كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

التركى بلجى سيلان يفوز بالسعفة الذهبية ويهدى الجائزة إلى ضحايا ميدان تقسيم

بقلم: سمير فريد

مهرجان كان السينمائي الدولي السابع واالستون

   
 
 
 
 

أعلنت، مساء السبت، جوائز مهرجان كان الـ٦٧، وفاز الفيلم التركى «البيات الشتوى» إخراج نورى بلجى سيلان بالسعفة الذهبية، أكبر جوائز المهرجان، وأكبر الجوائز الدولية للسينما فى العالم. هذه هى المرة الثانية التى يفوز فيها فيلم تركى بالسعفة بعد فوز «الطريق» إخراج يلماز جوناى وشريف جورين عام ١٩٨٢.

«البيات الشتوى» ليس أفضل أفلام فنان السينما التركى العالمى الكبير، خاصة لمدة عرضه الطويلة التى تبلغ ١٩٦ دقيقة من دون مبررات درامية كافية، ولاعتماده على الحوار على العكس من كل أفلامه السابقة. وقد اشترك سيلان من قبل بأربعة أفلام فى مسابقات كان، وفاز مرتين بالجائزة الكبرى التى تلى السعفة عام ٢٠٠٢ عن «مسافات»، وعام ٢٠١١ عن «حدث ذات مرة فى الأناضول»، كما فاز عام ٢٠٠٨ بجائزة أحسن إخراج عن «ثلاثة قرود»، وفيلمه الوحيد الذى اشترك فى المسابقة، ولم يفز بأى جائزة كان «مناخات» عام ٢٠٠٦.

وبعد تسلمه الجائزة قال سيلان، على مسرح الحفل، إن فوزه يأتى فى عام الاحتفال بالسينما التركية، وهذه مصادفة تاريخية، وإنه يهدى الجائزة إلى «كل الشباب التركى ومنهم الذين فقدوا حياتهم العام الماضى»، فى إشارة إلى الـ١١ شابا الذين قتلوا أثناء قمع مظاهرات ميدان تقسيم.

وكان الاحتفال بمئوية السينما التركية من أحداث مهرجان كان الكبرى هذا العام، حيث حضر وفد من ٣٧ فرداً برئاسة وزير الثقافة، وأقام سفير تركيا فى فرنسا حفلاً كبيراً، وصدرت مطبوعات خاصة منها مجموعة من ١١ فيلماً على أسطوانات «بلو راى» لمختارات من تاريخ السينما التركية، وتم إهداؤها إلى ١٢ ألفاً من المشتركين فى السوق.

جودار ودولان

وباستثناء السعفة الذهبية التى تعتبر تقديراً مستحقاً لفنان كبير، وجائزة أحسن ممثل التى فاز بها تيموثى سبال عن دوره فى الفيلم البريطانى «السيد تيرنر» إخراج مايك لى، جاءت الجوائز الأخرى باهتة، حيث فاز الفيلم الإيطالى «العجائب» إخراج أليس رورواشير بالجائزة الكبرى من دون استحقاق، وكأنه كان من الضرورى أن تفوز إحدى المخرجتين المشتركتين فى المسابقة من اللجنة التى رأستها مخرجة وأغلبيتها من المخرجات والممثلات. وفاز بجائزة أحسن إخراج بينت ميللر عن الفيلم الأمريكى «الثعالب»، وهو مخرج هوليوودى تقليدى، وفازت بجائزة أحسن ممثلة الأمريكية جوليان مور عن دورها فى الفيلم الفرنسى خريطة للنجوم إخراج دافيد كروننبرج عن دور عادى، وفاز بجائزة أحسن سيناريو أندريه زفياجينتسييف وأوليج نيجين عن الفيلم الروسى السفينة الكبيرة من إخراج الأول، وهو بدوره سيناريو تقليدى غير متميز. وتصل الجوائز إلى حد الهزل فى منح جائزة لجنة التحكيم إلى زافير دولان عن الفيلم الكندى «الأم»، وجان لوك جودار عن الفيلم الفرنسى «وداعاً إلى اللغة»، وجمعت بذلك بين دولان (٢٥ سنة) أصغر مخرجى المسابقة عمراً وأكبرهم جودار (٨٣ سنة)، وكأننا فى برنامج تليفزيونى من الدرجة الثالثة، فلا يوجد ما يجمع بين الفيلمين ولا بين المخرجين، فالمخرج الكندى موهوب بلا شك، ولكن يوجد مثله العشرات من المخرجين، أما جودار فالسينما بعده لم تعد كما كانت قبله، مثل أورسون ويلز وغيره من المبدعين العظام فى تاريخ السينما.

لقد وزعت الجوائز السبع بين سبعة أفلام من سبع دول هى: تركيا والولايات المتحدة وكندا وأربع دول أوروبية هى: إيطاليا وبريطانيا وروسيا وفرنسا التى فازت بجائزة ونصف جائزة، أى من جميع الدول مصادر الأفلام التى اشتركت فى المسابقة ماعدا الأرجنتين التى برز فيلمها «حكايات وحشية» إخراج داميان سيفرون بقوة، وبلجيكا التى عرض منها «يومان وليلة» إخراج الأخوين داردينى اللذين سبق أن فازا بالسعفة مرتين، وكانت ممثلة الدور الأول فى فيلمهما الجديد ماريون كوتيلار جديرة بجائزة أحسن ممثلة.

كان من الأفضل أن يستمر التقليد القديم فى مهرجان كان، وهو عدم عرض أفلام فى المسابقة لمخرجين فازوا بالسعفة، وهم هذا العام الأخوان داردينى ومايك لى وكين لوش. ومن التقاليد القديمة التى كانت أفضل أيضاً عدم عرض أفلام فى المسابقة لمخرجين أصبحوا أكبر من كل الجوائز مثل جودار، الذى لم يحضر المهرجان هذه السنة، ولا فى السنوات الماضية التى عرضت فيها أفلامه خارج المسابقة.

الأفلام القصيرة

فاز بالسعفة الذهبية للأفلام القصيرة الفيلم الكولومبى «ليدى» إخراج سيمون ميسا سوتو، وبشهادة تقدير الفيلم الفرنسى «عيسى» إخراج كليمو تريا- لالان، والفيلم النرويجى «نعم نحن نحب» إخراج هالفار فيتزو.

الكاميرا الذهبية

وفاز بجائزة الكاميرا الذهبية لأحسن فيلم طويل أول لمخرجه الفيلم الفرنسى «فتاة الحفل» إخراج مارى أماشكولى وكير بيرجر وصامويل ثيس، وتمنحها لجنة تحكيم خاصة لكل الأفلام الطويلة الأولى فى كل أقسام المهرجان والبرامج الموازية، التى بلغ عددها هذا العام ١٥ فيلماً.

نظرة خاصة

وفى قسم «نظرة خاصة» الذى بدأ من دون جوائز، ثم تحول بالتدريج إلى مسابقة ثانية لها لجنة تحكيم خاصة، منحت خمس جوائز، وهى أحسن فيلم وفاز بها الفيلم المجرى «الإله الأبيض» إخراج كورنيل موندوروزو، ولجنة التحكيم وفاز بها الفيلم السويدى «سياحة» إخراج روبين أوستلوند، وجائزة خاصة فاز بها الفيلم الفرنسى التسجيلى «ملح الأرض» إخراج فيم فيندرز، وأحسن تمثيل وفاز بها «فتاة الحفل»، وأحسن ممثل وفاز بها دافيد جيولبيل عن دوره فى الفيلم الأسترالى «بلد شارلى» إخراج رولف دى هير.

أسبوع النقاد

وفى البرنامج الموازى «أسبوع النقاد» فاز الفيلم الأوكرانى «القبيلة» إخراج ميروسلاف سلابوشبتكسى بالجائزة الأولى وجائزة الرؤية، وفاز الفيلم الفرنسى «الأمل» إخراج بوريس لوكينى بجائزة جمعية المؤلفين والملحنين.

نصف شهر المخرجين

وهناك ثلاث جوائز فى البرنامج الموازى «نصف شهر المخرجين» هى جائزة فن السينما وجائزة سينما أوروبا وجائزة جمعية المؤلفين والملحنين، وقد فاز بالجوائز الثلاث الفيلم الفرنسى «المكافحون» إخراج توماس كايلى، وهو أول فيلم طويل لمخرجه.

فيبريسى

أما لجنة تحكيم الاتحاد الدولى للنقاد (فيبريسى) فقد اتفقت مع لجنة تحكيم المهرجان فى اعتبار «البيات الشتوى» أحسن أفلام المسابقة، واتفقت مع لجان تحكيم جوائز «نصف شهر المخرجين» الثلاثة فى اعتبار «المكافحون» أحسن أفلام البرنامج، ومنحت جائزة أحسن فيلم فى «نظرة خاصة» إلى الفيلم الأرجنتينى «أرض الوفرة» إخراج ليساندرو ألونسو.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

26.05.2014

 
 

جوائز كانّ 67:

جيلان يربح "السعفة" وجيلان آخران يتواجهان!

المصدر: "النهار"/ هوفيك حبشيان- كانّ 

في مئوية السينما التركية التي تصادف هذه السنة، أسندت جائزة "السعفة الذهب" إلى المخرج التركي الكبير نوري بيلغي جيلان عن فيلمه "سبات شتوي"، في مهرجان كانّ السينمائي الذي اختتم مساء أمس. قصيدة سينمائية تحملنا الى الأناضول بدقائقها الـ196 التي تضعنا في عمق الوجود. لحظة اعلان رئيسة لجنة التحكيم النيوزيلاندية جاين كامبيون النتيحة، أضحت ايضاً لحظة حسم بددت الاحتقان ووضعت حداً لكل التكهنات التي لم تتمحور الا على حفنة من الأفلام في هذه الدورة. ففي الأيام الأخيرة، بدأت الترجيحات تسير دربها المعتاد، ترجيحات مصدرها أقلام صحافية تمارس هذه اللعبة منذ سنوات بلا ادنى شعور بعبثيتها. للحظة، كان تقدم اسم المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو على غيره من المرشحين لـ"السعفة"، ولكن ان ينالها مخرجان عربيان في دورتين متتاليتين، فإن الأمر يحتاج الى يد إلهية.

ضربة معلم

32 عاماً بعد المخرج التركي يلماز غونيه الذي حصد الجائزة نفسها عن فيلمه "يول"، كُرِّم جيلان بأرفع تكريم سينمائي (نال ايضاً جائزة "فيبريسي"). هذه رابع جائزة رسمية ينالها جيلان (55 عاماً) في كانّ، المهرجان الذي شارك فيه للمرة الاولى بفيلم قصير عام 1995. مذذاك، نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن "بُعد" (2002)؛ جائزة الاخراج عن "ثلاثة قرود" (2008)؛ ومجدداً جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن تحفته "ذات زمن في الأناضول". والآن "السعفة" التي كرسته نهائياً كواحد من أهم عشر مخرجين على قيد الحياة. "الفرق كبيرٌ بين الجوائز التي نلتها وهذه الجائزة"، قال جيلان عند لقائه بالصحافيين. وعندما سأله أحدهم عمّا اذا كان طول الفيلم عائقاً امام توزيعه في الصالات، كان رده انه انجزه بلا أيّ اكتراث للنواحي التجارية، كاشفاً ان النسخة الاولى كانت بلغت أربع ساعات ونصف الساعة. وأهدى جيلان "السعفة" الى الشباب الذين قضوا العام الماضي في المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والشرطة التركية. بكلمات مدروسة ومقتصدة، في الشكل والمضمون، سجّل جيلان موقفاً اخلاقياً وسياسياً واضحاً، عندما "همس" في اذن 4000 وسيلة اعلامية: "تعرفون، مررنا بأزمة كبيرة العام الماضي في تركيا، وهؤلاء الشباب علّمونا الكثير. بعضهم ضحّى من أجل مستقبلنا".

في مديح البطء

قرر نوري بيلغي جيلان انه سيكون مخرجاً بعدما شاهد فيلم "الصمت" لانغمار برغمان. صمت مهيب رافق أفلامه كلها لسنوات طويلة. في جديده، يترك المَشاهد التأملية (وإن كانت موجودة بين حين وآخر)، ليركن الى سينما كلامية مشبعة بالنقد والفلسفة والقلق الوجودي. لائحة الجوائز التي شكلتها جاين كامبيون (واضح أنها سينيفيلية فهيمة بقدر ما هي مخرجة لامعة) ضربة معلم. كامبيون وفريقها أبرزا (تقريباً) أفضل ما جاء في هذه الدورة. طبعاً، ما من لائحة ترضي الجميع. ولكن، بمنحها "السعفة" الى جيلان، كرّست السينما الصعبة او الـ"انتي" تجارية التي لا تأخذ في الاعتبار عناصر الترويج والانتشار ولا تساوم من اجلها. سينما محمولة على الظهر، تنبذ التيارات والموضة وتعادي عصر الاستهلاك والسرعة. سينما في مديح البطء يبحث فيها جيلان عن "الجانب المظلم لشخصيته"، كما تجرأ وقال في المؤتمر الصحافي الذي أعقب توزيع الجوائز.

فيلم ــ سجادة

فيلم جيلان تلقاه كثيرون كصفعة عندما شاهدوه للمرة الأولى. وضع المخرج نظرته العميقة من برغمان الى تشيكوف في سياق الحياة اليومية، ملتقطاً بالعبقرية عينها الوجوه والمناظر الثلجية، القريب والبعيد، المعلن والمخفي. هناك في "سبات شتوي" شخصيات عدة في بقعة جغرافية واحدة يفرض عليها الفيلم التعايش. كل التفاصيل تمر عبر ممثل سابق (هالوك بيلغينير) هو ايضاً مالك أراضٍ ثري انسحب من الحياة الإجتماعية وراح يمضي أيامه في منزل العائلة الواقعة في الأناضول بعدما حوّله الى فندق. يحاول أيدن كتابة تاريخ المسرح التركي ويشغل نفسه بإنجاز مقالات لمجلة محلية لا يقرأها أحد. مشهد صغير لتحطيم زجاج سيارة وهي تمرّ، كافٍ ليُزجّ بنا في خصوصية البوادي وناسها. ينسج المخرج فيلمه كما تُنسج السجادة، أيّ بخيوط متداخلة ومتعددة اللون. لا شيء يموت في هذا الفيلم الكبير، كلّ شي يتحول، الحبّ والفنّ وصمود الانسان في بيئة قاسية من شأنها تعزيز علاقته بمحيطه.

رورفاكر: لا للطهارة!

الأخوان داردين خرجا من المهرجان للمرة الأولى في تاريخهما، من دون أيّ جائزة. حتى في الخسارة تميزا. بقية الجوائز انصفت فكرة معينة عن السينما وأعطت السينمائيين الشباب دعماً معنوياً كبيراً. الايطالية من أصل نمسوي أليتشه رورفاكر (33 عاماً) فازت بجائزة لجنة التحكيم الكبرى عن فيلمها الجميل والمحكم البناء "الروائع". عملها هذا الذي لم يحصد الاجماع، واحد من أجمل اكتشافات هذا المهرجان. رورفاكر شابة توسكانية كانت قد شاركت في "اسبوعا المخرجين" عام 2011 بفيلم واعد. يصوّر الفيلم التفاصيل اليومية لعائلة من مربّي النحل في احد الأرياف الايطالية؛ هناك الأب المتسلط وزوجته وأخته، وهناك بناته الأربع اللواتي يساعدن أهلهن في استخراج العسل. تمت عملية التقاط المشاهد في الحيز الجغرافي الواقع بين أومبري ولاتيوم وتوسكانا. تزيح رورفاكر الستارة عن "الطهارة" التي يدّعيها سكان بعض الأرياف وهي ليست سوى حجة لحماية اقتصادهم ومصدر رزقهم. رورفاكر هي واحدة من سيدتين شاركتا في مسابقة كانّ، واسناد ثاني أهم جائزة في المهرجان إليها، هو ايضاً التفاتة الى المخرجات اللواتي اثار "استبعادهن" عن مسابقة كانّ في الفترة الماضية غضب منظّري النسوية!

ميللر في قمة فنه

لا أحد كان يستحق جائزة الاخراج أكثر من الأميركي بينيت ميللر. انها اعادة اعتبار حقيقية إلى مخرج "كابوتي" الذي يوقّع بـ"صياد الذئاب" فيلمه الثالث. من خلال نصّ مترابط وسلس يترجح بين جيمس غراي وجويل كوين (في تعريتهما لأميركا) ينزلنا ميللر الى جحيم العلاقات التي تنشأ بالقوة، الى تلك الأميركا التي تمجد القوة، من خلال حكاية حقيقية لمليونير أميركي سليل عائلة صنعت ثروتها من بيع الأسلحة. لا شيء يميز هذا المليونير سوى انه سينزلق الى الجريمة بحثاً عن المزيد من التفوق والسلطة. الاخراج ممسوك بقبضة حديد، اسلوب السرد مبتكر، بعيد من الأساليب السيناريستية التي عهدناها، والتمثيل الذي يجمع بين شانينغ تاتوم ومارك روفالو وستيف كاريل إحدى النقاط القوية في الفيلم.

كزافييه دولان المضطهد

واحدة من المفاجآت الكبيرة تمثلت في حصول كلٍّ من الكندي كزافييه دولان والسويسري جان لوك غودار على جائزة لجنة التحكيم مناصفة. أصغر السينمائيين (دولان: 25 سنة) وأكبرهم (غودار: 84 سنة)، تقاسما الجائزة المهيبة في دورة توسعت فيها الهوة بين الأجيال. منذ الكشف عن التفاصيل الدرامية والجمالية لفيلم "مامي" لدولان، كانت الصحافة الفرنسية المتخصصة من أشد المناصرين لهذا الشريط الذي يروي علاقة إبن بأمه، ولكن ليس أيّ علاقة؛ علاقة مضطربة يلتقط فيها دولان بأسلوبه الرشيق وحساسيته الدرامية العالية تفاصيل انسانية كثيرة. في الساعات القليلة قبل نيله الجائزة، كان دولان يعيش حلمه الجديد وعيناه تدمعان في كل مرة تكلم فيها عن وجوده هنا في كانّ. هذا الممثل والمخرج الذي نال ثلاث جوائز منذ أول مشاركة له في "اسبوعا المخرجين" بـ"قتلتُ امي"، أعلن انه يشعر بالتعب والإرهاق. بعد خمس سنوات من العمل المتواصل حيث أنجز خمسة أفلام، حان الوقت ليأخذ قسطاً من الراحة. قال دولان إنه يعني له الكثير ان تلتفت لجنة التحكيم الى حساسيات سينمائية تنتمي الى أجيال مختلفة، كاشفاً انه كان يتعرض للسخرية من اصحابه في كيبيك، في كل مرة يعبّر فيها عن حلمه بأن يصبح سينمائياً. وها انه يتقاسم الجائزة مع واحد من آلهة السينما!

غودار ينام!

أما غودار، شريكه في الجائزة، فهذه أول جائزة ينالها على الرغم من مشاركته في المهرجان لمرات عدة (ربما لم يقدم فيه أفضل ما أنجزه!). "وداعاً للغة"، مانيفستو سينمائي جديد بالأبعاد الثلاثة بتوقيع شيخ "الموجة الجديدة". أثناء عرض الفيلم طُردنا من الصورة للحظات، قبل ان نعود اليها. استعمل "شيطان" السينما تقنية "صورة فوق صورة" مع الأبعاد الثلاثة، محوّلاً الشاشة التي أمامنا الى شيء لا يمكن النظر اليه. المعلّم تخطى كل الحدود المسموح بها. فرض علينا ان لا نرى. طبعاً، صفق المشاهدون لهذه الخديعة البصرية. عدا ذلك، الفيلم لا علاقة له بأيّ شيء ورد في الملخص. يشبه النسخة الخديعة التي قدّمها عن "الملك لير"، التي لم يكن لها ايّ علاقة بشكسبير. المنتج ألان سارد هو الذي تسلم الجائزة عن غودار، وعندما سألوه اذا كان أبلغ غودار عن فوزه، نظر الى ساعة يده وقال: "في مثل هذه الساعة، لا!".

روسيا اليوم

جائزة السيناريو ذهبت الى الروسي اندره زفياغينتسيف (الفائز بـ"الأسد الذهب" في البندقية عام 2003) عن السكريبت البديع الذي وضعه لـ"ليفياتان"، فيلم لم يرافقه أيّ وفد رسمي الى كانّ، نظراً لكونه يمرّغ نظام بوتين في الوحل من دون اشارات مباشرة. بورتريه لروسيا الحالية المحاصرة بأسئلة أخلاقية كبرى، روسيا التائهة بين سياسة وفساد وخمر. من خلال بناء درامي معقد، يكشف صاحب "الاستبعاد"، خفايا بلاد غارقة في الاستبداد وسوء استخدام النفوذ.

جوليان بدلاً من ماريون

خلافاً لما كان متوقعاً، أفلتت جائزة التمثيل النسائي من يدي الفرنسية ماريون كوتيار الناعمتين (قدّمت دوراً مذهلاً في "يوم وليلة" للأخوين داردين). رأت اللجنة أداء الأميركية جوليان مور أهلاً لجائزة بعدما اضطلعت بدور ممثلة متهاوية في "خرائط الى النجوم" لديفيد كروننبرغ. مور التي على ما يبدو لم تكن تتوقع الفوز، لم تأتِ لتتسلم الجائزة، وقيل انها تشارك في تصوير فيلم جديد. البريطاني تيموثي سبال، الرجل الذي استحق بجدارة جائزة التمثيل الذكوري عن التركيبة التمثيلية الرهيبة التي وضعها للتشكيلي وليم تيرنر. باختصار، أداء متطرف يخطف الأنفاس. عند تسلم الجائزة، غرق سبال في خطاب ساخر وطويل لم يعرف كيف ينتشل نفسه منه. جاء على ذكر علاجه من سرطان الدمّ الذي صادف مع فوز مايك لي بـ"السعفة" عام 1996 عن فيلمه "أسرار وأكاذيب"، المخرج الذي يتعاون معه منذ 33 عاماً.

وداعاً جاكوب

لحظة وجدانية اخرى ايضاً طبعت ليلة توزيع الجوائز التي تم تقديمها السبت بدلاً من الأحد بسبب الانتخابات الأوروبية: الوقوف والتصفيق الطويل لرئيس المهرجان جيل جاكوب (84 عاماً) الذي يغادر منصبه هذه السنة. اكتفى جاكوب بأن لوّح بيده على سبيل الوداع. كان في منتهى الـ"كلاس". خلفه، بيار ليسكور، الموجود في الصالة، هو الآخر كان يصفق له ولصفحة تُطوى من تاريخ كانّ. الآن، بعدما ردّ المهرجان الاعتبار الى ماضي السينما ومهّد طريقها الى المستقبل، يستطيع قيصر كانّ السابق ان يرتاح قرير العين!

النهار اللبنانية في

26.05.2014

 
 

كل ما لا تعرفونه عن «كان»!

إبراهيم حاج عبدي 

مع انتهاء النسخة السابعة والستين من مهرجان «كان» السينمائي، سيكون المشاهد العربي عرف كل شيء عن هذا المهرجان العريق، بدءاً من رقصة نيكول كيدمان في حفلة الافتتاح مروراً بفستان السمكة الذي ظهرت به الهندية آشواريا راي، وحركات شارون ستون وهي تلتقط صوراً مع مجموعة من رجال الأمن، والدعابة التي حملت «تلميحًا جنسيًا» والتي صدرت عن جنيفر لورانس لدى حضورها ندوة لمخرج «غرافيتي» ألفونسو كوارون، وليس انتهاء بـ «القبلة المدوّية» للفنانة الإيرانية ليلى حاتمي التي أشعلت الفضائيات والمواقع.

حسناً، هل هذا هو كل شيء عن كان؟ يبدو ان الفضائيات العربية ترى في هذا المهرجان كرنفالاً سياحياً مبهراً لا علاقة له بالسينما، فهي تغطي كل شيء خارج قاعات السينما، من الفساتين الى الحركات الى زلات اللسان الى سحر الشواطئء في المدينة الفرنسية الوديعة، الى المقاهي وبهو الفنادق والسجادة الحمراء بالطبع... لكنها تمتنع عن الخوض في جوهر هذا المهرجان. تتجنب الدخول الى القاعة المعتمة، بالتالي فهي تقدم قائمة طويلة عن القشور، ولا تقدم حتى ولو قائمة عددية صحيحة عن الأفلام المعروضة.

ما الذي خصصته الفضائيات لفيلم «وداعاً للغة» لجان لوك غودار، وماذا قالت عن فيلم «سبات شتوي» لنوري بيلجي جيلان، وفيلم «قاعة جيمي» لكين لوتش، وفيلم «مستر تيرنر» لمايك لي، و«صائد الذئاب» لبينيت ميللر، وفيلم الأخوين داردين «يومان، ليلة واحدة»...؟ أفلام حديثة ومهمة تعرض في أهم محفل سينمائي لن تأبه بها الفضائيات العربية، وستظل وفية لآلية عملها «الضحلة» في الاهتمام بكل التفاصيل باستثناء الفيلم، وما يحمله من جديد، وشروط وظروف إنتاجه.

كانت الأستاذة في قسم الصحافة في جامعة دمشق فريال مهنا، تستهجن عبارة «التغطية الصحافية»، قائلة إن مهمة الإعلام هي الكشف والتعرية، فكيف يمكن أن نصف ما تقوم به الصحافة بـ «التغطية». ويبدو أن الفضائيات العربية أخذت هذه العبارة بمعناها الحقيقي لا المجازي، فراحت «تغطي» على كل ما هو جوهري، وتكشف فقط عن الهوامش والقشور.

والحال أن مهرجاناً مثل كان هو أهم حدث سينمائي عالمي، وهو يشكل مادة خصبة، لا خلال أيام المهرجان فحسب، بل للأسابيع التالية أيضاً، ناهيك بأن هذا الحدث لا يعني النخبة السينمائية فقط، بل هو يحظى باهتمام شريحة واسعة... على رغم كل هذه الحقائق، فإن الفضائيات العربية مصرّة على تجاهل هموم السينما ومشاكلها وكذلك سحرها وسطوتها الرمزية، والتركيز بدلاً من ذلك على الأمور الثانوية التي تظهر مهرجان كان وكأنه مجرد رحلة ترفيهية يحضرها نجوم السينما، أما ما يطرح على الشاشة الكبيرة من أسئلة وما يقدم من جماليات، فلا مكان له على الشاشة الصغيرة!

الحياة اللندنية في

26.05.2014

 
 

كان: "نظرة ما" تحتفي بمبتكرها..

كان (جنوب فرنسا): قيس قاسم 

ماذا تعني عبارة "نظرة ما" التي أطلقها جيل جاكوب الرئيس السابق لمهرجان كانّ السينمائي على أحدى أقسامه وخصص لها جائزة ليست أقل أهمية عن جائزة السعفة الذهبية نفسها؟ حول هذا السؤال قال جاكوب، وقد بلغ من العمر عتيا، في حفل توزيع جوائزها لهذا العام كلاماً موجزاً عنها لم يتطرق الى المعنى الحقيقي لها فقد صار واضحاً ولعقود ما الذي تعنيه بالنسبة للمهرجان وللسينما وصناعها لكنه ذهب الى منطقة ظريفة تتعلق بصعوبة لفظ العبارة  وترجمتها بالنسبة للنقاد والصحفيين الأجانب وكأنه بهذا يؤكد معرفته طيلة تلك الفترة بما كان يدور من جدل حول دقة ترجمتها والخلاف المستمر حولها ليضفي على كلامه جواً حميمياً أراده أن يكون مسك ختام لرحلة أبداع طويلة وتذكير بأبتكار شخصي له في نفسه موضع خاص.

تُوج هذا العام بعروض جيدة من بينها الفيلم الهنغاري الفائز بالجائزة "إله أبيض"  والسويدي "سائح" لروبين أوستلاند الى جانب فيلم "بلاد تشارلي" الذي خرج بجائزة لافتة منحتها لجنة التحكيم الى ممثله الرئيسي ديفيد غولبيليل لكونه ليس ممثلاً بالمعنى المتعارف عليه بل رجل حقيقي من المتبقين من سكان أستراليا الأصليين المهددين بالأنقراض الكامل وعنهم أنجز المخرج رولف دي هرّ ثلاثية بدأت ب"المطارد، 2002" و"عشرة قوارب، 2006" أعتمد فيها أسلوباً وثائقياً حين ترك لممثليه حرية التحرك والكلام على سجيتهم دون ألتزام بنص معد مسبقاً ولا بترتيب مدروس للمشهد الواحد وكأنه بذلك يريد نقل حياتهم كما هي في أفلام روائية أستحق ثالثها الخروج بجائزة لقوته وأهمية موضوعه الذي يخص شعب نكر "الأستراليون" القادمون من خارج الحدود وجودهم وأقاموا فوقها دولتهم على حسابهم فيما لعبت السينما دوراً في اعادة قراءة سجلهم التاريخي عبر مجموعة أفلام من بينها "أستراليا" الذي لعبت فيه نيكول كيدمان دور البطولة ولكنه لم يرتق الى مستوى أفلام دي هرّ المدهشة واللصيقة بتفاصيل حياة شعب مسالم تعرض لأبادة ممنهجة يقدمها فيلم "بلاد تشارلي" عبر شخصية مركزية تجسد مصير شعب بأكمله

توثيق الحياة بالمتخيل

حياة تشارلي تبدو في ظاهرها وفي تفاصيلها اليومية حياة كسولة معتمدة على المساعدات الاجتماعية ومؤطرة بوسط معزول يميل الى تزجية الوقت بالمُسَكرات والتلاعب على النظام المؤسساتي الأسترالي، وفي أفضل درجات التكامل معه يقدم تشارلي وغيره من سكان أستراليا الأصليون خدماتهم كأدلاء لرجال الشرطة بسبب من معرفتهم بالمنطقة وتضاريسها وحتى في هذا الجانب لا يخلصون كثيراً لمكلفيهم كونهم لا يثقون بهم ولا بمهامتهم التي تبدو بالنسبة اليهم غبية وتستهدف الضعفاء المرتكبين لخروقات قانونية بسيطة. هكذا هو الظاهر الذي يعكس التصور الجاهز عند السكان "البيض" والذي يعبر بوضوح عن الموقف الرسمي من وجود بقايا شعب يريدون أزالته حتى لا يتذكرون أبداً طارئية وجودهم على أرض أعتبروها ملكاً لهم ووجود هؤلاء "الأبورجينيون" الدائم يزعج ذاكرتهم ويخدش جمال وجودهم، هكذا الظاهر لكن ما تحيله الأحداث المصورة بواقعية جد شديدة، يوصلنا الى جوانيات تشارلي المعذبة والتي تدفعه لممارسات هي في جوهرها وسائل يريد بها وضع حد لحياته التي لم تعد لها معنى في ظل حصار اجتماعي/ اقتصادي مدروس، يضعه وشعبه في زاوية لا تسمح بتجاوز ماهو مرسوم لهم بخبث المستعمر وعقليته المتفوقة والتي تتمثل في الجزء الأخير من الثلاثية بأجهزة الشرطة ورجالها الذي يلاحقون المساكين ويتصديون أخطاءهم لينغصوا حياتهم البسيطة ويزيلوا الضحكة البريئة عن شفاههم.

التقابل بين "الأبورجينين" والشرطة يفضي الى تصادم لا يمكن تجنبه لأنه في الأصل مواجهة بين وجودين لا يريد المسيطر أن يعترف بهما ومن هنا فالشرطة وفي سلوكها الوظيفي تعبر عن مصالح عليا، في حين تمثل سلوكيات تشارلي ونزعته الداخلية الشديدة في تجاوز المظاهر العصرية والذهاب عميقاً وسط الغابات الطبيعية معادلاً لها ومتناقضاً معها
يغدو الفيلم وفي تطوره الدرامي بحثاً أنثروبولوجياً في تاريخ شعب أُطلق عليه تسمية تعود الى لون بشرته الى وجوده الحقيقي التاريخي الجغرافي في منطقة غاية في الغنى على المستويين الطبيعي والمعرفي والذي يعود تشارلي الى تجسيدها لنا من خلال ذهابه الى وسط الأدغال ليصطاد الأسماك بأدوات من ذات الطبيعة وليتخلص من شروط العيش في مدن هو وشعبه غير مؤهلين للعيش فيها وهنا سيغدو التناقض صارخاً بين أستخدام الأسلحة النارية الحديثة وبين وسائل الصيد القديمة والعيش وسط الغابة كحلم يستدعي في أذهان سكان الأرض الأصليين أسئلة عن سبب وجود الغرباء وسيطرتهم على كل شيء فيها؟ ومن هنا سيغدو عنوان الفيلم "بلاد تشارلي" أكثر تعبيراً عن حالة الصراع الوجودي بين الطرفين، فبالنسبة اليه هذه هي بلاده ويريد العيش فيها كما يحلو له فيظهر لهذا السبب وحين يتساوق في درجات عالية مع موروثه التاريخي الطبيعي غريباً ومعرضاً للمحاسبة والتهميش من قبل السلطات الأسترالية. خاتمة ثلاثية رولف دي هرّ ممتعة عميقة أستحق عليها ممثلها الفوز بجائزة أفضل ممثل وأستحقت لجنة تحكيم "نظرة ما" الثناء على خيارها الذي تجاوزوا به مُسلمات تقنية تتعلق بالممثل وتعريفه سينمائياً حين تعاملوا مع بطله كمؤدي بارع بغض النظر عن خلفيته الأكاديمية مركزين بالأساس على ما يقدمه على الشاشة، وما تعرضه الأخيرة من مشاهد لحياة شعب قيد الأنقراض. وعلى مستوى ثانٍ يسجل لها منحها جائزة أفضل فيلم للهنغاري "إله أبيض" لكونه يعد بفضل بعض مشاهده عملاً كبيراً على عكس ما توحي به تفاصيل الحكاية نفسها والتي تبدو عادية تتعلق بالمراهقة ليلي (الممثلة جوفيا بشوتا) وعلاقتها بكلبها هاجن من جهة وبعائلتها المفككة من جهة ثانية.

مسخ وعنف مضاد

 المشهدان الأفتتاحي والختامي رفعا من قيمة الفيلم كثيراً لأنهما أحالا العلاقتين الى رموز فكرية تحلل طبيعة الكائن البشري وخطورته على نفسه وعلى ما يحيط به لدرجة يحول فيها أحياناً كل ما هو سوي الى مسخ وعلى غير طبيعته، وحالة كلب ليلي مثالاً أراد المخرج كورنيل موندريستو عرضها في أطار مسار ما تعرض له من تجارب قاسية غيَّرته وأستدعتنا للتفكير بسلوكيات البشر وقدرتهم على صناعة الشر. التحولات التي طرأت على طبيعة وسلوك هاجن تحيلنا الى التفكير في  مفهوم صناعة "العنف" وكيف يَفرض في ظل تضافر عناصر مكملة شروطاً تخرجه من "الفردي" الى "الجماعي" وتقود عملية التحول القسرية الى أستحداث شروط جديدة مثل: بروز الحاجة الى "القائد" وسطوته اللاحقة الى جانب أمكانية أعتبار التحولات التغييرية وفي لحظة تاريخية ما ب"ثورة" ضد الإله المتخيل خالق العنف وهذه المرة سماه الفيلم بوضوح "أبيضاً" رغم أن الحكاية نفسها لا تتضمن تميزاً عرقياً أو سياسياً لكنها تشير الى قوة "مسيطرة" مسخت كلباً وديعاً وحولته الى وحش قرر الأنتقام بدوره منها بقسوة فاقت قسوتها وفسرت لماذا يكون العنف أحياناً تعبيراً عن ردود فعل مضاد للعنف المسلط على الضعفاء والذي يقود بدوره أحياناً وليس دائماً بالضرورة الى سلوكيات تُجبر البشر وحتى الحيوان على خيارات "متشددة" وبهذا المعنى يمكن تسقيط حالة الكلب الهنغاري على حالات كثيرة لم يسمها الفيلم ولكنها أستدعت الذهن للتفكير بها عميقاً بعد أنتهاء عرضه.

المدى العراقية في

26.05.2014

 
 

طارق الشناوي يكتب:

ختامُه أخطاء وهرجلة وغضب 

عدد كبير من الأخطاء تلاحقت فى حفل ختام المهرجان، كأننا فى مهرجان صغير يبدأ تجاربه الأولى، وليس مهرجانًا راسخًا صار هو نموذجًا، بل الأيقونة التى تحتذيها كل المهرجانات، أقصد المفروض أن يكون كذلك. فى قاعة «دى بى سى» المخصصة فى العادة للعروض الصحفية تابعنا حفل الختام، حيث إن القاعة الرئيسية «لوميير» محجوزة عادة للنجوم والفنانين المشاركين فى الأفلام، وكما يحدث فى كل عام يتم مشاهدة ما يجرى من خلال بث مباشر فى تلك القاعة، وفوجئنا بأن الإرسال ينقطع أكثر من مرة ويستمر عدة دقائق دون أن يتنبه أحد، ورغم استمرار ثورة الغضب التى شارك فيها نحو 3 آلاف صحفى وناقد وإعلامى لم ينقذ الموقف إلا بتعديل النظام الهندسى ليتم النقل من التليفزيون الفرنسى، وليس من قاعة «لوميير»، لكل جواد كبوة بالطبع ولكن بقدر ما عوّدنا المهرجان على براعة حفل الافتتاح بعيدًا حتى عن مستوى فيلم الافتتاح بقدر ما نتابعه عادة قبل أن يصل إلى شاطئ الختام، وكأنه منهك القوى مقطوع الأنفاس.

البدايات لم تخل أيضًا من مفارقات لم تنل الكثير من التغطية الإعلامية مثل جريمة تحرش، حيث تسلل أحد المهوسين إلى القاعة الرئيسية، وحاول أن ينزل تحت الكرسى كاشفًا فستان فنانة فرنسية مغمورة بالتأكيد، فلو كانت مشهورة فرنسية أو غير فرنسية لصار هو المانشيت، ولكن لم يعرف أحد شيئًا عن هذا المجنون، هويته أو جنسيته. عدد من السرقات تم رصدها وحصارها بالقرب من السلم الرئيسى للمهرجان فى أثناء الصعود للسجادة الحمراء وتم تكثيف الحراسة الأمنية فتوقفت السرقات.

فى بداية حفل الختام تم تكريم جيل جاكوب رئيس المهرجان، ولم تكن المرة الأولى التى يكرَّم فيها تابعت التكريم قبلها بيوم فى حفل ختام قسم «نظرة ما»، وكان يلقى كلمته وهو جالس على الكرسى وممسكًا بعصاه، هذه المرة كان يبدو أمامى وقد اختصر عدة سنوات من عمره بلا عصا ولا كرسى، منحه دفء الجمهور طاقة إيجابية، وحظى بتصفيق استمر لعدة دقائق مع إصرار الجميع على الوقوف تحية له، وشاركت رئيسة لجنة التحكيم المخرجة جين كامبيون فى توجيه تحية وقبلة حارة لن تثير بالطبع أى تساؤلات.

كان جاكوب يستعد للتقاعد لكى يتفرغ، على حد قوله، لمشاهدة الأفلام، فكان مشهد الوداع يليق برئيس مهرجان منحه أجمل سنوات عمره فمنحه المهرجان ورواده أروع وأدفأ وداع. فى حفل الافتتاح تم ضبط الإيقاع، بينما انفلت الإيقاع فى حفل الختام، يكفى أن الممثل تيموثى سبال الحاصل على جائزة أفضل ممثل عن فيلم «مستر تيرنر» استمر أكثر من سبع دقائق وهو يرتجل الكلمة ويقرؤها من الموبايل فى أداء تمثيلى ساذج، ووقفت بجواره النجمة الإيطالية مونيكا بيلوتشى التى قدمته على خشبة المسرح وهى لا تدرى ماذا تفعل، كان وجهها يعبر عن الامتعاض ولسان حالها يقول ماذا أفعل، بينما تيموثى لا يريد أن يترك الميكروفون.

لم تكن هناك بالتأكيد مفاجأة فى الجوائز، فالفيلم الفائز للمخرج التركى نورى بلج سيلين «نوم الشتاء» لم يكن هو فيلمى المفضل فى الحقيقة، توقعت أن السعفة تنتظر الفيلم البلجيكى «يومان وليلة» للأخوين داردين جين ولوك وتوقعت أيضًا أن ماريون كوتيار الفرنسية ستحظى بالجائزة التى تخطتها وجاءت للفنانة الأمريكية جوليان مور. ولكن أيضا كان للفيلم التركى درجات عالية من التوقعات، وجاء قرار لجنة التحكيم، وكما تردد فى الكواليس، بعدها بالإجماع وليس فقط بالأغلبية. كثيرًا ما كانت تحل أفلام نورى سيلين فى المهرجان، وتحظى أيضا بجوائز فى السيناريو والإخراج مثل «ثلاثة قرود» و«حدث فى الأناضول».

الفيلم الأخير تجرى أحداثه فى الأناضول، حيث الطبيعة الساحرة والبيوت تبدو وكأنها منحوتة داخل الجبل، وهو المكان الذى صوّر فيه عمر الشريف فيلمه «السيد إبراهيم وظهور القرآن» قبل نحو عشر سنوات، وحصل وقتها على جائزة «سيزار» الفرنسية كأفضل ممثل، والتى تعتبر هى «الأوسكار» الأمريكية، وبالفعل فى أحد مشاهد الفيلم يقدم أحد الأبطال صورته مع الشريف فى هذا الفيلم الذى كان فيه يوجه دعوة للتسامح الدينى من خلال رجل مسلم لطفل يهودى، ومن خلاله يقدم رسالة مضمرة عن تسامح الإسلام.

لم ينف أبدًا سيلين، وكما قال فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب إعلان الجوائز، أنه وكعادته فى أغلب أفلامه يبدو متأثرًا بقصص الكاتب الروسى أنطوان تشيكوف التى تُقدم أحداثا وأبطالا فى حالة تبدو أقرب إلى التلقائية، وبلا أى ومضات خاصة أو مواقف درامية حادة تبعدها عن هذا الإحساس الذى يوحى بأنها سابقة التجهيز الدرامى، يقدم المخرج التركى مزاجًا نفسيًّا واحدًا يمنحنا قدرًا من الغموض، سواء فى الحوار أو الإضاءة أو حتى العلاقات الدرامية المتشابكة، فيحرص المخرج على اللقطات الطويلة للمكان الذى يمنحه هبوط الجليد إحساسا نفسيا بالرغبة فى البحث عن الدفء المفقود، كما أن الإضاءة الخافتة تلعب دورًا فى التحفيز النفسى للمتفرج، لكى يكتشف هو سر هذا الغموض، حيث سيطرت على كل المشاهد سواء، داخل الفندق والحجرات المغلقة دائما على سر ما تلوح منه فقط شذرات من الحقيقة، كانت تبدو من خلال مفتاح الإضاءة الخافت وكأنها معادل موضوعى لها.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة هى التى أثارت بالنسبة إلىّ التساؤلات جمعت بين مخرجين، بينهما فى العمر قرابة 60 عاما بين الفرنسى العجوز جان لوك جودار عن فيلمه «وداعًا للغة» والكندى الشاب 25 عامًا زافير دولان عن فيلم «مامى». كان جودار يقف على المسرح قبل تسلمه الجائزة، وكأن حصوله عليها أمر محتوم. الفيلم ينحو خطوات بعيدة مغرقة فى التجريبية، هو أمر محسوم مسبقا، ولم أشعر فى الحقيقة فى فيلم جودار بإضافة إبداعية خاصة سوى أنه محمل بمشاعر ذاتية، يسعى لكى يصدرها للجمهور الذى عليه أن يضيف هو الخيوط والتفاصيل.

بينما المخرج الكندى زافير دولان الذى تقاسم معه نفس الجائزة وقف على خشبة المسرح باكيًا متأثرًا وغير مصدق أنه يحمل فى يديه تلك الجائزة التى تجاوزت أحلامه، قدم دولان فيلمًا تقليديًّا فى بنائه الدرامى، ولكنه يصل بسهولة إلى المشاعر وأجاد باقتدار قيادة بطلتى الفيلم فقدمتا أعلى درجات فى الأداء التلقائى. وانتهت سريعًا أيام المهرجان فى الدورة الـ67 بين توقعات كثيرة وخيبات أيضًا كثيرة.

الدستور المصرية في

26.05.2014

 
 

طارق الشناوي يكتب:

جائزة العظْمة الذهبية لأفضل كلب فى «كان»! 

لا تزال فى جعبتى حكايات كثيرة من «كان» قبل أن أشدّ الرِّحال إلى القاهرة، إنها جائزة «PALM DOG» أى سعفة الكلب، التى تُمنح لأفضل كلب أجاد أداء دوره فى الأفلام التى شاركت رسميًّا فى المهرجان.

مشهد لا يُنسى فى فيلم «غزل البنات» عندما التقى نجيب الريحانى مع رجل وقور يحمل كلبًا فى فيلا سليمان نجيب واكتشف أن أجره 20 جنيها فى الشهر وهو ما يعتبره قليلا جدا ولا يتناسب مع ما يبذله من جهد فى التدريب والنظافة بينما الأستاذ حمام مدرس اللغة العربية الذى يتولى تعليم عقول البشر يحصل على ملاليم!

ماذا لو ذهب الأستاذ حمام إلى مهرجان «كان» وشاهد تكريم الكلب «هاجن» مرتين، الأولى عندما تم تتويج المخرج المجرى كورنيل موند ريستو بجائزة أفضل فيلم «إله أبيض» فى قسم «نظرة ما»؟ كان الفيلم يستحق كل الحفاوة والتقدير وحرص الكلب على المشاركة فى توجيه تحية إلى الجمهور وصعد مثل أى نجم وهو يرتدى فى هذه المناسبة ببيونًا أسود إلى خشبة المسرح وردّ تحية الجماهير بانحناءة تدل على خبرة عريضة فى مواجهة المعجبين، كان هذا هو التكريم الأول الذى حظى به الكلب الموهوب، أما الثانى وهو الأهم فإنه حصول هاجن على جائزة أفضل كلب أدى دوره فى عمل فنى عُرض فى المسابقة الرسمية بالمهرجان بعد منافسة شرسة مع كلب آخر مات فى المشهد لا فى الحقيقة خلال تنفيذ فيلم «إيف سان لوران» وكلب ثالث شارك فى فيلم جان لوك جودار «وداعا للغة» اللذين حظيا بجوائز خاصة من لجنة التحكيم التى يتم تشكيلها من عدد من النقاد والصحفيين المهتمين بهذا الشأن.

بالطبع لا تخلو الشاشة فى أى فيلم فى العادة من وجود كلب حتى ولو كان بين المجاميع مثلما حدث مثلا فى الفيلم التركى «نوم الشتاء» الحائز على جائزة السعفة هذا العام ولكنه وجود هامشى لا يستحق جائزة.

اكتشفنا بعد إعلان الجوائز وفوز هاجن أن ما يجرى فى عالم البشر يجرى مثله وأكثر فى عالم الكلاب، حيث إن هاجن لم يقم بالبطولة منفردا كما تصورنا ولكن كان هناك أيضا توأمه الذى يشبهه كثيرا فى كل شىء إلا فقط فى أن ملامحه توحى بشراسة أكثر مما أدى إلى أنه يشارك فى أداء تلك المشاهد التى تتطلب ملامح تحمل عدوانية وتحديا لعالم البشر. هاجن أدى المشاهد التى تتطلب الوجه الهادئ الملامح وهكذا ذهب منفردا إلى شاطئ «الريفييرا» وعاش بين الأضواء والكاميرات، بينما الثانى لم يمنحوه دعوة وكان يشاهد فى بودابست توأمه من خلال «الستالايت» وهو يتوَّج بالسعفة.

منح مجموعة من الصحفيين والنقاد الذين حضروا المهرجان مخرج فيلم «إله أبيض» الجائزة وهى عبارة عن عظمة معدنية ملوّنة، وهو تكريم مستحدث أنشأه عدد من الصحفيين والنقاد البريطانيين بدأ 2001 ولكنه لم يحقق الشهرة إلا فقط فى عام 2011 بعد أن انضم إليه العديد من الإعلاميين فى كل العالم المشاركين فى المهرجان، وكانت من نصيب الكلب بطل الفيلم الفرنسى «الفنان»، وكان الفيلم قد حصل أيضا على سعفة «كان» ولا يزال هذا الكلب بالمناسبة متوجًا حتى الآن بالقمة باعتباره هو الأفضل بين كل الكلاب الذين شاركوا فى التمثيل، حيث تمتع بدرجة ملحوظة من الذكاء أدت إلى إنقاذ صاحبه الفنان الذى كان يعانى من الإحباط.

لقد سألوا مرة أحد النجوم عما يعمل له ألف حساب فى أثناء التصوير خوفا من سرقة الكاميرا فأجابهم «أخشى الأطفال والكلاب».

بالتأكيد لا يوجد كلب موهوب فى التمثيل وآخر لا يمتلك تلك الموهبة، إلا أنه إذا كان المنطق أن البشر يتفاوتون فى معدلات الذكاء فإن الكلاب أيضا تختلف فى الدرجة وفى سرعة الاستجابة التى تختلف من كلب لآخر.

فى السينما المصرية لا تستطيع أن تلمح اهتماما ملحوظا بالكلاب وإن كان أشهر الكلاب هو هذا الكلب البوليسى المدرب الذى شارك فى فيلم «الشموع السوداء» لصالح سليم.

يجب ملاحظة أن المخرج هو البطل فى كل ذلك: زاوية الكاميرا واختيار العدسة والتكوين، كما قد يلجأ المخرج أيضا إلى إضافة مجسمات أو دُمى للكلاب فى اللقطات الطويلة، وأتصور أن هذا ما حدث مثلا فى المشهد الرائع الذى أنهى به المخرج المجرى فيلمه «إله أبيض»، عندما استلقى الجميع، بطلا الفيلم والكلاب الثائرة، على الأرض وتبادلوا النظرات بعد استماعهم إلى الموسيقى كأنهم يعيدون حالة السلام المفقودة بين البشر والكلاب.

التكوين الفنى الذى رسمه المخرج وشاهدنا فيه الكلاب مع المشهد الأول وهى تلاحق البطلة عندما كانت تستقل الدراجة، حالة من التماهى العاطفى بين البطلة والكلب كانت هى المفتاح، ولهذا تابعنا الفيلم ونحن نمنحها صفات بشرية فهى تحب وتكره وتنتقم ولا تنسى من أساء إليها، وهكذا مثلا شعر المشاهدون بالتعاطف مع الكلب هاجن عندما انتقم من الحراس كأنه سبارتاكوس محرر العبيد. السيناريو كان حريصا على أن لا نشعر بأى تعاطف مع البشر ليحظى انتقام الكلاب بموافقة ضمنية وبتعضيد ورغبة دفينة داخل الجمهور.

وإذا كانت الكلاب الجميلة والمبدعة يُحتفى بها فإن القبيحة أيضا لها مساحات من الاهتمام، وقبل بضعة أشهر مات «إلوود»، أعلم أنكم لا تعرفونه إلا أن الصحافة والإعلام العالمى أفرد له مساحات كبيرة من الاهتمام.

«إلوود» عمره 8 سنوات وهو فى مقياس فصيلة الكلاب، لم يكن قد وصل بعد للشيخوخة لأن الكلب يعيش حتى 14 عاما، أى أنه رحل فى عز عطائه وشبابه، سر الشهرة التى حققها أنه كان الأقبح بين كل الكلاب، ولهذا كثيرا ما تمت الاستعانة به فى تصوير المسلسلات والأفلام.

صاحبة الكلب أكدت أنه لم يكن يعانى من أى مشكلة نفسية بسبب قُبح منظره، ودلائل القبح هى أن لسانه كان يتدلى من ناحية اليسار كما أنه وُلد غير مكتمل الأسنان ففكّه الأيمن بلا ضروس، مما أثر سلبا على ملامح وجهه ولكنه كان سعيدا بحياته وبنظرات الناس إليه التى كانت دائما تمنحه حبا ودفئا.

نعم عالم الكلاب مثل البشر هناك محظوظون وتعساء ومشاهير ومغمورون وأسعدهم فى هذه اللحظة «هاجن» حامل جائزة «PALM DOG»!

الدستور المصرية في

27.05.2014

 
 

«دهشات» الإيطالية آليتشي رورفاكير تروي عجائب الحياة اليومية في مجتمع فلاحي خليط

كان/ عرفان رشيد  

أكثـر من عشر دقائق من التصفيق المتواصل رافقه نهوض على القدمين لتحية فيلم المخرجة الإيطالية الوحيدة آليتشي رورفاكير «دهشات» الذي عُرض في صالة لوميير ضمن مسابقة الدورة السابعة والستين لمهرجان «كان» السينمائي الدولي. شريط طموح يروي بشكل طبيعي للغاية ودون أية استعانات مُلفّقة حياة عائلة فلاحية بديلة، أبٌ ألماني وأمٌ إيطالية، عاصرا مرحلة نهاية الثمانينات. وبداية التسعينات.

و تحظى آليتشي رورفاكير (33 عاما) بشريطها الروائي الطويل الثاني «دهشات»، بالحضور الثاني في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، بعد أنْ اختيرت قبل عامين في برنامج «نصف شهر المخرجين» بشريطها «أجساد سماوية». وكما في ذلك الشريط، يحقّق «دهشات» حضوراً جميلاً متميّزاً، يضع هذه المبدعة الشابة ضمن المخرجين القادرين على رواية اليومي والمعاش برؤية ورويّة قادرتين على الإفلات من شباك التوثيقية والريبورتاج التلفزيوني، وعلى أن تُقدّم اليومي الإيطالي، باعتباره ممكن الحدوث في أي مكان، ولا أدلّ على هذه القدرة من العائلة المركٌبة التي صاغتها في الفيلم، ما جعل اللغة المحكية في الفيلم وأسماء الشخصيات والمكان الذي تدور فيه الأحداث، مجرٌد مفردات ضرورية للرواية، وقابلة للتبديل، بحيث يمكن أن تدور في أي بلد أوروبي.  

عالم متراكب تتداخل فيه الفصول بشكل يجعل مرور الوقت ثانوياً، ويحسب بمقدار نضوج المشاعر والأنوثة لدى «جيلسومينا» (آليكساندرا لونغا) ، كبرى أربع بنات الزوجين فولفغانغ (سام لوفيك) و آنجيليكا ( آلبا رورفاكير) . هو، ألماني ينتمي إلى جيل الخضر وحماة البيئة، انسحب إلى الريف وكوّن مزرعة يفلحها ويربّي الماشية والنحل ويُنتج العسل. آصرته بالأرض قويّة وتكاد آيديولوجية تجعله يرى في صيادي الطيور وفي مستخدمي المواد والأسمدة الكيمياوية وفي السياحة الواسعة، أكبر الأعداء للطبيعة ولحياة الإنسان. وهي، آنجيليكا، الأم الشابة التي أحبّته ولحقت به في الريف ما بين روما وتوسكانا، تُعنى بالأرض والمزرعة ولخلايا النحل، وببناتهما الأربع، جيلسومينا، ماتيلدي، كاتيرينا ولونا.

ويزداد تراكب هذا العالم بحلول صبي مراهق في الرابعة عشرة من العمر، أرسلته مدرسة إصلاح الأحداث ليعيش مع هذه العائلة يتأهل عبرها للحياة الاجتماعية، بعد تورّطه في مشاكل اجتماعية وبجرائم صغيرة. وفيما تُدير جيلسومينا شؤون النحل وإنتاج العسل وتعرف، رغم شباب عمرها، كل شيء عن النحل، يمثّل المراهق الألماني الصغير، تماثلاً لحلم فولفغانغ في العثور على ابن، وهو المحاط بست إناث.

وتبدو حياة العائلة سائرة بشكل طبيعي لولا حدوث أمرين، أولهما رسالة من البلدية تخطر العائلة بضرورة إجراء تعديلات وإصلاحات قانونية وصحيّة في المنزل والمزرعة تفرضها قوانين الاتحاد الأوروبي الجديدة على منتجي عسل النحل، وبعكسها سيتم إغلاق المزرعة، وثاني الحدثين وصول فريق تلفزيوني يسجّل برنامج مسابقات بين العائلات التي تُنتج الأطعمة والمحفوظات، وتجد العائلة نفسها مشاركة في المنافس مع عائلة الجار الذي يُنتج اللحم المُقدٌد.

وبرغم معارضة الأب الألماني وإصراره على ضرورة الحفاظ على نقاوة الحياة الفلاحية، فإن «جيلسومينا» تغامر بالتسجيل للمشاركة في البرنامج، وتُصبح تلك المشاركة أمراً واقعاً لا حول للأب برفضها، سيّما وأن أفراد العائلة الآخرون يُصرون على ذلك، علّهم يفوزون بالجائزة المُجزية مالياً، لكن الأمور تسير عكس ذلك، لأن الجار، صانع اللحم المقدّد، يتمكّن بكلامه المعسول من استمالة لجنة التحكيم ومقدّمة البرامج (تؤديها مونيكا بيلّوتشي) التي ينطلي عليها إطراء القصّاب لجمالها، في حين يعجز البيئوي الألماني من التعبير عن ما يفكّر به ويثير حنق مقدّمة البرنامج.

في هذه الأثناء يهرب الصبي المراهق الألماني ويغيب في غابة الجزيرة التي يُسجّل فيها البرنامج وتعجز العائلتان والعاملين في البرنامج ورجال الشرطة المرافقين لهم من العثور عليه، ويعود الجميع إلى اليابسة، وفي صباح اليوم التالي تُقنع جيلسومينا أمّها بأن تسمح لها بالعودة إلى الجزيرة لوحدها "لأنني واثقة من العثور عليه"، وبالفعل تفعل وتعثر عليه ويؤديان رقصتهما في أحد كهوف الجزيرة الإتروسكية، يرسمان على جدار الكهف بفعل ضياء النار الموقدة نقوشهما المتحرّكة، كما لو أنهما ينتميان إلى عالم الإتروسك السحيق وأبنائه الذين ملأوا جدران تلك الكهوف بحكاياتهم المنقوشة على الجدران.

تستعيد العائلة وحدتها، لكن ظروفها لن تسمح لها بإجراء التعديلات الضرورية لمشغل العسل، التي تطالب بها السلطات الصحية في الاتحاد الأوروبي، وتصبح مغادرة المنزل والمزرعة أمراً مفروغاً منه.  

وإذا كانت رواية اليومي والمعاش من أصعب أنواع الأفلام، فإن الأداء التمثيلي الواقعي واليومي هو من أصعب انواع الإداءات وهو ما تمكّنت المخرجة الشابة تحقيقه مع ممثليها، وقد برعت مجموعة الممثلين في الإداء، وتميّزت النجمة مونيكا بيلّوتشي عن الآخرين، أنها أدّت في الفيلم شخصية مُقدّمة برامج تلفزيونية غير ناجحة وقليلة الموهبة، لذا كان عليها أنْ تُظهر وتبرز سوء التمثيل والإداء، وما أصعب من أداء دور ممثلة لا تُجيد التمثيل.

المدى العراقية في

27.05.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)