كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

الشرق الأوسط») في مهرجان برلين السينمائي ـ 4 :

شيا لابوف ارتدى كيسا فوق رأسه.. وفون ترايير أهمل الصحافة

«ألف ليلة وليلة» بثلاثة أبعاد يلوح في الأفق

برلين: محمد رُضا 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الرابع والستون

   
 
 
 
 

في عصر غابر، كان «نيمفومانياك» لن يعدو أكثر من فيلم «بورنو» متوسط القيمة نظرا لاحتوائه على كثير من المشاهد غير الإباحية. في عصر انقلبت فيه الموازين، لا يستطيع مخرج ما تقديم فيلم إباحي في عرض رسمي بمهرجان دولي، بل تقديم فيلم إباحي في عرض رسمي بمهرجان دولي بمستوى فني ضحل.

«نيمفومانياك» (أو «شهوانية») الذي عرض يوم الأحد وصل محاطا بكثير من الاهتمام. الحاضرون، نحو ألف في كل عرض، كانوا يدركون مسبقا ما الذي سيشاهدونه، لكن ما لم يكن معروفا أو متوقعا أن يكون الفيلم مجرد عذر لإبقاء مخرجه لارس فون ترايير حاضرا في الأذهان. ما الذي حدث لترايير «أوروبا» و«كسر الأمواج» و«وباء»؟

الدقائق الخمس الأولى، تلك التي تمسح فيها الكاميرا جدرانا جرداء كئيبة في زقاق ضيق تحت مطر يهطل مثل أسيد ناتج عن سحاب موبوء، هي كل ما تبقى من ماضي هذا المخرج. بعد ذلك «نيمفومانياك» هو فيلم حول امرأة شهوانية وجدها رجل مثقف اسمه سيليمان (ستيلان سكارسغارد) ملقاة على الأرض فينقلها إلى غرفة في بيته (يتميز بدوره بجدران كئيبة وعارية) وتبدأ هذه بحكاية قصتها منذ أن كانت فتاة صغيرة وكيف أصبحت امرأة شهوانية لا تطيق الابتعاد عن الرجال.

ولا تلبث الصور أن تقترن بالحوار فنشاهدها (تؤديها كفتاة شابة البريطانية ستاسي مارتن) تنتقل من رجل إلى آخر.. ليس لأنه ليست هناك قصة في خلال ذلك، لكن ما هو أكثر وضوحا، ومن دون أي موقف شخصي أخلاقي أو سواه، هو تبرير لمشاهد إباحية تماما على غرار ما فعله عبد اللطيف كشيش في «حياة أديل» الذي عرض في «كان».

«كان» كان طرد المخرج فون ترايير قبل عامين وعده «غير مرغوب به»، ليس لأنه بات يصنع أفلاما ركيكة، بل لأنه قال في مؤتمره الصحافي: «ماذا لو كنت نازيا؟ أعتقد أنني نازي». كلام كبير من شخص كان بدأ مؤتمره ذاك بالقول: «أنا أعظم مخرج حي. أليس كذلك؟». لارس فون ترايير لم يفوت الفرصة هنا للنيل من «كان» على طريقته، فظهر أمام العدسات بقميص «تي شيرت» عليه شعار «كان» وتحته: «شخص غير مرغوب فيه».

قانونيا، لا يحق لأحد استخدام شعار «كان» على أي منتج أو حتى في صحيفة من دون إذن، لذلك قد يتلقى المخرج المتعِب قريبا إشعارا برفع قضية ضده.. لكنه لا يبدو قلقا على الإطلاق، وهو ظهر أمام كاميرات المصورين قبل انعقاد المؤتمر الصحافي بخصوص فيلمه هذا بدقائق. لكن بدل أن يتوجه لقاعة المؤتمر عاد أدراجه إلى الفندق.

في ذلك الحين كان الممثل شيا لابوف (الذي يؤدي دورا بارزا هنا) قد وصل مع باقي ممثلي الفيلم وبينهم كريستيان سلاتر وشارلوت غينسبورغ وستايسي مارتن وأوما ثورمان وستيلان سكارسغارد. وبعد أقل من 10 دقائق استقبل السؤال الأول: «هل كانت لديك خشية من تمثيل مشاهد جنسية؟».

رد قائلا: «عندما يلاحق النورس مركب صيد، فلأنه يعتقد أنه سيلقي بحمولته من السردين في البحر». ثم نهض من مكانه وغادر القاعة وسط ذهول الحاضرين.

عمليا لم يقل شيئا على الإطلاق، فالعبارة مأخوذة عن أخرى قالها لاعب الكرة الفرنسي إريك كانتونا في مؤتمر صحافي عقد سنة 1995. ربما عنيت شيئا هناك، لكنها لم تعن شيئا في المؤتمر الذي بدا فيه لابوف متوترا من البداية.

بعد ساعات، عندما حان العرض المسائي للفيلم (الذي كان عرض ظهرا للصحافة) أحدث لابوف رهجة أخرى: وصل بثياب الاسموكن وفوق رأسه كيسا ورقيا كتب عليه: «أنا لم أعد مشهورا». مر بعدسات المصورين من دون توقف ودخل والكيس (المثقوب أمام عينيه) إلى الصالة حيث جلس في مكانه ليتابع الفيلم.

* حاشية عاطفية

* «نيمفومانياك» يتخذ شكل حكايات «ألف ليلة وليلة» فشارلوت غينسبورغ تتحدث طوال الليل عن مغامراتها، وكلما بدأت جزءا جديدا منها نقلتنا الكاميرا إلى ذلك الجزء لتصويره. لكن ما تتناوله من مغامراتها الخاصة يفتح نافذة كبيرة أمام أولئك الذين سيحاولون الربط بين الفيلم وتفسيرات فرويد النفسية. فون ترايير يضع بطلته على السرير لتقص على مثقف يهودي (كما كان فرويد) حكايتها. فرويد الجديد يجلس على كرسي متلهفا لسماع الحكاية ومتدخلا عن طريق شرح بعض ما يبدو قد التبس على الراوية من أمور.

ما كان ينقص الفيلم المؤلف من 147 دقيقة (هناك نسخة أقصر للصالات التجارية) هو حاشية عاطفية ما تحمل قضية يمكن اعتبارها بيت القصيد. هذه المرأة ليس لديها أي شيء فعلي في حياتها الخاوية باستثناء حكايات من الجنس الميكانيكي الذي تسترعي اهتمام سامعها الأول سيليمان.

ليس كل الممثلين يظهرون عراة ويمارسون الجنس (يؤدي كريستيان سلاتر دور الأب العطوف الذي يفهم في الشجر ويلاحظ أوراقه المتباينة) وأوما ثورمان في دور زوجة غيور، وهناك بالطبع سكارسغارد في دور المستمع المسن.

بعد نصف ساعة يتبدى بوضوح أن ما يريد المخرج تقديمه ليس مهمّا في الواقع لأن طريقة تقديمه ليست مقرونة بقيمة فنية (ناهيك بأخلاقية).

لكن «ألف ليلة وليلة» حقيقي مختلف ومتمتع بفانتازيا الحكايات العربية في أوج جاذبيتها، وبات من بين المشاريع المطروحة بحماس في سوق الفيلم هنا، «ليالي عربية» هو فيلم جديد من تلك التي تتمتع بميزانية ضخمة بعدما وافقت الحكومة الصينية على الاشتراك في تمويله مع هوليوود. الفيلم الذي سينطلق للتصوير في منتصف هذه السنة من بطولة ليام همسوورث، ذاك الذي يشارك فيه جنيفر لورانس بطولة سلسلة «ألعاب الجوع»، سيصور في بعض سهوب الصين وصحرائها بنظام الأبعاد الثلاثة.

* نجاح ألماني

* داخل المسابقة توالت العروض، ومن بين الأفضل إلى الآن بضعة أفلام ألمانية بينها فيلم آخر طويل (170 دقيقة) بعنوان «الشقيقتان المحبوبتان» للمخرج العائد بعد انقطاع دومونيك غراف.

دراما تاريخية تدور حول الكاتب فريدريك شيلر وعلاقته المضطربة مع شقيقتين تزوج إحداهما وعشق الأخرى، وذلك من بعد التمهيد لتقديم الشقيقتين المتحابتين منذ الصغر ونشأتهما معا، ثم اضطرار إحداهما الزواج من ثري لإنقاذ العائلة من الإفلاس. عند هذه النقطة من حياتها التقت بالكاتب شيلر الذي حل في قصر العائلة ضيفا وتسلل سريعا إلى قلبي الشقيقتين. فازت به المتزوجة إلى أن ترك القصر واستقر في منزل منفصل ليتزوج من شقيقتها وينجب منها، لكن من دون أن يتوقف عن لقاء الشقيقة، مما يسبب حرجا للجميع وعداوة بين الشقيقتين.

يتحرك الفيلم مثل عربة خيل متعبة تتحرك ببطء، لكن هذه العربة تحمل فوقها بذخا ملحوظا في التصاميم الفنية والتفاصيل التاريخية كاشفة عن مخرج يعير الواقعية اهتمامه الكبير.

فيلم ألماني آخر نال إعجاب النسبة الغالبة من المشاهدين هو «محطات الصليب» للمخرج دييتريش بروغنمان. هذا يدور حول فتاة في الرابعة عشرة من العمر (تؤديها جيدا لي فان آكن) تقف على مفترق طرق في سن حرجة.. من ناحية تنتمي لعائلة كاثوليكية محافظة ومن ناحية أخرى لديها رغباتها العاطفية. الأمر لا ينحصر في تلك الرغبات، بل في أن كل ما تريد الفتاة، واسمها ماريا، القيام به عليه المرور في فلتر التقييم الديني لينال رضاه أو رفضه. بعد حين تشتد عليها الأزمة؛ إذ تفقد بوصلة معرفة الصح من الخطأ.

* كسل أميركي

* أميركيا، جاء فيلم جورج كلوني «رجال النُصب» مخيبا للآمال. الفيلم الذي يتولى التأكيد على أنه مقتبس من أحداث حقيقية مع اللحظة الأولى للفيلم، يشتغل كما لو كان الموضوع هين جدا. هناك كسل في إخراج هذا الفيلم، وفي الوقت ذاته نقص في أكسجينه. المشاهد تتوالى مكتفية بإيحاءاتها من دون تفعيل حقيقي، ومن دون روح في بعض الأحيان. كلوني الذي أنجز أربعة أفلام سابقة مخرجا، كل واحد منها أفضل من هذا الفيلم، وبعضها أفضل بكثير، ربما قصد أن يقدم فيلما يدور في رحى الحرب (أو ما تبقى منها) من دون أن يكون حربيا. عظيم. لكن هذا وحده ليس ضمانة لعمل جيد.. في أفضل أحواله، هو مجرد اختيار.

في البداية، نرى جورج كلوني يخاطب الرئيس الأميركي وبعض أعوانه طالبا منهم السماح له بتشكيل فرقة من علماء الآثار واللوحات الفنية (ستة أفراد) للسفر إلى أوروبا للبحث عن تلك اللوحات المسروقة من قبل المحتلين النازيين. الموعد مناسب لأن النازيين كانوا بدأوا يولون الأدبار من المساحات الهائلة من أراضي الدول الأوروبية الأخرى التي استولوا عليها في السنوات الثلاث الأولى من الحرب العالمية الثانية. يوافق الرئيس على الطلب، وها هو كلوني، الذي يتمتع بلياقة بدنية جيدة، يؤلف فريقه: هوي بونفيل، مات دامون، بيل موراي، جان دوجاردان، جون غودمان وبوب بالابان ولاحقا ينضم ديمتري ليونيداس إلى الفريق. يصلون إلى النورماندي بعد التحرير، لكن لا يمكن ملاحظة أن هذا النزول هادئ أكثر من اللزوم، كما لو أن المجموعة حطت في سياحة على أحد سواحل هونولولو. يوزع رئيس الفريق (كلوني) المهام مقسما الفريق إلى ثلاثة.. يرينا على الخريطة أين سيتوجه كل فريق وماذا يتوقع له أن يجد.

تتوقع أن يبدأ الفيلم هنا.. السعي لإعادة اكتشاف اللوحات الثمينة لكبار الفنانين لا يمكن أن يكون نزهة سياحية حتى ولو أن الأحداث تقع بعد الأيام الأولى لاندحار القوات النازية عن بعض الأراضي الفرنسية.. نعم، هناك مشهد لجون غودمان وجان دوجاردان يكتشفان فيه أنهما محاطان بمجموعة من الجنود الألمان.. عظيم.. هل ننتظر معركة؟ نعم. هل تقع؟ لا. في مشهد آخر هناك رصاص قناص يطلق باتجاه بوب بالابان وبيل موراي. يدخل موراي المبنى الذي يتحصن فيه القناص. هل من معركة؟ لا. القناص ليس سوى صبي مرتعد. معالجة هذين المشهدين تخفق في إثارة الاهتمام. كلاهما «ضد الذروة» Anti Climax في فيلم هو بدوره ضد الذروة كما لو أن المخرج ضاع فوق خارطة فما عاد يعرف أي نوع من الأفلام هذا الذي بصدد إخراجه. الجزء الأكبر من هذا الفقدان للبوصلة كامن في سيناريو يحكي قصة ولا يجيدها ثم لا يحكي سواها. بعض المشاهد توفر صورا كاريكاتورية لشخصياتها. لا شيء جادا (ناهيك بناجح) يمكن أن ينتج عن بيل موراي وهو يمثل شخصيته المعتادة أو جون غودمان وهو يكاد لا يستطيع النهوض عن الأرض بسبب ثقل وزنه، ولا بوب بالابان الذي يبدو أكبر سنا من أن يشترك في مغامرة كهذه.

* والأسوأ الأرجنتيني

* الأسوأ منه (ومن أي فيلم آخر) فيلم أرجنتيني عنوانه «تاريخ الخوف» لمخرج جديد اسمه بنجامين نيشتات. فيلم ممل وطويل رغم قصر مدته نسبيا (79 دقيقة)، غير مترابط لا موضوعا ولا تسلسل أحداث ولا حكاية أو شخصيات.. يشبه كثيرا وضع شخص يرتب صورا شخصية في التسلسل الذي يريد فإذا بمشهد لسيارة بوليس تتوقف لمعالجة جرس إنذار في بيت ما يليه مشهد لامرأة تكنس الأرض ويغمى عليها، لننتقل بعد ذلك إلى مشهد لأولاد يرمون ألعابا نارية وسط الكلاب في الحديقة، ثم إلى مشهد إخباري حول تعرض رجال بوليس لسيل من النيران.. أين هو الحدث الرابط بين ما نراه؟ أمر لا يستطيع أحد معرفته وسيكون من الغريب إذا ما كان للمخرج تفسير مقنع. البعض ربما عد ذلك فنّا، لكن الواقع هو أنه ليس أكثر من تكريس لجهل واضح في تحقيق فيلم متكامل.

على ذلك، سنجد أن مؤسسة السينما القطرية وضعت مشروع المخرج المقبل (ما زال بلا عنوان) ضمن 20 مشروعا ستمولها أو ستشارك في تمويلها. ليس معروفا على أي أساس جرى هذا الانتقاء (وماذا عن باقي المشاريع إذا ما كان الاختبار على هذا النحو)، لكن المعروف أن هذا المشروع، وغالبا أي مشروع آخر، لن يبرح شاشات بعض المهرجانات الثانوية بعد ليلة أمس.

* «الميدان» بلا ميزان

* عرض مهرجان برلين قبل يومين فيلم جيهان نجيم المرشح للأوسكار في قسم السينما التسجيلية وعنوانه «الميدان». سبق للمخرجة أن حققت فيلم انطلاقتها عن محطة «الجزيرة» بعنوان «غرفة الكونترول» الذي نفذت منه للحديث عن الغزو الأميركي للعراق وكيف أن مكتب المحطة في بغداد كان مستهدفا في حد ذاته. هنا لا حديث عن «الجزيرة» ولا موقفها السلبي حيال الثورة المصرية منذ بدايتها ولا كيف تحمست لوصول عضو الإخوان المسلمين محمد مرسي إلى الحكم، ثم انضمت إلى أولئك المحتجين على قيام الجيش بخلعه من الحكم بموافقة شعبية زادت نسبتها على الـ51 في المائة التي أوصلت مرسي إلى الحكم.

لا يثير هذا الجانب هم المخرجة نجيم، بل تحاول في نحو ساعتين الإلمام بمسيرة الحياة السياسية من وجهة نظر الشارع الموحد في البداية والمنقسم لاحقا. تنطلق من الميدان وتنتهي إليه بعد ثلاث سنوات من الثورة.. تنطلق بالمرور سريعا على بداية الثورة التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس مبارك، وقد يكون السبب في ذلك أنها وجدت العديد من الأفلام الوثائقية سبقتها إلى خوض غمار هذا الموضوع، ولأنها تريد وقتا أطول لمتابعة الأحداث التي لا تتوقف.

بعد مبارك تصور نبض الشارع السعيد بذلك، ثم تبدأ المخرجة مرحلتها الأصعب وهي تقديم (وإبراز) وجهة النظر في الفترة التي تلت ذلك مباشرة والتي مارست فيها السلطة العسكرية الحلول العنيفة ذاتها التي اعتمدها حكم مبارك قبل سقوطه. هذا ما يدلف بها إلى بداية الحس العام بأن حزب الإخوان المسلمين يعملون لجانب العسكر على تفريغ الثورة من مضامينها واستغلال الفترة الحرجة للتمكن من احتلال البرلمان ثم الوصول بمحمد مرسي إلى الرئاسة.

مجال الفيلم الزمني، بعد ذلك، ضيق للتعريف الكامل بدور الإخوان المسلمين في دفع البلاد إلى الهاوية والهيمنة على شرايين الحياة على نحو ديكتاتوري شامل. تختصر المخرجة كل ذلك بتقرير قصير حول كيف تصرف مرسي حال تسلمه كرسي الرئاسة وكيف عادت جموع الشعب، بالملايين منه، لإعلان حكمها السريع ضده مما أدى إلى عزله وإلقاء القبض عليه. لكنها لا تلومه ولا تظهر الضراوة التي حاول بها التمسك بالسلطة وخروج أزلام الحزب لمهاجمة المعارضين له.

في المقابل، وعلى العكس من ذلك، تفرد معظم الوقت لتناول الكيفية التي واجه بها الحكم العسكري، حال خلع الرئيس السابق حسني مبارك، ثوار الميدان المطالبين برحيل الحكومة العسكرية. هذا اللاتوازن يسجل على الفيلم الذي يدعي أنه متوازن، وهذا الادعاء يتخذ شكل الحديث عن الثورات الثلاث متوالية: ضد حكم مبارك (نحو عشر دقائق)، وضد سلطة العسكر، ثم ضد حكم الإخوان (نحو ربع ساعة).

جرى تصوير الفيلم على مراحل. النسخة التي شوهدت في مهرجان «صندانس» في مطلع العام الماضي لم تضم دحر الثوار حكم الرئيس الإخواني، هذا جاء لاحقا. من حيث مستوى العمل، لا ريب أن المخرجة تعرف كيف تخلق للمادة المصورة حضورها الصحيح. بعض المشاهد موزعة على النحو الصحيح تماما لكي تعبر عن المرحلة في مونتاج جيد وواع لطبيعة النظرة البانورامية التي تبغيها المخرجة. في هذا الصدد هو فيلم جيد، وما شوهد من أفلام تسجيلية أخرى من تلك المنافسة على الأوسكار يشي بأن المنافسة ستكون كبيرة.

الشرق الأوسط في

11.02.2014

 

«أم أميرة» امرأة من مصر تمثل سينما شباب الثورة

بقلم   سمير فريد 

شهد مهرجان برلين العرض العالمى الأول للفيلم المصرى التسجيلى «أم أميرة»، إخراج ناجى إسماعيل، فى مسابقة الأفلام القصيرة، وهو الفيلم الوحيد الذى يمثل السينما المصرية فى مسابقات المهرجان، وأول أفلام مخرجه الذى ولد عام ١٩٨٣ وتخرج فى المعهد العالى للسينما بالجيزة عام ٢٠٠٦، كما أنه أول أفلام منتجه شادى إسحاق من نفس دفعة المعهد، وهو ابن السياسى والمناضل الوطنى جورج إسحاق، وأول أفلام شركة «رحالة» للإنتاج المستقل، التى أسسها شادى مع ناجى.

إنهما من شباب الثورة، وفيلمهما يمثل سينما شباب الثورة بامتياز، والسينما المصرية المستقلة بامتياز. وهناك نوعان من أفلام سينما شباب الثورة المستقلة، الأول يتناول أحداث الثورة ويعبر عن موقفه منها، والثانى يتناول الواقع الذى طالبت الثورة بتغييره وأدى إلى قيامها. وينتمى «أم أميرة» إلى النوع الثانى، حيث يعبر عن امرأة من مصر هى نموذج للمرأة المصرية المكافحة والأم المصرية المثالية التى تعول أسرتها فى ظروف صعبة لا يتحملها أقوى الرجال.

جاءت حليمة محمد أحمد، والمعروفة باسم أم أميرة ابنتها الكبيرة، من الريف إلى القاهرة، حيث تزوجت عاملاً فى أحد مصانع القطاع العام، وأنجبا أميرة وبسمة اللتين أصبحتا فتاتين. ولكن تمت خصخصة المصنع الذى يعمل به الزوج، وتم الاستغناء عنه، فأصبح عاطلاً، فضلاً عن معاناته من مرض فى القلب، كما مرضت أميرة بمرض فى القلب أيضاً، وعالجها الدكتور مجدى يعقوب فى المركز الذى أنشأه فى أسوان لعلاج الفقراء بالمجان، ولكنها ماتت.

لم تجد أم أميرة وسيلة للبقاء سوى بيع «ساندويتشات» البطاطس المقلية فى زاوية من زوايا شوارع وسط القاهرة الخلفية بالقرب من البيت الذى تعيش فيه مع أسرتها فوق السطح. ويعبر الفيلم عن حياتها وعملها وسعيها لعلاج أميرة. وأثناء التصوير تموت أميرة، وتصبح اللقطات التى صورت لها كل ما بقى منها.

وكما فى كل عمل فنى حقيقى ليس المهم الموضوع أو المضمون، وإنما الشكل والمعالجة الدرامية التى تعبر عن ذلك المضمون. وفيلم «أم أميرة» (٢٥ دقيقة) يعلن مولد فنان سينمائى موهوب، مهموم بالواقع، وينتمى إلى السينما التسجيلية الواقعية، ولكن على نحو غير تقليدى يتجاوز الواقعية إلى آفاق إنسانية رحبة. إنه فيلم عن الحياة والموت، وعن قدرة الإنسان على مواجهة ظروف الفقر والبؤس ومحاولة التغلب عليها حتى تستمر الحياة. والإشارة الوحيدة إلى الثورة عندما تقول أميرة إن شرطة المرافق كانت تطاردها قبل الثورة لأنها تبيع الطعام فى الشارع بالمخالفة للقانون، وبعد الثورة أصبح جنود الشرطة يمرون عليها لإلقاء التحيات ثم يمضون.

استخدم ناجى إسماعيل أحجام اللقطات الكبيرة والكبيرة جداً للتعبير عن حياة أم أميرة وعملها، والتركيز عليها دون غيرها من أفراد أسرتها، فنحن لا نرى الزوج سوى فى لقطة واحدة من بعيد، وكذلك الابنة بسمة. وفى مشهد هو قلب الفيلم الدرامى، نرى الجيران وهم يحملون أميرة على مقعد لتنزل من السطح إلى الشارع وتذهب إلى المستشفى. ولا توجد لقطات عامة فى الفيلم، فكل شخصياته محاصرة كل فى مكانه الضيق مثل زنازين السجون. واللقطة العامة الوحيدة هى لقطة النهاية لأسطح عمارات القاهرة، وأم أميرة تقول بإيمان وصبر وحكمة إن أميرة ماتت لأن عمرها انتهى.

ويبرع محمد عبدالرؤوف فى تصوير الفيلم والاستخدام الدرامى للألوان، أو بالأحرى الأبيض والأزرق، وهما لونا الموت. وهناك لقطة للفتاة المريضة فى انتظار السيارة التى تقلها إلى المستشفى، هى لوحة فنية كاملة تبدو فيها مثل مريم العذراء، ويبدو وجهها المصرى الصميم، وكأنه أيقونة من أيقونات الفيوم. ولا يقل كمال الملاخ براعة فى صياغة المونتاج من دون دقيقة واحدة زائدة أو ناقصة، وكذلك محمد عبدالعظيم فى صياغة شريط الصوت والعلاقة الجدلية بين الصوت والصورة، حيث تتحدث أم أميرة من دون أن نسمع الأسئلة التى تجيب عليها، وتبدو أغنيات الراديو مثل أغنية أسمهان «يا حبيبى تعال شوف اللى جرى لى»، وكأنها تأتى من زمن آخر بعيد. إنهم جميعاً من الشباب الذى يصنع مستقبل السينما المصرية بعد الثورة.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

11.02.2014

 

الجديد في مهرجان برلين!

"رجال التحف الفنية" فيلم جورج كلوني

أمير العمري- برلين

خارج مسابقة الدورالـ64 في مهرجان برلين السينمائي، عرض فيلم "رجال التحف الفنية" The Monuments Men، وهو الفيلم الذي أخرجه ويقوم ببطولته جورج كلوني مع كيت بلانشيت وبيل موراي وجون دوجوردان ومات دامون.

يصور الفيلم كيف نجح "الحلفاء" في إنقاذ وإستعادة آلاف القطع الفنية النادرة (من اللوحات والتماثيل) التي كان الألمان النازيون قاموا بـ"سرقتها" ودفنها في عدد من المناجم في ألمانيا والنمسا.

يفترض الفيلم أن هتلر كان يعتزم إعادة تشييد مدينة لينز، التي شهدت فترة صباه في النمسا، وأن يقيم فيها متحفا يطلق عليه إسم "متحف الفوهرر" كان سيصبح أكبر متحف من نوعه في العالم، وانه كان يعتزم نقل كل الأعمال الفنية النادرة من متاحف البلدان الأوروبية التي استولى عليها النازيون وخصوصا فرنسا وبلجيكا، إلى ذلك المتحف، وأنه عندما بدأت هزيمة النازيين تلوح في الأفق في أوائل عام 1944، كان الألمان يعتزمون تدمير وحرق هذه التحف لحرمان الحلفاء منها بل إنهم – كما نرى في الفيلم – قاموا فعلا بحرق الكثير منها.

من الناحية التاريخية يتشكك كثير من امؤرخين في ارواية الخاصة بسرقة النازيين للأعمال الفنية، ويضربون مثالا على فرضيتهم هذه أن هتلر أمر بانسحاب قواته تماما من روما أمام الحلفاء وتركها مدينة مفتوحة أمامهم دون أي مقاومة وذلك حفاظا على المدينة وكنوزها الفنية من الدمار، كما أنه لم يأمر بتدمير باريس ولم يخض فيها حرب مقاومة ضد قوات الحلفاء، وأن الألمان قاموا بوضع خطة في الحرب الأولى لانقاذ التحف الفنية الأوروبية أعادوا بموجبها هذه التحف اتي تمكنوا من انقاذها عند نهاية الحرب وشكرهم الحلفاء على ذلك، وانهم كانوا يقومون بتنفيذ خطة مماثلة في الحرب العالمية الثانية.

أيا كانت الحقيقة، يصور فيلم "رجال التحف الفنية" كيف أصدر الرئيس الأمريكي روزفلت أمرا بالبحث عن تلك التحف الفنية "المنهوبة" وانقاذها، فتشكل فريق من المؤرخين وخبراء الآثار، معظم أفراده من الأمريكيين، مع فردين من بريطانيا وفرنسا، للعمل وراء خطوط الألمان، لاكتشاف الكنوز الفنية المدفونة وانقاذها. وهذه العملية هي ما يصوره الفيلم بنوع من التفاصيل التي لا تنجح في إخراج فيلم مثير يحذب الخيال ويناقش أفكارا فلسفية وإنسانية من نوع معنى الفن وضرورته، عبثية الحرب، الموت والبطولة وكيف يواجه الإنسان الموت دون أن يكون مستعدا له، من خلال بناء فني متوازن، بل يتخذ الفيلم وجهة أحادية، تجعل الأمريكيين (الذين أصبحت الجرائم التي ارتكبوها في العراق نموذجا صارخا على احتقارهم للتراث الفني الإنساني وتركه عرضة لأكبر عملية سرقة ونهب في التاريخ) هم الآن- كبقا لما يقوله لنا هذا الفيلم، حماة الحضارة والمدنية الحديثة من الدمار على أيدي النازيين أعداء الإنسانية والفن!

إذن يمكن اعتبر الفيلم عملا من الأعمال اللانهائية من الدعاية المناهضة للنازية والمستمرة بلا توقف منذ أكثر من سبعين عاما!

ولكن ماذا يقول لنا هذا الفيلم وكيف؟

تتلخص رسالة الفيلم في أن انقاذ أحد الأعمال الفنية أمر يستحق التضحية بالحياة، وإن الألمان سرقوا وصادروا ثروات هائلة من التحف الفنية لا تقدر بثمن، من المجموعات الخاصة التي كان يقتنيها أثرياء اليهود، وأنه لولا تضافر جهود الأمريكيين واليهود، لما نجحت عملية الانقاذ والاستعادة.

لسنا هنا في حاجة إلى سرد تفاصيل الحبكة، فمشكلة هذا الفيلم في الحقيقة غياب الحبكة في على نحو فادح، وبحيث أننا لا نشهد تطورا دراميا يشدك الى متابعة أحداثه خصوصا وأن الفكرة معروفة مسبقا، وفضلا عن ذلك فهو يعيد ويكرر على لسان بطله ومخرجه- جورج كلوني- المتخصص في تاريخ الفن، أهمية الأعمال الفنية، وقيمة بيكاسو ورمبرانت ومايكل أنجلو، وكيف أن البشرية ستدرك مستقبلا أن التضحية التي حدثت (قتل فردان من افراد المجموعة الخاصة) كانت في محلها، وأن الأمر كان يستحق.. ولابد في النهاية أنهم سيتوجهون بالشكر والعرفان إلى الأمريكيين.. حماة الحضارة!

هذه هي رسالة الفيلم الواضحة وهدفه الوحيد. لكن المشكلة أنه يقول هذه الأشياء ويكررها من خلال عمل ثقيل الوطأة، مفكك ومرتبك، يحاول في مناطق كثيرة فيه أن يلجأ إلى المرح والسخرية فيتحول إلى كابوس من ثقل الظل وفساد الذوق.. ويكفي أننا نرى مثلا، دوجوردان وهو يعرض على حصان سيجارة، وعندما يبتعد الحصان يقول معلقا: "إنه لا يحب التدخين"!، أو عندما يقوم طبيب ألماني للأسنان بنزع ضرس أحد أفراد المجموعة (ومعظمهم من كبار السن!!) عن طريق الدق على آلة حادة باستخدام شاكوش ضخم من الخشب!

ولا جديد سواء في مشاهد نزول الحلفاء في نورماندي (بعد أن تكون المعارك الضارية قد هدأت مما يجعل الأمريكيين الذين ينزلون على الشاطئ، يتقدمون بعد ذلك وهم يتضاحكون ويتبادلون النكات والقفشات وكأنهم في نزهة!

ولا تبدو كيت بلاتشيت موفقة في أداء دور المرأة الفرنسية التي تعمل في متحف من متاحف باريس تحت اشراف ضابط نازي تمقته (شقيقها ضالع في المقاومة)، ثم بعد تحرير باريس تدعو خبير الآثار الأمريكي مات دامون على العشاء في منزها، ثم تقضي ليلة معه دون أدنى نوع من المشاعر أو حتى الإعجاب المتبادل ودون أن يمهد الفيلم لهذا التحول المفاجيء، فقد ظلت المرأة دائما فظة متجهمة معه ثم فجأة أصبحت لطيفة ووجهت له الدعوة وسلمته أيضا قائمة بكل التحف الفنية لتي تم نقلها من المتحف الباريسي!

ناهيك بالطبع عن افتعال بلاتشيت الحديث بالانجليزية بلكنة فرنسية غليظة تجعل معظم ما تنطق به من كلمات  غير مفهوم!

وبوجه عام يفشل جورج كلوني في صنع فيلم إثارة حربية ولو من خلال تلك المهمة الخاصة (وهو الجانب الذي نجح فيه  تارانتينو في "أوغاد مجهولون")، ويعاني فيلمه من بطء الإيقاع، وتكرار مشاهد متشابهة كثيرا، وتكرار المونولوجات الطويلة (مثل المونولوج الذي يلقيه كلوني على الضابط الألماني)، وعدم توفيقه في اختيار مجموعة الممثلين (معظمهم يبدو في حالة تشت واضحة، يؤدون كيفما إتفق!). والنتيجة أننا أمام عمل لا نتخيل أنه سيصمد طيولا في دور العرض بعد ذلك رغم الأسماء اللامعة.

عين على السينما في

10.02.2014

 
 

رشيد بوشارب يتوغل فى الجذور وفورست ويتاكر فى دور العمر

بقلم   سمير فريد 

لم يكن من الغريب اختيار فيلم رشيد بوشارب فى مسابقة مهرجان برلين للأفلام الطويلة، وهو المخرج العربى الوحيد الذى يشترك فى هذه المسابقة، فقد أصبح من كبار مخرجى السينما العالمية الذى تتسابق المهرجانات الكبرى على عرض أفلامه. والفيلم الجديد «رجلان فى مدينة» فيلمه الثالث فى مسابقة برلين بعد «السنغال الصغيرة» ٢٠٠١، و«نهر لندن» ٢٠٠٩.

يتميز بوشارب، الذى أخرج أول أفلامه القصيرة عام ١٩٧٦، وأول أفلامه الطويلة عام ١٩٨٥، ورغم أنه ولد فى باريس عام ١٩٥٣، فإنه لم ينس أبداً أنه جزائرى من العالم العربى، ومسلم من العالم الإسلامى، وأفريقى من القارة السوداء، كما أن هذا الانتماء ذا الأبعاد الثلاثة الذى يعبر عنه فى أفلامه يتفاعل مع انتمائه إلى أوروبا وإلى الإنسانية فى العالم الذى يعاصره. وربما يكون فيلمه الجديد أكثر أفلامه تعبيراً عن رؤيته للحياة الإنسانية والتاريخ الإنسانى على نحو أقرب إلى المطلق الميتافيزيقى، أو ما وراء الواقع، حيث يتوغل فى الجذور، ولكن من دون تجريد، فى إنتاج فرنسى- جزائرى- أمريكى- بلجيكى مشترك.

ليس من المهم أن الفيلم إعادة إخراج لفيلم فرنسى بنفس العنوان أخرجه خوسيه جيوفانى عام ١٩٧٣، أو بالأحرى مستوحى من ذلك الفيلم مع كثير من التغيير. وإنما المهم الفيلم ذاته كما نراه على الشاشة، سواء كان مصدر الوحى فيلما أو كتابا أو الواقع المباشر أو الأفكار الخاصة. إننا فى مدينة أمريكية صغيرة على الحدود مع المكسيك، بل هى ليست مدينة بالمعنى الكامل للمدن، وإنما بها عدد من رموز المدن (بيوت- سجن- شرطة- فندق- بنك- مزارع ومراع- مطاعم ومقاهٍ).

المشهد الأول لشروق الشمس فى الصحراء الواسعة، وأحدهم يقتل آخر من بعيد من دون أن نعرف القاتل ولا المقتول. وفى النهاية يتكرر المشهد، ولكننا نعرف القاتل والمقتول، ثم يمضى القاتل وحده فى اتجاه الغروب (سلويت) وتظلم الشاشة. إننا فى البرية الأولى بما يوحى بقتل قابيل لأخيه هابيل، ويفسر معنى البرية اختيار بوشارب التصوير للشاشة العريضة.

يخرج وليم جارنيه (فورست ويتاكر) من السجن بعد أن قضى فيه ١٨ عاماً، أو نصف عمره، وذلك لإدانته فى جريمة قتل نائب المأمور (الشريف). ويقرر جارنيه أن يبدأ حياة جديدة، ويعمل ولو فى تنظيف الأبقار أو السيارات، ويحب ويتزوج وينجب، وبالفعل يرتبط مع تيريز (دولوريسهيرديا) المرأة الوحيدة الموظفة فى البنك الذى فتح فيه حساباً جديداً.

ويجد جارنيه نفسه بين رجلين فى «المدينة» والقوسان عن عمد، أحدهما المأمور بيل أجاتى (هيرفيكيتيل)، الذى يريد إعادته إلى السجن مرة أخرى، أو حتى العمل على قتله، انتقاماً لنائبه الذى قتله جارنيه. والرجل الآخر تيرنس (لويس جوزمان) المكسيكى الذى يدير عصابة إجرامية تتاجر فى كل شىء، بما فى ذلك البشر، ويضغط على جارنيه لينضم إلى تلك العصابة.

كان «القانون»، والقوسان عن عمد أيضاً، يعنى خروج الإنسانية من البرية الأولى، ولكن السؤال هل خرجت حقاً؟ فى المشهد الأول الذى نتعرف فيه على شخصية المأمور بيل نراه يوجه اللوم إلى تيرنس لمعاملته الفظة لمهاجرين غير شرعيين، ويقول له القانون هو القانون. وفى مشهد آخر نرى بيل يبكى عندما يشاهد بعض هؤلاء المهاجرين وقد ماتوا فى الصحراء. وفى مشهد ثالث نراه يحتفل بعودة جندى من شباب المدينة من أفغانستان بعد أن اشترك فى الحرب هناك باعتباره من الأبطال. والتناقض صارخ بين إيمان بيل بالقانون ورغبته فى الانتقام من جارنيه، فالقاتل عنده خرج من السجن، ولكن المقتول لم يخرج من القبر، والحرب كتعبير عن الفشل الإنسانى وذروة العنف، مبررة تماماً، وغضبه من معاملة المهاجرين وبكاؤه على موتهم من دون ذنب يعنى أن إيمانه بالقانون كتعبير عن الحضارة شكلى تماماً.

وفى مقابل بيل هناك الشرطية الاجتماعية إميلى سميث (برنيدا بليث)، التى تحاول مساعدة جارنيه على بدء حياة جديدة، وتختلف جذرياً مع موقف بيل. إنها الأمل فى أن يحقق القانون العدل، ويصبح تعبيراً عن الحضارة.

وكان «الدين»، والقوسان عن عمد ثالثاً، يعنى التأكيد على خروج الإنسانية من البرية الأولى، ولكن السؤال مرة أخرى هل خرجت حقاً؟ جارنيه مسلم يصلى بانتظام، ولكنه يقتل النفس التى حرم الله قتلها فى الإسلام، وبيل مسيحى يصلى بانتظام، ولكنه يسعى للانتقام الذى حرمته المسيحية، وأما تيرنس فهو ملحد ويسخر من إيمان جارنيه بوجود الله. وبيل من البيض وجارنيه من السود. وعندما تعرف إميلى أنه لم يلتق مع أمه منذ أن سجن ترتب لكى يلتقيا، وندرك أنها بيضاء وكانت أمه بالتبنى. وتقوم بهذا الدور الممثلة الكبيرة إلين بورستين التى غابت عن الشاشة طويلاً.

وعندما يعتدى تيرنس على تيريزا بوحشية، يقتله جارنيه فى المشهد الأخير، ويبدو القتل دائرة محكمة ومغلقة، وتبدو الإنسانية لم تخرج من البرية الأولى. وفى هذا الفيلم الجميل الذى يحرك القلب والعقل تتكامل المفردات السينمائية التى صنع بها بوشارب أسلوبه، ويصل التمثيل إلى أعلى المستويات، خاصة فورست ويتاكر فى دور جارنيه، وهو دور العمر بالنسبة له، حتى الآن على الأقل، ومن ينسى تجهمه منذ أول لقطة، وابتسامته الأولى عندما يقود دراجته فى طريق مفتوح ويتنفس الحرية.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

10.02.2014

 

«الميدان» كامل العدد في عرضه الأول بـ«برلين».. والمخرجة تغيب

كتب: أحمد الجزار 

نجح الفيلم المصري «الميدان» الذي عرض، الأحد، في مهرجان برلين السينمائي في قسم المنتدى- في أن يحظى باهتمام كبير من الجماهير التي حضرت المهرجان، حيث تم حجز كل التذاكر المتاحة للفيلم قبل عرضه بيوم كامل، وفشل الكثيرون في الحصول على تذكرة للعرض الأول، فيما تغيبت عن الندوة المخرجة جيهان نجيم.

وحرصت الجماهير على مشاهدة الفيلم الوثائقي، الذي يرصد حالة ميدان التحرير من بداية ثورة 25 يناير حتى رحيل مرسي بشغف شديد، حتى نهايته، وقد سيطر التصفيق على القاعة بعد انتهاء التيترات ليؤكد الفيلم أحقيته الكاملة في المنافسة على جائزة «أوسكار» كأفضل فيلم وثائقي.

حيث ركزت مخرجة الفيلم الأمريكية المصرية جيهان نجيم على أن يكون الميدان والثوار موطن هذا الفيلم، بألوانهم وأشكالهم المختلفة، لتستعرض قصصا وحكايات حقيقية وموثقة دون أي انحيازات سواء كانت ضد النظام السابق أو حتى المجلس العسكري، والذي تظهر إدانته خلال فترة حكمه في الفترة الانتقالية.

كما أظهرت «نجيم» أيضا الانتقادات الشديدة التي وجهت لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي، وخروج الجماهير بالملايين في «30 يونيو» لتؤكد أن «الثورة ستظل مستمرة على أي حاكم ظالم مادام هناك ثوار يهتفون بحرية».

وعقب انتهاء الفيلم دارت مناقشة بين الجماهير وصناع الفيلم الذين مثلهم الممثل خالد عبدالله الذي شارك في الفيلم، وأيضا بعض أعضاء الشركة المنتجة، وقد ركزت الأسئلة حول مصير أبطال الفيلم الآن بعد مرور 3 سنوات على الثورة، كذلك الوضع السياسي في مصر وموقف أبطاله فيما يحدث في مصر الآن.

وتغيبت عن الندوة المخرجة جيهان نجيم بسبب انشغالها بأعمال أخرى في الولايات المتحدة، وقد اعتذرت عن عدم الحضور وقامت بإرسال رسالة إلى إدارة المهرجان، تم الكشف عنها خلال الندوة، ومن المقرر أن يقام للفيلم 3 عروض أخرى خلال فترة المهرجان.

المصري اليوم في

10.02.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)