كيت بلانشيت ليست الوحيدة التى تستحق الأوسكار
خالد محمود
لم تكن النجمة المتألقة كيت بلانشيت هى الوحيدة التى تستحق الفوز
بجائزة أوسكار أفضل ممثلة، نعم هى قدمت دورا رائعا فى فيلم «بلو
جاسمين» لامرأة تعانى أزمة مع نفسها فى قبول حياتها الجديدة بعد
انفصالها عن زوجها، حيث رأينا صورة درامية لقصة امرأة تترك حياة
الرفاهية فى نيويورك، وتنتقل للعيش مع أختها فى سان فرانسيسكو بعد
أن اكتشفت ان الثروة التى جمعها زوجها كانت نتيجة احتياله وقيامه
بأعمال غير مشروعة، وتعيش تلك المرأة على وقع الحدود الفاصلة بين
الواقع والخيال، وتهرب فى النهاية إلى الخيال الذى يقترب بها من
مرحلة الجنون.
لكن شهد العام نفسه تألقا كبيرا لنجمات أخريات، انتزعن آهات
الجمهور وإعجاب وثناء النقاد عبر تجسيدهن أدوارا لا يمكن نسيانها،
وكن جديرات بالحصول على أهم جوائز العالم السينمائية.
من هؤلاء النجمات ميريل ستريب التى قدمت مباراة كبيرة فى الأداء مع
جوليا روبرتس فى حلبة واحدة عبر الفيلم الامريكى الرائع «أغسطس:
أوسيدج كونتى». فلم ننسَ بالقطع عبر أدائهما مشاعر الصورة وأحاسيس
الحوار، وهما يجعلان قلبك ينبض بحياة استثنائية لمدة ساعتين.
فالفيلم المدهش الذى ينتمى للكوميديا السوداء والمأخوذ عن مسرحية
بنفس الاسم لتراسى ليتس حائزة على جائزة بوليترز تدور أحداثه
بالفعل فى شهر أغسطس، حيث يحكى قصة عائلة مفككة تقودها أم متسلطة
وقوية تعانى من ادمان أشياء كثيرة تدخين، تعصب، أنانية، عدم تفاهم،
وتكشف عبر رحلتها إلى أى مدى تفكك المجتمع الأمريكى الكبير بكل
شرائحه وثقافاته، وإلى أى مدى توغل اليأس فى وجدان الصغار والكبار
رغم التظاهر بالقوة.
وقد كانت الدخلة الأولى لميريل ستريب عظيمة الأداء، ووضعتنا فى ركن
درامى، وهى تدخن السيجار غير مكترسة بمرضها سرطان الفم، وتقول
لزوجها الشاعر مدمن الخمر البائس، وهى تتمايل بصوت غليظ «الحياة
طويلة جدا».
لعبت ستريب دور فيوليت عميدة عائلة ويستون، وهى أم لثلاث بنات
ربتهن، وهى غير سوية أكبرهن جوليا روبرتس التى قدمت هى الأخرى
شخصية عنيدة مثل أمها، فالأم تعرف كل شىء يخبئنه عنها بناتها،
فالأولى طلقت، والثانية تعيش مع رجل ثرى ذى نزوات، والثالثة أجرت
إزالة للرحم، وتحب ابن خالتها التى يتضح فيما بعد أنه أخوها بعد أن
تكشف أن زوجها على علاقة بأختها، وأنها كان يمكنها إنقاذ زوجها من
الانتحار، المفاجآت كلها تتكشف فى سرد درامى رائع وصورة سينمائية
واقعية وأداء مدهش وخاصة فى النصف الآخر من الفيلم. عندما يجتمع
الكل عقب انتحار الأب كانت ميريل ستريب تنظر إلى جوليا النجمة
الصاعدة وصاحبة أعلى أجر على أنها منافسة غير سهلة وظلت تترقب
خطواتها، بينما كانت ستريب تتحدى نفسها لتؤكد أنها جديرة بمكانتها.
•
جوليا روبرتس نفسها قالت: «لقد تفاجأ بأداء ميريل فى بعض مشاهد
الفيلم فأنا لم أرسم لها صورا كتلك التى ظهرت بها أمامى، بالفعل
كان أداء ستريب فى الفيلم، الذى عرض ضمن عروض السينما العالمية،
أقرب للجراح فى هذا الفيلم، قوية وحادة وصارمة، كان أداؤها رائعا
كالعادة»
•
النجمة الأخرى التى كانت جديرة بالفوز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة هى
جودى دينش الملقبة بأيقونة السينما البريطانية المبهرة بأدائها فى
فيلم «فيلومينا»، حيث أشاد عدد كبير من النقاد حول العالم، بالدور
الذى قدمته.
والواقع أنه فى هذا الفيلم سحر خفى يكمن فى قصة وأداء بطلته يجعلك
تجلس فى صالة العرض تهمس فى أذنيك كلمات حوار هو من أروع ما كتب
يكثف الحياة كلها فى هدف يتأزم تحقيقه ثم وضع لك الحقيقة، وهو أنك
يجب ألا تحاكم زمنك الذى ساهمت أنت فى وقف عقاربه عند لحظة كان
عليك أن تجدى بها ومعها.
فى الفيلم قدم المخرج الرائع ستيف فريدز قصة مقتبسة عن كتاب «طفل
فيلومينا المفقود»، من تأليف الصحفى الإنجليزى مارتين سميث، ويروى
فيه القصة الحقيقية لسيدة تدعى فيلومينا أيرلندية، «جودى دنش»، وهى
فى السبعينيات من عمرها، فقدت ابنها منذ خمسين عاما، حيث انتزعته
منه كبيرة الراهبات فى إحدى الكنائس وباعته لإحدى الأسر
الارستقراطية. وكانت فيلومينا قد أنجبت ذلك الطفل إثر خطيئة وعمرها
15 عاما، وفى الدير وبعد عملية ولادة قاسية، قدر المسئولون أخذ هذا
الطفل الذى لا يرضون عنه والتخلص منه، وبدا أن هذا أمر معتاد..
ووسط صرخات الأم أجبرت على ترك طفلها.
تحاول تلك الأم على طريقة الفلاش باك البحث عن طفلها وعن طريق
ابنتها تتعرف على صحفى مرموق اضطر لترك عمله إثر عوامل سياسية، حيث
كان يعمل فى الدعاية لصالح حزب العمال، وعرضت عليه فكرة مساعدتها
فى معرفة مصير ابنها، أين ذهب وأين يوجد، وهل هو على قيد الحياة..
الصحفى من جانبه لم يقم بالأمر لأن مثل هذه القصص لا يحبها، وشيئا
فشيئا يتعاطف مع فيلومينا ويقدر البحث عن ابنها بعد الاتفاق مع
إحدى دور النشر على نشر القصة فى نهايتها وتحمل مصاريف رحلة البحث.
•
فى الفيلم تكتشف روعة وذكاء أداء الممثلة جودى.
•
دينش، فيلومينا وستيف كوجان من قام بدور الصحفى عبر عدة مواقف
إنسانية وعاطفية تلهب مشاعرك، ويغلفها سخرية الحوار الذى لا تملك
سوى أن تضحك من قلبك معه، والصورة الملهمة الصادقة حتى فى المشاهد
المؤلمة والموجعة.
•
جودى دنش التى حصدت عن الشخصية جوائز عدة، آخرها أفضل ممثلة فى
مهرجان أبوظبى السينمائى نجحت باقتدار عبر حبكة، هى مزيج من
المأساة والتراجيديا والكوميديا والسخرية أن تجسد على الشاشة لوعة
أم لم تهدأ نصف قرن بحثا عن مصير ابنها.
النجمة الثالثة التى كانت جديرة بأوسكار هى ناعومى هاريس بطلة فيلم
«مانيلا طريق طويل نحو الحرية»، فلم ننسَ نداء «حرية..حرية»، التى
ظلت تصرخ به وتردده بانفعال وإيمان فى العمل نفسه خلال تجسيدها دور
وينى مانديلا زوجة الزعيم الثانية، وهى تشد من ازره فى سجنه، وقد
برعت فى دورها الذى يعد دور العمر. وبالرغم من تركيز السيناريو على
خطابات مانديلا الحماسية ونشاطه السياسى جاء تجسيد النجمة ناعومى
هاريس، بطلة آخر أفلام سلسلة جيمس بوند «السقوط من السماء»، لشخصية
الزوجة الثانية لمانديلا مذهلا، وتعتبر هذه الشخصية الجانب الدرامى
الأكثر تأثيرا من الناحية العاطفية فى مشوار حياة رئيس جنوب
أفريقيا السابق. وقد أقرت بمفاجآتها عندما اتضح أن الشخصية التى
اضطلعت بها ليست كما تخيلتها، بل كان لها دور فاعل فى المجال
السياسى وعندما سئلت عن تغير ما حدث فى حياتها بعد أداء هذا الدور،
أجابت: أحدث الأمر تغييرا كبيرا وهذا رائع. |