كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كان في انتظار عشرة آلاف منتج وخمسة آلاف فيلم

المهنــة كلهــا هنــا

نديم جرجورة/ «كانّ»

مهرجان كان السينمائي الدولي الثاني والستون

   
 
 
 
 

اختارت إدارة مهرجان «كان» فيلم تحريك ثلاثي الأبعاد بعنوان «فوق» لدوكتر وبيترسون، في خطوة أولى منذ تأسيسه قبل اثنين وستين عاماً؛ كأنها تعبّر عن موقفها إزاء المستوى الجمالي الذي بلغه هذا الفن البصري أساساً، أو ربما لأنها وجدت في هذا الفيلم ما يستحقّ أن يُشكّل افتتاحاً فنياً لائقاً بمهرجان ارتكزت دوراته السابقة على تقديم الأفضل والأجمل؛ علماً أن دوكتر نفسه قال، عشية انطلاق الدورة الجديدة هذه، إن الاختيار «اعترافٌ جميلٌ بعملنا»، مشيراً إلى أن الفيلم «يروي قصّة لا تُنسى، بالاعتماد على التحريك». لكن المهرجان لم يتغاض كلّياً عن هذا الفن البصري الممتدّ تاريخه إلى سنين بعيدة جداً، لأنه أتاح الفرص، مراراً، أمام مخرجين ومديري شركات إنتاجية معنية بالأمر لتقديم آخر ابتكاراتهم في هذا المجال، تماماً كما حصل مؤخّراً، في دورة العام الفائت، عندما اختير فيلم التحريك «فالس مع بشير» للمخرج الإسرائيلي آري فولمان في المسابقة الرسمية، الذي أثار جدلاً عقيماً في لبنان قبل أن يُتاح عرضه في إطار سينمائي بحت.

لم يُشارك «فوق» في المسابقة الرسمية، على نقيض عشرين فيلماً آخر تمّ اختيارها للتنافس على «السعفة الذهبية» و«جائزة لجنة التحكيم الخاصّة» و«الجائزة الكبرى» وجوائز أخرى في فئات أفضل مخرج وأفضل ممثل وأفضل ممثلة وأفضل سيناريو، و«السعفة الذهبية» الخاصّة بالفيلم القصير، في حين أن هناك جائزة «الكاميرا الذهبية» التي تُمنح لأفضل أول فيلم في المسابقات كلّها: الرسمية و«نصف شهر المخرجين» و«أسبوع النقّاد» و«نظرة ما». أما الأفلام العشرون هذه، التي أنجزها كبار في الفن السابع أمثال بدرو ألمودوفار (العناقات الكسيرة) وكن لوتش (البحث عن إيريك) ولارس فون ترير (المسيح الدجّال) وكوانتين تارانتينو (السفلة المجهولون) وآنغ لي (أن نأخذ وودستوك) وجاك أوديار (نبيّ) وغاسبار نويه (فجأة الفراغ) وجاين كامبيون (النجمة الساطعة) وميكايل هانيكي (الشريط الأبيض) وغيرهم، فتُشاهدها لجنة تحكيم مؤلّفة من الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبير رئيسةً، والممثلات الإيطالية آسيا أرجينتو والتايوانية شو كي والأميركية روبن رايت بن، والمخرجين التركي نوري بيلجي سيلان والكوري لي تشانغ ـ دونغ والأميركي جيمس غراي، والكاتب الإنكليزي حنيف قريشي أعضاء. في حين أن لجنة التحكيم الخاصّة بالأفلام القصيرة تتألّف من المخرج الإنكليزي جون بورمان رئيساً، والمخرجَين الفرنسي برتران بونيلّو والتونسي فريد بوغدير، والممثلتين البرتغالية ليونور سيلفيريا والصينية زهانغ زييي أعضاءً. بهذه اللجنتين الأساسيتين، يكتمل جزءٌ أساسي من المشهد السينمائي في «كان»، علماً أن الأجزاء المتبقية مرتبطة ببرامج ونشاطات أخرى، أبرزها «السوق السينمائية»، التي لا تلقى اهتماماً نقدياً أو إعلامياً كذاك المنصبّ على الأفلام وصنّاعها، والمسابقات الرسمية ونتائجها، والحضور الفاعل للنجوم في حفلات استعراضية إعلامية فاقعة.

سبعون دولة

منذ تأسيسه، اهتمّ مهرجان «كانّ» بالعمل على جعل السينما «فناً دولياً وعالمياً»، كما قال تييري فريمو، المدير الفني للمهرجان، الذي أضاف أن الأمر لم يتغيّر لغاية الآن. ذلك أن هذا الاحتفال السنوي بالسينما استقبل دائماً منتجين كانوا يوقّعون عقود العمل في غرف الفنادق الفخمة، أو في مقاهيها المطلّة على البحر، أو في ملاهيها الليلية أثناء السهرات المتفرّقة التي تُقام يومياً، والتي لا يُمكن أن تتحرّر كلّياً من المناخ التجاري/ الاقتصادي للمهنة، لأن هذا الجانب التجاري للصناعة السينمائية موجودٌ في المهرجان منذ البداية، علماً أنه منذ انتقال إدارة المهرجان إلى القصر الجديد (قصر المهرجانات والمؤتمرات) بدءاً من مطلع الثمانينيات المنصرمة، بدأت السوق السينمائية، التي تأسّست رسمياً في العام 1959، بالتطوّر: «كان الخيار استراتيجياً بشكل أساسي ونهائي، استفاد المهرجان منه كثيراً»، كما قال فريمو في تصريح صحافي عشية بدء الدورة الجديدة هذه. والسوق، المعقودة رئاستها لجيروم بايّار، باتت اليوم الركيزة الرابعة للمهرجان، بعد النجوم والأفلام والوسائل الإعلامية، بحسب تعليق صحافي، أضاف أن السوق تستقبل، هذا العام، «أكثر من عشرة آلاف منتج من سبع وتسعين دولة مختلفة، يأتون إليها للتفاوض على أكثر من خمسة آلاف فيلم في طور الإنتاج أو انتهى تنفيذها، علماً أن بضع مئات منها ستُعرض في صالات صغيرة خاصة بها».

«السينما فن تجاري» يقول فريمو، مضيفاً أنه إلى جانب المؤلّفين الكبار والأفلام الكبيرة المشاركة في «الاختيار الرسمي»، يُمكن للمرء أن ينتبه إلى مسألة أساسية: «المهنة كلّها موجودة هنا»، إذ رأى أنه «إذا كنتَ بائعاً، فإنك تستطيع لقاء عشرات الشارين المقبلين من عشرات الدول يومياً»؛ علماً أن السوق لا تخضع لقرارات لجنة اختيار ما، كما هي حال «الاختيار الرسمي» والمسابقات المتنوّعة، باستثناء أن إدارتها ترفض «الأفلام النازية وتلك المدافعة عن التحرّش الجنسي بالأطفال»، كما قال أحد مسؤولي السوق عشية افتتاح الدورة الجديدة هذه. فالسوق اشتهرت طويلاً بفضل تخصيصها منصّات عدّة بأفلام فئة «زد» وأفلام رعب وكوميديات سوبر تجارية، إلى جانب التنويعات الأخرى في صناعة الصورة، التي عرفت، بعد النجاح النقدي والاهتمام الشعبي، رواجاً تجارياً بفضل «مرورها» في تلك السوق. والسوق تساعد صنّاع الأفلام المشاركة في البرامج الرسمية للمهرجان على تسويق أعمالهم؛ ففي العام الفائت، انتظر منتجو «تشي» لستيفن سودربيرغ الأصداء الناتجة من عرضه في أحد البرامج الرسمية، كي يُقرّروا الدخول في السوق: «كانوا محقّين»، كما قال زميل اعتاد حضور المهرجان منذ أعوام طويلة، «لأن مشترين عديدين «انقضّوا» عليه لتوزيعه في أنحاء متفرّقة من العالم»، بعد نجاحه في عروضه الأولى في «كان». هناك أيضاً «فالس مع بشير» و«غومورا» لماتيو غارّوني و«جوع» لستيف ماكوين: بيعت هذه الأفلام بكثرة في الدورة الفائتة للمهرجان، عن طريق السوق أيضاً: «الأفلام التي تثير نقاشاً حولها عند مشاركتها في المسابقة، تعثر فوراً على صدى إيجابي للغاية. حتى الفيلم الذي أنجزه مخرج مجهول مثلاً، إذا شارك في المسابقة، يُباع من دول عدّة، وتُقدَّم له منحاً مختلفة بشكل سريع إذا كان ذا ميزانية صغيرة».

السفير اللبنانية في 13 مايو 2009

####

عشـيـة مـهـرجـان كــان.. شـــاطــئ الـنـجــوم

نديم جرجورة/ «كانّ»

قبل إطلاق الدورة الثانية والستين لمهرجان «كانّ» السينمائي الدولي، مساء اليوم الأربعاء، بعرض فيلم التحريك الثلاثي الأبعاد «فوق» لبيت دوكتر وبوب بيترسون، بدت حركة شاطئ الـ«كروازيت» شبه عادية، إلى درجة أنها كادت تتغرّب عن المناخ الخاص بالاحتفال السينمائي السنوي الأهمّ في العالم، لولا بعض الأعمال المتفرّقة، هنا وهناك. لكن المشهد اختلف تماماً منذ يوم الاثنين الفائت، على الرغم من أن الأيام السابقة له شهدت نشاطاً خفراً، كأن العاملين على تحقيق الدورة الجديدة منه مدركون أن الطقوس الكاملة ستكون جاهزة في الوقت المحدّد، أي بدءاً من مساء اليوم. فالتحضيرات استمرّت حتى هذه اللحظة، والهدوء الخارجي اختلف تماماً عمّا يجري في الكواليس من متابعة دقيقة لشتّى الأمور، وفريق العمل منشغلٌ بترتيب الأوضاع كلّها، من دون ضجّة شكلية لا تفيد المهرجان بشيء. وإذا بدا الشاطئ الأشهر منسحباً على الرمل والأفق الأبعد للصورة والواقع والحياة، فإن «قصر المهرجانات والمؤتمرات» نابضٌ بحيوية جميلة تشي بأن احتفاءً بديعاً بواحد من أجمل ما ابتكره العقل البشري، أي السينما، سينطلق قريباً جداً. في حين أن شركات الإنتاج والمحطّات التلفزيونية والمؤسّسات الإعلامية والصحافية المختلفة لم تتوقّف، منذ أيام، عن الإعلان عن حضورها في المدينة الفرنسية الجنوبية، من خلال الدعايات والمنصّات واللافتات المعلّقة على واجهات الأبنية المطلّة على هذا الشاطئ، بينما انصرفت الفنادق الفخمة (مارتينيز، ميرامار، ماجستيك، كارلتون) إلى وضع اللمسات الأخيرة، بانتظار وصول الشخصيات المدعوّة، مخرجين وممثلين ومنتجين ونقّاداً وإعلاميين، يلتقون بعضهم مع البعض الآخر، في مناسبات متنوّعة، لأحد عشر يوماً، في لحظة نادرة (وإن باتت عادة سنوية لا يُمكن، للعاملين في الشأن السينمائي، التغاضي عنها إطلاقاً) متمثّلة بلقاءات ومشاهدات واجتماعات وحفلات ليلية، لا تخلو غالبيتها الساحقة من مناخ العمل، إذ تُطرح مشاريع متفرّقة، ويتمّ تبادل أفكار جديدة، وتُوَقَّع عقود عمل، بالإضافة إلى التمتّع بالمساحة المفتوحة على السهر.

لم يعد الهدوء سيّداً على الشاطئ المذكور، منذ مطلع الأسبوع الجاري على الأقلّ. فالحركة السياحية العادية بدأت تنحسر تدريجاً أمام سطوة النجوم المقبلين من كل حدب وصوب إلى المدينة التي عرفت شهرتها الأساسية في القرن العشرين، بفضل المهرجان السينمائي السنوي، الذي بلغ الثانية والستين في هذا العام. وعلى الرغم من أن مؤتمراً ضخماً يُقام فيها سنوياً أيضاً، خاصّاً بالعقارات، ويستقطب عدداً لا بأس به من العاملين في هذا الحقل؛ إلاّ أن الميزة الجوهرية للمدينة كامنةٌ في الأحد عشر يوماً هذه، المعقودة على إبداع الصورة وجمالها في مقاربة العالم والمجتمعات والحالات والتفاصيل، أو في تقديم وجه آخر للحياة.

إذاً، يُفترض بالمدعوين جميعهم أن يصلوا إلى «كانّ» قبل مساء اليوم، للمشاركة في حفلة الافتتاح. يُفترض بالمهتمّين بالفن السابع، أفلاماً وإنتاجاً ومعاينة نقدية ونقاشات متفرّقة، أن يُكملوا استعداداتهم للبدء برحلة البحث عن الجميل والمختلف، من خلال عروض يومية في برامج المهرجان، كالمسابقة الرسمية التي يتنافس فيها عشرون فيلماً جديداً على «السعفة الذهبية» وعدد من الجوائز الأخرى، و«نصف شهر المخرجين» و«أسبوع النقّاد» و«نظرة ما»، بالإضافة إلى «السوق السينمائية» التي تُعتَبر إحدى أهم الواجهات الضرورية والأساسية في حركة الإنتاج السينمائي العالمي. يُفترض بالجميع أن يدخل عالماً سحرياً أوجدته الصورة، وتناقلته أجيالٌ من المعنيين بتطوير تلك اللغة المعنية بالتعبير عن هواجس وأساليب وأفكار وحكايات وحالات.

إنها اللحظات الأصعب، تلك التي تفصل المرء عن الموعد الرسمي لإطلاق الرحلة السحرية في عوالم الفن السابع ومنعطفاته وتفاصيله.

السفير اللبنانية في 13 مايو 2009

 
 

20 فيلماً تتسابق على "السعفة الذهب" في الدورة الـ 62 لمهرجان كانّ التي افتتحت أمس

كانّ - من هوفيك حبشيان     

"مهداة" إلى جهابذة الشاشة والمستقلين تتحدى الأزمة الاقتصادية ببهرجة ونجوم أقل

مركز ثقل البرنامج أوروبا الغربية وآسيا القصوى في غياب غيرمسبوق للأميركيين

لن تكون كاميرات التلفزيونات الوحيدة التي ستتركز على الحدث خلال 12 يوماً في كانّ، بل هنالك ايضاً أجهزة المراقبة التي ستساعد الالوف من عناصر قوى الامن على تأمين سلامة نحو 60000 محترف موجود هنا و200000 فضولي آتين لمشاهدة صعود النجوم على السلالم المؤدية الى قصر المهرجان. تُعتبر كانّ بين أفضل المدن الفرنسية تجهيزاً بكاميرات المراقبة. فقد خصصت البلدية منذ عام 2003 شبكة تتضمن 100 كاميرا مراقبة، فضلاً عن شبكة تضم 50 كاميرا جُهّز بها قصر الاحتفالات، لاكتشاف أي عمل مشبوه في الوقت المناسب. "كانّ" عالم تبرق فيه النجوم، يجعل الفنادق والمطاعم تكتظ سنوياً، فتحقق في 12 يوماً بين 10 و12 في المئة من ارباحها السنوية. يؤمّن المهرجان 110 مليون أورو لـ"كان"، في مقابل 700 مليون أورو تجمعها المدينة خلال 300 يوم في السنة، وفق الارقام التي أعلنتها البلدية. بعض الفنادق تحقق 15 في المئة من ارباحها خلال المهرجان. ويراوح سعر الغرفة في الليلة الواحدة بين 490 و900 أورو. ولكن ثمة فنادق اكثر تكلفة مثل الـ"مارتينيز" الذي يبلغ سعر الـ"سويت" فيه 28000 أورو لليلة الواحدة. ومن الفنادق المعروفة الاخرى، الـ"كارلتون" الذي أفتتح قبل سنوات 7 أجنحة تحمل اسماء نجوم مثل شون كونيري والآن دولون وصوفيا لورين. يتدفق المال اذاً بكثرة خلال المهرجان: فالمطاعم تمتلئ كلها. ويجتاح النجوم المتاجر الفخمة ومحال المجوهرات وتزدحم الـ"كروازيت" بسيارات الليموزين وسواها من المركبات السياحية الفارهة.

"مهرجان كانّ" هذه السنة سيكون استثنائياً على أكثر من صعيد. أولاً، الى المنافسة الخلاقة التي ستحتدم بين الاسماء المعروفة والكبيرة، ستشهد هذه الدورة بداية أعمال الترميم المنتظرة جداً التي تشمل قصر المهرجان والتي كان المسؤولون يخططون لها منذ زمن طويل. ثانياً، هذه الدورة لا تشرّع الباب على المفاجآت. فلن يكون هناك، أقله في المسابقة الرسمية التي تنهض على 20 فيلماً، أي اسم جديد وواعد، وأي اكتشاف فتي آتٍ من أقاصي البلدان النامية. اذ، من أصل 53 فيلماً من 32 بلداً في التشكيلة الرسمية، هناك فقط ثلاث بواكير. انها دورة شبه تكريمية لمن اعتاد ان يضع فيلمه تحت ابطه ويأتي الى الـ"كروازيت" منذ سنوات وسنوات. فأربعة من المتسابقين سبق أن نالوا "السعفة الذهب"، في احدى الدورات السابقة للمهرجان: كامبيون؛ لوتش؛ تارانتينو؛ فون ترير. من دون أن ننسى أن لقامات سينمائية مثل المودوفار أو ايليا سليمان، العائدين بدورهم، جوائز في هذا المهرجان، وبات لكل عمل جديد لهم عبور شبه اجباري من هنا. لذا، الطابة في ملعب الجهابذة هذه السنة. قد لا تكون هذه المعلومة دليل قيمة، لكن هكذا اراد كلٌّ من جيل جاكوب وتييري فريمو مهرجانهما، وشدد عليه جاكوب في كلمته "التاريخية" التي قد تعتبر مانيفستو لما سيكونه المهرجان مستقبلاً: السينما المستقلة أولاً. وسنرى في ختام 12 يوماً من المشاهدة والرصد لأفلام ستشغل العيون والاقلام ما اذا كان قرارهما في محله

المهرجان في النهاية، ما هو الا هذه الزمرة من الخارجين على قوانين السينما وأعرافها (نويه، هانيكه، أوديار، هذه السنة وسواهم). فهذا المهرجان صنع على مدار تاريخه المديد سينمائيين لمعت اسماؤهم اينما حلّوا. على مدار 62 عاماً من الحضور المستمر والمخلص والطاغي، عرف المهرجان كيف يمزج بين المتعة والثقافة والتجارة. وصفته السرية هذه، ظلّ يكتمها القائمون على كانّ حتى بعدما زاد عدد المهرجانات المنافسة. لا شك ان موقع كانّ الجغرافي الساحر والمطل على المتوسط والريفييرا الفرنسية، ساعد المهرجان في أن يطير صيته ويزداد بريقه عاماً بعد عام، في مكان يحلو للكثير من الاوروبيين والاميركيين القاطنين مدناً رمادية السماء، المجيء اليه، بغية الاسترخاء وتعريض جلدهم الابيض الناصع لأشعة الشمس! كانّ هو في منظورهم، المكان المثالي لذلك، اذ يستطيعون الاستحمام وعلى مقربة منهم كبار نجوم هوليوود المنهمكون في ترويج أحدث اعمالهم.

هذه المدينة التي تبتعد عن كلّ من موناكو والحدود الايطالية نحو 60 كيلومتراً، لا أكثر، يتغلغل في نبضها صخب غير عادي وبريق اعلامي لا سابقة له منذ 62 دورة، الى حدّ أن المدينة وشوارعها وفنادقها ومطاعمها تعيش في حالة تأهب مثيرة، وهذا ما يجعل شمسها تشتد حرارة ولياليها أكثر دفئاً وساحاتها أكثر اكتظاظاً، وبائعيها، خصوصاً النساء المسنّات منهم، أكثر عدائية. مع أن طولها 9 كيلومترات وعرضها لا يتجاوز الاربعة كيلومترات ونصف الكيلومتر، فإن كانّ تمنح الاحساس بأنها تختصر العالم وما يدور فيه، أثناء الايام الـ12 التي يُعرض خلالها أكثر من 700 فيلم طويل موزعة بين أقسام مختلفة. كيفما ذهبت، هناك انطباع بأن كانّ تطعن في تاريخها القديم الذي أرادها أن تكون مجرّد مدينة لصيادي السمك والرهبان. هذا العدد المخيف من الافلام يجلب معه خدماً وحشماً، من اصحاب العمل والنجوم المشاركين فيه الى الملحقين الصحافيين. ولعل اختلافها الوحيد مع برج بابل انه توجد هنا لغة مشتركة، هي لغة السينما. ولا عجب اذا اشارت الارقام الى ان عدد سكان كانّ ينتقل بين ليلة وضحاها من 70 ألفاً الى 200 ألف، وهناك مكان للكلّ سواء أكانوا متطفلين أم صحافيين يبحثون عن سكوب، اذ ان الـ"كروازيت" الشهير يستوعبهم خير استيعاب. بمعزل عن الحدث الاساسي الذي يتجسد في اكتشاف الافلام ومرافقة عملية انتقال سينمائيين من الظلّ الى الضوء، ليس "مهرجان كانّ" شيئاً من دون السيارات الايطالية المكشوفة وفتيات الليالي العابرة وتبادل بطاقات التعريف في صالونات الفنادق الفخمة، والحديث عن ثمن المجوهرات التي تقتنيها نجمة معروفة.

لا شكّ ان حيوية "مهرجان كانّ" تكمن في وعيه أن السينما لا سابق لها وهي الأم التي ستلد اجيالا من التقنيات تغير مفهوم المشاهد، ومثله اساليب الانتاج. الشيء الوحيد الذي لا يملك "كانّ" القدرة في صناعته هو المتفرج العالمي الذي ينتظر فرحة المهرجان كل سنة ليستأنس بأشرطة متميزة بمسؤولياتها الابداعية والايديولوجية والتي تنتصر له ككائن يسعى الى المشاركة الجمعية. وليس هناك افضل من السينما توفرها له من دون منّة.

اذاً، 1670 فيلماً طويلاً، من 120 بلداً، ارسلت الى "مهرجان كانّ" السينمائي الذي انطلق أمس ويستمر الى 24 أيار، لم يختر منها الا حفنة من الافلام التي سنشاهدها في الدورة الثانية والستين لأهم التظاهرات السينمائية في العالم وأعرقها التي افتتحت هذه السنة بشريط التحريك "فوق" لاستوديوات "بيكسار" الثلاثي البعد.

لكل من السينمائيين المشاركين في المسابقة فيلم سيكون حديث الناس في الايام المقبلة، سلباً أو ايجاباً. بعد انقطاع دام ست سنوات، تعود المخرجة الاوسترالية جاين كامبيون بـ"النجمة الساطعة" وهذه حال كوانتن تارانتينو، الأميركي الوحيد المشارك في المسابقة، بحيث أنتهى أخيراً من اتمام فيلمه "السفلة المجهولون" الذي تجري حوادثه أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان تارانتينو يبلغ الثامنة عندما سمع بـ"كان" للمرة الأولى. في عام 1992 عندما تسلل بطريقة غير شرعية لمشاهدة فيلم "حدث بالقرب من منزلكم" قبض عليه رجل امن، ودار بينهما "خبيط" دموي. على رغم ذلك، بات يعترف بأن هذا المكان هو الجنة بالنسبة الى السينيفيليّ، "والجميع يحلم بالذهاب الى الجنة".

هناك أيضاً البريطاني كين لوتش الذي يأتي، بعد 3 سنوات على نيله "السعفة" عن "الرياح التي تحرك الشعير"، بعنوان غريب، "البحث عن اريك"، حول اللاعب في فريق "مانشستر يونايتد" اريك كانتونا، الذي له أيضاً دور في الفيلم. أما آخر الحائزين "السعفة"، الدانماركي لارس فون ترير، فمن المتوقع أن يحدث فيلمه الجديد "انتي كريست" ("المسيح الدجال") "فضيحة" في المهرجان، نظراً الى المشاهد الساخنة التي يتضمنها، ويروي قصة ثنائي يعيش معاناة وجودية كبيرة.

من فرنسا، اربعة أفلام لأربعة سينمائيين يختلف أحدها عن الآخر على نحو جذري: "نبّي" للقدير جاك أوديار؛ "في الأصل" للحرفي كزافييه جيانولي؛ "فجأة الفراغ" للصدامي غاسبار نويه و"الأعشاب المجنونة" للمعلم الثمانيني آلان رينه، الذي تشكل عودته الى كانّ حدثاً استثنائياً. فالرجل، صاحب "هيروشيما حبي" و"السنة الماضية في مارينباد" شارف التسعين، تحديداً الـ87، ولكن سينماه لا تزال في ذروة النضارة والشباب والحركة، ولا يزال لرينه الكثير ليقوله عن الطبيعة البشرية، والعلاقات في المجتمع الحديث، والعزلة في المدن الكبيرة. كذلك في جعبته تقنيات سردية واحتيالات بصرية قديمة ـــ جديدة. لم يصبح اسيراً لـ"سينما العجزة" التي الصقت كتهمة على جبين سينمائيين في ربيع عمرهم.

دقيقٌ في اتمامه العمل دقة تبلغ حد الوسواس، لا يزال رينه وفياً لبعض معاونيه منذ ثمانينات القرن الماضي، ولا سيما فريق الممثلين من اندره دوسولييه الى بيار ارديتي فسابين ازيما التي يعتبرها ملهمته. خلال رحلة التقاط المَشاهد، الأحب الى قلب رينه أكثر من غيرها من الرحلات، يلعب واياهم لعبة قائمة على الحزازير وشدّ الحبال، والهدف من هذا كله: ان يعرف الممثل من تلقاء نفسه كيف يبني كاتدرائية الانفعالات التي يوصي بها المخرج الكبير.

الأهمّ لرينه ان لا يجبر على الاجابة التبريرية لسلوك هذا أو ذاك. فالتبرير يُفقد الفن هيبته. اكثر من فيلم له دخل قائمة النقاد العالميين لأهم الافلام على الاطلاق. سورياليّ النبرة، وله اب روحي يدعى اندره بريتون. تعاون رينه مع كبار الاسماء في الادب والسينما، من مارغريت دوراس وهنري لابوري الى خورخيه سمبروم وألان روب غرييه، بيد ان تعبير "مخرج Intellectuel" يتلقاه بسلبية كبيرة، مفضلاً تعريف "صانع الانترتنمنت" على المثقف، وهو بحسب الكثيرين الذين عاصروه، جديّ لكن بجرعات قليلة. بقي وفياً لأندره دوسولييه وسابين أزيما اللذين يلعبان في جديده، لمرة جديدة. يقول: "اذا تعاونت والفريق نفسه منذ سنوات، فذلك ثمرة الصدفة. لم يكن استخدام الاشخاص نفسهم نوعاً من مبدأ عندي. لكن كان من الممتع ان التقي هؤلاء مجدداً. لماذا استغني عن اشخاص يريحني العمل واياهم؟ بطولة سخيفة ان ارفض مثل هذه الفرصة. في المقابل، لا أقرر مسبقاً من يلعب من. اني منفتح في ما يخص هذا الجانب. أنا من الذين يدعمون فكرة اعتماد سياسة للممثلين على غرار سياسة المؤلفين. البعض يرى في هذا استفزازاً. ارى انه ليس ما هو أكثر بديهية من الذهاب لمشاهدة فيلم لأن هناك، بكل بساطة، نجماً نحبه يتربع في اعلى ملصقه الاعلاني. عندما بدأت بإنجاز الافلام، التزمت قاعدة مفادها عدم اخراج فيلمين متتاليين مع الفريق نفسه، وينبغي ان يفصل بين الفيلمين فيلم آخر يتم انجازه مع فريق آخر. الأمر المثالي هو ان ننجز فيلماً كل سنة، لكن في الواقع، لا أجد منتجاً يسمح لي بذلك، فأضطر الى انجاز فيلم مرة كل ثلاث سنوات، لذا لاحظت والممثلين الذين اعتدت ادارتهم اننا لم نكن نلتقي خارج اطار الفيلم بما يكفي، واعتبرنا ان افضل طريقة للمحافظة على علاقاتنا الطيبة هي ان نستمر في العمل معاً. من جهة اخرى ما يعجبني في العمل مع أناس حفظت خطواتهم عن ظهر قلب، هو انه يمكننا انتظار المفاجآت منهم. أعرف أن هناك تناقضاً في ما اقوله، لكن هذا يحصل. نلمس احياناً لدى الممثل الذي سبق وعملنا معه شيئاً، وهذا الشيء يجعلنا ندرك أننا امام شيء لم نعتده من قبل. اما اذا اخترنا العمل مع ممثل لا نعرفه، فهذا يحرمنا من المفاجآت".

الى هؤلاء الفرنسيين يضاف الفرنسي الآخر يان كونن، الذي يختتم 12 يوماً من المشاهدة الأكولة بفيلم "كوكو شانيل وايغور سترافينسكي". ومن الذين اعتدنا حضورهم المتكرر على ضفاف الريفييرا الفرنسية دورة بعد دورة، هناك بيدرو ألمودوفار الذي ننتظر منه "العناقات الكسيرة"، وهو المخرج الذي "لامس السعفة" مراراً من دون أن ينالها. ينتمي الشريط الى النوع الاسود الذي يستهوي ألمودوفار."انا من الذين يعشقون الفيلم الأسود. في اسبانيا لا نملك هذا التقليد السينمائي. سبق وخضت تجربة الفيلم الأسود في "باللحم والعظام"، لكن في "التربية السيئة" اتطرق اليه بأسلوب مكتمل وعميق. هذا النوع بالنسبة اليَّ يمثل عرضاً لأسوأ ما تملكه الطبيعة الانسانية، و"الاسوأ" هو ما يهمّني دوماً. احب عندما يتخذ الشر مأوى في قلب البشر".

النمسوي ميكاييل هانيكه سيكون ايضاً من بين العائدين الى المسابقة مع "الشريط الأبيض". بعد ثلاث سنوات على تقديمها "طريق حمراء" في كانّ، تشارك المخرجة الانكليزية اندريا ارنولد بـ"حوض سمك"، في حين تنافسها نظيرتها الاسبانية ايزابيل كواكسيت بـ"خريطة ضوضاء طوكيو".

عديدة هي البلدان التي غيِّبت عن التشكيلة الرسمية هذه السنة، ولعل أهمها المانيا. أما المناطق التي كانت مصدر ثقل للمهرجان في الاعوام الماضية، وهي أميركا الشمالية والجنوبية، فلن تكون حاضرة في المسابقة. أوروبا الشرقية، هي الأخرى، مستبعدة. في المقابل، عادت سينما الشرق الاقصى تشقّ طريقها الى المهرجان، اذ لها فيه ستة أفلام، أي أقل بقليل من ثلث المسابقة: "أن نأخذ وودستوك" لآنغ لي، "كيناتاي" لبريانت ميندوزا، "عطش هذا هو دمي" لبارك تشان - ووك، "انتقام" لجوني تاو، "وجه" لتساي مينغ - ليانغ و"ليالي سكر ربيعية" للو يي.

في قسم "نظرة ما" المحاذي للمسابقة الرسمية، نجد كذلك بعض الاسماء سبق لها أن اثبتت قدرتها السينمائية، أهمّها باهمان غوبادي، ميا هانسن ــ لاف، بافيل لونغين، كورنيليو بورومبيو ورايا مارتين. بالاضافة الى اثنين من كبار السينما العالمية: آلان كافالييه وهيروكازو كوري ــ ايدا. الى هؤلاء، هناك الكبير فرنسيس فورد كوبولا الذي يفتتح "اسبوعا المخرجين" بـ"تيترو".

كلنا أمل في ان تجد "السعفة الذهب" ضالتها في هذا اليم الثري من الاسماء التي سبق لها أن كُرِّست من على أعلى منصة سينمائية. وأن تكون مهمة رئيسة لجنة التحكيم الممثلة ايزابيل أوبير غاية في الصعوبة. ولكن يجب عدم استبعاد الخيبة أيضاً. ففي الدورة الفائتة، كانت هناك نصوص عُرضت في "نظرة ما" مثل "جوع" لستيف ماكوين كان اكثر نضجا من شريط زميله الفرنسي فيليب غاريل "حافة الفجر" المعروض في المسابقة، والذي عانى تهافت فكرته وسفاهة حواراته وضعف شخصياته، فيما كان البعد السياسي لإضراب المناضل الايرلندي بوبي ساندز عن الطعام حتى الموت يملك ارتجاعات آنية لما يحدث في بقاع كثيرة في العالم من مظالم وتعذيب ومهانات. وفق المنطق عينه، استبعدت الكوميديا الشفيفة "أوهورتن" لصاحب "حكايات مطبخ" النروجي بنت هامر الذي نال المدائح عند عرضه عام 2003 لابتكارية قصته التي دارت في مطابخ شخصيات ممسوسة، مع انه أغنى بكثير من شريط "خدمة" لبريانت ميندوزا، (العائد هذه السنة!) ويكرّ الامر على أفلام أخرى في المسابقة، في وقت كان الفيلم الثاني للمكسيكي أمات أسكلانتيه "أولاد الزنى" المفعم بوحشيته المفاجئة، يعرض خارج المسابقة.

على رغم كل ما قيل عن أفلام عربية جيدة قد تشارك في دورة هذه السنة، لم تختر الادارة في المسابقة، الاّ "الوقت المتبقي" للفلسطيني ايليا سليمان، الذي انطلق الى العالمية، من هنا، اثر مشاركته بـ"يد الهية" قبل سبعة أعوام. ولا شك ان إشكالية السينما العربية في "كانّ" هي من ذنوبنا الخاصة. المعضلة متراكبة بين الانتاج التقليدي المتهافت والفورة المصطنعة التي بدأت بها مهرجانات وليدة تسبق العطايا قبل تأسيس مشروعية انتاجية. إضافة الى ذلك فإن عمل العرب فردي، الامر الذي يُكثر من خسائرهم داخل المنظومة السينمائية الدولية.

"السينمائي يخطئ بالاعتقاد انه يلتقط ما يدور امامه من حقائق، لسبب انه يصوّب الكاميرا الى مكان، بينما تكون الحقيقة احياناً على بعد سنتيمترات من ذلك المكان". هذا القول لايليا سليمان الذي يروي 60 عاماً من التاريخ الفلسطيني، بين العام والخاص، في "الوقت المتبقي". يسعى سليمان دائماً الى خلق امكانات توصل المساحة الشعرية الى نوع من الدمقرطة، يستطيع المشاهد من خلالها ان يتشارك عملية انجاز الفيلم على النحو الذي يراه، وليس فقط بالشكل الذي يريده المخرج. يقول: "الحب يوصلك الى أقصى درجات الحياة، وأنت في كل أحساسيك تعيش لحظات آنية في الحاضر. هذه اللحظات ونشوتها تتسبب لك بالخوف والحرج، لأنها تقربك الى شيء غير موجود في حياتنا اليومية المملوءة بالسذاجة، وتوصلك الى أماكن تعيش فيها هلوسات معينة. عندما يحارب الانسان الموت، أو عندما يحب، يمر في حالة ذهنية ذات شأن".

سينماه، حتى "يد الهية"، لا تؤمن كثيراً بالحوار. فهل من تفسير آخر لغياب الكلام في هذا الفيلم الذي حرص على تصوير فقدان الصلة بين الناس؟ لكن سليمان يملك نظرية اخرى قد تفسر هذا الصمت، وهو انه لم يتابع دراسات اكاديمية، وكونه لم يدرس تاريخ السينما كما في المعاهد المتخصصة، دخل المجال بالسذاجة نفسها التي كانت عند رواد السينما عندما قدموا أعمالهم الأولى. طبعاً، سينماه ليست ساذجة لأنها تعيش في عالم مركّب وعصري، والحقيبة الثقافية التي يمتلكها من خلال عبوره لكل الثقافات، جعلت عملية تحقيق الفيلم تتحول مسألة معقدة. فلأجل الوصول الى البساطة التي يراها المشاهد على الشاشة، يجدر المرور في عملية جد معقدة.

في السينما العربية، ابتكر سليمان اساليب تعبير نظيفة غير مستهلكة وجديدة. أسلوبه في عرض اللقطة يدفعنا الى القول "وماذا بعد تلك اللقطة؟". أما إمكان تقليده، فكان ضيقاً: "من الصعب ان يكون لديّ العنجهية، بعد فيلمين طويلين و5 افلام قصيرة، ان اقول عن نفسي أني تحولت الى مدرسة!؟ ربما يساهم "يد الهية" في خلق نوع من الشجاعة والجرأة عند الجيل الصاعد من الشباب العرب، لكن لا استطيع ان اقول أكثر من ذلك"، قال لي في لقائي الأخير معه. يبقى أن نعرف ما اذا كان "الوقت المتبقي" سيكون في المزاج عينه لأفلامه السابقة.

عروض منتصف الليل:

• "مدينة تدعى ذعر" لستيفان أوبييه وفانسان باتار.

• "خذني الى الجحيم" لسام ريمي.

• "لا تستديري" لمارينا دو فان.

خارج المسابقة الرسمية:

• "أغورا" لأليخاندرو امينابار.

• "ايماجيناريوم الدكتور بارناسوس" لتيري غيليام.

• "جيش الجريمة" لروبير غيديغيان.

المسابقة الرسمية:

•"فوق" لبت دوكتر (افتتاحاً، خارج المسابقة).

• "العناقات الكسيرة" لبيدرو ألمودوفار.

• "حوض سمك" لأندريا أرنولد.

• "نبيّ" لجاك أوديار.

• "انتصار" لماركو بيلوكيو.

• "النجمة الساطعة" لجاين كامبيون.

•"خريطة ضوضاء طوكيو" لإيزابيل كواكسيت.

• "في الأصل" لكزافييه جيانولي.

• "الشريط الأبيض" لميكاييل هانيكه.

• "أن نأخذ وودستوك" لأنغ لي.

• "البحث عن اريك" لكين لوتش.

• "ليالي سكر ربيعية" للو يي.

• "كيناتاي" لبريانت ميندوزا.

• "فجأة الفراغ" لغاسبار نويه.

• "عطش، هذا هو دمي" لبارك تشان ــ ووك.

• "الأعشاب المجنونة" لألان رينه.

• "الوقت المتبقي" لايليا سليمان.

• "السفلة المجهولون" لكوانتن تارانتينو.

• "انتقام" لجوني تاو.

• "وجه" لتساي مينغ ــ ليانغ.

• "انتي كرايست" للارس فون ترير.

• "كوكو شانيل وايغور سترافينسكي" ليان كونين (ختاماً، خارج المسابقة).

نظرة ما:

• "أمّ" لبونغ جون هو.

• "ايرين" لألان كافالييه.

• "ثمين" للي دانيالز.

• "غداً عند الفجر" لدوني ديركور.

• "في ديريفا" لهايتور داليا.

• "كازي أز ..." لبهمان غوبادي.

• "رحلات الرياح" لسيرو غيرا.

• "والد اولادي" لميا هانسون - لاف.

• "حكايات العصر الذهبي" لكريستيان مونجيو (وآخرون).

• "قصص الظلام" لنيكولاي خوميريكي.

• "كوكي نينجيو" لهيروكازو كوري - ايدا.

• "انياب الكلب" ليورغوس لانتيموس.

• "تسار" لبافيل لونغين.

• "استقلالية" لرايا مارتين.

• "شرطي، صفة" لكورنيليو بورومبيو.

• "نانغ ماي" لبن - ايك راتاناروانغ.

• "ان نموت كرجل" لخاو بيدرو رودريغيز.

• "عيون منفتحة" لهايم تاباكمان.

• "شمشوم ودليلة" لوارويك تورنتون.

• "الجيش الصامت" لجان فان ديه فيلديه.

عروض خاصة:

•"جاري، قاتلي" لآن أغيون.

•"مانيلا" لأدولف اليكس، جي أر، ورايا مارتين.

•"مين ي" لسليمان سيسه.

•"شوكة في القلب" لميشال غوندري.

•"عريضة" لزاو ليانغ.

•"يافا" لكارين يدايا.

النهار اللبنانية في 14 مايو 2009

 
 

الدورة الثانية والستون لمهرجان كان:

بهجة السينما تحضر مع عائلة جيليس جاكوب

محمد الخليف

يقول جيليس جاكوب، رئيس مهرجان كان السينمائي «كيف لا يمكننا أن نطلق على مهرجان كان «العائلة الكبيرة» والإخوة كوين يصفونني في رسائلهم بعمي العزيز». لذلك، لا أحد من النقاد يجد حرجاً كبيراً بإطلاق ألقاب «الأبناء المدللون» على كيروستامي وكوستريكا وفيندرز وكار واي وغيرهم من المخرجين الذين يحظون بمقعد أساسي ودائم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، بغض النظر عن مستوى أفلامهم، فأفلام كوستريكا وفيندرز الأخيرة، أو حتى جميع أفلام الأمريكي جيمس غراي، لا تصل لمستوى أفلام تتنافس على أهم جائزة سينمائية في العالم.

هذا العام، وفي الدورة التي افتتحت مساء أمس، وصلت إدارة كان لأقصى درجات التطرف في التدليل، لكل المخرجين الذين سبق وأن دخلوا حصن «كان» الكبير، حتى وصل الأمر للمهرجان بأن يرفض فيلم فرانسيس فورد كوبولا الأخير من المسابقة الرسمية، وهو الفائز من قبل بسعفتين ذهبيتين، والطلب منه بأن يعرض فيلمه خارج المسابقة، إلا أن المخرج الشهير صاحب ثلاثية العرّاب و»القيامة الآن»، شعر بالإهانة من هذا الطلب لعدم تناسب مكانة «خارج المسابقة» مع الروح المستقلة في فيلمه «تيترو» الذي يتحدث عن عائلة من الفنانيين المهاجرين، وليتم الاتفاق معه في نهاية المطاف بعرض فيلمه في افتتاح تظاهرة «أسبوعي المخرجين» التظاهرة التي من المفترض أن تكون منفصلة تماماً عن «كان» والتي تروج لنفسها دائماً بأنها الحاضن الأول للسينمائيين الشباب والجدد.

في المسابقة الرسمية للدورة الثانية والستين من المهرجان الفرنسي الشهير، يوجد أربعة من المخرجين الذين سبق لهم وأن فازوا بجائزة المهرجان الكبرى السعفة الذهبية، وهؤلاء الطامحون بالسعفة الثانية، هم؛ الأمريكي الوحيد في المسابقة كوينتن تارنتينو ولارس فون تراير وجين كامبيون وكين لوتش.

يشارك تارنتينو بالفيلم الجماهيري الأكثر ترقباً في المسابقة ( Inglorious Basterds) بمشاركة النجم براد بيت وصامويل جاكسون في نسخة «السباغيتي ويسترن» الخاصة من تارنتينو عن الحرب العالمية الثانية، وهو المهووس بمثل هذه الموضوعات، منذ إسقاطاته في «أقتل بيل» بجزأيه، وحتى مشاركته كممثل مع «تاكيشي مييكي» العام قبل الماضي. وإذا ما كان تارنتينو سيدنو من الفيلم الحربي لأول مرة، فإن الدانمركي لارس فون تراير، وإن كان ليس بغريب عليه الخوض في أنواع سينمائية جديدة، فسيشارك، قبل أن ينهي ثلاثيته «الأمريكية» التي بدأها ب(دوغفيل)، بفيلم الرعب (Antichrist) عن زوجين، لا يظهر طوال الفيلم غيرهما (وليم دافو وشاروليت غانسبورغ). ولا أحد يعلم ما إذا كان المخرج الإنكليزي كين لوتش سيتخلى عن «واقعيته الاجتماعية» في فيلمه الجديد (البحث عن إيريك) الذي يشارك فيه لاعب نادي مانشستر الشهير إيريك كانتونا بشخصيته الحقيقية الذي يغير حياة موزع بريد محبط، بينما يدور فيلم ( ) للمخرجة النيوزيلندية جين كامبيون حول السنوات الثلاث الأخيرة لحياة الشاعر الإنكليزي جون كيتز.

ينافس هؤلاء الأربعة، أسماء لها ثقلها في أروقة المهرجان، وممن حققوا إنجازات مختلفة في الدورات السابقة أو في مهرجانات مختلفة، كالإسباني الطامع بالسعفة «بيدرو ألمودوفار»، صاحب أفضل إخراج عن فيلم (كل شي عن أمي) وأفضل سيناريو عن (فولفير) في تعاونه الجديد مع النجمة «بينولبي كروز» في (عناقات مكسورة). والنمساوي مايكل هانكي بعد الإنجازات الكبيرة التي حققها في (مختبيء) دورة 2005 يعود بفيلم (الشريط الأبيض) عن حياة قرية في شمال ألمانيا عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وهناك المخرج التايواني الأصل آنغ لي المتوقع له حضوراً لافتاً للأنظار بفيلم الكوميديا الأمريكي (Taking Woodstock) الذي يتحدث عن مهرجان «وودستوك» الموسيقي في دورته الأولى عام 1969 بصفته أحد أهم اللحظات التاريخية التي شكلت ملامح الثقافة الشعبية الأمريكية ذلك الوقت. كما يشارك الآسيويون بخمسة عناوين جديدة، كوريا الجنوبية بفيلم (عطش) لمخرج فيلم (أولد بوي) شان ووك بارك عن قصة معقدة حول مواضيع الحب والقتل ومصاصي الدماء، والصين بالمخرج المثير للجدل «لو اي» الممنوع من صناعة الأفلام من قبل الحكومة بسبب فيلمه الذي شارك في كان 2006 (قصر الصيف) والذي صوّر فيه وحشية الحكومة في تدخلاتها ضد تظاهرات الطلاب، ويشارك هذا العام بفيلم (حمى الربيع) الذي سيغضب الحكومة أيضاً في تناوله لموضوع العلاقات العاطفية، كما يشارك زميله «جوني تو» بفيلم (انتقام)، ويشارك التايواني صاحب التجربة الفريدة في السينما الآسيوية «مينق ليانق تسي» بفيلم (وجه) والفلبيني الصاعد العام الماضي «بريلانتي ميندوزا» بفيلم (كينتاكي).

ويمثل السينما الشابة في المهرجان، أو الجيل الجديد من أبناء كان، الإنكليزية إندريا آرنولد، التي منذ فوزها بلجنة التحكيم 2006 عن فيلم (الطريق الأحمر) والجميع يترقب جديدها، والذي سيكون هذا العام فيلم ( fish tank)، كما أن الجماهير ستترقب كثيرا عودة أبرز مخرجي الجيل الفرنسي الجديد «غاسبر نوا» بفيلم ( Enter the Void).

هذا وسيشارك المخرج الفلسطيني «إيليا سليمان» بفيلم عن تاريخ تكوّن الدولة الإسرائيلية منذ الأربعينيات بعنوان (الزمن الباقي)، وآخر الوجوه الشابة، نسبياً، جاكي أوديارد بفيلم (النبي) والوجه الجديد على المهرجان الإسبانية «إيزابييل كويكست» ب(خريطة أصوات طوكيو).

ومع حرص مهرجان كان على تواجد أكبر قدر ممكن من مخرجيها المفضلين، إلا أن الفرنسي العريق «آلان رينيه»، والذي سبق وأن سحبت أفلامه (ليل وضباب) 1955 و( هيروشيما حبيبتي) 1959 بعد دخولها في المسابقة الرسمية للمهرجان لجرأتها السياسية، ولانضمامه لرابطة منتقدي المهرجان فترة بروز الموجة الفرنسية الجديدة، سيشارك في المسابقة بفيلم المغامرات العاطفية (عشب متوحش)، ويزامله من حيث الأقدمية الإيطالي «ماركو بيلوشيو» بفيلم لا يختلف كثيراً عن مواضيع السينما الإيطالية مؤخراً عن ابن سري لزعيم إيطاليا موسيليني.

إذن.. تسعة عشر مخرجاً سبق وأن شاركوا في المهرجان، فقط إيزابيل كوكسيت هي المخرجة الجديدة هذا العام، وهي التي تعد معروفة لدى الكثيرين منذ انطلاقتها في برلين بفيلم (حياة بدوني) للنجمة سارة بولي، أو فيلمها (إيليجي) مع بينولوبي كروز وبين كينغسلي العام الماضي. مما يعني أننا لن نشهد أي اكتشافات سينمائية جديدة هذا العام.. العام الماضي على الأقل كان يضم تسعة مخرجين في المسابقة الرسمية يشاركون للمرة الأولى.

حتى القسم الذي كان معنياً باحتواء سينمائيي التجربة الأولى، قسم «نظرة خاصة»، يضم هذا العام الروماني صاحب السعفة الذهبية «كريستيان مونغو» وأصحاب الكاميرا الذهبية في الأعوام الأخيرة، والذين من المفترض أنهم تجاوزا مرحلة المشاركة في قسم «نظرة خاصة» كالإيراني «باهمان غوبادي» والروماني «برومبولو»، أو حتى مخرجين سبق لهم وأن حققوا إنجازات مختلفة في المسابقة الرسمية نفسها، كالياباني «كوريدا» والفرنسي «كافالير» والروسي «بافيل لونقين».

حتى ولو كان المهرجان يوحي بأننا سنفتقد متعة التعرف على مخرجين جدد هذا العام، وهي الفلسفة التي حاول أن ينتهجها المهرجان بداية الألفية الجديدة، فإننا سننظر إلى الجانب المشرق من الموضوع، معاصرة أكبر تجمع لأصحاب السعف الذهبية في مهرجان واحد، إنها الدورة الذهبية في تاريخ السينما المعاصرة.  

فيلم الافتتاح UP

افتتحت فعاليات الدورة ٦٢ لمهرجان كان السينمائي مساء البارحة بالفيلم الرسومي الأمريكي (فوق - UP) هو أحدث إنتاج لأستوديو بيكسار الشهير ويخرجه الأمريكي بيتي دوكتير الذي قدم عام ٢٠٠١ فيلم (شركة المرعبين المحدودة)، يحكي فيلم UP قصة العجوز كارل فريدريكسن ذي الثماني والسبعين سنة والذي قرر القيام برحلة العمر إلى أمريكا الجنوبية وفاءً للعهد القديم الذي التزم به تجاه زوجته الراحلة، وبعد أن ربط منزله بآلاف البالونات كي يطير به إلى وجهته الجديدة يكتشف كارل أنه أخذ معه طفلاً صغيراً ومزعجاً. 

سكورسيزي يحتفي بالسينما المصرية.. في كان

قبل أن يكون مارتن سكورسيزي مخرجاً أمريكياً عظيماً فهو عاشق للسينما ومؤرخ سينمائي كبير بلغ به حرصه على تاريخ السينما أن أسس في سويسرا عام ٢٠٠٧ مؤسسة «سينما العالم» التي تعنى بالبحث عن الكلاسيكيات السينمائية المهملة وإعادة ترميمها وبعثها من جديد في صيغ رقيمة نقية حفظاً لها من الزوال، وفي الدورة الحالية لمهرجان كان السينمائي سيبرز الدور الذي يلعبه سكورسيزي لحفظ تراث السينما عبر قسم «كلاسيكيات كان» حيث يقدم جملة من الروائع السينمائية من بينها الفيلم المصري (المومياء) ١٩٦٩ للمخرج شادي عبدالسلام الذي يصنف كواحد من أفضل الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية في تاريخها، وإلى جانب هذا الفيلم سيعرض قسم «كلاسيكيات كان» أفلاماً للمخرج الفرنسي هنري كلوزو والإيطالي ميغيل آنجلو أنتونيوني ومواطنيه لوتشيانو فيسكونتي وسيرجي ليوني والفرنسي غودار. 

فيلم الختام COCO CHANEL & IGORSTRAVINSKY

يختتم مهرجان كان فعالياته في ليلة الأحد الرابع والعشرين من مايو الحالي فيلما يحكي قصة مصممة الأزياء الشهيرة كوكو شانيل، الفيلم للمخرج يان كوينن ومن بطولة الممثلة الفرنسية آنا موغلاليس التي تؤدي دور كوكو شانيل، والممثل الدانمركي مادز ميكلسن في دور الموسيقار الروسي إيغور سترافنسكي، وما بين هاتين الشخصيتين تجري أحداث الفيلم، حيث يصور العلاقة السرية التي نشأت بينهما عام ١٩١٣ مستعرضا خلال ذلك شغف كوكو شانيل بالشاب الثري الوسيم ولاعب البولو آرثر بوي كابل.

الرياض السعودية في 14 مايو 2009

 
 

في المؤتمر الصحافي الأول في الدورة الـ"62" لمهرجان كان

لجنة تحكيم الأفلام الروائية تعبّر عن ردود أفعالها الأولى

ترجمة عدنان حسين أحمد من لندن

إجتمعت لجنة تحكيم الأفلام الروائية في مؤتمر صحافي تقليدي في اثناء إنطلاق فعاليات المهرجان حيث تحدثت كل من رئيسة لجنة التحكيم وأعضائها إيزابيلا هوبير، وآسيا آرجينتو، شو كي، شارميلا تاغور، روبين رايت ﭙن، نوري بيلجي جيلان، جيمس غراي، حنيف قريشي ولي تشانغ دونغ عن إنطباعاتهم والحوافز التي دفعتهم لقبول مهمة التحكيم التي أُسندت لهم في الدورة الثانية والستين لمهرجان "كان" السينمائي الدولي.

صرحت الممثلة الفرنسية إيزابيلا هوبير قائلة: " لا أعتقد أننا هنا لكي نحكِّم، بل نحن هنا لكي نحب الأفلام، ولكي نشاهد ما نحبه أكثر من الأشياء الأخرى. أنا أعتقد أنه من الصعب بشكل عام أن توضّح أو تبين لماذا تحب شيئًا ما. أنا أعتقد أنه نقاش قديم جدًا بدأ مذ بدأت الإنسانية. لماذا يهزك العمل الفني وتتأثر به، ليس الفيلم حسب، ولكنك تتأثر بقطعة موسيقية؟ ولماذا تتأثر بلوحة فنية؟ أنها قضية عميقة. لذلك أنا أعتقد أنها طريقة تقع ما وراء إطلاق الأحكام. وأنا أعتقد أننا سنحاول أن نستقدم شيئًا من أرواحنا في مشاهدة ما نراه مُدركين أن ما يُعرَض علينا هو جزء من أرواحهم".

أما الممثلة الأميركية روبين رايت بين فقد تحدثت عن مشاعرها في إعطاء الجوائز قائلة: " إنه أمر مضحك لأن كلمة "حكم" بالنسبة إلي سلبية لأنني أؤمن لماذا نحن كلنا فنانون بالطريقة التي نحن عليها. نحن لدينا نبض والطريقة التي نتأثر بها سواء عن طريق الأفلام أو الأغاني الموجودة ضمن هذه الأفلام ستكون مختلفة لنا جميعاً. ولهذا السبب فأنا أشعر كما لو أننا نشترك بما تعنيه لنا. وربما نختلف على نغمات معينة، غير أن جمالها يكمن بما تشعر به قلوبنا. أنا لا أعتقد أنه أمر كبير منْ هو أفضل من الآخر، بل قلب منْ كان الأسرع نبضاً وخفقاناً هو الذي يعتمد على نوع القطعة؟"

أما المخرج التركي نوري بيلجي جيلان فقد كانت ردود أفعاله الأولى كالتالي: " سأحاول أن أكون حذراً جداً، لأنني أيضاً لا أثق بنفسي. والسبب، كما تعرف، هو أن "كان" نوع من المكان الذي يستقبل الأفلام الأصيلة جداً. والأفلام الأصيلة قد تبدو مملة أول وهلة وعلى صعيد تاريخي الشخصي لدي العديد من الأمثلة حيث كرهت الأفلام التي شاهدتها للمرة الأولى، ولكن مع الوقت أصبحت أفلام حياتي المفضلة. لذلك فإن هذه المشاعر تجعلني لا أستمع فقط لصوت قلبي، ولكن أيضاً لأكون حذراً جداً. وعليّ أن أجد نوعاً من التوافق بين قلبي وعقلي. لذلك لا يمكن الإعتماد على ردود الأفعال الأولى في أغلب الأوقات."

ثم عقبت إيزابيلا على ردود الأفعال الأولى قائلة: " أنا أتفق تماماً في ما يتعلق بمشاعرنا الأولى حول فيلم ما. السينما تتوازى مع العاطفة، ولكنها إنعكاس أيضاً. وهذا ما يلهمني. ويجب ألا يكون تأثيرها باعثاً على الملل، بل يجب أن تكون موقِظة لنا، تقوّي أرواحنا. من الضروري أن نكون متواضعين عندما نتحدث عن جائزة السعفة الذهبية طالما أن تاريخ المهرجان قد بيّن لنا بأننا لا نستطيع دائماً أن نثمِّن القيمة الحقيقية للأعمال. فنحن كائنًا من نكون علينا في النهاية أن نبذل قصارى جهدنا."

موقع "إيلاف" في 14 مايو 2009

####

أبرز أحداث "كان" هذا الصباح

"حمّى الربيع" للصيني لو يي يفتتح المسابقة الرسمية

ترجمة وإعداد عدنان حسين أحمد من لندن

تحدّى المخرج الصيني لو يي المنع الذي فُرض عليه من قبل الرقابة في بلده لأنه أنجز فيلم " حمّى الربيع".  سيكون هذا الفيلم ضمن عروض المسابقة الرسمية لهذا اليوم في "كان". يدور الفيلم حول قصة عاطفية  بين رجلين وإمرأة فائقة الجمال. فالسيد لو هايتاو " يجسّد الدور سيجينغ تشين" تستأجره زوجة وانغ بنغ لكي يتجسس على العلاقة العاطفية التي إتقدت بين زوجها ورجل آخر، لكنه شيئاً فشيئاً يفقد السيطرة على الموقف، حيث ينقاد مع صديقته الجميلة لي جينغ الى ممارسة الحب بعد أن تنتصر عليهم سكرة ليالي حمى الربيع. الكل ممسوسون بالبهجة الحسيّة. فالمرض الخطير يفضي بالقلوب والعقول الى الضياع. إن موضوع العلاقات المثلية لا تزال محرمة في بلدان قارة آسيا، وربما في كل مكان تقريباً. فمن الصعوبة بمكان على مخرج هذا الفيلم أن يحصل على دعم مادي لفيلمه. يعد لو يي المخرج المحنك الذي سبق له أن إشترك في مسابقتين لنيل السعفة الذهبية، الأولى عام 2003 حينما إشترك بفيلمه "الفراشة الأرجوانية"، والثانية حينما إشترك بفيلم "القصر الصيفي" عام 2006. صرّح لو يي هذا الصباح قائلاً:" بدأت العمل على سيناريو "حمى الربيع" عندما إنتهيت من وضع اللمسات الأخيرة على فيلم "القصر الصيفي"، لكنني جوبهت في الحال بنوع من التردد، دعني أقول، من جانب المنتجين. مذ نٌفيت ومُنعت من الإخراج لمدة خمس سنوات. لماذا يموّلون فيلمي الجديد طالما أنه لن يُعرض في دور السينما الصينية؟ كلهم يقولون دعونا ننظم لقاءً خلال خمس سنوات. شكراً في النهاية، لأننا إستطعنا أن نؤمّن الدعم المادي الضروري بواسطة نظام تمويل الفيلم الفرنسي، وجزئياً من هونغ كونغ. مدة الفيلم "115" دقيقة، سيناريو فينغ مي، تصوير جيان زينغ، تمثيل سيجينغ تشين، جياكي جيانغ، هاو كين وزو تان.

نجوم اليوم

من بين نجوم السينما الذين تقاطروا على "كان" رغم الأزمة الإقتصادية التي ألقت  بظلالها على أجواء المهرجان إلا أن النجوم لا يزالون يتقاطرون على هذه المدينة الفنية الساحرة التي إعتادت أن تحتضنهم كل عام. ونجوم هذا اليوم هم كلودين أوغر، جولييت بينوش، ماثيو ديمي، مايكل فاسبندر، كيري فوكس، باسكال غريغوري، رونا هارتنر، غابريلا لازور، صاموئيل لو بيهان، جيري لويس، سارة مارشال، روان ماك نامارا، آشواريا راي، تيلدا سوينتون، سعيد طغماوي وفليسيت وواسي.

أندريا آرنولد

"حوض السمك" هو الفيلم الثاني للمخرجة البريطانية أندريا آرنولد، وهو بطاقة مرورها الثانية الى الكروازيت. في زيارتها الأخيرة عام 2006 عادت الى منزلها بجائزة لجنة التحكيم عن فيلمها "الطريق الأحمر". أما فيلمها الأخير المشترك في المسابقة الرسمية فهو يتحدث عن مايا، وهي مراهقة متمردة. غير أن وصول كونور، صديق أمها الجديد سوف يغيّر رؤيتها للحياة. وعن كيفية كتابتها للسيناريو قالت أندريا:" كل أفلامي تبدأ بصورة. وغالبا ما تكون هذه الصورة قوية. صورة تأتي من مكان مجهول بالنسبة لي. في البداية، تربكني هذه الصورة، لكنني أريد أن أعرف المزيد عنها. لذلك فأنا أبدأ في التركيز عليها لأكتشف ماذا تعني. هذه هي الطريقة التي أبدأ فيها بكتابة السيناريو كل مرة." ثم أضافت قائلة: " ولكي أجعل الفيلم أكثر واقعية، فقد إخترت كاتي جارفس، وهي ممثلة غير محترفة لتأدية دور مايا. " أردت شخصاً أصيلاً" وأضافت "كنت أبحث عن فتاة تستطيع أن تكون هي نفسها من دون الحاجة لأن تمثّل." وبالمقابل فقد إخترت الفنان المحترف مايكل فاسبندر الذي يمتلك كاريزما شديدة لكي يقف بمواجهة كاتي التي جاءت الى حقل التمثيل بطراوتها الأولى.

موقع "إيلاف" في 14 مايو 2009

 
 

فيلم رسوم متحركة في افتتاح الدورة الثانية والستين لمهرجان كان

إستبعد المهرجان فيلمين مصريين يستحقان المشاركة

قصي صالح الدرويش من كان

تحت صورة المرأة الغريبة والأنيقة التي تدير ظهرها للكاميرا شاخصة إلى فضاء لا محدود بحثًا عن شيء لا نراه، بدأت  فعاليات الدورة الثانية والستين لمهرجان كان السينمائي. هذه الصورة هي ملصق المهرجان لهذا العام وهي من أحد مشاهد فيلم "المغامرة" للمخرج الإيطالي الراحل مايكل انجلو انطونيوني، وكأن روح المخرج وعبقريته صارتا غلافًا لمهرجان "كان" بكل ما فيه من مفاجآت.

تضم المسابقة الرسمية على السعفة الذهبية لهذا العام 22 فيلمًا، بعضها من إخراج مبدعين كبار حازوا على تصفيق المهرجان وتقديره سابقًا ومن ضمنهم المخرج الفرنسي ألان رينيه الذي تجاوز الثمانين من عمره والدانماركي لارس فون تريير والأميركين كانتان تارانتينو والإسباني بيدرو المودوفار والايطالي ماركو بيلوكو والبريطاني كين لوش والتايواني انج لي والنيوزيلندية جين كامبيون، وقد سبق لهؤلاء الفوز بالسعفة الذهبية أو بما لا يقل عنها، الأمر الذي دفع بعض الصحافيين الفرنسيين إلى القول بأن المهرجان أصبح في السنوات الأخيرة يدور حول نفسه في حلقة صغيرة مغلقة تتمحور حول عدد محدود من المخرجين الذين يكررون إنتاجهم بشكل أو بآخر، ليفقد المهرجان خصوصيته في فتح  فضاءات الكشف الجديدة. ويرى هؤلاء النقاد أن إدارة المهرجان لم تعد قادرة على تحقيق ما كانت تفعله في البدايات، حين كان جيل جاكوب في منصب المسؤول الفني قبل أن ينتقل إلى رئاسة المهرجان ويصبح بعيداً عن اختيار الأفلام المتسابقة. ويجدر التذكير هنا بأن جيل جاكوب نجح سابقًا في فتح بوابة أمام السينما الأفريقية التي كانت غائبة والتي عادت إلى الغياب في السنوات القليلة الماضية، كما فتح الباب أمام مشاركة السينما الآسيوية وخصوصًا الصينية واليابانية التي أصبحت علامة مميزة في السينما العالمية. وقد تكون هذه الانتقادات أو بعضها صحيحة نظريًا، لكنها غير دقيقة عمليًا، فمن الطبيعي أن يرحب مهرجان كان بمجموعة المخرجين المبدعين الناجحين ليصبح هؤلاء بأعمالهم أداة للتطوير الفني، ناهيك عن أن عددًا كبيرًا من الأسماء الجديدة تؤكد موهبتها سواء كانت معروفة نسبيًا أم لا، كما أن بوابات جديدة تفتح أمام السينما القادمة من كوريا أو الفلبين والأرجنتين وماليزيا ومن فلسطين التي يحمل لواءها هذا العام المخرج إيليا سليمان الذي ولد في الناصرة ويعيش في إسرائيل. ولا بد من  الإشارة إلى أن المخرج الفلسطيني حرص أن يوضع إلى جانب اسمه في الدليل الرسمي للمهرجان وصف "وطني فلسطيني"، كما لا بد من الإشارة إلى أن إيليا سليمان أصبح أحد المخرجين المتألقين عالمياً، خاصة بعد فيلمه السابق "يد إلهية" الذي صفق له جمهور ونقاد كان عام 2002.

والحق يقال إن إدارة المهرجان استبعدت فيلمين مصريين جميلين كانا يستحقان المشاركة، أحدهما للمخرج يسرى نصر الله الذي عُرضت أفلامه أكثر من مرة في كان والثاني للمخرجة كاملة أبو ذكرى، وربما غاب فيلم مروان حامد "ابراهيم الأبيض" لأنه لم يكن جاهزًا حين أغلقت أبواب الاختيار.

وضمن تظاهرات المهرجان الأخرى يتسابق 20 فيلمًا في تظاهرة ّنظرة ما" الموازية ولهذه التظاهرة لجنة تحكيمها الخاصة. كما يعرض 15 فيلمًا خارج المسابقة الرسمية. ويعرض في إطار تظاهرة "أسس السينما" 16 فيلمًا روائيًا و9 أفلام قصيرة وهذه التظاهرة يرأس لجنة تحكيمها المخرج البريطاني المعروف جون بورمان.

أما تظاهرة نصف شهر المخرجين فتعرض أفلامها خارج قصر المهرجان باعتبار أنها منفصلة عن إدارة المهرجان، علمًا بأن عددًا متزايدًا من كبار المخرجين يشاركون في هذه التظاهرة ومنهم هذه السنة فرنسيس فورد كوبولا صاحب "العرّاب" و"القيامة الآن" والذي فضل التميز بمشاركته خارج المسابقة الرسمية.

 وعلى هامش المهرجان سيتم عرض 31 فيلمًا من كلاسيكيات السينما من ضمنها رائعة شادي عبد السلام "المومياء". أما الجمهور الذي لن يتمكن من دخول القاعات فسيتاح له مشاهدة تسعة أفلام تعرض في الهواء الطلق على الشاطئ تحت عنوان "سينما البلاج". 

وقد التقى النقاد اليوم رئيسة لجنة تحكيم المهرجان ونعني النجمة الفرنسية ايزابيل هوبير وبقية أفراد لجنة التحكيم، هوبير التي ترفض صفة النجومية وما فيها من صيغة استعراضية تعد من الممثلات المثقفات وسبق لها العمل مع عدد من كبار المخرجين مثل جان لوك غودار الذي شاركت في ثلاثة من أفلامه أو كلود شابرول الذي صورها في تسعة أفلام أو المخرج الأميركي مايك شامينو. ويشارك في لجنة التحكيم إلى جانبها كل من الكاتب والسيناريست البريطاني هانيش كريشي والمخرج الأميركي جيمس جراي والممثلة الإيطالية آسيا ارجنتو والمخرج التركي نوري جيلان والممثلة الأميركية روبن رايت بن والممثلة التايوانية شو كي وزميلتها الهندية شارميلا تاغور والمخرج الكوري الجنوبي شانغ دونغ لي.

مهرجان كان ليس تذوقًا للمتعة السينمائية فقط، بل هو أيضًا السوق السينمائية الأكبر في العالم، تتهافت إليه شركات الإنتاج السينمائي لتعرض آلاف الأفلام من دون أي رقيب، بما في ذلك أفلام البورنو الجنسية. وهكذا على امتداد أيامه تتحول المدينة الساحلية الصغيرة إلى سوق هائلة تجمع مختلف العاملين في صناعة السينما، طبعًا إلى جانب هذا العدد الهائل من النساء الجميلات الباحثات عن فرصة للعمل في السينما أو للتفرج عليها أو حتى الاقتراب منها. ولا تخلو دورة من انتقادات كثيرة تخص المهرجان وأسواقه، لكن سرعان ما تطوى صفحة الانتقاد لتفسح المجال أمام المتعة والتذوق السينمائي، على الرغم من أن آثار الأزمة الاقتصادية تبدو جلية في هذه الدورة، إذ يشتكي التجار وأصحاب العقارات من ضعف الإقبال بينما يشتكي الجمهور بما في ذلك الصحافة من اشتعال الأسعار في الفنادق والمطاعم وشقق الإيجار.

فيلم رسوم متحركة في افتتاح المهرجان

للمرة الأولى في تاريخه يفتتح مهرجان كان بفيلم رسوم متحركة صور بتقنية رقمية ثلاثية الأبعاد، تقتضي مشاهدته استخدام نظارة خاصة. الفيلم من إنتاج  ديزني ويحمل عنوان UP "إلى الأعلى" وهو خارج المسابقة الرسمية كما جرت العادة بالنسبة لأفلام الافتتاح. والفيلم إخراج مشترك لك من بوب بيترسون وبيت دوكتر شارك في كتابة سيناريو فيلم Wall-E . الفيلم يتناول مغامرات رجل غريب الأطوار في الثامنة والسبعين من عمره يعمل بائعًا للبالونات ويعيش وحيدا بعد وفاة زوجته التي كان يحبها في بيته الصغير المعزول وسط الأبنية الهائلة. حلم الرجل بأن يرتفع بيته إلى قمة عالية يتحقق عندما يربطه بآلاف البالونات الملونة، فيتحول إلى منزل طائر كالمنطاد يرتفع بعيدًا، وتبدأ المغامرة عندما يكتشف أن مسافرًا غير شرعي يشاركه هذه الرحلة وهو صبي كشافة في التاسعة من عمره، وتبدأ مغامرات العجوز والطفل في رحلة عجيبة في الأعلى حيث يترافقان مع كلب تستطيع قلادته ترجمة أفكاره وطائر ملون يحب الشكولاته، ليكتشف كل منهما ذاته ويتحول حلم العجوز السلبي إلى حلم فعال تنتصر فيه الصداقة والبعد الإنساني على تملك الأشياء مهما كانت عزيزة حتى لو كانت المنزل القديم الذي عاش فيه عمره. الفيلم جميل يحمل قيم الحياة الإنسانية وبساطتها وتعقيدها في قالب فني لطيف.  

موقع "إيلاف" في 14 مايو 2009

####

الوقت المتبقي" يمثل العرب في مهرجان كان السينمائي

المخرج إيليا سليمان يشارك بفيلمه الفلسطيني ''الوقت المتبقي'' 

إيلاف من كان: "CNN" يبدو أن الأزمة المالية الحالية ألقت بظلالها على مهرجان "كان" السينمائي الدولي، الذي أُفتتح مساء البارحة الأربعاء، ولكن على أي حال، إنطلق المهرجان كما هو الحال سنويا.

فالمُنظمِّون أعلنوا أنهم سيخفضون النفقات المتعلقة بالحفلات والأمسيات، كما أن التغطية الإعلامية للمهرجان ستكون أقل بسبب محدودية الإمكانات لدى المؤسسات الإعلامية.

إلا أن الأفلام التي تتنافس على جوائز السعفة الذهبية لهذا العام تقدم انطباعاً بأن الجودة لا تقترن بالمال والاقتصاد المتدهور.

وتقول ليا روزين، ناقدة سينمائية لدى مجلة "بيبول" إن "مهرجان كان هو مهرجان سينمائي عالمي، حيث نرى إنتاجات سينمائية من شتى أنحاء العالم من خلاله، ويشهد هذا العام مشاركة 52 فيلما، منها 20 فيلما دخلت في المسابقة الرسمية."

وتنحصر المشاركة العربية في دورة هذا العام بفيلم للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان يحمل عنوان الوقت المتبقي، ويدور حول قصة حياة المخرج وعائلته منذ 1948، وحتى الزمن الحالي.

ويسعى المخرج من خلال هذا الفيلم إلى تصوير الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر، والذين يعيشون كأقلية على أرضهم، وفقاً للمخرج.

ومن الأفلام الأمريكية المشاركة في المهرجان، فيلما Inglourious Basterds، "أولاد حرام خسيسون" لكوينتين تارانتينو، و Taking Woodstock " إجتياح وودستوك" لآنغ لي.

ويتناول فيلم تارانتينو فترة الحرب العالمية الثانية، وهو موضوع لطالما أراد البحث فيه وإخراج فيلم حوله، حيث قال في تصريح لنيويورك تايمز: "عندما أخرج فيلما حول الحروب، لا يعني هذا الأمر أن جميع أعمالي يجب أن تتعلق بهذا الموضوع، فالمسألة هي مسألة أنماط سينمائية."

وهذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها تارانتينو بفيلم في المهرجان، حيث شارك قبل نحو 15 عاما بفيلم Pulp Fiction، وفاز بالسعفة الذهبية.

ويشارك في المهرجان أيضا الفيلم الأخير للنجم الراحل هيث ليدجر The Imaginarium of Dr. Parnassus، والذي توفي خلال تصويره، فيما تمكن مخرجه تيري غيليام من إتمامه رغم وفاة بطله.

إلا أن عدداً كبيراً من النقاد يرون أن أكثر الأفلام متعة هي تلك التي لم يشتهر أصحابها في السابق، كفيلم Dancers in the Dark، وفيلم 4 Months, 3 Weeks and 2 Days ، الذي فاز بالسعفة الذهبية قبل عامين.

يذكر أن إيليا سليمان كان قد فاز في 2002 بجائزة التحكيم في مهرجان كان عن فيلمه "يد إلهية".

موقع "إيلاف" في 14 مايو 2009

 
 

أبرز العائدين كين لوش الفائز بالسعفة الذهبية

السينما البريطانية تضرب بقوة في مهرجان كان السينمائي

عبد الستار ناجي

بعد سنوات من الغياب والحضور الخجل للسينما البريطانية في مهرجان كان السينمائي الدولي، تضرب السينما البريطانية هذا العام وبقوة في مهرجان كان السينمائي في دورته الثانية والستين، مؤكدة حضورها (بحفنة) بارزة من المخرجين، يتقدم القدير كين لوش الفائز بالسعفة الذهبية عن تحفته «الريح التي تهز حقل الشعير».

وقبيل ان نذهب الى الحضور البريطاني السخي، نشير الى ان كان هذه الأيام تشهد كثير من الازدحام، رغم ان تقارير صحفية أشارت الى تراجع الحضور بنسبة 30 في المئة، كنتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية، والتي تعصف في جميع الاتجاهات، وتبدو السينما حتى الآن بعيد عن تلك التأثيرات، ولكن مثل تلك التقارير الأولية تؤكد بان الجميع تحت مقصلة الأزمة الاقتصادية العالمية ونعود لبيت القصيد...

حيث تعود السينما البريطانية، بعد عامين من الغياب التام، عن المسابقة والاختبارات الرسمية، بعد ان كانت هي والسينما الأميركية والايطالية الأكثر حضورا، ولكن عودة السينما البريطانية، تأتي مقرونة بمساحة من التراجع في الحضور الأميركي (الصريح).

أول المشاركات، التي تعاول عليها السينما البريطانية، تلك العودة المرتقبة للمخرج القدير كين لوش، والذي يقدم في المسابقة الرسمية، هذا العام، فيلم «البحث عن ايريك».

وهو يغزل على نفس الاتجاه الواقعي، الذي اشتغل عليه لوش سنوات طويلة، عدا فيلمه الملحمي الكبير «الريح التي تهز حقل الشعير» والذي حصد عنه السعفة الذهبية عام 2006.

تدور أحداث فيلمه «البحث عن ايريك» حول حكاية ساعي بريد في مدينة مانشستر البريطانية، والذي يعشق كرة القدم، والذي يبذل جهوده، للوصول الى النجم الكبير ايريك كانتونا «فرنسي» يلعب مع فريق مانشستر يونايتد لكرة القدم، من أجل التعلم منه دروسا في الحياة.

والطريف ان اسم ساعي البريد، هو «ايريك» وتبدأ رحلته، للوصول الى «ايريك كانتونا» الحقيقي، ولكن نجم الملاعب المتألق، لم يكن في حقيقة الأمر متألقا على المستوى الاجتماعي... وتتداخل الاحداث بشكل يجعلنا نقترب من عالمين مختلفين، ويشارك اللاعب الفرنسي المختزل «ايريل كانتونا» في التمثيل في الفيلم.

والطريف ان كانتونا الذي اعتزل كرة القدم، اتجه لاحقا الى عالم الفن السابع، حيث احترف الاخراج والتمثيل، وساهم في وضع فكرة الفيلم الجديد، وقد عرضها على كين لوش - وهو احد مشجعي مانشستر يونايتد - الذي رحب بدوره بالفكرة... فكان هذا العمل المرتقب.

ومن أبرز ما قال كانتونا، قبيل وصوله الى كان: «أحاول العثور على طرق مختلفة لكي أعبر عن نفسي، لو لم أفعل ذلك... لمت».هكذا هي اللغة التي يعمل بها هذا النجم، الذي رغم ابتعاده عن الملاعب الخضراء، الا انه لايزال نجما، بعد ان التحق بالسينما.

وضمن جديد السينما البريطانية يأتي فيلم «حوض السمك» اخراج اندريا ارنولد والذي كان قد فاز بجائزة لجنة التحكيم عام 2005 عن فيلم الرعب «ريد رود» وهذه المرة يقدم فيلما اجتماعيا، يذهب بعيدا في تحليل المجتمع البريطاني.

من خلال احداث الفيلم التي تتمحور حول فتاة عمرها (15) عاما، تتصالح مع صديق والدتها الجديد الذي يجسده النجم المجري مايكل ماسبندر في حكاية تتداخل احداثها، وتتعامل مع الواقع بكثير من الشفافية المدهشة.

وتحت مظلة السينما البريطانية ايضا، يأتي فيلم «النجم الساطع» من اخراج النيوزيلندية جين كامييون الفائزة بالسعفة الذهبية عن فيلم «درس بيانو» عام 1993 وفيلمها الجديد انتاج استرالي - بريطاني - فرنسي مشترك ويتناول الفيلم قصيدة بنفس اسم الفيلم للشاعر البريطاني الرومانسي «جون كيتس» تحكي تلك القصيدة قصة حب فاشلة بين الشاعر، الذي برز اسمه في القرن التاسع عشر وعلاقته مع جارته الشابة التي هام بها ومنحها كل حبه.

الفيلم من بطولة الممثل البريطاني الشاب بين ويشاو الذي يتقمص شخصية «كيتس».

هل تريدون المزيد...

وضمن الحضور البريطاني، يأتي المخرج الكبير جون بورمان الذي يترأس لجنة تحكيم الافلام القصيرة، ومعه في اللجنة مخرجنا العربي التونسي مزيد بوغدير.

وحري بالذكر ان بورمان من اصدقاء كان، حيث حقق كثيرا من الحضور والجوائز كما ترشح للاوسكار خمس مرات وهو عضو الاكاديمية البريطانية ومن أبرز رجلات السينما البريطانية اليوم.

بهذا الحضور، تحقق السينما البريطانية معادلة حضور الأجيال، من أجل التأكيد للعالم، ان السينما البريطانية لاتزال تمتلك الحضور والمبادرة عبر أجيالها السينمائية.

فهل يحقق ذلك الحضور شيئا من الحصاد، هذا ما ينتظره الجميع في نهاية المهرجان... وهذا له حديث وحكاية أخرى.

النهار الكويتية في 14 مايو 2009

####

وجهة نظر

حصاد

عبد الستار ناجي

يتصور البعض ان دور المهرجانات يقتصر على تقديم واستضافة الافلام ومنحها جوائز.

ولكن الملاحظة التي تطل هنا في «كان»، وبشكل جلي، ذلك الحصاد القادم من عدد من المهرجانات، ولو توقفت عند مهرجان دبي السينمائي الدولي، والذي بات اليوم يحتل موقعه الراسخ والمتميز على خارطة المهرجانات السينمائية الدولية، نجد بان عدداً من الاعمال السينمائية العربية على وجه الخصوص، وجدت الدعم، وحصلت عليه من خلال وجودها في دبي.

وهذا ما نلمسه مع فيلم «أميركا» اخراج الفلسطينية شيرين دعيبس، والتي وفقت في الحصول على الدعم من عدد من القطاعات الانتاجية، خلال وجودها منذ عامين في مهرجان دبي السينمائي الدولي، من بينها قطاعات انتاجية كويتية تبحث عن الفرص الحقيقية، وتأخذ بيدها، وتمنحها الحياة والانجاز، وهذا ما تم من خلال مبادرة الشيخة «الزين الصباح» والتي استطاعت ان ترصد عدد من المعطيات الايجابية، في مجموعة من السيناريوهات الشابة والطموحة، والتي تذهب لتحقيق كم من القضايا والافكار عن قضايا الانسان العربي، على وجه الخصوص، وهو جهد يستحق كل معاني الاشادة، مشيرين الى ان الشيخة الزين الصباح، كانت وراء انجاز فيلم «رحلة الى مكة» عن الرحالة العربي ابن بطوطة والذي لايزال يعرض في انحاء العالم.

هكذا هو الحصاد، وهكذا هو دور المهرجانات السينمائية الدولية، في تأمين فرص التواصل والحوار والتعاون الفني المشترك، وتأمين الفرص المناسبة أمام الطرفين المبدعين والمنتجين على حد سوء.

فتحية لمهرجان دبي على مثل هذه الفرص، وتحية ايضا للشيخة الزين الصباح على مبادرتها وحضورها ودعمها واختياراتها الايجابية.

وعلى المحبة نلتقي

Anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في 14 مايو 2009

 
 

تقارير من مهرجان كان 2009

مهرجان كان: الانفتاح على "سينما المستقبل"

فؤاد البهجة/ مهرجان كان ـ بي بي سي

تصيد الصحفيون وكاميرات التلفزيون في افتتاح الدورة الثانية والستين لمهرجان كان السينمائي اي لقطات تعكس اجواء الكآبة التي تحدث عنها المتابعون لدورة قيل انها تعكس تأثير الأزمة المالية العالمية على قطاع السينما.

ولكن ربما خابت آمالهم نسبيا فالاجواء العامة في الحفل الافتتاحي على الأقل والعروض التي تلته أبرزت بشكل عام ان الأمور تسير وفقا للطقوس التي صنعت مجد كان: لقطات السجاد الأحمر المعتادة واليخوت العائمة خلف مقر قصر المهرجان والعدد الغفير من سكان المدينة ومن ضيوفها الأجانب الذين نزلوا في أبهى حللهم كالعادة للمشي في شارع لاكروازيت، وأيضا العدد الكبير من النجوم الذين حضروا الافتتاح والذين لهم وزنهم في الساحة السينمائية والاعلامية.

وحتى غابت اسماء اخرى تعودت على جذب الاهتمام في هذا النوع من المناسبات فان ذلك قد يخدم صناعة السينما برأي المنظمين.

فقد اعتبر تييري فريمو المدير الفني للمهرجان في مؤتمر صحافي ان تنظيم عدد أقل من الحفلات الموازية لأعمال المهرجان ربما يجعل التركيز يقع أكثر على السينما وليس على نجومها.

مهرجان ثلاثي الأبعاد

والحديث عن القيمة الفنية للأعمال المشاركة يجرنا للحديث عن فيلم الافتتاح الذي كان عبارة عن فيلم للرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد اضطر مشاهدو عرضه الافتتاحي من نجوم واعضاء في لجنة التحكيم ونقاد وصحافيين الى وضع النظارات الخاصة التي بدونها لا تتحقق الفرجة في هذا النوع من الأفلام.

وهذه هي المرة الأولى التي يعرض فيها فيلم من هذا النوع في افتتاح مهرجان عريق يسلط الضوء عادة على الافلام الكلاسيكية بشتى تفرعاتها.

ويعتبر بعض النقاد هنا في كان ان افتتاح الدورة بهذا الفيلم وهو من انتاج شركة بيكسار ديزني أعطى للمهرجان قيمة اضافية حيث كرس انفتاحه على ما سماه هؤلاء النقاد سينما المستقبل التي تشكلها هذه التكنولوجيا التي ازداد الاقبال عليها مؤخرا حتى أصبحت تستقطب كبار الممثلين للمشاركة فيها باصواتهم.

بل ان استوديوهات هوليود تحولت للعمل في هذا النوع السينمائي الجديد ولم تعد ترى فيه موجة سينمائية عابرة.

إلا ان مخرج الفيلم بيت دوكتر نفي ان تكون الافلام ثلاثية الابعاد قد تحولت الى نوع مستقل.

وقال في المؤتمر الصحافي قبيل عرض الفيلم: "نحن لا نسعى لأن نحول الأفلام ثلاثية الأبعاد الى نوع مستقل بذاته. نحن فقط نستمتع بصناعة هذه الأفلام. وبالمناسبة نحن ننظر اليها على انها أفلام حقيقية تستطيع أن تنقل مشاهد درامية تماما كما تنقل احاسيس الرعب والتشويق وما الى ذلك."

"التحليق الى الأعلى"

فيلم "أب" أو "التحليق الى الأعلى" الذي عرض امس في قصر المهرجان بحضور مخرج الفيلم وممثلي شركة بيكسار ديزني والنجوم الذين شاركوا فيه بأصواتهم يحكي ببساطة قصة بائع بالونات متقاعد يسعى لتحقيق وعد قطعه لزوجته الراحلة التي كانت ترغب طول حياتها في زيارة أمريكا الجنوبية.

ولتحقيق ذلك يستخدم الرجل عشرة الاف من بالونات الاطفال للتحليق بمنزله الى هناك الا أنه يصطحب معه بشكل غير مقصود طفلا سيخوض معه مغامرات خلال رحلة مشوقة.

وتقول النشرة التعريفية التي وزعتها الشركة المنتجة على الصحافيين هنا في كان ان بطل الفيلم المسن بطل حقيقي لكن بمقاييس مختلفة وقد أدرك في وقت متقدم من عمره ان المغامرات الكبرى في الحياة هي تلك الأشياء اليومية التي نقوم بها كل يوم.

وربما قصد منظمو مهرجان كان عمدا ان تكون هذه الفرجة الترفيهية حاضرة في الحفل الافتتاحي لتغطي على اجواء القتامة ان وجدت.

وبعد هذه الفرجة على النمط الأمريكي تنطلق اليوم اجواء المسابقة الرسمية بفيلم حمى الربيع، حول قصة حب جارفة بين مثليي جنس، من إخراج لو يي، الذي تتعرض أعماله للرقابة في الصين، وفيلم "فيش تانك" للبريطانية اندريا ارنولد.

وغداة ذلك، تعرض النيوزيلندية جاين كامبيون، أول امرأة تحوز جائزة السعفة الذهبية في العام 1992 عن فيلم "عازفة البيانو"، فيلمها الجديد "برايت ستار" (نجمة ساطعة)، حول قصص حب الشاعر الرومانسي جون كيتس. فيما يعرض فيلم الكوري الجنوبي بارك شانووك عن مصاصي الدماء "ثورست" (عطش).

موقع "الـ BBC العربية" في 14 مايو 2009

 
 

افتتاح «كان» بفيلم تحريك ثلاثي الأبعاد: المنازل الطائرة

نديم جرجورة/ «كان»

لم يكن افتتاح الدورة الثانية والستين لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، مساء أمس الأربعاء، حكراً على العرض الأول لفيلم التحريك الأميركي «فوق» (أو «إلى فوق»، بحسب ترجمة عربية أخرى) للثنائي بيت دوكتر وبوب بيترسون، لأن آلاف النقّاد والصحافيين والإعلاميين شاهدوه في حفلة خاصة بهم صباح الأربعاء، في إعلان غير رسمي عن إطلاقها. ذلك أن الأضواء اللامعة والاستعراض المتكامل للنجوم المدعوين من كل حدب وصوب، شكّلت مساءً اللحظة السنوية المنتظَرة لهواة هذا النوع من الاحتفالات، بالإضافة إلى محبّي السينما ونجومها وطقوسها الطالعة من أعماق الصالات المعتمة إلى رحابة المشهد البصري الجميل، الذي تصنعه السجّادة الحمراء الممتدة على سلالم «قصر المهرجانات والمؤتمرات». ولأن المعنيين مباشرة بصناعة الأفلام وتفاصيلها الإنسانية والدرامية والجمالية شاهدوا «فوق» صباحاً، فإن مئات المقبلين إلى المدينة الفرنسية الجنوبية هذه اصطفوا طويلاً في الطريق الممتدة إلى القصر، بانتظار وصول مواكب السيارات التي أقلّت نجوماً ارتدوا أجمل ما اعتبروه لائقاً بهذه المناسبة، ووقفوا للحظات أمام مئات عدسات آلات التصوير الفوتوغرافية وكاميرات الشاشات الصغيرة وميكروفونات شتّى، «تستجدي» تصريحاً معيّناً من هنا أو كلمة ما من هناك، من دون أن تحصل على مبتغاها، غالباً.

بين العاشرة صباحاً (موعد العرض الصحافي لفيلم الافتتاح) والثامنة مساء (لحظة افتتاح الدورة الجديدة)، مرّت ساعات مليئة بصخب سينمائي بدأ يُعلن عن حضوره في أروقة القصر والمدينة، بمقاهيها ومطاعمها المتراصفة على جانبي الطريق الرئيسة في مقابل القصر تحديداً، والصالات. صحافيون ونقّاد ملأوا القاعات المخصّصة بهم بعد نهاية العرض، باحثين في خزائنهم عن المنشورات والدعايات والدعوات وغيرها، أو متأبطين أجهزة الكمبيوتر الخاصّة بهم، أو المسترسلين في دردشات سريعة مع زملاء لهم أو معارف أو أصدقاء أو مسؤولين في إدارة المهرجان، تمضية للوقت المتبقّي لهم قبل «هرولتهم» إلى الصالة التي تعرض أول الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، وهو «ليالي السُكر الربيعي» للمخرج الصيني لو يي، الذي غاص في متاهات الانفعال الجسدي والروحي بين الناس، وفي مآزق العيش في ازدواجية العلاقات، وفي المعاني الجميلة للعشق والجنس؛ في حين أن صالة «دوبوسي»، التي شهدت العرض الصحافي الأول لـ«فوق»، غصّت بالقادمين إلى المهرجان لمشاهدة آخر ما ابتكرته المخيّلة البشرية من إبداع، في حين أن أعداداً كبيرة سعت إلى الاطّلاع على آخر الأخبار والمشاريع والحكايات.

أما «فوق»، المشغول بتقنية «ثلاثية الأبعاد» (تطلّبت مشاهدته الحصول على نظّارات خاصّة)، فروى قصّة عجوز يُدعى كارل أمضى حياته كلّها بائعاً للبالونات، وواعداً زوجته إيلّي بتشييد منزل لهما عند «شلالات الجنّة»، في أميركا الجنوبية. بعد سنين طويلة، توفيّت زوجته خلالها، خاض كارل المغامرة برفقة راسل، الصبيّ المتحمّس والنشيط والطيّب، في أدغال غابات وتفاصيل جانبية متفرّقة، قبل أن يكتشف أن لا معنى للمنزل الذي سافر به بعد أن ربطه بمئات البالونات، لأن الحياة مختلفة، والتجارب تبدّل أحوال المرء وتجعله أقرب إلى الواقع من أي شيء آخر. واجه التصاق راسل به، وعاند تحدّيات الطقس والطبيعة والبيئة، وعاش قسوة المغامرة، قبل أن تكشف له الدنيا صدمات عدّة، تدفعه إلى تبديل مسار حياته.

يُمكن القول إن «فوق» محمّلٌّ بدلالات سياسية مرتبطة بالوطن والعائلة والعلمانية والتحرّر من سطوة الرأسمالية. لكن، على الرغم من إمكانية إدراج قراءة نقدية كهذه، لم يرتفع الفيلم إلى أعلى من العاديّ، على مستوى المضمون الدرامي؛ في حين أن الاشتغال التقني بنموذج «ثلاثيّ الأبعاد» بدا كأنه إعلان عن بداية مرحلة سينمائية جديدة. ربما لهذا السبب، اختارت إدارة مهرجان «كان» هذا الفيلم لافتتاح الدورة الحالية، مساهمة منها في الإعلان المذكور، كأنها ترغب في أن تكون حاضرة في لحظة التحوّلات السينمائية الأساسية في تاريخ الفن السابع، كعادتها غالباً منذ اثنين وستين عاماً.

السفير اللبنانية في 14 مايو 2009

####

«فوق» فيلم تحريك ثلاثي في افتتاح مهرجان «كان»

إيليا سليمان العربي الوحيد في المسابقة الرسمية والسينما الفليبينية حاضرة بـ 4 أفلام

نديم جرجورة/ «كان» 

بدأ المهرجان السينمائي الأهمّ في المشهد الإبداعي الدولي. بدأ المهرجان الأعرق في ضخّ كَمّ هائل من الصوَر السينمائية المتفرّقة، التي يتابعها المعنيون بالهمّ السينمائي لاثني عشر يوماً متتالية، تعيشه المدينة الفرنسية المترامية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، والطالعة إلى صخب الإبداع ونجومه. بدأ الشغف يعلن حضوره: شغف بالسينما وصناعتها وطقوسها؛ شغف بالاستماع إلى سينمائيين ألهموا المخيلة الفردية بألف عنوان وإحساس؛ شغف بمشاهدة نجوم سطعت أسماؤهم في الوجدان الذاتي، وها هم الآن في حضرة الفن السابع، يأتونه حاملين كنوزهم وجمالهم وبراعتهم في اقتناص لحظات حقيقية من الفرح والمتع.

ذلك أن الدورة الثانية والستين لمهرجان «كان» السينمائي الدولي بدأت، مساء أمس، بعرض فيلم التحريك الثلاثي الأبعاد «فوق» للثنائي بيت دوكتر وبوب بيترسون، الذي أنتجته شركة «بيكسار»، إحدى أبرز شركات الإنتاج المعنية بأفلام التحريك حالياً. وهي تستمر لغاية الرابع والعشرين من الشهر نفسه، في محاولة جادة لاكتشاف الجديد والمذهل، أو لمعاينة العاديّ وإن اتسم بخصوصية صانعه، علماً أن الآراء النقدية الأولى المتعلّقة بالبرنامج الرسمي الخاصّ بالمسابقة الرسمية تحديداً عكست التزام المهرجان «سينما المؤلّف» أكثر من أي دورة سابقة. فالأسماء كثيرة، والعناوين ضاغطة، والرغبة في الاستفادة القصوى من الزيارة الأولى لهذا المهرجان تجعل المرء مقيماً في عمق إبداع كَسَر الحدود الواهية بين الواقع والخيال، وحطّم الجدران المرتفعة بين الوهم والحقيقة، بلغة سينمائية فاتنة.

هاجس العرب

لكن، في مقابل هذه الحيوية كلّها، التي يُفترض بالمهرجان منحها لزوّاره، لا يتعب بعض العرب من ربط الفيلم بهوية بلد مخرجه، بدلاً من الانتباه إلى أن الفيلم المذكور يمثّل، أولاً وأساساً بل دائماً، صانعه، بهواجسه وتطلّعاته وأساليبه وثقافته ووعيه وانفعالاته وتفاصيل عيشه، وإن استلّ المخرج مواضيع أعماله من البلد المنتمي إليه، أو المقيم فيه. فـ«جنسية» الفيلم مرتبطة بالإنتاج بالدرجة الأولى، وإن لم تكن متطابقة وجنسية المخرج. والصنيع الإبداعي نابعٌ من أعماق السينمائي الفنان، وإن غلّفه بقصص أو حالات طالعة من أعماق البيئة الجغرافية أو الاجتماعية أو الثقافية الخاصّة ببلده الأصلي. هذا البعض لا يكلّ من تكرار مملّ لسؤالين مترابطين: غياب الأفلام العربية عن المحافل السينمائية الدولية (كأن هذه المحافل معنية، أساساً، بجغرافيا صناعة الأفلام فقط)، وتمثيل الفيلم بلد المخرج لا المخرج نفسه.

يُعتبر إيليا سليمان أحد هؤلاء السينمائيين العرب الذين يواجهون معضلة التمثيل. فهو الفلسطيني المقيم في الغرب، المتوغّل، فيلماً إثر آخر، في بنية المجتمع الفلسطيني المقيم في ما يُسمّى بـ«مناطق الـ48»، ما يحرّض بعض المفتونين بالجغرافيا والأفكار السياسية والنضال الأبدي على اعتباره وأفلامه «ممثلاً» شرعياً لفلسطين في العواصم الفنية والثقافية الغربية. لكن المعنيين الجدّيين بالإبداع السينمائي مدركون أن الأولوية القصوى في هذا المجال كامنةٌ في صناعة الفيلم بحدّ ذاته، وفي معاينة تفاصيله الدرامية والجمالية والفنية والتقنية، وفي مقاربة ارتباطه بالسينمائي الذي صنعه، أسلوباً ووعياً معرفياً واهتماماً جمالياً باللغة والشكل والمضمون. ولأن إدارة مهرجان «كان» اختارت «الزمن المتبقي»، الفيلم الأخير لسليمان، للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الثانية والستين هذه، إلى جانب أفلام صنعها كبار، كبدرو ألمودوفار وكن لوتش وكوانتين تارانتينو وآنغ لي وآلن رينيه وجاين كامبيون وميكايل هانيكي وآخرين (قد يمثّلون بلدانهم، لكنهم بالتأكيد يعكسون أنفسهم وأساليبهم وأنماط تفكيرهم وهواجسهم وانفعالاتهم في أفلامهم، أولاً وأساساً)، انتعشت أقلامٌ صحافية عربية، راحت تدبّج مقالات متسائلة عن الغياب السينمائي العربي عن «كان»، في مقابل تمثيل فلسطين والعرب في المسابقة الرسمية في المهرجان نفسه بفيلم إيليا سليمان. لكن، يُمكن القول باختصار شديد إن «الزمن المتبقّي» يمثّل، قبل أي شيء آخر (أقلّه بالنسبة إليّ)، مخرجه إيليا سليمان، الذي وضع فيه (كما في أفلامه السابقة)، كبقية المخرجين الفاعلين والمبدعين، نفسه وأفكاره وحكاياته وحياته.

بعد سبعة أعوام على مشاركته في المسابقة الرسمية الخاصّة بمهرجان «كان» السينمائي الدولي بفيلمه الروائي الطويل الثاني «يد إلهية»، الذي حصل بفضله على جائزة «لجنة التحكيم الكبرى»؛ وبعد ثلاثة أعوام على اختياره عضواً في لجنة تحكيم الدورة التاسعة والخمسين للمهرجان نفسه (2006)؛ يعود إيليا سليمان إلى الـ«كروازيت» الفرنسية بفيلم جديد له بعنوان «الزمن المتبقّي» (المسابقة الرسمية)، راسماً فيه ملامح متفرّقة من التاريخ الحديث لفلسطين المحتلّة. لا توجد معلومات كافية عن الفيلم الجديد هذا، الذي أنجزه بعد ثلاثة عشر عاماً على تحقيقه فيلمه الروائي الطويل الأول «سجل اختفاء» (1996)، الذي صنعه، تماماً كـ«يد إلهية» (2002)، بشكل متتاليات بصرية تكاد تكون منفصلة عن بعضها البعض (أو هكذا يتراءى للمُشَاهد، لوهلة أولى)، قبل أن يظهر الترابط العضوي بينها، في شكل درامي جميل ومتماسك وحاد في رسمه معالم العيش اليومي في داخل فلسطين، معايناً قسوة الحياة الناتجة من الاحتلال الإسرائيلي، لكن أيضاً من طبيعة المجتمع الفلسطيني وتفاصيله وتقاليده وأنماط سلوكه.

سيرة سينمائية

لا تُشكّل الأفلام الروائية الطويلة الثلاثة هذه وحدها السيرة السينمائية لإيليا سليمان (مواليد الناصرة، 28 تموز 1960). ذلك أن براعة الاشتغال السينمائي واضحة في أفلام قصيرة عدّة حقّقها في مراحل متفرّقة من حياته المهنية، كـ«مقدمة لنهاية دليل» (1991) و«تكريم بالقتل» (1992) و«سايبر فلسطين» (1999) وغيرها، لأنها (أي الأفلام القصيرة) امتلكت حيوية اللغة السينمائية في التوغّل في أعماق الحياة الفلسطينية، وعكست تفاصيل العيش، التي باتت أساسية في الخيارات الدرامية لسليمان، انطلاقاً من قناعة ذاتية (أو هذا ما كشفته أفلامه، على الأقلّ) بأن التفاصيل لا تقلّ أهمية درامية وفنية وإنسانية عن المتن، وبأن الجوانب كلّها، إذا رُسمت بدقّة في فيلم سينمائي متمكّن من شروطه الإبداعية، قادرة على تقديم صورة عميقة لواقع أو لحالة أو لأناس يقيمون في الواجهة الأساسية للمواجهة اليومية مع الحياة والاحتلال وتقلّبات الدهر وأصناف العيش اليومي، بعيداً عن أي فذلكة خطابية أو بكائيات أو تصنّع، لأن سليمان حرفي جدّي في اشتغاله السينمائي، يولي الصورة أولوية قصوى في نسج الحبكة أو سرد الحكاية.

في «سجل اختفاء» و«يد إلهية»، استعان إيليا سليمان بشكل واحد: قصص متفرّقة استلّها من واقع العيش الفلسطيني اليومي والعادي، تروي فصولاً من الحياة الفلسطينية المقيمة في تراكمات قاسية لتقاليد وعادات وسلوك خاصّ بالعلاقات الإنسانية بين الفلسطينيين، من دون أن يتغاضى عن مأزق البلد الواقع في ظلّ احتلال إسرائيلي. غير أن آلية القمع الإسرائيلي تظلّل الخلفية الدرامية للفيلمين، وتجعل من غيابها المباشر حضوراً أقوى في التعبير عن فداحة النتائج العنفية والآثار الخانقة، التي يُضاف إليها ركون المجتمع الفلسطيني إلى سطوة عاداته القاتلة. إنه، بهذا، ينتمي إلى مجموعة من السينمائيين الفلسطينيين الذين آثروا الاهتمام بالفرد الفلسطيني وعالمه الصغير والمحيط به بشكل مباشر، كي يلجوا من خلاله عالم الجماعة ومناخاتها المتنوّعة. وهو يعود إلى «كان»، حاملاً معه «الزمن المتبقي» (المسابقة الرسمية)، الذي أفادت معلومات أولى أنه يسرد، سينمائياً، مقتطفات أساسية من سيرته الذاتية مختلطة بالتاريخ الحديث لفلسطين، وتحديداً منذ احتلالها في العام 1948، من خلال تاريخ الأفراد وحكاياتهم المتفرّقة.

إن اختيار الفيلم ناتجٌ من قناعة مفادها أن للمخرج موهبة وحرفية لافتتين للانتباه، تحتاج إليهما صناعة السينما، وناجمٌ من الصيت الإبداعي المهم للسينمائي نفسه، ومن قدرة أفلامه على أن تكون عناوين سينمائية مهمّة، شكلاً ومضموناً.

السينما الفيليبينية

من ناحية أخرى، يشهد مهرجان «كان» حركة سينمائية فيليبينية مهمّة، بدليل أن صنّاع السينما الفيليبينية يعيشون حالة من السعادة، بسبب مشاركتهم بثلاثة أفلام مستقلّة، وهي المرّة الأولى في تاريخ صناعة هذه السينما المتعثرة أصلاً، أُدرجت في قائمة «الاختيار الرسمي» في «المسابقة الرسمية» و«نظرة خاصة». في مقدمة الأفلام الفيليبينية هذه، هناك «كيناتاي» لبراينت مندوزا (المسابقة الرسمية)، الذي تدور أحداثه حول عصابة من القتلة يقومون بتقطيع جثث ضحاياهم. وقال ميندوزا، تعليقاً على المشاركة الفعّالة للسينما الفيليبينية: «إنه عام مثير بالنسبة إلى الفيليبين»، مضيفاً أن مشاركة أربعة أفلام فيليبينية في «كان» تُعتبر خيراً بالنسبة إلى صناعة السينما في بلده، الذي يُعاني القرصنة ومفاعيل الضرائب الباهظة والمنافسة الأجنبية الشديدة. يُذكر أن مندوزا شارك في «كان» سابقاً، إذ جاء إلى المهرجان في العام 2007 بفيلمه «طفل بالتبنّي»، الذي اختير يومها لبرنامج «نصف شهر المخرجين». أما الفيلمان الآخران، فهما: «استقلال» لرايا مارتين (نظرة خاصة) و«مانيلا» لرايا مارتين وأدولفو ألكس جونيور (عروض خاصّة). بالنسبة إلى مارتين، فهذه هي المرّة الثانية التي يُشارك فيها، إذ اختير فيلمه السابق «ناو شوينغ» في العام الماضي في برنامج «نصف شهر المخرجين». وتروي الدراما التاريخية «استقلال» فصولاً من فترة الاحتلال الأميركي للفيليبين. ونقلت وكالات أنباء دولية عنه قوله للصحيفة الفيليبينية «دايلي إنكويرر» إن لديه أملاً «في أن يبرهن ذلك على أن اهتمام العالم حالياً بالأفلام الفيليبينية ليس مجرّد نزوة. إننا قادرون على المنافسة على المستوى العالمي». أما ألكس جونيور، الذي شارك في إخراج «مانيلا» الحاصل على إشادة بمخرِجَيه وممثِّلَيه لينو بروكا وإسماعيل برنال، فقال إنه يأمل في أن يساعد مهرجان «كان» على دعم الاهتمام المحلي بالأفلام الفيليبينية المستقلّة: «إنها فترة طيّبة وجديدة بالنسبة إلى الأفلام الفيليبينية. في الأعوام الخمسة الفائتة، كان الاتجاه إلى الخارج، دائماً. أمنيتي الوحيدة أن يبدأ الجمهور الفيليبيني مشاهدة الأفلام المحلية المستقلّة، وتقديرها أيضا».

في تقرير لجيرلي ليناو وزّعته «وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ.)» قبل أيام قليلة على إطلاق الدورة الحالية للمهرجان الفرنسي الدولي هذا، جاء أن الأفلام المستقلّة في الفيليبين لا تزال تتعرّض لتجاهل كبير من روّاد السينما هناك، «الذين يفضّلون غالباً أفلاماً هوليوودية، والأفلام التي تموّلها الاستديوهات الشهيرة في الدولة». في الإطار نفسه، أعرب مندوزا عن حزنه، «لأن روّاد السينما الفيليبينيين معتادون، بشكل كبير، على مشاهدة الأفلام ذات الإنتاج الضخم، التي تضمّ نجومهم المفضّلين»، إلى درجة أن الأفلام المستقلّة تجد صعوبة في الحصول على مشاهدين: «أقول بصدق إن الأفلام المستقلّة لا قيمة تجارية لها، لأنها لا تجذب اهتمام النجوم المشهورين، ولا تستقطب أموالاً لدعم صناعتها». وعلى الرغم من قلّة الاهتمام والتأييد المحلي، أصبح لصنّاع هذه الأفلام دورٌ رائدٌ في إنعاش صناعة السينما الفيليبينية، إذ تحوّل المخرجون الناشئون إلى هذا النمط من الأفلام، لأن إنتاجها يحتاج إلى أموال أقل. وأشار خبراء صناعة السينما إلى أن صنّاع الأفلام المستقلّة ينتجون، بالفعل، أفلاما أكثر الآن، خصوصاً أن الاستوديوهات الكبيرة تعمل جاهدة على مواجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج والضرائب الحكومية العالية والخسائر في المبيعات، الناتجة من القرصنة الشائعة، ومن شعبية الأفلام الهوليوودية. ونقل التقرير نفسه أرقاماً تحدّد الواقع الإنتاجي، إذ أشار إلى أن الازدهار الذي شهدته صناعة السينما في الفيليبين في ثمانينيات القرن الماضي، عندما بلغ عدد الأفلام المنتجة سنوياً إلى مئتي فيلم، تراجع بشكل مخيف، إذ أُنتج 56 فيلماً فقط في العام 2006، و47 فيلماً في العام 2007، وانخفض الرقم إلى ثلاثين فيلماً في العام الفائت. ونقلت معلومات متفرّقة عن «قادة صناعة السينما في الفيليبين» قولاً شبه موحّد، مفاده أن المهنة في بلادهم «تتحمّل أكبر نسبة ضرائب في العالم»، فاضطرّوا إلى رفع أسعار التذاكر في دور العرض، ما دفع بروّاد السينما إلى الاستعانة بالأشرطة المقرصنة لمشاهدة الأفلام. واتخذ المشرّعون خطوات عدّة لتقليل تكلفة إنتاج الأفلام، مقترحين قانوناً لتخفيض الضرائب المفروضة على الأفلام، وطرحه للتشاور في مجلس البرلمان. وذُكِر في هذا المجال أن القانون المقترح يدعو إلى خفض الضرائب الترفيهية المفروضة على الأفلام من 30 بالمئة إلى ما لا يزيد على عشرة بالمئة من العائدات. وقال أورلي إلاساد، رئيس جمعية المنتجين السينمائيين في الفيليبين، إنهم، بفضل هذا القانون المقترح، «واثقون من زيادة عدد الأفلام المنتجة محلياً في كل عام»، من دون تناسي الاهتمام بجودتها أيضاً.

السفير اللبنانية في 14 مايو 2009

####

كلاكيت

المدينة الساحرة

نديم جرجورة

كان عليّ أن أزور المدينة الفرنسية الجنوبية «كان» قبل أسبوع واحد من بدء مهرجانها السينمائي الأهمّ في المشهد الدولي، كي أتمكّن من تأسيس علاقة هادئة بمدينة ارتبطت بالفن السابع، كارتباطها بالثراء والسياحة الفخمة والإبداع المنسوج على أشكال الرفاهية القصوى. فالمهرجان السينمائي هذا مليء بالنشاطات والبرامج والنجوم والاستعراضات المتفرّقة، التي تتطلّب جهداً حقيقياً لمتابعة جزء يسير منها، على الرغم من التأثّر شبه الواضح بالأزمة المالية العالمية؛ والدخول في فضاءاته المتنوّعة دونه صعوبة اللقاء الأول والصدمة المتوقعة، لأنه لا يشبه إلاّ نفسه، ولا يتوق إلى شيء آخر سوى أن يكون المهرجان السينمائي الأول في العالم. لذا، بدت الأيام القليلة الفائتة التي أمضيتها متجوّلاً في أزقة المدينة وشاطئها البحري المعروف بالـ«كروازيت»، لحظات تأمّل في حيّز جغرافي يستعدّ لإطلاق احتفاله الجميل بالشاشة الكبيرة وطقوسها وعاداتها ولغاتها المتفرّقة. كأن الهدوء المحبَّب الذي عرفته المدينة دائماً خارج احتفالها هذا منسحبٌ بخفر أمام حيوية الاشتغال العلني، في حين أن فريق العمل في إدارة المهرجان مستَنفَرٌ إلى أقصى ما يُمكن، بالطريقة الاحترافية المعهودة في عمل المؤسّسات.

لكن المدينة بحدّ ذاتها لا تُقدِّم جمالاً حقيقياً لزائر يأتيها للمرّة الأولى، لأنها عادية في أبنيتها الفخمة وطرقاتها المترامية بين الشاطئ والداخل، وأزقّتها الصغيرة التي تنفتح على سهر وملاه وحياة ليلية لا تعرف من الصخب إلاّ جمال نساء ووسامة رجال وبساطة كثيرين يأتونها من أصقاع متفرّقة من العالم، كي يكتشفوا فيها ما يطيب لهم من اكتشافات، قبل أن تتحوّل إلى صرح للفن السابع، حيث يختلط الهوس بالإبداع البصري بجنون الأعمال التجارية والاقتصادية المرافقة لهذه الصناعة السينمائية؛ وحيث تُضاء المعالم بـ«فلاشات» الكاميرات، في وقت واحد مع دوران آلات العرض التي ترسم على الشاشة الكبيرة كَمّاً هائلاً من الصوَر والحكايات والنقاء الإبداعي الأجمل. والبساطة الجغرافية لهذه المدينة الصغيرة حجماً، لا تعني انتفاء الحجّة للزيارة والتمتّع بمساحتها الممتدة من أقصى شمال الكرّة الأرضية إلى أعماق القارات المنقوشة على المفارق التاريخية واللغات الناطقة بألف سؤال وبهاء. بل إن البساطة، المعقودة على ثراء واضح في كل شيء تقريباً، دافعٌ إلى اغتنام فرصة الأيام الستة السابقة لبدء الاحتفال السينمائي المنتظر، كي يغرق المرء في متعة الفرجة الخاصّة بملامح السائحين ووجوه المقيمين، ومعاينة تناقض يؤكّد أن الكمال غائبٌ، وأن الدنيا معجوقة بالتباسات شتّى، تبدأ، كما في «كان» مثلاً، من الغنى الفاحش ولا تنتهي عند شحاذين جالسين على الطريق الرئيسية من دون ازعاج أحد، يطلبون (بتواضع) بعض المال من أجل الخمر أو المخدرات.

إذا بدت «نيس» المجاورة أكثر حيوية شعبية من «كان»؛ وإذا استقلّت «إمارة موناكو» متّخذة لنفسها مكانة خاصّة بها؛ فإن «كان» تفرد قامتها للفن السابع، مقدّمة للعالم أشكالاً عدّة من الحياة والمتع والجمال.

السفير اللبنانية في 14 مايو 2009

 
 

فرنسا ومهرجان «كان»:

كل هذه الأفلام... كل هذه الأموال!

كان (فرنسا) - ابراهيم العريس

... حتى من قبل حفلة الافتتاح الصاخب الذي كان نجومه ثلاثة (ايزابيل هوبير - سينما التحريك المجسمة - والعولمة انما من منظور غريب بعض الشيء)، حددت دورة هذا العام من مهرجان «كان» السينمائي الدولي نجمها الأساسي: انه فرنسا نفسها، البلد المضيف، البلد الفائق الكرم مع الفن السابع. فرنسا هي، من دون منازع، نجمة هذا العام، الى درجة يبدو معها أن الفرنسيين قد «شربوا حليب السباع» - كما يقول المثل الشعبي العربي - وهجموا على مهرجانهم، في دورته الثانية والستين، بكل قوة وزخم. أما «شرب» الفرنسيين لهذا الحليب، فربما كان في خلفيته ذلك الفوز غير المتوقع الذي كان من نصيب فيلم فرنسي - يكاد يكون وثائقياً - هو «بين الجدران» الذي نال السعفة الذهبية، في العام الفائت. أو ربما كان سببه، تضاؤل حظوظ المهرجان منذ البداية في الحصول، مثلاً، على أفلام أميركية تشارك في مسابقته الرسمية أو تظاهراته الأخرى.

وربما يكون السبب أيضاً، الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي أجّلت أو ألغت الكثير من المشاريع السينمائية في بلدان عدة لـ «ضيق ذات اليد»، فكانت النتيجة ان برزت فرنسا، ليس فقط منتجة لأفلام فرنسية كثيرة هذا العام، بل كذلك ممولة أساسية لأفلام الآخرين. أو هذه هي الصورة التي تلوح اليوم، الى درجة أن مال البعض الى نعت دورة هذا العام بأنها فرنسية - فرنسية. وربما لا يكونون بعيدين من الصواب، ذلك أن نظرة متأنية الى أسماء البلدان التي تنسب اليها الأفلام المشاركة، في المسابقة الرسمية وغيرها، ستضعنا أمام ما هو واضح: ان نحو نصف الأفلام المشاركة في التظاهرات الرئيسية هو إما من انتاج فرنسي خالص، أو من انتاج مشترك لفرنسا حصة الأسد فيه. ولعل أغرب ما في الأمر هو ان المال الفرنسي داخل، في شكل أو في آخر، في انتاج العدد الأكبر من الأفلام الآتية من جنوب شرقي آسيا (الصين، ماليزيا، الفيليبين، سنغافورة، تايوان... الخ). وانطلاقاً من هنا هل يحق لأحد أن يُدهش إذ يرى أن أكثر من ربع الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية هي أفلام فرنسية خالصة؟ وان فرنسا تشارك بكثافة في كل التظاهرات؟

فرنسا في كل مكان

ولكن هذا ليس كل شيء. فإذا كانت ايزابيل هوبير، ممثلة فرنسا المميزة هي التي ترأس لجنة التحكيم، فإن هذا الحضور لممثلة فرنسا في قمة هرم «كان»، ليس في الحقيقة سوى الجزء الأبرز من جبل الجليد... هذا الجبل الذي يتمثل في حضور ممثلين فرنسيين، ليس فقط في الأفلام الفرنسية، وليس فقط في أفلام الإنتاج المشترك مع فرنسا، أوروبية كانت أم أميركية، بل حتى في عدد لا بأس به من الأفلام الآسيوية... وكذلك في بعض أبرز الأفلام الأميركية، غير المرتبطة مبدئياً بالمال الفرنسي: في فيلم كوينتن تارانتينو («أوغاد سيئو السمعة»)، أو في فيلم «تيترو» لفرانسيس فورد كوبولا الذي يفتتح «أسبوعي المخرجين».أما نجم الغناء الفرنسي الأشهر جوني هاليداي، فإنه يبرز هذه المرة ممثلاً سينمائياً في فيلم «انتقام» لجوني تو... فيما يعيدنا فيلم التايواني تساي مينغ - ليانغ، «وجه» الى فرانسوا تروفو من خلال هذا الفيلم التكريمي له، الذي تمثل فيه الفرنسية ليتيسيا كاستا دور البطولة، الى جانب جان - بول ليو، ممثل تروفو الرئيسي في عدد من أفلامه الأساسية، وأناه الآخر في دور انطوان دوانيل. ومنذ «الضربات الأربعمئة» أول أفلام تروفو الكبرى وأول ظهور لـ «الموجة الجديدة» الفرنسية عام 1959، ما شكل - والبعد الفرنسي في هذه الدورة الحالية، دورة 2009، يتواصل - مناسبة لاحتفال صاخب ورئيسي بمرور 50 عاماً على ولادة «الموجة الجديدة» في مهرجان «كان» بالذات - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -، علماً أن حضور «عميد» السينما الفرنسية آلان رينيه، في المسابقة الرسمية لهذا العام، فتح الباب - الفرنسي أيضاً - لتكريمه في شكل مزدوج: من ناحية لإقدامه على خوض المباراة وهو يقترب من التسعين بفيلمه - العشب المجنون - وما يعني ذلك من حضوره الشخصي في «كان»، ومن ناحية ثانية لمناسبة مرور 50 عاماً أيضاً على تقديم فيلمه الروائي الأول الكبير «هيروشيما يا حبّي» في دورة 1959 للمهرجان نفسه - راجع، كذلك، مكاناً آخر في هذه الصفحة .

ريع المسابقة الرسمية

ماذا يقول لنا هذا كله؟ ببساطة حضور فرنسا الصاخب في المهرجان الفرنسي - العالمي الكبير: حضورها من خلال تاريخ موجتها الجديدة، التي تكاد تكون الى جانب تيار «الواقعية الجديدة» الإيطالية، أكثر التيارات السينمائية تأثيراً في سينما العالم... بل حضوراً حتى يومنا هذا، ونشاطاً (غودار، شابرول، اريك رومر... ناهيك برينيه الذي كان في الموجة وخارجها متفرداً، في الوقت نفسه)، وهذا الحضور شكل جزءاً أساسياً من معظم الحوارات التي أجرتها الصحف، حتى الآن، مع المشاركين في «كان» بمن فيهم ايزابيل هوبير نفسها التي قالت ان بداياتها تلت ظهور «الموجة الجديدة» و «اختفاءها»، وفرانسيس فورد كوبولا... الذي تحدث عن تأثره المبكر بالموجة.

وحضور فرنسا ليس تاريخياً فقط، بل هو معاصر وراهن، كما أشرنا، من خلال ممثليها الذين تأخذهم الآن مدارج العولمة، كما توظيف المال الفرنسي في سينما الآخرين، الى شتى بقاع الأرض وسينما العالم، فنراهم في الأرجنتين (فنسان غالو، مع كوبولا) وفي طوكيو (سيرجي لوبيز مع الإسبانية ايزابيل كواكسيت في «خرائط الصوت في طوكيو»، وفي السينما الصينية، والحرب العالمية الأولى («الرباط الأبيض» للنمسوي هاينكي) والحرب العالمية الثانية (فيلم تارانتينو)...

غير ان الحضور الفرنسي الأهم من هذا كله يبقى في المسابقة الرسمية، فإذا كان آلان رينيه يعود الى هذه المسابقة بعد عقود من الغياب مع فيلم روائي طويل هو «العشب المجنون»، فإنه لن يكون الوحيد، الفرنسي الذي قد يتعين على ايزابيل هوبير (كرئيسة لجنة تحكيم) مساندته عند مداولات اللجنة، ولو تكريماً لمكانته وزمنه السينمائي الطويل الذي بات يزيد على ستين عاماً... فهناك أيضاً فرنسيون آخرون في المسابقة الرسمية: هناك جاك أوديار الذي يتبارى بفيلمه «نبي» الذي يروي حكاية مهاجر من أصل مغاربي، يدخل السجن وديعاً هادئاً مسالماً، ليصبح بسرعة أحد كبار المتعاونين مع المانيا، داخل السجن وخارجه، وهناك «في الأصل» لكزافييه جانولي، الذي يتحدث عن نصّاب صغير، لا يتوقف عن الاحتيال على كثير من البشر... حتى اللحظة التي يجد نفسه فيها واقعاً في فخ احتياله. أما الفيلم الفرنسي الرابع في المسابقة الرسمية فهو «الفراغ فجأة» لغاسبار نوي الذي اعتادت دورات «كان» السابقة ان تستقبل كل أفلامه من سنوات، واعتاد هو أن يعود بجوائز، ولا سيما بفيلمه الغريب «لا يمكنه العودة الى الوراء» (2002). هذه المرة، يدور موضوع «الفراغ فجأة» في طوكيو من خلال حكاية عائلية... عن أخ وأخت يتعاهدان بعد موت الأب على عدم الفراق، لكن الموت يحطم تعهدهما... أما حفل الاختتام أخيراً، فسيكون أيضاً لفيلم فرنسي هو «كوكو شانيل وإيغور سترافنسكي» ليان كونين... وهذا الفيلم هو واحد من أفلام عدة أنتجت وتنتج حالياً عن حياة مصممة الأزياء وسيدتها الفرنسية في القرن العشرين.

لم نتحدث هنا، إذاً، سوى عن الأفلام الفرنسية المشاركة في المسابقة الرسمية، أو المختتمة لها... لكن في امكاننا مواصلة الحديث ليشمل حضوراً فرنسياً أساسياً في تظاهرات أخرى: آلان كافالييه المخضرم وفيلمه الذاتي جداً «ايرين» عن رحيل زوجته، ولوك موليه أحد ورثة «الموجة الجديدة» ومشاركته في تظاهرة «نظرة ما»، ثم روبرت غيديغيان وفيلمه «سلاح الجريمة» خارج المسابقة... ناهيك بنصف دزينة من أسماء أخرى... لكننا لن نفعل تاركين هذا الى رسائل أخرى، وإلا لاستهلكنا ما يزيد على حجم رسالة للحديث عن حضور فرنسي، بدأ منذ الآن يثير احتجاجاً وانتقاداً في أروقة المهرجان... فكيف به هنا!

الحياة اللندنية في 15 مايو 2009

 
 

تقارير من مهرجان كان 2009

البحث عن جمهور للسينما العربية في مهرجان كان

يستخدم بعض الموزعين العرب مهرجان كان للترويج لافلامهم

فؤاد البهجة/ مهرجان كان السينمائي ـ بي بي سي

بينما يخوض كبار المخرجين غمار المنافسة في مهرجان كان السينمائي سواء في المسابقة الرسمية او التظاهرات الموازية، وفي انتظار اطلالة المشاركة العربية الوحيدة في المهرجان وهي للفلسطيني ايليا سليمان وتحمل عنوان " الزمن المتبقي"، يتردد في اركان الأجنحة العربية لسوق الأفلام نقاش قديم جديد حول السوق العربية لتوزيع الأفلام والانتاج المشترك بين الدول العربية والأسباب التي أصبحت تدفع بعض شركات الانتاج للتوجه الى مهرجانات دولية كما هو الشأن بالنسبة لمهرجان كان لترويج أفلامها حتى في الأسواق المحلية.

سوق الأفلام

ومن بين هذه الأفلام "دكان شحاتة"، و"ابراهيم الأبيض" و"هيليوبوليس" وهي أفلام حمل منتجوها حقائبهم الى كان ليس للمشاركة في أي مسابقة رسمية او غير رسمية وانما للترويج لها في السوق الدولية للافلام التي تقام هنا كل عام موازاة مع أعمال المهرجان.

فهل يعتبر منتجو هذه الأفلام ان ما يعرضونه في السوق توافرت فيه المواصفات الكافية لدخول سوق دولية، ام انهم يخاطبون في الواقع السوق المحلية أيضا من خلال هذا المنبر الدولي؟

لا شك ان الاحتمال الثاني اكثر واقعية أو هذا على الأقل ما فهمته من حديثي مع عينة من المنتجين والمخرجين والممثلين، ومنهم الممثل المصري خالد ابو النجا الذي دخل مؤخرا تجربة اشتراك في انتاج في فليم هليوبوليس.

قال ابو النجا: "السوق العربية لتوزيع الافلام غريبة جدا وتاريخها أغرب، إذ كانت الأفلام العربية توزعها شركات عربية، أما اليوم فمع الاحتكار الذي تقوم به شركات أمريكية وغيرها، أصبح يسهل انتشار الأفلام العربية ليس فقط في الخارج بل في الدول العربية أيضا."

ولكن هل من الطبيعي ان تعتمد صناعة السينما العربية على مهرجانات دولية لتصل الى المشاهد المحلي؟ بالنسبة لخالد أبو النجا "الأمر طبيعي وانا اعتبر ان هذه المهرجانات وايضا المهرجانات العربية فرصة كبيرة لترويج أفلامنا".

أما المخرج اللبناني سمير حبشي الذي حضر الى كان للترويج لفيلمه "دخان بلا نار" وهو انتاج مصري لبناني فيعتبر ان حضور المهرجانات الدولية يغطي على النقص الكمي والكيفي للمهرجانات العربية التي لا تفتح أبوابا كثيرة على حد قوله.

ويقول حبشي: "ليس المهم ان يكون المهرجان عربيا أو دوليا، فالمهم هو ان يوفر لك فرصة الانتشار المطلوبة".

وسواء كان حضور مهرجانات دولية ككان بكل ما يعنيه ذلك من تكاليف باهضة بالنسبة لشركات الانتاج يدر على أصحابه ربحا يعوض تلك النفقات أم ان مشاركتهم في المهرجان تظل مشاركة رمزية فان عددا من المخرجين والمنتجين لم يخفوا اهتمامهم بالدعاية التي يتيحها لهم المهرجان والحصيلة النقدية الايجابية التي تستفيد منها أفلامهم بعد عرضها ولو في سوق موازية في كان، لا سيما إذا كانت أعمالهم مثار جدل أو نقاش حول قضايا مرتبطة بالرقابة، وهو سبب كاف في نظر بعضهم للبحث عن تزكية في الخارج.

فمن يتحمل مسؤولية الخلل في عدم وجود سوق عربية متينة لتوزيع الافلام العربية ربما تغني أصحابها عن مصاريف الدعاية في الخارج؟

يقول سمير حبشي: "إن الواقع الذي يشهده القطاع يعكس واقعا أشمل من عدم الانفتاح والتعاون بين الدول العربية، فالسينما وليدة العصر والبيئة، وبالتالي فان المشاكل السياسية والاقتصادية بين الدول العربية تنسحب على قطاع السينما أيضا".

وبين من يعتبر أن الحضور العربي في سوق الأفلام الدولية امر طبيعي بحكم مشاركة كافة الدول على اختلافها وتنوع تجاربها في هذه السوق وبين من لا يرى فيها سوى رغبة في تمكين الطواقم المشاركة من ممثلين ومخرجين من تسجيل حضورهم في مهرجان دولي مرموق والتقاط صور تذكارية، يبقى من المؤكد أن الاهتمام العربي بهذا النوع من المشارك يتزايد عاما بعد عام.

موقع "الـ BBC العربية" في 15 مايو 2009

 
 

شارل أزنافور يفتتح «كان» والمفاجآت لم تبدأ بعد

عثمان تزغارت

رغم الغنى والتنوّع الذي تشهده الدورة الـ62 من المهرجان العريق، إلا أنّ الأزمة العالمية انعكست على الفعاليات الاستعراضية والجمهور

كان كل شيء جاهزاً: السجادة الحمراء والبدلات الأنيقة والنجوم. بهذه الأجواء، افتتح المغني شارل أزنافور مساء الأربعاء رسمياً الدورة الـ62 من «مهرجان كان» بحضور نجوم وسينمائيين وممثلين على رأسهم إيزابيل هوبير التي ترأس لجنة التحكيم. المهرجان افتُتح بفيلم التحريك UP الثلاثي الأبعاد (إنتاج استوديو «بيكسار ـــــ ديزني») حيث يعير أزنافور صوته للشخصية الرئيسية في الفيلم. وكانت النظارات الخاصّة جاهزة، كي يستطيع الكلّ مشاهدة فيلم المغامرات الخفيف والمضحك.

إلا أنّ الدورة الـ62 اتسمت بالفتور في يوميها الأولين. إذ بدا واضحاً أنّ الأزمة مرّت من هنا. صحيح أنّ الأفلام المعروضة تُعد إحدى أخصب تشكيلات المهرجان وأكثرها تنوعاً مع حضور كبار السينمائيين، لكن الأزمة المالية ألقت بظلالها على النشاطات والفعاليات الاستعراضية التي تُقام على هامش المهرجان وهي التي تصنع خصوصيته وتميّزه.

هكذا، تراجع إقبال الجمهور مقارنة بالمعدّلات المعتادة وشمل الأمر أيضاً صنّاع السينما ومتتبعيها، إذ يدور الحديث في الكواليس، عن تراجع عدد المسجّلين رسمياً في المهرجان بنحو 20 في المئة. ورغم أن إدارة المهرجان لم تؤكد هذه الأرقام رسمياً، إلا أنّنا لمسنا ذلك في الكواليس وخلال العروض الرسمية الأولى التي قُدّمت أمس، بما فيها العرض الصباحي الأول الذي قُدِّم فيه «حوض الأسماك» للبريطانية أندريا أرنولد. فقد اعتاد الصحافيون، خلال الدورات السابقة ـــــ خصوصاً العروض الصباحية ـــــ على الاصطفاف في طوابير طويلة للظفر بمكان لمتابعة العرض. لكن العروض الأولى من هذه السنة خلت من أي زحمة.

وفي بداية الظهيرة، تأكدت تأثيرات الأزمة، إذ كانت حركة المرور على شارع الكروازيت، روتينية في عز وقت الذروة، فيما كانت السلطات مضطرة لإغلاق الشارع بالكامل، في السنوات السابقة، بسبب استحالة تنظيم المرور بمحاذاة قصر المهرجان.

بخلاف هذا التأزم الذي طبع الأجواء العامة للمهرجان، كان العرضان الرسميان اللذان قُدّما أمس في مستوى الثراء والتنوّع المرتقب من هذه الدورة. أندريا أرنولد التي كان فيلمها «حوض الأسماك» أول عرض رسمي في المسابقة، قدّمت عملاً آسراً يؤكّد التوقعات بتميز المشاركات النسائية هذه الدورة. ويروي الفيلم قصة مراهقة تدعى ميا، في أحد أحياء الضواحي اللندنية، تناضل من أجل تحقيق ذاتها، وتجد خلاصها في هواية الرقص. وكان لافتاً أن اللغة السينمائية لهذا الفيلم اتسمت بالمينيمالية، فكان الصمت أكثر بلاغة في أغلب مشاهده، ما يذكّر بسينما التركي نوري بيلج سيلان، الحاضر هذه السنة في لجنة التحكيم... فهل يزيد ذلك من حظوظ أندريا أرنولد في الفوز بإحدى جوائز هذه الدورة، خصوصاً جائزة الإخراج؟

أما السينمائي الصيني المشاكس لو ـــــ يي، فصوّر في «ليلة انتشاء ربيعية» قصة حب مثلية تدور أحداثها في المجتمع الصيني حالياً، في سابقة هي الأولى على الشاشة. اللغة البصرية المتقنة التي يتسم بها الفيلم وموضوعه الحساس، والروح المتمردة التي يشتهر بها مخرجه، دفعت بعض النقاد لترجيح حصوله على إحدى الجوائز الكبرى للمهرجان، رغم أنّ الوقت ما زال مبكراً لإطلاق هذا النوع من التكهّنات... فدورة هذه السنة تخبئ الكثير من المفاجآت والأفلام المميزة.

الأخبار اللبنانية في 15 مايو 2009

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)