كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

التشادي «محمد صالح هارون» يفتح سجلّ خطايا الآباء تجاه الأبناء

عرفان رشيد ـ المدى/ (كان)

مهرجان كان السينمائي الدولي الثالث والستون

   
 
 
 
 

دورة هذه السنة من مهرجان «كان» السينمائي الدولي حافلة بالممثلين الكبار، وفيلم «سنة أخرى» للبريطاني مايك لي  «مهرجان للممثلين الكبار»، وكما نتوقّع أن يحصل هذا الفيلم على أكثر من جائزة، وبالذات جائزة التمثيل النسائية لليسلي مانفيل، فإننا نخمّن ونرى عُسر مهمة لجنة الدولية تجاهل أي من أبطال هذا الفيلم بصرف النظر عن طول وقصر الدور أو على صعيد أهميته أو ثانويته في مسار الفيلم، فقدا بدا أداء الممثلين الأحد عشر وكأنه درس في التمثيل الواقعي تناسقت فيه المشاعر مع الحضور ونبرات الصوت وردود الأفعال والإيماءات التي إحتلت مساحة مهمة للغاية توازنت مع المساحة الممنوحة للكلمة المنطوقة.

وشهدت الكاميرا انسجاماً مع الممثلين يندر إلاّ في حالات تعايشٍ طويلة الأمد للمخرج مع ممثليه، أذ سبق لجميعهم أن عملوا مع مايك لي في أعمال سابقة حققت حضوراً مهماً على صعيد البراعة في التمثيل ما أتاح لعدد من هؤلاء الممثلين تحقيق جوائز  مهمة والترشّح لأخرى كبيرة ومن بينهم ((جيم برودبينت)) الذي أدى في هذا الفيلم دور العالم الجيولوجي «توم» وقد فاز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام ١٩٩٩ عن دوره في فيلم «توبسي تورفي» وإيميلدا ستاونتن الفائزة بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم ((فيرا دريك)).يستعير الفيلم فصول السنة الأربعة ليؤشر مسار «فصول الوحدة الأربعة» التي تعيشها الشخصيات داخل المجتمع الصغير الذي إختار مايك لي أن يروي حكاياتهم اليومية وتمزّقاتهم اللانهائية وبالذات شخصية «ماري» زميلة الطبيبة النفسانية «جيرّي» ، والتي تعيش وحدتها بشكل مخيف يُثقل كاهلها بسني العمر التي تمرّ بسرعة كبيرة دون أن تتمكن  من إيقاف نزيفها المتواصل. متعمّداً إختار «مايك لي» لبطليه الإيجابيين في الفيلم إسمي شخصيتين من شخصيات قصص الأفلام الكارتونية التي طالما بعثت الفرح والحبور في داخل أبناء أجيال عديدة في العالم.

لكن «توم» و «جيري» ليسا في هذه الحالة شخصيتين كارتونيتين بل بشر من لحم ودم يمتلكان قدرة مغناطيسية هائلة في جذب البشر المعذّبين نحوهما واستعداداً هائلاً في حل المشاكل التي يعاني منها هؤلاء. وربط المخرج بين حالات الوحدة والأزمة التي يعاني منها هؤلاء البشر ومتغيّرات فصول السنة الأربعة وأوجد علاقة رائعة مع الأرض من خلال الحقل الذي يفلحه توم وزوجته جيرّي بأيديهما وبمساعدة ولدهما المحامي ذي الثلاثين سنة «جو». فصول السنة الأربعة تترى تباعاً لتوصل «ماري» إلى الوحدة المطلقة في الشتاء القارص وتفصلها عن العالم المحيط بها بشكل نهائي كما لو أنها صمّاء بشكل كامل وغائبة عن الوعي برغم حيوية البشر الآخرين الذين يتقاسمون معها الفضاء الذي يحيط بها في تلك اللحظة الباردة من الشتاء الحاد. سنة أخرى انقضت من دون أن تتمكّن هذه المرأة من تحقيق أي خطوة نحو تغيير حياتها، وربما لن يكون إنفصالها إلاّ خطوة نحو اتخاذ قرار مأساوي ودرامي.. يقول «مايك لي» في تقديم فيلمه (( سنة أخرى)) ((ربيع، صيف، خريف وشتاء. العائلة والصداقة، الحب والدفء الإنساني. الفرح والحزن. الآمال والإحباطات. التعاطف والوحدة. ويمر العمر ما بين شهقة و موت)).... في الربيع نشهد الطبيبة النفسية «جيري» المتزوجة بسعادة مع العالم الجيولوجي «توم» وهي تحاول التخفيف من وطأة الوحدة التي تعاني منها زميلتها في العمل «ماري» المدمنة على الشراب وتعيش حالة بوهيمية مطلقة دون أن تتمكن من تحقيق استقرار ما في حياتها العاطفية. في الصيف يصل إلى منزل «توم» و«جيري» صديق الطفولة «كين» المدمن على الشراب بدوره والذي تخيب محاولاته استمالة قلب ماري، لكن دون جدوى لأنها تشعر بالإشمئزاز منه ومن اقترابه منها، سيما وأنها وضعت عينيها على إبن الزوجين المحامي الشاب «جو» والذي تعوّد على مناداتها بالخالة، لكونها صديقة أمه منذ سني طفولته. في الخريف، ومع تساقط أوراق الأشجار وجفافها يُدخل الإبن «جو» حالة من الفرح إلى منزل أبويه بتعريفهما بخطيبته السرّية «كيت» التي يحبها الأبوان في الحال لدماثتها ودفء شخصيتها، لكن وجودها يُثير غيرة «ماري» التي تتصرّف مع «كيت» بجفاء كبير.وفي الشتاء يُضطر «توم» إلى إقناع شقيقه الأكبر «روني» بالعودة معه إلى لندن بعد وفاة زوجته وبعد خلافه الواضح مع ولده الوحيد جلف الشخصية وحاد المزاج «كارل». وبينما يقضى الزوجان أحد النهارات في الحقل، تصل «ماري» إلى المنزل وتُقنع شقيق «توم» بإدخالها في المنزل. تتبادل «ماري» الأحاديث وتدخين السجائر وشرب أقداح الشاي مع «روني» حتى لحظة وصول الزوجين. تنزعج «جيري» من حضور «ماري» إلى منزلها دون موعد، لكنها، كما هي العادة في قبولها حل مشكل أصدقائها، ترضخ لمطالبات «ماري» بالصفح عنها لغلطتها في الحضور دون موعد وتعاملها الجاف مع خطيبة إبنها وملاحقتها للمحامي الشاب. الدفء العائلي الذي يعود إلى المنزل لمجرّد حضور الإبن وخطيبته، يُسرّع في تفجير حالة الوحدة لدى «مارى» ويفصلها عن العالم المحيط بها. ويعبّر «مايك لي» عن تلك الوحدة بلقطة بالغة الفصاحة بصرياً عندما يترك «ماري» لوحدها جالسة على الأريكة فيما يقف الآخرون بقاماتهم. الكاميرا تصوّر ماري لوحدها فيما لا نرى من الآخرين إلآ نهايات الجذوع والسيقان، كما لو أن المخرج أراد التدليل على أن «مارى» بقيت في القاع لوحدها فيما تصاعد الآخرون إلى عوالم أخرى محاطة بدفء الكلمة المتبادلة فيما بينهم.

آباء وأبناء  

أفلام عديدة في المهرجان تناولت العلاقة بين الآباء والأبناء، وبدت معالجات الأفلام القادمة من آسيا وإفريقيا أكثر راديكالية من النموذج النمطي الواضح الذي طرحه مايك لي. ففي فيلم «أودان» يعرض الهندي فيكراماديتيا موتواني لطبيعة علاقة إنتقامية وسلطوية تنتهي بتمّرد هائج من قبل الإبن ضد الأب الديكتاتوري. في حين يُلخص التشادي محمد صالح هارون المأساة الإفريقية ومآلات الصراعات القبلية والسياسية في القارة السوداء بخطايا الآباء العاجزين عن التخلي عن أنانياتهم ومصالحهم الشخصية حتى وأن أفضى ذلك إلى هلاك الأبناء ودمار مستقبل الشعوب. المخرج الفائز بالأسد الفضي في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عن فيلمه «دارات- الأرض القاحلة»، يعود مرة أخرى، كما فعل في دارات، إلى تفصيل علاقة الأب بالإبن، من خلال قصة يومية لبطل سباحة سابق وجد ضالته في العمل مراقباً لمسبح في فندق فخم يرتاده السياح الأجانب، وفيما تصل أصداء الحرب الأهلية تقوم الحكومة بخصخصة الفندق وتحويل ملكيته إلى مالك صيني يسعى إلى ضغط التكاليف من خلال تقليص عدد العاملين في الفندق، وبعد أن يُفصل صديقه، يأتي الدور على بطل السباحة السابق الذي يُحوّل إلى بواب للفندق مكلّف برفع حاجز المرور أمام السيارات الداخلة إلى الفندق والخارجة منه ويُعوّض في العمل بولده الأكثر شباباً وحيوية منه. يستشيط الأب غضباً وتصل به الحالة إلى وقف الإتاوة التي اعتاد على دفعها لمختار القرية، الذي يشي إلى السلطات بكون الإبن في سن الخدمة العسكرية فيساق الإبن عنوة. يشعر البطل السابق بالذنب على الخطيئة التي ارتكبها ويحاول جلد ذاته بالإضراب عن الطعام، وحين يكتشف بأن خطيبة إبنه حامل وهي بانتظار وليدها يزداد حنقة تجاه نفسه. يزيد الإحساس بالذنب عندما تبلغه الأنباء عن إصابة إبنه في الحرب الدائرة بين الجيش والمتمردين، فيحاول تصحيح خطيئته بالذهاب إلى المستشفى العسكري، و«خطف» إبنه الجريح لإعادته إلى المنزل، إلاّ أن الجروح البليغة التي تعرّض إليها الإبن ومشقّة الرحلة على متن دراجة بخارية تقضيان عليه فيموت قبل بلوغ المنزل. فيسلّم الأب جثة الأبن لمويجات النهر الذي حلم الإبن أن يسبح في مياهه قبل أن يموت. الخطيئة لا تُغتفر بخطيئة أخرى. أدانة كبيرة لجيل الآباء ولأنانية عصر تسجّل في سفر التاريخ باعتباره العصر الأكثر دموية على الإطلاق.  

المدى العراقية في

19/05/2010

####

Copacabana يجمع «هابرت» و«تشاما» لأول مرة.. وماليكا تروّج لـ «Hissss» و«Love Barack »

حضور بوليودي «ساحر».. في «كان» السينمائي

كتبت منيرة بوعركي : 

ايشواريا راي بـ Raavan.. وباديكون تسرق الاضواء بذوقها «الفريد»

تم عرض فيلم المخرج مارك فيتوسي بعنوان Copacabana ضمن فعاليات أسبوع النقاد في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، تجسد ايزابيل هابرت دور أم متهورة تخجل ابنتها (لوليتا تشاما) المحافظة بتصرفاتها الطائشة. وتصبح شخصية هبرت منبوذة من المجتمع. وهي المرة الأولى التي تجمع السينما هاتين النجمتين خاصة ان لوليتا هي في الواقع ابنة ايزابيل، أي ان الفيلم مرتبط بجزء من الواقعية.

دور غريب

وعلقت هابرت حول دورها في الفيلم بأنه كان غريباً في البداية خاصةً ان الشخصيات بعيدة كل البعد عن علاقتها الحقيقية بابنتها. مؤكدة انها على الرغم من البداية الغريبة التي أحست بها خلال تصوير المشاهد، فانها سرعان ما استطاعت التأقلم مع أجواء عملها كممثلة محترفة.

أفعى!

على الرغم من انقطاع ماليكا عن الوجود في بوليود على مدى الشهور الماضية، فانها تمكنت وخلال فترة وجيزة من توثيق خطاها في الولايات المتحدة الأمريكية.ومن ضمن زميلتيها من بوليود ايشواريا راي وديبيكا باديوكون، اختارتها أحد المجلات الفرنسية لتكون من ضمن ال 13شخصية أكثر أناقة في المهرجان.

وقد حرصت ماليكا على الترويج لفيلميها Hissss وLoveBarack.

و أدهشت ماليكا الحضور عندما اعتلت منصة مسرح فندق ماجستيك ورقصت مع ثعبان عملاق يصل طوله الى 15 قدما كدعاية من نوع آخر لفيلمها Hissss والذي تجسد من خلاله دور المرأة الأفعى.

انتقادات

وعلى الرغم من كونها أحد وجوه المهرجان المألوفة منذ 2002، حصدت ايشواريا راي انتقادات كثيرة بسبب تسريحة شعرها– وقد ارتدت ايشواريا فستاناً من مصمم الأزياء اللبناني العالمي ايلي صعب وانتهزت الفرصة للتطرق الى فيلمها الجديد Raavan الذي يشاركها زوجها ابشيك باتشان بطولته.

سرقة الأضواء

ومن جهة أخرى، تمكنت النجمة البالغة من العمر 24 عاماً ديباكا باديوكون من الفوز بقلوب الملايين بعد وقوفها لتحية وسائل الاعلام على السجادة الحمراء.وقد نال فستانها الذي صممه روهيت بال الكثير من استحسان خبراء الموضة الذين وصفوا ذوقها بـ «الفريد». وسرقت به الأضواء من النجمات الاخريات

الوطن الكويتية في

19/05/2010

 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي

أكبر ملحمة في التاريخ.. وحالة عباس كياروستامي

كان: محمد رُضا

من المفرح أن نجد أن السينمائيين العرب لا يزالون يحضرون إلى هذا المهرجان حتى من دون أفلام معروضة. من ناحية يجد المرء زخما كبيرا من هذا الحضور منذ أن تبلورت منطقة الخليج كشريك أساسي في المشهد السينمائي العالمي، من خلال مهرجانات دبي وأبو ظبي و- الآن - الدوحة، ومن ناحية أخرى استمرارية وجود المكاتب السينمائية التابعة لمؤسسات جديدة تضم الآن تونس والمغرب ولبنان والأردن. صحيح أن الوجود السينمائي محصور في الشخصيات والنشاطات، ومعدوم لناحية وجود أفلام عربية تشترك في هذا الاحتفاء الكبير داخل أو خارج المسابقة، إلا أن بعض النشاط الذي يفرزه ذلك الزخم يعوض النقص الشديد ويؤمن وجودا ولو قليلا للشأن السينمائي العربي.

لكن بعض ما يحدث ليس إيجابيا على الإطلاق.

قبل يومين نشرت مجلة «فاراياتي» السينمائية التي تصدر يوميا خلال فترة المهرجان (ويوميا أيضا في موطنها في هوليوود لكن أسبوعيا حول العالم) مقالا إعلانيا مدفوع الثمن مع صورة للعقيد معمر القذافي. الإعلان يتحدث عن فيلمين للشركة المعلنة مهيبا بالمجتمع السينمائي العالمي أن يمد يد العون لهما وينتقل بهما إلى حيز التنفيذ. أحد الفيلمين، حسب ما ذُكر، ينوي أن يكون «أكبر ملحمة في التاريخ». الثاني، وعنوانه «سيرانيكا»، يذكر أن القذافي كان تحمس للمشروع ثم خاف منه لأنه يروي أحداث ثورة جرت في ليبيا في الثلاثينات ولا يريد أن يمول فيلما يتناول مثل هذا الموضوع. بالتالي فإن ناشر الإعلان، وبصرف النظر عما يكتبه، يحاول اصطياد التمويل بالترغيب بأي وسيلة بما في ذلك استخدام السياسة كما لو أن كل المتاعب التي يتعرض إليها العالم العربي سياسيا غير كافية.

المشكلة هي التالية: التمويل العالمي يبحث عن المال العربي هذه الأيام وعن أي مال من أي مكان في العالم، فكيف له أن يندفع لتمويل عملين لا يعرف عنهما سوى ما تم ذكره في الإعلان وهو مستفيض لكنه غير مفيد؟ صحيح أن انسحاب الحكومة ممثلة بالرئيس الليبي قد يكون مناسبا للرأسمال العالمي في هذا المجال، لكنه ليس دافعا كافيا لكي يشمر عن يديه ويقول هيا لنصنع فيلما مشتركا يكون «أكبر ملحمة في التاريخ». وإذ تدلنا التجارب المختلفة على أن هذا الأسلوب لا ينفع، تكون الشركة التي نشرت الإعلان في الصفحة الأولى من المجلة، قد دفعت كلفة الإعلان (من عشرة إلى خمسة عشر ألف يورو) بلا طائل. تستطيع الشركة أن تضيف هذه الخسارة إلى مشاكلها وربما توفر خسائر أخرى أيضا.

أفلام اليوم

Socialisme - فيلم اشتراكية - إخراج: جان- لوك غودار

* سويسرا | نظرة خاصة

* أعرف نقادا فرنسيين تحدثت إليهم ووجدتهم لا يفقهون الكثير مما قاله المخرج السويسري غودار في فيلمه، فما البال بناقد علمه باللغة الفرنسية محدود (أو معدوم لدى البعض منا هنا) خصوصا أن الشريط الإنجليزي المفترض به أن يكون ترجمة للتعليق أو الحوار الفرنسي يكتفي - عن قصد - بالكلمات عاكسا نحو 30 إلى 40 في المائة فقط مما يُقال؟

المخرج هو الذي اختار أي ترجمة تلك التي يريدها من الفرنسية إلى الإنجليزية وهذا نموذج منها بالفرنسية: Quand la loi n›est pas juste معناها العربي: حين يكون القانون على خطأ والترجمة المصاحبة هي When Law Wrong وبالعربية: عندما- قانون- خطأ الفراغات بين الكلمات الثلاث أعلاه من صنع المخرج. المحذوف قد لا يتجاوز كلمات وصل أحيانا لكن غيابها يقترح احتمال سوء قراءة، فالقارئ يستطيع أن يُسقط أي شيء يريده بين أي كلمتين هنا مما يبدل المعنى المقصود. لا أفهم لماذا أصر المخرج على هذا المنوال، لكني أعرف أنه أراد، حسب من سألت، أن يستخدم بديلا لأن الغاية ليست الترجمة بل تفعيل الكلمات ذاتها.

مثال آخر أكثر نشازا العبارة الفرنسية التي تسأل: «هل تريد رأيي؟» تصبح Aids Tools وتلك التي تحكي عن موقع اليهودي في أوروبا والهولوكوست وتغير على النوعيات العنصرية تصبح بالإنجليزية German Jew Black كون هذه الكلمات تأخذ اللب من الحديث فهو يتناول الألماني واليهود والعنصرية التي تجاوزت اليهود إلى السود وسواهم من الأعراق.

فيلم جان-لوك غودار يحمل على التاريخ الأوروبي متناولا أهم المحطات التي مرت أوروبا بها عبر التاريخ. لا أحداث، لكن الموقع التي يمضي فيه الفيلم نصف مدته الأولى هو ظهر باخرة سياحية تبحر في عرض البحر الأبيض المتوسط وتتوقف في مصر واليونان وإيطاليا وإسبانيا. حين تصل - افتراضيا - إلى ساحل كل بلد لا تنزل لتصويره. بل يعمد المخرج إلى لقطات تسجيلية أو أخرى مؤلفة يهطل عليها التعليق الذي يتناول التاريخ والثقافة والسياسة بذات الأسلوب التقريري المحدد.

لكن ما على السفينة هو مماثل في أهميته. يلتقط المخرج سلوكيات أوروبية ويدعو ممثليه لفتح حوارات تُلقى من دون أداء تمثيلي. وطريقة غودار في إظهار عدائيته لما هو أقل مستوى من التراث والثقافة والفن هو تشويه الصوت الآتي من مصدر الشيء المشكو منه، كما الحال في اللقطتين المخصصتين للمرقص في الباخرة، فعوض أن نسمع الموسيقى يعالجها المخرج تقنيا بحيث لا يصلنا منها سوى المقصود الكلامي التعليقي عليها: زعيق يخرق الأذن يرمز لوحش صوتي تحتويه تلك الموسيقى الحديثة وذلك في صورة لراقصين مشوهة بدورها استخفافا بما يقومون به. في المقابل، الصورة واضحة ونقية وكذلك الصوت حين يقدم لنا المخرج، في النصف الثاني من الفيلم صبيا في مقتبل العمر يستمع إلى مقطوعة كلاسيكية ويتصرف كما لو كان يقود الأوركسترا.

على ظهر السفينة بضع شخصيات يلتقطها المخرج مرة بعد مرة من دون أن تفعل أكثر من كلام أو حركة بسيطة. أكثرها لفتا للنظر مسؤول سابق للأمم المتحدة، تحرّ روسي وعجوز من مجرمي الحرب والفيلسوف الفرنسي آلان باديو. الأخير للدخول في طروحات الفيلم، لكن الشخصيات الأخرى، وسواها، هي للإدانة.

من البداية يعمد المخرج إلى ما يؤمن به، كأسلوب عرض، وهو المقارنة. كل فعل له رد فعل (على نحو ما بينه في فيلمه السابق «موسيقانا») وهنا يذكر الهولوكوست لكنه يذكر مجازر أخرى، ثم يذكر الهولوكوست ويذكر بما جلبه ذلك من معاناة فلسطينية. وفي نقطة معينة يرسم علامة استفهام حول مستقبل الموضوع الفلسطيني ويرى الحل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

هناك نصف ثان للفيلم يهبط فيه كل شيء إلى أرض أوروبية معاصرة: عائلة تمر في أزمة تستدعي إجراء انتخابات. مما هو مُتاح من معلومات حول هذه الأزمة أن الغاية رمزية للعائلة الأوروبية التي يتمحور الموضوع حولها باحثا، بطريقة المخرج الخاصة المذكورة، في ماضيها خلال المائة سنة الأخيرة (وحتى من قبل في بعض العبارات) وصولا إلى اليوم وقراءة موجزة للمستقبل مع علامة استفهام يحفرها في البال.

في هذا القسم هناك محطة بنزين ولاما وحمار وفتاة تقرأ واقفة في كتاب لبلزاك. ما يدور من حوار، وتعليق جانبي مقصود به أن يتجزأ كما الصورة. في الحقيقة الفيلم بأسره هو أجزاء من الصور الذهنية والفنية كذلك الصوت وهناك قدر كبير جدا من التفنن في استخدامه: الإلقاء. المضامين. الآراء، لكن كذلك نوعية الصوت، كما تقدم، والمكساج المعمول له لكي يتداخل أو لا يتداخل مع الصورة. يسبقها أو يتأخر عنها أو يندمج بها كما العناوين الفرعية التي تظهر من حين لآخر كلمات فوق كلمات.

فهم غودار كمنطلق لفهم فيلمه ضروي جدا. إنه حالة وليس شخصية. هذه الحالة تُعلن دائما نقدها للمسار الذي اتخذه العالم على شتى الأصعدة، كما يفعل هنا تماما، لكنها تقتضي أن لغة الإيصال مرتبطة بلغة السرد. وهذه، عنده، لا يجب أن تكون تلك التي يتحدث بها الآخرون. أفلامه مثل عبارات وجمل من تلك التي كان يكتبها في مطلع عمله ناقدا. مبرمجة. محددة. مقسومة. مرتبة كما لو كانت فوضوية لكنها بالتأكيد ليست كذلك. إنه يكسر القواعد السينمائية لكن ليس هباء أو غباء بل لتمرير رؤيته لما كيف يجب أن يكون عليه السرد. وإذا كنت توافقه على آرائه التي ما زالت ثورية في عالم انتهى من الثورات، فأنت لا شك توافقه على أسلوبه ذاك. في الحقيقة لا يمكن الاعتراف بأحدهما من دون الآخر أو قبول الفكر وتجاهل الطريقة التي يضع فيها هذا الفكر ويعلبه.

صور غودار الفيلم ديجيتال، وهي أول مرة يصور فيها فيلما كاملا بالديجيتال الحديث. في البيانات التي سبقت الفيلم أسماء من اعتبروا مخرجين آخرين وفي مقدمتهم آن ماري ميافيل التي طالما ساعدته، لكن الفيلم غوداري مائة في المائة وهو يحذف في النهاية عادة ذكر الأسماء ويكتفي بكلمة «لا تعليق» ثم يسدل ستارا أسود على ملحمته الخاصة.

Copie Conforme / Certified Copy *

* نسخة مصدقة - إخراج: عباس كياروستامي - أدوار أولى: جولييت بينوش، ويليام شيمَل

* إيران / المسابقة

* رفع الإعلاميون والمهرجانيون والنقاد الغربيون، وبعد ذلك بعض العرب، المخرج عباس كياروستامي إلى مصاف نجوم الإخراج حتى من قبل أن يترك بلاده (إيران) ونظامها في العام الماضي. في كنف ذلك النظام، كان كياروستامي يصنع أفلاما لا تناوئ السُلطة بل السياق الجماهيري المعروف للسينما السائدة. ومع أن هذا ليس كافيا لاعتبار من يقوم بذلك مخرجا فنانا، فإن الغرب، وبعده بعض العرب كما أسلفت، حضن كياروستامي على أساس أنه مبدع ينتمي إلى رهط السينمائيين المؤلفين لمجرد أنه ينفذ ما يفكر فيه. لا اعتبار جديا ما إذا كان ما ينفذه فيه أخطاء في القواعد السينمائية.

في أفلامه السابقة، خط المخرج خطوطا على رمال مهنته. أمسك بالكاميرا وصور، ثم أمسك غيره بالكاميرا وصوره. صنع أفلاما طويلة لمجرد أن مشاهدها لا تنتهي وهذا غير ما يصنعه مخرجون كبار من فئة تاركوفسكي وأنجيليبولوس أو أنطونيوني. وقف أمام الكاميرا في «عشرة» وسرد علينا درسا ألفه في السينما محا فيه جهود سواه معتبرا أن طريقته هي الطريقة. جيّر فيلما عن أطفال الأيدز في أفريقيا، ليصبح فيلما عن كيف اتصلت بك الأمم المتحدة لتطلب منك أنت أن تصنع فيلما عن الأيدز وكيف ذهبت إلى هناك وكيف اشتغلت وتعاملت وكم رق قلبك حيال أطفال الأيدز كما فعل هو نفسه في «أ ب سِ أفريكا». لكن لا تستطيع أن تعتبر أن ما تفعله سينما. في فيلمه الجديد (الأول له خارج إيران) وعنوانه «نسخة مصدقة» لن نجد هذا القدر من النرجسية، لكن الهواء الحائل دون تقبل ما نراه طبيعيا وبصورة صادقة وحقيقية لا يزال هناك.

وهي مسألة هواء بالفعل، لأن المخرج الأميركي المستقل ريتشارد لينكلتر سبقه إلى فكرة هذا الفيلم سنة 1995 عندما أنجز «قبل الشروق» وسنة 2004 حين أنجز «قبل المغيب»: شخصيتان تتعارفان وتمضيان النهار معا تتحدثان حول كل ما يمكن أن يتحدث فيه شخصان يسيران معا من دون معرفة سابقة.

الهواء لا غيره، لأن تجربة لينكلتر في هذا النوع الغارق في الحوار مفيدا كان أم مثرثرا، يصيغ ألفة وحنانا وعاطفة ويصنع الكيمياء بين الممثلين جولي دلبي وايثان هوك. إلى ذلك فإن مفردات الفيلم التقنية من تصوير وصوت واختيار من في الصورة ومتى عند لينكلتر تنعش التجربة وتمنع عنها الشعور بالإسهاب. هذا لا يحدث في «نسخة مصدقة» (ولم يحدث يوما في أي من أفلام كياروستامي).

* ما يحدث هو أن مؤلفا يصل متأخرا على قاعة فيها نحو خمسين شخص في بلدة إيطالية في مقاطعة توسكاني ليلقي خطابا بالإنجليزية (فهم الإيطاليون الإنجليزية أو ما فهموا) فتتسمر الكاميرا عليه وهو يتحدث بما يعتبره الخطيب والفيلم معه مهما بينما هو ليس كذلك في الواقع.

* إلى القاعة تدخل جولييت بينوش التي وصلت بدورها متأخرة واتجهت إلى الصف الأول وجلست على كرسي محجوز (لعله للمؤلف). لقطات طويلة عليه وأخرى عليها وعلى ابنها ثم تكتب رقم هاتفها وتتركه عند الجالس بقربها لإيصاله إلى المؤلف. المؤلف واسمه جيمس (ويليام شيمل) يقصد الغاليري الذي تديره إيلي (بينوش) والكامن تحت الأرض وتلتقيه ويقترح عليها أن تأخذه إلى حيث يمكن أن يرتشفا فنجاني قهوة. توافق. تودع قطتها وتغلق المحل وتأخذ صاحبنا في رحلة في السيارة إلى بلدة أخرى. يسوقان. يصلان. يمشيان. يدخلان غاليري آخر. يستمعان، يدخلان مقهى. يخرجان من المقهى. يدخلان مطعما. يخرجان من المطعم. يسيران. يجلسان على درج وهكذا. كل ذلك والحوار بينهما لا ينقطع مع تطور واحد في كل هذا السياق المضجر وهو أن إيلي أخذت تعتبر، على حين غرة أنه زوجها بالفعل. والمؤلف، من دون سبب لا ظاهر ولا باطن، يماشيها ويستجيب لهذا الاعتقاد ويعاملها كما لو كانت زوجته من خمس عشرة سنة وكما لو أن ابنها الذي بقي في البيت هو ابنهما المشترك.

خذ مثلا المشهد الذي يجلسان فيه في مطعم وكيف يتذمر المؤلف من الخدمة قبل أن تبدأ. ينادي النادل المشغول الذي - من دون الاكتراث للقطة له تظهر شخصيته - يطلب من جيمس الانتظار لكن هذا يطلبه الآن. يسأله زجاجة خمر. حين تعود «الزوجة» من الحمام وقد تزينت، يفاجئها جيمس بالتجاهل وبثورته على النادل الذي أعطاه خمرا لا يعجبه واختفى. كما صور العبقري كياروستامي المشهد، فإنه لا مبررات لأي مما يقع. لا مبرر لتجاهل النادل تأمين الخدمة، ولا مبرر أن يخلو المطعم من سواه، ولا مبرر لثورة الزوج، خصوصا بعدما دخل المطعم ويده فوق كتف إيلي برقة، ولا مبرر لتقطيع اللقطات على هذا النحو. لكن الفيلم بأسره لا مبرر له وليس فقط ذلك المشهد.

في كل ذلك، لا يفتأ المخرج الذي يعتقد نفسه، ويوافقه معجبوه، على أنه يبتدع سينما جديدة، عن فرض إيقاعه على الجمهور كما لو كان حالة فنية حقيقية. هذا الفيلم هو واحد من أسوأ أعمال هذه الدورة، والمفرح أن عقل رئيس لجنة التحكيم تيم بيرتون لا يشتغل في هذه الحسابات بل سيختار غالبا فيلما آخر (لعله فيلم إياريتو) ليمنحه جائزة رئيسية.

* سينما وسينمائيون

* المخرج المغربي نبيل عيوش يؤكد أن فيلمه المقبل سيختلف تماما عن فيلمه الأخير «كل ما ترغبه لولو» فهو مأخوذ عن رواية لماهي بينبين بعنوان «نجوم سيدي مومن». وهو يدور حول الحادث الإرهابي الذي وقع في الدار البيضاء سنة 2003. المشروع سيحمل تمويلا فرنسيا مغربيا مشتركا بقيمة ثلاثة ملايين و600 ألف يورو.

* المخرج المصري مروان حامد، الذي صعد سطح العروض العالمية قبل ثلاثة أعوام بفيلم «عمارة يعقوبيان» عائد إلى المعمعة بفيلم جديد (الثالث له إلى الآن) وعنوانه «قتلة». الإنتاج يعيد شركة «غود نيوز سينما»، لصاحبها عماد الدين أديب، إلى معترك النشاط السينمائي بعد توقف عام أو نحوه.

* سينما الأبعاد الثلاثة تغزو أوروبا ليس عن طريق الإنتاجات الهوليوودية بل بسببها. عدد من الشركات الأوروبية تزمع النزول إلى هذا المجال بإنتاجاتها الغرائبية والفانتازية الجديدة، من بينها شركة إيطالية باسم «كولورادو» أعلنت هنا عن فيلمها الأول في هذا الاتجاه هو «مفكرة ما بعد العالم» الذي تريد إطلاقه كثلاثية من الأفلام..

* المخرجة جوسلين صعب عرضت فيلمها الروائي القصير «شو صار؟» أول أعمالها منذ أن أنجزت قبل ثلاث سنوات فيلمها الذي أثار مشاكل رقابية في مصر وهو «دنيا».

* بات من الممكن قراءة ما يمكن أن تنتهي إليه نتائج لجنة التحكيم، ومن الأسماء الرائدة إلى الآن المخرج الفرنسي برتران تافرنييه قد يخطف السعفة كأفضل مخرج عن فيلمه «أميرة مونبنسييه» والإسباني خافيير باردام قد ينالها عن دوره في «جميل».

* سينما الأبعاد الثلاثة تغزو أوروبا ليس عن طريق الإنتاجات الهوليوودية بل بسببها. عدد من الشركات الأوروبية تزمع النزول إلى هذا المجال بإنتاجاتها الغرائبية والفانتازية الجديدة، من بينها شركة إيطالية باسم «كولورادو» أعلنت هنا عن فيلمها الأول في هذا الاتجاه هو «مفكرة ما بعد العالم» الذي تريد إطلاقه كثلاثية من الأفلام..

الشرق الأوسط في

19/05/2010

 
 

طارق الشناوي يكتب من كان:

«جودار» يؤكد: غابت العدالة عن العالم

لايزال المخرج الفرنسي الشهير «جان لوك جودار» قادراً علي إدهاش عشاق الفن السينمائي، إنه واحد من أهم من قامت علي أفكارهم ما يعرف بالموجة الجديدة في فرنسا والتي امتلكت رؤية إبداعية مختلفة أطلق عليها «سينما القلم» لأنها اعتمدت علي أفكار عدد من النقاد أرادوا إثبات قدرتهم علي تقديم رؤية أكثر طموحاً.

«جودار» ــ 80 عاماً ــ لايزال في الميدان يقدم رؤاه وجاء فيلمه الذي يحمل عنوان «اشتراكية فيلم» وهو محمل بكل أفكاره، فأنت تري فيلماً لا يخرجه سوي هذا المخرج.. عالم خاص به ليس له علاقة مباشرة بالسينما التي ألفناها.. هذه المرة يقدم رحلة سفينة تبحر في البحر المتوسط يروي من خلالها ما يراه من أحداث تتناولها بعض المدن والبلاد شاهدنا مصر وفلسطين ومدينتي نابولي وبرشلونة.. السفينة وهي المركز الرئيسي للأحداث علي متنها العديد من الجنسيات، وهكذا ينتقل المخرج من السفينة إلي تلك البلاد ويرسم صورة من واقع التاريخ واللحظة الراهنة، يري المخرج تناقضاً في مصر بين انتشار الحجاب وبين التحرر الذي تنشده المرأة، كما يقدم رؤية مليئة بالاعتزاز للحضارة الفرعونية التي تشكل لدي الغرب حالة من الانبهار تزداد مع الزمن.. وكانت قضية فلسطين حاضرة بقوة أيضاً وعاد المخرج إلي وعد «بلفور» الذي قرر أن يمنح بمقتضاه «أرض شعب إلي شعب بلا أرض»، وانتقل إلي المحرقة «الهولوكوست» التي أقامها الألمان ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن في نفس الوقت لم ينس المخرج صور الدمار والعنف اللذين مارستهما إسرائيل ضد الفلسطينيين، كان المخرج عادلاً في تلك الرؤية الفكرية ويجب أن نلاحظ أن الثقافة الغربية لا تتبني تماماً وجهة نظر العرب، إلا أنها في نفس الوقت قد تتجه ناحية طرح وجهتي النظر، فهو لم يدن إسرائيل لاحتلالها أرضاً ليست لها، ولم يقل إن الأرض لأصحابها الفلسطينيين إلا أنه أيضاً وفي نفس الوقت أدان الصلف الإسرائيلي وفضح الممارسات العدوانية لها تجاه الفلسطينيين.. ما هو المقصود باشتراكية فيلم؟ هذا العنوان الساحر الذي اختاره «جودار» يؤكد أن العالم لا يمكن أن تبتعد مشاعره.. توجد نظرية في علم الطبيعة تقول إن جناح الفراشة إذا تحرك في هواء الصين فإن الذبذبات في أمريكا تتأثر بتلك الحركة، أي أن العالم كله إذا أراد أن يعيش فإن علي كل دولة أن تعتبر نفسها مسئولة عن إقرار العدالة.. أكد «جودار» أن عدالة القانون غائبة عن العالم، ولهذا لم يعد أمامه سوي ضرورة تطبيق قانون العدالة علي الجميع.. عرض «جودار» فيلمه في قسم «نظرة ما» بعيداً عن المسابقة الرسمية للمهرجان، لكنه ليس بعيداً عن التسابق؛ لأن «نظرة ما» لها أيضاً مسابقة وجوائز في نهاية أحداث المهرجان.

عندما سألوا المخرج الأمريكي «تيم بيرتون» ــ رئيس لجنة التحكيم ــ عن المعايير التي يضعها لاختيار الفيلم الفائز، أجابهم بأنه وأعضاء اللجنة متفقون علي أن الفيلم الذي يمس المشاعر هو الذي سيحصد الجائزة، انتهت كلمات المخرج العالمي الكبير والذي شاهدنا له في مصر مؤخراً فيلمه للأطفال ذا الأبعاد الثلاثية «أليس في بلاد العجائب» ولو ألقينا نظرة حتي كتابة هذه السطور عن الفيلم الذي ينطبق عليه هذا الشرط فسنجد أنه الفيلم المكسيكي «جميل» للمخرج «أليخندو كونليز».. بطل الفيلم هو «خافير بارديم» الذي سبق له أن حصل علي جائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عن فيلمه «لا وطن للعجائز» في أوسكار 2009 وكان أيضاً هذا الفيلم قد سبق عرضه في «كان» وحصل علي السعفة.. فيلمه الجديد يقدم شخصية متورطة في أعمال خارجة عن القانون، إلا أنك لا تملك سوي أن تتعاطف معها، فهو أب لصبية وطفل ومتزوج من امرأة دائمة السكر، نعرف في بداية الأحداث أنه مصاب بسرطان متأخر في البروستاتا وأيامه في الدنيا قليلة، يريد أن يجمع الأموال ليضمن علي الأقل للأسرة الأمان بعد رحيله ولو لمدة عام.. يخفي علي الجميع حقيقة مرضه، إلا أن ابنته تلاحظ ذلك ويموت وهو نائم بجوارها ويمنحها خاتم الزواج الذي توارثه عن أسرته.. يمهد المخرج للتعبير عن الموت بالانتقال إلي مكان أبيض شفاف ويشاهد والده الذي رحل وهو طفل، ولهذا يراه أيضاً شاباً كما كانت عليها الصورة التي يحتفظ بها.. وهكذا تقترب الكاميرا من وجهه في اللقطة الأخيرة بعد أن فارقته الحياة ونشاهد لقاءه مع الأب الذي لم يره في الأرض، لكنه ينتظره في السماء.. بطل الفيلم أتصوره مرشحاً بقوة لجائزة أفضل ممثل في هذه الدورة من المهرجان، حيث إن الدور مليء بالانتقالات في المشاعر ما بين تأنيب الضمير والخوف من الموت والتواطؤ مع الفاسدين يقدم أيضاً السيناريو المطاردات حيث تجري الأحداث في برشلونة وهناك العديد من المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا السوداء والصين وبعضهم يتاجرون في الممنوعات.. البطل هو صاحب تعبير «الجميل» هكذا يراه المخرج جميلاً برغم تواطئه ومشاركته في الجرائم التي يعيشها المجتمع ولا تكفي مطاردات الشرطة التي يتورط جزء منها أيضاً في حماية الفساد.. بعد انتهاء عرض هذا الفيلم ضجت الصالة بتصفيق حاد، دلالة علي أن هذا الفيلم قد مس مشاعرهم فهل يمس أيضاً مشاعر لجنة التحكيم ويحصل علي جائزة السعفة الذهبية يوم الأحد القادم؟

الدستور المصرية في

19/05/2010

####

مهرجان كان: فيلم مؤثر عن مقتل الرهبان السبعة في الجزائر

قصي صالح الدرويش من كان:  

بكثير من الجمال والحكمة والاتزان شاهدنا فيلما فرنسيا قويا مؤثرا في المسابقة الرسمية لمهرجان كان. فيلم عنوانه {رجال والهة} للمخرج إكزافييه بو فوا، ويتحدث عن خطف ومذبحة سبعة رهبان مسيحيين كانوا يعيشون في دير منعزل في الجبال الجزائرية، ولهم علاقات طيبة مع الجزائريين المسلمين، ينصرفون للصلوات والأغاني الدينية. أحداث الفيلم مستوحاة من المجزرة الفظيعة التي وقعت عام1996 والتي كتبها بحرية من أفكار الرهبان التيبيين الذين عاشوا في الجزائر منذ عام 1993 وحتى خطفهم. والرهبان الذين خطفوا ثم ذبحوا هم الأب كريستيان دو شيرجي 59 سنة وكريستوف ليبريتون 45 سنة وسيلستين رينغارد 62 سنة وبرونو لومارشوند 66سنة والاخوة لوك دوشيير 82 سنة وبول فافر ميفيل 57 سنة وميشيل فلوري 52 سنة.

كان الرهبان الثمانية يعيشون بهدوء وسط المسلمين بتفاهم من دون اية مشكلة، لكن الأزمة السياسية فجرت العنف المتزايد وقد حاول المتمردون المسلحون طرد الاجانب من الجزائر، لكن الرهبان القائمين هناك لم يعتقدوا انهم مهددون، خصوصا وان بعض المسلحين، احتاجوا الى الأدوية، فاعطوهم، والمخرج لم يتول عن القتلة، أو عن الذين قاموا بعملية الخطف وكأنه يعتبر الارهابيين هم الذين قاموا بذلك، انسجاما مع الرواية الرسمية، وقد اثيرت اسئلة كثيرة حول هذا الموضوع بين اراء مختلفة ومتناقضة. وان كان الكراس الصحافي قد نشر سلسلة من التواريخ للأحداث السياسية من الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر 1991حيث فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ بها، ثم حالة الطوارئ عام1992 ثم مقتل الرئيس محمد بوضياف بعدها بايام والاعلان عن الجماعة الاسلامية المسلحة الارهابية، وتبني هذه الجماعة المسلحة الارهابية لاختطاف الرهبان في 18 ابريل 1996 والاعلان عن قتلهم بعد شهر ويومين من ذلك، وقد وجدت رؤوس الرهبان مقطوعة مرمية على الطريق يوم 30مايو 1996 ووقعت مذبحة فظيعة في بن طلحة خلفت عددا كبيرا من الضحايا الأبرياء يوم 22 سبتمبر 1997. وفي عام 1998 خف العنف نسبيا، وبدأت العدالة الفرنسية التحقيق حول اختطاف الرهبان وقتلهم، من دون التوصل الى نتيجة، وفي 29 سبتمبر 2005 اعلن الرئيس الجزائري بو تفليقة المصالحة الوطنية، الأمر الذي اعفى بعض الجمعيات المسلحة عن اعمالها التي قامت بها بعد 1990 في اطار شروط خاصة. ويوم 20 نوفمبر 2009 رفعت اسرار الدفاع، ما سمح بكشف وثائق للمستشار العسكري الفرنسي في الجزائر بان الجيش الجزائري هو الذي قتل الرهبان السبعة عن طريق الخطأ. وقد حاول بعض الممثلين الفرنسيين المشاركين في الفيلم اتهام العسكريين الجزائريين بالفساد مثل ليمبيرت ويلسون. رغم الأحداث السياسية ومآلها، فان الفيلم كان اكثر واوسع افقا من الحدث السياسي الضيق، فالفيلم ليس سياسيا مغلقا. او ليس مغلقا فقط. وليس في الفيلم اية حساسيات دينية بين مسيحيين والمسلمين، فهو يميز بين المسلمين والتزمت الضيق. الفيلم جميل من هذه الزاوية وفيه افاق رحبة عن المحبة والتسامح، تبين ان معاناة المسيح كانت طريقا للخلاص والمحبة والتسامح. والفيلم صور بحساسية مرهفة، وباداء تمثيلي رائع، وقد اثار تصفيق النقاد الأمر الذي يسمح بالتطلع إلى جائزة من جوائز المهرجان. وكان مخرج هذا الفيلم قد حصل على جائزة التحكيم عن فيلمه السابق الذي عنوانه لاتنسى انك ستموت. عام1995. كما حمل قميصا عليه دفاع عن المخرج البولوني رومان بولانسكي. وكان المدافعون عن بولانسكي في بداية المهرجان قد صمتوا اثر الفضيحة الجديدة التي اتهمته الممثلة البريطانية شارلوت، وشاركت في فيلمه {القراصنة}، باغتصابها له قبل ثلاثة ايام من تصوير فيلم القراصنة وكان عمرها انذاك ستة عشر عاما فقط، وقد رفعت قضية ضده بواسطة اشهر محامية بالدفاع عن النساء، وكان وزير الثقافة الفرنسية فردريك ميتران قد دافع عنه بحرارة، لكنه التزم الصمت بعدها. كما رفض نجوم كبار الدفاع عن بولانسكي مثل مايك دوغلاس، اما رئيس مهرجان جيل جاكوب فقال {ان بولانسكي مخرج كبير لكن الجميع يخضعون للمساءلة } ان الفضيحة الجديدة تبدو غريبة لان بطلتها مثلت فيلمه بعد ثلاث سنوات من اغتصابها حسب قولها، وينفي المخرج هذه التهمة، ويرفع دعوى قضائية ضدها، خصوصا ليس عندها ما يثبت التهمة، وليس عنده ما ينفيها، وتجدر الاشارة إلى ان التونسي طارق بن عمار هو الذي انتج فيلم القراصنة، وبتمويل الشيخ صالح كامل، وقد فشل هذا الفيلم من الناحية الفنية والنقدية والتجارية، بل انه افشل فيلم للمخرج البولوني رؤمان بولانسكي، وهو مخرخ كبير جدا سواء يحب الفتيات الصغيرات، ويغتصبهن او لا.

إيلاف في

19/05/2010

####

أفلام في كان تتحدث عن الازمة المالية العالمية

رويترز / كان: يشارك في مهرجان كان السينمائي فيلمان تسجيليان يظهران صورة مدمرة للنظام الفاسد الذي يخرج عن نطاق السيطرة حول الازمة المالية في الوقت الذي يعود فيه المخرج الامريكي الى السينما بفيلمه (وول ستريت). يقدم فيلما (مهمة داخلية) (Inside Job) اخراج تشارلز فيرجسون و(كليفلاند مقابل وول ستريت) (Cleveland versus Wall Street) اخراج السويسري المولد دان ستيفان برون وصفا تفصيليا للكارثة التي سببت انهيارا للنظام المصرفي العالمي. وينقل الفيلمان اللذان يسردان سلسلة معقدة بشكل هائل من الاحداث رسالة بسيطة من خلال تناولهما لموجة مضاربة محمومة جمعت بين مشتري المنازل الامريكيين في المدن والمسؤولين الذين لم يكترثوا بأخطائهم والمؤسسات المالية العالمية غير المسؤولة. وقال فيرجسون لرويترز في مقابلة "كانت عملية سطو على بنك لكنه سطو قام به رئيس البنك وليس مجرد شخص عادي يمشي وهو مسلح بمسدس." ومضى يقول "كانت جريمة ارتكبها القائمون على النظام المالي.. سمحنا لهؤلاء الناس ان يعيثوا في الارض فسادا وأفسدوا النظام." وتسعى أبرز شخصيات في وول ستريت جاهدة الى تحسين صورتها في اطار حملة علاقات عامة لانقاذ سمعتها من موجة الغضب الشعبي الموجه لهذا القطاع والتي يقولون انها كثيرا ما تكون غير عادلة وليست مبنية على أساس سليم من المعلومات. لكن مع فيلم ستون "وول ستريت.. المال لا ينام أبدا" (Wall Street: Money Never Sleeps) فان مشاعر الغضب العام امتدت فيما يبدو الى أكبر مهرجان سينمائي في العالم. وقال ستون لرويترز في مقابلة بعد عرض فيلمه خارج المسابقة الرسمية "أعتقد أن المصرفيين يجب أن يسجنوا لكن الامر لا يحدث بتلك الطريقة أليس كذلك؟

إيلاف في

19/05/2010

 
 

يُعرض اليوم للمرّة الأولى في مهرجان «كان» وعلى شاشة «كانال بلوس»

«كارلوس» لأوليفييه أساياس: مناضل ثوري.. أم قاتل دموي؟

نديم جرجورة

أحيط تصويره بسرّية شبه تامّة. فريق العمل زار بيروت لأسابيع، بغية التقاط مشاهد عدّة، مع ممثلين لبنانيين (أحمد قعبور، فادي أبي سمرا، طلال الجردي، رودني حداد..)، أدّوا أدوار شخصيات مسجّلة في التاريخ الجماعي الغربي في لائحة الإرهابيين، في حين أنهم، في المعسكر العربي، أبطال قضية عادلة (وديع حداد، أنيس نقاش، أبو نضال..). أثناء تنفيذ العلميات الفنية الأخيرة، تقدّم الرجل محور العمل بدعوى قضائية، مطالباً بالاطّلاع على التفاصيل الدرامية كلّها. قلقٌ هو من مسألة واحدة: تشويه صورته أمام الرأي العام. الردّ الأول واضحٌ: هذا عمل مرتكز على ما بات معروفاً. محاكم ودعاوي. الفشل القضائي لاحق مُقدِّم هذه الدعاوي، وهو «البطل» القابع في سجن فرنسي منذ سنين طويلة، بتهمة القتل والإرهاب. سارت أمور العمل بانتظام. بات جاهزاً للعرض. المفاجأة الأولى: اختياره رسمياً في الدورة الثالثة والستين لمهرجان «كان» السينمائي. اليوم الأربعاء يُعرض العمل كاملاً للمرّة الأولى في إطار المهرجان المذكور، ويُعرض الجزء الأول منه مساء اليوم على شاشة المحطّة المُنتجة.

الصورة أم الحقيقة

إنه العمل التلفزيوني «كارلوس». المخرج: أوليفييه أساياس. المنتج الأساسي: المحطّة التلفزيونية الفرنسية «كانال بلوس». الحكاية: مقتطفات أساسية من سيرة المناضل/ الإرهابي كارلوس (عشرون عاماً بين 1974 و1994). ثلاثة أجزاء تلفزيونية، بلغت مدّتها 320 دقيقة. نسخة سينمائية واحدة، امتدّت على ساعتين ونصف ساعة. تُطلق عروضها التجارية في الصالات العالمية في السابع من تموز المقبل (المجلة الفرنسية الأسبوعية «لو بوان»، 13 أيار الجاري). إيريك ليبيو ذكر أن الموعد قد يؤجَّل إلى الخريف المقبل، لأن كل شيء بات متعلّقاً بردود الفعل في «كان» (المجلة الفرنسية الأسبوعية «إكسبرس»، 12 أيار الجاري). الرجل خائفٌ على صورته. ناضل من أجل عدالة القضايا العربية، وأبرزها فلسطين. خطف وفجّر وقتل وانتهك حرمة أفراد وجماعات. مُقرّب هو من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». عمل، أحياناً، بإدارة وديع حداد. طارده الغربيون. حماه العرب. جاء هو من فنزويلا. تخلّى عن دراسة الطبّ من أجل النضال الأممي. كأنه أراد السير على خطى تشي غيفارا. التورّط في الحركات الثورية العربية والعالمثالثية ملتبس الأهداف والمصالح. النيّة الصادقة حاضرة. لكن العمل الثوري غارقٌ، أحياناً، في فساد وارتباطات وتصفيات وعمليات مشبوهة. ربما للأسباب هذه أراد المناضل الاطّلاع المسبق على العمل التلفزيوني. في النهاية، اعتُقل في الخرطوم. سُلّم للدولة الفرنسية. قيل إن أحد أبرز المقرّبين إليه عميلٌ سوري يُدعى علي، ساهم في إلقاء القبض عليه. هذه مسائل أساسية للعمل التلفزيوني. غير أن كارلوس، واسمه الحقيقي إيليتش راميريز سانشيز، رأى أن هناك تزويراً متعمّداً للحقائق. تقرير «وكالة الصحافة الفرنسية» (نشرته الزميلة «القدس العربي» في عددها الصادر أمس الأول الاثنين) نقل عن كارلوس قوله إنه قرأ السيناريو: «فيه تزوير متعمّد للتاريخ. فيه أكاذيب».

لكن، على الرغم من كل شيء، هناك أسئلة تُطرح عشية عرض العمل التلفزيوني: كيف تمّ تصوير الأحداث؟ أين هي الحدود القائمة بين الوفاء للوقائع التاريخية والجانب الدرامي المتخيّل (وهذا أمرٌ مشروعٌ في أي صنيع فني)؟ إلى أي مدى تمّ التأكّد من الوقائع ومصداقيتها؟ هل أراد القيّمون على العمل «تشويه» صورة المناضل، خصوصاً أن أوليفييه أساياس قال، ردّاً على سؤال حول سبب اختياره الشخصية هذه محور عمله الجديد، إن كارلوس نفّذ «غالبية اعتداءاته في فرنسا» (المجلة السينمائية الفرنسية المتخصّصة «بروميير»، أيار 2010)؟ لائحة الاتّهام التي صدر بسببها حكم بالسجن المؤبّد في العام 1997، ارتكزت على تورّطه في مقتل شرطيين اثنين ومخبر للشرطة في باريس في العام 1975. في المقابل، فإن مسعى كارلوس ومحاميته/ زوجته إيزابيل كوتان بيري إلى مشاهدة الفيلم أو العمل على إيقاف عرضه، مردّه إلى أن الرجل، المعروف باسم «ابن آوى» أيضاً أيام «النضال الثوري الأممي»، «سيُحَاكم قريباً في باريس»، في أيار 2011 على الأرجح، كما جاء في تقرير الوكالة نفسها نقلاً عن محاميته، وذلك في إطار قضية اعتداءات أخرى منسوبة إليه، كالاعتداء على قطار باريس ـ تولوز «لو كابيتول» في آذار 1982 (خمسة قتلى)، وعلى مقرّ مجلة «الوطن العربي» في باريس في نيسان 1982 (قتيل واحد)، وعلى محطة «سان شارل» في مرسيليا (قتيلان)، وعلى قطار سريع في «تان ليرميتاج» في جنوب فرنسا (ثلاثة قتلى) في كانون الأول 1983. رأت المحامية أن الفيلم يمسّ بمبدأ «افتراض البراءة». قبل إنجازه، طلبت من القضاء منح موكِّلها حقّ الاطّلاع على الفيلم. رُفض الطلب، إذ اعتبرت المحكمة أن إجراءً كهذا «مخالف تماماً لحرية التعبير». لا تزال المحامية على موقفها. إنها تدرس حالياً الالتماسات التي يُمكن اللجوء إليها بعد بثّ الفيلم على صعيد «الحقوق» من جهة، و«انتهاك سرية التحقيق» من جهة أخرى، عشية بدء المحاكمة الجديدة: «عندما يُشكّل أحدهم عصب فيلم، يُصبح غير مفهوم رفض مقابلة نظرته إلى الأحداث مع المعلومات المجمَّعة حول ماضيه. «كانال بلوس» أكّدت أن هذا عملٌ متخيّلٌ، لكنه متعلّق بسيرة ذاتية، لأن الأشخاص حقيقيون، كما الوقائع. تقديم كارلوس كقاتل دموي، أمرٌ مريبٌ: هناك دعويان قضائيتان لا تزالان (معلّقتان) في المحاكم. الأحكام في فرنسا مرتكزة على قاعدة الاقتناع الشخصي، وليس على الإثباتات. (بهذا المعنى) الفيلم يُخاطر بالتأثير على الدعويين» («إكسبرس»، 12 أيار الجاري).

أكاذيب أم وقائع

أما كارلوس (مواليد كاراكاس/ فنزويلا، 12 تشرين الأول 1949)، فقال (وفقاً لتقرير «وكالة الصحافة الفرنسية» أيضاً) إنه لا يحتجّ دفاعاً عن نفسه، بل دفاعاً «عن رفاقي شهداء الثورة. تناولتني شخصياً أفلام وكتب عدّة في الماضي، تضمنّت أخطاء كثيرة عنّي». في حوار منشور في «لو بوان» (13 أيار الجاري) أجراه معه لازلو ليسكي، فنّد كارلوس بعض المعلومات الواردة في الفيلم. مثلٌ أول: زعم الفيلم أن الرجل التقى يوري أندروبوف في العام 1978 في بغداد برفقة وديع حداد وأبو نضال، وأن المسؤول السوفياتي (ك. جي. بي.) كلّفه اغتيال أنور السادات. نفى كارلوس بشدّة هذه الواقعة، واصفاً إياها بأنها «تافهة». أشار إلى أنه «كاد» يلتقيه في العام 1969 أثناء حفلة صيد في قوقاز: «لا أعتقد (أن السوفيات أمروا بقتل السادات)، لكنّي لستُ متأكّداً. هذا أمر يعود بالفائدة على القذافي خصوصاً، وعلى صدام حسين أيضاً». لكن، هناك تسجيلات إستخباراتية مجرية أكّدت أن كارلوس كان يزمع استئجار «غوّاصة» تنقله إلى مصر لتنفيذ العملية: «كانت (الكلمة) مجرّد صفيحة. كنّا نعلم جيّداً أن المنزل المقيمين فيه داخل بودابست مراقب. بين حين وآخر، كنا نقول أموراً سخيفة تمّ تسجيلها». بالنسبة إلى هذه النقطة، علّق الصحافي ستيفن سميث (مساعد أساياس في مجال توثيق المعلومات) بالقول إن «الفلسطيني وديع حداد روى لصحافي إنكليزي قصّة هذا اللقاء مع مسؤول رفيع المستوى في المخابرات السوفياتية، وكان هو حاضراً. هل كان أندروبوف؟ هناك شكّ لا يزال قائماً. لكن كارلوس، الذي رفض تكليف «ك. جي. بي.» هذا، وافق على تكليف آخر قدّمه القذافي لاغتيال السادات». مثلٌ ثان: قيل إن صديق كارلوس المدعو علي (كمال العيساوي) هو الذي خانه بتسهيل إلقاء القبض عليه في الخرطوم (نهاية الفيلم)، وإن علي هذا عميل للمخابرات السورية: «كلا. لا علاقة لهذا بالحقيقة. علي رجل جيّد». إذاً، من خانه؟ نفى كارلوس وجود خيانة: «علم الجميع أني مسافر من عمّان إلى الخرطوم. السعوديون والأميركيون أيضاً. هم الذين أبلغوا الفرنسيين الذين لم يشاركوا في الأمر نهائياً». هنا أيضاً، علّق سميث بالقول إنه أمر جلل أن يكون وجوده في الخرطوم مكشوفاً إلى هذه الدرجة: «غير أن علي عاد إلى سوريا، مطلعاً السوريين على ما كانوا يعرفونه أصلاً. كارلوس نفسه، في كتاب (ألّفته) زوجته، وصف علي بالخائن. قال عنه إنه يهوذا».

إذاً، أين الحقيقة وأين المتخيّل، في عمل يُفترض به أن يُحسَب أساساً على الإبداع البصري؟ الجواب كامنٌ في العمل نفسه. المهتمّون به وبموضوعه مدعوون إلى مشاهدته بدءاً من اليوم. لكن، بانتظار هذا، لا بأس بسرد بعض المعلومات العامّة حول المشروع، الذي وضعت «كانال بلوس» خمسة عشر مليون يورو لتنفيذه (قال أساياس إن تصوير كل جزء تطلّب ستة أسابيع، وإنه احتاج إلى ستة أسابيع لإنجاز المونتاج). ففي تحقيقها المنشور في «إكسبرس» (12 أيار الجاري)، سردت ساندرا بينيدتي تفاصيل عدّة (منها أن التصوير دام اثنين وتسعين يوماً!)، عائدة إلى شباط 2006، داخل مكتب المنتج الفرنسي دانيال لوكونت، الذي شاهد حينها «سيريانا» لستيفن غاغان: «لم أفهم لماذا لا يُحقّق الفرنسيون هذا النوع من السينما». كان يبحث عن موضوع مؤثّر ودولي كموضوع «سيريانا» (تجسّس وصراعات سياسية واقتصادية حول النفط في الشرق الأوسط). عثر عليه في كارلوس: «إنه يرمز إلى أولئك المناضلين الشيوعيين الذين يضعون أنفسهم في خدمة الأفكار الشجاعة، قبل أن ينتهوا دمويين مجرَّدين من أي مبدأ. أردت معاينة الأسطورة». تعاون مع دان فرانك، الكاتب والسيناريست: «أثار الموضوع اهتمامي. أردت معرفة كيف أن رجلاً يُدعى إيليتش، وشقيقه يُدعى لينين، ودرس في جامعة باتريس لومومبا في موسكو، بات أحد أفضل أصدقاء المصرفي النازي غونو، موصى له بحقوق الملكية الفكرية لغوبلز». وصل المشروع إلى يدي أوليفييه أساياس. قال المخرج الفرنسي (بروميير): «السؤال الحقيقي لا يتعلّق بمعرفة سبب إنجازي هذه الأفلام التلفزيونية الثلاثة عن كارلوس، بل بمسألة أخرى: لماذا لم يحاول أحدٌ غيري مقاربة الموضوع قبلي». أضاف أن الرجل بالنسبة إلى الفرنسيين «إرهابيّ وقاتل أبرياء بدم بارد».

يُعرض الجزء الأول العاشرة إلاّ ربعا مساء اليوم بتوقيت بيروت، والجزآن الثاني والثالث مساء يومي الأربعاء المقبلين، في 26 أيار و2 حزيران، في الموعد نفسه، على شاشة «كانال بلوس».

السفير اللبنانية في

19/05/2010

 
 

أفلام حول الجزائر في مهرجان كان السينمائي:

أفلام مثيرة للجدل والخلافات

بقلم: حميد سكيف

ترجمة: رائد الباش    مراجعة: هشام العدم

أثار عرض بعض الأفلام حول الجزائر والتاريخ الاستعماري الفرنسي للجزائر جدلا في مهرجان كان السينمائي في دورته الثالثة والستين. حميد سكيف يستعرض الأفلام التي أشعلت بعض الخلافات السياسية بين فرنسا والجزائر وانعكاساتها على العلاقات بين البلدين.

"خارجون عن القانون" (Hors la loi) هو عنوان فيلم للمخرج الفرنسي ذي الأصل الجزائري، رشيد بوشارب. وضمن المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي سيتم عرض هذا الفيلم الذي أثار ردود فعل شديدة بين السياسيين الفرنسيين المحافظين وفي الأوساط اليمينية. وذلك لأنَّ بوشارب تناول في فيلمه هذا المجزرة التي وقعت في الثامن من أيَّار/مايو 1945 في ولاية سطيف الجزائرية إبَّان الاحتلال الفرنسي. ومن ثم وجد نفسه أمام العديد من الحملات والهجمات الكلامية؛ وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ فيلمه هذا يعتبر مثلما يرد في أوساط النقَّاد فيلمًا غير محايد وكذلك "معادٍ لفرنسا".

وهناك فيلم آخر يحمل عنوان "رجال وآلهة" (Des hommes et des dieux) من إخراج المخرج الفرنسي، كسافيي بوفوا Xavier Beauvois. وهذا الفيلم يروي قصة اختطاف الرهبان الفرنسيين السبعة من دير تبحرين جنوب العاصمة الجزائر وقتلهم في ربيع العام 1996. وفي ذلك الوقت تبنَّت "الجماعة الإسلامية المسلحة" (GIA) عملية قتل الرهبان. ولكن في العام الماضي نسب جنرال فرنسي متقاعد مقتل الرهبان الفرنسيين إلى الجيش الجزائري، الأمر الذي أضر بصورة خاصة بالعلاقات الفرنسية الجزائرية نتيجة التصريحات الرسمية التي أعقبتها حملة صحفية. وما من شكّ - طبقًا لبعض المصادر الفرنسية - في أنَّ الجماعة الإسلامية المسلحة تعدّ إمَّا من صنع المخابرات الجزائرية أو أنَّ هذه المخابرات كانت تستخدمها.

فيلم "كارلوس"

وكذلك ثمة فيلم آخر يركِّز على الجزائر ويشارك في مهرجان كان السينمائي. وهذا الفيلم من إنتاج فرنسي ألماني مشترك ومن إخراج المخرج الفرنسي أوليفييه أساياس، ويحمل عنوان "كارلوس"؛ كما أنَّه يعرض قصة حياة "الإرهابي" الشهير، إليتش راميريز سانشيز المعروف باسم كارلوس، والذي جعل العالم يتحدَّث حوله في فترة السبعينيات. ويتناول فيلم كارلوس أغرب عمليات احتجاز الرهائن وأكثرها مدعاة للدهشة في تاريخ الإرهاب المعاصر، أي عملية احتجاز وزراء النفط الأحد عشر في منظمة أوبك في أثناء اجتماعهم في فيينا في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 1975.

وفي هذه العملية تم اختطاف الوزراء ونقلهم على متن طائرة إلى الجزائر، بعد أن رفض الكثير من الدول السماح للطائرة بالهبوط فوق ترابها. وفي إحدى لقطات الفيلم يظهر النقاش الذي دار بين كارلوس وبين زير خارجية الجزائر في تلك الفترة ورئيسها الحالي، عبد العزيز بوتفليقة الذي تم تكليفه حينها بإجراء المفاوضات للإفراج عن الرهائن. وهنا يشاهد عبد العزيز بوتفليقة وهو يعطي كارلوس حقيبة مليئة بالنقود. وتتهم الجزائر المخرج أوليفييه أساياس بتحريف الحقائق. وهذا الفيلم الوثائقي الذي تم بيعه حتى الآن في سبعة عشر بلدًا، سوف يثير بكلِّ تأكيد غضب الحكومة الجزائرية، لاسيما وأنَّه لم يطلب من هذه الحكومة قطّ عرض وجهة نظرها. والآن أصبحت الجزائر محور الجدال السياسي، بعد أن صار يدور الحديث حول فيلم "خارجون عن القانون" لرشيد بوشارب حتى في داخل قصر الإليزيه. وحتى إنَّ الرئيس ساركوزي طلب مشاهدة هذا الفيلم قبل أن يتم عرضه في مهرجان كان.

إثارة خلافات سياسية

وما من شكّ في أنَّ هذه الأفلام سوف تثير خلافات على جانبي البحر الأبيض المتوسِّط، إذا نظرنا إلى العلاقات المتوتِّرة بين الجزائر وباريس. ولكن هذا لا يكفي، إذ إنَّ المؤرِّخين يأسفون على رفض فرنسا إلقاء نظرة ناقدة على ماضيها الاستعماري. ومثلما صرَّح المؤرِّخ بنيامين ستورا لوكالة إعلام فرنسية فإنَّ "رفض فرنسا اتِّخاذ موقف من الحرب الجزائرية يعتبر لدى جزء كبير من أفراد المجتمع الفرنسي أمرًا سلبيًا".

وفي هذه المناسبة أدان كذلك المؤرِّخ ستورا الحملة المناوئة لفيلم رشيد بوشارب والتي تم بدؤها قبل عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي. وبعد ستين عامًا على استقلال الجزائر يرى أنَّ "هذه الحرب بعيدة جدًا عن الانتهاء في عقول الناس وقلوبهم، وذلك لأنَّها ما تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية ولأنَّه لم تتم معالجتها".

وفي الوقت نفسه ينتقد ستورا حقيقة أنَّ "بعض الأحداث مثل مجزرة سطيف وقالمة وخراطة التي وقعت في عام 1945 لا يتم عرضها في السينما الفرنسية ولا يتم حتى التلميح لها - وهذا يعد في الحقيقة ثقبًا أسود". وكذلك يذكِّر المؤرِّخ ستورا بأن فقدان الجزائر سوف يبقى يشكِّل "دائمًا جرحًا في تاريخ الروح الوطنية الفرنسية"، وأنَّ "الفرنسيين يرفضون الحداد على فقدانهم الجزائر". وبحسب رأيه لا يكاد يتم أيضًا عرض استقلال الجزائر عن فرنسا في دور السينما باعتباره نتيجة لحرب التحرير الجزائرية - تمامًا مثلما هي الحال مع نهاية هذه الحرب ضدّ المستعمرين الفرنسيين.

"حملة هستيرية معادية"

وفي مقال مشترك وقَّعه مع سبعة مؤرِّخين آخرين ونشرته مؤخرًا صحيفة لوموند الفرنسية، تحدَّث المؤرِّخ ستورا عن وجود "حملة هستيرية" موجَّهة ضد فيلم "خارجون عن القانون". وهذه الحملة التي يقودها السياسيون اليمينيون ضدّ الفيلم تكشف عن أسرار مجتمع يرفض - مثلما يؤكِّد هذا المؤرخ الفرنسي - التفكير في الماضي. وحتى يومنا هذا لا يوجد سوى عدد قليل فقط من الكتب أو الأفلام الفرنسية التي تتناول موضوع الحرب الجزائرية؛ هذه الحرب التي استمرَّت على أي حال ثمانية أعوام وسقط ضحيتها مئات الآلاف من القتلى.

وقد مكنت القوانين الفرنسية المجرمين الذين اقترفوا جرائم ضدَّ الإنسانية من الحصول على عفو عن جرائمهم، على الرغم من أنَّ فرنسا تعلن حتى يومنا هذا بغرور وغطرسة عن أنَّها تعتبر وطن حقوق الإنسان. ولكن بصرف النظر عن ماضي الحرب الجزائرية الدموي فإنَّ تاريخ الاحتلال وتدمير قيم الشعب الجزائري ما يزالا محفورين عميقًا في ذاكرة الجزائريين.

وهنا لا يطالب شعب هذا البلد المغاربي بأي مطالب خاصة؛ فالجزائر لم تطالب بأي تعويضات مالية عن الأضرار التي أصابتها في الحرب، وكذلك لم تطلب من فرنسا الاعتذار رسميًا عن الجرائم التي اقترفتها في البلاد. وفي المقابل أصرَّت الجمعية الوطنية الفرنسية في عام 2005 على حقِّها في إصدار قانون يشيد بجوانب الاستعمار "الإيجابية". ومنذ ذلك الحين ازدادت حدة الجدل في الجزائر. وبدوره ينتقد الشعب الجزائري حكومة بلاده بكلِّ صراحة لأنَّها لا تبدي سوى القليل من الاهتمام والشجاعة في التعامل مع فرنسا ولأنَّها تتعامل بكثير من التردّد والمماطلة.

حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة في

19/05/2010

 
 

مهرجان كانّ السينمائي في دورته الثالثة والستين

السياسة وتجاذباتها تحضران الى الكروازيت من خارج أفلام المسابقة

إيناريتو وبوفوا وكيارستمي ولي أفضل مخرجي الأيام الاولى

كانّ - من هوفيك حبشيان

السياسة في كانّ هذه السنة تُمارَس خارج التشكيلة الرسمية للمهرجان أكثر من داخلها. صحيح أن الأفلام تنبع من أفعال سياسية، لكن هذه الأفعال السياسية لا تثير نقاشاً حقيقياً من حولها بقدر ما تثيره تصريحات العابرين على السجادة الحمراء. فأحد اهتمامات الصحافة مثلاً في الأيام الأخيرة كان التصريح البليد لمايكل دوغلاس الذي أعلن انه لا يدعم قضية رومان بولانسكي، لأسباب نعرف جميعاً انها مرتبطة بانتماء هذا الممثل الى المؤسسة الهوليوودية القائمة على قيم محافظة وثابتة، خلافاً لمواطنه وودي آلن الذي قال انه يجب اقفال الملف المعيب هذا، كون المخرج الفرنكو بولوني أخطأ ودفع ثمن الخطأ. بين هذا وذاك، تصفق وسائل الاعلام، مقتنصة أصغر معلومة لخلق جدال في حدث سينمائي ليس فيه أي جدال الى الآن. هذه الملاحظة ليست محاكمة للمهرجان ولدورته المحيّرة التي تنتهي هذا الويك اند، بل تأكيد اضافي الى أن ثمة مواضيع لم يعد طرحها يزعج أحداً على الاطلاق، وخصوصاً اذا جرى التطرق اليها بنمط من الاعتدال. فانشغالات العالم يبدو أنها أكبر من أن تهتم بفضيحة سينمائية في كانّ ينتظرها منظّموه من دون جدوى، علماً ان الأفلام "الساخنة"، من كين لوتش الى رشيد بوشارب ودوغ ليمان، ستُعرض بدءاً من اليوم. يضاف الى هذا كله، قضية احتجاز الايراني جعفر بناهي في احد السجون الايرانية بسبب فيلم كان ينوي صنعه عن مرحلة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أدّت الى فوز الرئيس أحمدي نجاد بولاية ثانية. كثر سجلوا مواقفهم ازاء هذه القضية، في مقدمهم أعضاء لجنة التحكيم في رئاسة تيم برتون فوزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتران الذي قرأ رسالة لبناهي، وأيضاً الممثلة الفرنسية جولييت بينوش التي يبدو انها تجتاز ما يمكن اعتباره "المرحلة الايرانية" من مسارها، كونها تشارك في المهرجان ايضاً من خلال الدور الذي اضطلعت به في "نسخة طبق الأصل" للايراني عباس كيارستمي، الذي يتسابق على "السعفة الذهب". لم تستطع أن تتمالك نفسها عندما قال احد الصحافيين في المؤتمر الصحافي للفيلم إن بناهي باشر اضراباً عن الطعام، فراحت دموعها تنهمر، معلنة ان الكلمات احياناً للتعبير عن موقف تكاد تكون معدومة.

هذه السياسة التي جيء بها من خارج اطار السينما، تتجلى ايضاً في الأزمة الاقتصادية التي يشكو منها المهرجان هذه السنة، أكثر من شكواه العام الماضي. عبثاً حاول أوليفر ستون في الجزء الثاني من "وول ستريت" تحريك الخنجر في الجرح، لكن الصحافة صرفت النظر عنه وصبّت اهتمامها على عودة مايكل دوغلاس الى دور كان نال عنه قبل 22 عاماً أوسكاراً لأفضل ممثل. فهوليوود، التي تتيح القدر الأكبر من البهرجة في كانّ، تراجع حضورها هذه السنة، وكذلك حضور شركات الانتاج والتوزيع التابعة لها التي تروّج عادةً لأحدث بضائعها، أما النجوم الذين يتولون الجانب الاستعراضي للمهرجان، فبعد اعتذار المخرج ريدلي سكوت لأسباب خارجة على ارادته، ها شون بن وشارون ستون يلغيان المشاركة في الدورة 63، ولكلٍّ ذريعته: بالنسبة الى الأول فإن هذا الغياب مرتبط باجتماع لمجلس الشورى الاميركي لمناقشة الوضع في هايتي. في حين أن الممثلة الحديدية التي جاءت الى كانّ مرات كثيرة، خافت من أن تعلق في الجانب الآخر من الاطلسي في حال تأزم الوضع مع البركان الايسلندي.

عوّدنا مهرجان كانّ دورةً بعد دورة، أن يجعلنا نستأنس بأفلام تمتلك قدراً من المسؤولية الابداعية والايديولوجية. لكن كانّ غير مسؤول عما يُصنَع في العالم. نشاطه ينحصر في الخيارات الجريئة وفي الافصاح عن الاتجاه الجديد الذي ستسلكه السينما في السنوات المقبلة. نقطة على السطر. المهرجان يساهم كذلك في وضع اعمدة الذائقة العامة، لكن لا يقول للسينمائيين أي فيلم عليهم انجازه، ومن هنا أهميته. هذه السنة تبدو الأمور مرتبكة بعض الشيء، فالخيارات، وخصوصاً في المسابقة، أثارت تململاً، حدّ انه كان ينبغي انتظار مطلع هذا الاسبوع، للقول ان المهرجان بدأ فعلاً.

حتى تاريخ كتابة هذه السطور، كانت هناك أربعة أفلام في المسابقة الرسمية تستحق أن تكون في هذا الموقع: "عام آخر" لمايك لي؛ "نسخة طبق الأصل" لعباس كيارستمي؛ "بيوتيفول" لاليخاندرو غونزاليث إيناريتو و"رجال وآلهة" لكزافييه بوفوا. تفاوتت درجة استقبال الصحافة لهذه الأفلام، وبدا الانقسام واضحاً في وجهات النظر بين النقاد الفرنسيين وزملائهم الأجانب. بدرجة أقل، كان لفيلم التشادي محمد هارون صالح "رجل يصرخ" ولفيلم تاكيشي كيتانو "انتهاك"، حضورٌ ما وسط الأفلام المتسابقة، والاثنان عملان مثيران لكن من دون أن يرتقيا الى الأفلام الأربعة المذكورة. أياً يكن، لا نزال في منتصف الطريق، والمهرجان قد يخفي لنا أكثر من مفاجأة.

•••

برشلونة من زاوية أخرى. هذا ما اراده أليخاندرو غونزاليث إيناريتو أن يظهره في فيلمه الجديد "بيوتيفول" (مسابقة)، فشكل احدى الصدمات الاولى للمهرجان الذي كان قد بدأ بهدوء. بعد ثلاثة أفلام عن الألم، يواصل المخرج المكسيكي تنقيبه في اعماق النفس البشرية متوصلاً الى استنتاجات مشابهة لما توصل اليه سابقاً. دائماً لديه هذه الرغبة في الارتفاع بالسينما الى عولمة ما، ومخاطبة كل الناس في الحين نفسه. لكن هذه المرة بدلاً من أن يتنقل بنا نص مفذلك من قرية في المغرب الى طوكيو كما فعلها في "بابل"، يأتي بمهاجرين من بلدان مختلفة الى برشلونة، أو بالاحرى الى قاع تلك المدينة، ولن يكون دليلنا الى هذا العالم السفلي سوى أوكزبال (خافيير بارديم، أحد أبرز المرشحين الى الآن للفوز بجائزة التمثيل)، المصاب بالسرطان والذي لا ينتظر الا ان تدق ساعة الموت. أوكزبال هذا، شخص معذب يحاول الصمود في قلب مدينة يصوّرها إيناريتو كمقبرته مع أشباح الموت الذي يحوم من حوله. من قصة بسيطة، نسمع مثيلاتها يومياً، يستقي صاحب "21 غراماً" فيلماً معقداً إن من حيث المعالجة أو المضمون. إيناريتو الذي ينجز هنا فيلمه الأول من دون التعاون الذي كان له سابقاً مع غييرمو أرياغا على السيناريو، يقدّم صورة غير سياحية لمدينة برشلونة، فيها تجار مخدرات وشرطة فاسدة واستغلال لعمال أجانب غير شرعيين ومآس كثيرة، شخصية وعامة. بكاميراته المحمولة عل الكتف، يلتقط احساس هذا المكان، ومن حالة متوترة الى اخرى، يولد انزعاجاً بديعاً لدى المشاهد، مع عودات مفاجئة الى لازمة موسيقية صارت العلامة الفارقة في سينماه. بتوليفته المتوترة والممسوكة بقبضة من حديد، يلملم المخرج الاحساس بالأشياء والشخوص عبر حس تفصيلي ممعن بواقعية ديناميكية. على رغم الخوف من هذا الغريب الذي في داخلنا، وهو الفكرة المهيمنة على العمل، يترك باباً مشرعاً على الأمل، من خلال دعوة البطل الى أن يقبل نفسه كما هو، في ختام تجربة وجودية ستشكل له مناسبة ليولد ثانياً.

•••

منذ أكثر من عقدين، يصنع المخرج الاميركي غريغ أراكي ذو الاصول الآسيوية، على هواه ومن دون ان يكترث للتيارات، سينما مهمّشة محمولة على الظهر، تقتفي خطى لاري كلارك وبول موريسي، لكن لها لونها ومذاقها وأصالتها الخاصة. سينما أميركية قد تكون أحياناً نقيض ما نراه في الافلام الهوليوودية (لا سيّما في ما يتعلق باهتمامات المراهقين)، التي تجتاح دور العرض التجارية. أراكي هذا صاحب فيلموغرافيا تكرّست من خلالها فكرة "ثقافة القمامة"، وهي تشكلّت من جملة تأثيرات أثقلت على هذا السينمائي، بدءاً من فنّ الـ"بورليسك" وصولاً الى النزعة البورنوغرافية الواضحة، فالمثلية الجنسية التي تطفو على سطح أعماله منذ فيلمه الاول "ثلاثة أشخاص في الليل" (1987) الذي صنعه بخمسة الآف دولار فقط لا غير، وتحوّل أحد أبرز العناوين في تاريخ السينما الاميركية المستقلّة، لا سيّما بعد نيله ثلاث جوائز في مهرجان لوكارنو. في فيلمه الجديد "كابوم" (خارج المسابقة) يحمل أراكي مرة جديدة راية جيل كامل من الشباب المنبوذين الذين يبحثون عن ذواتهم وسط مجتمع لا يلبّي رغباتهم، فلا يبقى أمامهم الاّ الموسيقى والجنس وأشياء أخرى يثبتون وجودهم من خلالها. إبن عقيدة سينمائية لا تؤمن بضرورة توافر إمكانات كبيرة لصنع شريط متكامل العناصر، لم تستطع اغراءات الاستديوهات الكبيرة أن "تفسد" أراكي الذي ظلّ "أراكياً" حتى العظام، فلم يقدّم التنازلات، لا بل تزايدت "أراكيته" من فيلم الى آخر. مخدرات، جنس، هلوسة، استيهامات، لواط، وازدواجية، هذه بعض مضامين "كابوم"، الذي لا يملك قدرة كبيرة على الاقناع كما كانت الحال في "بشرة غامضة"، ذلك لأنه يأتي بمعالجة فيها خفة وتساهم في انتزاع الجدية من الفيلم، من دون ان تمنحه في المقابل طابعاً كوميدياً مقصوداً. يروي المخرج انه خطر على باله انجاز هذا الفيلم بعدما عبّر له أحد أمراء الكيتش جون وايترز بأنه يرغب في مشاهدة فيلم لغريغ أراكي يكون مصنوعاً على الطريقة القديمة. فعلاً، هناك احساس طاغ بأن "كابوم" يأتي من مكان اختبره أراكي جيداً، عندما كان تلميذاً في ثانوية. هناك عودة الى الخلف، وسير على خطى المصدر الذي يشكل مرجعاً خالداً بالنسبة اليه: مسلسل "توين بيكس" لديفيد لينتش.

•••

"رجال وآلهة" (مسابقة) لكزافييه بوفوا كان مشروعاً خطراً. أفلمة قصة الرهبان الفرنسيين السبعة الذين قتلتهم الجماعات الاسلامية في الجزائر عام 1996 (علماً ان بعض المصادر تقول ان الجيش الجزائري تورط في قتلهم)، كانت تتضمن عدداً لا يستهان به من المطبات. منها الوقوع في الخطاب الذي يمضي في مقارنات بين المسيحية والاسلام. لا انحياز رخيصاً في "رجال وآلهة" ولا ادانة. نحن أمام عمل يملك مخرجه مسافة متوازنة جداً مع موضوعه. مخرج "الملازم الصغير" يعرف كيف يخطف انتباهنا من خلال تجربة الرهبان وايمانهم العميق بالرسالة (شيء نادر في أيامنا هذه عند رجال الدين) الانسانية التي جعلتهم يتركون بلدهم لمساعدة الجزائريين الذين يعانون انواع العسف والظلم، جراء التعاطي السيئ للجماعات المتطرفة معهم. يحاول بوفوا الخروج من الفيلم بأقل قدر من الاضرار النفسية والمعنوية والاخلاقية. على مدار ساعتين يقحمنا في دير، صحبة ثمانية رهبان يناقشون المعنى الحقيقي لرسالتهم، واضعين النقاط على الحروف. لا كلل ولا ملل جرّاء هذا الغوص في صلواتهم وكلامهم عن قيم الديانة المسيحية التي لا تأخذ البتة منحى تبشيرياً. ليس هناك تهافت في النظرة الى الآخر، فقط عرض وقائع يخرج باستنتاج كبير مفاده ان العدو هو عدو الأديان كلها والانسانية بأكملها وليس حكراً على عقيدة دينية. نحن أمام فيلم متسامح جداً في مقاربته للموضوع. لامبير ويلسون في دور الراهب كريستوف المسؤول عن الدير، يقدم أداء فعالاً مترجحاً بين دمعة وصرامة. لقاؤه مع الارهابي الجزائري الذي يقتحم الدير مع زمرته طالباً العون، يشكل قمة الفيلم، وفي هذا المشهد ينبغي التنقيب اذا اردنا معرفة المقاصد الحقيقية للفيلم الذي يحاول ايجاد ما يجمع الدينين بدلاً من النظر في ما يفرقهما. بديعٌ أيضاً مشهد العشاء عندما يضع احد الرهبان "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي، فتركّز الكاميرا على وجوه الرهبان طوال فترة المعزوفة، لنرى ان هناك آلهاً اخر على الارض يمكن تمجيده هو الموسيقى، ذلك الصوت الرباني صنيعة الانسان، القادر على أكثر الأفعال خيرا وأكثرها شراً في الحين نفسه. هذه الموسيقى، اللغة الكونية العابرة للمعتقدات والقناعات، هي الفتحة الوحيدة في فيلم يعبق برائحة الصمت والصلاة والموت وكادرات ساحرة. من الأفكار التي تؤمّن للفيلم تفوقه، الفكرة القائمة على منح كل راهب حق إعلان موقفه من الرحيل أو البقاء في الدير، بعدما تزايدت عليهم الضغوط. في هذا المشهد الاساسي، الذي يكرره الفيلم مرتين، تخرج الى العلن الشخصيات الحقيقية للرهبان، فنرى تشبث بعضهم وخشية بعضم الآخر، لكن ما يجمعهم هو انعدام الخيارات التي يعيشونها والشكوك المزمنة التي ينتزعها الفيلم من أفواههم. في النهاية، نحن امام فيلم من خامة نادرة، يأتي بأسئلة ولا يملك اجابات شافية، وأهميته انه يبقى على حافة الأشياء، راصداً ومحللاً مفهوم التضحية، فاصلاً اياها عن حب تعذيب الذات.  

غودار لا يريد الموت قبل أن يرى أوروبا سعيدة

مهرجان كانّ أرض لكل العجائب. العجائب تمتد على طول الساحل من القصر الى المرقص الليلي الشهير "في اي بي روم". ما يكتسب في أماكن أخرى طابع الفضيحة، يغدو هنا نكتة تمر من لسان الى لسان لتسقط في خاتمة الجولة في قعر التاريخ. مثلاً: من كان يقول ان امتناع جان لوك غودار عن المشاركة في هذه الدورة سيكون أكثر افادة له ولفيلمه على الصعيد الترويجي مما لو شارك. المخرج الثمانيني لا يزال معلّماً في فن التحكم من بُعد، اذ عرف كيف يروّج لعمله من دون أن يكلف نفسه عناء ان يحرك مؤخرته من رول، المدينة السويسرية القريبة من جنيف حيث يقيم، الى المدينة الواقعة في جنوب فرنسا. كي يبرر فعلته، اخترع حجة تناقلتها وسائل الاعلام وأضحكت كثيرين. قال انه "يعاني مشكلة من النوع اليوناني". لم يفهم أحد ماذا يعني بذلك. ظرفاء ربطوا العبارة بالأزمة الاقتصادية التي تضرب اليونان حالياً. "ربما لا يملك ثمن سيارة الأجرة لتأتي به من المطار الى قصر المهرجان"، كتب ظريف آخر في مقال له. آخرون مضوا في تحليلات وإسقاطات عرمرمية، رابطين كلامه هذا بمضمون فيلمه الذي يتناول فيه الاغريق وفلاسفة اليونان وكبار رموز تلك البلاد. أياً يكن، هذه تقنية جديدة بارعة في لفت الانتباه يضعها غودار قيد التنفيذ، وقد تلقَّن لاحقاً في معاهد تدرس اساليب التسويق.  

"فيلم اشتراكية"، العمل الأول لغودار يشارك في كانّ منذ 2004، وهو المهرجان الذي زاره تسع مرات طوال حياته.  في الفاكس الذي ارسله الى تييري فريمو، قال:"أنا مستعد للذهاب الى الموت من أجل المهرجان، لكن لن أذهب أبعد من ذلك خطوة واحدة". اذا كان الامتناع عن الحضور سببه توجيه رسالة "نكاية" الى الطرق المؤسساتية التقليدية في الترويج لعمل يفلت من كل محاولة للتصنيف، فهناك رأي قائل ان مشكلة المعلّم ليست مع المهرجان بقدر ما هي مع الأفلام المعروضة فيه، والتي لا تليق بذائقته! لذلك أقدم غودار على وضع خطة أخرى تتيح مشاهدة فيلمه، وذلك من خلال تحميله على شبكة الانترنت مقابل سبعة أورو.  

بعد أكثر من نصف قرن على انطلاقته في السينما، لا يزال غودار يملك سر توليد الجدال. فهناك انصار غودار الذي يصطفّون الى جانبه ويشدّون على يده في الحلو والمر، وهناك من يصابون بانهيار عصبي ما ان يسمعوا باسمه. لا أحد من الطرفين قادراً على اقناع الثاني. انصاره يعتبرونه المخرج الذي خلق السينما مراراً وتكراراً، وكل فيلم جديد له ساهم في عدم موت السينما. في كل حال، النصّ الغوداري يعرف كيف يدافع عن نفسه! جرياً على عادته، يقفز غودار في جديده من موضوع الى آخر، مكثراً من الأقوال الشهيرة والأقل شهرة من مكتبته الضخمة، غير مكترث بالانسجام بين الصورة وخليفتها. هنا مقاربة جديدة قديمة للتاريخ. غودار لا يسائل التاريخ بقدر ما يحاكمه واضعاً اياه على اريكة المحلل النفسي. فرائد الموجة الجديدة، صاحب النظريات الغريبة العجيبة، عانق ثمانية عقود من التاريخ الآدمي، ولا يمكن أمام حذقه وتماديه في الهجوم على الفكر المعلب بوقاحة غير مسبوقة، الا ان يشعر المرء بأنه كتلميذ أمام معلم.

هذا الانتقال المونتاجي من مكان الى آخر ومن زمان الى آخر، يجعل الفيلم يبدو كالزابينغ التلفزيوني. فحيناً نجد نفسنا أمام مشاهد من مصر الفراعنة ثم ننتقل الى نابولي فبرشلونة ليحط بنا الرحال في حيفا. مع عودة دائمة ومتكررة لسفينة تبحر متحدية الامواج وعليها شخصيات تجتاز البحر الابيض المتوسط. ينظر غودار من ثقب الباب، باب التاريخ الانساني، فيشرعه على عالم من الألوان والأشكال، فيه فن وحضارات وأديان وحروب ونهايات مكلومة. كل شيء يرتدي تالياً طابعاً اقتصادياً، فتصبح الحروب والصراعات الدامية ضرورة بشرية. وتحتل أوديسا وادراجها الشهيرة التي خلّدها فيلم "البارجة بوتمكن" لأيزنشتاين، موقعاً بارزاً. على رغم استحالة وصول الفكر الخاص بغودار الى مشاهدين لا يملكون حداً ادنى من الفضول السينمائي، يبقى الفيلم ذا تأثير بهي، بسبب المونتاج الفظيع الذي يحول الشريط قصيدة سينمائية.  

مغنية الروك باتي سميث والفيلسوف آلان باديو والمؤرخ الياس صنبر من جملة الضيوف الذين يسافرون على متن الفيلم. كنا نعلم انه، في اعماله، غطى السكون الحوار. ولم يبقَ هو الا سيداً قديماً، متنبهاً لهذا العصر الذي يبتعد مع مرور الوقت، فما عاد يشغل باله الا الحرب والسلم. برعت أفلامه الأخيرة  في ابراز مشكلة الحرب والسلم من دون ان يشوّه أي حلّ. فعندما يموت مناضل، يولد فنان. لقد بلغ غودار ذروة فنه، اذ جعل المشاهد يرى ما ظن الانسان انه رآه. من جمال عبقريته يشع النور. بالنسبة الى غودار، العالم مظلم لكنه تحول الى نور في غرفة معتمة. فما يبحث عنه الآن، هو هذه العلاقة العضوية بين الفعل ورد الفعل اللذين يحكمان الكون، منذ سحيق العهود. أمام حالة من الغموض وجلد الذات، يجد غودار امتدادات بين مأساة فلسطين وانحطاط أوروبا. "الافكار تبعد الواحد عن الآخر، والأحلام تقربهما".

الفيلم، الذي بدأ عرضه امس في الصالات الفرنسية، ذو نفَس ملحمي، اذ نسافر معه الى أزمنة متعددة، من حقبة زمن الميثولوجيا الاغريقية الى هوليوود مع العودة الدائمة الى حضن الألمان والنازية وعلاقة هذه المسائل بما يدور في فلسطين المحتلة. هذا كله بقدر عال من الاستفزاز، من دون أن يخشى الاتهام الجاهز بالمعاداة للسامية، وهي تهمة ليست غريبة عنه.

يختلط الروائي والارشيفي، الحرب والسلم، الصورة النقية والرديئة، على وقع موسيقى الأرغن الربانية الملهمة. موزاييك من الصور ينهش الشاشة، يرافقها كمّ من الكلمات المتقاطعة والمخادعة. شيئاً فشيئاً يتوضح لماذ عنون غودار عمله بـ"فيلم اشتراكية". كرهه للفائدة المادية يتجلى في العبارة الآتية: "جرى اختراع المال، كي يخاطب الناس بعضهم بعضاً من دون ان ينظر الواحد في عين الآخر". تأملات فلسفية يلفّ حولها غودار منذ سنوات، لكن هذه المرة تنبع منها جدية جراء العمر والزمن الضائع وفقدان السعادة. غودار يقولها من دون احراج انه لا يريد أن يموت قبل أن يرى أوروبا سعيدة، وقبل أن يرى كلمتي "روسيا" و"سعادة" مقترنتين من جديد!

هـ. ح

####

"نسخة طبق الأصل" لعباس كيارستمي

طــــــعــــــم الــســـــــــيـــنـــمــــا

لا يمكن الحديث عن الدورة 63 من دون التأخر عند عباس كيارستمي. فالمهرجان يحتفي به هذه السنة ولو من دون أن يعلن ذلك. أولاً، من خلال وضع ممثلة فيلمه الجديد جولييت بينوش على ملصق الدورة الحالية، ثانياً من خلال اعادته الى المسابقة وهو الذي كان وعد بأن لا يشارك في المهرجانات الا خارج المسابقة. وثالثاً من خلال تفعيل قضية جعفر بناهي الذي تتلمذ على يد المعلم.

"نسخة طبق الاصل" (مسابقة) يعيد كيارستمي الى السينما الكبيرة التي كان غادرها طوال العقد الماضي لمصلحة تجارب صغيرة اعادت اليه الشباب ونصّبته واحداً من معلمي الصورة. ربما من الصعب فهم كل المقاصد الفكرية والغمزات السينمائية لهذا الفيلم من خلال مشاهدة واحدة ووحيدة له. فالشريط يتضمن قدراً هائلاً من الثراء ويقوم على طبقات عدة من القراءة.

لصناعة "نسخة طبق الأصل"، انتاج ماران كارميتز، كان ينبغي لكيارستمي ان يذهب الى ايطاليا. لم يكن ممكناً صنعه في ايران لأسباب جوهرية تتعلق بالديكور واللغة وجوهر المادة المصورة. أن يذهب مخرج مثله الى توسكانا للتصوير، لا يعني نفياً ولا بحثاً عن وطن جديد، وخصوصاً عندما نتذكر ان كيارستمي يسكن السينما، وطنه وأمه، أكثر مما يسكن جمهورية اسلامية تدعى ايران.

هذه المرة الأولى يستعين كيارستمي بنجمة سينمائية. لكن جولييت بينوش بدت منذ الأول جزءاً أساسياً من المشروع، لأنها لا تقوم في الفيلم الا بلعب دور جولييت بينوش، الممثلة التي لعبت في ادارة مخرجين من جنسيات مختلفة وبلغات مختلفة. من المعلوم انه كان لكيارستمي مشروع مماثل منذ فترة طويلة طرحه بدءاً على شكل فيلم تدور حوادثه في بيروت ويكون من تمثيل ايزابيل أدجاني وينطق بلغات ثلاث. لكن مع نضوج الفكرة في رأسه، انتقل المشروع من بيروت الى توسكانا حيث صوّر هذا العمل الكبير الناطق بالانكليزية والفرنسية والايطالية، وهو ليس الا لقاء بين رجل وامرأة لا نعرف اسميهما، يتيح كيارستمي لهما مناسبة للكلام والبوح، مع المحافظة على طريقته في التأطير والمونتاج وروحانياته الايرانية. هذه المرأة تقيم على ارض غريبة، وهي تشكو من قلة اهتمام زوجها الغائب دائماً. لعبة كليشيهات ودال ومدلول وتزوير وحقيقة ومظاهر خادعة... هذه كلها يتجول فيها كيارستمي مركزاً على فكرة سوء الفهم المستمر بين الجنسين. فهذان الشخصان اللذان نراهما في بداية الفيلم، نعتقد انهما يعيشان ويفكران خارج الاطر الاجتماعية التقليدية، لكن يبديان في ما بعد ميلاً الى الأفكار الجاهزة المتعلقة بالحرب بين الجنسين. يصوغ كيارستمي فيلمه على شكل حكاية نخرج منها بخلاصات، نوع من اريك رومير تائه في بلاد لا يفهم لغتها.

العلاقة، ثم يتطور الحوار القائم على ردّ الصاع صاعين بين الاثنين بشكل مبهم، ليعرّج على منطق آخر. فجأة يأخذ الفيلم منعطفاً فيدخلنا كيارستمي في تأملات فلسفية عن الفحوى والظاهر، مع اصراره الدائم على التذكير بأننا في صالة مظلمة وأمام شاشة، ولا يمكن هذه الشاشة أن تقول كل الحقيقة عن شخصيات تتمرد على كاتبها. في حين أن كاتبها كيارستمي هو اللاعب الاقوى لأنه يستغل طاقات الشخصيات ليصل الى اقرب منطقة ممكنة من الحقيقة، عاملاً بمنطق جان كوكتو "السينما كذبة تقول الحقيقة".

(   hauvick.habechian@annahar.com.lb)

النهار اللبنانية في

20/05/2010

 
 

«عن الآلهة والبشر» أعظم أفلام المهرجان وأكبر دفاع عن الإنسانية وعن الإسلام

من مهرجان كان   سمير فريد

شهدت المسابقة أمس الأول، عرض أعظم فيلم فى المهرجان هذا العام. فرغم أنه عرض فى سابع أيام المهرجان الإثنى عشر، أى لاتزال هناك خمسة أيام ستعرض فيها أفلام كثيرة أخرى داخل وخارج المسابقة، فإن المستوى الرفيع الذى جاء عليه الفيلم الفرنسى «عن الآلهة والبشر» إخراج زافير بيفوا من الصعب أن تصل إليه إلا أفلام معدودة فى سنوات، وليس فى سنة واحدة، فما بالك بمسابقة مهرجان واحد!

هذا عمل دخل تاريخ السينما بعد عرضه الأول مباشرة، ولن يخرج منه أبداً، وأصبح من الكلاسيكيات المعبرة عن مدى تطور الفن السينمائى ومدى تعبيره عن عصرنا.

وقد جاء الفيلم «مفاجأة» حقيقية من زافير بيفوا الذى بدأ حياته الفنية ممثلاً عام ١٩٩١، ومخرجاً عام ١٩٩٢، ولايزال يمثل ويخرج الأفلام فى الوقت نفسه.. والفيلم الجديد هو فيلمه الروائى الطويل الخامس كمخرج. صحيح أن أفلامه الأربعة السابقة لقيت التقدير داخل وخارج فرنسا، وعرض منها اثنان فى مسابقة مهرجان فينسيا، ولكن أول فيلم له فى مسابقة «كان ٢٠١٠» يمثل درجة عالية من النضج لم يصل إليها من قبل.

مذبحة الرهبان السبعة

يعبر الفيلم عن مذبحة الرهبان الفرنسيين السبعة، الذين تم خطفهم فى ٢٦ مارس ١٩٩٦ بواسطة الجماعة الإسلامية فى الجزائر التى أعلنت مسؤوليتها عن الخطف فى ١٨ أبريل، وطالبت بالإفراج عن بعض معتقليها فى فرنسا، وبعد مفاوضات فاشلة بين الحكومتين الجزائرية والفرنسية، أعلنت قتلهم فى ٢١ مايو، وتم العثور على رؤوس الضحايا مقطوعة فى ٣٠ مايو. وفى ٢٠ نوفمبر الماضى، ظهرت وثائق تشير إلى أن الرهبان قتلوا خطأ بواسطة الجيش الجزائرى، فبدأت المحاكم الفرنسية تنظر القضية، ولاتزال تنظرها حتى الآن.

الرهبان الذين عاشوا فى دير بإحدى القرى فى جبال الأطلس من ١٩٩٣ وقتلوا فى ١٩٩٦ هم: كرستيان (لامبرت ويلسون) وسيليستين (فيليب لاودينباخ) وبرونو (أوليفر بيرير) وبول (جان-مارى فرين) وميشيل (زافير مالى)، وكريستوف أصغرهم سناً (٤٥ سنة) وقام بدوره أوليفر رابوردين، ولوك (٨٢ سنة)، وقام بدوره الممثل الفرنسى الكبير ميشيل لوندالى. وعند الهجوم على الدير اختبأ راهبان هما إميديه (جاك هيرلين) الذى يبدو فى المائة من عمره، وتوفى العام الماضى، وجان بير (ليو بيشون) الذى لايزال على قيد الحياة.

الفيلم إذن عن واقعة حقيقية لا خلاف على حدوثها، وكان من الممكن، بالتالى أن يكون وسيلة لها مصداقية فى التعبير عن الفكرة الرائجة منذ هجوم المتطرفين الإسلاميين ضد أمريكا فى سبتمبر ٢٠٠١ وقيامهم بذبح رهائنهم كالخراف والماشية، وهى أن الإسلام دين يحض على العنف واحتقار الحياة.

ولم يكن من الممكن أن يتهم أحد صناع الفيلم بالانحياز إذا شاهدنا ذبح الرهبان، أو رؤوسهم المقطوعة عند العثور عليها. كما كان من الممكن أن يكون الفيلم سياسياً عن القضية المثارة الآن، والشكوك فى مسؤولية الجيش الجزائرى.. ولكن «عن الآلهة والبشر» لا يصور المذبحة، ولا العثور على الرؤوس المقطوعة، ولا يشير إلى القضية التى تنظرها المحاكم الفرنسية.

دفاع عن الإنسانية والإسلام

اختار زافير بيفوا وإيتين كومار، التى اشتركت معه فى كتابة السيناريو، أن يدافعا عن الإنسانية، وأن يدافعا عن الإسلام، وأن يكونا بحق أحفاد المفكرين والفنانين الفرنسيين الإنسانيين العظام الذين ينيرون تاريخ فرنسا والعالم، وليسا أحفاد الجنرالات وأقطاب المال والأعمال. وعبرا فى الوقت نفسه عن الفكر الدينى المسيحى الحقيقى بقدر تعبيرهم عن الفكر الإسلامى الحقيقى.

جاء هذا التعبير من خلال استبعاد تصوير المذبحة والرؤوس المقطوعة والقضية المثارة فى المحاكم، ومن خلال التركيز على العلاقات الحميمة التى تربط بين رهبان الدير المسيحيين وسكان القرية المسلمين.

وفى أحد مشاهد التعبير عن هذه العلاقة فى حفل من حفلات السكان، يقرأ أحدهم من القرآن الكريم باللغة العربية الآيات التى تنص على عدم التفرقة بين أنبياء الله، ومع الأسف لم تتم ترجمة هذه الآيات على الأقل فى عرض المهرجان أمس الأول. وفى أول هجوم على الدير لطلب الراهب الطبيب لعلاج مصاب، يواجه رئيس الدير قائد المجموعة المسلحة، ويسأله: هل قرأت القرآن، وهل تعرف أنه يوصى بالنصارى وأن منهم رهباناً يعرفون الله، وهم الأقرب إلى المسلمين المؤمنين؟!

أما الدفاع عن الفكر المسيحى الحقيقى فيبدو فى رفض الرهبان حماية قوات الحكومة لهم، حيث يقول رئيس الدير: وكيف نقبل الحماية من حكومة فاسدة، ويتجلى فى رفضهم العودة إلى فرنسا بعد مناقشات مطولة وعميقة، فكيف يتركون سكان القرية المهددين بالقتل مثلهم، وألم يوصِ المسيح عليه السلام بالدفاع عن الحملان ضد الذئاب، وألم يفتدِ بدمه الإنسانية؟

وينتهى الفيلم بمشهد من أعظم المشاهد فى تاريخ السينما هو مشهد العشاء الأخير للرهبان، الذى لا يقارن إلا بلوحة دافنشى ولوحات وتماثيل عظماء الرسم والنحت. ففى هذا المشهد يتوقف الحوار، ونستمع فقط إلى الموسيقى، ويعبر الممثلون الأفذاذ الذين قاموا بأدوار الرهبان، خاصة رئيسهم ويلسون وكبيرهم لوندالى فى لقطات مكبرة عن استسلامهم لإرادة الله، وعن خشيتهم ووجلهم من المصير الذى كُتب عليهم فى الوقت نفسه.

وتبدو مقدرة بيفوا الكبيرة فى عدم استخدام الموسيقى واللقطات المكبرة طوال الفيلم إلا فى هذا المشهد، ولهذا أصبح تأثيره هائلاً. والمشاهد الثلاثة الأخيرة هى للرهبان حيث يحتجزون كرهائن، ثم لمدخل الدير والراهبين اللذين نجيا يتعانقان صامتين فى أسى، ومقابر الدير فى الحديقة، التى توحى بأنهم دفنوا فيها، ولكننا فى المشهد الثالث والأخير نراهم أحياء بصحبة جلاديهم يتجهون إلى عمق إحدى الغابات. إنهم أحياء عند ربهم يرزقون.

وبقدر ما يعتبر بيفوا فى هذا الفيلم من أحفاد المفكرين الذين دافعوا عن الإنسانية، بقدر ما تعتبر كارولين شامبيتير، التى صورت الفيلم بالألوان للشاشة العريضة، من أحفاد الرسامين الذين عبروا عن جمال الطبيعة وجمال الإنسان وجمال الحياة. وتتكامل العناصر الفنية فى فيلم «عن الآلهة والبشر» ويبرز مونتاج مارى-جولى مالى حيث جاء فى ساعتين بالضبط من دون دقيقة واحدة زائدة، ومن دون افتقاد دقيقة واحدة يشعر المتفرج بأنه فى حاجة إلى وجودها.

كل ما أنفقه العرب والمسلمون ودولهم للدفاع عن الإسلام منذ أحداث سبتمبر ٢٠٠١ ربما لا يعادل هذا الفيلم، ويجب عليهم تكريم صاحبه أرفع درجات التكريم، وعرض فيلمه فى كل بلادهم.

فيلمان عن الإرهاب والإسلام

فى الصفحة الأولى من النشرة اليومية لـ«فارايتى» التى تصدر أثناء المهرجان نشرت الجريدة الأمريكية الدولية خبرين على نحو متساو يمين ويسار الصفحة مع صورتين للمخرج المصرى مروان حامد والمخرج المغربى نبيل عيوش عن المشروعين الجديدين لكل منهما. أعلن مروان حامد أن الفيلم عنوانه «Assassins» وتعنى «قتلة وحشاشين» فى الوقت نفسه، عن حسن الصباح (١٠٣٨-١١٢٤) مؤسس جماعة الحشاشين، وسيد قطب (١٩٠٦-١٩٦٦) المثقف الذى وضع إنجيل الجهاديين المتطرفين، وشُنق بواسطة الدولة المصرية، ومحمد عطا قائد عملية ١١ سبتمبر ضد الولايات المتحدة.

وقال مروان حامد: «لقد أحدث الرجال الثلاثة تدميراً هائلاً، وهى شخصيات تصنع دراما عن كيف ولماذا يتحول أناس إلى إرهابيين»، وأن الفيلم سوف يكتبه وحيد حامد وتنتجه شركة «جود نيوز سينما» ويتكلف نحو ١٣ مليون دولار أمريكى، ومن المقرر أن يعرض فى أبريل ٢٠١٢.

وأعلن نبيل عيوش أن مشروعه «نجوم سيدى مؤمن» عن رواية ماهى بينبينى عن التفجيرات الانتحارية فى كازابلانكا عام ٢٠٠٣، ويتكلف نحو ٤ ملايين دولار أمريكى. وقال إن الفيلم بورتريه للشباب الصغار الذين يذهبون ضحايا للأصوليين الدينيين، كما أنه عن وضع المغرب فى الجغرافيا السياسية، وتأثير ١١ سبتمبر ووفاة الملك الحسن الثانى.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

20/05/2010

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)