حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان دبي السينمائي الدولي التاسع ـ 2012

وجدة : سينما المقاومة

دبي - رامي عبد الرازق

افتتح الفيلم السعودي وجدة إخراج هيفاء المنصور عروض البرنامج العربي ضمن فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي (9-16 ديسمبر) حيث يتنافس مع 15 فيلما أخرين وذلك بعد أن شهدت دورة مهرجان فينيسا الأخيرة العرض العالمي الاول له.

استطاع مهرجان دبي هذا العام ان يقدم مجموعة من العروض المميزة خلال مسابقة المهر العربي منها عروض عالمية اولى وعروض دولية وشرق اوسطية ومحلية اولى ربما اهمها بعد وجدة عروض افلام مثل"هرج ومرج" اول افلام المخرجة المصرية الشابة نادين خان ابنة المخرج محمد خان وفيلم"مون دوج" للمخرج المصري العائد بعد غياب خيري بشارة والعرض الدولي الأول لفيلم"زيرو" للمخرج المغربي نور الدين لخماري بعد عرضه المحلي الأول ضمن فعاليات مهرجان مراكش في دورته الأخيرة, بالأَضافة إلى عرض فيلم"الشتا اللي فات"للمخرج المصري ابراهيم البطوط الذي كان ايضا ضمن الاختيارات الرسمية خارج المسابقة في مهرجان فينيسا هذا العام.

خارج القطيع 

في المشهد الأول من وجدة نرى في لقطة متوسطة مجموعة من احذية فتيات المدرسة وهم يقفون في صفين متتابعين كلهم يشبهون بعضهم ثم نرى حذاء واحد رياضي مختلف وعندما تصعد الكاميرا عنه إلى اعلى نجد انه حذاء بطلتنا الصغيرة وجدة تلميذة الصف الرابع والتي لا تغني بحماس تلك الانشودة الدينية.

تطلب منها المعلمة أن تخرج من الصف وتنشد بمفردها وتخرج بالفعل لكنها لا تنشد فيتم طردها ثم يبدأ الكورال او القطيع الصغير في الغناء بقوة بعد أن تم عقاب وجدة امامهم لتضعنا هيفاء المنصور مخرجة الفيلم منذ اول مشهد في اطار التمرد والأختلاف الذي سوف يصبح علامة مميزة لشخصية الصغيرة وجدة, انها ترفض ان تكون جزء من قطيع, انها متمردة وذات شخصية مختلفة اي باختصار تغرد خارج السرب.

قوة اي سينمائي حتى في عمله الأول تظهر من خلال المشهد الأول وهيفاء في اول افلامها الطويلة وبعد خمسة سنوات من الأعداد تتمكن من ابراز هذه القوة بذلك المشهد.

وجدة ليست طفلة عادية وليست امرأة صغيرة انها نموذج للأختلاف في مجتمع يرفض ذلك ويعتبر المختلف مذنب والحر مريض او شاذ, على المستوى الأجتماعي تعيش وجدة مع امها وابيها الذي يعمل في الصحراء.

في لغة سينمائية مكثفة وسلسة نرى الأب بعد عودته بأفرول العمل الملطخ بالبقع يهدي ابنته حجر صغير من صحراء الربع الخالي اذن نعلم ما هو عمل الأب واين ولماذا لا يأتي للبيت سوى كل اسبوع مرة, الأم تعمل في مستشفى بعيدة لكن السائق الهندي يتحكم فيها بشكل غريب لماذا ؟ لانهم في بلد يحرم على النساء قيادة السيارات.

الأبواب المغلقة

استطاعت هيفاء ان تصور داخل مدينة الرياض وهو انجاز ضخم لم يحققه سينمائي قبلها وتبدو المدينة حاضرة بقوة لا في صورتها الحضارية ولكن كجزء من مجتمع قمعي يعاني من الهوس الديني.

تركز المخرجة على اسوار البيوت العالية التي تسير امامها وجدة وعلى الأبواب الكثيرة التي تغلق, فالفيلم مليئ بالأبواب الحديدية المغلقة, انه الهوس بالحرمة والعورة, نرى بيت وجدة من الخارج كثيرا امام الباب الحديدي الذي يغلق باستمرار عليها وعلى امها, نرى التلميذات يدخلون إلى المدرسة حيث يعاملون من مديرة المدرسة "حصة/ الممثلة السعودية المهاجرة عهد" معاملة قاسية تمثل الجانب السلطوي, وبعد دخولهم يغلق الباب الضخم خلفهم, اينما ذهبت وجدة ثمة باب مغلق عليها او على امها او على نساء الفيلم.

الام في الفيلم الممثلة الجميلة ريم العبد لله بكل فتنتها وسحرها العربي الأصيل نراها في اغلب مشاهدها تتزين وتتجمل من اجل زوجها, رغم انها ربة اسرة وامراة عامله وفي المقابل الزوج غائب عن المنزل, مشاهده قليلة لكن حضوره الذكوري واضح في مجتمع يقدس الذكورة, تفصايله التي يعكسها جلبابه, غترته التي تكويها, حتى شجرة عائلته التي لا تحتوي سوى على الذكور فقط وعندما تضيف لها وجده اسمها تجد الورقة الملصقة منزوعة عن لوحة الشجرة وممزقة.

الدراجة/ الحلم

الجانب النفسي في شخصية وجدة يتجسد في حلمها بركوب دراجة التي تمثل جزء من المحرمات في مجتمع لا يسمح بقيادة المرأة للسيارة, ومن أجل هذا الحلم نراها تعمل بجد في صناعة اساور اليد الصغيرة بحسب اعلام نوادي الكرة, تنجزها ببراعة وتتقاضى اجرا عليها, هذا نموذج ايجابي ومختلف لطفلة تحمل روح التمرد والرغبة في الأعتماد على النفس, انها تصطحب صديقها الصغير إلى بيت الهندي كي تطلب منه أن يعود لتوصيل امها بعد ان رفض الهندي ان يوصل الأم مما هدد عملها, ولم تجروء الام على الذهاب ولم يدر الأب شيئا فهو منشغل في عمله وبحثه عن زوجة جديدة تنجب له الولد, لكن وجدة تفعلها, أنها نموذج البطل الدرامي المكتمل الأبعاد فالعقدة تنبع منها والصراع يتصاعد بناء على القرارت التي تتخذها وهو هنا صراع ضد قيم اجتماعية وافكار رجعية مما يزيده صعوبة وعسرة وفي المقابل تحقق هيفاء في السيناريو ما يعرف دراميا بوحدة الأضداد اي ان الخصوم الذين امامها لا ينالهم تعب من الصراع ضد رغبتها والخصوم هنا يتجسدون في كل مديرة المدرسة رمز السلطة الفوقية والتشبث الأعمى بظاهر الدين.

في مشهد بليغ عندما تقرر وجدة أن تشتري دراجة كي تسابق صديقها في محاولة منها لأثبات أنها لا تقل عنه في شئ-انتصار انثوي على طغيان الذكورة الزائف- تقدم لنا هيفاء الدراج 

طائرة في الهواء في مشهد واقعي ذو دلالة سحرية وشعرية في نفس الوقت, انها تصور الدراجة المحمولة من فوق عربة نقل ولكن من زاوية نظر وجدة الواقفة خلف سور عال لتصبح الدراجة وكأنها تطير بالفعل في الهواء فتتطابق دلالة الحلم مع حقيقية النظرة  دون خروج عن اطار الواقعية التي تتخذه المخرجه نوعا وشكلا لتجربتها.

تذهب وجدة كي تحجز الدراجة لتواجه بالطبع بالأجابة المعهودة لا يوجد فتيات يركبن دراجات, وتبدو في قمة عنادها كبطلة درامية وهي ترفض هذه الأجابة, سوف اشتري الدراجة هكذا تقرر.

العلم والقرآن

لم يكن قرار وجدة بالحصول على الدراجة سببه رغبة طفولية لللعب, انها تريد اثبات ذاتها وانها كأنسان لا تقل عن أ] فتى من اقرانها الذكور, هنا يكمن سر قوة الشخصية الدرامية, فرحلة الحصول على الدراجة ليست مغامرة طفولية تنتهي نهاية سعيدة, بل هي نموذج مجسد لعملية كفاح ضد مجتمع يعاني من شبه فاشية دينية واجتماعية تحط من شأن كل ما هو مؤنث وتتخذ من الدين شكلا للحياة دون جوهر حقيقي.

على حوائط المدرسة ليست ثمة سوى آيات قرآنية واوامر بطاعة اولى الأمر وشعار لا اله إلا الله, على اسوار البيوت وفوق الحافلات وفوق يافطات المحلات, هوس ديني عميق ومتجذر حتى ان الأم توبخ ابنتها كي لا تترك القرآن مفتوحا فيدخله الشيطان! في مقابل الأب الذي لا يزال يتصور أن زوجته هي السبب في انجاب البنات دون أن يعلم حتى الأن أن جنس المولود يحدده الأب وليس للام دخل فيه.

هذه التقابلات الدرامية تعزز من قوة الفكرة داخل السيناريو وتزيد من تماسك الموضوع رغم تشعبه في خطين اساسين, الأول هو الهوس الديني والثاني قضية المرأة في مجتمع منغلق فكريا وحضاريا.

تتجرأ هيفاء على ابراز شكل السلطة المسيطرة على المجتمع, بصريا تقدم ابله حصة مديرة المدرسة وهي توبخ وجدة بينما في خلفية الكادر خلف حصة نرى صورة العائلة المالكة وكأن هيفاء تقدم لنا المعادل البصري على مصدر السلطة والتحكم.

تتكرر صور العائلة المالكة في الفيلم احيانا تهكما واحيانا كجواب بصري على اسئلة درامية تطرحها المخرجة عبر وجدة على الجمهور تاركة الأجابة للصور, يكفي تلك الآية التي تبدأ بها محفظة القرآن علمية التحفيظ للبنات في المدرسة (واطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم)

اختيار في منتهى الذكاء سواء مستوى عملية التلقين والتدجين التي تمارس على الأجيال الجديدة او على مستوى النقد السياسي والأجتماعي لمجتمع يعاني من قشور التدين الظاهري.

وعندما تقرر المدرسة ان تقيم مسابقة يجب أن تكون المسابقة مرتبطة بالقرأن الكريم, أي حفظه وتجويده وتفسيره وجائزتها1000 ريال, بينما وجدة لا تحتاج سوى ل800 ريال فقط لشراء الدراجة.

هنا تصعد الحبكة في قوة نحو هدفها, سيكون على وجدة حفظ وتجويد خمسة ايات من القرأن كي تفوز بثمن الدراجة, تبلغ الحبكة ذروتها الفكرية, انه مجتمع يدفع افراده إلى حفظ القرآن من أجل تحقيق اغراضهم الشخصية, ولم تتأثر وجدة بما حفظته ولكنها حفظت وجودت, لم يتغير شئ في شخصيتها لأن لها هدفا من وراء عملية الحفظ, ان تلك الحبكة تمثل جوهر النقد الذاتي الذي تكنه هيفاء لمجتمع يدفع افراده لمثل هذه التصرفات, لو انه مجتمع حر يسمح للمرأة بمكانة راقية دون تحكمات او تحريمات واعتبارات العورة والشرف لما كان على وجدة ان تقبل على حفظ القرآن بهذا الشغف من اجل شراء دراجتها , بل ان الحبكة تبلغ ألقها الخاص عندما تفوز وجدة بالفعل ولكنها لا تحصل على مبلغ الجائزة لأنها نطقت الصدق ولم تكذب وقالت انها تريد شراء دراجة مما دعا المدرسة/رمز السلطة الدينية والمعنوية ان تقول ان الدراجات ليست للفتيات"المؤمنات"الذين يبغون الحفاظ على شرفهم(هكذا بالنص) ثم تقرر التبرع نيابة عن وجدة بالمال إلى فلسطين كي تحصل وجدة على ثواب معاونة الاجئين.

 في هذا المشهد تبلغ الكوميديا السوداء حدها الأقصى, فالمدرسة لا تمنع وجدة من تحقيق حلمها بما اجتهدت من اجله ولكنها تقرر نيابة عنها ان تمنحها ثوابا هي لم تطلبه ولم تسع له ولم تفكر فيه بحكم سنها وطفولتها, وتقرن المدرسة ركوب الدراجة انه لا يصح للفتيات المؤمنات وهو خطاب يمثل قمة الفاشية الدينية, ليس لانه غير علمي لكنه غير انساني ايضا في التعامل مع موقف كهذا.

تحريم الصور وزواج القاصرات

يعتمد السيناريو على مشاهد عابرة تمثل قطعا متفرقة من صورة النقد الاجتماعي الشاملة التي تقدمها هيفاء بخبث سينمائي عميق, في مشهد عابر تدخل المحفظة على الفتيات الصغيرات الائي لم يبلغ معظمهن لتجد تلميذة طفلة توزع صور على زميلاتها وعندما تسألها ما هذه الصور تقول لها انها صور زفافها-اي الطفلة- فترد المدرسة ممنوع احضار الصور للمدرسة لأن الصور حرام, ثم تطلب منهم البدء في التجويد ليصبح هذا المشهد العابر ذروة من ذرى النقد الفني لمجتمع يحرم الصور لكنه يحلل زواج الأطفال.

قد تتهم هيفاء بأنها تعاني من ازمة التجربة الأولى في كونها تريد الحديث عن قضايا كثيرة في زمن الفيلم المحدود لكن في الحقيقة استطاعت بقدرتها السلسلة على الحكي وكثافة لغتها ان تجتاز تلك الازمة باقتدار خاصة فيما يتعلق بالحبكة الموازية لصراع وجدة في الحصول على دراجة وهي حبكة رغبة ابيها في الزواج على امها لانجاب الولد ووضع المرأة في المجتمع السعودي صاحب النفوذ الذكوري المطلق.

استطاعت المخرجة من خلال مجمل مشاهد البيت وعلاقة الأم بصديقتها التي تعمل في مستشفى قريب من البيت وعلاقتها بالسائق الهندي أن تجسد معاناة الزوجة في مثل هذه المجتمعات, وان تستخدمها ببراعة في النهاية كي تصب في الحبكة الرئيسية.

فبعد أن تفشل وجدة في الحصول على قيمة الجائزة, وبعد ان يذهب الاب كي يتزوج من امراة اخرى تاركا زوجته الجميلة المحبة المتفانية التي لم تشأ اغضابه بالعمل في مستشفى قريب من البيت لأنه يحتوي على احتكاك بالرجال وتحملت سخافة السائق الهندي, بعد كل هذا يتركها ويذهب لأخرى مما يدفعها لأن تقرر شراء الدراجة لابنتها.

الطريق 

في المشهد الأخير تخرج وجدة من خلف الباب المغلق تتابعها الكاميرا وهي تذهب كي تحقق رغبتها التي سعت من اجلها عبر رحلة مضنية, تتسابق هي وصديقها الصغير, ثم تسبقه تتابعها الكاميرا وهي تجري بسرعة الريح حرة متألقة سعيدة, تفرغ كل الكبت الذي احتشد داخل المتفرج عبر متابعته للاحداث.

تتوقف الكاميرا عن متابعتها وفي لقطة واسعة تتركها تتجه نحو الأفق الذي ما هو إلا طريق سريع تمرق فيه السيارات بسرعة خاطفة, انه طريق الحياة المفتوحين من الأتجاهين والذي يجسد بداية رحلة جديدة او لنقل بداية البداية, فرحلة وجدة لم تنتهي بحصولها على الدراجة واثبات تفوقها على صديقها في السباق الطفولي ولكن رحلتها الحقيقة ستبدأ في مواجه مفترق طريق بين الحرية والقمع وبين التمرد والأنصياع وراء ثقافة القطيع.

تنتقل الكاميرا إلى لقطة متوسطة امامية لوجدة وهي تنظر يمينا ويسارا بعد أن وصلت إلى الطريق السريع, اي الطريقين سوف تختار, اي الأتجاهين سوف تسير, ثم تظلم الشاشة تاركة السؤال معلقا في وجدان المتلقي.

بهذه اللقطة تترك هيفاء مغزى الفيلم مفتوحا للتأويل, انها تضع اقواسا لكنها لا تحد خيال المتفرج او وجدانه القوس الاول بدأ مع المشهد الاول عندما خرجت وجدة عن قطيع المنشدين والقوس الثاني ولا نقول قوس النهاية عندما حققت وجدة حلمها باقتناء الدراجة وتوقفت كي تختار بين الأتجاهات في حرية ورغبة في تقرير المصير.

ان وجدة هو نموذج لسينما المقاومة الفكرية او لفن المقاومة, انه يذكرنا في مستوى من مستوياته برائعة عبد الرحمن منيف شرق المتوسط(التي تجسد صورة حية لعذاب مناضل شرقي عندما تخلى عن مبادئه وأن كنا هنا اما موقف عكسي تمام ولكن بنفس القوة التأثيرية), كيف للفن أن يعضد ويقاوم ويكشف ويبوح ويفضح ويؤثر وجدانيا وذهنيا على متلقيه وجمهوره سواء على المستوى المحلي أو على مستوى العالم.

الجزيرة الوثائقية في

16/12/2012

 

الفيلم اللبناني "عصفوري" ضرورة الذاكرة والسينما أيضا!

رامي عبد الرازق- دبي 

"عصفوري" هو الفيلم اللبناني الوحيد ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة خلال الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي (9-16 ديسمبر)، الفيلم من إخراج اللبناني فؤاد عليوان وهو نفسه كاتب السيناريو وشريك الإنتاج مع زوجته روزي عبده.

درس فؤاد عليوان السينما بجامعة مونتانا الأمريكية وأنجز منذ تخرجه عددا من الأفلام الروائية القصيرة منها "شوق مريض لوطن مريض" و"هوا بيروت"و"إلى اللقاء"وقد حصل فيلمه"عصفوري"على منحة إنجاز المقدمة مؤسسة دبي للإعلام، ويعتبر عرض الفيلم ضمن مسابقات المهر العربي هو العرض العالمي الأول له.

الوطن/ البناية

في تقديمه للفيلم قال عليوان ان الفيلم عن بناية جدة أبو عفيفي وهي واحدة من البنايات القديمة في بيروت والتي تنوي البلدية هدمها، ومن هنا جاء قراره أن يقوم بتصويرها داخل فيلم يتحدث عنها كي يوثقها ويحفظ صورتها, فقرارات الأزالة لا تسري على ذاكرة السينما.

قد تبدو فكرة الوطن/ البناية إحدى التيمات الشهيرة في أفلام الذاكرة او الأفلام السياسية ذات الطابع الاجتماعي التي تدور خلال حقبة ماضي، فالموازة بين ما يحدث في بناية واحدة اختصارا لوطن ودولة كاملة- أو ما يحدث لها- هو تواز جيد، في حال تمكن صناع الفيلم من صياغته بشكل عميق وحقيقي ودون أفتعال او ميلودراميا او مباشرة تقتل روح التعبير الفني.

لكن ما حدث في"عصفوري" أن المخرج قام بخلطة غريبة من عدة أشكال وأنواع سينمائية دون دراية كافة بمدى هارمونيتها الكميائية داخل التجربة، مما افقد الفيلم قوة البناء، فأمسخ الأسلوب وضاع ألق الفكرة وأنتهت التجربة إلى كونها محاولة متعثرة لصناعة فيلم عن حال الوطن وضرورة الذاكرة بأقل نسبة من السينما وأكبر كمية من الأخطاء.

يبدأ الفيلم بمشهد مصور بتقنية الكاميرا سوبر 8 لسرب حمام يطير بشكل دائري في سماء بيروت القديمة، اللقطة من خلال تقنية السوبر8 تعطي شعور بالنوستالجيا والحنين إلى الماضي الجميل، يتبعها مباشرة لقطة لأحدى شرفات البناية ويكتب على الشاشة بيروت 75 أي قبل أيام قليلة من إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.

ولأن المخرج يصور البناية في عام 2012 فإن أضمن وسيلة للإيهام هي الاقتراب من البناية قدر الإمكان في لقطات قريبة أو متوسطة مع وجود بعض السيارات القديمة التي تعكس الحقبة الزمنية، ويبدو السرد والإيهام الخاص ببيروت خلال سنوات الحرب الأولى (75 - 82) أكثر قوة وتماسكا من أجزاء السرد والأيهام الخاصة ببيروت عام 95 بعد توقيع اتفاقية الطائف وبدء إعادة الأعمار.

في البداية نتعرف من خلال مشاهد ذات طابع اجتماعي ملون بمسحة طرافة او إستظراف على الأسر التي تسكن في البناية، والتي أهمها أسرة كريم حفيد ابو عفيفي/ المعادل الدرامي للمخرج نفسه والمكونة من أمه الحازمة ربة المنزل قوية الشكيمة وأبيه الطيب الحنون وأخته الصغيرة.

يعتمد الفيلم على سرد متقاطع يحاول ان يكسر الزمن عبر الفلاش باك سواء القادم من ذاكرة كريم أو بأسلوب الأستدعاء الحر دون أن يكون عبر ذاكرة أي من شخصيات الفيلم.

هذا السرد المتكسر هو جزء من فكرة ضرورة الذاكرة التي تحدثنا عنها لكنه يأتي ساذجا في احيان كثيرة ومفتعلا ومقحما في أحيان أخرى، خاصة فيما يتعلق بذكريات كريم عن أسرته وجده والبناية والجيران، فالمشاهد تبدو ركيكة نمطية تشبه عشرات المشاهد التي قدمت من قبل في كل الأفلام التي تحدثت عن الحرب اللبنانية (الملثمون- الكتابة على الجدران–اصوات المدافع والطلقات النارية- الخوف من المجهول) المشكلة ليست في التكرار ولكن في كونه تكرار باهت وغير طازج لا يؤطر لرؤية جديدة أو يطرح زاوية مختلفة للنظر إلى الماضي أو الحاضر على حد سواء.

عام 95 يعود كريم إلى لبنان ليواجه بالحديث المستمر عن إعادة الأعمار ويرى كم التغير الذي طرأ على البناية خاصة على المستوى الديموغرافي، فالسكان تغيروا، بعضهم هاجر وبعضهم مات وجاء إلى البناية مهاجرون من مناطق النزاع الطائفي, كاتب مسرحي عجوز مسلم وزوجة مسيحية شهوانية وأبنة طائشة لديها ميول للعهر الفني تريد أن تغني بجسدها وتسافر إلى حفلات الأمراء في الخليج, والتي نراها تعجب بكريم من النظرة الأولى وتصعد له في شقته كي تغويه دون سابق معرفة.

ضرورة السينما

بمجرد أن ينتقل الفيلم إلى عام 95 ينحدر المستوى الإيهامي والدرامي تماما، فالمخرج اختار عام إعادة الأعمار ليحاول قراءة عملية هدم وبناء الوطن من جديد، أو بمعنى أدق هدمه لصالح الآخرين وليس لصالح ابنائه متمثلا الوطن في البناية, لكن يفوته تفاصيل بصرية كثيرة حيث يتساهل في أمور مثل ماركات السيارات، ووجود أجهزة المحمول الحديثة في منتصف التسعينيات وهو ما لم يكن وقتها خاصة على مستوى الأشخاص العاديين وفي بلد لم يكن فيه بنية تحتية فما بالك بشكبة محمول، ورغبة جارة كريم الطائشة في ان تصور فيديو كليب كي تقدم نفسها كمطربة وقت لم يكن هناك ما يسمى بالفيديو بالكليب، وهي محاولة للنقد الأجتماعي عن فتيات لبنان الائي تحولن فيما بعد لمجرد أجساد تتلوى على الشاشة بدعوى الغناء، بل أن كريم حين يذهب لأحد البارات يلتف الجميع حوله ويغنون أغنية راب عربي وذلك قبل ظهور الراب العربي بعقد كامل على الأقل.

ويصل فقدان الأيهام لحد العبث الكامل عندما تتحدث نشرات الأخبار في التليفزيون المحلي عن تولي رفيق الحريري رئاسة الوزراء وفي المشهد التالي نلمح جزء من المنشورات الملصقة على جدران البناية تحي الشهيد رفيق الحريري الذي قتل بعد هذا التاريخ بعشر سنوات!

لقد اختار المخرج الحقبة الزمنية الصحيحة لكنه لم يوفها حقها الدرامي أو البصري فصار الجزء الخاص بالتسعينيات أقرب للبارودي منه للتناول الدرامي الرزين والهادف.

ناهينا عن المباشرة التي تمثلت في تعرف كريم على مذيعة شابة فرنسية من اصل لبناني، الممثلة الشابة (زلفي سورات) وهي ايضا مشاركة في السيناريو ويبدو انها مشاركة بمشاهدها فقط.

هذه المذيعة تقوم بعمل بعض الريبورتاجات عن إعادة الأعمار وفي سياق تليفزيوني برامجي بحت تلتقي مع بعض المتضررين من عملية هدم البيوت القديمة وعدم الحصول على بيوت جديدة وهو جزء من تخبط الأساليب لدى المخرج وزيادة طين المباشرة ببلة تليفزيونية.

تفرد زلفي لنفسها مشاهد طويلة تغني فيها في السيارة بجانب كريم وترقص قليلا وترتدي مايوه على البحر وأخيرا تمارس معه الجنس كاشفة صدرها الجميل وكأنها تقدم دعاية عن امكانياتها كممثلة شاملة ولكنها للأسف لا تملك من مقومات الموهبة شيئا يذكر, فهي مجرد وجه جميل لكن لا تزال تحتاج إلى مران درامي وفني كثير كي تتبلور وتصبح قادرة على تجسيد شخصية درامية وليس مجرد تمثيل دورها في الحياة كفتاة جميلة.

في الفصل الأخير من الفيلم يتخبط الأسلوب تماما، تبدأ الشطحات الفانتازية في الظهور متمثلة في ظهور الممثلين بأكثر من شخصية ودون مبرر درامي مقنع، فتظهر شخصيتين كاريكاتوريتين لا ندري لماذا رغم ان الفيلم من المفترض أنه كوميدي وليس هزلي لدرجة الكاريكاتورية، هاتين الشخصيتين هما محاسبي لجنة التعبئة والأحصاء التي شكلت بعد الحرب لتعداد السكان ببيروت، ولكننا نجدهم بعد قليل في سيارة فاخرة وملابس أنيقة وان كانوا بنفس الكاريكاتورية وقد تحولا إلى مندوبي شركة مقاولات تريد شراء البناية وهدمها لبناء مول تجاري، صحيح أن فكرة هدم البناية القديمة وبناء مول فكرة جيدة وإن كانت نمطية في السينما المنتجة بالمنطقة العربية خاصة مصر، وصحيح أن أداء نفس الممثلين لشخصيات رجال الحكومة وفي نفس الوقت رجال الأعمال الجدد سخرية واضحة لكنها تقدم بأسلوب خارج عن اطار الفيلم الذي يتخذ شكل الواقعية الاجتماعية او السياسية منذ بدايته، والذي يتغير نحو الفانتازيا في النهاية بلا مبرر أو أقناع.

يبدأ كريم بعد زيارة مندوبي شركة المقاولات في رؤية كابوس طويل يرى نفسه فيه وكلا الرجلين يقومان بالحلاقة له دون إرادته وهو اسوأ مشاهد الفيلم تنفيذا ودلالة, لأنه يقدم رؤية شعبوية تافهة عن فكرة"الحلاقة" بالمفهوم العامي أي النصب والأحتيال رغم أن المخرج كان لديه تواز جيد لو أنه صنع تقابلا فنيا بين مشهد الحلاقة الجبرية وبين مشهد الحلاقة الرقيقة لكريم وهو ما يزال صغيرا والذي كان أحد ذكرياته التي رأينها في البداية عن بيروت والبناية القديمة.

ولا يتوقف المخرج عند مشهد الحلاقة الجبرية الفج والمصور بأسلوب الكاميرا الغير مستقرة مع مونتاج أرعن وهزلي، لكنه يستمر في مسألة ظهور نفس الممثلين بشخصيات أخرى وإذا به ينهي فيلمه على الطريقة المصرية (يحيا الهلال مع الصليب) حيث يقدم لنا شخصية الحلاق العجوز مع صديقه أبو عفيفي جد كريم واللذان رأيناهما من قبل في أحد مشاهد الفلاش باك ولكن في هذه المرة يقدمهم كشيخ معمم وقس يرتدي الأسود وهم يبحثان في البناية عن أي من السكان حتى يصلان إلى السطح متعبين ومندهشين من فراغ البناية من سكانها, دون أن ندري من هم ولا لماذا يبحثان عن السكان ولا أين ذهبت عائلة كريم ! بل هي محاولة رخيصة لأقحام شعار الوحدة الوطنية دون ان يكون له محل من الإعراب الدرامي أو التمهيد الشكلي فمشكلة البناية ليست طائفية من الأساس ولا تحتاج إلى شيخ وقسيس متحدين يبحثان عن السكان لهدايتهم.

تنتقل الكاميرا في المشهد الأخير في حركة بان واسعة وطويلة لنرى أفق بيروت المليئ بعمليات البناء الحديث بعد مشهد لتعليق قرار الأزلة على بناية أبو عفيفي فيصيبنا التشوش! فهل الرسالة أن البنايات القديمة يجب أن تهدم من أجل إعمار المدينة من جديد! وهي رسالة مناقضة تماما لكل ما حشد له المخرج أثناء الفيلم, أم أن الرسالة أن الوطن القديم يهدم ويباع لصالح منتفعين جدد؟ لكننا لا نراهم في هذه اللقطة للأفق البيروتي الحديث بل نرى حركة إعمار حماسية وجيدة لا تفيد أبدا أن أحدهم يستغل هذا البلد بسوء, أن أسوأ ما في هذا النوع من الأفلام أن يظل المعنى بعد نهاية الفيلم في بطن المخرج فلا نحن خرجنا برسالة ولا شاهدنا سينما حقيقية.

عصفوري

تبقى الإشارة إلى أن عنوان الفيلم "عصفوري" اكتشفنا أنه قادم من تلك اللغة المؤلفة والتي يقول كريم لصديقته الفرنسية أن جده وجدته كانا يتحدثان بها بإضافة حرف زين لكل كلمة، ولكن الغريب أننا أثناء الفيلم لا نر الجد والجدة يتحدثان بها ولكننا نسمعها من الجد أبو عفيفي وصديقه الحلاق العجوز قبل أن يتحولا إلى قس وشيخ في النهاية, بالأضافة إلى أن تلك اللغة الخاصة والمأخوذ منها أسم الفيلم لا علاقة لها من قريب أو بعيد بموضوع البناية والذاكرة والوطن الذي يهدم ويبنى, بل أن وجودها من عدمه لم يكن ليشكل فارق في السرد ولا الحكاية ولا التيمة ولكنها جزء من التخبط الأسلوبي والفكري لصناع الفيلم.

عين على السينما في

18/12/2012

 

الفيلم الجزائري "يما": الأم والأرض والوطن

رامي عبد الرازق - دبي 

ضمن عروض مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة بالدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي (9-16 ديسمبر) والتي تضم 16 فيلما من مصر والجزائر ولبنان والمغرب والأردن قدمت المخرجة الجزائرية جميلة صحرواي تجربتها الجديدة فيلم "يما".

وتشارك الجزائر هذا العام بفيملين هما "يما" و"زبانا" للمخرج سعيد ولد خليفة في مقابل ثلاثة أفلام من المغرب هما "زيرو" لنور الدين لخماري، و"محاولة فاشلة لتعريف الحب" للمخرج حكيم بلعباس، و"خويا" لكمال الماحوطي، وثلاثة افلام من مصر هي "هرج ومرج" لنادين خان، و"مون دوج" لخيري بشارة، و"الشتا اللي فات" لأبراهيم البطوط.

وهناك فيلمان من الأردن هما "لما ضحكت موناليزا" لفادي حداد، و"على مدي البصر" لأصيل منصور، وفيلم لبناني واحد هو"عصفوري" لفؤاد عليوان، وفيلم تونسي واحد بعنوان "نسمة الليل" لحميدة الباهي وهو ابن المخرج التونسي الكبير رضا الباهي.

المخرجة الجزائرية جميلة صحرواي من مواليد 1950 وهي تقيم في فرنسا منذ عام 1975. أخرجت أول افلامها الروائية الطويلة عام 2006 "بركات" الذي حصل على جائزة المهر العربي من مهرجان دبي في دورته الثالثة، وكانت قد قدمت من قبل عدة تجارب وثائقية منها "في نصف سماء الله" 1995   و"الأشجار تنمو أيضا في بلاد القبائل".

يا أمي

عنوان الفيلم يحمل في صيغته عدة دلالات تتكشف عبر سياق التجربة فهو صيغة نداء تفيد الاستنجاد بالأم التي تجسد هنا الحنان والأمن والشفاء والرحمة والراحة، وهو صيغة شكوى تفيد التعبير عن الألم الداخلي(آه يا أمي)، وهو صيغة نداء تفيد الشفقة على تلك الأم التي فقدت ولدي رحم وابن افتراضي.

المشهد الأول من الفيلم يبدأ بلقطة واسعة لجبال الجزائر المزدحمة بالخضرة والأشجار، هذا الجمال الطبيعي للأرض التي تبدو بكرا، وفي أقصى الأفق تبدو نقطة وحيدة تتحرك ببطء، تقترب تدريجيا من الكاميرا الثابتة لنكتشف أنها الأم قادمة تجرجر جثة ابنها المقتول، نراه وهو يرتدي الزي العسكري لندرك انه ضابط في الجيش.

في المشهد التالي نتابع عملية التغسيل والتكفين كاملة تقوم بها الأم في إيقاع طقسي وبملامح جامدة مصبوبة، إلى أن تدفن الإبن بجوار البيت الذي تعيش فيه.

عملية التكفين والغسل تستغرق وقتا طويلا كنوع من ترسيخ كم العذاب والحزن الهائل التي يتراكم داخل الأم وهي تقوم بتغسيل وتكفين إبنها الشاب، هذا المشهد سوف يصبح جزءا من الرفض النفسي للشخصية/ الأم ضد ابنها الأخر، علي الذي نراه يأتي بعد ذلك لنعرف أنه أحد قيادات الجماعات الإسلامية المتطرفة وقتما كانت الجزائر تعاني من هجوم المتطرفيين الأسلاميين.

الطريقة التي تعامل بها الأم الإبن الثاني من قسوة ورفض واتهام بأنه قتل اخاه تجعلنا في كل مرة نتذكر مشهد التغسيل والتكفين.

تتفرع الحبكة قليلا في استلهام للقصة التراثية حول قابيل وهابيل، تسأل الأم ابنها المتطرف عن زوجة أخيه التي اختطفها فيقول لها ان الزوجة كانت تحبه هو وان اخاه هو الذي اختطفها ندرك ان ثمة صراع أخوي على امرأة وان أحدهما قد يكون قد قتل اخاه لهذا السبب وليس بسبب ان احدهم جندي والأخر متطرف خارج عن القانون.

علاقة بالنظرات

يقول شاعر السينما الفرنسية روبير بريسون إن الفيلم هو بناء علاقة بالنظرات، وهو ما يبدو متجليا في فيلم صحراوي، الشخصيات القليلة والصراع الداخلي المكثف والألم الذي يسكن الملامح الصامتة كل هذا ينحي من الحوار لتحل محله النظرات المعبرة والساردة لأفكار الشخصيات وانفعالاتها.

يعين الإبن المتطرف شابا "أكتع" لمراقبة الأم، يبدو الشاب أكثر طيبة من الأبن واكثر حنية على الأم، يحاول مساعدتها لكنها تتعامل معه في البداية على أنه غير موجود, تفرد جميلة الفصل الاول من فيلمها في الاستغراق داخل عملية شعرية كاملة، بعد أن تقوم بدفن ابنها القتيل، تضع صورته على قبره وتوقد له الشموع وتبكي، يأتي الابن المتطرف ليتهمها بأنها صارت مسيحية ويأمر الشاب الأكتع أن يزيل كل هذه الأشياء الخارجه عن الملة، لقد أرادت أن تحفظ ذكرى ابنها وتراه دوما لكن الابن المتطرف منعها ذلك، في مقابل الشموع التي أطفأها المتطرف فوق قبر اخيه. تقوم الأم بحرق كل اشيائه وأثاث غرفته كنوع من الانتقام المعنوي.

ثم تفرد المخرجة مشاهد ولقطات طويلة لعملية حرث الأرض من جديد وزراعتها، هنا تتجلى الواقعية الشعرية في التجربة، لقد دفن الإبن في الأرض وها هي الأم وكأنها في دأبها على محاولة استصلاح الأرض وزراعتها تحاول أن تنبته من جديد.

في لقطات متتالية نتابع عملية نمو الزرع وكأن الأرض أثمرت مرة أخرى ويتوازى نمو الزرع مع حضور الإبن المتطرف حاملا طفلا صغيرا لا يزال مولودا، نعلم من حواره مع الأم أنه ابن زوجة أخيه التي أخذها المتطرف لنفسه. تقول له الأم هذا ابن اخيك وليس ابنك، يهم بأن يضربها لكن الشاب الاكتع يمنعه عنها.

دلالة ظهور المولود مع نمو الزرع عقب جهد الأم في حرث الأرض واضحة. إن الأم/ الأرض لا تموت أو تنتهي حتى لو مات زرعها فهي قادرة على الانجاب من جديد. يتقرب الشاب الأكتع من الأم عبر صناعة محفة للطفل، تستبدل الأم ابنيها بهذا المولود الجديد وذلك الشاب الذي فقد ذراعه في تفجير أحد الجسور مع الجماعات المتطرفة.

في مشهد مؤثر يأتي الجيش ليفتش عن المتطرفين تحمل الأم المولود الصغير وتشير للشاب الأكتع قائله للضابط"هذا ابني وهذا ابنه", تجعله يقيم في غرفة الأبن المتطرف وينام في فراش جديد.

وفي المشهد التالي نرى الأم وهي تقوم بعملية تنظيف للطفل المولود ودهن جسده بالزيت وتغيير ملابسه. يذكرنا هذا المشهد مباشرة بمشهد تغسيل الإبن القتيل وتكفينه. لكن هنا الحياة تبدأ من جديد وهناك انتهى الجسد الشاب بالموت، تتعمد المخرجة تلك التقابلات الدرامية والبصرية لهذا تفرغ فيلمها من أي ثرثرة فارغة، شريط الصوت لا يحتوي تقريبا سوى على الأصوات الطبيعية للجبال والرياح وحركة الشجر وصوت الماعز والأبواب والأشياء. حركة الكاميرا شحيحة تشير فقط إلى ما تريد المخرجة للمتفرج ان يتشبع به، انها تريد أن ينصب تركيزه الوجداني على تلك التقابلات والتوازيات الشعرية.

يما أنا بردان

يعود الإبن المتطرف مصابا في ساقه برصاصة، ترفض الأم مساعدته، تغلق عليها الباب، يحاول الشاب الاكتع إخراج الرصاصة لكن يظل الجرح مؤلما. تعيش الأم الآن مع شابين أحدهم أكتع والأخر أعرج، هذا ما خلفته الحرب الطائفية.. هذا ما خلفه الأرهاب باسم الدين والتطرف واليمينية الرجعية, ثلاثة شباب احدهم يرقد في قبر والآخر اعرج والثالث اكتع.

عندما يحضر الأكتع عقار المورفين للإبن المصاب تأخذ الأم المورفين محدجة الشاب بنظرة صارمة. إنها تريد لابنها المصاب أن يتعذب من الجرح تريد أن تنقل له ما للألم من معنى وشعور.

في الليل يطلق ندائه المستغيث "يما انا بردان". يتكرر النداء بالصيغ الثلاث التي اسلفناها الأستغاثة والتألم والشكوى والاستنجاد.. لا تتمكن الأم رغم رغبتها في عقابه من تجاهل النداء فتخرج له بطانية ووسادة لكنها تظل تنظر له في غضب وكره، هذا فيلم محور السرد فيه صوت النظرات المتلاحقة، النظرات هي التي تحمل الصراع وتفيد تصاعده، لا توجد حبكة بالمعنى المعروف، لكن ثمة حكاية تروى بشكل مختلف نستطيع أن نقول أنه فيلم عن "ما بعد الحكاية" أو "ما بعد الحبكة" انه فيلم عن النتائج وليس الأسباب.

دراميا يبدو الفيلم مركبا بشكل متماسك سواء على متسوى بناء الشخصيات أو القرارات التي تتخذها بناء على هذا البناء أو الذرى التني تنتجها تلك القرارات. إن شخصية الأم الصلبة الحزينة على ابنها يجعلها تمنع المورفين عن الأبن الأخر المصاب كي يتعذب فيدفعه الألم من ناحية و طبيعته العنيفة المتطرفة من ناحية إلى مهاجمة الأم مهددا إياها بالطفل الصغير اذ لم تعطيه حقن المورفين وعندما تتكسر تلك الحقن يصاب بالجنون فيحاول الحصول على السلاح من الأكتع والذهاب لسرقة المورفين من أي مكان. هنا يقرر الأكتع الذي اصبح ابنا لتلك الأم وتوحد مع المها أن يمنع المتطرف من ذلك، ينقلب عليه بعد أن رأيناه في الفصل الأول يتعامل معه بخنوع واستسلام بحكم عاهته، الأن صارا متساويين أحدهم أكتع والآخر أعرج.

تقودنا تلك الانفعالات والقرارات إلى الذروة الأخيرة.. يصطحب الأكتع الإبن الأعرج إلى الجبال ومن بعيد يأتينا صوتان فقط، أحدهما لدفعة رشاش متتالية، تعقبها بقليل صوت رصاصة وحيدة يليه بكاء الطفل المولود.

هذه الذروة هي إحدى تجليات الواقعية الشعرية مرة أخرى داخل الفيلم، لقد قتل الإبن المتطرف وانتحر الشاب الأكتع لكن الحياة لم تنتهي ثمة بكاء الطفل الوليد، او الروح الجديدة التي تنطلق من الأرض بمجرد أن تقبض روح أخرى.

لا نرى جثة الأبن المتطرف لكننا الأم تحمل العكازين وتضعهم بجانب قبر اخاه دلالة على انها فقدت كلاهما, تصور المخرجة المشهد ليلا في اضاءة كابية كئيبة وتبدو الدلالة الشعرية والمعنوية للقطة واضحة وهي مرسومة بالضوء والظلال وتكوين جسد الأم المسجى فوق قبر مرتفع تضع بجانبه عكازين قديمين.

لكن صحراوي لا تنهي الفيلم على هذه اللقطة، فهي لا تفيد رسالتها سوى بشكل جزئي، المشهد الأخير في الفيلم هو لقطة واسعة بعيدة كتلك التي بدأ بها المشهد الاول، لكنها هذه المرة للبيت وقد أحاطه الزرع النامي، وصوت بكاء الطفل الوليد يملأ الأفق وتنقله الرياح إلى أركان الأرض الأربعة، والأم تهرع داخل البيت كي تجيب ندائه، لقد بدأ المشهد الأول بالأم تجرجر جثة ابنها أي بدأ بالموت بينما انتهى بالأم تهرع من أجل حفيدها الذي ينادي عبر بكائه أي انتهى بالحياة الجديدة.

لم تجعلنا المخرجة على يقين من أن الحفيد إبن الضابط أم المتطرف، في المستوى الشعري نستطيع ان نقول أنه ابن لهما، أي لكليهما، وهو أيضا تأويل سياسي مقترح وواضح، فالمستقبل في النهاية هو ابن الصراع بين خصوم الحاضر.

عين على السينما في

18/12/2012

 

الفيلم السعودي "وجدة" يتوج كأفضل فيلم عربي بدبي السينمائي

الطفلة وعد محمد تفوز بأفضل ممثلة عن الفيلم الذي أخرجته السعودية هيفاء المنصور

العربية.نت، دبي - فرانس برس 

اختتمت مساء الأحد فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي بإعلان الأفلام الفائزة بجوائز المهر في المسابقات العديدة التي تضمنها المهرجان

وقد فاز فيلم "وجدة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور بجائزة أفضل فيلم روائي عربي، كما فازت بطلة الفيلم الممثلة وعد محمد بجائزة أفضل ممثلة

ويعتبر فيلم هيفاء منصور، الفائز الذي يتناول وضع المرأة في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر نقدية، أول فيلم سعودي حصل على إذن رسمي ليتم تصويره في الرياض. وقد سبق لمنصور أن أخرجت أعمالاً قصيرة ووثائقية.

وانتزع الفيلم كما كان متوقعا هذه الجائزة من بين 14 فيلماً روائياً شارك في المسابقة.

وقالت هيفاء المنصور عقب تسلمها جائزة المهر من الشيخ منصور بن محمد بن راشد: "فوزي هنا يعني لي الكثير، خاصة وأني أعتبر أني أفوز بين أهلي وناسي، هذا شرف كبير أن أفوز بهذه الجائزة في المهرجان وأتمنى التوفيق لكل المخرجين الخليجيين".

ونال فيلمها "وجدة" الذي لاقى الاستحسان منذ عرضه في سبتمبر/ايلول الماضي في مهرجان البندقية وبيع في الولايات المتحدة وإيطاليا وسيوزع قريباً في أوروبا والشرق الأوسط، جائزة أفضل ممثلة منحت للطفلة وعد محمد التي تقوم بدور فتاة تتمرد على قيم المجتمع الواهية التي تريد منعها من امتطاء دراجتها.

وأعجب هذا الفيلم منذ عرضه الأول النقاد والجمهور على السواء في الإمارات، كما في الأمكنة التي عرض بها سابقاً، وهو بصدد التحول شيئاً فشيئاً الى ظاهرة تشبه تلك التي أحدثها فيلم "سكر بنات" للبنانية نادين لبكي.

"هرج ومرج" للمصرية نادين خان

أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة، فكانت من نصيب المصرية نادين خان عن فيلم "هرج ومرج". 

ويعد فيلم "هرج ومرج" أيضاً أول فيلم للمخرجة خان، وتدور أحداثه في حارة شعبية وفي أوساط مهمشة وعاطلة عن العمل وتصور علاقات الشباب والصبايا وانقسام حارة على لعبة كرة القدم وتعلق الشباب بألعاب الفيديو.

ونال جائزة أفضل ممثل النجم المصري عمرو واكد عن دوره في فيلم "الشتا اللي فات" للمخرج إبراهيم البطوط.

وحقق المغربي كمال المحوتي المفاجأة بفوز فيلمه التجريبي والخاص جداً "خويا" بجائزة أفضل إخراج، وهو يتكلم عن علاقة شاب رسام بأهله ووطنه وعدم رغبته بالعودة إلى المغرب بلده الأصل. لكن المخرج يصور بحساسية رفيعة عمل هذا الفنان وامتزاج فنه بحالته المعيشية الصعبة.

أما فيلم "مشوار" السوري الذي أخرجه ميار الرومي فنالت من خلاله الممثلة الكسندرا قهوجي تنويهاً خاصاً عن دورها الجريء الذي يحكي قصة علاقة ناشئة بين شابين تصعب عملية التقائهما في دمشق فيقرران أخذ القطار إلى طهران كي يتاح اللقاء.

وعلى صعيد الأفلام الروائية، نال جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين، فيلم الجزائرية جميلة صحراوي الذي يحمل عنوان "يما".

مشاركة 185 فيلماً من 61 دولة بـ43 لغة

وترأس لجنة تحكيم مسابقة المهر الروائي العربي المخرج البرازيلي برينو باريتو، بينما ترأس لجنة تحكيم الوثائقي المخرج البريطاني مايكل آبتد وفاز بجائزتها الرئيسية فيلم "السلحفاة التي فقدت درعها" للمخرجة باري القليقيلي الفلسطينية التي ولدت في برلين وتناولت عبر عملها سيرة ابيها وعلاقته بالقضية الفلسطينية.

وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم خالد جرار "متسللون" الذي يصور معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية، أثناء محاولاتهم العبور إلى القدس عبر الجدار، وهو فيلم شبه صامت يلتزم التعبير الذي تولده صورة تلك المعاناة. ونال هذا الفيلم أيضا جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين

وفي مسابقة الأفلام الروائية الآسيوية-الإفريقية انتزعت تركيا أرفع جائزة في المسابقة ممثلة بفيلم "في الداخل" للمخرج زكي ديميركوبوز، وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم "وادي القديسين" من الهند للمخرج نيكولاس براكمان

أما تركيا فانتزعت جائزة المهر لأفضل فيلم روائي قصير في مسابقة الآسيوي-الإفريقي، وكانت من نصيب ل. رزان يشيلباش عن فيلم "صامت".

وتضمنت الدورة الحالية للمهرجان عرض 185 فيلمًا تتحدث 43 لغة من 61 دولة.

العربية نت في

17/12/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)