان تورينو الذي أدرته لمدة 14 عاماً. في المهرجانات، لا نستطيع أن نفعل كل ما نريده. هناك مفاوضات مع المنتجين والسينمائيين. يجب الأخذ في الاعتبار ايضاً التوزيع المناطقي. يجب أن نتكلم في كل حالة على حدة، وحتى لو فعلنا ذلك، يصعب الشرح. اعترف مثلاً أنه كان يجب أن نضع بعض الأفلام في المسابقة، لكن لن اقول لماذا لم نفعل، لأن الشرح سيطول جداً".

55 فيلماً تشارك في التشكيلة الرسمية بأقسامها الثلاثة: المسابقة الرسمية التي تضم الفيلم الذي سينال "الأسد الذهب" في نهاية ماراتون المشاهدة التي تمتد على 11 يوماً، قسم "اوريزونتي" والأفلام خارج المسابقة. كل هذه الأفلام تُعرض للمرة الاولى، ما عدا فيلم واحد سبق أن عُرض في بلاده. 3377 فيلماً قصيراً وطويلاً شاهدتها لجنة المشاهدة في المهرجان، قبل أن يرسو خيارها على نحو أكثر بقليل من اثنين في المئة منها. العملية أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش. 20 عدد الأفلام التي تشارك في المسابقة. من العناوين التي تثير الحماسة السينيفيلية: "بازوليني" لأبيل فيرارا (مسابقة). حكاية اليوم الأخير من حياة المخرج الايطالي الذي قضى غدراً في تشرين الثاني من عام 1975. اغتيال بازوليني الذي يضطلع بدوره هنا وليام دفو، ظلّ غامضاً لسنوات. مَن الذي افاد من هذه الجريمة الوحشية. هل جيوسيبي بيلوزي هو القاتل الحقيقي ام ثمة مَن يقف خلفه؟ يبدو ان عند فيرارا بعض الأجوبة، وفق ما صرّح بع لجريدة ايطالية، لكنه لن يدخل على الأرجح لعبة التسميات.

فيلم ثانٍ محوره الجريمة: "نظرة الصمت" لجوشوا اوبنهايمر (مسابقة). يواصل المخرج الاميركي تصوير الضمير الميت في اندونيسيا على المستوى الجماعي بعد تحفته السينمائية، "فعل القتل"، العام الماضي. حجم الموضوع جعله لا يكتفي بالذهاب الى القتلة وتحويلهم مجموعة مهرّجين تثير أعمالهم المقززة الشفقة. هذه المرة وضع يده على الشجاع الذي تجرأ على الوقوف امام قاتل شقيقه ومواجهته. فكما رأينا في الفيلم السابق، هؤلاء القتلة لم يحاكَموا، بل يرهبون الناس الى اليوم، وتروّج وسائل الاعلام باعتبارهم من الأبطال القوميين. بالنسبة لأوبنهايمر، كان "فعل القتل" من النتائج التي تترتب على المجتمع عندما يعيش في النفاق والخوف، أما جديده فاسكتشاف لمعنى أن يكون المرء ضحية هذين النفاق والخوف.

فيلم ثالث عن جريمة، جريمة جماعية هذه المرة: "القطع" للمخرج التركي الأصل فاتي اكين (مسابقة). هذه المرة الأولى يناقش فيها مخرج تركي إبادة الأتراك للأرمن عام 1915، ما يُعتبر حدثاً بذاته. بعد مقابلة له في جريدة تركية، تلقى اكين تهديدات من جماعات قومية متطرفة. "القطع" يعرفه اكين كـ"وسترن" تجري حوادثه خلال الابادة وتتمحور حول رجل (طاهر رحيم) يبحث عن طفليه. الانتاج يحمل سمات دولية من حيث الانتاج واللغات والمواقع التي صُوِّر فيها الفيلم. استعان اكين بالأميركي الأرمني مارديغ مارتن لكتابة السيناريو. فهل يتخلص من العبء الذي يثقله منذ سبع سنوات، أي منذ اللحظة التي بدأ يخطط لانجاز هذا الفيلم؟ وهل يفتح النقاش في الداخل التركي حول أحد أفظع الفصول في التاريخ البشري؟ خصوصاً ان قرناً كاملاً يمضي السنة المقبلة على الإبادة؟

من اهم اللقيات في هذه الدورة وصول الأسوجي روي اندرسون الى الليدو متابطاً "حمامة جالسة على غصن تفكر في الوجود" (مسابقة). هذا المخرج طار صيته مع "أغنية الطبقة الثانية"، وهو يقدم فيلماً جديداً، تقريباً مرة كل سبعة أعوام. هذا مخرج عصيّ على التصنيف، وكذا بالنسبة لكوكبه السينمائي الذي يستل فرادته من الحياة اليومية والحكايات العادية. بيد ان لديه قدرة هائلة على محاكاة الواقع. ترى ما الذي يخفيه جديده الذي يتعقب خطى بائعين متجولين؟ الجواب بعد أيام. مخرج آخر غير بعيد عن أسوج، يعود هو الآخر. انه النمسوي اولريش زيدل الذي يعرض جديده خارج المسابقة. "القبو" عن علاقة النمسويين الاستثنائية بكهوفهم. يقول زيدل: "ستفاجأ ربما اذا قلتُ لك ان أشياء مهمة كثيرة في بلادنا تحصل في الكهوف. انها الأماكن المفضلة للناس، فهم يفعلون فيها ما يحلو لهم، علماً ان سواد هذه الأمكنة مقلق وما تخفيه لا حدود له. يمكنك قول الكثير عن مجتمعنا وعالمنا وأنت جالس في كهف".

السينما الفرنسية تحضر بجديد الفرنسي كزافييه بوفوا، صاحب "رجال وآلهة". "فدية المجد" (مسابقة)، من تمثيل بونوا بولفورد، رشدي زمّ، كيارا ماستروياني ونادين لبكي. في سويسرا عـــام 1977، غداة موت تشارلي شابلن، قرر لصان ان يسرقا جثته ومطالبة عائلته بمبلغ من المال مقابل اعادتها. مخرج "لا تنسَ انك ستموت"، يعود بكامل ألقه في هذا الفيلم الذي يمشي على خطى الكوميديات الايطالية. ثلاثة أفلام فرنسية أخرى تشارك في المسابقة من تواقيع كلٍّ من بونوا جاكو واليكس دولابورت ودافيد أولهوفن. اما نظيرتها الروسية فيتولى "تمثيلها" المخرج الروسي القدير اندره كونتشالوفسكي، الغائب منذ فترة او المعتكف عن تقديم أي جديد يُذكر. 12 سنة بعد فوزه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في فينيسيا، يقدم كونتشالوفسكي "ليالي ساعي البريد البيضاء" (مسابقة)، حاملاً ايانا الى يوميات سكان احدى القرى الروسية البعيدة.

في قسم "خارج المسابقة"، تنوع واضح. المخرج والمؤرخ الأميركي الشهير بيتر بوغدانوفيتش يأتي بـ"هي مضحكة هكذا" وغييرمو أرياغا يطرح فيلماً جماعياً عن الاديان يشارك فيه كلٌّ من اميــر كوستوريتسا واموس غيتاي وغيرهما. الاسرائيلي غيتاي يكرر عودته الى الليدو بفيلم "تسيلي" بعد عام على تقديمه "انا عربية". الحرب العالمية الثانية والمحرقة من محاور هذا الشريط. أما الدانماركي لارس فون ترير، فلا فكاك منه هذه السنة. بعد برلين الذي شهد عرض النسخة الكاملة من الجزء الأول من "نمفومانياك"، يهدي إلينا الجزء الثاني منه، دائماً بلا أي قطع من جانبه. مانويل دو أوليفيرا، ذو الاعوام الـ106 وعميد المهرجان، لا يزال نشطاً ويشارك في "الموسترا" بفيلم من19 دقيقة عنوانه "رجل بيليم العجوز". فيلمان من الشرق الأوسط. الأول، "الرئيس" للمخرج الايراني محسن مخملباف، يصوّر رئيساً في قرية خيالية في القوقاز ينتحل هوية رجل عادي كي يدخل الى واقع الناس الذي لم يكن يعرفه عندما كان رئيساً. الثاني، "ثيب"، انجزه المخرج الاردني الشاب ناجي أبو نوار في تجربة سينمائية أولى له. أخيراً، تكريمات عدة ستوجه خلال المهرجان، منها واحد للمخرج الأميركي فريدريك وايزمان.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

ثلاثة من مخرجي "البندقية 71" قالوا لـ"النهار":

كونتشالوفسكي عن تاركوفسكي:

"لم أتأثر به ولم يتأثر بي. تعاملنا معاً فحسب. كنت معاوناً له وكنا نتعارك كثيراً. قمنا بالكثير من الحماقات معاً. كنا شباباً. وبعد ثلاثة افلام انجزناها معاً، انفصلنا، لأن كلاً منا سلك طريقاً مغايراً لطريق الآخر. في مرحلة ما، بدأت أشعر أنني لم أعد اتعرف الى اسلوبه والى الأشياء التي صنعته في بداياته الاولى. آليته السينمائية باتت غريبة وقائمة على المطولات، وعميقة جداً، وهذا ما كان يثير مللي. هذه المشكلة كانت قائمة عنده منذ "أندره روبليف"، مع ان هذا الفيلم كان مختلفاً الى حدّ ما عن أفلامه اللاحقة، سواء في ايقاعه او لغته. حين كنت أوجّه اليه ملاحظة، قائلاً له إن أفلامه بطيئة وطويلة جداً، كان يردّ قائلاً: أنت لا تفهم! هذه كانت طريقته في العمل وأنا أحترمها، واستطاع ان يحول اسمه صفة، اذ اليوم بتنا نسمع عبارة على الطريقة التاركوفسكية".

أولريش زيدل عن الهواة:

"لا أستعين دائماً بالهواة، بل أحياناً بالمحترفين. ما اسعى اليه هو توليد الشرارة الحاصلة من الاحتكاك بين المحترفين والهواة. انتظر مفاجأة من لقاء الاثنين. يستحيل حصول هذا مع الوجوه التي نعرفها ونراها تنتقل من دور الى آخر. عادةً، تقمص الدور عندي يتطلب من الممثل وقتاً طويلاً، ريثما يدرك ما انتظر منه، فتتعمق بيننا روابط الثقة المتبادلة، وهذه تحتاج الى صبر كبير. من دون هذه الثقة، أؤمن ان لا صدقية على الشاشة".

فريدريك وايزمان عن الشخصية:

"لا أقيم علاقة مع شخصياتي قبل التصوير. أحياناً أكتفي بمقابلتهم. ألتقي معظمهم خلال التقاط المشاهد. الوحيدون الذين اتعرف إليهم قبل بدء التصوير هم الاداريون.

عندما تعطيني الشخصية التي أنوي تصويرها الاذن لنقل صورتها، هذا يضعني أمام مسؤولية كبيرة. ولكن عليّ أولاً أن أشرح جيداً ماذا أريد أن أفعل. لديّ واجبات تجاه الشخصيات، ولا تراني مثلاً انني غيرتُ لون الملابس أو وضعتُ سيكاراً في فم شخص لا يدخن. لا أدفع المال للناس الذين أصوّرهم، لأن هذا يغيّر طبيعة العلاقة بين المصوِّر والمصوَّر".

النهار اللبنانية

28.08.2014

 
 

طائر البندقية يحلّق عالياَ!

هوفيك حبشيان ــ البندقية

لا تخلو دورة من دورات مهرجان البندقية من تظاهرات مطلبية. ساعات قليلة قبل انطلاق الدورة الـ71 (27 آب ــ 6 ايلول) لأعرق التظاهرات السينمائية وأبعدها زمنياً، خرج المئات الى الشارع في جزيرة ليدو رافعين اعلاماً كُتبت عليها شعارات بالايطالية. صراخ المشاركين واحتجاجهم كانا أقوى من هيصات المراهقات اللواتي صعدن فوق الأماكن المرتفعة لرؤية المشاهير يمرون على السجادة الحمراء. بيد ان المتظاهرين لم يستطيعوا الوصول الى أمام قصر المهرجان، حيث بدأ يتوافد الضيوف المشاركون في حفل الافتتاح. فالشرطة حشدت مئات العناصر الذين وقفوا جداراً عازلاً بينهم وبين الـ"موسترا". لا أحد يمزح مع الانترتينمنت هنا. على الحياة الثقافية ان تستمر من دون ان يتجرأ احد على افساد صفائها.

نهاية أفلام التوابل

غنيّ عن التأكيد ان اليوم الأول من الـ"موسترا" كان يوم الرجل الطائر. الرجل الطائر الذي هو البطل النقيض في خامس أفلام اليخاندرو غونزاليث ايناريتو (1951)، وعنوانه "بردمان ــ فضيلة الجهل غير المتوقعة". هذا المخرج المكسيكي الذي بدأ مساره قبل 14 عاماً بـ"أموريس بيرّوس"، ومذذاك وضع لنفسه نمطاً سردياً تحول على اثره الى ظاهرة عالمية تلهم السينمائيين الشباب، وها انه يأتينا بنقيض ما قدمه الى الآن، منقلباً على نفسه اولاً وقافزاً الى أبعد من طموحات معظم المخرجين اليوم. من نصوص متشظية، مبعثرة، صنعت مجده السينمائي، ينتقل ايناريتو الى شريط مبتكر، خلاق، لئيم، عبثي، مغامر، مسلٍ، يخطف الأنفاس ونكاد "نشربه" شربة واحدة. والمهم ان لا شيء يمكن توقعه. مفارقة في انتظارنا على كل منعطف. فإن احساس الزمن الذي يتصاعد من الفيلم والتوليفة التي تجعله يبدو كأنه مصوّر بلقطة واحدة، يضعان "بردمان" في فلك اروع التجارب السينمائية التي تأتينا من السينما الأميركية وأكثرها جرأة وسخرية وتحرشاً بالثوابت. "بعد أفلام توابل على الطريقة المكسيكية، كنت أريد فيلماً يشبه الحلويات"، قال ايناريتو عن حقّ في المؤتمر الصحافي الذي أعقب الفيلم، مثيراً ضحك الجميع.

على نار خفيفة

في "بردمان"، يضطلع مايكل كيتون بدور ريغن توماس، ممثل عديم الموهبة، معذب، أناني، نرجسيته لا يتسع لها الكون. فنان على حافة الانهيار العصبي. نجم سابق. "هاز بن" ــ كما يسمونه في هوليوود ــ يريد اقتباس مسرحية لريموند كارفر. اضطراره الى اسناد أحد أهم الأدوار في المسرحية لممثل اكثر كاريزماتية وحضوراً وموهبة منه (ادوارد نورتن) سيضعه امام حلقة استحقاقات جديدة. انها المرآة التي أمضى عمره وهو يحاول عدم النظر فيها. مشكلة ريغن ليست في انهياره بقدر ما هي في هذا الانهيار الذي لا يأتي. فبطلنا النقيض يموت على نار خفيفه، تحرقه وتحرق من حوله. مع ذلك، فهو من الخارج نجمٌ كبير يوقفه الناس في الحانات ليطلبوا منه صورة. "بردمان" حكاية هذا الممثل الذي نقتفي خطاه في أروقة مسرح برودواي. فالمكان هو بمنزلة بيته الأول في غياب البيت الحقيقي. من حجرته الى الخشبة، ومن صالة الماكياج الى غرف الآخرين... على هذا الشكل هي يوميات ريغن. الكاميرا التي تولى شأنها ايمانويل لوبيزكي (مدير التصوير المفضل لدى تيرينس ماليك) تعانق الشخصيات في رقصة شيطانية لا مثيل لها. نتذكر روبرت ألتمان، بول توماس اندرسون، وكباراً آخرين. مع ان ايناريتو لا يشبه أحداً ولا أحد يشبهه. اسلوبه الأصيل جذوره في تاريخ السينما.

ماترويشكا روسية

ثم هناك الأمزجة والمناخات التي تتقلب في الفيلم بسلاسة مدهشة. يغيب بعضها لتتيح المجال للبعض الآخر بالظهور. الأشياء في الفيلم يتوالد بعضها من البعض الآخر. نحن في فيلم بأفلام كثيرة. ماترويشكا روسية. مرآة داخلها مرآة داخلها مرآة اخرى. لا حدود بين هذا الشيء وذاك. مثلما لا حدود بين الحياة على الخشبة والحياة خارجها، على الأقل وفق نظرة ايناريتو. هذه الحدود تسقط ايضاً بين كيتون الشخصية وكيتون الممثل. فالممثل الذي كان يوماً بروس واين (باتمان) عند تيم برتون يؤدي هنا وظيفة مضادة لأدواره الماضية التي طبعت ذاكرة الثمانينات والتسعينات: البطل المخلص ذو اليد الممدودة للجميع. الزمن تغير. "بردمان" محاكاة لمرحلة كاملة من السينما الهوليوودية التي تمجد البطولة، لا يمكن الا ان يلتقطها المُشاهد كونها حاضرة ومجسدة على شكل ملصق فيلم "بردمان" معلق في غرفة ريغن، وكان ريغن لعب بطولته قبل سنوات. هناك ايضاً الصوت الداخلي لريغن يتشاركه معنا. انه بالاحرى صوت الشخصية التي تلبسته، تظهر متى وقع ريغن في مأزق او واجه معضلة. يبدأ الفيلم عن الشياطين التي تطارد ممثلاً، وينتهي الى ان يكون فيلماً عن شياطين يمسك بمصير أي مخلوق. هذا عمل عن أي واحد منا ينصت الى صوته الداخلي ولا يكترث له. في هذا المجال، بديع تداخل الهوامش وكيف ينتقل الفيلم من الحيز الخاص الى الفكرة الخلاصة.

كيتون: عودة العصر!

اعترف ايناريتو في مداخلاته أمام الصحافة انه لولا كيتون لما كان انجاز الفيلم ممكناً. وهذا كلام حق. فبقدر ما نحن أمام فيلم يضع الأدوات الاخراجية في صلب اهتماماته، بالقدر نفسه نحن امام رسالة اعتراف وحبّ الى الممثلين وأهمية منجزهم. وكيتون هنا جاء بما لم يكن في الحسبان وما لم نتوقعه يوماً من ممثل ذي قدرات تمثيلية محدودة. لكن اللقاء مع ايناريتو ولد شرارة من تلك التي نحبها. انها "كامباك (عودة) العصر" ــ كما قال احد النقاد، لممثل يتماهى مع الشخصية، كينونة وتاريخاً. كيتون يمثلها بأسنانه، بأظفاره، وبما تبقى له من اوهام. ايناريتو يأتي بالجمهور الى عالمه السينمائي، بدلاً من الذهاب اليه. لا يكتفي باعادة انعاش العلاقة بين الزمان والمساحة، لا بل يؤكد انه من الممكن انجاز فيلم بهذه الحيوية بين جدران مسرح. فهو يحشر عوالم كثيرة في "ميكروكوزم" المسرح، حد انه يصبح عالماً موازياً، لا بل متن العالم وليس هامشه. هناك عناصر كثيرة في الفيلم لا مجال هنا للحديث عنها بالتفاصيل. هناك ثنائيات يدمرها ايناريتو تدميراً كاملاً: الخطاب حول تفوق ممثل المسرح على ممثل السينما نظراً لاستمرارية التمثيل عند الاول، يطيحه ايناريتو عبر المَشاهد الممسرحة الطويلة التي وضع فيها ممثليه. علاقة النقد بالعمل همّ آخر يسكنه. كل هذا مغلف بدرامز انطونيو سانتشيز الذي يستمر في آذاننا ساعات طويلة بعد خروجنا من الصالة.

***

الرئيس والتيار الكهربائي

بعيداً من عالم الفنّ والـ"شوبيز"، قدّم المخرج محسن مخملباف، احد أسياد السينما الايرانية المعاصرة، فيلماً سياسياً اسمه "الرئيس" (قسم "أوريزونتي") عن رجل عجوز يقدمه الينا باعتباره ديكتاتوراً حكم بلاداً وهمية لسنوات قبل أن يطيحه الثوار. يفتتح الفيلم على مشهد "سوريالي" يتخطى حدود العقل للرئيس المخلوع لاحقاً وهو جالس على كرسيه يعلم حفيده كيف يمكن ان يتحكم بالناس عبر التحكم بالتيار الكهربائي. نراهما يتصلان بجهة تقطع التيار عندما يطلبان منها ذلك، وتعيده نزولاً عند رغبتهما. الفيلم بأكمله مغامرات هذا الرجل برفقه حفيده الطفل، وتنقلاته من مكان الى آخر هرباً من الخطر الذي يلاحقه، في "رود موفي" نبرته شرق اوسطية. لم يستمع الديكتاتور الى مطالب الشعب ورغباته، لذا عليه ان يدفع الآن ثمن التجاهل. خطاب مباشر يجعل الفيلم يبدو كنكتة في احايين كثيرة، على الرغم من الحرفة العالية التي يتمتع بها مخملباف. المشكلة في الحجة السيناريستية التي قام عليها فيلمه وليست في كيفية تقديمها، وهي حجة يصعب تصديقها. المشكلة الثانية تتجسد في اننا نعرف مسبقاً كل ما يريد قوله. "الرئيس"، خلافاً لفيلم ايناريتو، لا ينطوي على اي اختراق يُذكر، فهو يتبلور كمسار نهر يصب في المكان الذي تصب فيه مئات الأفلام ذات البال المرتاح. يبقى اننا نلتفت الى ضوء من هنا، فكرة من هناك، لكن هذا كله لا يصنع فيلماً مجيداً تصل اهميته الفنية الى أهمية الموضوع المطروح. أياً يكن، فما اراد مخملباف قوله قاله باختصار في جملة خلال المؤتمر الصحافي: "بعضهم ينسى مَن كان قبل ان يصبح صاحب قوة. يتعاطى مع النفوذ كأنها ملكه منذ الأبد".

 (*) المزيد عن مهرجان البندقية في صفحة أدب فكر فن.

النهار اللبنانية

28.08.2014

 
 

"بيردمان" نكهة مكسيكية في افتتاح مهرجان البندقية السينمائي

صفاء الصالح/ بي بي سي / البندقية

وإذا كان عرض فيلم "جاذبية" للمخرج الفونسو كوارون في الموسترا فاتحة نجاحات متعددة حققها في مهرجانات السينما ونيل جوائزها، إذ حصد العديد منها (من بينها 7 اوسكار و6 جوائز بافتا)، فإن النجاح لا يمكن أن يكون وصفة مكررة.

وكان لافتتاح الدورة 71 من المهرجان بفيلم المخرج اليخاندرو غونزاليس اينارتو "بيردمان"ـ رجل طائر، طعم المطبخ المكسيكي اللاذع على شاطئ البندقية الساحر. فهو عمل حرص مخرجه على أن يكون مبهرا واشكاليا في موضوعه وفي بنائه الفني بل واستعاراته وأسسه الجمالية النظرية، لكنه اختنق بكل ذلك وبدا مزدحما بتلك التفاصيل مفرطا في عرضها حتى بات اقرب الى السقوط في ما ينتقده، عبر سخريته السوداء، من واقع التسطيح الذي تفرضه أنماط الثقافة الشعبية وتعممه وسائل الاتصال على عالمنا المعاصر.

لكن حشد النجوم الذين قدمهم الفيلم زين حفل افتتاح المهرجان بما شغل الصحفيين الباحثين عن الأضواء والجمهور المتلهف للنجوم وحضورهم الفاتن على السجاد الاحمر، فالتمع على مدخل مسرح الموسترا الكبير وسط صرخات حمهور المعجبين وفلاشات كاميرات المصورين مايكل كيتون وادوارد نورتون وايما ستون واندريا ريسبورو في حفل الافتتاح الذي حضره رئيس الجمهورية الايطالية جورجو نابوليتانو.

لقد حرص اينارتو على أن يفاجئ الجميع بنمط أداء فني مختلف عما درج عليه واشتهر به في أفلامه السابقة (اموريس بيروس، 21 غرام، بابل،بيوتفل)، فاذا كان قد ابتعد في فيلمه هذا عن الحبكات والخيوط الدرامية المتعددة إلى التركيزعلى لحظة محددة في حياة ممثل شهير مأزوم وفي مكان محدد هو المسرح، إلا أن تعدديته انتقلت هذه المرة من الحبكة والسرد إلى موضوع التعبير الفني، حيث اختار اينارتو المزواجة بين العديد من القضايا المتناقضة الفن والحياة، الواقع والخيال، المادي والروحي، السامي والمبتذل، الواقعي والسوريالي، ضمن سياق ما بعد حداثي، جعل من لغته السينمائية لغة شارحة لا تكتفي ببناء العمل الفني بل وتشرح آليات الوصول الى ذلك في الوقت نفسه.

واقعية قذرة

و حاول اينارتو ترسم أسلوب ما عرف بأدب "الواقعية القذرة" في الأدب الأمريكي، وعكسه سينمائيا، فانطلق في بناء فيلمه من اقتباس عن احد اقطاب هذه الحركة الأدبية، الشاعر والقاص ريموند كارفر(1936 ـ 1988) (وله بالعربية مجموعة قصصية مترجمة منتصف الثمانينيات)، وتحديدا قصته القصيرة "عم نتحدث عندما نتحدث عن الحب؟"، فبدا اقتباسه حرا لأجواء القصة التي نقلها إلى فضاء مسرحي، وحرص على أن يأخذ روح أسلوب كارفر، ليمسك مبضع جراح ويفكك كل الاستار التي تحوط بطله وليفكك مركبات شخصيته الرئيسية النفسية ودوافعها، من دون أوهام أو عظات أخلاقية، بل في مناخ من السخرية المرة منها.

افتتح إينارتو فيلمه بقصيدة شهيرة لكارفر، نقشت على شاهدة قبرة تقول ما معناه "ومع ذلك، هل حصلت على ما تريد من هذه الحياة؟ أجل فعلت. وماذا أردت؟ أن أدعو نفسي محبوبا، وأن أشعر بنفسي محبوبا في هذه الأرض".

عن الأدوار التي نؤديها في الحياة وفي الفن كان فيلم "بيردمان" الذي حمل عنوانا ثانويا هو "فضيلة الجهل غير المتوقعة"، من هنا كان اختيار اينارتو لأزمة ممثل يدعى ريغان تومبسون (الممثل مايكل كيتون) اشتهر بشخصية نمطية مأخوذة من مجلات الكوميكس والثقافة الشعبية، يحاول معالجة شهرته التي أخذت تخبو واستعادة مجده، فضلا عن الخروج من النمط التمثيلي الذي حصرته الثقافة الشعبية فيه ولا يستطيع النقاد رؤيته خارجه، بتقديم عرض مسرحي في مسارح برودواي مأخوذ عن قصة كارفر. ويوفر هذا مدخلا لتقديم التداخل بين الفن والحياة، فيزواج بين أدوار ريغان في الفن وأدواره التي يؤديها في الحياة.

وفي زحمة من تفاصيل الحياة اليومية نتابع رحلة ريغان في البحث عن نفسه وسط ركام ثقافة الاستهلاك، بيد أنه حتى هذا البحث (الوجودي) نراه يظل محكوما بهذه الثقافة، فنرى في ريغان خلطة غريبة من مبالغات الكوميكس والثقافة الشعبية واستعارات من الفن والتفكير الجمالي (العالي). على سبيل المثال لا الحصر، اختار اينارتو أن يجعل شخصيته تتمتع بقدرات روحية خارقة فهو قادر على تحريك الأشياء من أماكنها بالتركيزعليها، بل واستخدامها بطريقة غريبة كإسقاطها فوق رأس ممثل لم يعجبه، لكنه في الوقت نفسه إنسان عادي بالغ الضعف في مشاهد أخرى.

ونراه يطير في أحد المشاهد ليصل الى المسرح، لكننا نرى سائق سيارة أجرة يركض خلفه إلى المسرح لأنه نسي أن يدفع أجرة الوصول الى المسرح الذي رأيناه يطير إليه، على هذه الحافة بين الحلم والواقع وبين الشعبي السطحي (الكيتش) والثقافي (الرفيع) ظل اينارتو يلعب طوال فيلمه ضمن حس نقدي لاذع مغلف بسخرية سوداء.

ونشاهد أن ما يمنح ريغان هذه القدرات الخارقة هو شيطانه الذي يرافقه ويحادثة غالبا في غرفة المكياج الخاصة به في المسرح، ويظهر في صورة "الرجل الطائر" شبيها ببوستر الشخصية التي اشتهر بأدائها.

وقد استخدم المخرج صوت كيتون نفسه مضخما في حديثه فبدا الحوار بينهما اشبه بالمونولوج والحوار مع الذات.

تنافس أدائي

ولا يبدو اختيار الممثل مايكل كيتون لأداء هذا الدور بعيدا عن طبيعة حياته الشخصية في الفن وتشابهها في كثير من الجوانب مع شخصية ريغان التي يؤديها، فهو ممثل ظل محاصرا بالنمط الأدائي في أفلام التسلية التي مثلها، وظل الجمهور يذكره عبر أدائه لشخصية "الرجل الوطواط" المستعارة من مجلات الكوميكس التي طغت على أعماله الأخرى.

ونرى ريغان محاطا بشخصيات أخرى، أمثال ابنته سام (ايما ستون) التي تعاني من مشكلة إدمان والخارجة من تجربة علاج، والتي تمثل أيضا وعي جيل آخر غير جيل ريغان ومايك من بعده وامها، زوجته السابقة، والمنتج المسرحي وصديقه القديم (زاك غاليفياناكس)، وممثلة شابة (أندريا ريسبورو) تطمح بإقامة علاقة عاطفية معه.

وفي سعيه لانجاح مسرحيته يختار ريغان ممثلا متدفقا في مشاعره ابنا للحياة، فوضويا، وساعيا وراء غرائزة، لا يتواني عن محاولة اغتصاب الممثلة التي يمثل معها مشهدا في السرير أمام جمهور المسرح، فمايك (يؤدي دوره الممثل ادوارد نورتن) يستبدل به ممثل سابق في المسرحية لكنه يحاول أن يسرق الأضواء بحضوره وبأدائه المميز من ريغان، وهذا ما تحقق بالفعل في الفيلم إذ استطاع نورتن بحضوره المؤثر وادائه الرائع أن يسرق الأضواء من كيتون في الفيلم نفسه، فقدم أبرز أداء تمثيلي في هذا الفيلم الحافل بالممثلين.

لقد سحرنا نورتن (كما سحر مايك ريغان في الفيلم) منذ المشهد الأول لظهوره في الفيلم الذي قدم فيه درسا في التمثيل والانتقال بين مشاعر متناقضة بسرعة شديدة وببراعة تجعلك تظن انه يؤدي بتلقائية شديدة دون دربة أو صنعة.

وبعد سلسة من المواقف والانفعالات والخيبات، الذي يجمع بينها أنها ظلت تحمل طابع المبالغة في الانفعال وفي الغرابة، وتقف على حافة الميلودراما، وما ينقذها من السقوط فيه هو تلك السخرية السوداء التي طبعت الفيلم، نصل إلى الذروة مع المشهد الذي يواجه ريغان فيه امراته مع شخص آخر في المسرحية فيقول لهم إنه غير محبوب وانه وجوده في هذه الحياة كان لا شيء لينتحر في ختام المسرحية، المشهد الذي كرره المخرج كثيرا بمسدس لعبه، لكنه في المرة الأخيرة يستخدم مسدسا حقيقيا.

وبدلا من موت ريغان، يواصل اينارتو سخريته ومبالغاته، لنفاجئ أنه في المستشفى وأن الإطلاقة لم تصب سوى أنفه، ومع دخول ابنته بالورد الذي يحبه وذهابها لجلب مزهرية لوضعه فيها، تعود فلا تراه في فراشه والنافذة مفتوحة على مصراعيها. فتنظر من النافذة لا ترى شيئا ساقطا أسفلها. فتنظر الى السماء، ليعيدنا المخرج إلى مشهد البداية الذي افتتح به فيلمه مع تتبع شهاب يسقط ملتهبا في السماء.

العلاقة بين الفنون

ويستثمر اينارتو ذلك ليبني مشهديته في اطار العلاقة بين الفنون، وبالدرجة الاساس المسرح والسينما،

فضلا عن السرد الأدبي الذي استعير العمل منه، والفضاء الجمالي النظري الذي يتحدث عن الفن، مما يجعل لغة الفيلم لغة شارحة (ميتا- لغة) لا تكتفي بتقديم عمل سردي بصري بل وتشرح في الوقت نفسه آلياته. كما جعله يمتلئ بالاستعارات والاستشهادات من أعمال نقدية نظرية كأعمال المفكر الفرنسي رولان بارت، أو القاص كارفر الذي أخذ العمل من قصته وقصائده كما أسلفنا، أو من شكسبير (قدم استخدام رائع لصوت رجل يردد كلمات من ماكبث لنراه لاحقا يؤدي المشهد بطريقة مبالغة في الشارع) بل ومن الثقافة الشعبية التي يحيل اليها في أكثر من حوار أو يستشهد ببعض نجومها كجوستن بيبر.

تعاون اينارتو في هذا الفيلم مع مدير تصوير قدير كان أحد أبرز عناصر النجاح في الفيلم، هو المكسيكي ايمانويل لوبيزكي، اشتهر بعمله مع مواطنه المخرج الفونسو كوارون في معظم أفلامه ومنها "اطفال الله" و"جاذبية" الذي نال عليه أوسكار أفضل تصوير، فضلا عن عمله مع مخرجين كبار مثل مارتن سكورسيزي وتيرينس مالك (3 من أفلامه) وكوين بروذرز.

ونجح لوبيزكي في التعامل مع جماليات المكان المغلق، لا سيما في تلك الحركة للكاميرا (ترافيلنغ) التي تعكس توترا، في المسافة بين غرفة مكياج ريغان وخشبة المسرح، حيث دارت معظم أحداث الفيلم، وتكرر هذا الترافلينغ في الممرات على مساحة واسعة من الفيلم.

كما حرص مدير التصوير على تحقيق وهم الاستمرارية في مشاهد طويلة رغم أن بعضها يمتد على مساحة زمنية واسعة، كما هي الحال في متابعة العمارة من الليل إلى الفجر والصباح مع تغير الضوء ومواصلة مشهد جديد من النقطة نفسها، وهو حل بصري تكرر في أكثر من مشهد.

وخلص لوبيزكي اينارتو من اسلوب الكاميرا المحمولة ولقطاتها المهتزة التي توحي بالواقعية الذي عرف به المخرج، لنرى لقطات طويلة ومشاهد متواصلة تتجنب القطع الحاد وتوحي بالاستمرارية. وبدت تأثيرات المخرج القدير هيتشكوك (أفلام مثل الحبل، والنافذة الخلفية) واضحة فيه.

كما نجح هذا الاسلوب في التعامل مع بنية اينارتو المشهدية المعقدة، حيث ينثر العديد من التفاصيل والشخصيات وسط ايقاع متوتر، وهذا ما كنا نشاهده في الترافلينغ في الممرات حيث تمر الشخصيات

خاطفة وتشارك بأفعال وحوارات سريعة بل حتى في كشف مصدر الموسيقى مع عازف الدرامز الذي أظهره في إحدى الغرف المطلة على الممر أو في الشارع في مشهد آخر.

اعتمد اينارتو على ضربات الدرامز الصاخبة من موسيقى الجاز التي شكلت العمود الفقري للموسيقى التصويرية (وضعها انتونيو سانشيز) في معظم مشاهد الفيلم (بدا اينارتو حياته المهنية موسيقيا ومخرجا للموسيقى في الإذاعة) وهي بدت فظة عنيفة منسجمة مع الصخب والتوتر الذي تعيشه الشخصيات، وإن بدت مزعجة للبعض ممن اعتاد على الموسيقى المنسابة وعذوبة الميلودي.

بعد هذا البناء المعقد وزحمة الأفكار والاستعارات التي قدمها اينارتو في الافتتاح الرسمي للمهرجان، حرص منظمو المهرجان على خلق نوع من الهارموني في فيلم افتتاح تظاهرة آفاق في المهرجان مع فيلم المخرج الإيراني المقيم في فرنسا "الرئيس" إعادتنا إلى الواقع السياسي المعاصر ومشاهد سقوط الديكتاتوريات الأخيرة وهو ما سنتوقف عنده في مقال لاحق.

الـ BBC العربية في

28.08.2014

 
 

«الرجل الطائر» يفتتح مهرجان فينيسيا السينمائي

أمل ممدوح

افتتحت مساء أمس الأربعاء فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الحادية والسبعين المستمرة حتي 6 سبتمبر المقبل بمدينة البندقية ،  وبرغم أنه أقدم  وأعرق مهرجان سينمائي وربما الأكثر بريقا بنجومه الذين يساقون إلى السجادة الحمراء بواسطة زورق بدلا من سيارات الليموزين ، إلا أنه يعمل كمدينته المائية  بجهد لإبقاء رأسه فوق الماء ، ويقول ألبرتو باربيرا، المدير الفني لمهرجان فينيسيا “ساعدنا النجاح الكبير الذي حققه المهرجان في العام الماضي في معظم أنحاء العالم على التعامل مع الاستوديوهات فنجحنا هذا العام أن يكون فيلما مثل ” بيردمان ،الرجل الطائر”،هو فيلم الافتتاح وهو فيلم يفوق كل التوقعات ، وفيه يجسد النجم “مايكل كيتون” 62 عاما شخصية ممثل مغمور يحلم بالتمثيل على مسارح برودواي ، والفيلم من إخراج أليخاندرو جونزاليس إيناريتو المولود في المكسيك ، كما يشارك في بطولته النجوم إدوارد نورتون وإيما ستون وناعومي واتس.

وسوف يعرض مهرجان فينيسيا هذا العام 55 فيلماً طويلاً، منها 54 عرض  عالمي أول ، وفيلم واحد عرض دولي أول أى خارج بلد منشأ الإنتاج، ففى المسابقة 20 فيلماً من ضمنها فيلم الإفتتاح آخرين في المسابقة الرئيسية لأرفع جائزة للمهرجان ” الأسد الذهبي ” ،

وخارج المسابقة 17 فيلماً، وفى مسابقة آفاق 18 فيلماً ،هذه الأفلام من 21 دولة من دول العالم، 11 دولة منها ضمن المسابقة وهى الولايات المتحدة من أمريكا الشمالية وفرنسا وإيطاليا وروسيا وألمانيا والسويد والدنمارك من أوروبا ، والصين واليابان وتركيا وإيران من آسيا، ويضيف برنامج خارج المسابقة بريطانيا والنمسا من أوروبا، وكوريا الجنوبية وإسرائيل من آسيا، والمكسيك من أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى مسابقة آفاق جورجيا وكرواتيا من أوروبا، والهند وأذربيجان والأردن من آسيا وهى الدولة العربية الوحيدة المشتركة فى المهرجان .

جدير بالذكر أن أن مهرجان فينيسيا السينمائي بدأ عام 1932 فى إيطاليا الفاشية بقيادة موسولينى وذلك فى خضم الصراع السياسى بين الفاشية والشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية، وكان الرد بمهرجان موسكو عام 1935 فى روسيا الشيوعية بقيادة ستالين ، فأرادت فرنسا إقامة مهرجان “كان” عام 1939 ليعبر عن الديمقراطية ضد الأنظمة الشمولية سواء الفاشية أو الشيوعية ، فتقرر افتتاح “كان” الأول يوم الأول من سبتمبر، ولكن الحرب العالمية الثانية اندلعت فى نفس اليوم فلم ينعقد المهرجان، وبعد نهاية الحرب بدأ مهرجان “كان “من جديد عام 1946، وأصبح سيد مهرجانات السينما الدولية ، ولكن ظل “فينيسيا” ولايزال منافساً قوياً بعد أن بدأ من جديد بعد الحرب، وتحولت إيطاليا من النظام الفاشى إلى النظام الديمقراطى . ومثل مهرجان ” كان ” فإن الغرض الأصلى منه تصفية الإنتاج السينمائى واختيار الأفضل أى الكيف لا الكم ،فلا يتجاوز عدد الأفلام الطويلة الجديدة مائة فيلم ، سواء فى برنامج المهرجان أو البرامج الموازية.

البديل المصرية في

28.08.2014

 
 

مهرجان البندقية يعرض صورًا حزينة عن مذبحة بإندونيسيا وعقوبات إيران

رويترز

شهد مهرجان البندقية السينمائي المقام حاليا في إيطاليا أجواء حزينة اليوم الخميس بعد عرض فيلمين أحدهما عن مذبحة في اندونيسيا خلال الستينات من القرن الماضي والآخر عن الظروف القاسية التي تعيشها ايران بسبب العقوبات الدولية وتأثيرها على عامة الناس. 

لكن البسمة كان لها مكان في البندقية اليوم بعرض فيلم كوميدي فرنسي عن واقعة سرقة نعش الممثل تشارلي شابلن بعد فترة وجيزة من وفاته في عام 1977 ضمن 20 فيلما تتنافس على الفوز بالجائزة الكبرى المقرر الاعلان عنها الاسبوع المقبل. 

وقال يوجيني نجل تشارلي شابلن في مؤتمر صحفي إنه تردد في باديء الأمر في التعاون مع المخرج خافيير بيفو في فيلمه "برنس اوف جلوري" "لانني لم أر ما يدعو للضحك في سرقة نعش. لكن بعد مشاهدة افلام بيفو قلت لم لا." 

وعرض المهرجان فيلم "ذا لوك اوف سيلنس " للمخرج الامريكي جوشوا اوبنهايمر خارج المسابقة الرسمية وهو ثاني عمل وثائقي له ويدور حول فرق اعدام جابت اندونيسيا في اعقاب انقلاب فاشل قاده شيوعيون وقتلت ما يصل الى مليون شخص. 

وهذا الفيلم هو العمل الوثائقي الثاني لأوبنهايمر عن نفس القضية بعد "ذا اكت اوف كيلينج" عام 2012 الذي رشح لجائزة اوسكار افضل فيلم وثائقي. 

وردا على سؤال في مؤتمر صحفي اليوم عن سبب اخفاء اسماء العاملين في الفيلم قال اوبنهايمر إنهم قد يتعرضوا للخطر في حالة الكشف عن هوياتهم. 

وقال اوبنهايمر "توجد خطورة سياسية كبيرة على اي شخص اشترك مع الطاقم في اندونيسيا اذا كشفت هويته للسلطات الاندونيسية خاصة للجيش والمجموعة شبه العسكرية التي لعبت دورا بارزا في فيلمي الأول." 

وقالت المخرجة الايرانية رخشان بني اعتماد إنها لم تضطر للعمل بدون ترخيص داخل ايران حيث صورت فيلمها "جهيسيها" أو "قصص" الذي يعكس طبيعة الحياة في البلاد. 

وقالت عقب العرض الأول للفيلم "الشيء المهم هو أن القصة والمشروع بحاجة للقبول داخل البلد. ينبغي ان يعكس حياة الناس." 

ويعرض الفيلم صورا من حياة الإيرانيين الذين لا يجدون سوى القليل من المال الذي يساعدهم على البقاء على قيد الحياة بينما تسهم البيروقراطية والبطالة وادمان المخدرات في ازدياد محنتهم. 

وقالت المخرجة إن الفيلم يهدف في جزء منه لإظهار التأثير المدمر على الحياة اليومية للعقوبات الدولية المفروضة على ايران بشأن برنامجها النووي.

بوابة الأهرام في

28.08.2014

 
 

"بيردمان" يفتتح الدورة الحادية والسبعين لمهرجان البندقية

البندقية (إيطاليا) - أ ف ب

اطلق فيلم "بيردمان" الكوميدي - الدرامي للمكسيكي اليخندرو غونزاليس اينريتو من بطولة مايكل كيتون وناومي واتس مساء امس فعاليات الدورة الحادية والسبعين لمهرجان البندقية للسينما الذي تتمحور افلامه على الحرب والازمة الاقتصادية والاسئلة الوجودية.

ويروي "بيردمان" الذي يشارك في المسابقة من اجل الفوز بجائزة الاسد الذهبي التي تمنح في 6 ايلول (سبتمبر) المقبل، قصة ممثل شهير لتأديته دور بطل خارق لكن شعبيته تأخذ بالتراجع شعبية ويقرر انعاش نجوميته من خلال عرض في برودواي. واستقبل النقاد الفيلم بإيجابية عند عرضه عليهم صباح امس.

ويؤدي مايكل كيتون في سن الثانية والستين دورا كبيرا بعد 17 عاما على مشاركته في فيلم جاكي براون لكوينتن تارانتينو. وقال الممثل للصحافيين: "شخصيتي في الفيلم تحاول الخروج من الوضع غير المريح الذي تمر به. الأمر مخيف وحماسي في آن".

ويعتبر اليخندرو غونزاليس ايناريتو الذي حاز جوائز عدة في مهرجان كان والذي اختير احد افلامه لجائزة اوسكار أفضل فيلم اجنبي العام 2000، أحد اكثر المخرجين موهبة في جيله.

وهو قال للصحافيين: "بعد افلام درامية كثيرة، أردت تحلية. أردت ان أتنفس بعض الشيء واكتشف ما كنت اعتبره مستحيلاً، وهو الضحك خلال التصوير".

ومن اصل حوالى خمسين فيلماً طويلاً يعرض خلال مهرجان البندقية، يتنافس عشرون منها على جائزة الاسد الذهبي التي تمنحها لجنة تحكيم يترأسها المؤلف موسيقى الافلام الفرنسي الكسندر ديبلا، وهو اول رئيس لا يكون مخرجاً أو ممثلاً منذ انشاء المهرجان في العام 1932.

وقال ديبلا الذي الف موسيقى افلام مثل "فيلومينا" و"ذي كينغ سبيتش"، "انا متفاجئ فعلاً لعدم اختيار مؤلف موسيقي من قبل لترؤس الجنة وأمل ان تكر السبحة من بعدي".

وتتناول افلام عدة موضوعات قاتمة كالحرب والازمة. فيتطرق "غود كيل" لاندرو نيكول الى المشاكل الاخلاقية التي تواجه رب عائلة يقوم بدوره ايثان هوك يحارب حركة طالبان عن بعد من خلال تحكمه بطائرات من دون طيار.

ويتناول "فاير اون ذي بلاين" للياباني شينيا تسوكاموتو عواقب الحرب العالمية الثانية، فيما يغوص "99 هومز" لرامين بهراني مجدداً في الازمة العقارية الاميركية.

ويأتي ال باتشينو (74 عاما) الذي حاز جائزة الاسد الذهبي عن مجمل اعماله العام 1994، لتقديم فيلمين طويلين "ذي هامبلينغ" (خارج اطار المسابقة) لباري ليفينسون و"مانغلهورن" لديفيد غوردون غرين الذي يجسد فيه دور رجل غريب الاطوار يحاول التخلص من جريمة ماضية تلازمه وكلفته حب حياته. ومن الافلام المرتقبة جدا "باسوليني" للاميركي ابيل فيرارا من بطولة وليام دافو. وينتظر ايضا بترقب الفيلم الاخير لفتيح اكين "ذي كات" وهو الثالث في ثلاثية حول الحب والموت والشر من بطولة الممثل الفرنسي طاهر رحيم.

ويقدم المهرجان أفلاما أخرى جد مرتقبة خارج إطار المسابقة، مثل "ذي أولد مان أوف بيليم" للمخرج البرتغالي مانويل دي أوليفييرا (105 أعوام) والنسخة التي لم تحذف مشاهد منها من "نيمفومينياك 2" للدنماركي لارس فون ترير.

المخرجة اللبنانية نادين لبكي تشارك في مهرجان البندقية إخراجاً وتمثيلاً

البندقية (إيطاليا) - أ ف ب

تشارك المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي في "مهرجان البندقية السينمائي" الذي يعرض فيلماً فرنسياً أدت فيه دوراً ثانوياً، قبل أن تنطلق الى البرازيل حيث يعرض فيلم "ريو أحبك" الذي شاركت في إخراجه الى جانب عشرة مخرجين من دول مختلفة.

وعُرض اليوم الخميس ضمن المسابقة الرسمية لـ"مهرجان البندقية" في دورته الحادية والسبعين فيلم "فدية المجد" للمخرج الفرنسي كزافييه بينوا، وأدت فيه نادين دور زوجة عامل جزائري في سويسرا تدفعه الحاجة ومرض زوجته لسرقة تابوت.

ويرتكز هذا الفيلم على قصة واقعية جرت أحداثها في العام 1977، حين عمد لصان الى سرقة تابوت شارلي شابلن بهدف طلب فدية.

وقالت نادين لبكي لوكالة "فرانس برس" "أحب بين فترة وأخرى العمل مع مخرجين آخرين وخوض مثل هذه التجارب مع إني مخرجة ولست ممثلة محترفة، مثل من أديت إلى جانبهم في الفيلم".

وسبق أن أدت نادين أدواراً في أفلامها هي، ومع مخرجين آخرين مثل دورها في فيلم اللبناني جورج هاشم "رصاصة طايشة".

وفي العام الماضي، شاركت في فيلم للمخرجة المغربية ليلى مراكشي بعنوان "روك القصبة"، أدت فيه دور إبنة ثري يكشف رحيله الخلاف في الطباع بين بناته.

وإلى جانب دورها في "فدية المجد"، شاركت نادين لبكي في إخراج فيلم "ريو أحبك" ضمن سلسلة "مدن الحب"، الى جانب عشرة مخرجين من دول مختلفة.

وهذا الفيلم هو الثالث بعد "باريس أحبك" و"نيويورك أحبك"، والأفلام الثلاثة تروي قصص حب تدور في هذه المدن. ومن المقرر أيضاً صدور نسخ جديدة عن مدن مثل شنغهاي والبندقية.

وستنطلق نادين من البندقية الى ريو دي جانيرو لحضور أول عرض عالمي للفيلم مطلع الشهر المقبل، قبل ان تعود الى بيروت لحضور أول العروض فيها في تشرين الأول (أكتوبر).

وحول تجربتها في هذا الفيلم، قالت نادين لبكي لـ "فرانس برس" "كان ثمة تحد قبلت بخوضه، إذ لم يكن من السهل تصوير فيلم بلغة أخرى وفي بلد آخر. اللغة البرتغالية حاضرة في الفيلم بالإضافة إلى الإنكليزية، فضلاً عن أن الطفل الممثل من غير المحترفين وكان من الصعب إدارته وهو لا يتكلم سوى البرتغالية ولا يكف عن الحركة خلال التصوير".

وعن أدائها التمثيلي أمام ممثل من مستوى الأميركي هارفي كيتل في هذا الفيلم الذي شاركت في إخراجه قالت "كنت أتهيب فعلاً من ذلك... لكن هارفي كان رائعاً وخرجت من التجربة بإحساس أني أمتلك قدرات أكبر".

وكشفت أن زوجها خالد مزنر الذي وضع الموسيقى التصويرية لأفلامها السابقة شارك في كتابة سيناريو الفيلم القصير عن ريو، كما أن موسيقى الفيلم من تأليفه.

وأعلنت نادين أنها تقوم حالياً بكتابة سيناريو فيلم ثالث لكنها لم تشأ الإفصاح عن موضوعه "قبل أن تنضج الفكرة".

وطغت المواضيع الإجتماعية وشؤون المرأة على الأعمال السابقة لنادين لبكي، وأظهرت فيها بأسلوب نقدي ومسل تناقضات المجتمع اللبناني.

يذكر أن فيلم تخرج لبكي من جامعة القديس يوسف في بيروت بعنوان "11 شارع باستور" نال "جائزة بينالي - السينما العربية" (1998) في باريس عن فئة الفيلم القصير، لتنصرف المخرجة بعدها ولفترة طويلة الى مجال الـ"فيديو كليب".

الحياة اللندنية في

28.08.2014

 
 

الفيلم يفتح صفحة حديثة حول العلاقة بين الناقد والمبدع

«بيردمان» يطلق مهرجان فينيسيا.. {بين نجاح زائل ومستقبل قلق}

فينيسيا: محمد رُضا

جاء افتتاح الدورة الـ71 أمس واعدا بدورة رائعة مع «بيردمان». الفيلم جاء مطعما بالقيم الفنية والدراماتيكية وثريا في طروحاته ومشوقا ومسرودا بحكمة الفنان الذي وقف وراءه أليخاندرو كونزاليز إناريتو. هو أفضل أفلامه بلا ريب. أفضل من «21 غرام» ومن «بابل» ومن فيلمه الأخير «بيوتيفول» الذي أنجزه قبل 4 سنوات. صحيح أن كل واحد من هذه الأفلام كان إنجازا فنيا ذا حجم مهم، لكن «بيردمان» هو شغل مبدع آلت إليه الحرية التي يتوق إليها كل فنان حقيقي ونادرا ما يتمتع بها خصوصا إذا ما كان الفيلم من إنتاج هوليوودي.

يقدم لنا الفيلم بطله ريغان تومسون وهو في غرفته الخاصة في أحد مسارح برودواي، نيويورك. إنه يجلس مرتفعا عن الأرض يمارس اليوغا يقتنص بعد أوقات الراحة. عندما ينتهي يبدأ صوته الداخلي (المسموع بصوت ممثل آخر) يتحدث إليه. يخبره بما يستطيع وما لا يستطيع أن يفعله ليحافظ على كيانه. يحاول ريغان طرد هذا الصوت، لكنه لن يستطيع. سيعود إليه صوتا فقط أكثر من مرة ثم نراه جاثما أمامه صورة أيضا. فهو «الرجل الطائر»، تلك الشخصية التي لعبها ريغان قبل سنوات عندما كان نجما هوليووديا مشهورا، من قبل أن تذبل شهرته ويحاول الآن بناء ما يمكن من مجد على أهدابها وما تبقى منها.

التحدي موزع على أكثر من شأن. المسرحية على بعد يومين من الافتتاح والبحث عن ممثل جديد يشارك ريغان البطولة بعدما أصيب الممثل السابق الذي تم اختياره بحادث ما زال جاريا. حين يأتي مدير الأعمال بالممثل البديل مايك (إدوارد نورتون) فإن ريغان لا يطيقه ولا ينجح في التعامل معه والعكس صحيح. الكثير من المناوشات والمتاعب والأزمات التي تنتشر مثل الكهرباء بين الجميع. بين ريغان ومساعديه وريغان وممثليه وريغان وابنته وزوجته السابقة. والأهم دوما ومن دون أن يخفق الفيلم في التأكيد والتمييز، بين ريغان وبين نفسه فهو أبعد من أن يثق من خطواته الجديدة. لا من ناحية احتمال نجاحها جماهيريا (الجميع يقول له إنه خاسر ينتمي إلى جيل انتهى، بمن فيهم الصوت الذي فيه) ولا من ناحية نجاحه هو في التمثيل.

مايكل كيتون هو من يؤدي شخصية ريغان تومسون. مثله أيضا كان مطروحا كنجم «سوبرماني» عندما لعب بطولة «باتمان» الأول (1989) والثاني (1992) قبل أن يستقيل من مهمة إنقاذ العالم وينصرف للبحث عن أدوار مجزية. للأسف، ما إن ترك «باتمان» وراءه حتى انضمرت من حوله فرص النجاح ذاته. لم ينقطع عن التمثيل، لكن ما هو آخر فيلم شاهدته له؟

مثل شخصيته إذا، يصل كيتون الآن إلى مفترق طرق يعبر عنه هذا الفيلم الذي يطرح، فوق كل ما سبق، حقيقة الأزمة التي يمر بها الممثل الموهوب مثله: الاستمرار في لعب الأدوار في الأفلام التي يفضلها الجمهور، أو الانزواء بعيدا ومشاهدة شهرته وهي تتلاشى. كيتون يعبر عن الموقف كونه يعايشه، اعترف بذلك أو لم يعترف، لكنه يعبر عنه أيضا كونه ممثلا جيدا يضع هنا تلوينا داكنا لشخصية رجل كل ما يريده هو أن يحب (كما تقول بعض أسطر دوره في المسرحية).

المخرج إناريتو يصور هذا الموضوع بأسلوب برغماني من دون برغمان ذاته: إنه مكان مغلق في معظم الوقت (تخرج الكاميرا إلى الشارع لأول مرة بعد فصل يقع داخل المسرح مدته 34 دقيقة). الكاميرا تتحرك برشاقة وانسياب في أزقة المسرح وردهاته. تنفعل في طرفة عين ومع كل فعل يقع أمامها. إناريتو لا يحاول أن يتغلب على حدود المكان، بل يبتدع الخروج عنه ومنح الزمن الذي تقع فيه أحداث الفيلم (48 ساعة) شكلا مطاطيا يدمج الماضي والحاضر ولديه الوقت ليدلف إلى الكثير من الحكايات الجوانية. كل مشاهد الفيلم، بلا استثناء واحد، مشغولة بعد دراسة تنفيذ دقيقة. المشهد المحتوي على شخصية رجل واحد هو بالنجاح ذاته لمشهد يحتوي على مئات (المشهد الرائع لبطل الفيلم وقد اضطر للسير في الشارع عاريا إلا من ملابسه الداخلية والفوضى التي أثارها). هناك حيوية في تصوير الفيلم وتركيبه لا يعتمد على حالة مونتاجية متكررة. لا تدخل في المشهد الواحد إلا في أقل قدر ممكن، لكن التوليف يستنبط من الإخراج منواله ولا ينفصل عن رغبة هذا المخرج في تشكيل الفيلم على المنحى الذي أراده في باله.

حين يأتي الأمر إلى التمثيل، فإنه لا أحد يخفق. كيتون ونورتون متوازيان وبعض أفضل ما في الفيلم المشاهد الأولى التي تجمعهما، لكن كذلك الحال مع ناوومي ووتس وإيما ستون وآمي رايان وزاك غاليفيانكيس. هذا هو النوع من التمثيل الذي سيقاس به كل جهد لاحق قبل منح الجائزة في هذا المجال لأي ممثل. في صلبه يتعامل «بيردمان» مع ما يتعامل معه الناقد والمهرجان وكل فرد في هوليوود: هل يستطيع الفن أن يقاوم التجارة أم أن البزنس يغلبه لأن كليهما لا يستطيعان السير معا؟

في أولويات هذا المهرجان، ومهرجانات كثيرة حول العالم، الإنفاق بسخاء على جذب الأفلام التي تعرض عرضا عالميا أولا، وعلى جلب النجوم الكبار والمخرجين المشهود لهم بالصيت الحسن. لكن في حين أن مهرجانا مثل «كان» و«تورنتو» ينجحان في الزج بالنوعية وبالنجومية في أتون واحد، يختط فينيسيا لنفسه منوالا يستطيع عبره القول إنه المهرجان الذي يناصر الفن ويدعمه. لم يكن دوما كذلك فهو ذاته المهرجان الذي رفض، قبل نحو 5 سنوات، عرض فيلم للمخرج اليوناني العريق ثيو أنجيلوبولوس لأن الممثلين المشتركين في الفيلم كانوا مشغولين في تصوير أفلام أخرى ولم يتمكنوا من حضور المهرجان. آنذاك، تصرف المهرجان بنزق غريب واعتذر من المخرج اليوناني الراحل.

لكن في معظم الأوقات وفي شتى الظروف بقي «فينسيا» و«برلين» قادرين على احتواء شيء من التعادل، وإذا ما اضطرب الميزان فإنه يضطرب لصالح الفن وليس التجارة، وهو ما يحدث هذا العام، إذ إن العدد الأكبر من نجوم السينما الأميركية متجهون إلى تورنتو شأنهم هذه المرة شأنهم في كل مرة سابقة.

«بيردمان» يفتح صفحة من صفحات حديثه حول العلاقة بين الناقد والمبدع. يتساءل الفيلم، على لسان بطله، عن ماهية الجهد الكبير الذي يبذله الناقد في عمله: إنه يكتب ما تم إنجازه فعلا ويستعين بالكلمات الكبيرة، لكنه لم يصرف لا الوقت ولا الجهد ولا المال في سبيل العمل، بل جاء ليهدمه لأسباب عادة، في نظر الفيلم، ما تكون واهية.

هنا يمتزج، مرة أخرى، واقع الفيلم مع واقع الحياة ويتبدى كما لو أن فينيسيا أراد باختياره هذا الفيلم ليفتتح المسابقة الرسمية وضع كل مسارات السينما وعلاقات من فيها (مهرجانات وأفلام ونقاد وجمهور) على طاولة النقاش. وهو اختار الفيلم الرائع لمثل هذا الطرح.

الشرق الأوسط في

28.08.2014

 
 

'فيلا توما' ينقل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى فينيسيا

القدس المحتلة

أثار فيلم" فيلا توما" صراعاً بين وزارة الثقافة الإسرائيلية ومخرجة الفيلم الفلسطينية سهى عراف إثر تقديمه في مهرجان فينيسيا السينمائي على أنه فيلم فلسطيني في حين أنه من انتاج "صندوق دعم السينما الإسرائيلي".

واستغلت سهى عراف الفرصة المتاحة لها بالحصول على الدعم من صندوق دعم السينما الإسرائيلية وقدمت مشروع الفيلم، فحصلت على الدعم، لكنها تقدمت به إلى فينيسيا السينمائي على أنه فيلم فلسطينيي، وهو ما جعل وزارة الثقافة الإسرائيلية تطالب المخرجة بإعادة 230000 جنيه استرليني.

وصرحت ليمور فانتي وزيرة الثقافة الإسرائلية أنه لابد من استعادة الأموال التي صرفتها الوزارة على الفيلم.

وقالت عراف "إن جميع الشخصيات والممثلين فلسطينيين، وتدور الأحداث كلها في رام الله، كما أن الفيلم تأليفي وإخراجي، والسناريو باللغة العربية، فكيف يريدون مني أن أقدمه على أنه إسرائيلي؟!، وأضافت عراف "لقد تم منع الفيلم من العرض ووضعي على القائمة السوداء".

وتدور أحداث الفيلم حول ثلاثة شقيقات من الطبقة الأرستقراطية بـ"رام الله"، وينقل كفاحهن للتكيف مع الحياة في ظل الاحتلال.

وتؤكد عرّاف أنّ التحدي السينمائي الأكبر لها في "فيلا توما" يكمن في التعبير عن التناقضات الداخلية والتحوّلات التي تمر بها الشخصيات الرئيسية، في موقع تصوير واحد تقريباً، أي بيت العائلة الذي صُوِّر في مدينة حيفا، مع عدم التخلي عن الديناميكية اللازمة لإظهار التوتر الدرامي، وسط حضور طاغٍ للشخصيات النسائية.

ومن المقرر أن يبدأ مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي فعالياته الاربعاء بعرض فيلم "بيرد مان"، بطولة مايكل كيتون وإيما ستون وإدوارد نورتون ونعوامى واتس.

وتدور قصة الفيلم الذي قام بإخراجه المخرج مكسيكي المولد أليخاندرو جونزالس إناريتو، مخرج فيلمي اموريس بيروس وبابل، حول ممثل فقد شهرته يحاول العودة مجددا للأضواء عن طريق المشاركة في مسرحية في بروادواي.

ومن المقرر أن تستمر فعاليات المهرجان في نسخته الـ71 حتي السادس من أيلول/سبتمبر.

ويحظى مهرجان فينيسيا السينمائي لهذا العام بتنوع كبير للاعمال المشاركة فيه والتي تتضمن معالجات أدبية وتراجيديا الحروب وروايات الحب الضائع والقرى النائية والكوميديا السوداء.

ويشارك في الدورة الحادية والسبعين للمهرجان لهذا العام، 20 فيلما، يتنافس كل منها للحصول على أرفع جوائز المهرجان وهي جائزة "الاسد الذهبي".

ومن المقرر أن يعرض فيلم الختام "ذا جولدن إيرا"، وهو سيرة ذاتية عن الكاتبة الصينية المتطرفة تشياو هونغ، وهو من إخراج أن هوي.

الرأي الأردنية في

27.08.2014

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)