كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

هل هو منع "نوح" أم منعنا نحن؟

محمد رُضــا

ملف خاص عن فيلم (نوح Noah)

   
 
 
 
 

نحن في عصر لم يعد فيه المنع ممكناً، بالنظر إلى ما هو متوافر على الإنترنت من صور وأفلام ومقالات وشؤون. تستطيع أن تحجب عشرات المواقع، لكن هل تستطيع أن تحجب مئات الألوف منها؟ جميع من تداول في موضوع منع فيلم "نوح" قالوا، بحق، إن المنع غير ممكن في عصرنا هذا، ومعظمهم شجب القرار، حتى وإن كان مبنياً على "عدم جوازية تصوير الرسل في السينما"، كما برر الأزهر في القاهرة دعوته لمنع الفيلم، وكما تبنّـته أيضاً أكثر من هيئة إسلامية ومرجعية دينية في عالمنا العربي.

ليس هناك لزوم للذهاب إلى هذا الجانب التقني من الموضوع: نعم. تنتظر قليلاً وتلتقطه على نحو أو آخر، مبثوثاً على الإنترنت أو مبيعاً كأسطوانات DVD. فما خفي اليوم ستراه غداً. لكن هناك بعض الجوانب الأخرى المهمّـة لا بد من الإشارة إليها:

هل هناك مَن هو مخوّل الطلب لمنع فيلم ما، قبل أن يشاهده؟ ثم بعد أن يشاهده... إذا شاهده؟ ماذا لو كان الفيلم متديّـناً وإيجابياً حيال شخصية النبي نوح؟ وإذا لم يكن الفيلم إيجابي الفحوى، هل يكفي ذلك لمنع الفيلم من العرض؟ هل الشعوب العربية اليوم (معظمها دون الثلاثين عمراً) متخلّـفة إلى درجة أنها لا تزال بحاجة لمن يرشدها؟ بصرف النظر عن رسالة الفيلم وطريقة معالجته، هل يدفع الناس إلى الإقلال من الحضور الديني في ذواتهم؟ هل يدفعهم للإلحاد؟ هل يغيّـر وجهة نظرهم حول التاريخ وحول الدين وشؤون الحياة؟

إنطلاقاً من هذا السؤال الأخير، وربما تغليفاً له: ماذا يحدث لو أن الفيلم عُـرِض فعلاً؟

هناك حرب ينحر بها المسلم المسلم. هناك بطش وإرهاب على مستوى أنظمة فاشية. هناك فساد إداري ونهب ثروات غير مشروعة. هناك إنفلات غير أخلاقي، أصغره شأناً التحرّش بالقاصرات وأكبره علاقات الشذوذ داخل الأسر. هناك هدم بيوت فلسطينيين وخطف أطفالهم واحتلال مستمر لأراضيهم وعمل دؤوب لانتزاع القدس من بين أيدي الفلسطينيين وبيع أعضاء الموتى الفلسطينيين عبر قراصنة إسرائيليين. هناك جوع وفقر وأميّـة وأناس يعيشون في المقابر وملايين يعيشون في الخيم. هناك حروب أقليمية وعالمية محتملة ومستقبل غير مستقر. هناك من سيسرق نهر النيل، وأنهر ستجف وبيئة مفسودة.

هناك هذا كله، وأكثر منه، وأنت تريدني أن أصدّق أن منع "نوح" أمر مهم؟ هل كانت أفلام العنف سبباً في قيام الحرب الأهلية اللبنانية؟ هل هي اليوم سبب في العنف المنتشر؟ هل كانت أفلام الثورات سبباً في إندلاع ثورات الربيع العربي التي كان يحق لها أن تندلع ولو أنها لم تستمر أو تنجز ما وعدت به؟ هل هناك من يسيء إلى الإسلام أكثر من مسلمي التطرّف والإرهاب في سوريا ومصر ولبنان والعراق واليمن وسواها؟

كان يمكن إلى حين قريب أن تتحدّث والأجنبي عن الإسلام بفخر، فكيف تستطيع أن تتحدّث إليه الآن؟ كيف تقنعه بأن هذا التطرّف ليس إسلاماً؟

هل هذا من فعلة فيلم "نوح" أم بسبب فقدان الحصانة التي زرعتها الأديان السموية في ذوات المؤمنين بها قبل أن تنزوي من صدور العديد من الناس؟

المعنيون في المراجع الدينية الإسلامية كافّـة أخفقوا مرّة أخرى في تسديد السهم إلى هدفه الصحيح. ضربوا سهامهم في اتجاهات مختلفة ما عدا الإتجاه الصحيح. كان يمكن مثلاً إصدار بيان يلفت إلى أن تناول شخصية النبي نوح، أو أيٍّ من الأنبياء الآخرين، ليس محبّذا في الدين الإسلامي الحنيف. كان من شأن ذلك أن يساهم في إثراء حوار ما حول الموضوع. أن يقدّم وجهة نظره مبنية على المبررات التي يؤمن بها ويترك لمن يريد أن يأخذ بها أو لا، ويترك لمن يريد أن يشاهد الفيلم أو لا يشاهده.

هناك رغبة في أن يلتزم المرء وصيّـة أولياء الأمر. ثلاثة علينا أن نطيعها منذ ولادتنا: تعاليم البيت، تعاليم المدرسة وتعاليم الدين. كلها لها إيجابيات بلا ريب، لكن حين تستخدم في حجب قدرة المرء على القرار المستقل تتحوّل إلى جزء من نظام شامل (نراه ينتشر حول العالم بكل نظمه اليوم) تُـمارَس فيه الفاشية تحت أكثر من إسم.

ذات يوم وقف سبّـاح بيروتي عند شاطئ قرب الروشة ينظر إلى البحر. كان يرتدي الشورت للسباحة، لكنه كان يريد أن يستمتع بالمنظر الجميل الذي يمر به ألوف الناس يوميا ولا يشعرون به. أحد هؤلاء الناس مر، وهو بكامل ثيابه، وقال للسبّـاح: "يللا... شو ناطر؟ نط. السباحة مفيدة للجسم". استفاق البيروتي من تأملاته ونظر إلى الرجل الذي حادثه وهو لا يعرفه، ثم استدار إلى ثيابه ولبسها وغادر الشاطئ. سيسبح بخاطره ومتى أراد، وليس لأن أحداً حفّـزه على ذلك.

28 آذار 2014 الساعة 20:42

راسل كرو: غير عقلاني من ينتقد فيلم Noah

أكد الممثل راسل كرو بطل فيلم Noah أن النقد الذي تلقاه الفيلم قبل عرضه غير عقلاني، مشيرا إلى سعادته بعرضه ليتمكن الجمهور من الحكم عليه. واضاف: "تلقينا انتقادات غير عقلانية دامت ما بين 12 إلى 14 شهرا، والآن الناس يمكنهم مشاهدة الفيلم أخيرا ليروا كم هو محترم، ومدى إخلاصه للقصة الحقيقية". يذكر ان الفيلم نال قسطاً وافراً من الانتقادات في الولايات المتحدة كما تم منعه في مصر من الازهر، في حين سمح الأمن العام بعرضه في لبنان.

النهار اللبنانية في

29.03.2014

 
 

سينما الأزهر

محمود الزيباوي 

يتواصل السجال في مصر حول فيلم "نوح"، ويتحوّل إلى معركة مفتوحة لم تُحسَم نتيجتها بعد. يطالب الأزهر بمنع هذا الشريط، ويرى في سماح الرقابة بعرضه انتهاكاً صريحاً للدستور. في المقابل، يرى البعض "أن الرقابة على المصنفات الفنية غير ملزمة عرض الأفلام على الأزهر الشريف لأخذ الموافقة عليها قبل عرضها في السينما".

في أيار 1954، ولمناسبة حلول شهر رمضان، نشرت مجلة "أهل الفن" ندوة حول "الفن الإسلامي" حاور فيها عددٌ من الفنانين والكتاب، الشيخ صالح شرف السكرتير العام للأزهر الشريف، في حضور صاحب المجلة حسن إمام عمر. شكلت مسألة "علاقة الفن بالدين" أساس تلك الندوة، ولعب فيها دور المحاور في الدرجة الأولى المخرج السينمائي حسن عامر والممثل حسين صدقي، والاثنان معروفان بميولهما الإسلامية. شدّد حسين صدقي على مسؤولية الأزهر في تحديد هوية الفن الديني، وقال للشيخ صالح شرف: "لو احتضن الحاكم ورجل الدين الفن لأتى بالنتيجة المرجوة، ولكن رجل الدين والحاكم لا يعترفان بالفن". أجاب الشيخ شرف: "رجل الدين لا سلطان له". فأردف النجم السينمائي: "بل له سلطانه الديني". فردّ الشيخ باقتضاب: "ان سلطانه لا يعدو قول هذا حلال وذلك حرام". وكرّر حسين صدقي قوله: "الأزهر طول عمره له سلطان وكيان، ولكنه لم يهتم بالفن".

تناول الحوار مسألة التمثيل والرقص والغناء، وجاءت ردود الشيخ صالح شرف تقليدية للغاية. حاول حسن عامر إثارة النقاش، لكن الأجوبة كانت قاطعة وحازمة، كأنها مسلمات لا جدال فيها. استعاد الشيخ المقولات السائدة، وقال في شرعية الرقص: "لا مانع من أن يرقص الرجل على كيفه، أما المرأة فلا يجوز ان ترقص لأجنبي، بل عليها إذا أرادت الرقص أن ترقص لزوجها، لأن الرقص من الزينة". واستشهد بما جاء في الآية الحادية والثلاثين من سورة النور: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن". توقّف حسن عامر هنا أمام تطوّر تجربة المسرح الإسلامي، فقال إن جمعية "الاخوان" سعت إلى تحديد علاقة الفن والدين في عام 1937، فرأت أن "التمثيل حلال، ولكن على ألا يلتقي فيه رجل وسيدة، لأن التقاءهما عبارة عن التقاء أجسام وأرواح ولن يقلّ هذا خطورة عن جريمة هتك العرض". بعدها، تبدّلت الأمور، وصار للمرأة حضور مباشر في المسرحيات الإسلامية، مع مراعاة لقواعد هذا النوع من العروض وخصوصيته.

سطوة ونفوذ

انتقل الحوار هنا إلى مسألة تجسيد الخلفاء الراشدين على المسرح والشاشة. وطرح حسن عامر على سكرتير الأزهر السؤال المعهود: "لماذا تحرمون ظهور شخصية كشخصية عمر بن الخطاب؟"، فقال الشيخ: "يمكنك الاستغناء عن الصورة بتمثيل الفكرة لأنك لن تستطيع أن تقنع الناس بأن ممثلك هو عمر". وردّد المقولة الشائعة: "لا يمكن التصريح لتمثيل شخصيات الصحابة والخلفاء والراشدين". حاول المخرج السينمائي خرق هذا الجدار، فقال: "فلنحتكم إلى التاريخ"، وذكر رواية نقلها نقيب الأشراف وشيخ المشايخ الصوفية بالديار المصرية محمد توفيق البكري في كتابه "صهاريج اللؤلؤ" الصادر عام 1906، وهي رواية مأخوذة من موسوعة "العقد الفريد" لابن عبد ربه الأندلسي. نقل البكري هذه الرواية تحت عنوان "مما يدل على أن العرب كان عندهم ما يُشبه من وجه تمثيل الوقائع المعروف الآن بالتياترو"، واختصرها حسن عامر بقوله: "كان هناك في بغداد رجل صوفي أيام المهدي، وكان يجمع الناس في أكبر ميادين بغداد ويصعد على ما يشبه المسرح ويعظّم فينادي: أين هو أبو بكر الصديق؟ فيصعد إليه رجل يمثل شخصية أبي بكر، فيقول له الصوفي: يا خليفة رسول الله، لقد صنعت كذا وكذا، فجزاك الله خيرا. ثم بعد ذلك يقول أدخلوه الجنة. وهكذا يفعل الصوفي فينادي: أين عمر؟ أين عثمان؟ وأين علي؟ أليس في ذلك تمثيل لشخصيات الخلفاء الراشدين على مسمع ومرأى من علماء وقادة الفقه؟". جاء الرد على لسان الأديب علي الجنبلاطي: "كان هذا في عهد العباسيين، الذي هو ألعن من عصر فاروق من ناحية الخروج على قواعد الدين الإسلامي". وتبعه قول الشيخ صالح شرف: "أنا غير موافق قطعا على تمثيل شخصيات الخلفاء الراشدين، فمن الجائز أن يكون ممثل عمر اليوم هو ممثل دور أبي جهل بالأمس". وعلّق حسين صدقي: "هل معنى ذلك أن يمثل الدور ثم يضرب بالرصاص حتى لا يمثل دوراً آخر؟". فقطع الشيخ الحوار وختمه بالتكرار: "اننا لا نمنع الاّ تمثيل شخصيات الرسول والخلفاء الراشدين الأربعة".

بقي أن نقول إن صاحب "أهل الفن" حضر الندوة، وكتب على الصفحة الأولى من المجلة مقالاً جاء فيه: "عندي أن المعارضة التي يلقاها الفنان كلما فكّر في أن يؤدي رسالة نحو الدين الإسلامي الذي آمن به، ترجع إلى أن المعترض يعاني أزمة نفسية، هي نفس الأزمة التي عاناها رجل الدين المسيحي في العصور الوسطى، وهي الخوف على مكانته ان تُنتزع منه إذا قام غيره بنفس مهمته بأسلوب أكثر تأثيراً ومجاراة للعصر الحديث. لذا أطمئن هؤلاء الملتزمين وأقول لهم إنه مهما بلغ توفيق الفنان في الدعوة إلى الدين، فإنه لن يسلبهم فضل التخصص في الدعوة، وإنما يزيد في عدد المؤمنين بهذه الدعوة بعد أن يبصرهم بما أغلق عليهم من أمور دينهم. فاطمئنوا اذن إلى سطوتكم ونفوذكم أيها السادة، ولا تعطلوا الركب، ولا تعيدوا إلى الشعوب الإسلامية عهود الظلام التي تحررت منها المسيحية. وتقدّموا معنا لنأخذ بيد الفنانين ونفسح لهم المجال ليؤدّوا رسالتهم، ويقدموا روائع الإسلام للعالم الإسلامي، لعله يجد فيها العظة ويهتدي. والله يوفق الجميع ويهديهم إلى سواء السبيل".

شارك الممثل حسن عامر في تلك الندوة، وأشار إلى ازدواجية سياسة الرقابة المصرية في التعامل مع الأفلام الدينية، فهي تبيح للأجانب ما ترفضه للمصريين، وقال إن أحد المنتجين المحليين طلب الإذن بتصوير قصة سيدنا يوسف الصدّيق في فيلم مصري، فرُفض طلبه، "وفي نفس السنة صُرّح لشركة أجنبية بتصوير نفس الموضوع في مصر". وردّ الشيخ شرف: "هذا يختص بالرقيب والحاكم ولا شأن لرجل الدين فيه". ويمكن القول إن هذه السياسة ظلت قائمة لسنوات عدة. في خريف 1954، قدم المخرج سيسيل دي ميل إلى مصر مع فريق عمل كبير لتصوير فيلمه الهوليوودي الضخم "الوصايا العشر"، فاستُقبل هناك استقبال الفاتحين، وكان أول المرحبين به الزعيم جمال عبد الناصر، ومن بعده كوكبة من نجوم السينما المصرية، مثل فاتن حمامة، محمد فوزي، مديحة يسري، آسيا داغر، وماري كويني. رافقت الصحافة المصرية الحدث، ونشرت صور النجم شارلستون هستون وهو يؤدي دور النبي موسى في الفيلم، ولم تثر هذه الصور أي بلبلة.

في عام 1956، أعلنت "شركة الشرق لتوزيع الأفلام" صدور فيلم "حياة وآلام السيد المسيح" في نسخة مدبلجة بالعربية، واللافت أن كل العاملين في هذه النسخة العربية كانوا من غير المسيحيين. على سبيل المثال لا الحصر، أشرف على "النطق بالعربية" المخرج محمد عبد الجواد، وظهر المسيح بصوت أحمد علام، كما ظهرت مريم العذراء بصوت عزيزة حلمي، وظهرت المجدلية بصوت سميحة أيوب. ولم تثر هذه المسألة أي بلبلة. على العكس، احتفلت مجلة "الكواكب" بهذا الحدث، وقالت في تعليقها: "كانت المشكلة الكبرى في اخراج مثل هذا الفيلم اختيار الممثل الكفء الذي يصلح للقيام بتمثيل دور السيد المسيح، وقد وفقت الشركة لاختيار ممثل نال رضا قداسة البابا فمنحه معاشا سنويا ومنعه من التمثيل في السينما أو المسرح بعد قيامه بتمثيل هذا الدور الذي اسبغ عليه طابعا دينيا خاصا". يُذكّر هذا الخبر الغريب بالحديث الذي دار في ندوة مجلة "اهل الفن" حول تجسيد الخليفة شخصية عمر الخطاب على الشاشة، وأغلب الظن أن "الكواكب" أسقطت على الممثل الأجنبي منطق الأزهر الشريف في هذا الميدان.

باسم الدستور

بعد عقود من الزمن، يعود هذا السجال إلى الواجهة مع ظهور فيلم "نوح"، ومطالبة الأزهر بمنعه. بحسب ما نقلته صحيفة "الشروق" حديثاً، اعتبر وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان "أن عرض فيلم سينمائي عن سيدنا نوح هو انتهاك صريح للدستور"، وأضاف أن "الأزهر هو المنوط بنص الدستور بأمور الدعوة، وكل ما يتعلق بأحكام الشريعة الإسلامية، ولذا يلزم جميع الجهات والأجهزة الحكومية وغير الحكومية عدم تجاوز رأي الأزهر الديني في ما يطرح من قضايا". يأتي هذا التصريح بعد إرسال عباس شومان خطابين إلى وزيري الإعلام والثقافة، "أبلغهما فيهما رأي الأزهر في عرض أعمال فنية تجسد فيها شخصيات الأنبياء أو الصحابة، وطالب الوزيرين بإصدار توجيهاتهما بمنع عرض الفيلم في دور السينما أو غيرها".

في السياق نفسه، أعاد مجمع البحوث الإسلامية التذكير بفتواه التي تحرم تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية والسينمائية، ورأى "في هذا التجسيد انتهاكاً لعصمتهم ومكانتهم عند البشرية". وأيدت دار الافتاء فتاوى مجمع البحوث الاسلامية، وأكدت "أن موقفها من حرمانية تجسيد الصحابة يأتي مع ما ذهبت إليه المجامع والهيئات العلمية المعتبرة كالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي". كذلك، اصدرت وزارة الأوقاف بياناً أيدت فيه موقف الأزهر ودار الإفتاء.

يأتي هذا السجال العقيم بعد شيوع عدد من المسلسلات الدينية على الشاشات التلفزيونية، وانتشار هذه الأعمال جماهيرياً بشكل لم يسبق له مثيل. ظهر يوسف الصدّيق في مسلسل ايراني تابعه الملايين في نسخته العربية. وظهر عمر بن الخطاب في مسلسل عربي تخطّى كل الصعاب التقليدية، وحصد نجاحاً فاق كل التوقعات. بعد كل هذه التحولات، يكرر رجال الأزهر ما قاله الشيخ صالح شرف في الخمسينات، مع اختلاف جوهري في تحديد دور السلطة الدينية في هذا الشأن. في حواره مع حسين صدقي، قال الشيخ صالح شرف: "رجل الدين لا سلطان له"، و"سلطانه لا يعدو قول هذا حلال وذلك حرام". وعندما أثار محسن سرحان مسألة سماح السلطات لمخرج أجنبي بتصوير فيلم يتناول حياة النبي يوسف، ومنعها مخرجاً مصرياً من انجاز فيلم خاص مشابه، ردّ الشيخ: "هذا يختص بالرقيب والحاكم ولا شأن لرجل الدين فيه".

في حوار نقلته صحيفة "القدس"، رأى الناقد السينمائي طارق الشناوي "أن الرقابة على المصنفات الفنية غير ملزمة عرض الأفلام على الأزهر الشريف لأخذ الموافقة عليها قبل عرضها في السينما". وأضاف: "إن الرقابة لا تريد أن تورط الأزهر في أزمة فيلم نوح". عاد الشناوي إلى الماضي القريب، وقال إن فيلم "آلام المسيح" لميل غيبسون "تم عرضه في مصر ولم يبد الأزهر اعتراضا، بينما كان يجسد السيد المسيح، وتضمن مشهدا صريحا للصلب". في الطرف الآخر، قال الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية إن منع تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية من ثوابت الأزهر الشريف، ولم يتخلّ عن هذا المبدأ، مشيراً إلى أن الأزهر لم يؤخذ رأيه في فيلم آلام المسيح من الأساس حتى يوافق أو يرفض عرضه، "وهذا يدين الرقابة على المصنفات الفنية". من جهة أخرى، رأى الشحات أن "المادة السابعة من الدستور تقول إن الأزهر مختص بالقضايا الدينية والشؤون الإسلامية، وهذا الفيلم وغيره من الأفلام التي تجسد الأنبياء، الأزهر هو من يبتّ أمرها، سواء قالت الرقابة نعم أو لا".

في هذا السياق، تخطّى السجال التقليدي حول شرعية تجسيد الأنبياء على الشاشة حدوده القديمة، واتخذ طابعاً جديداً. في العقود الأخيرة، فرض الأزهر قيوده على الأدب والشعر والفن باسم وصايته على كل ما يمسّ الدين، والسؤال اليوم: هل ينجح في فرض منع فيلم "نوح" باسم الدستور، وهل ترضى الرقابة على المصنفات الفنية بذلك، أم أنها ستنجح في المحافظة على استقلاليتها الهشة؟

النهار اللبنانية في

29.03.2014

 
 

الأصوليات الدينية وخطرها على الحريات

وليد خوري 

تنشغل المنتديات الفكرية، والمجتمع الثقافي عموما، بظاهرة الأصولية الدينية، وهي وإن كانت جذورها ضاربة في جميع الأديان وفي الإيديولوجيات الوضعية بما هي أديان بديلة عند معتنقيها، يبقى العنوان العام صيغة للإشارة إلى مراد خاص هو الأصولية الإسلامية التي تشغل المكان وتملأ الزمان، وقد درج استعمالها بإطلاق وعلقت عليها مأسي الدنيا والآخرة. غير أن مقتضيات الموضوعية، توجب النظر إليها من باب العلم، وحيثيات الإستخدام، بعيدا من الأحكام الفكرانية المتعسفة.

الأصولية لغةً، هي نسبة إلى أصول، والأصول جمع أصل، والأصل "أسفل كل شيء" وقيل فيه: ما يبنى عليه الشيء، فعلم أصول الفقه ما يبنى عليه الفقه، والأصولي هو الذي ينظر في أدلة الأحكام وفي القواعد التي يعتمدها الفقيه والمفتي في حكمه وفتواه.

وإذا كان الدين، كل دين، ينبني على أصول، فإن القرآن والسنة هما الأصلان الثابتان اللذان يقوم عليهما الدين الإسلامي، وبعلة مستخرجة منهما يترجح حكم الإجماع أو الإجتهاد باعتبارهما أصلين إضافيين يغطيان الوقائع والمستجدات التي لا حكم لها في القرآن والسنة. وعليه، فالأصولية بما هي عودة إلى الأصول، مسلك يقطعه كل مؤمن بغية تأصيل علمه وتحصين عمله في ضوء أحكام العبادات والمعاملات المدبرة لشؤونه في الدنيا والآخرة.

هذا الجانب المعرفي والمنهجي للأصولية هو موضع اتفاق بين جمهور العقلاء وأهل العلم. رمي حامله بالأحكام السلبية وإلباسه تهمة العداء للحريات، فيه شيء من التجني إلا إذا كان رافضو الأصولية، يرون إلى الإسلام دينا يتعارض مع الحريات العامة، وهذا بحث آخر له مجاله وله وقته.

* * *

قراءة الأصول، هي بيت القصيد، باعتبارها سعياً في سبيل القبض على مراد المتكلم (الله). تتحقق معضلة التطرف عندما يحاول القارئ أن يحتكر مراد المتكلم، قل عندما يقرأ في الأصول مراده ويدّعي أنه مراد المتكلم وأن المخالف له كافر أو مبتدع.

تتفاقم المعضلة عندما يحمل القارئ الذي يصح أن يكون فرداً أو حزباً أو جماعة، مشروعاً سياسياً يسعى إلى جعله مشروع المتكلم، من خلال قراءة للأصول يجمع فيها ما يناسبه من آيات وأحاديث يعتبرها محكمات وصحيحة، ويؤول في ضوئها الآيات والأحاديث التي لا تخدم مشروعه من باب اعتبارها آيات متشابهات وأحاديث ضعيفة ومشكوكا في صحة إسنادها.

وعليه، فإن مشروعه السياسي المغطى بالعباءة الدينية هو في رأيه واعتقاده مشروع المتكلم (الله)، وكل خروج عنه، أو اختلاف معه، هو بمثابة الخروج على إرادة الله. تالياً، يكون بمعنى من المعاني في منزلة التارك أو المبتدع أو المرتد، ومعاقبته، مادياً ومعنوياً، واجب شرعي يقتضي فعله مع إشعار بالعقاب على تركه.

على هذا النحو وبهذه البساطة، يصادر صاحب هذا النمط من التفكير المختزل للدين والمشوّه لمقاصده، حقوق الله، يستثمرها في صراعاته من أجل السلطة، مسلطاً باسم الدين سيف التكفير على رقاب الناس الذين لا يرون رأيه ولا يعتقدون معتقده.

إن التاريخ الإسلامي حافل بالحركات الدينية المتطرفة التي يتجلى فيها إقحام الدين في السياسة إقحاماً صارخاً، غير أن التقديم لا يستوفي غرضه إذا ما فاتت الإشارة إلى مفاهيم ارتبطت ارتباطا وثيقا بالقراءات الدوغمائية الموجهة لأصول الدين والسلف الصالح.

* * *

رأس هذه المفاهيم، الحاكمية، حاكمية الله، وهي أجلى مظاهر استثمار الدين في السياسة، بعدما استحضرها الداعية الإسلامي السلفي الباكستاني أبو يعلى المودودي (1903-1979) من أدبيات الخوارج الإعتقادية والسياسية. انبنى هذا المفهوم على الأصل القرآني، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون" (المائدة 44)، وأتبعه بمفهوم "الجاهلية" للتعبير عن إدانته للمجتمع الذي تسود فيه أنماط عيش لا تتطابق مع أحكام الهداية الإلهية. في كتابه "المصطلحات الأربعة" قدم المودودي قراءة سلفية لمفاهيم الإله، الرب، العبادة، الدين، فاستعاد بهذه القراءة تعريف كلمة "المسلم" مضفياً عليها مضامين جديدة. هو يرى أن الناس اليوم ولا سيما أغلب الناطقين بالشهادتين، لا يعرفون المعاني والدلالات التي أتى بها القرآن ولا يدركون "الغرض الحقيقي والمغزى الجوهري من دعوة القرآن"، التي تحمل، في منظوره، ربطاً بين مفهومي "الوحدانية" و"الإستخلاف"، معتبراً أن أساس الدولة الإسلامية حاكمية الله الواحد الأحد، والأرض كلها لله وحده، وهو ربّها والمتصرف في شؤونها. فالأمر والحكم والتشريع كلها مختصة بالله وحده، وليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو شعب، بل ليس للنوع البشري من سلطة الأمر والتشريع، ولا مجال في حظيرة الإسلام ودائرة نفوذه إلا لدولة يقوم المرء فيها بوظيفة خليفة الله (المودودي، نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، دمشق، دار الفكر، 1969، ص77و78)، رافضاً في ضوء ما تقدم، إطلاق وصف الديموقراطية على نظام الدولة الإسلامية، بل يجد أن الوصف المناسب هو الحكومة الإلهية أو التيوقراطية.

انتقل استخدام هذه المفاهيم في ستينات القرن الماضي إلى تنظيم "الإخوان المسلمين" بقيادة سيد قطب، فأضفى عليها طابعا متشددا، إثر محاولة الإنقلاب الاخوانية الفاشلة ضد النظام الناصري.

وجد سيد قطب أن العالم يعيش جاهلية مدمرة، لأنه يتجاهل معنى "لا إله إلا الله"، وأن الحاكمية لله وحده، ويعتبر أن "إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها" (سيد قطب، معالم في الطريق، بيروت، دار الشروق، ط 1983، ص67)، وينتهي إلى أنه "لا بد من تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض... ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم... لكنها تقوم بانتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد، ورده إلى الله وحده، وسيادة الشريعة الإلهية وإلغاء القوانين البشرية" (ص 68). لقد شكّل كتابه "معالم في الطريق" مرجعاً تأسيسياً لجميع الحركات الإسلامية المعاصرة، فانفتح مع هذا الخطاب باب التكفير على مصراعيه، وهو لم يخف موقفه بل أعلنه بصراحة قائلا: "إن الناس ليسوا مسلمين، كما يدعون وهم يحيون حياة جاهلية، ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين، والدعوة اليوم إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهليين إلى الإسلام ولتجعل منهم مسلمين من جديد" (سيد قطب، معالم في الطريق، بيروت، دار الشروق، 1983، ص67).

الله صاحب الشرع، هو الحاكم والحاكمية من خصائص الألوهية، وهي قاعدة مشتركة بين هذه الحركات، تجتمع حولها على مواجهة كل حكم وضعي، وعلى ضرورة العمل من أجل إسقاطه، لأن واضعيه غارقون في جاهليتهم، يتعدون على حقوق الله، ويتجرأون على مشاركته في ألوهيته التي هي له وحده، لكنها تتمايز في أساليب العمل التي تصل عند بعضها، ولا سيما تلك التي نسجت على منوال سيد قطب وخرجت من رحم القطبية، وتحتل راهناً المشهد السياسي المتفجر، إلى التوسل بالعنف في اشكاله المختلفة، وأدواته الفتاكة في سبيل تحقيق أهدافها.

* * *

ثقافة الحاكمية هذه، في تجلياتها الحزبية والتنظيمية، تحاول الإمساك بمفاصل العلم والعمل في الفضاءين السني والشيعي، على امتداد المجتمعات الإسلامية، وهي قابلة لتوليد مفاهيم تصل إلى حد تشريع إعلان الحرب على مجتمع المسلمين، وتشريع الجهاد داخل المجتمعات الإسلامية، بما فيه جهاد النكاح الذي تنتهك فيه حقوق المرأة بحجة مساهمتها المأجور عند رب العالمين، في إطفاء شهوات المجاهدين في سبيل الله. وتنتج مشاريع سياسية يستثمر فيها الدين من أجل الفوز بالسلطة، استثماراً يشوّه الدين ويفسد السياسة. وليست مواكب القتل التي تعبر في أكثر من اتجاه مزهوة بالأكفان الموشاة بعبارات التمجيد والإخلاص للدين والطائفة والمذهب، سوى مشاهد حية ينتشي بها المتلحفون بكلمة الله يرسلونها في مطالع الأقوال والأفعال، قبل القتل وفيه وبعده.

لا شك أن مثل هذا الفكر المناهض لكل مختلف معه، إنساناً أكان أم فكراً أم ديناً، والداعي إلى إلغائه مادياً ومعنوياً، وشطبه من معادلة الشراكة التي يفرضها واقع العيش معا في مجتمع واحد، قل شطب المجتمع الذي يقوم على هذه الشراكة المعقودة تحت سقف الإعتراف المتبادل بين أطرافها، أقول، لا شك أن مثل هذا الفكر، يشكل الخطر الأعظم على القيم الإنسانية وفي طليعتها الحرية. هذه القيمة الجوهرية المتعبة لأهل الإستبداد، يغتصبونها تارة باسم الإيديولوجيا وطوراً باسم الدين، ويتسابقون على التنكيل برافعي رايتها والمؤمنين بها أصلاً، يتهشم بغيابها وجه الإنسانية، وتنسدّ الأبواب إلى الديموقراطية، وتتقطع أوصال العقل بعد اعتقاله، وينزوي الحوار مغلوباً على أمره تحت مظلة السجال المهووس بلعبة إفحام الآخر من أجل إلغائه، وتتبدى الآمال بكل انفتاح على ما أنتجته الحداثة من ثراء معرفي وقيم ثقافية واجتماعية، يحتاجها كل مجتمع يطمح إلى التقدم والتجديد.

النهار اللبنانية في

29.03.2014

 
 

طارق الشناوى:

الرقابة أجازت عرض فيلم "نوح" فى مصر

كتبت أسماء مأمون 

قال الناقد الفنى طارق الشناوى، إن الرقابة على المنصفات الفنية أجازت عرض الفيلم العالمى المثير للجدل "نوح – noah" بدور العرض السينمائية المصرية، لتحسم حالة الجدل التى صاحبت الفيلم من قبل مؤسسة الأزهر، التى أوصت بعدم عرضه، وكذلك دار الإفتاء المصرية.

وأضاف الشناوى، فى تصريحاته لـ"اليوم السابع"، أن رئيس الرقابة أحمد عواض تحدث معه على هامش لقاء جمع بينهما بأنه وافق على عرض الفيلم، واعتبر الشناوى إجازة الفيلم من قبل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، دليلاً على أن الرقابة أصبحت تملك قرارها، وأنها انتصرت لحرية الرأى والتعبير.

وطالب طارق الشناوى مؤسسة الأزهر الشريف بإعادة النظر فى قرارات المنع التى أصدرتها منذ عام 1926 والتى اشتملت على منع وتحريم بعض النصوص الفنية، ومواكبة فكر العصر.

فيما، أكد عادل وسيم مدير شركة فور ستار فيلمز للتوزيع السينمائى، أنه لم يتسلم أى قرار رسمى يفيد بإجازة عرض الفيلم، قائلاً "لم أستلم أى قرار يفيد بعرض الفيلم، ولا أعرف أى شىء عن قرار تصريح الرقابة بعرض الفيلم فى مصر، ولن أتخذ أى خطوة قبل التأكد تماما من قرار الرقابة وتسلم التصريح رسميا".

ومن جانبه، لم يعلق أحمد عواض على الأنباء التى ترددت عن إجازة عرض الفيلم فى مصر، وأغلق هاتفه المحمول ولم يرد على اتصالات هاتفية للتأكد من صحة الخبر.

اليوم السابع المصرية في

06.03.2014

 
 

"نوح" الممنوع عرضه بمصر يحقق 15 مليون دولار فى أول يوم بأمريكا

كتبت شيماء عبد المنعم 

حقق الفيلم الممنوع عرضه بمصر "نوح"، 15 مليون دولار، الجمعة الماضى بشباك التذاكر الأمريكى، لتكون إجمالى إيراداته آخر الأسبوع الماضى 40 مليون دولار.

فيلم Noah هو إعادة تجسيد لقصة سيدنا نوح وسفينته الشهيرة، ففى عالم دمرته خطيئة الإنسان، يتم تكليف نوح بمهمة إلهية وهى بناء سفينة لإنقاذ الخليقة من الفيضان، ومعه فريق عمل مميز يتضمن جينيفر كونلى والتى تجسد دور زوجة نوح، وإيما واتسون، وأيضا لوجان ليرمان ودوجلاس بوس فى دور أبنائه، والطفل داكوتا جويو الذى يجسد دور سيدنا نوح وهو طفل، وأنطونى هوبكنز فى دور جده «متوشلخ».

وتم تصوير الفيلم فى أكثر من بلد ومنها نيويورك وأيسلندا، ويتضمن العديد من المشاهد المثيرة خصوصا فى مشهد هجوم الطوفان وصعود أزواج الحيوانات المختلفة إلى السفينة والكرات النارية التى تتساقط من الأسماء واقتلاع الأشجار من جذورها.

اليوم السابع المصرية في

30.03.2014

 
 

فيلم “نوح”..

الجدل حول الأفلام الدينية لاينتهي

بقلمعبدالمحسن المطيري 

التواصل بين الفنون بشتى أنواعها مع الرموز الدينية بدأ قبل السينما، في الفنون بدأت الموجة الفنية/ الدينية مع الكنسية في القرن الخامس عشر، والتي وجهت بمبالغ نقدية عالية بعض الفنانين مثل “مايكل آنجلوا وجرفاجيو” وغيرهم برسومات ذات مضامين دينية تتمحور حول شخصيات تتعلق بالديانة المسيحية مثل آدم وحواء، وبالطبع المسيح مع والدته مريم.

كان هدف الكنيسة جذب أكبر عدد من الناس في وقت ما بعد عصور الظلام، وبدء تقهقر الكنسية وتراجع شعبيتها لدى المجتمعات خصوصًا في إيطاليا، “الإمبراطورية الرومانية” في ذلك العصر. واصلت الفنون بشتى أنواعها طوال القرون بعد ذلك استخدام الشخصيات التاريخية ذات الطابع الديني لتكون المحور الأساسي للرسومات، والنحوت، وحتى البنايات المعمارية حتى نهاية القرن التاسع عشر، وبالتحديد مع عصور التنوير وانهيار سلطة الكنيسة.

مع بداية القرن العشرين، والذي تزامن مع انطلاق الفن السابع للسينما، كان هناك تردد واضح من غالبية صناع السينما في تصوير شخصيات دينية خصوصًا الأنبياء والرسل.

كانت بدايات السينما مع الأفلام الدينية عندما تم إطلاق فيلم “The King of Kings ملك الملوك” والذي كان الأول في عصر السينما الصامتة في عقد العشرينيات، والذي يسرد قصة المسيح مع الحواريين. أطلقت بعده العديد من الأفلام القصيرة والطويلة والتي تسرد سيرة المسيح من وجهة نظر متعددة، سواء كانت كاثوليكية، بروتستانتية، يهودية، أو حتى لا أدرية، والأخيرة تتمثل بتجربة المخرج الليبروكاثلوكي “مارتن سكروسيزي” المستفزة للمحافظين المسيحيين “The Last Temptation of Christ الإغراء الأخير للسيد المسيح”. قوبل الفيلم بردة فعل سلبية، ليس فقط من المجتمع الأمريكي المحافظ، بل من مؤسسات مسيحية وحتى يهودية حول العالم. قبل سنوات أيضًا أنجز المخرج اليميني “ميل جيبسون”، -والذي ينتمي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية التقليدية- أحد أهم الأفلام الحديثة التي تسرد سيرة صلب المسيح من وجهة النظر المسيحية “آلام المسيح”، تلك الخطوة قوبلت بردة فعل إيجابية من الجمهور الأمريكي خصوصًا المحافظ منه. نال الفيلم أيضًا علامات جيدة من المراجعات النقدية، وحقق نتائج إيجابية على مستوى شباك التذاكر. بعد هذا الفيلم زادت شعبية المخرج لدى الأوساط المسيحية حتى أطلق تصريحه الشهير المعادي للسامية، والذي اتهم فيه اليهود بمؤامرة قتل المسيح من وجهة نظر الكنسية التي ينتمي إليها، والمعروفة بتشددها ومطالبتها الدائمة بالعودة للأساسيات والآيدلوجيات المسيحية المذكورة بالعهد القديم.

انت بدايات السينما مع الأفلام الدينية عندما تم إطلاق فيلم “The King of Kings ملك الملوك” والذي كان الأول في عصر السينما الصامتة في عقد العشرينيات، والذي يسرد قصة المسيح مع الحواريين

المحاولات الإسلامية كانت محدودة بشكل صريح في إظهار الشخصيات المعتبرة في تاريخ الإسلام، ولعلنا نشير للفيلم الأشهر وهو “الرسالة”، والذي لم يُظهر فيه المخرج الراحل مصطفى العقاد شخصية الرسول محمد، بل اكتفى بالصوت، فيما ترددت شائعات في السنوات الأخيرة عن نية إحدى شركات الإنتاج الإيرانية إنتاج فيلم تاريخي سينمائي ضخم يتم فيه تصوير شخصية تقوم بدور النبي محمد للمرة الأولى في التاريخ من وجهة نظر سينمائية إسلامية.

صورت السينما شخصيات تاريخية دينية هامة أيضًا مثل النبي موسى والذي تم تقديمه في السينما من خلال فيلم “الوصايا العشر The Ten Commandments” في العام ١٩٢٣، كذلك صنعت شركة “رديم وركس” الذي يملكها اليهودي اليساري “ستيفن سبلبيرغ” فيلمًا يتمحور حول شخصية موسى بعنوان “The Prince of Egypt أمير مصر” في العام ١٩٩٨.

في السياق ذاته، هذا العام بدأ ناريًّا على ما يبدو من خلال الفيلم الذي أثير الجدل حوله خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، وهو فيلم ” Noah نوح”، والذي يعرض حاليًّا في صالات السينما حول العالم.

نأتي أولاً على الفيلم نفسه، وكيف قدم القصة، من وجهات نظر الديانات الإبراهيمية الثلاث، يرى الكثير من النقاد والمراقبين أن الفيلم كان في الوضع الآمن في عدم العرض التاريخي الموضوعي للقصة الحقيقية التي ذكرت في التوراة والإنجيل وكذلك القرآن، ويبدو أن المخرج “دارين أرنوفسكي” كان محظوظًا بعض الشيء على اعتبار أن قصة سفينة نوح الشهيرة متوافقة بالأحداث والتفاصيل الهامة والرئيسة بالمصادر السماوية الثلاثة، ولذلك لم يجد المخرج أية اعتراضات كبيرة على تفاصيل فيلمه، باستثناء تحفظات من الأزهر حول تصوير شخصية تقوم بدور نوح، وانتقادات وتحفظات من مجموعات يمينية مسيحية محافظة في الولايات المتحدة، والتي ذكرت بأن الفيلم لم يكن موفقًا في بعض التفاصيل، وتجاهل الفيلم بعض الروايات من وجهة نظر العهد الجديد من الإنجيل، كما نقل موقع BBC نقلاً عن الإندبندنت البريطانية.

من وجهة نظر المخرج ذكر في أحد لقاءاته أنه من الصعب إرضاء جميع الأطراف على اعتبار اختلاف الجميع في التفاصيل، وتابع المخرج أنه يحترم جميع الأديان، وحاول تقديم قصة من الفيلم من وجهة نظر إنسانية بحتة، محاولاً الابتعاد عن الأسلوب الوعظي، والتسويق لديانة على حساب الأخرى كما يفعل بعض المخرجين المحافظين. الفيلم على المستوى الفني لا يقدم جديدًا، بل لا أجده بمستوى تاريخ المخرج، والذي يُعرف عنه الدراسة الواعية للشخصيات المغيبة في هذا الفيلم، والاهتمام بالمستوى المرتفع للتمثيل، والذي معياره متواضع هنا خصوصًا في حالة “راسل كرو”، والأهم غياب الإبهار البصري المتوقع خصوصًا لقصة ملحمية كهذه. فيلم يبدو ضخمًا على مستوى الصحافة الصفراء والإعلام الجديد، ولكنه حتمًا لن يعيش طويلاً كتوثيق فني تاريخي، أو حتى نجاح جوائزي/نقدي.

المجلة السعودية في

30.03.2014

 
 

فيلم "نوح" يغرق في فيضان من الجدل

بعد تحويله "نبي الله" لناشط وإغفاله "وجود الخالق والملائكة"

أ ش أ 

أثار فيلم "نوح" بطولة النجم راسل كرو، جدلاً واسعًا لابتعاده عن القصة الدينية المعروفة، حيث أشارت عناوين الصحف إلى أن "فيلم نوح غرق في فيضانات الجدل". 

وتناول النقاد صناع الفيلم بفيض من التساؤلات خلال الأسابيع التي سبقت عرضه فى صالات السينما، وتواصل الجدل بعد عرض الفيلم، ومن المرجح أن يتزايد خلال الأسابيع القادمة. 

ويدور الجدل حول تغيير الفيلم للقصة الأصلية والتي تتحدث عن الخطيئة وتحويل قصة فيضان نوح إلى موضوع عن الحفاظ على البيئة، وبالتالى تحويل النبى نوح إلى أحد الناشطين المدافعين عن البيئة. 

كما أن الفيلم لم يتناول وجود الخالق على الإطلاق، كما يدور النقاش حول مزاعم ومزاعم مضادة إزاء ما أخذه الفيلم من قصة نوح التقليدية وما لم يأخذه. 

يذكر أن كاتب ومخرج الفيلم دارين أرونوفسكي قد صور مخلوقات، ليست ملائكة وليست شياطين، وإنما حراس جاءوا إلى الأرض لمساعدة البشرية فى استخدام المعرفة التكنولوجية في أغراض الخير بعد أن انحرف الإنسان في استخدام المعرفة التكنولوجية في تحقيق أهداف شريرة تهدف للربح فقط، مما تسبب في فساد الحضارة.

بوابة الأهرام في

31.03.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)