كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

رسالة برلين:

بريق نجوم هوليوود لم يفلح فى تمرير عملية «رجال الآثار» لوجدان الجمهور

رسالة مهرجان برلين - خالد محمود  

مهرجان برلين السينمائي الدولي الرابع والستون

   
 
 
 
 

• السينما الأمريكية مازالت تواصل لعبة الخداع بتقديم أفلام تؤكد أن أبطالها فقط هم من ينقذون تراث البشرية

• كلونى ورجاله ينفذون رغبة روزفلت بإنقاذ الآثار التى نهبها النازيون برؤية سطحية

كثيرا ما لعبت السينما الامريكية على وتر ان الولايات المتحدة هى البطل الاوحد والنموذجى كحماة للحضارة وفى انقاذ العالم والانسانية من مخاطر جمة، سياسية كانت ام اجتماعية ام بيئية، وللحق كانت الحرفية الفنية التى تخرج عليها صورة الافلام تصل بنا فى كثير من الاحيان إلى حد الاقناع بالرسالة الانسانية لامريكا.

لكن فى هذا الفيلم لم تستطع هوليوود تجميل وجه امريكا بنفس الدرجة، ولى حقائق مشكوك فيها، فهى فى فيلم «رجال الآثار» الذى عرضته شاشة مهرجان برلين السينمائى الرابع والستين خارج المسابقة الرسمية بطولة واخراج جورج كلونى، تحاول ان تؤكد للعالم انها تخاف على الكنوز الاثرية والفنية، وانها وراء عملية عودتها إلى اصحابها من يد المغتصبين.

احداث العمل تدور حول فريق من الخبراء العسكريين والفنيين يكلف بمهمة فى أوروبا قرب نهاية الحرب العالمية الثانية لإنقاذ تحف وروائع فنية نادرة سقطت فى يد النازيين واستولوا عليها تلبية لرغبة هتلر.

والسؤال هو إلى أى مدى يمكن تصديق ذلك، ومازالت يد امريكا ملوثة بما حدث اثناء حربها فى العراق وهو ما كشف عنه فيلم «المنطقة الخضراء» فى عمل استثنائى.

فالجرائم التى ارتكبت فى بغداد وغيرها من المدن العراقية نموذج صارخ على احتقارهم للتراث الفنى والثقافى والإنسانى حيث هدموه وتركوه عرضة لأكبر عملية سرقة ونهب فى التاريخ المعاصر، بجانب ما دمر منه، إذن مسألة انهم حماة الحضارة والمدنية الحديثة من الدمار على أيدى النازيين أعداء الإنسانية والفن، هى ربما تكون مسألة مشكوك فيها بنسبة ما، حتى مع نبل الهدف والصورة التى سعت اليها اسرة الفيلم.

واذا كانت هوليوود قد استعانت بنجوم محبوبين لهم بريقم مثل كلونى ومات ديمون وبيل موراى وجون دوجاردان وكيت بلانشيت لتمرير هذا الاعتقاد، واذا كان ايضا الجمهور تعاطف مع الموضوع كفكرة، فإن الامر قد يحتاج إلى مراجعة كل القصص السينمائية التى طرحتها امريكا عن الحرب العالمية والتى بدت فيها بمثابة حليف الانسانية والبطل الاوحد، فالواقع ان هوليوود لم تكن يدها نظيفة من مغزى تبنيها لمثل هذه القضايا وكثيرا ما تم الكشف عن تعاونها مع المخابرات الامريكية فى عمليات تضليل الرأى العام الامريكى نفسه وكذلك عمليات تجسس كبرى بل ونقل اسلحة إلى اماكن، حولتها لبؤر صراع وقد أكدت تريشيا جنكيز، مؤلفة كتاب «دور السى آى أيه فى هوليوود»، أن تدخل الوكالة فى صناعة الأفلام وصل لذروته خلال الحرب الباردة، حيث كان الهدف؛ صياغة السياسة الخارجية الأمريكية بشكل يستطيع كسب القلوب والعقول فى الخارج، من خلال مركز أبحاث لمكافحة الأيديولوجية الشيوعية تابع للوكالة الاستخباراتية، مهمته التفاوض من اجل شراء حقوق نصوص الروايات وتحويلها إلى أفلام للترويج للسياسة الأمريكية، وتعزيز صورة الحياة الأمريكية فى العالم.

بدون شك كان للفيلم صداه الخاص فى ألمانيا التى شهدت العام الماضى العثور على أكثر من 1400 عمل فنى فى شقة شخص مسن منعزل فى ميونيخ وساد اعتقاد بأن النازيين نهبوا أغلب هذه الأعمال ــ حسبما نشرت رويترز، وهى القصة التى ظل يرددها اسرة ومخرج العمل الفنى.

وقال كلونى، فى مؤتمر صحفى: إن الفيلم امتزج بالواقع فى ألمانيا، فى إشارة إلى العثور على عدد ضخم من الأعمال الفنية فى شقة فى ميونيخ العام الماضى.

وأضاف «هذه قصة ستظل بارزة، لأنه لا يزال يوجد عدد ضخم من الأعمال الفنية المفقودة سيتم اكتشافها لاحقا.. إنه مجرد كشف واحد».

ونعود إلى الفيلم الذى يصور من خلال سيناريو افتقد كثيرا من عناصر التشويق عبر معسكرات حربية كيف نجح «الحلفاء» فى إنقاذ واستعادة آلاف القطع الفنية النادرة (من اللوحات والتماثيل وحتى مقتنيات الذهب الثمينة» التى كان الألمان النازيون قاموا بـ«سرقتها» ودفنها فى عدد من المناجم فى ألمانيا والنمسا تمهيدا لوضعها فى متحف، ولكن عندما بدأت هزيمة النازيين تلوح فى الأفق فى أوائل عام 1944، كان الألمان يعتزمون تدمير وحرق هذه التحف لحرمان الحلفاء منها بل إنهم ــ كما صور الفيلم ــ قاموا فعلا بحرق الكثير منها فى مشهد مؤثر للغاية تم تصويره بشكل دراماتيكى انتزع اهات الجمهور.

كانت البداية حسبما صور الفيلم المقتبس عن كتاب يحمل نفس الاسم للمؤرخ روبرت إدسيل ان الرئيس الأمريكى روزفلت اصدر أمرا بالبحث عن التحف الفنية «المنهوبة» وانقاذها، فتشكل فريق من المؤرخين وخبراء الآثار، معظم أفراده من الأمريكيين، مع الاستعانة ببعض البريطانيين والفرنسيين وراء خطوط الألمان، لاكتشاف الكنوز الفنية المدفونة وانقاذها، وتمر الاحداث فى غياب حبكة درامية دون تطور سردى جذاب ورؤى فكرية عميقة كتلك التى عهدناها فى افلام سابقة من نوع الاثارة الحربية.

اظهر الفيلم جانبا من الرؤية تخص مهمة الامريكان دون التطرق إلى تفاصيل حقيقية مبررة لفعلة النازيين الالمان من وراء سرقة الكنوز التى لا تقدر بثمن من المتحف، بجانب المجموعات الخاصة التى كان يقتنيها اثرياء اليهود وهدفهم من وراء ذلك، حيث لم نر سوى مشهد وحيد لقائد المانى دخل متحف بباريس يخدع موظفته الفرنسية «كيت بلانشيت» التى تمقته ثم نفاجأ بسرقته تماما.

الاغرب من ذلك اننا نفاجأ بأحد اعضاء الفريق الامريكى خبير الاثار «مات ديمون» وهو يعيد احدى اللوحات إلى منزل احدى تلك الاسر ويعلقها فى مكانها على الحائط وقد ارتبط عاطفيا بالموظفة الفرنسية بعد ان منحته قائمة بكل اللوحات المسروقة.

فى النهاية يبقى المستفيد الاكبر من ذلك الفيلم هو النجم جورج كلونى الذى اراد ان يوصل للعالم انه سيبقى نصير القضايا الانسانية، وبالقطع عمل فيلم يسعى خلاله لعودة كنوز اثرية منهوبة، كما انه تجربة جديدة له كمخرج، حتى وان لم تكن مفرداتها الفنية بنفس قوة تجارب سابقة.

اما امريكا نفسها فأعتقد انها ستواصل لعبة الخداع باعادة تقديم مشاريع سينمائية تؤكد انها نصيرة الحضارة رغم أنف التاريخ حتى وإن ضلت طريق مشروعيتها.

على جانب اخر يبقى هناك مكسب اخر لمهرجان برلين الذى عرض ذلك الفيلم، فى اطار اختيارات ذكية لمجموعة من الافلام المثيرة للجدل سواء عبر مضمونها الفكرى أو الفنى وهو اهم ما يميز دورة المهرجان هذا العام.

الشروق المصرية في

19.02.2014

 

بعد فوزه بجائزة الدب الذهبى

النقاد يشيدون بـ"Black Coal، Thin Ice"

كتبت رانيا علوى 

يعد الفيلم الصينى "Black Coal، Thin Ice" الفائز بجائزة الدب الذهبى فى مهرجان برلين السينمائى الدولى لعام 2014، من أهم الأعمال وأكثرها تأثيرا من بين الأفلام التى عرضت فى المهرجان، رغم المنافسة الشرسة التى لاقاها، حيث كان واحدا من 3 أفلام صينية عرضت ضمن فعاليات المهرجان، فكانت منافسة قوية مع "Blind Massage " للمخرج لو يى الذى لديه صراع دائم مع الرقابة فى الصين كون أعماله تعد مثيرة للجدل لأنها تعرض أفكارا خاصة بالجنس.
وأعلن موقع " indiewire " أن " Black Coal، Thin Ice " الفائز بجائزة الدب الذهبى، استطاع أن يمزج بين عناصر الساحة السياسية والجمالية بشكل واضح، فقدم أحداث واقعية تمس المجتمع، لكن الأحداث فى الفيلم سارت بسرعة.

بينما أعلن موقع " the-review " أن الفيلم الصينى كان الأجدر بالفوز بعدة جوائز بجانب فوزه بجائزة الدب الذهبى بالمهرجان، فاز النجم لياو فان عن دوره فى الفيلم بجائزة أفضل ممثل كونه استطاع أن يجسد شخصية ضابط يعمل فى المباحث يقوم بالتحقيق فى سلسلة من الجرائم، وقد نقل الموقع عن لسان المخرج ينان دياو أنه بالتأكيد أمر رائع أن يفوز الفيلم بأكثر من جائزة ضمن فعاليات مهرجان كبير وذات أهمية مثل مهرجان برلين السينمائى الدولى .

اليوم السابع المصرية في

19.02.2014

 

استياء إسرائيلي من مهرجان برلين...

وغزوة آسيوية باسم السينما

برلين - فيكي حبيب 

هل هو «النق» الإسرائيلي المعتاد واللعبة الدائمة التي يتقنها اليمينيون الاسرائيليون - في مجال السينما هذه المرة - للظهور بمظهر الضحية؟ أم أن السينمائي البريطاني كين لوتش، لديه فعلاً من السلطة والقوة، ما أجبر مهرجان برلين في دورته الـ64 على استبعاد السينما الاسرائيلية من المسابقة كشرط لحضوره وقبول التكريم الصاخب الذي أقيم له بمنحه جائزة «الدب الذهبي» عن مجمل أعماله؟

إذا صدّقنا بعض الصحافة الاسرائيلية، سنجدنا امام هذا السينمائي الذي يلقب بآخر اليساريين المحترمين في عالم الفن السابع وقد استخدم سلطاته للتصدي لإسرائيل لتكون النتيجة أقل حضور لأفلامها في «برلين» منذ سنوات طويلة.

ولا يبتعد التقرير الذي نشرته صحيفة «هآرتس» من طرح علامات الاستفهام هذه. فهو، وإذ يسلط الضوء على الامتعاض الاسرائيلي من هذا التكريم، يغمز من قناة المهرجان الذي ضم في دورته المنصرمة أفلاماً اسرائيلية (كلها خارج المسابقة) قليلة العدد نسبياً مقارنة بالسنوات الماضية.

ويعزز التقرير حجته بنقله عن موقع «Haolam» موقف لوتش تجاه مقاطعة مهرجان إدينبرغ الدولي عام 2009 بعدما اكتشف ان السينمائية تالي شالوم عازار من المدعوين وأن الحكومة الاسرائيلية ساعدت في تغطية نفقات رحلتها. والأمر ذاته تكرر معه (دائماً وفق الموقع الالكتروني الاسرائيلي) حين ألغى حضور مهرجان ملبورن الدولي في العام ذاته بعدما اكتشف أن الحكومة الاسرائيلية دفعت ثمن تذكرة سفر فنانة الرسوم المتحركة تاتيا روزينتال الى المهرجان.

ولا يخفي التقرير الاسرائيلي التعاطي الحذر لقادة يهود في ألمانيا مع هذا التكريم. وينقل عن رئيس مكتب برلين للجمعيات الأميركية-اليهودية ديدر برغر قوله: «يستخدم كين لوتش شهرته للدعوة الى مقاطعة ثقافية لإسرائيل، الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط حيث حرية التعبير مُصانة بالكامل. ولهذا، من العار أن ينقاد مهرجان سينمائي ألماني مهم وراء منتج أفلام يحاول أن يميّز نفسه بتعصبه الأعمى وإنكار حق اســـرائيل في الوجود». ويضـــيف: «لا يجوز محـــاكمة أعمال لوتش بمقياس الفن وحده، خصوصاً انه نفسه يحكم على أعمال الآخرين على قاعدة الجنسية فحسب».

ولا تغيب تصريحات لوتش عن تقرير صحيفة «هآرتس» التي تنقل عن صحيفة «تاغسبيغل» الألمانية، ردّه على سؤال حول سبب دعمه مقاطعة الدولة العبرية، إذ قال فيه ان «إسرائيل تقدم نفسها كديموقراطية غربية، لكنها في الوقت ذاته تخلّ بالاتفاقات الدولية، وتكسر بنود معاهدة جنيف وتُسيطر على أراض لا حق لها فيها، وتُلقي بالأطفال في السجون وتُكذب في شأن أسلحتها النووية». مضيفاً انه يساند «مقاطعة أكاديمية وثقافية لدولة إسرائيل، لأن مثل هذه المقاطعة هو الشيء الوحيد الذي يمكن فعله لتحقيق ما عجزت عنه الأمم المتحدة والرئيس الاميركي في جعل اسرائيل تنسحب من الأراضي المحتلة».

في المقابل، أفاد التقرير بأن كين لوتش يرفض أيضاً المشاركة في مهرجان طهران «احتراماً منه لمعارضي النظام»، ما يدعم التصريح الذي نشره مدير الـ «برليناليه» ديتر كوسليك على موقع المهرجان حول انه معجب بِكِين لوتش لـ «اهتمامه العميق بالشعوب وحق تقرير المصير بمقدار إعجابه بالتزامه شؤون المجتمع».

غزو صيني وآسيوي

الامتعاض الاسرائيلي من «مهرجان برلين السينمائي» قابله ترحاب صيني عبّرت عنه تغريدات عدد من الشبان على مواقع التواصل الاجتماعي بعد فوز فيلم دييو ينان «فحم أسود، ثلج رقيق» (Black coal,thin ice) بجائزتي «الدب الذهبي» وأفضل ممثل (ليو فان). ولم تغب الاحتجاجات عن تلك الرسائل، خصوصاً لجهة ما يتعلق بالخوف من مقصّ الرقيب او الامتعاض من عدم عرض أفلام صينية تحظى بإعجاب الغرب وجوائزه في بلادها.

وإذا كان بعضهم يخشى ان يصادف «فحم أسود، ثلج رقيق» مصير فيلم «لمسة الخطيئة» ذاته (فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان «كان» وجائزة «اللؤلؤة السوداء» في مهرجان أبو ظبي)، أي عدم عرضه في الصين بعدما كان مبرمجاً في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فإن مشاهدة فيلم دييو ينان في برلين، كافية لدحض مثل هذه المخاوف. فهو، وخلافاً لـ «لمسة الخطيئة» الذي يتناول، ولو مواربة، أجواء الفوضى وغياب العدالة الاجتماعية في البلد، لا يوارب ولا ينطق سياسة، بل ينتمي الى السينما البوليسية السوداء (Cinema noir) التي تقوم على تحقيق في جريمة قتل قد يكون مسرحها أي بقعة من العالم.

ولهذا يمكن أن نصدق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن إحدى وسائل الإعلام الصينية حول أن الضوء الأخضر أُعطي للفيلم من السلطات وأن نزوله في الصالات الصينية مرتقب بين نيسان (أبريل) وأيار (مايو). وعندها قد يخيب ظن كثيرين في الصين إذ سيجدون أنفسهم أمام حبكة بوليسية واضح تأثرها بـ «السينما الاميركية والأوروبية»، كما عبّر مخرج الفيلم نفسه. فماذا عن القصة؟

منذ الدقائق الأولى، تتجه أصابع الاتهام في جرائم قتل حدثت في أحياء صينية عدة، نحو الحسناء «وو زيزان»، بعد ان يكتشف الشرطي السابق «زانغ زيلي» ان الضحايا جميعاً ربطتهم علاقة وثيقة بها. ولهذا، يبدأ تحرياته من حولها فيراقبها في يومياتها ويتابعها حيثما تذهب من المصبغة حيث تعمل الى حلبة التزلج التي تهواها وصولاً الى المنزل. ولكن، شيئاً فشيئاً، تبتعد الشبهات عن بطلتنا بعد ان تتجلى الحقيقة أو ما يبدو انها الحقيقة; فها هو «رجل المزلاج» (نسبة الى المزلاج الذي يرافقه حيثما يذهب ويقتل به ضحاياه) أو «شبح» زوج «وو زيزان» يعود الى الحياة لينتقم من كل رجل يقترب من زوجته. وطبعاً لن يكون المحقق «زانغ زيلي» بمنأى عن الخطر المحدق به أسوة بسواه من الرجال الواقعين في غرام الفتاة الحسناء. أمام هذا الواقع، تبدأ لعبة شدّ الحبال بعد 5 سنوات من الجريمة الأولى، لكنّ القبض على المجرم لن يكون صعباً حين تشترك الزوجة في تسليمه الى حبيبها الجديد لتأخذ العدالة مجراها.

نهاية متوقعة؟ صحيح، ولكن ماذا لو لم تكن هذه هي النهاية؟ هنا بالذات تكمن قوة الفيلم، ففي اللحظة التي يبدو فيها اننا امام حقيقة لا لبس فيها، يطلّ خيط جديد ليعيدنا الى الدائرة الأولى، أي الى نقطة الصفر، بإعادة اتهام البطلة الحسناء التي سرعان ما يتبين انها ارتكبت الجريمة الأولى بعدما أفسدت معطف صاحب إحدى الحانات وعجزت عن سداد ثمنه، فما كان أمامها إلا تصفية الرجل بتقطيعه أجزاء أجزاء وتوزيع أشلائه على عدد من معامل الفحم بحيث لا يمكن التعرف الى هويته.

فهل نحن هنا أمام نقد اجتماعي جديد في السينما الصينية؟ أكيد، ولكن ليس من ذاك النوع المباشر الذي قد يؤدي الى منع عرض الفيلم.

الفائز الأكبر

ولم تكتف الصين بجائزتي «الدب الذهبي» وأفضل ممثل، بل حصد فيلم «بلايند ماساج» للو يي جائزة «الدب الفضي» لأفضل مساهمة فنية. كما فازت اليابانية هارو كوروكي بجائزة افضل ممثلة عن تجسيدها دور خادمة في طوكيو في الفيلم الياباني «ليتل هاوس»، ما دفع كثيرين للقول ان السينما الآسيوية هي الفائز الأكبر في برلين.

أما السينما الأميركية والتي توقع كثر من النقاد أن تخطف جائزة «الدب الذهبي» من خلال فيلم ريتشارد لينكليتر «صبا»، فاكتفت بجائزة أفضل مخرج للينكليتر، إضافة الى جائزة لجنة التحكيم الخاصة للمخرج ويس اندرسن عن فيلم «أوتيل بودابست الكبير».

وتبقى مفاجأة الجوائز منح السينمائي الفرنسي آلان رينيه (92 سنة)، جائزة ألفرد باور (تيمناً باسم مؤسس المهرجان) التي تكافئ سنوياً فيلماً يفتح آفاقاً جديدة، عن فيلم «أحب، غني واشرب»، ما حدا ببعض النقاد للتعليق: أي آفاق جديدة يفتحها رينيه وهو محاصر في فيلم مسرحي؟

وبعيداً من الجوائز والانقسام الذي تُحدثه في صفوف النقاد والمشاهدين على حد سواء، يمكن القول إن المهرجان الذي يميّز نفسه دوماً عن منافسيه الكبيرين (مهرجانا «كان» و «البندقية») بأنه الأكثر شعبية، أي انه مهرجان موجّه الى الجمهور، كسب الرهان مجدداً بوصوله الى عتبة بيع 330 ألف بطاقة في سابقة في تاريخ الـ «برلينالي». ولهذا، كان بديهياً أن يتلقى المهرجان أكثر من 5 آلاف فيلم من حول العالم، عرض منها 409 أفلام من 72 دولة في أقسام المهرجان العشرة.

ولعل الخلاصة التي وصلت إليها مجلة «سكرين» الانكليزية في وصفها للدورة 64 من المهرجان، الأكثر تعبيراً عن يوميات الـ «برليناليه» الـ11، إذ كتبت: «واضح ان برلين هذا العام كان عبارة عن افتتــاح قوي («أوتيل بودابست الكبير»)، متن بطيء وذروة لا بأس بها».

الحياة اللندنية في

20.02.2014

 

جيهان وفيولا بين ميدان الثورة وأريجها

برلين - سمير جريس 

في إطار مهرجان البرليناله السينمائي الدولي عُرض في الأيام الماضية فيلمان مصريان يتناولان موضوع الثورة، أو يدوران حولها. الفيلم الأول هو فيلم «الميدان» للمخرجة المصرية الأميركية جيهان نجيم الذي يعرض بشكل كرونولوجي ما حدث في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 حتى إزاحة الرئيس الإخواني محمد مرسي وفض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013. الفيلم محاولة جيدة لتقديم صورة - وبخاصة للمشاهد الأجنبي - عن تطور الثورة، وهي صورة موضوعية إلى حد كبير، وكاشفة لمحاولات الإخوان المسلمين والجيش والفلول للاستيلاء عليها وإعادة إنتاج آليات القمع. ولكن يعيب الفيلم، على الأقل من وجهة نظر المشاهد المصري، تتابع الصور والأحداث دون رؤية تجمعها، ثم الغرق في كليشيهات وجمل نمطية ملّ الناس سماعها، على شاكلة «أكبر غلطة عملها الثوار أنهم خرجوا من الميدان يوم تنحي مبارك في 11 فبراير». الفيلم عُرض في دول عديدة، وشارك في مهرجانات دولية كمهرجان برلين الذي حصل خلاله على جائزة منظمة العفو الدولية، وهو كذلك أول فيلم مصري وثائقي يُرشح لنيل الأوسكار. ورغم ذلك لم يُعرض الفيلم حتى الآن في مصر. ويقول صُنّاعه إن الرقابة منعت عرضه، أما الرقابة فتدعي أن أحداً لم يتقدم للحصول على ترخيص!

العبير والرائحة العطنة

وإذا كانت مادة فيلم «الميدان» هي الأحداث اليومية للثورة التي يعرفها المشاهد من نشرات الأخبار، فإن فيلم فيولا شفيق «أريج» يحاول استنشاق عبير الثورة أو رائحتها العطنة، وهو يحاول الابتعاد عن تلك اللقطات الشائعة للتظاهرات والأحداث الكبيرة، ويعود إلى الوراء قليلاً ليحلل آليات القمع والقهر التي فجرت الثورة، ثم يحاول أن يستشرف المستقبل.

لم تكن فيولا شفيق تريد في الأصل أن تقدم فيلماً عن الثورة. هذا ما تبوح به المخرجة المصرية الألمانية في مستهل فيلمها الوثائقي. كان هدفها في البداية هو إخراج فيلم عن أول مصور فوتوغرافي مصري، هو المصور قديس من الأقصر الذي التقط قبل مئة عام صوراً تضع المصريين لأول مرة في دائرة الضوء، بعد أن كانوا مجرد «كومبارس» في صور الأجانب في المعابد والمقابر المصرية القديمة، أو «مقياساً» يظهر ضخامة البناء القديم وعظمته.

عند وصولها إلى الأقصر قبل الثورة بنحو عام وجدت المخرجة عمليات الهدم في قلب مدينة الأقصر (أو طيبة القديمة) على أشدها، وذلك تنفيذاً لمشروع استثماري ضخم يدعى «المثلث الذهبي» أزاح عشرات المنازل القديمة والأثرية من طريقه. آلة القهر الحكومية ظهرت في لقطات الفيلم الأولى بكل جبروتها وطغيانها، «وكأننا في غزة وليس في الأقصر»، مثلما تقول إحدى شخصيات الفيلم. يرى المشاهد البلدوزرات تهدم المنازل على رؤوس مَن فيها، بالمعنى الحرفي للكلمة، بينما يحاول أصحابها إنقاذ ما يستطيعون إنقاذه منها. بعضهم يتم تعويضه بمبالغ طائلة تبلغ مليون جنيه، كما يقول الناشط الحقوقي الذي يعرض على المخرجة أفلاماً لعمليات الهدم، بينما لا يُعوَّض آخرون إلا بمبالغ تافهة، أو تُبنى لهم منازل تتشقق جدرانها قبل مرور أشهر على الانتهاء من بنائها. مَن يريد أن يبحث عن أسباب ثورة يناير سيجدها هنا كاملة.

أحد «أبطال» الفيلم، وهو مرشد سياحي وتاجر أنتيكات وصاحب أضخم أرشيف للصور القديمة، يبدي تحسره وغضبه على ضياع هذا التراث المعماري والأثري، ويقول أمام الكاميرا: «إنني أبكي عندما أرى قصراً مثل قصر يسّى باشا يُهدم. ثم أذهب وأشتري الأبواب، وأخلع البلاط وأشتريه». ولكن ماذا يفعل بها؟ لا شيء. إنها مجرد ذكرى لما كان.

وبالدأب نفسه الذي يجمع به صاحب الأرشيف التذكارات، يوثق الناشط الحقوقي كل التجاوزات والجرائم التي تُرتكب. وهو يرفض أن يوصف بأنه ناشط قبطي، فهو يوثق الجرائم أياً كان ضحيتها «فالحقوق لا تتجزأ». يرى المشاهد أساليب الشرطة المصرية التي لم تتغير عندما يعرض الحقوقي مشاهد لأقباط أصابتهم رصاصات الشرطة في العين مباشرة بعد أن هبوا يحتجون على مقتل مسيحيين عشية عيد الميلاد في عام 2010 في مدينة نجع حمادي بصعيد مصر. نتذكر عندئذ الفيديو الشهير الذي يُظهر ضابطاً يصيب متظاهراً في عينه، فيقول شرطي: «برافو عليك يا باشا!»، وندرك أن الإصابات في العين بعد الثورة لم تكن مجرد تجاوزات لأفراد من جهاز الأمن، بل منهجاً مستمراً لآلة القمع البوليسية.

ينوء المحامي تحت ثقل المادة التي جمعها، ويتساءل المشاهد: كيف يحيا حياة طبيعية مع كل هذا الظلم الموثق؟ كيف يستطيع أن يبتسم أو يفرح أو يخلد للنوم هانئاً؟ بالطبع لا يستطيع، ولهذا يصمت، ويحاول أفراد عائلته أن يتفهموا أسباب صمته واكتئابه.

من المسؤول؟

يبدو الكاتب علاء الديب (مواليد 1939) في الفيلم أيضاً صامتاً وحزيناً ومكتئباً. يرى صاحب «وقفة قبل المنحدر» الخيط ممتداً من ثورة 1952 حتى 2011، ويحمّل الطبقة الوسطى مسؤولية فشل الثورة، أو «خيانة» مبادئها، فهذه الطبقة تنحاز إلى الثورة ثم تقبل كل الجرائم التي ترتكب باسمها من أجل الوصول إلى الاستقرار والأمن ودوران عجلة الاقتصاد. إنها «دراما اليسار المصري»، مثلما يقول مؤلف رواية «زهر الليمون» الذي يشبّه فيها اليسار المصري بالزهر الجميل الفواّح الذي يتساقط ويذبل ثم تدهسه الأقدام.

المقابل الشاب لخيبات المثقفين واليسار المصري، كانت الفتاة المسلمة المحجبة التي تعمل في مجال التصميم الإلكتروني Cyber Design، غير أنها تهرب أيضاً من الواقع إلى الفضاء الافتراضي، وتشارك في لعبة «الحياة الثانية» التي هي أجمل وأرقى من هذه الحياة.

لعل النماذج الأربعة التي تقدمها فيولا شفيق تعبر عن الإحباط واليأس من التغيير. رغم ذلك يخرج المشاهد ببعض الأمل؛ مثلاً عندما يرى السلطة الحاكمة تقيم سوراً في شارع القصر العيني في قلب القاهرة حتى تحمي المقر الحكومي ومجلس النواب ووزارة الداخلية من غضب الثوار المتظاهرين. ماذا يفعل الناس؟ إنهم يتجاهلون هذا السور، يتحايلون عليه، يقفزون فوقه، ويواصلون السير ليصلوا إلى هدفهم، بل يرسمون على الجدار رصيفاً وطريقاً مثالياً تظلله الأشجار الفوّاحة.

الحياة اللندنية في

20.02.2014

 

هؤلاء الذين سنتذكرهم من "برلين 2014":

صيني وفرنسي وألماني وأميركي

هوفيك حبشيان - برلين 

انتهى مهرجان برلين السينمائي في نسخته الرابعة والستين الأحد الفائت. المهرجان الذي يصعب حصره في اطار أهداف معلنة، يهيمن على مدينة ضخمة حيث له صالات موزعة في ارجائها. هناك أقسام سينمائية عدة يصل عددها الى العشرة. بيد ان مدير المهرجان الفني ديتر كوسليك في مقابلة حديثة له، يضع الـ"برليناله" في إطار محدد: هذا مهرجان للجمهور، يقول، وهكذا كان منذ تأسيسه عام 1951.

كان حدثاً يجمع السياسة والثقافة. يروي المدير الخفيف الظلّ الذي يكبر المهرجان بعام واحد ويديره منذ 2001، ان الـ"برليناله" يستمد هويته من تاريخه القائم على تشابك الأحداث السياسية والاصطفافات الايديولوجية والتقلبات المجتمعية. فحيناً كان منصة للأميركيين (الدورة الاولى افتُتحت بـ"ريبيكا" لهيتشكوك) وحيناً آخر بات معبراً بين الألمانيتين، الى ان ارتفع الجدار فاصلاً المدينة، فتعزز دور المهرجان وصار يؤتى بسينمائيين من أوروبا الشرقية للمشاركة فيه، ثم بعد سقوط الجدار، اضطلع بدور آخر وهو اعادة ترميم المدينة ولمّ شملها.

هذا كله للقول ان من الصعب تحديد هوية المهرجان والتساؤل عن مكانته وسط فوضى المهرجانات، بمعزل عن مشواره التاريخي. الأرقام قد تساعدنا على الفهم: نحو 330 ألف بطاقة بيعت هذه السنة، وهذا ما يجعل برلين يتقدم على غيره من التظاهرات السينمائية. تصل التاسعة والنصف صباحاً الى صالة "فريدريش" فتجدها مكتظة بمشاهدين جاؤوا ليشاهدوا فيلماً صينياً عن شخصية عمياء. 409 أفلام عُرضت في هذه الدورة، فقط نحو خمسة في المئة منها فُرشت أمامها السجادة الحمراء (20 فيلما في المسابقة الرسمية و3 خارجها)، أما البقية فوُزعّت على ثمانية أقسام، يقول كوسليك بأن المبرمجين يعملون باستقلالية تامة عنه. افتخر المهرجان دائماً بالتنوع بين سينما المؤلف والأفلام الجماهيرية التي تصل الى ساحة بوتسدامر لاستقطاب النجوم، وهم ضروريون لجذب وسائل الاعلام الكبيرة. فما فعله، مثلاً، كل من لارس فون ترير وشيا لابوف من "تهريج" أمام عدسات المصورين خلال عبورهما في برلين، يساوي من حيث ثمنه الاعلامي عدداً من الأفلام. ولكن، في المقابل، يمكن الجزم ان وهج المهرجان والقه تراجعا، وأن ضوءه خفت وتأثيره في دنيا السينما لم يعد كما كان. أمّا قدرته على اقتناص الأفلام فموضع شكّ. منذ سنوات، لم تعد مسابقة برلين الحيز الأفضل للعثور على الأفلام المهمة التي تصنع سينما اليوم. فاللجنة التي تختار الأعمال تسعى الى التوفيق بين ذوقها واتجاهاتها الثقافية ورؤيتها للسينما، وما تتمكن من الحصول عليه من أفلام. من الصعب ان نتخيل ان منتجا ما سيتنازل بفيلمه الى برلين، اذ كان لديه ادنى فرصة ان يُبرمَج في كانّ. في المقابل، يساعد توقيت برلين الى أن يكون مركزاً لمشتري الأفلام وبائعيها، حيث يلتقي الطرف الأول الثاني حول بعض العناوين الواعدة التي لم ينتهِ مخرجوها من العمل عليها بعد. في معظم الأحيان، لا يملك البائع سوى ما يسمى "برومو ريل"، ايّ مقاطع غير ممنتجة من الفيلم الموعود.

لجنة التحكيم تعكس حالة الضمور التي كان يوحي بها المهرجان: أربعة من أصل ثمانية أعضاء هم ممثلون. هناك منتجة، مخرج ومخرجة، وكاتب سيناريو أميركي اسمه جيمس شايمس، كان خلف تحقيق أفلام عدة لآنغ لي، أبرزها "جبل بروكباك". منذ البداية، كان الحذر مسيطراً: هل تنتبه لجنة كهذه الى الأفلام القليلة المهمة التي عرضت في هذه الدورة؟ فمن المعروف ان بعض الدورات الضعيفة يمكن انقاذها اذا كانت لائحة الفائزين بالجوائز "ترفع الرأس". عموماً، لم تكن الأفلام المكللة بالسوء الذي كنا نتوقعه، وإن كانت الرهانات في مكان آخر (بدت اللجنة آسيوية الهوى). شتان بين النجوم التي يمنحها النقاد في الصفحات الأخيرة للمجلات وأهواء المحكّمين وأذواقهم. فالعنوان الذي تم تداوله كثيراً في النصف الأول للمهرجان هو "دروب الصليب" للالماني ديتريتش بروغمان الذي سحرنا براديكاليته السردية وشكله العصري، وشبّهه بعضهم بأجواء كارل دريير وبرونو دومون وأولريش زيدل. حتى ان الترجيحات سارت دربها المعتاد وقيل ان شايمس سبق أن قدّم اطروحة جامعية على أفلام دريير، المعلومة التي جعلتنا نعتقد أننا أمام فوز محتمل لفيلم بروغمان. في النهاية، اسندت الى الفيلم جائزة (ترضية؟) هي "أفضل سيناريو".

مع تقدم المهرجان وتراكم المشاهدات، اكتشفنا فيلماً آخر، "صبا" لريتشارد لينكلايتر، الذي احتل المرتبة الاولى في قائمة النقاد وقلوبهم. ورجح التصفيق الحاد بعد عرضه الصحافي في قصر الـ"برليناله" صباح الخميس الفائت، تفوقه على فيلم بروغمان. فيلم آخر لم يصل الى الجائزة الكبرى، وكان من نصيبه "الدب الفضي" لأفضل مخرج. والحقّ، ان النحو الذي انجز به لينكلايتر هذا الفيلم سابقة في المشهد السينمائي الأميركي. نحن قبالة تجربة استثنائية فرضت على لينكلايتر ــ مخرج سلسلة أفلام "قبل غياب الشمس" (2004) و"قبل منتصف اليل" (2013) ــ ان يعمل 12 عاماً على انجازها، اذ اقتصر مشروعه على مرافقة حياة عدد من الشخصيات على مدار 12 عاماً. اختلط الزمن الافتراضي بالزمن الفعلي في الفيلم (167 دقيقة)، لتنتج منه سيرة صبي كان في الثامنة عندما بدأ لينكلايتر يصوره عام 2002، وتابع تصويره مرة كل اسبوع تقريباً منذ تلك المرحلة من حياته حتى العشرين. بين تكساس وهيوستن، تتجول كاميرا مخرج "أمة الفاست فود"، ملتقطة تفاصيل النمو الفكري والجسدي والعاطفي لإيلار كولتران. عدا واقعيته التي تجعله يرسو فوق مظاهر عادية جداً، تلفت رغبة المخرج في ان يلهث خلف شخصية لا تضمن له ايّ نوع من النتائج الفورية او تلك التي يمكن الحصول عليها عبر التراكم. هاجس عبّر عنه لينكلايتر في المؤتمر الصحافي على شكل مزحة عندما قال إنه كان سيذهب الفيلم في اتجاه آخر لو قرر كولتران ان يصبح بطل مصارعة مثلاً. "صبا" هو تمجيد لعظمة الزمن الذي يمر فوق وجوه تعتق من جهة (والدا الصبي ــ ايثان هوك وباتريشا اركيت) ووجوه اخرى تزداد شباباً وطموحاً وحياةً. من 11/9 الى صعود أوباما، عقد كامل يمر أمام اعيننا بواقعية نكاد نلمسها.

حملنا المخرج الفرنسي الكبير ألان رينه الى أجواء فانتازية مستقاة من نبشه في ارشيف المسرحيات البريطانية. جديده "أن نحبّ، أن نسكر ونغني"، أفلمة لا نعرف مدى وفائها لنص مسرحي من تأليف ألان ايكبرن الذي كان رينه اقتبس منه "تدخين/ ممنوع التدخين" (1993) و"قلوب" (2006). في الحديث عن رينه، لا نجد سوى كلمة عبقري لوصفه. مع انه صار في الـ92، لكنه الأكثر شباباً ونضارة وحباً للتجريب من بين المشاركين الـ20 في مسابقة برلين. الحياة مسرح له ونحن دمى، لذلك يجمع شخصياته في اطار مسرحي ولكنه يبقي لغته السينمائية التي تتجسد من خلال التقطيع الذكي والكادرات القريبة والايقاع المشدود. هذا النوع من السينما ينسجم ايضاً مع حاجاته الجسدية، لكن خلافاً لمن في مثل عمره، لا يصنع رينه سينما عجزة. فيلمه الجديد ليس مسرحاً مصوّراً لأن العين لا تنبش حيثما تريد كما في المسرحيات. انها محكومة برؤية المخرج وقراراته في ما يريد ان يظهره وان يخفيه. الفضاء شاسع هنا ولا احساس بالانغلاق، والتصوير في الحدائق والباحات الأمامية للمنازل يسمح له بإظهار مرور المواسم على الأغصان والشجر والأوراق. فإذا كانت الطبيعة قاسية على نفسها، فكيف لا تكون قاسية على الناس الذين تستضيفهم. أمّا الموت، فرينه يصوّر فوبيا الموت منذ فيلمين، تحديداً شبحه الذي يقترب منه. في المرتين، لا نرى الميت. هو لا يخاف الموت بل يسخر منه ويمتحن العيش معه. رجل يسخر من موته يستحق "ان يحبّ، أن يسكر ويغنّي". وأن يعيش.

الى جائزة النقاد ("فيبريسي") التي حصدها رينه في برلين، ذهبت اليه ايضاً جائزة "ألفرد باور لفيلم يفتتح آفاقاً جديدة" (هكذا تدعى). يستحقها فنياً طبعاً، لكنها نابعة من موقف ضد الظلم الذي عانى منه رينه طوال حياته في مهرجانات كثيرة، ولا سيما في كانّ، حيث كانت مشاركاته عرضة لتجاذبات (لم يكن يوماً ينال الاجماع) ولم يفز بـ"السعفة"، واكتفى بـ"أسد" البندقية عن "السنة الماضية في ماريينباد". فـ"هيروشيما حبي" مثلاً، كاد يخرج من المسابقة بشكل مهين بعد ضغط من الأميركيين. "الحرب انتهت" ضد فرنكو، أحدث أزمة ديبلوماسية بين فرنسا واسبانيا. "عمي المقيم في أميركا"، نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى، لكن رئيس اللجنة انذاك كيرك دوغلاس قال: "يا ليت رينه يقتطع مشاهد البداية" - تجارب لابوري، الخ. أفلام أخرى له استُبعدت وتعرضت لاهمال اللجان. "مورييل أو زمن العودة" رفضه كانّ لأنه يظهر عمليات التعذيب في الجزائر، و"ستافيسكي" اتُهم بـ"الكلاسيكية" في زمن كانوا يريدونه تجريبيا! اللائحة طويلة. الظريف انه عندما وصل رينه الى كانّ في أيار 68، متأبطاً "احبك، احبك"، لم يكن يعلم ان المهرجان الغي بسبب الثورة في باريس. الايجابي والغريب، ان رينه لا يزال يرغب في المشاركة في مسابقات المهرجانات، كما لو كان من المبتدئين، لأنه يرفض ان يصنّف "ثروة وطنية او مؤسسة" لا تُمس. ككل عقل متنور، يعرف ان هذا الشيء ضده. فهو لا يزال يريد ان يبقى في قلب المعركة!

"البيت الصغير" ليوجي يامادا انجزه الثمانيني الذي بدأ الأفلام عام 1961، وفي جعبته الى الآن نحو 80 فيلماً، وعلى الرغم من انه شارك مرات في مسابقة برلين، فهو ليس ذائع الصيت خارج اليابان. مع "البيت الصغير"، قدم يامادا ميلودراما تفيض بالمشاعر والنيات الحسنة، تنطلق احداثه عشية الحرب الثانية التي تضعنا في قلب الانعكاسات السلبية على عائلة تنتمي الى الطبقة المتوسطة. هذا نراه ونحن في صالون منزل ربة منزل (هارو كوروكي التي نالت جائزة أفضل ممثلة)، يتماهى الفيلم مع نظرتها للدمار الذي سيصيبها تدريجاً. بكلاسيكية غير مزعجة وتصوير يمعن في التقاط الحياة اليومية والتفاصيل الانسانية، يحملنا يامادا الى سينما خارجة عن الزمن واهتماماته، لنستقر في منطقة عاطفية تقرص القلب.

يبقى "ماكوندو"، آخر أفلام المسابقة الذي أدخل مخرجة ايرانية نمسوية اسمها سودابيه مرتضائي في التاسعة والعشرين من العمر (أصغر مشاركة) الى دائرة المنافسة على الدببة. يقحمنا الفيلم داخل مخيم في فيينا يضم لاجئين وطالبي لجوء من 22 بلداً، لنرافق مشوار صبي في الحادية عشرة يكتشف ماذا يعني ان يكون شيشانياً في بلد كالنمسا، وماذا يعني ان يكون بلا أب، أو ايّ مرجعية سوى أم تعمل وتتركه لمصيره. وسط الخراب المعنوي والاهمال التربوي، يحاول رمضان تحديد علاقته بالعالم قبل أن ينجرف الى أعمال غير شرعية يحركها من هم أكبر منه. يتيه بين احساس المسؤولية والمحافظة على كرامته وأخلاقه، لكن الواقع لن يسمح له بحسم قراره ولن يرد على الأسئلة التي يطرحها على نفسه. كالعديد من الأفلام المهمومة بنقل شرائح من الحياة الى الشاشة كما هي، ينحاز المرء الى ايجاد الكثير من عمل الأخوين داردين هنا، لجهة اقتفاء اثر الشخصيات والتقاط كيفية تحركهم في الكادر والتماهي مع جسدهم. لكن الفيلم صادق وغير متملق، في تقديمه بيئة اسلامية تخرج عن الكليشيه والمصطنع. فخطيب الجامع ليس بالضروري ارهابياً يستغل فقر الأولاد ليرسلهم الى أفغانستان، والشيطنة لا تدفع بالمهاجر الى خلف القبضان.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

الدبّ الرابع والستون صيني!

فضلت لجنة التحكيم المفاجأة غير المضمونة النتائج في الاعلام بإسنادها "الدبّ الذهب" إلى "فحم أسود، ثلج رقيق"، على الخيار المتوقع وذي التأثير الجيد.

تجري حوادث هذا الفيلم الصيني لدياو ينان (1968) في شمال الصين وتتمحور على شرطي (لياو فان - أفضل ممثل) يُصرف من عمله بعد مقتل زميلين له خلال عملية غير ناجحة للقبض على مطلوب، فيضطر الى العمل كحارس في مصنع.

بعد خمس سنوات، تقع سلسلة من الجرائم، ما يدفع ببطلنا زانغ الى العودة، ويتولى التحقيق على عاتقه الخاص هذه المرة، قبل ان يكتشف ان كل الجرائم تصب عند فتاة تعمل في مغسلة. سيُغرم بها فوراً. هذا ثالث فيلم لينان الذي لفت مع "قطار الليل" (كانّ- 2007)، وهو غوص في عالم الجريمة والسواد والليل الحالك مع شخصيات تزجّ بنا في كلاسيكيات السينما البوليسية.
الفيلم ممعن في العنف النفسي والتجسيدي على طريقة السينما الآسيوية. يعرف ينان كيف ينقل حال المجتمع الصيني، وفي سعيه لاظهار المدينة والتباساتها، يقترب الى ذكاء جيا زانغي. نحن هنا في صين باردة، شتوية، شهوانية، منزوعة الألوان، يسيطر عليها نوع من الغشاء يمنع الرؤية الجيدة ويدفع المحبط الى الانتحار. هذه صينٌ حطمتها الشيوعية وسحقتها الليبيرالية.
غوصٌ بديع في هذا القعر، يزيده جمالاً الاخراج الواضح والمتزن الذي يضعه ينان، بحيث لا يهبط ايقاع الفيلم ولو للحظة طوال الدقائق الـ106.

CUT
- واحدة من الخيبات في مهرجان برلين: Aloft للبيروفيانية كلوديا ليوسا التي نالت "الدب الذهب" قبل خمسة اعوام عن "حليب الاسى". 112 دقيقة "لا تنتهي" مع جنيفر كونيللي واحالات زمنية متكررة على أراض مجلدة غير محددة جغرافياً.

- جاء سكورسيزي الى برلين لتقديم نسخة غير منتهية (ثلاثة مقاطع طولها ساعة تقريباً) من فيلمه الوثائقي الجديد عن واحدة من اعظم المطبوعات في العالم The New York review of books، مجلة رافقت آخر نصف قرن من تاريخ البشرية عبر نشرها نصوصا سياسية واجتماعية وثقافية قيمة. تلت العرض جلسة حوارية مع فريق العمل وفي مقدمهم رئيس تحريرها روبرت سيلفرز.

-  نال المخرج اللبناني الشاب روي ديب جائزة "تيدي" التي تُمنح لأفلام تعالج قضايا المثليين والسحاقيات عن "مونديال 2010" (20 دقيقة) الذي يصوّر شابين مثليين لبنانيين يرغبان في تمضية عطلة نهاية الاسبوع في رام الله.

النهار اللبنانية في

20.02.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)