يكاد فيلم «نوح» الذي منع عرضه في عدد من الدول العربية، منها
البحرين، أن يثير أزمة «ثقافية» تأخذ تفاعلاتها حجماً، قد يكون
أكبر بكثير مما يستحقه الفيلم. وبلغت حدة الجدل أقصاها في مصر حال
صدور فتوى الأزهر الشريف بتحريم عرض الفيلم لتجسيده النبي نوح، ما
دعا بعض المثقفين والفنانين للسخرية من الفتوى في ظل إمكانية
مشاهدة الفيلم على الإنترنت.
من جانبه، دعا الناقد السينمائي طارق الشناوي الأزهر الشريف لإعادة
التفكير والتأويل، وذلك في مقالة له نشرت في صحيفة «الدستور
الأصلي» تحت عنوان («سفينة نوح» هل تبحر في مصر) علق فيها على فتوى
الأزهر. مشيراً إلى أن الدولة لن تخالف الأزهر «في اللحظات التي
تسعى فيها إلى التهدئة».
واستشهد الشناوي بمسلسلات جسدت صحابة الرسول (ص) وآل بيته ولم يكن
لها أثر سلبي على المشاهدين. مشيراً إلى أنها «لعبت دوراً
إيجابيّاً في تعميق الإيمان».
من جانبه، قال رئيس مؤسسة
Answers in Genesis
كين هام إن نص الفيلم غير ملتزم بما جاء في الإنجيل وإنه يحتوي على
الكثير من المغالطات. كذلك أبدى السيناريست براين غوداوا انزعاجه
من محاولة الفيلم «وصف القصة الإنجيلية بأنها كارثة بيئية».
فيلم «نوح»... الأزمة أكبر
الوسط - منصورة عبدالأمير
بين التأثيم والتكفير من جهة، واتهامات التخلف والرجعية من جهة
أخرى، يثير فيلم «نوح» أزمة ثقافية إن جازت تسميتها كذلك. جاءت
بداية في صورة اعتراضات وتراشق بالاتهامات وربما تهديدات وتوعدات،
منذ صدر قرار منعه من العرض في بعض الدول العربية، ثم تفاقمت
لتتحول إلى جدل حاد حال صدور قرار الأزهر الشريف بتحريم عرض الفيلم.
يبدو الجدل الذي يثيره الفيلم في العالم العربي أكبر بكثير من ذلك
الذي يثيره أو أثاره لدى الغرب. القضية تبدو مختلفة لدينا، وكأنما
تكاد أن تشعل خلافاً بين الداعين إلى الحرية الفكرية وحرية الإبداع
من مثقفين وفنانين، وبين المنطلقين من زاوية دينية، إما تحرم تجسيد
أنبياء الله وأوليائه الصالحين، أو تعارض تشويه شخصياتهم.
المدافعون عن الفيلم والداعون إلى عرضه، من نشطاء ومثقفين وفنانين،
لا يبدو أنهم ينطلقون من زاوية قوة الفيلم الفنية أو ما شابه،
فالفيلم لم يعرض بعد، حتى في أوروبا وأميركا، عروضه ستنطلق نهايات
الشهر الجاري في جميع أنحاء العالم. في الواقع يدافع هؤلاء عن حق
التبادل الثقافي وينتقدون فتاوى التحريم وربما يسخرون منها في ظل
إمكانية مشاهدة الفيلم على الإنترنت.
في الواقع قد لا يكون الفيلم ذا مستوى جيد فنياً، مخرجه دارين
ارونوفسكي على أية حال لم يقدم الكثير، فحصيلته لا تتجاوز أربعة
أفلام قصيرة وستة أفلام طويلة، يعد هذا الفيلم سابعها، أشهرها
The Fountain
وBlack
Swan.
يبالغ الجميع في العالم العربي في ردود فعلهم وفي الاتهامات التي
يطلقونها على الأطراف المقابلة. أكثر وجهات النظر الفنية تعقلاً
طرحها الناقد السينمائي طارق الشناوي عبر مقالة له نشرت في صحيفة
«الدستور الأصلي» تحت عنوان («سفينة نوح» هل تبحر في مصر) علق فيها
على الفتوى التي أصدرها الأزهر بمنع عرض الفيلم، مشيرا إلى أن
الدولة لن تخالف الأزهر في هذا الوقت على الأخص، ذلك أنها «في هذه
اللحظات التي تسعى فيها إلى التهدئة لن تستطيع أن تُغضب الأزهر أو
تُغضب من يؤمنون فقط بما يقوله الأزهر من دون نقاش وسينتصر الرأي
الذي يقول لماذا تفتح الباب أمام غضب محتمل قد تتسع مظاهره غير
مأمونة العواقب».
وعلى رغم احترام الشناوي لقرار الأزهر باعتباره «منارة الإسلام في
العالم أجمع» وأنه «لا يمكن تجاهل رأيه»، إلا أنه استشهد بمسلسلات
جسدت صحابة الرسول (ص) وآل بيته ولم يكن لها أثر سلبي على
المشاهدين مثل مسلسلات «عمر» و «الحسن والحسين ومعاوية»، و «يوسف
الصديق».
يقول الشناوي «تلك الأعمال الفنية لعبت دورًا إيجابيًّا في تعميق
الإيمان (...) انها الممنوعات الصريحة، ورغم ذلك دخلت بيوت
المسلمين ولم يستشعروا أنها قد جرحت إيمانهم».
الأمر الثاني الذي طرحه الشناوي تعليقاً على فتوى المنع هو أن
«هناك أعمالًا فنية تستند إلى معتقدات ومرجعيات لا ترى في التجسيد
إثمًا، الديانة المسيحية لا تجد غضاضة في أن يؤدي ممثل دور السيد
المسيح في عشرات بل مئات الأفلام».
ويتساءل «ما الذي حدث للمسلم الذي شاهد «آلام المسيح» وهو يتعارض
تمامًا مع أفكاره ومعتقداته الدينية؟. توحد مع الشخصية التي تؤدي
دور السيد المسيح وكان يقاسمها الألم على الشاشة، الأغلبية من
المشاهدين النساء كن محجبات، ولم يجرح الفيلم إيمانهن».
وقارن الشناوي بين موقف «أزهرنا الشريف منذ عام 1926 مع بداية
التفكير في تقديم فيلم عن حياة سيدنا «محمد» علية الصلاة والسلام
بطولة يوسف وهبي، كان قد أعلن عدم جواز ذلك شرعًا، ولكنه وضع
محاذير وخطوط دفاع عديدة لا تتيح تقديم عشرات من الشخصيات
الإسلامية» في مقابل «إيران مثلا التي تنتمى إلى المذهب الشيعي
تستعد لعرض فيلم «محمد» إخراج مجيد المجيدي. كنت في طهران قبل نحو
عام ونصف العام وسألت قالوا إن الفيلم يقدم حياة الرسول قبل نزول
الوحي».
واختتم بالقول «الأمر يحتاج إلى أن يعيد رجال أزهرنا الشريف النظر
مرة أخرى في جدوى كل قرارات التحريم، وهل التخفيف من بعضها يتعارض
حقًا مع صحيح الدين؟! لا أحد يريد القفز وراء ثوابت الدين ولكن
هناك أمورًا تستحق إعادة التفكير والتأويل».
اعتراضات مسيحية
لم يستفز فيلم «نوح» الأزهر الشريف ورقابات الدول العربية التي
منعت عرضه في دولها وحسب، بل إنه أثار موجة من الانتقادات والجدل
في أميركا بعد العروض التقييمية الأولية التي قدمت لها في شهر
أكتوبر/ تشرين الاول 2013.
يزعم صناع الفيلم اقتباس قصته من قصة «سفينة نوح» بحسب ما وردت في
سفر التكوين. منتج الفيلم سكوت فرانكلين صرح لصحيفة «انترتيمنت
ويكلي» بأن «قصة النبي نوح وردت بشكل مقتضب جداً في الإنجيل، وانها
تحوي الكثير من الفجوات، ولذلك توجب علينا القيام ببعض الابداعات.
لكني اعتقد أننا التزمنا إلى حد كبير بقصة الانجيل ولم ننحرف عنها».
لكن مجلة فارييتي
Variety
نشرت استطلاعا للرأي أجرته في 17 فبراير/ شباط 2014 منظمة مسيحية
تابعة للكنيسة هي مؤسسة
Faith Driven Consumers
كشف أن 98 في المئة من العينة التي شملها الاستطلاع «ليسوا راضين
عن اقتباس هوليوود لقصة النبي نوح».
شركة باراموانت انتقدت المجلة لما وصفته بتقريرها غير الدقيق بشأن
استطلاعها «اراء اشخاص لم يشاهدوا الفيلم أصلاً، وصوتوا بناء على
تصوراتهم عنه». ودفاعاً عن الفيلم قام الاستوديو بالكشف عن دراسة
استطلاعية جديدة قامت بها مؤسسة نيلسون الوطنية للأبحاث ومجموعة
بارنا كشفت أن 83 في المئة من مشاهدي الأفلام المتدينين «جداً»
يرغبون بمشاهدة الفيلم، فيما قال 86 في المئة ممن استطلعت اراؤهم
من المسيحيين الذين شاهدوا الفيلم أنهم يوصون أصدقاءهم بمشاهدة
الفيلم.
لكن صحيفة «لاتين بوست» الالكترونية، نقلت انتقادات «مسيحية» أخرى
للفيلم، وردت على لسان واحد من أشهر المتحدثين المسيحيين وهو كين
هام، مؤسس متحف الخلق
Creation Museum،
ورئيس مؤسسة
Answers in Genesis
وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بالدفاع عن المسيحية.
كين كتب في صفحته على الانترنت أن نص الفيلم غير ملتزم بما جاء في
الانجيل وأنه يحتوي الكثير من المغالطات، منها أن «عائلة نوح تضم
زوجته وأبناءه الثلاثة، وزوجة أبنائه في الفيلم وهذا غير مطابق لما
جاء في الانجيل».
وانتقد كين ما جاء في الفيلم من «حشر كل أنواع الكائنات في السفينة
بدلا من التركيز على أنواع الحيوانات، وهو بهذا يسخر من قصة
السفينة بالطريقة نفسها التي يفعلها العلمانيون».
السناريست «المسيحي» براين غوداوا أبدى انزعاجه هو الآخر من محاولة
الفيلم إعادة وصف ورسم القصة الانجيلية على أنها كارثة بيئية.
وكتب غوداوا «يصف الفيلم نوح وكأنه «شامان» ريفي وشخص نباتي يشبه
الهيبيز ويحب جمع الأعشاب. الفيلم يصور نوحاً على أنه افتتح مستشفى
لعلاج الحيوانات الجريحة التي نجت من بطش الصيادين. لا أعرف أي
حقوق حيوان ينتهكها أولئك، إذ لم يكن يومها سوى القبائل وقادة
الحروب، وكأن الفيلم يريد أن يقول ان نوح هوالأم تيريزا للحيوانات».
تبعا لذلك قامت شركة باراموانت باصدار نفي قاطع لكل تلك الاتهامات
قالت فيه «الفيلم مقتبس من قصة النبي نوح. نعتقد أن القصة حقيقية
في جوهرها وقيمها ونزاهتها وهي قصة تعتبر حجرا أساسا في عقيدة
ملايين الأشخاص حول العالم. ويمكن الوصول إلى القصة الانجيلية
للنبي نوح من سفر التكوين
The Book of Genesis.
«ملابسات»
الكتابة!
المرة الأولى التي تحدث فيها ارونوفسكي عن مشروعه كانت مع صحيفة «الغارديان»
في ابريل/ نيسان 2007. حينها أخبر الصحيفة بأن شخصية النبي نوح
تثير فضوله ودهشته منذ أن كان عمره 13 عاماً قال انه كان يجد نوحا
شخصية غامضة ومعقدة، وأنه يعتقد أن النبي نوحا كان يعاني من عقدة
الناجي الوحيد وذلك بعد نجاته من الطوفان».
كتب ارونوفسكي مسوداته الأولى لنص الفيلم ثم تعاون مع اري هاندل
لتطوير النص. قبل أن يحصلا على تمويل لفيلمهما، تعاونا مع الفنان
الكندي نيكو هنريكون لتحويل النص إلى رواية مصورة. صدر الجزء الأول
منها باللغة الفرنسية لدار نشر بلجيكية وهي دار لو لومبارد وذلك في
اكتوبر 2011 تحت عنوان (نوح: وحشية الرجال)
Noé: Pour la cruauté des hommes.
بعدها قام ارونوفسكي بتوقيع اتفاق مع شركة باراموانت ونيو ريجنسي
لتحويل الرواية إلى فيلم. خصصت للفيلم موازنة 130 مليون دولار
أميركي.
الفيلم من بطولة راسل كرو، انتوني هوبكينز، وايما واتسون، وجنيفر
كونولي، ودوغلاس بوث، ولوغان ليرمان، وراي وينستون. وضع موسيقاه
كليني مانسيل، وقام بتصوير مشاهده ماثيو ليباتيك، وزعته شركة
بارامونت للأفلام. |