كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

«سبات شتوي» الفيلم الفائز.. جنّة النار

زياد الخزاعي (كانّ)

مهرجان كان السينمائي الدولي السابع واالستون

   
 
 
 
 

تكلّل إجماع نقّاد السينما الدوليين واستحسانهم جديد التركي نوري بيلجي جيلان «سبات شتوي» مع قناعات أعضاء لجنة تحكيم الدورة الـ67 لمهرجان «كانّ» السينمائي (14 ـ 25 أيار 2014)، ليُتوِّج نصّاً باهراً وخاطفاً بجمالياته البصرية بـ«سعفة ذهبية»، مُعلنين انتصارهم لـ«مسرحة سينمائية» مُحكمة الصنع وعميقة الدلالات لنيات بشر معزولين بأنانياتهم وغلوّهم وشراستهم. يستكمل هذا العمل أجواء سابقه «مواسم» (2006)، حيث عُروَة زوجية مصدّعة، وأرواح مكلومة تغلّظ على كيانين شابين، يعيشان مرحلة نهائية من علاقتهما المتحوّلة مع تنقّل المواسم. خراب الشراكة بين بهار وعيسى ينعكس بصرامة على محيط بهيّ، ويخدشه بعنف. تسعى الأولى إلى الحصول على كرامة زوجية، إثر اكتشافها خيانة رجلها مع إحدى قريباتها. في «سبات شتوي»، يستعيد جيلان الجفوة الزوجية، لكن بوسع درامي مجيد يبثّ الحياة في «عقيدة تشيخوف» الدرامية، حيث الخيبة شاخصة، والانتقام مركون عند القلوب. لا سكاكين تُستخدم ولا رصاصات، بل سيل هادر من الكلام، واعترافاته ومناكفاته و«مسبّاته».

وسط معمار فاتن لمنطقة «كابادوكيا» الشهيرة بصخورها الرخوة وكهوفها، وفي صقيع شتاء قارس، تشتعل نيران التناغص بين ثلاث كينونات، تجمعها جدران غرف فندق «عطيل»، وتفرّقها أهواء ذاتية وتبرّمات ومعاقبات. يرى البطل الممثل المتقاعد إيدن (هالوك بيلغنير)، مالك النزل الشهير ومديره، في جفاء زوجته نهال (مليسا سوسان) ذريعة لعزلته وقسوته اللاحقة تجاه الآخرين، بينما تصبح شقيقته المطلّقة نائلة (ديميت أكباق) تأثيماً قاسياً على أُوتوقراطيَّته، وتنعته بـ«رجل لا يطاق». الحجارة التي يرميها صبيّ على سيارة تنقّله بين ممتلكاته، يصبح مجازها الدرامي أكبر من تهشم زجاج نافذتها. إنها الإيذان بنزال محموم بين طبقية نذلة لا هوادة في احتقارها بشر حضيض اجتماعي، هم عائلة ربيب السجون والسكّير اسماعيل وشقيقه إمام المسجد حمدي. يستقوي إيدن بقرار محكمة لإخراج العائلة من دارته المؤجّرة لها، بعد تخلّفها عن سداد الإيجارات، لنشهد على جلسات خزي ومهادنة بطلها حمدي الذي يدفع بالصبي إلى الاعتذار عن فعلته، لكن بدلاً من فتح فمه، ينهار مغشياً عليه، إشارة إلى أن حجارته لم تصب سوى فؤاده وعزّة نفس أهله.

على مدى 196 دقيقة، صبّ جيلان (ومعه شريكته في كتابة النص زوجته إيبرو) غضباً دفيناً على نموذج بشري متسلّط، تصفه زوجته بأنه «متغطرس، وبخيل، وكاره للبشر»، بالإضافة إلى جبنه الذي يدفعه إلى التحوّط من غضب الآخرين بظهر مساعد وفيّ لا يتوانى عن منازلة أيّ مخاصم صوناً لمكانة رئيسه وإرضاء لغروره. يتجلّى عتوّه بقبح عارم في مشهد اجتماع الزوجة مع أعيان البلدة لمناقشة تبرّعات مالية لتحسين وضعية مدارس المنطقة، لنرى إيدن وهو يتلصّص كإبليس يربط عفّتها مع رائحة المال، قبل أن يسعى إلى إهانتها بتقديم مبلغ دسم للصندوق، على الرغم من رفضها وإشارتها إلى «دنس نقوده»، التي تقدّمها لاحقاً كـ«فدية» إلى عائلة اسماعيل، لتغطية مستحقّات كرائها. والأخير يرفضها ويحرق أوراقها، إعلاناً لحرية موؤودة.

«سبات شتوي» قائم على مطارحات طويلة، وعلى بنيان تراكمي للأفكار. كل شخصية تمثّل جوانيّة خاصّة. ففي مقابل لؤم إيدن الساعي إلى توثيق المسرح التركي بموسوعة عظيمة لا يملك منها سوى عنوانها، تكون شقيقته الملولة وجهاً مدينياً للشجن والخسران، تحسب أيامها بعدد خصوماتها، بينما تترسم الزوجة الشابة رحماً يابساً، عديم النبض. يحيلها عقمها إلى ماكينة تنتج كَماً وافراً من النقّ والدموع والنزق، قبل أن يستكمل اسماعيل، عندما يطردها من بيته، دائرة مهاناتها وهوانها. يواجه الثنائي جيلان موات هذه الذمم وتوالي انهياراتها، باحتفاء بصري بانورامي مفخّم ومدهش لطبيعة خلاّبة (تصوير كوكهن تيرياكي)، تتوارى تحت روعتها وعظمة خالقها رزايا بشرها وبلاوي تقودهم إلى تدمير جماعي قصدي، يقتل عزومهم ويحوّلهم إلى طواطم تسكن جحوراً، تستقطب سياحاً يابانيين يكرّرون إعجاباً بجنّة نائية في قلب الأناضول، من دون أن يلتفتوا إلى سواد قلوب قاطنيها وكرب نفوسهم، حيث المصافاة والصبابات والألفة والحق والبهجات في سبات دهري مديد.

السفير اللبنانية في

28.05.2014

 
 

جوائز مهرجان «كانّ»

المسابقة الرسمية لم تكن باهرة

نديم جرجوره  

انتهت الدورة الـ67 لمهرجان «كانّ» السينمائي مساء أمس الأول الأحد، بينما أُعلنت النتائج النهائية للمسابقة الرسمية مساء السبت الفائت. متابعو الأيام الـ11 لهذه الدورة التقوا عند مسائل عديدة، أبرزها أن التوقّعات المتعلّقة بالأفلام التي يُمكن أن تفوز ظلّت محصورة بعدد قليل من العناوين، وأن الإجماع شبه الكامل على جمال «سبات شتوي» للتركي نوري بيلجي جيلان، كما على إمكانية فوزه بالجائزة الأولى (السعفة الذهبية) كان حاضراً منذ عرضه الأول، وهو عثر على ترجمة له في النتائج التي أعلنتها رئيسة لجنة التحكيم المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون. هناك أيضاً رأي شبه موحّد، مفاده أن المسابقة الرسمية نفسها للدورة الأخيرة هذه لم «تُبهر»، وإن قدّمت أفلاماً بديعة، منها «يومان، ليلة واحدة» للأخوين البلجيكيين جان ـ بيار ولوك داردن، و«وداعاً للّغة» للفرنسي السويسري جان ـ لوك غودار، الذي انتزع جائزة لجنة التحكـيم وإن مناصفـة مع الكـندي كزافييه دولان عن «مامي»، ما دفع نقاداً إلى القول إن هذه الجائزة جمعت جيلين سينمائيين مختلفين تماماً أحدهما عن الآخر، سواء في التجربة السينمائية أو على مستوى العمر، لأن الكندي لا يزال في الـ25 من عمره، بينما بلغ غودار الـ84 عاماً. في جديده هذا، يغوص غودار في تفاصيل العلاقات الإنسانية، عبر لقاء يحدث بين امرأة مـتزوّجة ورجل «حرّ»، يدخل بينهما كلبٌ، قبـل أن يتـدخّل زوج المرأة لينـبني فيـلم ثان يستكـمل الأول على الطريقة الغودارية. لا يختلف النصّ الدرامي لفيلم دولان عن ذاك الذي اشتغله غودار، على مستوى الغوص في العلاقات الإنسانية، المتمثّلة هنا بعلاقة أم ـ ابن. كأن جائزة لجنة التحكيم وجدت في الفيلمين امتداداً ما لتلك الحبكة المعقودة على الانفعال والمشاعر الذاتية، وإن ذهب كل واحد من المخرجين الاثنين في اتّجاه سينمائي مستقلّ بحدّ ذاته.

انتهت التوقّعات. انتهت التمنّيات والترجيحات التي اعتاد نقّاد وصحافيون وإعلاميون الترويج لها منذ مطلع الأسبوع الفائت، أي بعد مرور أيام قليلة على بداية الدورة الـ67 في 14 أيار 2014. الجـائزة الكبرى ذهبت إلى «الروائع» للإيطالية ذات الأصل النمساوي أليتشه رورفاكر (33 عاماً): ريف إيطالي، وعائلة تربّي النـحل، وأب متسلّط، وزوجة وأخـتها وبنات أربع. بـينما نال الأميركي بيـنيت ميلر (مواليـد الـعام 1966) جائزة الإخراج عن «صيّاد الثعالب»، علماً بأن البعض قال فيه إنه الأكثر استحقاقاً للجائزة: قصّة حقيقية عن تاجر أسلحة ثري جداً. لكن، هناك ما هو أبعد من القصّة الحقيقية. هناك ما هو أعمق في قراءة أميركا الممجِّدة للقوّة، وفي معاينة أنماط العلاقات والسلوك بين البشر. أما جائزة السيناريو، فحصل عليها الروسيّ أندره زفياغيتسف عن السيناريو الذي وضعه لفيلمه الأخير «ليفياتان» (كتبه بالتعاون مع أوليـغ نيـغن): عن روسيا الحالية، ومآزقها وأسئلتها المعلّقة. عن واقع آنيّ يدفع باتجاه انتقاد النظام الحاكم.

بالإضافة إلى هذا كلّه، هـناك جائزتا التمـثيل. بالنسبة إلى الممثلات، فازت الأميركية جوليان مور عن دورها في «خرائط إلى النجوم» للكندي ديفيد كروننبرغ (عالم النجوم في هوليوود)، بينما نال البريطاني تيموتي سبال جائزة التمثيل الرجالي عن دوره في «السيّد تيرنر» للإنكليزي مايك لي (مقتـطفات من الأعوام الأخيرة في حياة الفنان التشكيلي البريطـاني جي. أم. دبليو تيـرنر، الذي عاش في العصر الفيكتوري بين العامين 1775 و1851).

من ناحية أخرى، فاز «فتاة الحفلات» للفرنسيين ماري أماشوكيلي وكلير بورجي وسامويل تيس بجائزة «الكاميرا الذهبية» (أفضل أول فيلم طويل): السيدة الستينية لا تزال عاشقة السهر والحفلات، لكن زبائن المحلّ المُقام في مدينة على الحدود الألمانية يتناقص عددهم يوماً بعد يوم. وحده ميشال يستمر في زيارتها، وفي بثّ لواعجه تجاهها، قبل أن يطلبها للزواج.

السفير اللبنانية في

28.05.2014

 
 

فيلم "بيات شتوي" لنوري بيلغ شيلان:

فولتير من تركيا يخطف سعفة كان الذهبية، وفرنسا تخرج من مولد سيدنا "كان " الولي بلاحمص

كان . فرنسا. من صلاح هاشم 

فيلم "بيات شتوي" يكرس فن الفيلم.. الذي هو فن الصورة عن جدارة.. للتأمل الفلسفي الصوفي

أثار الاعلان عن النتائج الرسمية في مهرجان " كان " 67 العديد من رود الفعل الفرنسية الاعلامية الغاضبة المستنكرة والمستهجنة، وبخاصة بعد أن فاز مخرج تركي هو نوري بيلغ شيلان بأهم وأكبر جائزة في المهرجان، ألا وهي "جائزة السعفة الذهبية "، بفيلمه الروائي الطويل WINTER SLEEP" بيات شتوي" الذي يستغرق عرضه أكثرمن ثلاث ساعات.وهو من أقوى الأفلام سينمائيا وفكريا وفلسفيا وجماليا التي عرضها المهرجان،ويقترب من روح الأعمال الأدبية الكبري عند الانجليزي شكسبير أو الروسي تشيكوف..

وكان أغلب النقاد في الدورة 67 رشحوه للحصول على السعفة ،ولم يكن ينافسه اي فيلم آخر في المسابقة للحصول عليها إلا فيلم بعنوان " تيرنر " TURNERعن الرسام الانجليزي تيرنر تدور أحداثه في القرن 18 من اخراج البريطاني المخضرم مايك لي الذي حصد به ممثله جائزة أفضل ممثل في المهرجان ..

وكانت المفاجأة في حفل الاعلان عن الجوائز يوم السبت 14 مايوأن ألافلام الفرنسية التي شاركت في المسابقة وهي : فيلم "سان لوران " لبرتراند بونيللو، وفيلم " يومان وليلة " للشقيقين البلجيكيين داردين الذي اضطلعت ببطولته الممثلة الفرنسية الجميلة ماريون كوتيار، وفيلم " البحث " لميشيل هاسانفيسيوس بطولة النجمة الفرنسية بيرينيس بيجو ( الحاصلة على جائزة افضل ممثلة في العام الماضي )، وفيلم" سحب سيلزماريا " لأوليفييه السايس الذي تالقت فيه الممثلة الفرنسية القديرة جولييت بينوش..

ثم فيلم " تمبوكتو " للموريتاني عبد الرحمن سيساكو وهو الفيلم الافريقي العربي الوحيد في مسابقة المهرجان الذي شاركت في تمويله جل المؤسسات السينمائية والمحطات التلفزيونية الفرنسية، لانه بكشفه عن ايديولوجية ونظام حكم الجماعات الجهادية الارهابية ، حين تحل في دولة افريقية، وماتفعله بأهلها من جلد وسجن وقتل وتعذيب..

يتماشي مع سياساتها في تمويل مشروعات الافلام " الدعائية " التي تروج للخط السياسي الرسمي الفرنسي، وبخاصة بعد التدخل الفرنسي العسكري حديثا في إحدي الدول الافريقية، لتخليص أهلها المسلمين الطيبين العزل من الجماعات الارهابية..

ولم يحصل اي من الافلام الفرنسية المذكورة على اية جائزة، وهكذا خرجت فرنسا التي كانت تطمع في الحصول على جائزة السعفة او الجائزة الكبرى باحد أفلامها، خرجت من مولد سيدنا " كان " الولي، ومن مسابقة احتفاليته السينمائية الدولية بلا حمص، ولم تحصد إلا جائزة لجنة التحكيم ( وزعت مناصفة ) أو بالأحرى على نصف جائزة ، لفيلم " وداعا للغة " لجان لوك جودار ( 84 سنة )، وجائزة " الكاميرا الذهبية " ( ..الجائزة التي أنشأها جيل جاكوب رئيس المهرجان عام 1979 والتي يتنافس على الفوز بها كل الافلام الاولى لمخرجيها التي تشارك في جميع مسابقات المهرجان) حيث ذهبت الجائزة المذكورة هذه المرة الى فيلم " فتاة الحفل "PARTY GIRL الفيلم الفرنسي الأول بإخراج جماعي لماري آماشوكيلي وكلير بيرجر وصامويل تيس الذي عرض في حفل افتتاح قسم " نظرة خاصة " وشارك في مسابقتها. ولولا ان رئيسة لجنة تحكيم تلك الجائزة هي المخرجة الفرنسية نيكول جارسيا كما يدعي البعض ،ماكان الفيلم حصل على تلك الجائزة..

فرنسا تطعن في نزاهة كامبيون ولجنة التحكيم

في حين توزّعت جوائز المهرجان الرسمية التي أعلنتها المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون رئيسة لجنة التحكيم وصاحبة فيلم " البيانو الاثير " كالتالي :

جائزة " السعفة الذهبية " – فاز بها فيلم " بيات شتوي " WINTER SLEEP للتركي نوري بيلغ شيلان..

الجائزة الكبرى – فيلم " العجائب "LES MERVEILLES للايطالية آليس روهواشر..

جائزة أفضل إخراج – فيلم " فوكسكاتشر " FOCCATCHERأو " صائد الثعالب " للامريكي بينيت ميلر..

جائزة أفضل سيناريو- فيلم " ليفيتان " للروسي اندريه زفيجنتسيف

جائزة افضل ممثلة – ذهبت الى الممثلة الامريكية القديرة النجمة جوليان مور عن دورها في فيلم " خرائط الى النجوم " للمخرج الكندي العملاق دافيد كرونينبيرج.

جائزة افضل ممثل – ذهبت الى الممثل البريطاني العملاق تيموثي سبال عن دوره الرائع في فيلم " تيرنر" للبريطاني مايك لي وتقمصه سبال لشخصية الرسام تيرنر في الفيلم ..

جائزة لجنة التحكيم – وزعت مناصفة بين فيلم " وداعا للغة " لجان لوك جودار ( 84 سنة ) وفيلم " مومي" للمخرج الكندي الشاب إكزافييه دولان ( 25 سنة )..

جائزة " الكاميرا الذهبية " – ذهبت لفيلم " فتاة الحفل " الفرنسي..

السعفة الذهبية للفيلم القصير – ذهبت لفيلم " ليدي " لسيمون ميسا سوتو من كولومبيا ..

وبسرعة كانت ردود الافعال الفرنسية على لسان العديد من النقاد والشخصيات السينمائية الفرنسية مثل الناقد السينمائي الفرنسي هنري شابييه، كانت في أغلبها غاضبة ومستاءة جدا وترى أن نتائج لجنة جين كامبيون جاءت مجحفة في حق السينما الفرنسية وافلامها، واتهم البعض مخرجتنا كامبيون برغبتها في احراج فرنسا..

هذه الفرنسا التي ينصب احتفال " كان " السينمائي من صنعها، على ارضها، ولايكون لها ولا لافلامها اي نصيب من جوائزه التي توزع في حضرة الست كامبيون ( المخرجة الوحيدة التي حصلت على سعفة كان الذهبية بفيلمها البديع " البيانو عام 1993 ) توزع على افلام تبعث على النوم وتدعو الى الاستغراق فيه ، مثل ذلك الفيلم التركي الطويل " بيات شتوي " الذي منحته جين كامبيون سعفة كان الذهبية أرفع وأسمى جوائز المهرجان، ووقفت فرنسا كلها.. تتفرج ! .. ياللعار .

"بيات شتوي"يبعث واحسرتاه على النوم

بل وبلغ الأمربالبعض من المتعصبين لكل ماهو فرنسي، وليذهب العالم كله الى الجحيم،الى اتهام جين كامبيون بالامبرياليةالانجلوساكسونية، بالعمالة،وانها تعمل لحساب سياسة استعمارية انجلوساكسونية تمنح جوائزها للافلام غير الناطقة باللغة الفرنسية أيا كانت، ومناهضة تماما لسياسات الفرانكوفونية الرشيدة..في حين أشاد البعض الآخر بعدالة الجوائز التي وزعت واستحقاقيتها ، فلم يكن معيار الحكم على الافلام عند جين كامبيون نوعها أو جنسيتها، كما ارتأت ، بل فنيتها أو شموليتها الفنية ورؤيتها وضروريتها، وارتباطها أيضا بتطوير فن السينما من داخله ، وبكل اختراعات وابتكارات الفن المدهشة، ولذا استحق فيلم " بيات شتوي " سعفة كان الذهبية وعن جدارة، لأنه لم يأسرنا فقط بسطوع وتوهج فنه، بل أسرنا أيضا بسبب التحدي الذي خاضه ونجح فيه الا وهو تحدي كيف تصنع فيلما من مشاهد حوارية ليس فيها إلا كلام، لكن كلام عن كلام كما يقولون يفرق، والمهم ليس في الكلام بل المهم في دلالاته وتأثيراته ، ضروريته وعضويته في صلب العمل السينمائي ونسيجه الفني ..

فيلم " بيات شتوي " أعجبني جدا وكان الفيلم الوحيد الذي رشحته للحصول على سعفة كان الذهبية ومن دون منازع ..

لماذا ؟ لأنه يكرس فن السينما الذي هو فن الصورة عن جدارة للتأمل الفلسفي، ويجعل من المخرج التركي شيلان أشبه مايكون بـ" فولتير " تركي ، أي فيلسوف ينقب ويفتش عن أسرار الحياة والوجود ويسأل إن كانت الحياة تستحق أن تعاش، فلا شييء يحدث في الفيلم تقريبا ، بل مجرد حادثة تقع حين يقذف غلام زجاج سيارة صاحب فندق ويكسره..

ومن عند تلك اللحظة يبدأ الفيلم بالدخول الى حياة صاحب الفندق ذاك الذي يعيش مع زوجته التي تصغره سنا ، ومع شقيقته المطلقة التي تركت اسطنبول وحضرت لتقيم مع اخيها في الفندق الذي يديره ويحتشد الفيلم الذي يعرض أيضا للعلاقة بين الاثرياء والفقراء في تركيا ، والعلاقة بين السادة والعبيد، وبين المالك والمستأجر ، كما في مسرحية لتشيكوف..

يحتشد بالعديد من المشاهد الحوارية بين أبطاله، تجعلهم في وضع عمل كشف حساب لحيواتهم في كل لحظة، وهنا نكمن القيمة الاخلاقية والفكرية والفلسفية والجمالية للفيلم الذي يستغرق عرضه اكثر من ثلاث ساعات ، ومع ذلك فإننا لانشعر بالضيق او الملل او التململ أثناء مشاهدته ..

وهوايضا بسبب هذا " الديالوج " أشبه مايكون بحكاية من دون نهاية ، أو برواية بوليسية ، ومن هنا " حالة الترقب والانتظار "التي يخلقها الفيلم،وتجعلنا مأخوذين ومشاركين في حواراته الدائرة التي نستلذها ،ولانشبع منها ابدا ، اذا يحقق الفيلم من خلال حالة الترقب هذه سلسلة من الانقلابات و المفاجآت غير المتوقعة كما في مشهد الصلح في الفيلم حين يصل الغلام الى الفندق في صحبة عمه ليعتذر عن فعلته اي كسر زجاج سيارة بطل الفيلم وتعويضه عن خسارته، وحين يتقدم الغلام لكي يقبل يد صاحب الفندق اذا به يسقط مغشيا عليه ولانعرف ان كان مات أو ماذا ؟ كما يكرس نوري بيلغ شبلان في فيلمه للمنظر الطبيعي ويجعل الطقس يلعب دورا مهما في الفيلم ففي مثل ذاك طقس يدعو الى الاعتزال والوحدة ، تتوقد وتشتعل الرغبة في التأمل والهبوط من السطح الى الأعماق ، في الداخل ، من خلال الاستبطان الداخلي الصوفي الذاتي ، والتوغل عميقا في دروب الروح ..

سينما إيزيس في

28.05.2014

 
 

فيلم إسرائيلي

يتناول موضوع "نكاح المحارم" في مهرجان كان! 

أثار الفيلم الإسرائيلي "بعيدا عن أبي" للمخرجة كيرين يدايا والذي عرض في قسم "نظرة خاصة" في مهرجان كان ضجة لتناوله مختلف التابوهات في قصة حب سادية بين أب في الستين وابنته في العشرين من العمر.

تميزت السينما الإسرائيلية  في السنوات الأخيرة بحيوية كبيرة بفضل ميزانيات كبيرة واعتراف دولي بقيمة الأفلام، إضافة إلى إقبال كبير للجمهور في إسرائيل وخارجها.

وعرض في مهرجان كان السابع والستون خمسة أفلام إسرائيلية تشهد على سمعة هذه السينما التي لم تعد تقتصر شهرتها على اسم أموس جيتاي. وتعتبر كيرين يدايا من أكثر المخرجين جرأة وسبق وأن فازت بالكاميرا الذهبية في مهرجان كان 2004 عن فيلم "كنزي" الذي يروي قصة أم تمارس البغاء لكسب قوتها وقوت ابنتها الوحيدة.

وإلى جانب اهتمامها بالفئات المهمشة والبؤس الاجتماعي والاختلاف الجنسي أو الطائفي، عرفت يدايا بتعاطفها مع الفلسطينين. ففي فيلم "حيفا عروس البحر" الصادر عام 2009 تنشأ قصة حب ثم جنس ثم حمل تنتهي بعد الفضائح التي فجرتها بلقاء بين الحبيبين وطفلتهما على شاطئ حيفا في رسالة بأن قدر الشعبين التعايش وأن تظل حيفا وطنا للجميع.

وتواصل المخرجة وهي من مواليد 1972 مسيرتها الملتهبة عبر "بعيدا عن أبي"الذي يشارك في مسابقة "نظرة خاصة". ويتناول الفيلم أحد أكبر التابوهات في كل المجتمعات على اختلاف ثقافاتها وهو نكاح المحارم.

موشي وابنته تميريعيشان في شقتهما في نوع من العزلة الجهنمية يتقاسمان فيها الأكل وممارسة الجنس. وتقضي تامير يومها في دوامة من الهوس النفسي تسعى لتخفيفه بغسل جسدها مرارا وكأنها تريد التخلص من دنس، وفي الطبخ وتنظيف البيت. وتشتد حدة معاناة البنت فتأكل بشراهة مرضية ثم تتقيأ ما أكلته في حلقة تبعث على الغثيان، وتشوه "تمير" ذراعها بشفرة حادة.

فتسمن الفتاة وكأنها محاولة منها لحماية جسمها من الانتهاكات التي يمارسها الأب من ضرب واغتصاب، أو كأن العذاب المسلط على جسدها صار الوسيلة الوحيدة لامتلاك حرمته. وتبلغ درجة العنف ذروتها عندما يرتبط الأب بعلاقة جديدة مع امرأة أخرى دون أن يتوقف عن استغلال ابنته. ويثير دخول المرأة الثانية اللعبة الاضطراب والحيرة لدى "تمير" حيث تعصف بداخلها الغيرة والغضب والخوف فتصير فريسة أسهل لتلاعب والدها.

يولد فيلم يدايا إحساسا بالاختناق والقلق أمام سادية الموقف وسط صمت رهيب يؤججه شبه غياب للخلفية الصوتية، وكأننا شركاء فيما يحصل وعاجزين. والأصعب في الفيلم هو علاقة التبعية والاكتفاء بين الشخصيتين، التي لا تترك للضحية خيارا آخر غير الطاعة والرضوخ للعنف.

وبرهنت المخرجة عن براعة تامة في التصوير بكاميرا باردة قسوة مشاهد الجنس والدمار العصبي الذي يجتاح تمير فيذبل شبابها أمام حضور مرعب للأب يغمر الشاشة بطمسه لحياة ابنته.

وصدم الفيلم العديد خلال عرضه لكن جماليته السينمائية لا تناقش فقوته تكمن أيضا في غياب الأحكام على الشخصيات. ونجحت المخرجة، والممثلة المذهلة مايان ترجمان، في تشريح متقن لأكبر تابوهات الإنسانية.. وفتح نافذة أمل بلقاء البنت امرأة تساعدها تدريجيا على الخروج من محنتها بعد أن حملت من والدها: هل تغسل الأمومة كل الذنوب؟

يذكرنا الفيلم بنساء أفلام جين كامبيون معذبات وجريئات، قطعا إن المهرجان هذا العام يدفع بشخصيات نسائية قوية تقف وراء العدسات ولا تخاف النظر إلى ما لا نجرؤ على رؤيته.

(عن نص كتبته مها بن عبد العظيم لموقع فرنسا 24)

عين على السينما في

28.05.2014

 
 

خواطر من مهرجان كان 2014 : عن "الميدان"!

أمير العمري 

هم يصنعون الأفلام ونحن طبعا أحرار إذا أكملناها او لم نكملها فالمشاهدة ليست فرضا مقدسا كما يتصور بعض الهواة، اي أنه ليس أمرا محتوما وفريضة على الناقد الذي يوجد في مهرجان سينمائي دولي كبير حيث تعرض مئات الأفلام، أن يقضي وقته في مشاهدة ما لا يثير اهتمامه ولن يتوقف أمامه لكي يمارس العملية النقدية التحليلية أو حتى على سبيل المتعة الشخصية التي تتحقق عادة من مشاهدة عمال ممتع.

من الأفلام التي لم استطع إكمال مشاهدتها واعتبرتها نسيا منسيا، الفيلم الأوكراني "الميدان" (هذا هو اسمه باللغة العربية مكتوبا بحروف لاتينية) والإسم لاشك أنه مستمد من الكلمة المصرية تحديدا التي تطلق على ميدان التحرير أو على كل ما يصفه العرب من غير المصريين عادة بـ"الساحة" Square فالبعض يعتبر أن "الميدان" لابد أن يكون فقط "ميدان الحرب" وليس الساحات العامة في المدن، وعموما الكاتبون بالعربية لا يتفقون على آلاف الكلمات حتى الىن بل ولا يسعون أصلا للاتفاق حولها، بل يتباهى الكثيرون منهم بطريقته في الكتابة والتعبير فلايزال الإخوة في المغرب مثلا يصرون على كتابة "التاكسي" بحرف الطاء أي طاكسي، وهكذا كل الأسماء الأجنبية مثل برطولوطشي وكن لوطش وهلم جرا!

أما "الميدان" فهو فيلم يفترض أنه تسجيلي، يصور التجمع المعارض الذي اشتهر أخيرا واتخذ له مكانا في الميدان الرئيسي في العاصمة الأوكرانية كييف وه والميدان الذي أطلقوا عليه "ميدان الاستقلال". لكن الفيلم لا يروي شيئا ولا يصف شيئا ولا يقدم أي نوع من الوثائق سوى أنه يضع الكاميرا أمام الناس في الميدان وتستمر اللقطة عدة دقائق ثم تتغير زاوية الكاميرا، ويتغير الزمن، وكل ما تراه من لقطات هي من نوع اللقطات العامة الثابتة، بدون اي تعليق أو موسيقى او تدخل من المونتاج. وليس بوسع أحد خاصة لو كانت تنتظره في اماكن أخرى أفلام كثيرة يمكن أن تفوته مع مرور كل دقيقة، أن يجلس ليحملق في لقطات فارغة لتوافد الناس على الميدان مع ترديد خطب جوفاء طويلة تسب في بوتين وفي السياسة الروسية، وتدعو المواطنين للاحتجاج بكلمات انشائية.

وقد قضيت أربعين دقيقة أشاهد تلك الصور منتظرا أن يتطور الفيلم ليتخذ أي شكل من أشكال الفيلم التسجيلي المعروفة، فلم أجد شيئا. علما بأن الفيلم يفترض ان يستغرق ساعتين وعشر دقائق، ولا أظن أنه سيخرج عن هذا الأسلوب الذي يعتقد صاحبه، المخرج سيرجي لوزينيتسا، أنه أسلوب "طليعي" يمكنه أن يبهر المشاهدين في "كان" أو غير كان، وهو الفيلم الذي تحمس له مدير المهرجان تيري فريمو وجاء بنفسه بصحبة مخرجه لتقديمه للجمهور في قاعة "بازان" في اليوم قبل الأخير من ايام المهرجان، حتى لو لم يحضر العرض سوى بضعة أشخاص فلابد أن العرض السابق للفيلم قد تسبب في انتقال التعليقات عليه الى النقاد الحاضرين فعزفوا عن الحضور. لكن لعل اتساف الفيلم مع السياسة الروسية تجاه كييف هي السبب في ضم هذا الفيلم الى البرنامج الرسمي للمهرجان!

المشكلة الحقيقية أنه بعد 40 دقيقة من "اللاشيء" سوى توافد الناس على "الميدان" (علما بأن الفيلم يصور الميدان في الفترة من ديسمبر 2013 لى فبراير 2014، هي أن هذه المدة كافية بالمسبة لاي مخرج سينمائي لأنه يدخلك في قلب الفيلم، أن يشدك وأن يعثر على أسلوب أكثر فعالية واثارة في تناول الموضوع ولكن هنا نجد أن معظم الحاضرين في هذا العرض وهم من النقاد العالميين المخضرمين، انسحبوا مفضلين الخروج الى ضوء النهار أو ربما الى فيلم آخر أكثر اثارة للاهتمام!

هل كان يجب أن أكتب ما كتبته هنا رغم أنني لم أكمل مشاهدة الفيلم؟ نعم أعتقد هذا في اطار شرح السبب الذي جعلني اغادر العرض، ولأنني لست من النقاد "الاورثوذوكس" الذين يرون ضرورة أن يربط الناقد السينمائي نفسه بالمقعد الذي يجلس فوقه لا يغادره أبدا إلا مع انتهاء عرض الفيلم. وعموما أنا لم أكتب هنا عن الفيلم بل كتبت فقط انطباعاتي عما شاهدته منه!

حياة في السينما في

29.05.2014

 
 

ذكريات 10 سنوات مع مهرجان"كان" السينمائي

حسونة  المنصوري* 

منذ عام 2004 وأنا أتابع مهرجان "كان" ولن أبالغ أبدا إذا قلت إن هذا المهرجان غير حياتي حتى أنني أصبحت لا أتخيل أن أغيب عن أي دورة من دوراته. ولعل أهم ما تعلمه من معبد الصورة هذا، إضافة الى متعة الاكتشاف والمعرفة بالفن السابع،  هو النظر الى الأشياء بتجرد وتواضع. فعندما تقضي أسبوعين وانت تنام على كم من الصور يكاد يصيبك بالتخمة وانت القادم من عالم الجفاف والجوع الى الصورة، وتصحو على شغف اللقاء بالأعمال التي تعرض للمرة الأولى التي كنت ستنتظر أشهر أو سنين لتشاهدها إن لم تعثر عليها في مصب الزبالات الملأى بالاعمال المقرصنة ولكنك تظطر لاستهلاكها كسم يوذي عينيك ويدنس ذوقك لانه لاسبيل لك غيرها.

عندها تعلم بالحجة والبرهان أن العالم أكبر وأوسع مما كنت تظن. وعندما تفهم هذا فانك تفهم كم انت صغير دون خجل ولا عقد. حينها فقط تفتح عينيك وتتغذى بنهم من شعر العالم وتحلق بعيدا عن الرداءة. وأهم ما تتعلمه هو أن تنظر الى العالم وكأنك تقف على قمة جبل وهو أسفله.

تنتابني هذه الخاطرة وأنا أحاول استعادة ذكرى أول مشاركة لي في هذا المهرجان كما لو أنها حدث تاريخي. وهي كذلك على المستوى الشخصي. يكفي أن أنظر الى الدورة الحالية في مقارنة سريعة لأن أدرك أن تحولا كبيرا حدث في كان وحدث في العالم بأسره ويمكن رصد هذا التحول من خلال ما يشاهد من صور وما يصاغ من خطابات. 

أذكر انني تابعت حفل الافتتاح للدورة 57 سنة 2004 على شاشة كبيرة على الكروازايت ولم انتبه الى ما كان يحدث كما يمكننا الآن أن نراه بعامل الزمن وتراكم الصور.

تحضرني الآن لحظة ظهور المخرج الاسباني بيدرو المودوفار الذي افتتح الدورة 57 بفيلمه "التربية السيئة" Bad Education. قال المودوفار، ضمن ما قال، إنه يهدي فيلمه الى ضحايا الهجمات الإرهابية على مدريد. وأذكر أنه في نفس الدورة توج بالسعفة الذهبية فلم Faranheit 9/11 للمخرج الامريكي مايكل مورالذي ينقد فيه السياسة الأمريكية ودخول دولته الحرب في العراق.

عندما ألقي نظرة سريعة على برمجة "كان" أفهم أن هذا المهرجان يحرص على أن يكون له صدى لما يحدث في العالم، ففي هذا السياق كان لأحداث الحادي عشر من سيبتمبر 2001  وما تلاه من مهازل تراجم سينمائية كثيرة وثرية كان لها مهرجان "كان" بمثابة مسرح.  ففي هذا السياق أيضا برمج "كان" الكثير من الأفلام العربية على هامش الأقسام الرسمية منذ سنة 2011  إثر ما سمي بالربيع العربي. فبعد أفلام من تونس ومصر سنة 2011  التي لا تستحق حتى أن تذكر لرداءة مستواها وبعد مهزلة فيلم برنار هنري ليفي حول ليبيا سنة 2012، برمج مهرجان كان هذه السنة فلم عبدالرحمان سيساكو في المسابقة الرسمية. لعل هذا دليل على انه يمكن عمل افلام ذات جودة دون السقوط في المزايدة على دماء الشعوب. برمج المهرجان أيضا العمل الجديد للمخرج الشاعر السوري أسامة محمد الذي عبر بأسلوب نادر وذكي عن غضبه وثورته، ليس فقط ضد قدر شعبه الغاشم ولكن أيضا ضد العالم بأسره  لنفاقه وعدم احساسه بالماساة السورية.

من هذه الزاوية لا يفوتني ان أضع الدورتين وجها لوجه ليتجلى لي في وضوح القمر ليلة صيف لا سحابة تعكر صفوه. لقد ربح الغرب حربه ضد الارهاب لا بالقضاء عليه ولكن بتصديره الى عالم الجهل والتخلف الذي جاء منه. لقد تحولت ساحة المعارك من نيويورك ولندن ومدريد في السنوات الأولى للألفية الثالثة الى "تمبكتو" وميدان التحرير بالقاهرة وشارع الحبيب بورقيبة في تونس وصنعاء وحماه ووو...  وانطلت الحيلة واعتقد السذج أن الربيع قد حل وستزهر الديمقراطية في الأراضي القاحلة وستلد سنما جديدة في تناغم مع مد الحرية.

غير أن هذه الحظة على الاقل لم تلد ولا ديمقراطية واحدة ولم نر فلما عربيا واحدا يحاكي المستوى العالمي. ولكن يبقى مهرجان كان المركز الذي يدور حوله العالم فهو يعرض أفلاما تشهد على الحراك الكوني الذي بمقتضاه تخلط الأوراق ويعاد تركيب العالم وفق توازنات جديدة لا يعيها الجاهل ولا المعتد بنفسه من فراغ ولكن يشتمها المخرج الشاعر والفيلسوف وصانع الصورة الذي يشهد على عصره ويساءل الانسانية كل لحظة عن معنى وجودها. ولكن هل لكل الأمم صناع صورة من هذا القبيل!؟

*  ناقد من تونس يقيم في أمستردام

عين على السينما في

29.05.2014

 
 

"سبات شتوي" المتوج والفرنسي "البحث" قوبل باحتجاج النقاد

كان/ قيس قاسم  

لم تترك الدورة 67 لمهرجان كان السينمائي موت المخرج السويدي العربي الأصل مالك بن جلول يمر دون وقفة خاصة منها، سيما وأن موته التراجيدي المبكر، قد تزامن مع موعد أيام انعقادها فرتبت لفيمله "البحث عن الرجل السُكَر" عرضاً خاصاً بالتنسيق مع الجناح السويدي المشارك في سوقه الى جانب اضافة صورته الى بعض النسخ من بوستر المهرجان الرسمي لتضيف بعداً عربياً دعم المشاركة القليلة للسينما العربية هذا العام والتي تمثلت بالأساس بفيلم المخرج السوري  أسامة محمد "ماء الفضة" والذي شكل هو الآخر مفاجأة لمستواه العالي.

فيلم "البحث عن الرجل السكر" آسر ومثير عن مغني الروك الأمريكي سيكستو دياز رودريغز الذي ظهر في بداية سبعينات القرن الماضي، بنمط غير مألوف من الغناء قابله الناس وشركات تسجيل الاسطوانات الموسيقية بالتجاهل والصد لكنه اُستقبل في مكان آخر بعيد، في جنوب أفريقيا كنجم أسطوري وتداول المناهضون لسياسة الأبارثيد والعنصرية أغانيه واسطوانته بسرية بعد أن منعتها حكومة الأقلية البيضاء. لم يعرف الأفارقة الجنوبيون أن الرجل الذي يعشقون سماع أغنياته وملهم نضالهم مجهول في بلاده يعمل في بناء البيوت وترميم المنازل ليوفر لقمة عيشه، ظهر على ضفاف نهر ديترويت فجأة مثل وميض البرق واختفى، وشاعت عنه أنباء أنه وبسبب من الإحباط الذي شعره أشعل النار بجسده فوق أحد المسارح ومات محروقاً.

رحلة البحث التي بدأها مالك بن جلول دامت ثلاث سنوات وانتهت بالوصول اليه حياً، فالرجل لم يمُت بل انزوى وترك الموسيقى ليعيش حياة عادية ويشارك في أنشطة سياسية تدعو للعدالة ونبذ العنصرية في بلاده. اكتشاف وجوده ورحلته الأولى الى جنوب أفريقيا، ليقيم على مسارحها حفلات شعبية يغني لجمهوره تلك الأغنيات التي حفظوها عن ظهر قلب، أعادت الحياة اليه والى "أغنياته الميتة" وأشهرها "الرجل السُكًر". صنع مالك بن جلول من حكاية "الرجل السكر" رودريغز فيلماً مركباً بين الوثائقي الموسيقي والوثائقي الدرامي من خلال إعادة تشكيله الأجواء التي عاشها المطرب في ديترويت وتسجيل تجربته الموسيقية فيها وفي الجهة الثانية من المحيط أجرى مقابلات مع الذين عرفوه من خلال فنه ونقل مقدار تأثرهم به وحبهم له. تجربة مضنية ورحلة طويلة بدأت بفكرة صغيرة لبرنامج ثقافي تلفزيوني سويدي انتهت الى فيلم فاز بالأوسكار، وجعل العالم كله يعَوّل على مخرج  فاجأهم بموته عن عمر توقف عند رقم 39 عاماً، ما أثار حالة من الحزن خيمت على أجواء المهرجان. وفي المقابل وعلى المستوى العربي أيضاً أحدث عرض فيلم "ماء الفضة" لأسامة محمد ردود فعل كثيرة ايجابية بخاصة بين أوساط النقاد العرب لحيوية موضوعه الذي مس جانباً من الحرب الأهلية الدائرة رحاها في سوريا.

وفيما يخص جيراننا من الدول فالسينما الإيرانية لم تشارك هذا العام في مسابقاتها لكن التعويل وحتى كتابة هذه السطور ما زال على الفيلم التركي "سبات شتوي" لنوري بلغي جيلان لكونه من بين الأفلام المتبارية في المسابقة الرسمية ولسمعة صانعه الذي يعد من بين أهم المخرجين في العالم لخصوصية أسلوبه السينمائي وعمق موضوعاته التي تغور عميقاً في الحياة التركية. فيلمه الأخير لا يشبه أفلامه السابقة من ناحية الشكل الذي أعتمد هذه المرة كثيراً على الحوار الذي أفضى الى بوح عن المتراكم النفسي  داخل الكائن البشري ولذلك ذكرنا مباشرة بأفلام بيرغمان بفارق أن جيلان يميل الى تفكيك الشخصية التركية وفق ارتباطها بالعمق التاريخي والقومي وعبرهما يدخل الى موضوع الهوية التركية الملتبسة التي حاول في كثير من أفلامه تحليلها بأدواته السينمائية التي أتخذ لنفسه أسلوباً خاصاً فيها يعتمد على جماليات الصورة وعمقها بحيث يغدو كل مشهد عبرها وكأنه لوحة مصورة في بيئة تركية لها مدلولاتها في كل فيلم وهذا ما تجلى بوضوح في "حدث ذات يوم في الأناضول" وعد عملاً سينمائياً كبيراً مثله مثل "سبات شتوي" الذي يتوقع له الكثير من النقاد الخروج بجائزة أو أكثر في دورة المستويات فيها متقاربة جداً باستثناء بعضها مثل "البحث" للمخرج الفرنسي ميشيل هازانافيكيوس الذي أراد أن يتناول موضوعاً إشكالياً يتعلق بالموقف من الشعب الشيشاني والحركات التي اتخذت من العنف أسلوباً في مواجه ممارسات موسكو الهمجية ضده. حيوية الموضوع ومحاولة قراءة أسباب ظهور الحركات الإسلامية المتشددة فيه لم تشفع لضعف الفيلم الذي أخذ أسوأ ما في هوليوود وارتكن على كلشيهات وأنماط عمل تعتمد على التحفيز العاطفي وإضافة المزيد من المؤثرات الصوتية لإخفاء ضعف نصه على المستويين الكتابي والاخراجي لدرجة يتساءل المرء لماذا يقدم مهرجان كبير مثل كانّ فيلماً كهذا في مسابقة تضم أسماء كبيرة وأفلام مهمة سننتظر أياماً لمعرفة من منها سيحوز على سعفاتها الثمينة

المدى العراقية في

29.05.2014

 
 

قبلة ليلى حاتمي و بكيني لبنان

كتب الخبرمحمد الحجيري 

في الأيام القليلة الماضية، هزَّت الجمهورية الإسلامية الإيرانية لقطة عناق، أو قبلة، بين الممثلة ليلى حاتمي ورئيس مهرجان «كان» السينمائي جيل جاكوب، في حين «اشتعل» الفيسبوك والمجتمع في لبنان بفيديو لا تتعدى مدته عشر ثوانٍ، تظهر فيه فتاتان روسيتان بلباس البحر، على ظهر سيارة على طريق عام في منطقة جونية (شمال بيروت). لماذا هذا الهذيان الذي رافق المشهدين؟

لا شيء يجمع بين قبلة الممثلة الإيرانية المحترمة في «كان»، ولباس بحر الروسيتين على ظهر السيارة في لبنان سوى الهذيان الذي رافقهما، والهلع الفيسبوكي وكثرة حراس الأخلاق وأصحاب الفتاوى.

الممثلة الإيرانية نجمة معروفة تواجدت في مهرجان تحتشد فيه شخصيات سينمائية وفنية، ومن البديهي والطبيعي أن تتكيف مع أجواء المهرجان، ما دامت السينما اختراع الحياة، ومن البديهي أن تعيش الممثلة حياتها. لكن الجمهورية النووية الإيرانية شنّت حملة شرسة ضد ليلى حاتمي متهمة إياها بعدم احترام تقاليد وطنها خلال مشاركتها في المهرجان العالمي. وقادت الهجوم على الممثلة، التي لاتزال تعيش في إيران مع زوجها الممثل علي مصفا، صحيفة {كيهان} الحكومية المحسوبة على المرشد الإيراني علي خامنئي، قالت إنها: {ليست المرة الأولى التي لا تحترم فيها الممثلة آداب وطنها وتقاليده خلال مشاركتها في المهرجانات الغربية». وأقدمت منظمة طلبة {حزب الله} الإيرانية المقربة من الحرس الثوري الإيراني بتحريك دعوى ضد حاتمي، وطالبت بتطبيق عقوبة الجلد وحدها 50 جلدة على الممثلة للخرق الذي قامت به ضد تقاليد مجتمعها التي تمنع القبلة بين الرجل وبين المرأة، إذا لم يكن بينهما زواج موثق...

وحاتمي واحدة من خمس نساء أعضاء في لجنة تحكيم جائزة السعفة الذهبية في مهرجان {كان} السينمائي الدولي، التي تضم الممثلة كارول بوكيه، المخرجة صوفيا كوبولا، ورئيسة اللجنة جان كامبيو. وسلوك الحرس الثوري الإيراني تجاه السينمائيين والكتاب والكاتبات في إيران بات معروفاً، وغالباً ما يؤدي إلى تهجيرهم ونفيهم أو سجنهم. واللافت أن هلع الحرس الثوري ضد الممثلة المعروفة والناشطة يتزامن مع نشر صور لشبان وشابات في شمال إيران بكاميرا مصور غربي، تبين جيل ما بعد الثورة الخمينية، مجموعة من الشباب والشابات الأنيقات في مختلف الحالات. كـأن ثورة مضادة تتحرك ببطء في بلاد فارس، فتيات سافرات، يرقصن على أنغام الموسيقى، يلعبن طاولة النرد في فيلا، ينفثن النرجيلة أو يلعبن البلياردو أو يقفن في وضعيات جريئة للتصوير. وشبان يمارسون هواياتهم على الأجهزة الإلكترونية الفائقة التي تصل إلى إيران عن طريق دبي... مشهديات تقول الكثير من الكلام عن بلد تسيطر عليه مجموعة من الملالي. حتى الجلوس في المقاهي هناك بات يشبه أجواء {ستاربكس} الأميركية، حيث القدر الكبير من الحياة على الطريقة الغربية. وبالتالي، هل ستغصّ الجمهورية الإيرانية التي تبلغ بحر التقاليد الغربية بقبلة ليلى؟!

لبنان

يبدو مشهد لباس البحر في لبنان مثيراً للسخرية ومختلفاً تماماً عن القبلة الإيرانية. لم نتعرَّف إلى ملامح وجهي الفتاتين، وهما كانتا في منطقة سياحية فيها ألف خبر وخبر عن النساء، ومن صوَّرهما كان حتماً «يبصبص» عليهما بطريقة «كبتية» إذا جاز التعبير، كان مندهشاً بهما مثل كثيرين، فوزع الفيديو بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شاهده الآلاف من باب الفضول و{حب البصبصة» على أمر غير معتاد في الشارع، وبقي الفيديو لأيام الأكثر مشاهدة وكتبت عبارات مرافقة له على شاكلة «هيدا لبنان»، في حين كان السؤال: من يجرؤ أن يظهر بلباس البحر على ظهر سيارة وفي بلد يعتبر ذلك خدشاً للحياء العام؟ كما ردد البعض: «شفتو البنتين بالزلط، العمى بعيونهن، بلا مخ».

كان يمكن لـ{البكيني» أن يتصدر نشرات الأخبار اللبنانية كما حال تمساح نهر بيروت. ولكن صدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان (شعبة العلاقات العامة) البلاغ التالي: «تتناقل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ابتداء من تاريخ 22 مايو 2014 صورة سيارة من نوع «مرسيدس 240» سوداء على أوتوستراد جونية، تجلس على سطحها فتاتان ترتديان ثياب البحر.  وبعد المتابعة تبين أن مفرزة سير جونية في وحدة الدرك الإقليمي، حجزت السيارة بذات التاريخ على المسلك الشرقي من أوتوستراد جونية، وطلب في حينه من الفتاتين الأجنبيتين ارتداء لباسهما...».

تصرف الروسيتين الغبي والتفاعل الفيسبوكي الأخرق الذي رافقه، يذكرنا في جانب منه بصور جاكي شمعون العارية وصور الفنانة رشا مكحل وغيرهما، إذ يمكن للباس البحر في لبنان أن يثير بلبلة ويجعل من الدجاجة أشهر من نار على علم. كان في مخيلة كثير من «أركان» البرامج الصفراء على القنوات التلفزيونية اللبنانية نيّة استضافة «فتاتي البكيني»، لكن جنسيتهما الروسية خذلت الطامحين إلى السبق الإعلامي وأظهرت أننا مازلنا في زمن التحجب رغم كثرة العري.

باختصار، بين «قبلة الممثلة الإيرانية» وبين «بكيني سيارة جونية» صورة عن أمور
هامشية وبديهية في العالم لاتزال تسيطر على مجتمعاتنا وتحتل الأولوية وكأنها قضايا قاتلة، تارة باسم خدش الحياء وطوراً باسم تقاليد الأمة.

الجريدة الكويتية في

29.05.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)