كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

«البرلينالي»

كلوني يُصوّب على النازية

ورشيد بوشارب يتعثر في مدّ الجسور

برلين - فيكي حبيب 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الرابع والستون

   
 
 
 
 

لم يشهد مهرجان برلين السينمائي منذ سنوات طويلة طقساً «ربيعياً» كما هي الحال خلال عقد الدورة الـ64 التي تختتم الأحد بتوزيع الجوائز على الفائزين بعد 11 يوماً من الاحتفاء بالفن السابع.

هو طقس «ربيعي»، كما يحلو للأصدقاء الألمان وصفه، على رغم استقرار الحرارة على 8 درجات مئوية طوال هذا الأسبوع، ما يقدم صورة جلية عن البرد القارس الذي يتذكره رواد المهرجان كثيراً. لكنّ الجوّ الجميل، أو للدقة، الجو الشتوي المعتدل وسطوع شمس شباط (فبراير)، لم يصرفا جمهور «البرليناليه» عن الصالات المظلمة على رغم جمال المدينة وإغراءاتها الكثيرة: 350 ألف مشاهدة حتى اليوم، قابلة للزيادة. طوابير من مختلف الأعمار في انتظار ان يحالفها حظ إيجاد مقعد فارغ. زحمة أمام مراكز بيع التذاكر وعيون شاخصة أمام السجادة الحمراء كلها أمل باستراق نظرة من مشاهير عالم السينما. ولحسن الحظ قائمة النجوم في برلين طويلة هذا العام، من جورج كلوني الى مات دايمون وبيل موراي وتيلدا سوينتن وأوما تيرمين ورالف فينيس وفوريست ويتاكر وليا سيدو وسواهم الكثير من المشاهير.

اكتشافات برلينية

لكنّ مهرجان برلين ليس مهرجاناً للأضواء والصخب والبهرجة بمقدار ما هو مهرجان يُبدّي السينما على أي شيء آخر. ولا عجب باعتباره مهرجان الاكتشافات السينمائية التي يندر ان يتابعها المشاهد في أي مكان آخر، خصوصاً ان برلين دائماً بالمرصاد للسينما الجديدة التي تولّد نجوماً جدداً ما إن يسطع نورها في المهرجان الألماني.

ولعل المثل الأكثر سطوعاً حتى كتابة هذه السطور، يتعلق بالفيلم النرويجي «ترتيب بحسب تاريخ الوفاة» (in order of disappearance) الذي ما إن مرّ عرضه الأول في مسابقة برلين حتى بيع لأكثر من 20 بلداً في بشرى سارة بالنسبة الى فيلم اسكندينافي. لكنّ فيلم هانز بيتر مولاند ليس فيلماً اسكندنافياً بمقدار ما هو، وفق مجلة «فارايتي» الاميركية، «فيلم تشويق أميركي حول عالم الجريمة اكثر من أي فيلم اسكندنافي آخر أُنتج من قبله». وحسبنا التأكيد ان هذا الوصف لا يعني اننا امام فيلم نروجي متأمرك، بل نحن امام فيلم نروجي بمواصفات «اميركية» إن سلمنا جدلاً بأن السينما الأميركية هي صاحبة الوصفة السرية لنجاح نوع كهذا من الأفلام. ولا شك في ان إتقان مولاند لعبة الكوميديا السوداء والبراعة في رسم شخصياته والحوارات الذكية المفعمة بروح الفكاهة، من الأمور التي أفضت الى هذه النتيجة. فالفيلم الذي يمكن أن تدور قصته في أي مكان وزمان، إنما يتخذ قوته من النسيج النروجي والعلاقات مع الصرب وعالم المافيات الذي لا يرحم. وإذ تبدأ القصة باختيار «نيل ديكمان» (ستيلان سكارسغارد) «مواطن العام» حتى يبدأ الكريشندو بإعلان خبر وفاة ابنه «إنغفار» بجرعة زائدة وفق بيان الشرطة، لينهار كل شيء أمام عينيه بعد نشوة الدقائق الأولى. لكنّ «إنغفار لا يتعاطى»، يقول الوالد، فيجيبه الشرطي: «جميع الآباء يقولون لنا ذلك». طبعاً لن يرضخ بطلنا لمثل هذا الجواب، وسرعان ما سيكتشف ان ابنه ضحية عصابة مخدرات قامت بتصفيته ظلماً بعدما اتهمته بسرقة كمية من الكوكايين لا علاقة له بها. وهنا تبدأ رحلة الوالد للانتقام ويبدأ معها عدّ القتلى الذي يحيلنا الى عنوان الفيلم «ترتيب بحسب تاريخ الوفاة» بحيث يقدم المخرج وفاة كل واحد على حدة ما إن ينتهي أمره، فتطل شاشة سوداء يكتب فيها الاسم المصغر للقــتيل واسمه الكامل ورمز ديانته في حـــركة سينمائية انتزعت ضحكات الحــــضور. وسرعان ما يُبدع مولاند في الكوميديا السوداء مع دخول عصابة صربية علــى الخط. ففي غمرة انشغال «نيل» في تصفية أفراد العصابة وصولاً الى رأس الهرم، تندلع حرب بين العصابة النروجيــة والعـــصابة الصـــربية بعد ان يقتل ابن زعيم الأخيرة على يد العصابة الأولى ظناً منها بأنها صاحبة اليد في تصفية أعضائها. وهنا يبدأ فصل جديد من الحكاية لا يقلّ دهاء ومرحاً على رغم قتامة الموقف.

طفرة ألمانية

ولا تغيب الاكتشافات عن قائمة الأفلام الألمانية التي تعجّ بها مسابقة برلين، ولعل فيلم «درب الصليب» للمخرج ديتريش بروغمان هو أكثرها إثارة لاهتمام النقاد لقوته في طرح موضوع شائك ينسف كل الثوابت، من خلال لعبة الخير والشر التقليدية، ولكن بأسلوب غير تقليدي، إذ يضعنا المخرج أمام المراهقة «ماريا» التي تتنازعها رغبة بأن تعيش حياتها مثل زميلاتها في المدرسة. لكنّ تعاليم المنزل الصارمة والمرتكزة أساساً على تعاليم كاثوليكية تقليدية تنتمي الى كنيسة القديس بيوس السابع، تقودها لتختبر درب الجلجلة ذاتها التي سار عليها المسيح. وهذه الدرب هي التي ستسيّر إيقاع الفيلم الذي يتوزع الى فصول ليست إلا فصول درب الصليب. ومثلما كانت تضحية المسيح كبيرة على الصليب من أجل البشر، وفق الكنيسة، ستكون تضحية الفتاة بنفسها كبيرة أيضاً، علّ الله يستجيب دعاءها ويجعل شقيقها فاقد النطق يتكلم. ولهذه الغاية، تبدأ «ماريا» ممارسات قاسية، على خطى القديسين، ليس أقلها عدم الأكل أو ارتداء ثياب رقيقة على رغم برودة الجوّ، ما يصل بها في النهاية الى حتفها. وفي هذه اللحظة بالذات ينطق شقيقها كلمته الأولى، ليقول لنا المخرج (ربما) ان زمن المعجزات لم ينته بعد.

عفواً «مستر» كلوني

وإذا كان برلين مهرجان الاكتشافات، فإن هذا لا ينفي وجود خيبات أيضاً. وكان في إمكاننا ان نتوقّع ذلك مع احتضان المهرجان في دورته الجديدة نحو 400 فيلم موزعة على أقسام عدة، هي: المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، مسابقة الأفلام القصيرة، عروض خاصة لأفلام خارج المسابقة، «آفاق السينما الألمانية»، «بانوراما»، «الفوروم»، «أفلام الجيل الجديد»، ناهيك باحتفاء خاص بالإضاءة على تاريخ السينما العالمية، واحتفاء خاص بالمخرج البريطاني كين لوتش. ولا شك في ان الخيبة تكون مضاعفة حين تحمل توقيع ممثل وسيم معروف بمواقفه التقدمية مثل جورج كلوني الذي جاء الى برلين حاملاً معه فيلماً من بطولته وإخراجه بعنوان «The monuments men»، صوّب فيه سهامه على النازية من دون ان يبتعد عن الترويج لصورة «الأميركي المنقذ»، ما حدا بإحدى المتفرجات بعد انتهاء العرض الصحافي الى الصراخ بأعلى صوتها بامتعاض واضح: «آسفة «مستر» كلوني... هذا ليس التاريخ. هذا سخافة». ويقيناً ان كلوني الذي وضع في فيلمه وصفة أفلام «أوشين» ذاتها، أي جمع أكبر عدد من المشاهير في فيلم واحد (جورج كلوني، مات ديمون، بيل موراي، جان دوجاردن، جون غودمان، كايت بلانشيت) أخفق في الدنو من موضوعه من دون ان يُتهم في تحوير الأحداث التاريخية، علماً أن جملة «مقتبس عن قصة حقيقية» تطالعنا في بداية الشريط. فالقصة التي تدور حول فرقة عسكرية أميركية مهمتها حماية الآثار الفنية من «الإبادة» على أيدي النازية بعد انهزامهم في الحرب العالمية الثانية، أهملت الدور الروسي، لمصلحة الأميركي، البطل الأوحد. ولم تكتف بهذا وحسب، بل لم تحد عن الصورة النمطية لـ «السوبرمان» الأميركي، الذي يحارب الأشرار أينما وجدوا. اما هنا فهذا «السوبرمان» هو حامي الفنون، ما استجلب سخرية زملاء عراقيين، لم يتمكنوا إلا من عقد مقارنة مع ما حدث للمتحف العراقي بعد سقوط صدام ودخول الأميركيين الى بلادهم.

جسور شرق- غرب

خيبة أخرى أتت هذه المرة من المخرج الفرنسي، الجزائري الأصل، رشيد بوشارب في فيلمه «رجلان في مدينة» المشارك في المسابقة الرسمية.

الفيلم المقتبس من فيلم فرنسي لعب بطولته عام 1973 آلان ديلون، يدور حول مجرم يخرج الى الحرية بعد سنوات من السجن، ليجد نفسه عاجزاً أمام لفظ المجتمع له. ولنا ان نتوقع ان مشاكله ستكون كثيرة حين نعرف ان كاتبي سيناريو النسخة الجديدة الثلاث (ياسمينا خضرا وأوليفييه لوريل ورشيد بوشارب) أدخلوا تعديلاً على الشخصية أراد منه المخرج مدّ الجسور بين شرق وغرب نتيجة التعقيدات التي ترتبت عن أحداث 11 أيلول (سبتمبر). فالبطل هنا (أدى الدور ببراعة فوريست ويتاكر)، وخلافاً للفيلم الاول، يُشهر إسلامه، ويواظب على الصلاة، وإذا أغفلنا الأخطاء التي يمكن إحصاؤها في هذا السياق، يمكن القول ان الفيلم الجديد أخفق في هذه الناحية، خصوصاً ان مشاكل البطل لم تبد في اي مشهد بسبب اعتناقه الإسلام بل هي أولاً وأخيراً كما تصل الى المتلقي، بسبب كونه مجرماً. وبهذا يمكن القول ان بوشارب أخفق في مد الجسور على رغم النيات الحسنة.

آلان رينيه ... ومتعة السينما فوق التسعين

سواء أُعجبت بفيلمه الأخير أو لم تُعجب، سواء حذوت حذو مجلة «سكرين» الانكليزية» ومنحته 4 نجوم أو اتفقت مع نقاد آخرين بأنه إخفاق في مسيرته الطويلة، لا يمكن إلا أن تقدّر المخرج الفرنسي آلان رينيه الذي يعدّ آخر عمالقة الموجة الجديدة في السينما الفرنسية.

فهو ورغم سنواته الـ92 لا يزال مأخوذاً بعالم السينما ويرفض التخلي عن الكاميرا، بل لا يزال يحقق أفلاماً لا تمر من دون أن تثير ضجة من حولها. وهذا أيضاً ما واجهه خلال مشاركته في مسابقة «البرليناليه» مع فيلمه الجديد «أحب واشرب وغني» الذي قسّم الجمهور من حوله. تدور القصة من الربيع الى الخريف في منطقة يوركشاير الانكليزية حول الحياة المضطربة لثلاثة أزواج، نتيجة تصرفات صديقهم «جورج ريلي» الذي لا نراه أبداً رغم أنه يشغل كل الأحداث والحوارات بعد اكتشاف إصابته بمرض عضال.

هنا تبدأ النزاعات بين الأزواج، ويبدأ التنافس بين الزوجات غير السعيدات، على قلب «جورج»، فمن تراها سترافقه في رحلته الأخيرة؟

الإجابة قد لا تكون مهمة بمقدار ما أراد رينيه الحديث عن اضطربات الحياة الزوجية وهشاشة هذه المؤسسة، بأسلوب مسرحي جعل كثراً يقولون هذه ليست سينما.

الحياة اللندنية في

14.02.2014

 

«القاهرة السينمائي» يقيم حفل عشاء في برلين على شرف الاتحاد الدولي للمنتجين

كتب: أحمد الجزار

أقام سمير فريد، رئيس مجلس إدارة مهرجان القاهرة السينمائي، الخميس، في برلين حفل عشاء على شرف سكرتير عام الاتحاد الدولي للمنتجين، المنظم للمهرجانات الدولية الكبري في العالم, بينواه جينيستي.

حضر الحفل المنتج والموزع محمد حسن رمزي، عضو الاتحاد الدولي، وزوجته نهاد رمزي، إلى جانب بعض النقاد الدوليين، وذلك في نوع من برتوكولات التعامل مع مثل هذه الجهات الكبرى، خاصة أن مهرجان القاهرة يسعى لخلق علاقات جيدة مع جميع المؤسسات السينمائية الدولية خلال الفترة المقبلة، لبدء صفحة جديدة من عمر المهرجان الذي يعود هذا العام بعد أن غاب العام الماضي تحت إشراف إداري وفني جديد.

وأكد «بينواه» حماسه للمهرجان ومساندته لمصر في الظروف التي تمر بها حاليًا، مؤكدًا أن «مهرجان القاهرة يعد من المهرجانات العريقة والكبرى في المنطقة، كما أنه يعد ضمن الفئة الأولى في المهرجانات الدولية».

كما أقام «فريد»، الأربعاء، حفل عشاء آخر على شرف رئيس الاتحاد الدولي للنقاد لنفس الهدف, وفي السياق نفسه بدأ فريق مهرجان القاهرة في إجراء بعض الاتفاقات مع شركات التوزيع العالمية الموجودة حاليًا في برلين، لإمكانية إمداد المهرجان بمجموعة من الأفلام الجديدة التي ستعرض في أقسامه المختلفة.

ويطلق مهرجان القاهرة السينمائي دورته السادسة والثلاثون في نوفمبر المقبل في الفترة من 9 إلى 18 تحت عنوان «بداية جديدة لمهرجان عريق».

شركات الإنتاج العربية تغيب عن سوق مهرجان برلين السينمائي

كتب: أحمد الجزار

رغم اهتمام معظم شركات الإنتاج العالمية لحجز مكان في سوق مهرجان برلين السينمائي، الذي يعد من أكبر الأسواق السينمائية على مستوى العالم، إلا أن هناك غيابًا ملحوظًا من شركات الإنتاج العربية وأيضًا المهرجانات في التواجد خلال هذه التظاهرة الكبرى.

وضمت السوق هذا العام عددًا من كبرى شركات الإنتاج والتوزيع، والذي اقترب من 500 شركة حتى أن هناك شركات كبرى تواجدت في قسم خاص تحت اسم بلدها منها إيران، وتركيا، وإسرائيل، وفرنسا، والفلبين، وكوريا الجنوبية، والسويد وغيرها , ورغم وجود أفلام مصرية في المهرجان سواء في مسابقة الأفلام القصيرة أو المنتدى إلا أن حالة الإنتاج التي تمر بها البلاد فرضت الغياب عن هذه السوق.

المصري اليوم في

14.02.2014

 

الفرنسي آلان رنييه يقتنص أولى جوائز أفلام المسابقة الرسمية في برلين

كتب: أحمد الجزار 

نجح المخرج الفرنسي الكبير، آلان رنييه، الجمعة، في حصد جائزة الصحافة الدولية «الفبريسي» كأفضل فيلم روائي طويل في المسابقة الرسمية بمهرجان برلين السينمائي الدولي، وهو فيلم «حياة ريلي»، المأخوذ عن مسرحية للكاتب الإنجليزي آلان آيكبورن، والذي سبق أن أخذ له مسرحيتين قدمهما للسينما وهما «تدخين - لا تدخين» 1993، و«مخاوف خاصة في أماكن عامة» 2006.

ورغم أن هذا الفيلم لم يكن ضمن قائمة التوقعات واعتبره البعض أقل من المتوقع بالنسبة لأفلام المخرج، الذي بلغ عامه الـ91 عاما، حيث قدم للسينما ما يتجاوز الـ50 فيلما، إلا أن «كل ما تردد جاء عكس النتائج تماما».

ويحكي حياة ريلي قصة رجل أصيب بالسرطان، ولديه 6 أشهر فقط ليعيشها بينما هناك 3 نساء يحاولن الارتباط به اجتماعيا وعاطفيا، رغم ارتباطهن بأزواجهن.

وحصل الفيلم البرازيلي «الطريقة التي تبدو» للمخرج دانييل ربيرو كأفضل فيلم في البانوراما, أما في المنتدى فقد حصل الفيلم الياباني «فورما»، أو «شكلية» على جائزة أفضل فيلم للمخرج، أيومي ساكاموتو، الذي يقدم أولى تجاربه الروائية الطويلة.

المصري اليوم في

15.02.2014

 

اليوم إعلان جوائز «برلين» :

«زمن الصبا» تحفة أخرى جديرة بالدب الذهبى

بقلم   سمير فريد 

تعلن، اليوم، جوائز مهرجان برلين، أو أولى جوائز السينما الكبرى هذا العام، وكل عام. شهدت الأيام الأخيرة عرض تحفة أخرى فى مسابقة الأفلام الطويلة بعد الفيلم الألمانى «محطات الصليب»، إخراج ديتريشبورجمان، وهى الفيلم الأمريكى «زمن الصبا» إخراج ريتشارد لينكلاتر، والجدير بالفوز بالدب الذهبى، أو على الأقل جائزة لجنة التحكيم الخاصة (الدب الفضى).

جوائز المهرجان ثمانى، إلى جانب جائزة أحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول التى تمنحها لجنة تحكيم خاصة لكل الأفلام الأولى فى كل برامج المهرجان، بما فى ذلك أفلام المسابقة. وفيما يلى الجوائز فى تقدير كاتب هذه السطور، ومن دون توقع، فقد تقرر لجنة التحكيم مثل أى لجنة قرارات غير متوقعة:

أحسن ممثل فورست ويتاكر فى «رجلان فى مدينة». أحسن ممثلة فرنشيسكا ويز فى «محطات الصليب». أحسن إخراج ويس أندرسون فى «فندق بودابست الكبير».

وربما تذهب جائزة ألفريد باور، وهى الجائزة الوحيدة التى تحمل اسم شخصية هو مؤسس المهرجان، إلى الفيلم الفرنسى «حياة رايلى» إخراج آلان رينيه، أما أحسن فيلم طويل أول، فكان الفيلم البريطانى «٧١» إخراج يان ديمانجى، وجائزتا السيناريو وأحسن إسهام فنى قد تذهبان إلى أفلام آسيا وأمريكا الجنوبية التى شاركت بعدد كبير نسبياً فى المسابقة، ولا يقتصر الفوز على أفلام أوروبا وأمريكا.

ثلاثية ما قبل

يعتبر ريتشارد لينكلاتر الذى ولد عام ١٩٦٠، ودرس الأدب والدراما، وأخرج أول أفلامه عام ١٩٨٨، من أهم مخرجى السينما الأمريكية المعاصرة، فهو من ناحية فنان سينما أو مؤلف لا يقف وراء الكاميرا إلا بدوافع فنية وفكرية، ومن ناحية أخرى فنان حداثى بامتياز يصنع الأفلام الروائية والتسجيلية والتشكيلية (التحريك)، ومن كل الأطوال من عشر دقائق إلى ثلاث ساعات وأربع دقائق فى فيلمه الجديد.

ومن أهم أفلامه الروائية ثلاثية «ما قبل»، وقد عرض الجزء الأول «قبل الشروق» فى مهرجان برلين ١٩٩٥ وفاز بالدب الفضى، والجزء الثانى «قبل الغروب» فى مهرجان برلين ٢٠٠٤، والجزء الثالث «قبل منتصف الليل» فى مهرجان برلين العام الماضى ٢٠١٣. ومن أهم أفلامه التسجيلية «أمة الطعام السريع» الذى عرض فى مهرجان كان ٢٠٠٦.

زمن الصبا

وفى نفس العام الماضى، أتم لينكلاتر فيلمه «زمن الصبا»، الذى شهد مهرجان صاندانس فى يناير عرض نسخته غير النهائية، ثم شهد مهرجان برلين فى فبراير عرض نسخته النهائية. وفى هذا الفيلم صنع عمل فنى غير مسبوق فى تاريخ السينما فى العالم، ويصل إلى مرتبة «التحفة» كما ذكرنا، ولا يقارن إلا بالأعمال الإبداعية الإنسانية الكبرى مثل روايات بلزاك عن المجتمع الفرنسى أو روايات محفوظ عن المجتمع المصرى.

للوهلة الأولى، تبدو كل مشاهد الفيلم وعددها ١٤٣ مشهداً من دون أى جديد، أو بعبارة أخرى سبق أن شوهدت فى أفلام أخرى عديدة، ولكن الجديد الشكل الفنى، حيث تم تصوير الفيلم فى ٣٩ يوماً على مدى ١٢ سنة من ٢٠٠٢ إلى ٢٠١٣، ومع نفس الشخصيات بسيناريو مسبق، وهم: الأم (باترشيا أركويت) والأب (إيتان هوك)، والطفلان ماسون (إيلار كولترانى) وأخته سامنثا (لوريلى لينكلاتر)، ابنة المخرج، واللذان نراهما من سن الطفولة إلى أن يدخلا الجامعة بالقرب من سن العشرين. وبالطبع كان من الممكن ألا يتم الفيلم لو حدث أن غاب عن الدنيا أى من الشخصيات الأربع.

ومثل كل عمل فنى حقيقى لا يقتصر التجديد على الشكل، وإنما الرؤية الفكرية التى يعبر عنها، والتى تلتحم مع الشكل فى وحدة عضوية متكاملة، و«زمن الصبا» يعبر عن المجتمع الأمريكى المعاصر فى بداية الألفية الثالثة بعد الميلاد، وبعد أحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠١١ بعمق كبير قَلّ أن يتوفر فى لغات الإبداع المختلفة. إنه فيلم عن البشر الذين يعيشون فى هذا المجتمع فى زمان ومكان محددين، وقد توفّر لهم النظام السياسى الديمقراطى خلاصة القرون التى مضت منذ عصر النهضة الأوروبية، ولديهم كل وسائل الحياة المريحة، ولكنهم مع ذلك يعانون من التعاسة الروحية والخواء الداخلى الذى لا يعوضه شىء.

تصحيح

حدث خطأ فى رسالة الخميس الماضى، حيث ذكر أن منصب وزير الثقافة فى الحكومة الألمانية لايزال شاغراً، والصحيح أنه تم تعيين مونيكا جروترز وزيرة للثقافة. ولذلك وجب التصحيح والاعتذار.

المصري اليوم في

15.02.2014

 

السينما الصينية تفوز بثلاث جوائز رئيسية لا تستحقها في برلين

أمير العمري- برلين 

بعد دورة أصابت بالإحباط معظم الحاضرين من النقاد وخبراء صناعة السينما والسينمائيين بل وهواة السينما أيضا، أعلنت جوائز مهرجان برلين السينمائي الذي يعرف بـ"البرليناله".

وكما كانت السابقة السمية التي تضمنت عرض عشرين فيلما محبطة ومثيرة للتساؤل عن فشل مدير المهرجان في الحصول على أفلام جديرة بالتسابق في مهرجان دولي كبير بحجم وسمعة مهرجان برلين، ها هي الجوائز تأتي أكثر مدعاة للإحباط، فهي جوائز يرى كثيرون أنها ذهبت إلى من لا يستحقها، خصوصا وأن الجميع كان يتساءل عن مغزى وجود ثلثة أفلام من الصين في المسابقة في حين أن الصين لا تشهد نهضة سينمائية من أي نوع في الوقت الحالي بل على العكس تماما، تعرف فترة كمون بل وتدهور سواء في مستوى الأفلام أم في ضعف الانتاج واشتداد قبضة الرقابة.

وقد كان من المدهش أن تذهب الجائزة الكبرى للمهرجان، أي الدب الذهبي إلى فيلم صيني ضعيف المستوى هو فيلم "فحم أسود وثلج رقيق" للمخرج الصيني دياو ينان.

وذهبت الجائزة الكبرى للجنة التحكيم الدولية التي تعرف بالدب الفضي إلى الفيلم البريطاني الألماني المشترك "فندق بودابست الكبير" للمخرج الأمريكي ويس اندرسون وهو الفيلم الذي عرض في افتتاح المهرجان، ولم يكن من المفروض أن يشارك في المساقة أصلا بعد تمييزه على هذا النحو عن غيره من الافلام!

أما جائزة الدب الفضي لفيلم يفتح آفاقا جديدة في التعبير فقد ضلت طريقها هذه المرة أيضا وذهبت إلى الفيلم الفرنسي "حياة رايلي" للمخرج المخضرم آلان رينيه، وهو في الحقيقة فيلم مسحي تماما سواء في تصميم مشاهده أو حواره أو أداء ممثليه أو حتى اسلوب اخراجه، وليس فيلما من تلك التي تفتح آفاقا ديدة في التعبير السينمائي بل عودة الى الوزراء الى بدايات السينما التي كانت تصور المسرحيات في الأفلام أي أنه من أفلام "المسرح المصور"!!

وأضافت لجنة التحكيم التي تفتقر للمهنية وللمعايير السينمائية الجادة كارثة أخرى تمثلت في قرارها المضحك بمنح جائزة الدب الفضي لأفضل إسهام فني للفيلم الصيني "تدليك أعمى" وهو عمل ضعيف بشتى المقاييس الفنية المعروفة.

ومنحت جائزة أحسن اخراج للمخرج الأمريكي ريتشارد لينكلاتر عن فيلم "الصبا"، وربما كان الأولى بالجائزة من هذا الفيلم صاحب الايقاع المترهل، الفيلم الاسكندنافي البديع "حسب ترتيب الاختفاء" الذي خرج من المهرجان دون أي اشارة تحية!

ومنحت اللجنة جائزة أحسن سيناريو لفيلم "درب الصليب" (أنظر مقال أحمد شوقي عن الفيلم في هذا الموقع) بينما كان الفيلم يستحق الدب الذهبي.

أما جائزة أحسن ممثل فقد منحت- دون وجه حق أيضا- إلى الممثل الصيني لياو فان عن دوره في الفيلم الفائز بالدب الذهبي (عن دون استحقاق) "فحم أسود وثلج رقيق".

ومنحت جائزة أحسن ممثلة لليابانية هارو كوروكي عن دورها في الفيلم الياباني الضعيف "المنزل الصغير".

وهكذا يسدل الستار على دورة خلت من الفيلم "التحفة" التي يجمع عليها الجميع، بل وحتى الأفلام الجيدة المستوى التي عرضت مثل الفيلم الاسكندنافي (من الانتاج النرويجي السويدي والدنماركي" "حسب ترتيب الاحتفاء"، أو الفيلم البريطاني "71" خرجت من المسابقة دون أن تنويه بمستواها حتى، وعلى أي حال هذه هي طبيعة النتائج في المهرجانات السينمائية الدولية، التي تأتي عادة على عكس ما يتوقع النقاد عادة، إلا مع استثماءات مجدودة كما حدث العام الماضي (راجع مقالنا عن جوائز الدورة 63 وتوقعاتنا والأفلام التي فازت بالفعل). والمشكلة أن تشكيل لجان التحكيم يبدو أحيانا وكأنه محاولة لتحقيق نوع من التوازن الجيوسياسي بين أعضائها دون أن تكون لديهم أصلا خبرة بتحكيم المسابقات الكبرى. وهذه هي طبيعة اللجنة التي حكمت أفلام البرليناله هذا العام بكل أسفّ.

أعلن المهرجان في ختام فعالياته أن عدد التذاكر المباعة طيلة عشرة أيام بلغت 330 ألف تذكرة وهو نجاح كبير فالمهرجان يشعد اقبالا هائلا من الجمهور الألماني رغم أنه من تلك المهرجانات الشتوية التي تقام في عز البرد، وإن كان الطقس هذا العام قد مال الى البردوة المحتملة.

وجدير بالذكر أن المهرجان منح جائزة الدب الذهبي الشرفية للإنجاز السينمائي للمخرج البريطاني الكبير كن لوتش تكريما له على أعماله التي أثرت فن السينما.

عين على السينما في

15.02.2014

 

12 سنة لتصوير فيلم.. ويوسا تقدم جديدها

الصبا والطفولة المستلبة في «برلين السينمائي»

زياد عبدالله ــ برلين 

لطالما كان الزمن الواقعي وزمن الفيلم الافتراضي شاغلاً إبداعياً وجمالياً مؤرقاً، وحيوات كاملة تختزل في ساعات، وعصوراً وحقباً تتكثف في تلك الساعات، إنها من معجزات الفن، وقدراته الخارقة على جعل المشاهد يعيش حياته وآلاف الحيوات.

إنها مقدمة ضرورية جداً طالما أننا سنتحدث هنا عن فيلم المخرج الأميركي ريتشارد لينكلاتر «صبا» لا بل إنه سيأخذنا من خلال ما قدمه في هذا الفيلم الذي عُرض، أول من أمس، ضمن مسابقة الدورة الـ64 من برلين السينمائي، إلى محاولة مدهشة لمنح الزمن الافتراضي للفيلم مجاورة جديدة للزمن الواقعي، ولتوضيح ذلك فإن الفيلم جرى تصويره على مدى 12 سنة ليسرد لنا حياة الفتى ماسون من عمر السابعة وصولاً إلى الـ18، وليبدأ تصوير هذا الفيلم في عام 2002، أي أن إلير كولترن الذي جسد شخصية ماسون كان في السابعة من العمر حين بدأ تصوير الفيلم وهو الآن في الـ18 حقيقة، ونحن نشهد تنقلاته العمرية على مدى تلك السنوات من عمره هو، وهذا يمتد ليشمل جميع شخصيات الفيلم، وبالتالي فإن التأسيس المجاور للفيلم الروائي الذي نشاهده يحمل آليات تسجيلية أيضاً، آليات لا نقع عليها في الفيلم نفسه بل في إعداده.

إنه فيلم مدهش علي أن أؤكد على هذه الصفة من جديد، وهذا التوصيف آت من أدوات غير مدهشة أبداً، وفي هذه المعادلة بين أن تكون مدهشاً من دون أن تكون فاقعة مسببات تلك الدهشة ما يجعله فيلماً استثنائياً، فنحن أمام سرد لا يتطلع إلا أن يكون محاكاة للحياة كما هي، ولعل البنية الواقعية للفيلم لا تأتي إلا في سياق مأخوذ برصد ماهية حياة صبي أميركي، وبالتالي العلاقات العائلية ومصائرها التي تأتي الدراما فيها مصاغة وفق املاءات حياتية، فالخط الدرامي يصعد وينزل وفق ذلك، وما من أية منعطفات أو منعرجات حادة، كما أنه خط سردي واحد يمضي وعينه على الحياة كما هي، فما من ذروة درامية مفصلية، والصياغة أيضاً كلاسيكية تماماً، ما من «فلاش باك» ولا راوٍ، فنحن نقع ومن اللقطة الأولى على ماسون وهو ممدد على العشب بانتظار أمه لتأخذه من مدرسته، ومن ثم تمضي حياة هذا الصبي مع أخته، وأمه وأبيه المطلقين، ومن ثم تنقلاته من ولاية إلى أخرى وفق زواج أمه من رجلين وطلاقها منهما.

وفي هذا السياق ستكون الأمور الحياتية ومتغيراتها هما الرهان الرئيس للفيلم، ماسون يكبر وكل ما يتغير حوله وفيه آت من حياته، التي هي في النهاية الحياة الأميركية المعاصرة، اجتماعياً واقتصادياً، ومن خلال رصد الفيلم الطبقة الوسطى وعلاقتها الاجتماعية ومآزقها، إضافة إلى الخلفية السياسية المتمثلة بفترة رئاسة بوش وغزو العراق، بوش الذي يكرهه والد ماسون، ويدعم أوباما بكل ما في مقدوره أثناء حملته الانتخابية. كل ذلك مصاغ بحنكة تجعلنا نعيش حياة مترامية نقع فيها على الشخصيات في كل تجلياتها ومتغيراتها، كما لو أننا عشنا حياة كاملة بأقل من ثلاث ساعات. ولوضع الفيلم في سياقه، فإنه لا محالة يضعنا حيال انعطافة جديدة في السينما الأميركية المستقلة، التي قدمت الكثير تجريبياً.

وإن كان لنا أن نضع فتى آخر مقابل ماسون فإنه جاك في فيلم الألماني إدوارد برغر «جاك» Jack، وهنا أيضاً يأتي الفيلم مشغولاً بواقعية لا تشوش عليها اقحامات درامية تأخذ الفيلم إلى تشويق أو إثارة مفتعلين، بل الدراما هنا هي دراما هذا الصبي الذي لم يتجاوز العاشرة من العمر، وهو سيبقى في هذا العمر وليس كما ماسون في فيلم «صبا» وهو يتدبر حياته بنفسه ويعتني بأخيه الصغير مانويل، فأمه تعمل في النهار وفي الليل تعيش حياة صاخبة، وهو لا يعرف من يكون والده، بالتالي فإن جاك يقوم بكل شيء بنفسه، فالفيلم، ومن اللقطة الأولى الثابتة على جاك ومانويل نائمين، يقول لنا ذلك، حيث سيستيقظ جاك ويوقظ أخاه ويعد له الفطور ويمضيان إلى المدرسة.

تصاعدية الأحداث في حياة جاك مصاغة من اللحظة الأولى، وهي قادمة من الأم، ونضاله المرير من أول الفيلم إلى آخره لأن يعيش معها، ويبقى إلى جانب أخيه يرعاه بمنتهى المسؤولية، لكن أمه سرعان ما ستضعه في مأوى، وليقوم بالهرب منه، والعيش في الشوارع كون أمه تكون مختفية لا تجيب على الهاتف وهي أيضاً غير موجودة في البيت. رحلة جاك وبرفقته مانويل الذي يستعيده وقد أودعته أمه عند أحد ما، ستكون محمّلة بمرارة طفلين ينامان في الشوارع وطرق جاك في التحايل على تلك الحياة.

القسوة التي تحاصر جاك لن تجعله كما الفتى في فيلم فرانسوا تريفو «400 ضربة»، ولا أن يصل بالأب الذي لا وجود له في حياة جاك أن يبيعه مثلاً كما في «الطفل» للأخوين ديردن، إذ إن الأم من تتمسك بالطفل الرضيع في ذلك الفيلم وإن كان الأب مشرداً وعاطلاً عن العمل، هنا جاك الجميل والواثق بما يقوم به، وقد منح الأمومة كل الفرص التي بمقدوره أن يمنحها إياها، وحين يتأكد من زيف ما تبادله إياه أمه من مشاعر يعود باختياره هو إلى المأوى لكن هذه المرة برفقة مانويل كما هي نهاية الفيلم التي تبقى مفتوحة.

«في الأعالي»

يتأسس فيلم يوسا على مفردات في الحاضر الافتراضي للفيلم موجودة في ماضيه، والحدث الأساسي سيكون قادماً من حادث مأساوي، فحين تترك نانا ولديها في السيارة وتدخل في غابة لتمارس معجزاتها للمرة الأولى، يقوم ولدها الأكبر بقيادة السيارة رفقة أخيه الصغير، وليدخل في بحيرة متجمدة، ولتغرق السيارة فينجو الأكبر ويموت الأصغر، وحينها تنقلب علاقة نانا بابنها الناجي تاركة إياه في رعاية جده.

كل ما تقدم يأتي في سياق بطيء، وإيقاع يأخذ الوقت كاملاً ليلتقي إيفان أمه برفقة المخرجة، الذي لن يكون إلا الابن الناجي والمهجور من قبل أمه أيضاً، والذي لم تستطع مواصلة أمومتها تجاهه بعد أن صارت تعتبره سبباً في وفاة أخيه. «في الأعالي» مأخوذ تماماً بالروحنة، بالنسور التي يربيها إيفان، بهشاشة الأرض الجليدية التي تتشقق حين تطأها أقدام ثقيلة، وهي جاهزة بالمياه المتجمد تحتها لتحقيق الكارثة التي تجاورها المعجزات العاجزة عن إيقافها.

حياة كاملة

الأمور الحياتية ومتغيراتها هما الرهان الرئيس للفيلم، ماسون يكبر وكل ما يتغير حوله وفيه آت من حياته، التي هي في النهاية الحياة الأميركية المعاصرة، اجتماعياً واقتصادياً، ومن خلال رصد الفيلم الطبقة الوسطى وعلاقتها الاجتماعية ومآزقها، إضافة إلى الخلفية السياسية المتمثلة بفترة رئاسة بوش وغزو العراق، بوش الذي يكرهه والد ماسون، ويدعم أوباما بكل ما في مقدوره أثناء حملته الانتخابية. كل ذلك مصاغ بحنكة تجعلنا نعيش حياة مترامية نقع فيها على الشخصيات في كل تجلياتها ومتغيراتها، كما لو أننا عشنا حياة كاملة بأقل من ثلاث ساعات. ولوضع الفيلم في سياقه، فإنه لا محالة يضعنا حيال انعطافة جديدة في السينما الأميركية المستقلة، التي قدمت الكثير تجريبياً.

صاحبة «حليب الأسى»

المخرجة البيروفية كلوديا يوسا صاحبة «حليب الأسى»، الفائز بجائزة الدب الذهبي في برلين السينمائي 2009، قدمت جديدها «في الأعالي» Aloft، وهنا لن يكون لحليب الأسى أن يمس شخصية الفيلم الرئيسة نانا (جنيفر كونلي) مع أن هذه الأخيرة ستصنع المعجزات المشرقة التي ستكون متلازمة مع مأساة سوداء. إنه فيلم متأسس على خطين زمنيين، الماضي والحاضر، الأول تحتله نانا وولداها، بينما نتابع حياة ايفان (غليان ميرفي) المتزوج وله ولد ويربي النسور، ومخرجة أفلام وثائقية (ميلاني لوران) تأتي لزيارة إيفان لتسجل معه وليكون إيفان هو ابنها الذي لم يقع عليها منذ كان صغيراً. يتحرك الخطان الدراميان للفيلم بالتناوب بينهما، وفي القرية هناك من يصنع المعجزات، وهو رجل يعتنق «الزن»، وليكتشف هذا الرجل بالمصادفة أن نانا بمقدورها القيام بذلك.

الإمارات اليوم في

15.02.2014

 

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (7)

عرض أكثر من 400 جاءت بها شركات الإنتاج في «سوق الفيلم الأوروبي»

الأفلام التي لن تفوز والسينما ذات العكازات

برلين: محمد رُضا 

سيكون من الصعب على لجنة التحكيم، التي يرأسها الأميركي جيمس شاموس منتج فيلم «بروكباك ماونتن» الوصول إلى قناعة بأن فيلما واحدا، من العشرين فيلما التي عرضتها المسابقة، يستحق الجائزة الكبرى بلا نزاع. الأصعب هو البحث عن ذلك الفيلم الذي ساد فيه الإخراج إلى درجة يمكن معها إغفال عيوبه المكنونة.

فبينما تقترب أيام الدورة الرابعة والستين من نهايتها يوم الأحد المقبل، تبرز تناقضات الأفلام التي اختيرت هذا العام. نعم، هناك أكثر من فيلم جيد لكن ليس بالجودة المطلقة. لا الألماني «الشقيقتان المحبوبتان» ولا مواطنه «محطات الصليب» ولا الفرنسي «حياة رايلي» أو أحد الفيلمين الصينيين «أرض لا أحد» و«فحم أسود.. ثلج رقيق» ولا الأميركي «صبا» أو النمساوي أو النرويجي «نظام الاختفاء» أو أي من الأفلام الأخرى يمكن النظر إليه كعمل متكامل لا يمكن تجاوزه.

هذا سيعني أن كل واحد من لجنة التحكيم وذوقه وتحبيذه، كذلك سيعني أن النتيجة، أيما كان الفيلم الرابح، سوف لن تجد ذلك الحماس لدى النقاد والمستقبلين.

ما بدا أنه ساد الاختيارات الرسمية للمسابقة هذا العام، هو تفضيل أفلام كبيرة لمخرجين كثير منهم لم يسبق له أن حقق أفلاما من قبل أو حقق القليل منها. هذا بالطبع ليس حكما على النوعية على نحو منفرد، فالعمل الأول قد يأتي جيدا أو متوسطا أو رديئا ويحسب للمهرجان أنه، باستثناء الفيلم الأرجنتيني الذي ذكرناه يوم أمس، «تاريخ الخوف»، ليس هناك من فيلم ركيك لم يكن يستحق شاشة مهرجان دولي.

بالتالي، فإن لعبة التوقعات عديمة الفائدة هنا. هل ستتوجه لجنة التحكيم لتكريم فيلم ألماني (كثيرون هنا يرون أن الأفلام الألمانية كانت الأفضل بين كل ما عرض)؟ أم هل ستجد أن الفيلم البريطاني «71» هو أفضل من أي منها؟ هل ستميل إلى أسلوب الفرنسي آلان رينيه الكلاسيكي في «حياة رايلي» أو أن تصفق للحماسة الصينية لتحقيق أفلام شبيهة بتلك الأميركية كما حال «فحم أسود…» (مستوحى من الفيلم نوار) و«أرض لا أحد» (مستوحى من أفلام الوسترن الأميركية)؟ أو لعلها سترتاح أكثر مع أحد الفيلمين الأميركيين «فندق بودابست الكبير» و«صبا»؟

* من لن يفوز

* ربما الأسهل هو التوقع مقلوبا: ما هي الأفلام التي لن تلتقط الجائزة الكبرى بين يديها؟

يبرز أولا «رجلان في البلدة» لرشيد بوشارب كونه إعادة صنع «متلبكة» لفيلم سابق. بوشارب نقل الأحداث إلى الولايات المتحدة ورمى فيها مستحضرات من لزوم التحديث: المسلم الأميركي الأسود، والعنصرية، والضغط الاجتماعي، والتباعد بين بطل الفيلم وأمه بالتبني، والشريف الذي لا يبدي سوى التعاطف مع المكسيكيين ويضن به على بطل الفيلم «إنه عدو تقاليدنا.. وسيتفشى بيننا» (بالنظر إلى ديانته).

يليه سريعا «رجال النصب» لجورج كلوني، الذي يشبه نسخة تجريبية لفيلم لم يتم. ذلك الإنزال السهل على ساحل النورماندي والخطابية المباشرة والأجواء المتكلفة التي لم نعهدها سابقا في أفلام كلوني.

ربما بعد ذلك يأتي «71» ليان ديمانج، ليس لأنه فيلم لا يصلح، لكن لكونه فيلما فريدا بين كل تلك المشتركة. ينظر ويعالج موضوعا دخل الأدراج وأسدلت الستارة عليه هو موضوع الحرب الأهلية الآيرلندية.

وبالتأكيد «برييا المستقبل» لكريم ناعوز، لا لشيء إلا لأن أحدا لم يأت على ذكره بالخير بعد عرضه. مر كما لو كان طائرة شراعية حلقت فوق المدينة لساعتين غير مثيرتين.

باقي أعضاء لجنة التحكيم أتت متأهبة بخبراتها. لجانب الرئيس - المنتج، هناك منتجة أخرى هي بابربرا بروكولي التي سارت على خطا والدها ألبرت فداومت في إنتاج أفلام جيمس بوند، والممثلة الدنماركية ترين ديرهولم التي يقول عنها المهرجان إنها باتت واحدة «من أنجح الممثلين والممثلات الدنماركيين» وهو أمر يمكن قبوله مع أنه لا يعني الكثير بعد عالميا، والمخرجة الإيرانية ميترا فرحاني (تعيش وتعمل من باريس) والممثلة الأميركية غريتا كرويغ التي شاهدناها في العام الماضي في فيلم «غرينبيرغ» و«فرنسيس ها»، والمخرج الفرنسي ميشيل غوندري الذي أخرج واحدا من أسوأ أفلام عام 2012 وهو «الدبور الأخضر». من الصين توني ليونغ وهو ممثل جيد ظهر في كثير من الأفلام خلال السنوات العشرين الماضية من بينها «مدينة الحزن» لهاو سياو - سيان و«بطل» لزانغ ييمو، وأخيرا الممثل الهولندي كريستوف وولتز، الذي وضعه المخرج كونتين تارانتينو على الخطوط الدولية عندما جلبه لدور الجنرال النازي في «أوغاد غير مجيدين».

* ألف فيلم وأكثر

* إذا ما اقترب عدد الأفلام التي عرضها المهرجان (ولا يزال) هذا العام من 400 فيلم متنوع، فإن مجموع عدد الأفلام التي جاءت بها شركات الإنتاج المشتركة في «سوق الفيلم الأوروبي» (ينهي أعماله صباح اليوم) بلغ 1066 فيلما. جولة سريعة بين هذه الجهات الإنتاجية تكشف لنا عن جدية النظر إلى السينما من كل الأوجه.

هي سلعة تجارية بلا ريب، لكن هذه السلعة قد تكون قطعة فنية رائعة أو عرضا ركيكا لفيلم رديء الصنعة. والتدرجات بين التحفة والرديء متعددة، وكل مستوى منها سريعا ما ينضح بأساليب وتوجهات وتيارات غالبها تستحق المتابعة. لكن مشاهدة 1066 فيلما، عملية مستحيلة حتى ولو انصرف إليها المرء وحدها دون كل التظاهرات الأخرى وأفلامها. مستحيلة ليس فقط على أصحاب الفضول، كهذا الناقد، بل على أولئك الآتين فعلا للشراء. فمن بين 1066 هناك أقل من النصف من الأفلام غير المنتهية والأفلام المتخصصة (خصوصا القصيرة) والأشرطة الترويجية. لكن الباقي بدوره كثير على تسعة أيام من العروض حتى ولو تصدى لها المشتري من الصباح حتى آخر الليل.

على ذلك لا أحد يشكو. صحيح أن نسبة البيع والشراء لم تكن مرتفعة للغاية، لكن السوق يبقى المحطة الأولى وكثير من العقود تمت هنا قبل إغلاق المكاتب وشحن ما تبقى من المنشورات والكتب والأفلام التي جيء بها. ولا يمكن إضافة جديد إذا ما ذكرنا أن هذه المعمعة الكبيرة تخلو من وجود عربي.

صحيح أن الظروف السياسية في عاصمة السينما العربية تمنعها حاليا من الاشتراك، لكن هذه كانت الحال من قبل تلك الظروف. ثم ماذا عن الإنتاجات التونسية والجزائرية والمغربية واللبنانية وسواها؟

* تريد من يهتم

* الواقع أن أحدا في الغرب لا يهتم بالسينما العربية إلا في حالاتها القليلة. لا أحد يشعر بها إذا غابت وقليل يفعلون إذا حضرت. نعم هناك اهتمام بين البعض لأفلام تسجيلية حول «الثورة»، لكن تطورات ما بعد الثورة قتلت هذا الاهتمام. هذا الجانب وحقيقة أن معظم الأفلام التي دارت حولها لم تأت بجديد لم تتناقله محطات التلفزيون وشاشات الإنترنت.

السينما الروائية هي الأجدر في هذا الحال. «الشتاء اللي فات» لإبراهيم بطوط و«فتاة المصنع» لمحمد خان و«فرش وغطا» لأحمد عبد الله و«الخروج للنهار» لهالة لطفي من بين تلك الأعمال التي احتوت الأجواء الثورية وتبعاتها وبيئاتها من دون أن تتحدث عن الثورة، ونجحت فنيا أيما نجاح. لكن بيع هذه الأفلام إلى الغرب أصعب مما تستطيع المجهودات الفردية تقديمه.

مهرجانات السينما الغربية كان من المفترض بها أن تكون الملاذ المناسب. ومحمد خان عرض على برلين فيلمه «فتاة المصنع» كما كان فعل أكثر من مخرج هذا العام وفي الأعوام السابقة. لكن برلين «لم يعض» كما العبارة الإنجليزية. لم يجد في تلك الأفلام ما يوازي ما حصلت عليه من أعمال صينية وأميركية وألمانية وهولندية أو فرنسية. حكم جائر بلا ريب، لكن التباين الثقافي هو أحد العوامل المؤثرة في مصير الأفلام العربية حين تعرض على الغرب. لكن للإنصاف، فيلم محمد خان سبق وأن شهد عرضه المهرجاناتي الأول في دبي نهاية العام الماضي ولم يكن متاحا إشراكه في المسابقة هنا، ولو أن إشراكه في البانوراما مثلا كان أمرا مناسبا.

* سينما بعكازات

* لكن كيف للسينما العربية أن تفوز بالثقة خارج حدود دولها وهي ليست ذا شأن داخل بلادها؟

هناك نحو 300 مليون عربي في 22 دولة مقابل أقل من 500 صالة درجة أولى في نحو 40 مدينة رئيسة من مدن هذه الدول. الكم البشري الكبير موجود لكنه غير فاعل، يواجهه عدد ضئيل من الصالات يرتفع في دول الخليج بالتدريج ويقل في دول شمال أفريقيا وفي مصر بالتدريج أيضا، وتتمركز معظم هذه الصالات في العواصم وبعض المدن الرئيسة الأخرى.

نحو 60 في المائة من هذه الصالات تؤمن لمشاهديها الأفلام الجديدة وقت عروضها العالمية. وما يوازي 80 في المائة منها تقبل على عرض الأفلام الأكثر انتشارا في الغرب والعالم (الأفلام الأميركية) بينما تفتح الصالات المتبقية شاشاتها لمزيج أو لعروض رئيسية متأخرة.

بالتالي، نحن أمام وضع مؤسس على نحو خطأ وما ينتج عنه بالضرورة - هو خطأ متراكم.

الحال هو أن الافتقار إلى سعي عربي جامع لحل مشكلات ثقافية آنية متفاقمة أولها انتشار الأمية على نطاق واسع، وهبوط سوق مبيعات الكتب وحظ الإنسان العربي من فعل المطالعة، ورسم خارطة مستقلة على الأوضاع كافة يراد بها تعزيز اللحمة الثقافية بين الدول العربية من دون آيديولوجيات وشروط مسبقة.

كذلك فإن الاعتبار الدائم والسائد من أن السينما ليست عضوا في النشاطات الثقافية إلا من حيث بعض مناسباتها الخاصة. بالتالي، معاملتها المستمرة بشروط الصناعة حتى وإن كانت تفتقد إلى مقومات الصناعة كما سنرى.

فإذا أضفنا إلى ما سبق أن توزيع الفيلم العربي غير موجود عمليا وأن أهل الإنتاج ارتكبوا بحق المخرجين الجادين أخطاء بقدر ما ارتكبت السينما السائدة أخطاء بحق نفسها، لا يبقى مجال للعجب في أن السينما العربية ما زالت، بعد أكثر من مائة سنة على اختراع السينما، تمشي بعكازات ولا ترى النور إلا في المهرجانات العربية حيث لا يقدم حضورها أو يؤخر في مسيرة السينما العربية ككل.

الشرق الأوسط في

15.02.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)