كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

وضع عناوين المشهد الإبداعي في مصر على مدى نصف قرن.. ورحل

يوسف شاهين مجنون السينما وصانع الجمال من قسوة الواقع والتباساته

نديم جرجورة

عن رحيل

يوسف شاهين

   
 
 
 
 
 

لا يُمكن اختزال السيرة الذاتية/المهنية للسينمائي المصري يوسف شاهين بسهولة. فالأشكال الفنية التي استخدمها في تحقيق أفلامه متنوّعة، والأسئلة التي طرحها مزجت الفكر بالأخلاق وغلّفت السياسة بالبعد الإنساني للفرد، والأنماط الدرامية المستلّة من ثقافته الواسعة وبصيرته المُشعّة بهاءً، لعبت دوراً واضحاً في دفع السينما المصرية إلى التمعّن بأحوال المرء وشجونه ومعاناته، جاعلاً من التمعّن هذا مختبراً لتحليل البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية في مصر والعالم العربي. ثم إن استفادته من أحداث تاريخية لم تثنه عن التوغّل في ذاته: غرف من الأولى (الأحداث التاريخية) ما أعانه على مشاهدة الآنيّ بعين نقدية ثاقبة دفعته إلى التنبيه إلى مضامين الذاكرة الجماعية وقدرتها على المساهمة في فهم المسار التاريخي الذي أفضى إلى هذه اللحظة الآنيّة. وحوّل الثاني (التوغّل في الذات) إلى مرآة شفّافة لتاريخ شخصيّ مفتوح على مسار مجتمع وتحوّلاته. إنها مرآة قاسية ومليئة بالأسئلة التحريضية التي انطوت على بلاغة سينمائية مثيرة للدهشة والالتباسات الجمّة، في رحلتها داخل تشعّبات الأزمنة والجغرافيا والعلاقات.

لم يكن سهلاً التأقلم الدائم مع أفلام يوسف شاهين، الذي توفّي أمس الأحد بعد أسابيع طويلة أمضاها في غيبوبة تامّة، على الرغم من أن عدداً قليلاً منها صدم المُشاهد العربي وأسال حبراً كثيراً في محاولة مفتوحة على الاحتمالات كلّها لفهم مخازنها الفكرية والفنية والجمالية. لم يكن سهلاً التواصل مع أفلام شاهينية جعلت الصورة احتكاكاً مباشراً مع التفاصيل التي تصنع اللحظة وأسئلتها، وذهبت بالنسق الدرامي في الكتابة البصرية إلى تخوم معقّدة تتيح للمهتمّ فرصة إعمال العقل بعد جذب الانفعال إلى جنون الإبداع وقسوته في التعبير. ذلك أن بعض تلك الأفلام (أي القلّة الشاهينية في اللائحة الطويلة لأعماله) هو نفسه الأهمّ والأجمل والأكثر تحريضاً، وهو نفسه الذي سطع مدوّياً في فضاء السينما العربية، معيداً للسينما حيويتها في صنع جمال مختلف استلّه المخرج من بشاعة الواقع وقسوة الأزمات والتباس العلاقات الإنسانية، ضاخّاً فيه ملامح من وجع النكبات وفرح الانتصار من داخل الهزيمة. بمعنى آخر، لم تكن الأفلام الشاهينية كلّها ذات سوية واحدة من البلاغة والجمال والقوة البصرية في انتزاع المرء من غفوته ودفعه إلى أقصى التشنّجات العصبية والفكرية والانفعالية. ذلك أن هذا النوع قليلٌ في لائحة أعماله التي بدأ إنجازها في العام ١٩٥٠ بفيلم »بابا أمين«: هل لأن قوّة الإبداع عاجزة عن إعلان حيويتها وبراعتها في تحقيق الصنيع الفني بشكل متتال، أم لأن نزق المخرج والتزاماته الحادّة قضايا الناس والمجتمع والذات أرهقته في بحثه اليوميّ عن أجوبة شافية؟ هل لأن »عبقرية« الرجل دفعته إلى اختبار التمارين السينمائية المختلفة، فظهر العاديّ بوفرة مانحاً الأهمّ سينمائياً ودرامياً وثقافياً فرصة استقطاب المهتمّين إلى المُشاهدة الهادئة للغليان الذاتيّ والإنساني المعتمل في شاهين نفسه كما في أفلامه تلك، وإلى ممارسة أقصى الاستنفار لمتعة التحليل وغواية الغرق فيها، أم لأن التنويع في الشكل والمضمون لم يُسعف السينمائي في ابتكار الأجمل والأهمّ دائماً؟

محاسن الالتباس

لعلّ يوسف شاهين أكثر المخرجين المصريين والعرب (إن لم يكن الوحيد بينهم) إثارة للتساؤل النقدي، واستخداماً ناجحاً للالتباسات كلّها. فهو، في سني نشاطه السينمائي الممتدّ على مسافة سبعة وخمسين عاماً، شكّل حالة من الغموض في علاقة أفلامه بالناس على مستوى المُشاهدة أساساً (»العصفور«، »باب الحديد«، »اليوم السادس«، »ثلاثية الاسكندرية« وغيرها). لكنه نجح في أن يكون سينمائياً شعبياً عندما بسّط الشكل السينمائي من دون أن يتغاضى عن محاسن الالتباس في نصّه. وهو، بتنويعاته المختلفة في قراءة اللحظة، مكّن قارئ أفلامه ومشاهدها من ممارسة لعبة مجنونة، قضت بضرورة أن يصطدم القارئ/المُشاهد بجدار مرفوع بينه وبين بضعة أفلام سطّرت معالم النصف الثاني من القرن العشرين، بهدف التمرّن على كيفية التغلّب على الذات أمام سطوة إنجازاته. فهل صحيح أن الأهمّ كامنٌ في الطريقة التي يروي شاهين بها حكاياته، وهي طريقة فريدة من نوعها كما وصفها المنتج الفرنسي الراحل آمبير بلزان ذات مرّة، مشيراً إلى أنه لا يجد سينمائياً آخر غيره لديه »مقاربة جمالية واجتماعية وسياسية مبتكرة إلى حدّ كبير«، أم أن المميّز فيها (الأفلام) متمثّل بـ»حيويتها وتعدّدية خطوطها الحكائية، والتنوّع الذي يولّد شعوراً بالغليان«، كما قال أندره تشيني عنه؟ ألم يخلق شاهين فضاء خاصّاً به من خلال تلك الالتباسات والغموض، في أفلام وسمت التاريخ السينمائي العربي بفرادة الاشتغال على معنى العلاقة بين الصورة والحياة من خلال مزج الفكر بالسرد الحكائي الدرامي، وتحويل النصّ التاريخي إلى لحظة آنيّة، وجعل المجاميع الضخمة نبضاً فعّالاً في توظيف التقنيات في خدمة الدراما، من دون أن يتخلّى عن تبسيط وجده ضرورياً، فآثر الاستعانة بأقلّ قدر ممكن من الإشكاليات البصرية المصنوعة في غرفة التوليف تحديداً، كي يذهب بسينماه إلى فئات أوسع من الناس أراد التواصل معها في رحلة بحثه الدائم عن المعاني المتعلّقة بالحياة والبيئات المختلفة لهؤلاء الناس؟

مرآة ذاته

قد يكون أفضل وصف لهذا المشهد الشاهيني ما قاله بلزان أيضاً، المنتج الفرنسي الذي عمل معه مراراً: »يستطيع شاهين أن يصنع أفلاماً بإخراج ضخم ويقول ما يرغب في قوله. يستطيع أن يكون لديه خطاب سياسي قريب جداً من بلده وأن يتحدّث عن المفارقات التاريخية في العلاقات القائمة بين الدول المتطوّرة والنامية«. يُمكن إضافة مسألة أخرى: يستطيع شاهين أن يصنع من الفيلم مرآة حقيقية لذاته هو كي يعيد صوغ معالمها على مشرحة نفسية وثقافية وروحية، وفي الوقت نفسه يجعل من هذا التشريح البصري نافذة للإطلالة على المعالم الأوسع للحياة والذاكرة والتفاصيل الجانبية التي تساهم غالباً في صنع معنى للعيش: إنه »من السينمائيين العرب القلائل جداً الذين استطاعوا الحديث عن أنفسهم وهمومهم وهواجسهم الذاتية من دون الابتعاد عن هموم الوطن والمجتمع«، كما قالت سعاد شوقي كاتبة سيرتيه الذاتية والفنية، التي أضافت أن الهمّ الذاتي عنده يلتقي الهمّ الموضوعي بلا أي افتعال فيؤلّفان معاً »نظرة نقدية ثاقبة وحادّة للواقع الاجتماعي والسياسي«. يستطيع أن يصنع سينما أثارت شهيّة حقيقية لالتهام الصورة ومحاولة فهم دلالاتها، وأن يستخدم شتّى الأنواع كالدراما الاجتماعية والتحليل النفسي والخيال العلمي والسجال النقدي السياسي والثقافي والمجتمعي، مستفيداً من الرقص والموسيقى والغناء والتاريخ ما يبلور خطابه السينمائي ويدفعه إلى تخوم أوسع من المُشاهدة الحيّة.

تشعبات الألم

هناك من يعتبر التسعينيات المنصرمة محطّة تراجع جمالي ودرامي في المسار السينمائي الشاهيني، على الرغم من أن شاهين أنجز، في العام ،١٩٩١ فيلماً قصيراً بعنوان »القاهرة منوّرة بأهلها«، ثم أخرج مسرحية »كاليغولا« لألبير كامو في »الكوميديا الفرنسية« بعد عامين. لكن الفيلم القصير هذا يُعتبر من أجمل الأفلام وأقدرها على التأثير في النفس والعقل، لتوغّله في معالم بيئة إنسانية بلغة شفّافة وواقعية وهادئة، في مقابل الغليان المتفشّي في شرايين هذه المدينة وناسها. أما »كاليغولا« ألبير كامو، فأعاد شاهين إلى عالم المسرح الذي طالما دغدغ أحلام الفتى الإسكندرانيّ المسافر إلى الولايات المتحدّة الأميركية كي يدرس فن الدراما قبل أن يجد في الفن السابع طريقه في الحياة والإبداع. غير أن التراجع في ابتكار الأشكال السجالية والغامضة والملتبسة بدأ في منتصف تلك العشرية مع »المهاجر« (١٩٩٤)، الذي اعتبره البعض آخر تحفة سينمائية شاهينية، وأول ثلاثية ثانية يصنعها مخرج »ابن النيل« (١٩٥١) و»جميلة بوحيرد« (١٩٥٨) و»بياع الخواتم« مع الأخوين الرحباني وفيروز (١٩٦٥): إذا تناولت الثلاثية الأولى (باتت رباعية عندما ألحقها بفيلم رابع بعنوان »إسكندرية.. نيويورك« أنجزه في العام ٢٠٠٤) سيرته الذاتية المنفتحة على التاريخ العام بشكل أو بآخر، فإن الثلاثية الثانية المبتدئة بـ»المهاجر«، والملحقة بـ»المصير« (١٩٩٧) و»الآخر« (١٩٩٩)، وضعت الأصولية على المشرحة، وجعلت العلاقة بالآخر محوراً بارزاً في فهم الصدام الحاصل في العالم بين القوى الظلامية والحركة التنويرية. وعلى الرغم من أهمية الموضوع المنفتح على مسائل الانشقاق بين الحضارات والديانات، إلاّ أن سؤال بداية التراجع الجمالي والفني والدرامي طُرح بقوّة، لأن ما حصل لاحقاً عكس صوابية هذا الرأي، من دون التغاضي عن أهمية مضامين درامية متفرّقة ظلّ يختارها ويُعالجها لغاية فيلمه الأخير »هي فوضى« (٢٠٠٧)، الذي وافق على أن يوقّع خالد يوسف اسمه إلى جانب اسمه كمخرجَين له. لا يعني هذا أن الأفلام التي حقّقها قبل »المهاجر« اتّسمت كلّها بسوية إبداعية متكاملة، إذ إن المطّلع على السياق التاريخي يجد سريعاً أن قلّة من أفلامه شكّلت عناوين ثابتة في المشهد الإبداعي: »صراع في الوادي« (١٩٥٤) و»باب الحديد« (١٩٥٨) و»فجر يوم جديد« (١٩٦٤) و»الأرض« (١٩٦٩) و»عودة الابن الضال« (١٩٧٦). هناك أيضاً ثلاثيته الأولى: »إسكندرية ليه« (١٩٧٨) و»حدوتة مصرية« (١٩٨٢) و»إسكندرية كمان وكمان« (١٩٨٩). بالإضافة إلى »الناصر صلاح الدين« (١٩٦٣) و»الناس والنيل« (١٩٦٨) و»الوداع يا بونابرت« (١٩٨٤)، و»اليوم السادس« (١٩٨٦) الذي لم يكتف بمنح المغنية داليدا إطلالة سينمائية أخيرة قبل انتحارها في الثالث من أيار ،١٩٨٧ بل توغّل في تشعّبات الألم والقهر والفقر ليصنع منها نشيداً للحياة، وكشف عن ملامح امرأة (داليدا) ذاهبة إلى حتفها، كأنه أراد تخليد ذلك الجمال المتّقد في عينيها ووجهها قبل أن تغيب في دهاليز القدر.    

يوسف شاهين لاعب الموت حتى رافقه

نديم جرجورة

عاد يوسف شاهين إلى القاهرة بعد تمضيته أسابيع عدّة في غيبوبة الألم والغياب في مستشفى باريسي، كي يجد سلامه الأخير الذي حصل عليه أمس الأحد، تاركاً في ذاكرة الدنيا أجمل معالم الأزمنة والتحوّلات. لعلّه أراد أن يلتحف أرض مصر قبل أن يذهب في رحلته الأخيرة. لعلّه سئم شيخوخة أضنته، مع أنه حوّل الشيخوخة إلى نبض حيّ للعيش، وجعل الكاميرا شرياناً لا ينضب. لعلّه حقّق أمنية الغرق في تراب أرض أنجبته على المدى الواسع للحياة والبحر والأفكار. عاد إلى القاهرة من دون أن يفتح عينيه، ومن دون أن ينبس بكلمة واحدة. ربما لأنه لم يشأ أن يُعكّر مزاج الناس. أو ربما لأنه وجد في الصمت ملاذاً يقيه وجع الحياة وبؤسها. أراد بعض هدوء، أو نتفاً من سكينة. فالمرض قاتل،

والدماغ متعبٌ، والجسد مثقل بألف همّ. لعلّه أراد شيئاً من حميمية اللقاء مع الذات، قبل أن يُغادر الدنيا. العمر ثقيل في أحـــيان كثيرة، مع أن المخرج أقوى من أن يغلبه العمر، وأشدّ من أن يدفعه إلى راحة. غير أن القدر حــاضرٌ دائماً، والمخرج يُتقن فنّ التـــلاعب معه قـبل أن يسمح له بمرافقته في تلك الرحلة الأخــيرة.

عاد يوسف شاهين إلى القاهرة، التي صنع عنها واحداً من أجمل أفلامه القصيرة (القاهرة منوّرة بأهلها)، قبل أن يرحل نهائياً. تُرى، بماذا كان يُفكّر في غيبوبته؟ بماذا كان يشعر وهو ممدّد على السرير من دون حراك؟ سيقولون إنه وضع سيناريو جديدا، وطرح أفكاراً أخرى للنقاش قبل تحويلها إلى أفلام. فهو لم يهدأ يوماً واحداً، ولم يتعب، ولم يتوقّف عن العمل والعيش. حرّك مصر بسجاليته الدائمة، وأثار العالم العربي بمواقفه الحادّة التي التزم بها قضايا الفرد في المجتمع والسياسة والحياة والعلاقات والحرية. اخترق العالم الغربي بأفلامه الطارحة ألف سؤال وسؤال عن العلاقة بين الغرب والشرق، وعن الناس، وعن الحكايات المنسوجة برحيق العمر وتعب الأيام. ثمانية وخمسون عاماً في السينما، شكّلت عالماً بديعاً من الأسئلة والالتباسات الجميلة، وطرحت منابر متألّقة في المشهد الإنساني والإبداعي. ثمانية وخمسون عاماً انتهت أمس، فإذا بالاستديو يلتهب بأضواء الحرية والجمال، وإذا بالكاميرا تذرف دمعة واحدة، كي تستعيد ألق ذاكرة وحيوية رجل حافظ على طفولة طيّبة، وشـــباب نضر، وشيــخوخة أكثر شباباً من أي وقت مضى.

السفير اللبنانية في 28 يوليو 2008

 
 

فقدناه.كان الفن طريقه للخلاص

تنويعات على اللحن "الشاهيني"..

العزلة سجن طويل والفن طريق الخلاص

بقلم أمل الجمل

"أُخرجوا من رأسي جميعاً, سوف أُعبر عما أُريد بالطريقة التي أُريد." لم تكن هذه الكلمات سوى صرخة المخرج "يوسف شاهين" في مهرجان قرطاج الثالث أثناء مناقشة فيلم "الاختيار" 1970, كما سجلها الناقد السينمائي "سمير فريد". الجملة السابقة على قصرها يُمكن قراءتها على أكثر من مستوى. أعمقها هو البعد الإغترابي للمخرج, وثانيها أن "شاهين" في ذلك الوقت لم يكن ما يُؤرقه هو البحث عن ذاته, أو تحديد نفسه كفرد. لكن ربما كان شاغله إقامة علاقة مع المجتمع بشروطه هو, وليس بشروط هذا المجتمع. وهو ما تُفصح عنه بوضوح كلمات "جو", وما تُؤكده شخصيته وأعماله على مدار مشواره وتاريخه السينمائي.

في البعد الأول تبدو واضحة تلك العلاقة المربكة المتوترة بينه وبين النقاد في جميع أفلامه. النقاد الذين وصفوه بأنه مخرج لا يفهم شيئاً عندما عُرض "باب الحديد", وبعد ثمانية عشرة عاماً قالوا أنه فيلم "تحفة", وأحد العلامات في تاريخ السينما المصرية. النقاد الذين هاجموا بقسوة فيلمه البديع "اليوم السادس", ووصفوه بأنه هلوسة هستيرية لا مثيل لها. رغم أنه من أجمل وأهم أفلام الفانتازيا الواقعية, والاستعراضية التي قدمها "شاهين". كان الهجوم على الفيلم وبطلته "داليدا" مليئاً بالعنف, ربما بسبب التحيز لنجمات السينما المصرية, خصوصاً إذا كانت موهبتهن في ثقل موهبة "فاتن حمامة" و"سعاد حسني", و"نادية لطفي" اللائي رُشحن للدور ولم تحصلن عليه.

ظاهرياً لم يكن الإغتراب هو اللحن الأساسي في أعمال "شاهين" السينمائية. لكن الكلمات تُعلن بوضوح في بعدها الأهم عن رفض شبح الإغتراب عن الذات "الشاهينية". و"الإغتراب" كما عرفّه عالم النفس الألماني "إيريك فروم", 1900 ـ 1980, في كتابه "فن الحب" ـ ترجمة مجاهد عبد المنعم عن دار الكلمة ـ "عندما يعيش الإنسان في تجربة يجد نفسه قد أصبح شيئاً غريباً عن نفسه.. أصبح وحيداً منفصلاً.. فالانفصال يعني اليأس والعجز عن الاستحواذ على العالم بشكل فعال, أن العالم يستطيع أن يحاصره بدون قدرة من جانبه على رد الفعل إزائه. وذلك يجعل من وجوده المنفصل سجناً لا يُطاق. وقد يُصاب بالجنون إذا لم يُحرر نفسه من هذا السجن وينطلق."

الفن طريقه للخلاص

منذ طفولته حاول "شاهين" قهر انفصاليته وترك سجن عزلته الذي تمثل في الفقر, وفي شكله غير الوسيم ـ بمقاييس الأربعينيات ـ وفي تلبية رغبات العائلة وأحلامها في الصعود الطبقي, في أن يُصبح ابنها مهندساً. ظل "يوسف" يُنقب عن وسيلة للإندماج في مجتمعه الأصغر والأكبر. أجاد الرقص ليجذب إنتباه زملائه, وسرعان ما أخذ يبحث عن وسائل آخرى ليُثبت لهم أنه متفوق. لجأ إلى أعمال "شكسبير" خصوصاً "هاملت". أخذ يُدرب نفسه على التمثيل. أتقنه ونال إعجاب زملائه فقضى مؤقتاً على الفارق المادي بينه وبينهم. أدرك "شاهين" أن الفن هو طريق إلى الخلاص, هو سبيله لتحطيم قضبان سجن عزلته. لكن ماذا يفعل مع أوهام عائلته هل يستسلم لها ؟! يقول "شاهين " ـ في حوار مع المخرجين "محمد ملص" و"عمر أميرالاي" ـ "أنه أصبح الشخص الذي يريده الآخرون أن يكون. لذلك وجد أنه غير راض عن نفسه لأنه تنازل.. ولأنه كبت الشخص الذي كان يريده حتى يظهر على الصورة التي ينتظرها الآخرون.. لكن هذه الشخصية لم تعد تُعجبه.. أراد أن يعيش شخصية "يوسف شاهين" الحقيقي." ربما لذلك قرر المراهق ذي الثمانية عشر عاماً التضحية بآمال الأسرة وتحطيمها على صخرة عناده, وسافر إلى أمريكا لدراسة فن التمثيل. لكنه هناك وجد سجن آخر يُعد له. عُزلة آخرى شُيدت جدرانها من ملامحه غير الجميلة, إذ لا يمتلك وسامة نجوم هوليوود, فقرر أن يتحول إلى الإخراج. لكن هل تقبل "يوسف" ذلك بسهولة ؟! أم شعر بالخوف من أن يكتسب ذاتاً جديدة زائفة ؟!. الإجابة عنده هو وحده. لكنه ربما حاول أن يُرضي نفسه بأن قرار الإخراج جاء بمحض إرادته وباختياره. أقنع نفسه أن المخرج أكثر أهمية من الممثل, أن اسمه سيتصدر "الأفيش", أن الفيلم سيُنسب إليه وليس للنجوم, فالممثل في نظره مجرد قطعة إكسسوار. ربما أيضاً لذلك كان "شاهين" يُنقب باستمرار عن وجوه جديدة يصنع منها نجوماً, ليُؤكد للجميع أن هو الذي صنع هؤلاء النجوم, خصوصاً أن كُثر منهم لم يسطع نجمهم بعيداً عنه.

من أجمل المشاهد في تاريخه السينمائي والتي تُؤكد رأيه السابق الدقائق العشر الأخيرة في فيلمه الخطير "العصفور" 1972. وترجع أهمية وخطورة هذا الفيلم إلى أنه لم يكتفي بالاعتراف بوجود هزيمة عسكرية, لكنه أزال النقاب عن هزيمة داخلية ـ إجتماعية ـ أعمق وأشد وطأة, وأنه فتح أحد ملفات الفساد المتعلقة بتجربة القطاع العام في مصر كاشفاً عن تورط كبار رجال الأعمال وعدد من رجال الأمن وبعض المسئولين في الحكم فيها, لم يكن الفيلم يناقش أسباب هزيمة 67 العسكرية بقدر ما يكشف عما يحدث في مصر الآن, فهو يناقش أسباب نكستها الحضارية في الألفية الثالثة, ويُقدم تفسيراً لتراجع دورها السياسي والثقافي الريادي في المنطقة العربية. الشريط السينمائي بقدر ما يحمل من إدانة واتهام بقدر ما يُحاول تنبيه الناس وإيقاظ وعيهم قائلاً: إبحثوا عن اللصوص الشرعيين.. إنهم سبب هزيمتنا, والحصن المنيع أمام تقدمنا.

إبداع المخرج والمونتاج

تبدأ الدقائق العشر الأخيرة من الفيلم بتقطيعات سريعة متتالية لاهثة مثل أفكار تُومض كالبرق في ذهن يضطرب بالخواطر. وبينما نسمع صوت المذياع وهو يُعلن قرار وقف إطلاق النار في ليلة العاشر من يونيو 67 نرى الشيخ "أحمد" يسير كالتائه بين الناس في الشارع ويقطع سيره لقطات مثل الفلاشات الخاطفة للشيوخ في المساجد وآخرون يخطبون على المنابر. ثم نرى "علي" الضابط من بين الأكواب والعربات وهو يسير في الشارع متشذي كالأشلاء, وينتقل المخرج بينه وبين لقطات خاطفة لجروح أخيه يُصاحبها صرخات أغنية تدوي بالآهات.

على مدار أحداث الفيلم كانت شوارع القاهرة مزدحمة بالناس. لكن في اللحظات التي سبقت خطاب التنحي وتمهيداً لإعلان الهزيمة جاءت الشوارع تنطق بالصمت الموحش, وتخلو من نبض الحياة كأنما حلق الموت فوق المدينة. ينتقل المخرج من مقهى خالي من الرواد, إلى الشوارع وهى خالية إلا من كفيف يصحبه طفل رث الثياب ـ وهى صور لا تخلو من رمزية موجعة ـ إلى صفحة مياه النيل الساكنة من أي حركة, إلى واجهات العمارات ـ في ثلاث لقطات طويلة عبر تصوير مُوحش مُقبض ـ بنوافذها المفتوحة وشرفاتها الخالية من السكان يكسوها رداء الموت, إلى "صالة" إجتماعات كبيرة تجمهر فيها الشباب ملتفين حول المذياع في صمت ينتظرون بدء الخطاب, إلى بيت "بهيّة" حيث يجلس الجميع أمام التليفزيون, فنُعيد قراءة كلمات الرئيس على الوجوه الواجمة, إلى لقطة مقربة جداً نرى فيها أصابع يد "جوني" وهى تدخل إلى الكادر الخالي وتحاول أن تتشبث بالحائط. استفاق "جوني" من سُكره على حديث "عبد الناصر" عن الأوقات الصعبة وتحمل المسئولية, وبكي الشيخ "أحمد" وتعالى نشيجه مُردداً: "يانهار أسود لازم انهزمنا وإحنا مش داريانين." وصرخت "بهية" "حنحارب" واندفعت إلى الشارع. كانت صرختها مثل البوابة التي فُتحت لينطلق عبرها فيضان من البشر كانوا مثل المياه المحبوسة احتجزوها خلف سد لسنين طويلة وفجأة أفرجوا عنها, فاندفعت مثل الشلال, ثم ذلك العصفور الذي أطلقوا سراحه فانطلق يُحلق عالياً بجناحيه فوق الجماهير.

التسامح الديني

حاول كثر تبرير فكرة التسامح سواء الديني أو الحضاري في عدد من أفلام "شاهين" فقالوا أن تكوينه تأثر الأسكندرية ـ مكان مولده في 25 يناير 1926ـ حيث تتمتع تلك المدينة بخصوصية حضارية, فهي مدينة ساحلية ومنفتحة على العالم تجاريا وثقافيا, كما أن عدد كبير من اليهود واليونانين, والإيطاليين أقاموا بها. وطبعاً الحقيقة التاريخية لا يُمكن إنكارها. لكن هذا التفسير يركن إلى منطق مغلوط, ويعمد إلى خلط الأوراق. لأن أول فيلم أخرجه "شاهين" كان "بابا أمين" عام 1950, وعلى مدار تسعة وعشرين عاماً لم يظهر هذا التسامح الديني أو الحضاري في أفلامه إلا بدءاً من فيلم "أسكندرية.. ليه؟" و"الوداع يابونابرت" وظل يصاحب أفلامه التالية وآخرها "أسكندرية نيويورك", إذ لانعرف هل فيلمه الجديد يتحدث عن التسامح أم لا.

جاء فيلم "اسكندرية ليه؟" عام 1979 متوازياً مع اتفاقية السلام ومعاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل. وليس في ذلك إدانة لـ"شاهين", لقد عبر "يوسف" عن رأيه وهذا حقه, ومن حقنا أن نتفق أو نختلف معه. لكن المشكلة ليست في فكرة التسامح الديني, كما أنها لست في اسكندرية ليه؟ فصورة اليهودي التي قدمها تتسم بالموضوعية وتاريخ اليهود في الأسكندرية يُؤكد ذلك. لكن ما يثُير مشاعر الغضب هو فيلمه "الوداع يابونابرت" ـ أول تجاربه في الإنتاج المشترك مع فرنسا ـ الذي يدعو للتسامح وإقامة الحوار مع المحتل المغتصب طالما أنه جاء ليُقيم معنا علاقة شاملة, علاقة عطاء وأخذ. في ذلك الفيلم كان "شاهين" مثل "الإيديولوجيون الذين كانوا يسوغون الاحتلال باسم "الحضارة" ومنهم "بونابرت" الذي برر الحملة على مصر باسم "الحضارة" ـ كما ذكر "فيصل جلول" في كتاب: مصر بعيون الفرنسيين ـ للالتفاف على أنصار التنوير الفرنسيين الذين انتقدوا الكولونيالية ودافعوا عن حق الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها."

كما أن مشهد المذبحة الشهيرة ـ في فيلم "عودة الابن الضال" 1976ـ بين أفراد عائلة "المدبولي", والذي لا ينجو منه إلا "إبراهيم" رمز المستقبل والجيل الجديد, ينسف ذلك المنطق المغلوط حول فكرة التسامح. فالمشهد الذي شارك المخرج في كتابته ـ والذي اعتبره كثر من أهم المشاهد في تاريخ السينما العربية ـ يقول بما لايدع مجالاً للشك أن استخدام العنف والدم هو السبيل الأوحد والأمثل للقضاء على فساد تلك العائلة "المتعفنة" كما وصفتها "فاطمة" المعادل الرمزي لمصر المغتصبة في الشريط السينمائي.

في أعماله تحرر المخرج القدير "يوسف شاهين" من السلطات التقليدية سواء كانت سياسية أو تجارية أو سلطة التقاليد أو العادات أو الأخلاق. لكن ظلت هناك سلطة آخرى كامنة في أعماقه جعلته في بعض الأحيان يغترب عن ذاته وعن فنه الحقيقي. هى سلطة ـ أو بالأحرى عقدة ـ الاشتراك في المهرجانات الدولية والحلم بالحصول على جوائزها. وهو أمر لا نلومه عليه, فلكل جواد كبوة. وقد أمتعنا بعدد من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية والعربية.

مدونة "سينما إيزيس" في 28 يوليو 2008

 
 

يوسف شاهين.... في ذمة الله

لمى طيارة

توفي صباح اليوم 27/7/2008 يوسف شاهين عن عمر يناهز 83 ، وفيما يلي آخر تحقيق نشر عنه في مجلة افروديت  

يوسف شاهين ... أنت أصل الحكاية كلها  

نالت أعمال المخرج يوسف شاهين شهرة عربية وعالمية أوصلته إلى صفوف مبدعي الفن السينمائي في العالم وأصبح اسمه يقارب بنجوم خلدت أسمائها من خلال أعمالها، ورغم إننا قد لا نكون متفقين معه في بعض أعماله السينمائية لأسباب كثيرة ،منها تطرقه لمواضيع قد نعتبرها ضمن المحرمات أو لدخوله جو السريالية والرمزية مما جعل الكثيرين يهجرون أعماله الفنية، رغم كل ما سبق يبقى اسم يوسف شاهين اسما لامعا في تاريخ السينما ليس فقط المصرية وإنما العربية والعالمية و سيخلد لرجل عظيم تعلم منه الكثيرون سواء كمخرجين أو كممثلين ، معظمهم يقول يوسف شاهين مدرسة يمكن أن تختصر لك سنوات من التجارب والخبرات ومن فاته العمل معه فاته الكثير .. إن عالمية يوسف شاهين وحصوله على جوائز وتقديرات عاليه دفعته إلى الاجتهاد أكثر فمنذ بداياته عام 1952 لم يتوقف عن العمل ..واليوم يوسف شاهين البالغ من العمر الثانية والثمانون ، منذ 15 حزيران 2008 وهو مصاب بنزيف متكرر بالدماغ دخل عل أثره في غيبوبة طويلة ، وحاليا هو موجود في باريس وتقول المصادر انه انتقل إلى المستشفى الأمريكي في العاصمة الفرنسية للعلاج

نرجو عند نشر الموضوع أن يكون قد أفاق من غيبوبته وعاد لنا ولفنه سليما معافى لان يوسف شاهين هو أصل الحكاية كلها و آخر ما تبقى من زمن العمالقة وإننا بغيابه عنا فنيا سنفتقد آخر مدرسة تملك قدرة الإبداع بأبسط الأدوات وأشدها وضوحا وتعبيرا

ولد يوسف جبريل شاهين في 21 يناير من عام 1926 في مدينة الإسكندرية من أصول لبنانية ، ورغم انتماءه لأسرة متوسطة لم يمنع هذا من أن تكون دراسته وحصوله على الشهادة الثانوية في أرقى المدارس الخاصة بالإسكندرية ألا وهي كلية فكتوريا Victoria College، بعد أن أتم شاهين دراسته الثانوية التحق بإحدى جامعات الإسكندرية ولكن قبل أن يتم سنته الدراسية الأولى انتقل إلى لولايات المتحدة الأمريكية وأمضى سنتين في دار باسادينا المسرحي Play House Pasadenaحيث تعلم صناعة الأفلام والفنون الدرامية .

وعند عودته إلى مصر ساعده المصور السينمائي Alvise Orfanelli للدخول في مضمار صناعة الأفلام ،فكانت أول أفلامه " باب أمين1950 " ثم تتالت الأفلام منذ ذلك العام

ولم تمر سنه تقريبا إلا وشاهين ينجز فيلما ، بدءا من " ابن النيل 1952الى المهرج الكبير 1953فـ سيد القطار 1952، .....وصولا لفيلم " هي فوضى؟2007"

" باب أمين 1950 " فيلم شاهين الأول كما ذكرنا سابقا كان أحد الأفلام المشاركة في مهرجان كان السينمائي الدولي ولكن هذا الفيلم اكتفى بشرف المشاركة ولم يحظ بأية جائزة حينها ، حتى جاء عام 1970 وكرم الفيلم بحصوله على الجائزة الذهبية في مهرجان قرطاج .

ثم توالت الجوائز على شاهين ففي عام 1978 حاز فيلم إسكندرية ليه؟ على جائزة الدب الفضي في برلين، وفيلم" إسكندرية ليه ؟" هو احد أفلامه الأربعة التي تروي السيرة الذاتية له والتي بدأها من حيث نشأ في الإسكندرية ومن ثم تبعتها حكاية " حدوته مصريه 1982" ثم "إسكندرية كمان وكمان 1992" انتهاء بالفيلم الرابع الذي يحكي عن رحلته لأمريكا لمتابعة دراسته من خلال فيلم " أسكندرية – نيويورك 2004"

في عام 1992 قام شاهين بعرض مسرحية كاليجولا للكاتب ألبير كامو والتي حققت نجاحا كبيرا ، في تلك الفترة تحديدا اهتم يوسف شاهين بالنبي يوسف ابن يعقوب عليه السلام فكتب فيلم المهاجر المستوحى من تلك الشخصية الدينية ولكن هذا العمل الذي بدأ بكتابته عام 1992 لم يتحقق تنفيذه حتى عام 1994، وقد لاقى الفيلم اعتراضات كثيرة لدى مرجعيات دينية أو غيرها على حد سواء ولكن ذلك لم يثني من عزيمة وإصرار يوسف شاهين لتقديم أعمال أخرى أثارت الجدل أيضا سواء في الأوساط الثقافية أو الدينية نذكر منها فيلم "المصير 1997 " الذي حصل على جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان في عيده الخمسين..وصولا لفيلم " هي فوضى ؟" الذي أنتج عام 2007 بمساعدة تلميذه المخرج خالد يوسف والذي سبق لمجلة افروديت أن خصصت صفحات للحديث عنه لما حمله من نقله نوعية في تاريخ السينما المصرية الحديثة من حيث الجرأة في الطرح والقوة في الإبهار .

قائمة بمجمل أعماله

  1. بابا أمين (1950)
  2. ابن النيل (1951)
  3. المهرج الكبير (1952)
  4. سيدة القطار (1952)
  5. نساء بلا رجال (1953)
  6. صراع في الوادي (1954)
  7. شيطان الصحراء (1954)
  8. صراع في الميناء (1956)
  9. ودعت حبك (1956)
  10. أنت حبيبي (1957)
  11. باب الحديد (1958)
  12. جميلة (1958)
  13. حب إلى الأبد (1959)
  14. بين أيديك (1960)
  15. نداء العشاق (1960)
  16. رجل في حياتي (1961)
  17. الناصر صلاح الدين (1963)
  18. بياع الخواتم (1965)
  19. فجر يوم جديد (1965)
  20. رمال من ذهب (1966)
  21. الأرض (1970)
  22. الاختيار (1971)
  23. الناس والنيل (1972)
  24. العصفور (1974)
  25. عودة الابن الضال (1976)
  26. إسكندرية ليه؟ (1979)
  27. حدوتة مصرية (1982)
  28. وداعاً بونابرت (1985)
  29. اليوم السادس (1986)
  30. إسكندرية كمان وكمان (1990)
  31. المهاجر (1994)
  32. المصير (1997)
  33. الآخر (1999)
  34. سكوت ح نصور (2001)
  35. إسكندرية - نيويورك (2004)
  36. هي فوضى (2007)


أفلام قصيرة هي:

  1. عيد الميرون (1967)
  2. سلوى (1972)
  3. انطلاق (1973)
  4. القاهرة منورة بأهلها (1990)
  5. كلها خطوة فيلم قصير (1998)

بقلم لمى طيارة / مجلة افروديت سوريا.... في ذمة الله يوسف شاهين ..للاسف توفي يوسف شاهين بعد نشر التحقيق ب عشرة ايام ..

مدونة "سينما سومر" في 28 يوليو 2008

 
 

عمار يامصر ..

يوسف شاهين مات وممدوح إسماعيل براءة

أحمد فايق ـ القاهرة

مازال يوسف شاهين قادر على الابداع ، مازال قادر على إثارة دهشتنا جميعا حتى يوم وفاته ، لقد قرر الاستاذ أن يموت يوم الاحد الماضى وتحديدا فى نفس التوقيت الذى قضت فيه المحكمة ببراءة ممدوح إسماعيل و6 من المتهمين فى نفس القضية ، عمار يامصر وأنتى قادرة على تحمل صدمتين فى يوم واحد ، الاولى رحيل الاستاذ والثانية  عجز أجهزتك الامنية فى الوصول إلى الجانى الحقيقى فى وفاة 1034 من خيرة ابنائك ، منذ اللحظة الاولى كنت أعرف أن ممدوح إسماعيل برئ وأنه مجرد كبش فداء لمجهول لا يعرفه أحد ، شاهين إستطاع أن يتحمل نكسة 67 ولم يستطع أن يتحمل نكسة العبارة "السلام" ، قرر أن يموت لانه لا أمل فيكى يامصر ، اصبحتى مثل المرأة اللعوب "دايرة على حل شعرك"، كل من هب ودب يفعل بك مايشاء ، عمار يامصر ....

لا أستطيع أن أنسى كلماته لى فى لقائى الاخير معه ، كان فى منزله بشارع 26 يوليو فى الزمالك ، منزله ما هو إلا صورة منه، ملامحه وتفاصيله تفرقت ما بين شقة في الدور الـ13 تطل علي النيل، وما بين لوحات صلاح عناني، وبار صغير يشرب فيه النبيذ والبيرة فقط، كل أنواع الموسيقي لديه «الريجي والبوب والراب والراي والروك والجاز» ، بالإضافة إلي شرائط الشيخ إمام ومارسيل خليفة وفيروز مكتب صغير يبدأ الكتابة عليه في الرابعة فجراً كما يفعل نجيب محفوظ قال: «تعلمت هذا من نجيب محفوظ الذي يشرب فنجان قهوة علي النيل فجر كل يوم ويكتب، بعد ذلك كان يذهب لمؤسسة السينما ومنها يتحول من مبدع لموظف، علشان كده احنا مش فالحين في حاجة، إفطاري خفيف مجرد سندوتش أذهب للمكتب في العاشرة صباحا وأجلس فيه حتي الواحدة ظهرا، عشائي خضار مسلوق علي البخار، زهقت من الموضوع ده خايف أتحول لأرنب!!، جنوني واضح في منزلي لا توجد فيه تفصيلة إلا ورسمتها بنفسي، أحُب تشيكوفسكي وكل المجانين مثلي، وأكره موتسارت والمعقدين أمثاله!!»

بينما أتحدث معه تركنى وذهب للبحث عن سيجارة وبدأ في التدخين، سألته بعد أزمتك الصحية الأخيرة لماذا لا تقلع عن التدخين ولماذا لا تحول المرض إلي صديق؟ أنت قادر علي هذا «خلاص أنا كده ولا كده ح أروح، ولست أنا الذي يتخذ القرار، المرض هو الذي يفعل ذلك، هو «دلعني» كثيراً وأعطاني جوائز"يقصد الله" ، حاولت أن أقلع عن التدخين ولكن فشلت، لم يُعد عندي إرادة في مواجهة المرض، ضحكت وقلت له: كيف تقول هذا وأنت قادم علي فيلم «جهنم» الذي يحتاج لإرادة وقوة أكبر «نحن الآن نعيش في جهنم من يقرأ مانشيتات الصحف والفساد السياسي الذي نعيشه، وبلطجية"الحزب الوطنى " يعلم أن جهنم موجودة بالفعل فى مصر وقتها كنت قد شاهدت فيلم "مملكة الجنة" للسير ريدلى سكوت ، وخرجت من قاعة السينما، وقفت في الشارع ضربت «تعظيم سلام» للجنرال «يوسف شاهين» ولما قابلته فعلت نفس الشيء يقول شاهين، الفيلم «فالت» من ريدلي سكوت ولم أستطع أن أعلم ما هو الصراع ما عرفتش «مين بيحب مين» أو «مين زعلان من مين» فيلمه بلا دراما فيلمه بلا مغزي، المغزي من فيلمي كان التصالح بين الأديان فوجئ لما سألته لماذا صلاح الدين عندك وعند ريدلي سكوت مثالي وهو لم يكن كذلك؟ قال.. «صلاح الدين ضمنيا» كان جمال عبدالناصر، وأنا لا أحب السادات الذي طلب مرة من آسيا أن يمثل في أفلامها قالت له: إنت أسود وشكلك وحش وما تنفعش، والواقع أنه كان ممثلاً جيداً، صلاح الدين إسطورة قريبة من جمال عبدالناصر وكان رداً علي اتهامنا بأنه لا يوجد لدينا تصالح في الأديان، وبعد ذلك صدمت في عبدالناصر وهذا وضح في «عودة الابن الضال» و«العصفور»، المشكلة لدينا هي كيف تختار الناس ..هل علي أساس ثقة أم علي أساس الخبرة؟هو اختار عبدالحكيم عامر علي أساس الثقة، وانهزمنا بسبب هذا، هل تعلم أن عبدالناصر كانت لديه نسخة من «الناصر صلاح الدين» أسفل السرير الخاص به، كلما زاره أحد يجعله يشاهد الفيلم، الآن أنا أستطيع أن أري أمامي.. ليس دجلاً ولكن رؤية مستقبلية: مصر علي حافة الفوضي وستكون أقوي مما حدث في لبنان، لأن رد فعل الشعب المصري أكبر من الفساد و«الكوسة» التي تحدث الآن الناس عندنا «مكبوتة» بشكل غير معقول.

تحدث معى عن عائلته التى تلخصت فى  ماريان خوري ابنة شقيقته وهي شجاعة كما يراها، وجابي خوري ابن شقيقته وهو «حدوته» لأنه إنسان كويس، وقال عن خالد يوسف ده ابني وأحبه حباً غير معقول، وبدأ في التطور وأصبح أفضل مني ولازم «أخرب بيته» خالد شاطر قوي قوي، وهو الوحيد الذي أخذ مني كل حاجة، وسيكمل مشواري في السينما صحيح لديه نزعات غريبة لكنه شاطر، وأحب يسري نصر الله وقال عن  البابا شنودة أنه كان رجلاً ثورياً، وأصبح الآن مع السلطة ولا أدري لماذا، وأضاف : أكره الإخوان المسلمين لأنهم اشتروا مني محسن محيي الدين، وعرضوا علي فنانة كبيرة 2 مليون جنيه ورفضت، وأحب الإسلام وتمنيت أن أكون مسلماً، لأن هذا الدين يستهويني شخصيا، وأحب شيخ الأزهر طنطاوي، أحب صوته وطريقته في الكلام، وهو من أقرب أصدقائي، وبداية حبي له حينما كنا نكتب سيناريو فيلم المهاجر وكانت هناك مشاكل حوله، قال لي الشيخ طنطاوي لماذا تكتب اسم بطل فيلمك باسم مستعار، أليست هي قصة سيدنا يوسف، إذن أكتب اسم البطل يوسف، ولم نستطع الوقوف أمام التزمت والتعصب في مواجهة الفيلم وغيرنا اسم البطل.

نعم هو يقرأ المستقبل تحدث عن الفوضى منذ ثلاث سنوات معى ، وهاهى الان تستشرى فى شريان الوطن ، تحدث عن رفضه مقاومة المرض وهاهو الان يرقد فى قبره بالاسكندرية ، تألم من التزمت الدينى فى الفن ، والسينما الان تتحول إلى عزبة للمتشددين دينيا ، يوسف شاهين مات ..ممدوح إسماعيل براءة ..عمار يامصر ..ماذا تريدين أن تفعلى بنا ثانية ؟ هل لديك المزيد يامصر ؟

مدونة "سحر السينما" في 28 يوليو 2008

 
 

حدث

رحـيل فارس التناقضات على ساحة السينما العربية

وداعا شاهين

* عمــاد النويــري

رحل يوسف شاهين وقبلها رحلت ذاكرته وغاب عن الوعي في مشهد سينمائي مؤثر لايختلف كثيرا عن المشاهد التي حفلت بها أفلامه. ومكث لمدة شهر غائبا عن الوعي وكأن وعيه يرفض ان يغيب. انتهى صراع شاهين مع نفسه بعد صراع طويل مع الأحباب والأصحاب والأصدقاء والأعداء والبسطاء والحكام. غاب أخيرا عن الوعي بشكل رسمي أعلنته الحكومة واحدا من أهم المخرجين العرب الذين أقاموا الدنيا وشغلوا الناس. وسواء شئنا أم أبينا، وافقنا او ترددنا في اعلان ذلك فان يوسف شاهين هو الأب الروحي للسينما العربية الحديثة، وهو المؤسس لهذه السينما على مستوى المضمون والشكل. شاهين هو المتمرد ضد جميع أشكال القهر وهو المؤسس لسينما الأنا التي تطرح مشاكلها الذاتية الفردية وتحاول ان تتواصل مع الآخر من خلال هذه المكاشفة، وتعانق حين تنطلق متحررة من أسرها، الوجود كله. السينما التي قدمها لنا شاهين عبر افلامه عالجت جميع الأنواع وتمثل لنا عالما يلتهم مظاهر الحياة كافة. قدم لنا الكوميديا؟ في «بابا أمين» والدراما الاجتماعية في «ابن النيل» والميلودراما في «نداء العشاق» والكوميديا الموسيقية في «بياع الخواتم» والدراما الملحمية في «صلاح الدين» و«المهاجر» و«وداعا بونابرت» والسينما الحديثة في «الاختيار» والفيلم الوطني في «جميلة بوحريد» كما قدم لنا فانتازيا السيرة الذاتية في «حدوتة مصرية» و«إسكندرية ليه؟» و«إسكندرية كمان وكمان» و«الاخر» وفي كل افلامه كان الموضوع الرئيسي هو الهوية.

إذا حاولنا الاقتراب من سينما شاهين فان المفردة السينمائية وهي اللقطة تعتبر أداة رئيسية وضرورية في البناء التقني، فاللقطة ليست مجرد جزء صغير من المشهد أو كادر فارغ من اي تشكيل، عند دراسة فيلم كعودة الابن الضال أو «إسكندرية ليه؟» أو «حدوتة مصرية» او حتى لو عدنا إلى الوراء وتناولنا «باب الحديد» فسنجد أن اللغة التي يرسم بها شاهين مضامين افلامه لغة سينمائية متقدمة تدل على استيعاب كامل لتقنية السينما، وقدرة على استخدام هذه اللغة لتقديم شكل فني متميز للتعبير عن مضامين فكرية مختلفة. ان هناك اختلافا شاسعا بين الصورة الجمالية لذاتها التي تبدو حسنة الصنعة والصورة الحية ذات الانفعال والتوتر الحقيقي التي وظفت لها المؤثرات كافة من إضاءة وظلال وحركة وإحساس. في فيلم «إسكندرية ليه؟» وفي المشهد الذي يقوم فيه يحيى بأداء دور هاملت في الفصل نجد أن الصورة السينمائية هنا تحتوي المنظور من جميع الجوانب والأبعاد وإذا كان للصور من بعدين رئيسيين هما الطول والعرض فان البعد الثالث وهو العمق ونادرا ما تعرفه السينما العربية يبرز هنا بشكل واضح. فعندما يبدأ يحيى بأداء المشهد يكون توتره عاليا منذ البداية وبالتالي فان الصورة السينمائية تكاد تكون كاملة مادام خلق الانفعال لدى البطل منذ البداية باستخدام التكنيك كحركة الزوم العنيفة ذات الاهتزاز الداخلي بالإضافة إلى القطع السريع المكثف والمتوتر على وجه يحيى ثم القطع السريع على وجه الأستاذ ثم العملية نفسها متكررة على وجوه يحيى والمدرس والطلبة. هذا التقطيع السريع الإيقاع مع إضاءة تبدو شديدة الحدة حينما تقطع الكاميرا على وجه يحيى وشاحبة تقطع على وجه المدرس والطلبة. هذا التلوين يخلق حالة التصعيد في الموقف الدرامي وبالتالي يزيد شحنة الانفعال والتوتر.

وفي «عودة الابن الضال» تمكن يوسف شاهين عبر اللقطات القصيرة ذات النفس القصير والتي تعتمد على التقطيع السريع الناعم حينا أخر من ان يقدم الأفكار في كوادر متميزة كما ولكانت لوحات تنبض بالحياة. وعبر مساحة الفيلم الزمنية كلها أتت حركة إيقاع اللقطات جذابة ومثيرة بفنيتها فالمشهد الذي يتواجه فيه إبراهيم وجده بخشبة طويلة يضعانها على انفهما ويدوران بها في هذا المشهد على سبيل المثال يبدو شاهين كما لو كان فنانا تشكيليا.

ونجد في «حدوتة مصرية» من الناحية الفنية لغة متقنة وهي صعبة للغاية، ففي مشاهد المحاكمة وفي المكان الذي وقف فيه الطفل يحيى «ضميره البدائي» كانت الخطوط الضوئية وحواجز وأبعاد الكادرات مرسومة بعناية فائقة.

ويمكن التوقف عند اكثر من محطة تميز في العديد من أفلام شاهين التي قدمها خلال رحلة عامرة وحافلة بالحياة.

ان أي مراجعة بسيطة لأفلام يوسف شاهين ولسينما يوسف شاهين إنما هي مراجعة عكسية في واقع الأمر للتاريخ العربي المعاصر منذ الخمسينات ولغاية يومنا هذا.

ويمكن إرجاء التناقض الملحوظ في سيرته السينمائية طيلة السنوات الأخيرة إلى السير المتعرج للعمل السياسي في الوطن العربي الذي خرج إلى العالم بمبدأ تطبيق الوحدة بمثل الطريقة التي أدت إلى نشوء عصر الانفصال وأخيرا التفتت الموجود في الوطن العربي الذي يعيش ازهى فترات انحطاطه.

ان أفلام شاهين  تحتاج إلى أكثر من مشاهدة لأنها أفلام تحرض - بعد استمتاعنا بقيمتها الفنية العالية وجماليتها الحديثة - على التفكير، وتحثنا على التغيير بجرأة مذهلة، وتعلمنا منظومة من القيم، لعل أهمها قيمتا التأمل والتسامح اذا كان هناك ما يدعو إلى التسامح.

يعود الابن الضال ليستريح

 ونقول وداعا ايها المخرج الكبير  


تاريخ حافل

القاهرة – خالد بطراوي

برحيل عبقري السينما المخرج يوسف شاهين، فقدت الساحة الفنية احد اهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية والعالمية، فهو صاحب اعمال رسمت ملامحها الفنية بخصوصية شديدة التوهج، فهو «ابن النيل» وصديق شخصي «للابن الضال»، تربطه بـ«جميلة بوحريد» علاقة حميمة.. عشق «الارض» واحب «بياع الخواتم».. تعلق بـ«العصفور».. وعندما زادت همومه ذهب ليلقي بها بين احضان شاطئ الاسكندرية الرحيب.. وعندما سألوه «اسكندرية ليه»!! اجاب: اسكندرية «كمان وكمان»، تلك هي «حدوتة» يوسف شاهين مع السينما المصرية.. وبالطبع هي «حدوتة مصرية» خالصة!!

ولد يوسف شاهين أو «جو» كما يحلو لاصدقائه ان ينادوه في الخامس والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) عام ١٩٢٦ في مدينة الاسكندرية لام يونانية واب من اصل لبناني يعمل محاميا امام المحاكم المختلطة، تلقى تعليمه الابتدائي في مدارس الفرير ثم انتقل الى المدرسة الانكليزية «فيكتوريا كولدج» حتى حصل على شهادة الـ«هاي سكول».. واخيرا قضى عاما في جامعة الاسكندرية.

وفي «باسادينا بلاي هاوس» بكاليفورنيا القريبة من لوس انجلوس في الولايات المتحدة الاميركية، تلقى يوسف يوسف شاهين دراسات السينما والفنون الدرامية لمدة عامين، وبعد عودته الى القاهرة عمل كمساعد للمخرج الايطالي الفيزي اورفانللي في فيلم «اصحاب العقول» بطولة بشارة واكيم وفوزي مينا عام ١٩٤١.

في سن الثالثة والعشرين كتب يوسف شاهين لنفسه اول سيناريو لفيلم سينمائي اصر ان يخرجه بنفسه وهو «بابا امين» مما اثار دهشة واشفاق السينمائيين المحترفين.. وانتظر الجميع النتيجة في فضول وكانت هذه النتيجة جيدة ورائعة.. قلب يوسف شاهين كل المعطيات التقليدية، فاقتحم ميدان اللاشعور.. ومنذ اول فيلم استطاع ان يكون له اسلوبه المميز وهو اسلوب مخرج رقيق.. مفرط في الحساسية.. فيه شاعرية العذراء عندما تحب وتتألم وتخجل. وقد اخرج يوسف شاهين، منذ بدأ مشواره السينمائي وحتى الآن، ٣٥ فيلما حاول من خلالها الخروج بالفيلم المصري الى مستوى عالمي.

اما ثاني افلامه «ابن النيل» (عام ١٩٥١) فيدل على مدى اهتمام يوسف شاهين باختيار اماكن التصوير الجميلة المريحة للعين.. ويعتبر فيلم «حب الى الابد (١٩٥٩) من اهم الافلام التي عالجت الجريمة.. وقد اهتم يوسف شاهين ايضا في افلامه بالصراع والرغبة، فقدم افلام «صراع في الوادي» و«صراع في المينا» و«شيطان الصحراء».

واقعية جديدة

ويعتبر فيلم «باب الحديد» (عام ١٩٥٨) نموذجا للواقعية الجديدة التي ترسمت خطى الموهبة الجديدة في السينما الايطالية، واستطاع ان يصور يوما كاملا في محطة باب الحديد حيث تتابع سلسلة من الاحداث: قصة حب، وجريمة قتل، وحالة جنون.. كما اهتم يوسف شاهين في افلامه بالكثير من القضايا، فقدم فيلم «نداء العشاق» (عام ١٩٦٠) استعرض فيه حياة الغجر من خلال مغامرة درامية طويلة ومعقدة، واهتم بالعلاقات الاسرية والانسانية، كما اهتم ايضا بالقضايا الوطنية فقدم فيلم «جميلة بوحريد» عام ١٩٥٨.. وتصدى فيه للصراع الجزائري الفرنسي.

وفي عام ١٩٦٤ هاجر يوسف شاهين لفترة عمل خلالها في لبنان حيث اخرج اول افلام فيروز «بياع الخواتم» ثم فيلم «رمال من ذهب» كانتاج مشترك بين لبنان واسبانيا، ثم عاد الى مصر ليبدأ رحلة النضج في افلام رسخت اقدامه كاول سينمائي عربي يدخل السينما العالمية.. افلام حكى فيها قصة مصر عبر مراحل تاريخها المعاصر من مصر الاحتلال الانكليزي الى مصر الناصرية الى مرحلة التمزق العربي!

اعتراف عالمي

وكان فيلم «الارض» بداية الاعتراف العالمي بالمخرج يوسف شاهين.. فعندما عرض الفيلم لاول مرة في مهرجان «كان» عام ١٩٧٠، وقف مدير القسم الفني في اليونسكو وقال: ايها الاصدقاء، لقد شاهدنا الليلة عملا سينمائيا عالميا رائعا سيدخل تاريخ الفن السينمائي!

لقد تحولت رواية عبدالرحمن الشرقاوي «الارض» الى رائعة هي قمة الواقعية بالسينما المصرية.. بعدما رسخت اقدام يوسف شاهين الفنية وبدأ طريقه الى السينما العالمية!

وخلال هذه الفترة، قدم يوسف شاهين افلاما مأخوذة من اعمال ادبية لكبار الكتاب مثل: نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وعبدالرحمن الشرقاوي وصلاح جاهين وحسن فؤاد ولطفي الخولي وغيرهم.. وهي افلام تتناول نقدا اجتماعيا سياسيا للنظام الذي افرز شخصية محمد ابوسويلم في فيلم «الارض» الذي يعتبر احدى العلامات البارزة في تاريخ السينما المصرية، ومنها فيلم «العصفور» (عام ١٩٧٤) الذي يعتبر ايضا من الاعمال القليلة التي وجهت نقدا حادا إلى السلطة السياسية.

اما المفاجأة في «اسكندرية – نيويورك» عام ٢٠٠٤ والذي تناول احداث ١١ سبتمبر التي وقعت باميركا، فهي ان هذا الفيلم هو الجزء الرابع من رباعية يوسف شاهين التي تقدم سيرته الذاتية وسبق ان قدم ثلاثة اجزاء منها هي افلام: «اسكندرية ليه، وحدوتة مصرية، واسكندرية كمان وكمان».

تجديد واختلاف

كان يوسف شاهين يسعى منذ اول افلامه «بابا امين» وحتى «هي فوضى» الى التجديد والاختلاف وتقديم اعمال استثنائية، ولهذا اصبح صاحب الاعمال الرائعة المتميزة التي اسهمت في اثراء الحركة السينمائية والتي من بينها افلام تعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية المبهرة.

ومما يذكر انه في استفتاء احسن مائة فيلم مصري الذي اجراه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لعام ١٩٩٦، بمناسبة مئوية السينما المصرية، حصل المخرج يوسف شاهين على المركز الاول برصيد ١٢ فيلما اختيرت ضمن المائة فيلم، هي: «الارض، باب الحديد، الناصر صلاح الدين، صراع في الوادي، اسكندرية ليه، العصفور، عودة الابن الضال، المهاجر، الاختيار، جميلة بوحريد، ابن النيل، حدوته مصرية».

كان يوسف شاهين يحيط اعماله بسرية تامة، ويتكتم تفاصيلها، ويمنع ابطاله من اجراء حوارات صحفية يتناولون فيها ادوارهم.. وكان يقول ان احب اعمال السينمائية اليه فيلم «باب الحديد» الذي اختير ليكون واحدا من اهم ٢٠ فيلما في تاريخ السينما في العالم، وفيلم «اسكندرية ليه» لان فيه جزءا مهما من حياته، وايضا فيلم «المصير» لان فيه خلاصة تجاربه.

اهم ما يميز المخرج يوسف شاهين انه على الرغم من المتاعب الصحية التي كان يواجهها فإنه ما ان يبدأ التصوير حتى ينسى جميع آلامه ويتحول الى شاب في العشرين من عمره ويؤدي حركات استعراضية وتمثيلية تتطلب مجهودا كبيرا.

حوار وتحريض

تاريخ المخرج يوسف شاهين الذي اكتشف النجم عمر الشريف، والذي اكتشف ايضا العديد من الممثلين والممثلات، حافل بالعديد من الجوائز والمشاركات الفنية حيث كان رابع مخرج سينمائي عالمي يكرمه مهرجان «لوكارنو» السينمائي الدولي التاسع والاربعون الذي اقيم في سويسرا عام ١٩٩٦، وقد تم اعداد موسوعة لجميع اعماله (٣٥ فيلما طويلا و٥ افلام قصيرة) عرضت خلال فترة المهرجان.

كما نال يوسف شاهين درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة «بروفانس» الفرنسية في مرسيليا عام ٢٠٠٢، وهي الدكتوراه الفخرية الثالثة في حياة «جو» الذي وضع اسمه بحروف من ذهب في قائمة من اهم مخرجي السينما في العالم.

رحل يوسف شاهين عن عالمنا بعد ان اثرى حياتنا العربية ومجتمعها بالصخب والتمرد والحوار والتحريض من خلال مجموعة من افلامه في مرحلة نضوجه الفكري وامتلاكه للغة السينمائية الخاصة به وبعالمه «المجنون» ولعل اشهر ما قاله في حياته قوله انه لم يدرك اهمية المجتمع والسياسة في حياته السينمائية الا متأخرا.. ولهذا نجد هذا التفاوت الفكري الكبير بين افلامه الاولى وافلامه التالية لها في مرحلة النضج، وتأكيده في هذه المرحلة على انه ليس مخرجا للتسلية.

فارس وتاريخ

يذكر انه – رحمه الله – اتخذ موقفين مختلفين ولكن متسقين مع طريقة تفكيره جاء ذكرهما في حلقات برنامج «ساعة صفا» مع صفاء ابوالسعود سجلتها معهه في مهرجان فينسيا اثناء مشاركة بفيلم «هي فوضى» عندما قال انه لا يحب فريد الاطرش ومع ذلك فقد قبل ان يخرج له فيلمي «انت حبيبي» و«ودعت حبك» لانه كان بحاجة الى المال.. والموقف الآخر انه رفض مبلغ مليون جنيه عرضه عليه النجم الراحل احمد زكي لاخراج فيلم «ايام السادات» لانه لا يحب السادات فكيف يخرج فيلما عن حياته.

واذا كان يوسف شاهين قد دخل التاريخ السينمائي العالمي والى الابد، كاول مخرج في العالم يحصل على الجائزة الخاصة بالذكرى الخمسين لمهرجان «كان» السينمائي، ذلك عن مجمل اعماله، فانه سيظل امام ساحتنا السينمائية العربية ذلك الفنان الذي تخلده افلامه بتمرده وجنونه ونرجسيته وافكاره المتوترة ورؤيته المتضاربة للواقع الذي عاش فيه مشتتا بين شرقيته المتزمتة وبين ثقافته المنفتحة على العالم وسعيه الدائم لان يكون فارسا على ساحته السينمائية. 

 

الفنانون يطالبـون بمتـــــحف وجوائز ومهرجان باسمه

القاهرة – علاء طه:

يؤكد المقربون من يوسف شاهين ان اعلان الوفاة تأخر لاكثر من اسبوع كامل، فكل الشواهد الطبية، عقب عودته من باريس الى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي كانت تشير الى وفاته.. وان الامر ارجئ لاسباب غير واضحة.. ويستدلون على ذلك بتقرير الفريق الفرنسي الذي كان يعالجه في باريس.. لكن خالد يوسف وهو من اقرب الناس اليه في السنوات الاخيرة نفى ان تكون هناك تعليمات سياسية وراء تأجيل نبأ الوفاة.. وأشار إلى انه رغم اجرائه لجراحة في الركبة في الايام الاخيرة، ووجوده في المستشفى حتى اول امس، فإنه كان يتابع حالة يوسف شاهين لحظة بلحظة.. قال: «كانت هناك بارقة امل ولو واحد في الالف في ان يتعافى شاهين.. لكننا سعينا وراء الامل.. وفي النهاية هذه ارادة الله».

بدا خالد يوسف على الهاتف متأثرا وحزينا للغاية، وتلقى الخبر الصادم صباح امس كما اخبرنا كأن سيارة صدمته.. قال: «كنت اجهز نفسي طيلة الايام الماضية لهذه اللحظة.. واستجمع قواي.. واسترجع شريط الذكريات بيني وبين يوسف.. لكنني عندما عرفت الخبر لم يخرج صوتي لدقائق.. وصدمتي كبيرة جدا.. بالنسبة لي فقدت ابا واخا وصديقا ومعلما واستاذا غيَّر حياتي بالكامل، وكل النجاح الذي اعيشه الآن وراءه الاستاذ الراحل يوسف شاهين».

لم يتمالك خالد نفسه على الهاتف كان يبكي، والى جواره كانت تبكي زوجة يوسف شاهين مدام كوليت التي ذهب اليها خالد يوسف في الزمالك لينبئها بالخبر.. اما في شركة افلام مصر العالمية بشارع شامبليون في وسط القاهرة، فقد وصل كل العاملين بمكتب شاهين فور معرفتهم بالخبر، وبدأوا يتلقون الاتصالات الهاتفية من محبي المخرج الراحل ومن الاعلاميين، لابلاغهم بتفاصيل الجنازة.. حيث من المقرر اقامة القداس له اليوم في الساعة الثانية عشرة ظهرا، بكنيسة القيامة اكليريكية الروم الكاثوليك في الظاهر بالفجالة، وبعدها يتم تلقي العزاء فيه، ثم سيتحرك موكب من الفنانين والمعزين بجثمانه لدفنه في الاسكندرية مسقط رأسه.. وهو الامر الذي سيحتاج الى تعزيزات امنية حيث من المتوقع ان تشهد الاسكندرية جنازة شعبية ورسمية ضخمة لاستقبال جثمان الراحل.

من ناحية اخرى سادت الاحزان في الوسط الفني لتلقي نبأ وفاة المخرج يوسف شاهين، واجهش على الهاتف الفنان خالد النبوي.. الذي فشل في الايام الفائتة في زيارة يوسف شاهين في المستشفى.. قال: «كنت اشعر انه في اللحظات الاخيرة من حياته.. وكنت اريد ان اودعه لكنني فشلت.. منعوني من رؤيته.. ويوسف شاهين كل شيء في حياتي، هو العين التي جعلتني ارى الفن والحياة بشكل صحيح.. وانا ادين له بحياتي».. ولم تتمالك حنان ترك ايضا نفسها واخذت تردد «البقاء لله».

 اما يسرا فاشارت وسط دموعها الى ان مصر اليوم فقدت روحها، وعقلها، وحلاوتها.. قالت: «يوسف شاهين لم يكن مجرد مخرج كان مفكرا، وانسانا مصريا بمعنى الكلمة.. لم يكن يعنيه الفيلم بمقدار ما تعنيه الافكار والمعاني.. وهذا اليوم يجب ان يعلن فيه الحداد الرسمي العام في مصر».

نقيب الممثلين الاسبق الفنان يوسف شعبان لم تسعفه الكلمات، وبعد صمت طويل قال: «نطلب له الرحمة والمغفرة، وهذا ما نرجوه من الله في موت انسان عزيز وقيمة عظيمة في تاريخ مصر السينمائي وأحد الاعمدة الرئيسية في نهضتنا السينمائية لاكثر من ٦٠ عاما، وافلامه علامات في تاريخنا وهو صاحب مدرسة كبيرة وتلاميذه يملأون الساحة السينمائية. وضعنا يوسف شاهين على الخريطة السينمائية في العالم، واذكر عندما كان يجهز لاخراج «وداعا بونابرت» طلبني للعمل لكن ظرفي الصحي حال دون ذلك ومثل الفرنسي ميشيل بيكولي الدور بدلا مني، لكن ما عوضني عن عدم التعاون معه، انه كان يدرس ادائي في «حمام الملا طيلي» لطلبة معهد السينما».

 الفنان محمود حميدة وصف يوسف شاهين بانه اهم واعظم مخرج انجبته مصر، وقال: « ان عظمته في ما تركه لنا من افلام دخلت الى ذاكرة السينما واخذت ما تستحقه من مكانة، ورغم خسارتنا الفادحة برحيله فإن عزاءنا انه ترك مدرسة فنية ذات قوام وقيمة واضحتين محددتين وتلاميذه هم الاهم على الساحة السينمائية. وبالنيابة عن كل من استمتعوا بما قدمه من فن راق طالب ان يتم الاحتفاء به رسميا واقامة متحف لمقتنياته واعماله، اضافة الى مهرجان وجوائز باسم يوسف شاهين».

واكد الممثل خالد صالح ان بطولته لفيلم يوسف شاهين الاخير بمنزلة التاج الذي يضعه بفخر على رأسه، وقال: «كان الاستاذ متعبا لكن المشاهد التي حضر تصويرها أظهرت بصماته بصورة اكبر من تلك التي كان يتابعها من دون النزول الى البلاتوه، لكن العمل كله كان يحمل بصمة شاهين من دون جدال، لم تسعدني ايامي وايامه ان استفيد اكثر من خبراته التي ينقلها الى كل من يعمل معه».

ساركوزي يشيد بـ «المدافع عن الحريات»

باريس – أ.ف.ب – وجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تحية تقدير الى المخرج السينمائي المصري الكبير يوسف شاهين، واصفا اياه بانه «مدافع كبير عن حرية التعبير وبشكل اوسع عن الحريات الفردية والجماعية».

وكتب الرئيس الفرنسي في بيان «فقد الفن السابع لتوه احد اشهر المساهمين فيه، يوسف شاهين المتعلق جدا بمصر لكنه منفتح على العالم، هو مخرج ملتزم ومدافع كبير عن حرية التعبير وبشكل اوسع عن الحريات الفردية والجماعية».

واضاف: «ان يوسف شاهين سعى طوال حياته من خلال الصورة الى التنديد بالرقابة والتعصب والتشدد».

واضاف ساركوزي: «ان موهبته سمحت له بتطوير اشكال مختلفة للتعبير الفني وولوج كل انواع الافلام، الافلام التي تتناول السير الذاتية واستعادة التاريخ وايضا الاستعراضية. يوسف شاهين مفكر صاحب استقلالية كبيرة وهو مدافع كبير عن تزاوج الثقافات».

القداس اليوم.. العزاء غدا

القاهرة – د.ب.أ – اعلن مستشفى المعادي للقوات المسلحة بالعاصمة المصرية القاهرة صباح امس وفاة المخرج المصري الكبير يوسف شاهين عن عمر جاوز الثانية والثمانين قدم خلالها عشرات الاعمال الفنية المتميزة.

ونعت شركة «مصر العالمية» التي يملكها شاهين المخرج العربي الاشهر الذي قدم لمصر والعالم ابداعات سينمائية مهمة واسهم في وضع السينما المصرية على خريطة المهرجانات العالمية.

كما نعت وزارة الثقافة والنقابات الفنية المصرية الثلاث المخرج الراحل مؤكدين انه علامة مهمة في تاريخ الفن المصري قلما يجود الزمان بمثلها.

وجاءت وفاة شاهين بعد ما يقرب الشهرين من دخوله في غيبوبة عميقة عقب سقوطه يوم ٩ يونيو الماضي وارتطام رأسه بالارض بقوة ليصاب برضوض اكتشف بعدها انها نزيف بالمخ.

وعاد شاهين الى القاهرة يوم ١٧ يوليو الجاري من باريس التي نقل اليها للعلاج على نفقة الدولة ليعقد في اليوم التالي مؤتمر صحفي بمستشفى المعادي قال فيه مدير المستشفى اللواء احمد عبدالحليم ان المخرج يعاني غيبوبة عميقة يصعب الافاقة منها وان حالة مخه تسمح بتدهور حالته الصحية.

وقالت وكالة انباء الشرق الاوسط ان القداس على روح شاهين سيقام ظهر اليوم الاثنين في كاتدرائية القيامة وسيقام العزاء غدا الثلاثاء.

جوائز وتكريمات

حصدت أفلام شاهين العديد من الجوائز العربية والعالمية ومنها شهادة تقدير لفيلم «ابن النيل» عام ١٩٥٢ من مهرجان نيودلهي الدولي، وجائزة مهرجان بوسطن في التمثيل والإخراج عن فيلم «باب الحديد» عام ١٩٥٨، وجائزة مهرجان قرطاج «التانيت الذهبي» عن فيلم «الاختيار» عام ١٩٧١ وجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان برلين الدولي لفيلم «إسكندرية ليه؟» عام ١٩٧٩، وجائزة النقاد من مهرجان بيروت لأفلام الدول الناطقة بالفرنسية من لبنان عام ١٩٧٣ عن فيلم «العصفور»، وجائزة الدولة التقديرية عام ١٩٩٤، وجائزة جوهانسبرج للأفلام الإفريقية عام ١٩٩٥ عن فيلم «المهاجر»، ثم الجائزة الكبرى عن مجمل أعمالة من مهرجان كان عام ١٩٩٧. هذا غير العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من خارج وداخل مصر من مختلف الجمعيات السينمائية. وعن حياته واعماله صدر عدد خاص من مجلة كراسات السينما التي تصدر في باريس، وتعتبر أشهر مجلة شهرية سينمائية نقدية في العالم، وقد كتب عنه العديد من نقاد ومخرجي السينما في العالم مثل باتريس شيرو واندريه تشينيه وجان لوي بارو وفريد بوغدير وغيرهم.

القبس الكيوتية في 28 يوليو 2008

 
 
 

جمهور غفير..حضر جنازة يوسف شاهين

بكاء وعويل ولطم علي الخدود بين الفنانين

حضر جمهور غفير مراسم جنازة المخرج الراحل يوسف شاهين. اكتظت بهم كنيسة القيامة بالفجالة. وحرص عدد كبير من الفنانين علي الحضور لارتباطهم بالراحل سواء في أعمال أو علاقات صداقة.

بدأ "الجِناز" بدخول البطريرك وستة من الكهنة أمام الصندوق الموجود به جثمان الراحل وحمله 12 فردا ورتلت التراتيل الخاصة بطائفة الروم ارثوذكسي التي يتبعها يوسف شاهين.

قال البطريرك في كلمته التي شكر فيها الرئيس مبارك والمندوبين الذين حضروا عن رئاسة الجمهورية ان الراحل فنان كبير والجميع يقدمون فيه العزاء وأوصي البطريرك الفنانين باستكمال المسيرة.

وبعد انتهاء المراسم طلب أهل شاهين السفر بمفردهم إلي الاسكندرية لاتمام عملية الدفن وعدم ذهاب أحد معهم لضيق المكان هناك.

ظهرت حالات الحزن والبكاء علي النجوم الذين لم يستطيعوا التحدث مع أحد مثل محمود عبدالعزيز الذي بكي طوال مراسم الجنازة واعتذر للصحفيين عن الكلام لعدم قدرته ويسرا وهاني سلامة وخالد النبوي والمخرج يسري نصر الله الذين لم يتمالكوا أنفسهم أيضا.

روجينا وزوجها أصرا علي السفر مع الجثمان إلي الاسكندرية لحضور الدفن. واستقلا سيارتهما وراء العربة التي حملت الراحل.

حرصت الفنانة المعتزلة شهيرة علي الحضور وأكدت انها كانت تتمني المشاركة بأفلام الراحل لولا اعتزالها الفن.

بعد بكاء شديد من حسين فهمي أكد ان شاهين استاذه الذي علمه فنون السينما وكان أعز أصدقائه وتجربته معه في فيلم "اسكندرية كمان وكمان" علامة في مشواره الفني.

وأعلنت الفنانة إلهام شاهين انها اتفقت مع شاهين علي مشروع فيلم يجمعهما لكنه أصبح حلما عندها. وتتمني من زملائها أن يحبوا الفن كما فعل الراحل.

المخرج خالد يوسف ظل يلطم علي وجهه ويبكي بشدة. ولبلبة ظلت تردد "وداعا يا يوسف"..عشاق فن شاهين وقفوا يرددون "شاهين شاهين يا ابن مصر".

حضر أيضا من النجوم: فاروق الفيشاوي ونادية الجندي ونادية لطفي وجميل راتب ومحمود حميدة وحسن كامي وهشام سليم وزيزي مصطفي ومحمود ياسين ومادلين طبر وممدوح الليثي.

المساء المصرية في 29 يوليو 2008

 

مصر تودع مخرجها العظيم «جو» إلى مثواه الأخير

المشيعون يهتفون «مع السلامة يا صوت الشعب يا شاهين» 

شارك أكثر من 1500 شخص بينهم عشرات من ممثلي السينما المصرية في جنازة المخرج يوسف شاهين احد أهم المخرجين العرب والمصريين في كاتدرائية القيامة للروم الكاثوليك في حي الظاهر في القاهرة ظهر أمس الاثنين. وغصت الكنيسة بالحضور الى جانب عشرات وقفوا في الممرات ومئات في باحتها الخارجية بانتظار انتهاء الصلاة الجنائزية على روح الراحل.

ومن ابرز الذين حضروا من مختلف الأجيال الفنانات نادية لطفي ولبلبة ويسرا وليلى علوي والهام شاهين وزيزي مصطفى وشهيرة وجميل راتب وحسين فهمي ومحمود ياسين ومحمود عبدالعزيز ومحمود حميدة وخالد صالح وهاني سلامة وهشام عبدالحميد واحمد فؤاد سليم وآخرون.

وحضر من ابرز المخرجين صديق شاهين المخرج توفيق صالح ويسري نصرالله وخيري بشارة الى جانب مديري التصوير طارق تلمساني ومحسن احمد.

وكان حضور احزاب المعارضة في مصر لافتا مع رئيس حزب الوفد محمود اباظة وامينه العام منير فخري عبدالنور والامين العام لحزب التجمع اليساري حسين عبدالرازق ورئيسة تحرير اسبوعية ''الاهالي'' الناطقة باسم الحزب فريدة النقاش ورئيس حزب الكرامة عضو مجلس الشعب حامدين صباحي.

وحضر مندوبان عن الرئيس المصري حسني مبارك الوزير مفيد شهاب الى جانب الوزير ماجد جورج وحضر كذلك محافظ القاهرة عبدالعظيم وزير ومدير امن القاهرة إسماعيل الشاعر. وقد توفي شاهين (82 عاما) الأحد الماضي اثر غيبوبة استمرت اسابيع. وكان نقل الى مستشفى في فرنسا حيث بقي شهرا كاملا اثر اصابته بنزيف في الدماغ في مصر دخل على اثره في غيبوبة منذ 16 حزيران/يونيو. وفور نقل تابوت شاهين صاحب فيلم ''الأرض'' الى السيارة التي ستحمل جثمانه الى مقابر العائلة في الاسكندرية، انطلقت عشرات الايدي تصفق وتهتف باسم شاهين ومصر ''مع السلامة يا صوت الشعب يا شاهين''.

وكانت مظاهر الحزن بادية على العديد من النجوم الذين حضروا الجنازة وعملوا مع شاهين في افلامه خصوصا الفنانة يسرا التي رفضت الحديث مع الصحافيين ومحمود حميدة الذي انتحى جانبا بعيدا في الكنيسة. وفاز المخرج وكاتب السيناريو والمنتج شاهين بجائزة الذكرى الخمسين لتأسيس مهرجان كان للسينما على مجمل أعماله العام .1997 ومن أشهر أفلامه ''المصير'' (1987) و''الأرض'' (1969) فضلا عن ''اسكندرية ليه؟'' الجزء الاول من سلسلة افلام حول سيرته الذاتية.

وقد ولد يوسف جبريل شاهين العام 1926 في الاسكندرية (شمال) من عائلة لبنانية من مدينة زحلة في شرق لبنان انتقلت للعيش في مصر اواخر القرن التاسع عشر.

الوقت البحرينية في 29 يوليو 2008

 

بحضور جموع الفنانين والمسؤولين والدبلوماسيين

مصر تودع يوسف شاهين في موكب مهيب

حسين فهمي أصيب بالإغماء ويسرا قالت: فقدت أبي

القاهرة - الخليج:  في موقف مهيب، شيع ظهر أمس جثمان المخرج المصري العالمي يوسف شاهين من كنيسة القيامة (بطريركية الروم الكاثوليكية) بحي الظاهر بوسط القاهرة، بعد أن وصل الجثمان ملفوفاً بعلم مصر وبدأت صلاة القداس في مقر الكنيسة، والذي استمر لما يقرب من ساعتين متواصلتين، بمشاركة  عدد كبير من أقباط مصر.

تقدمت تشييع الجنازة أسرة الفقيد الراحل يتقدمها ابن شقيقته المنتج جابي خوري، كما حضر الدكتور مفيد شهاب وزير الشؤون النيابية والقانونية، نائبا عن الرئيس محمد حسني مبارك، كما شارك في تشييع الجنازة المهندس ماجد جورج وزير الدولة للبيئة، وأحمد ماهر وزير الخارجية السابق، واللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة، والسفراء الأجانب بالقاهرة من بينهم السفير الألماني والسفير الفرنسي والمستشار الثقافي الأمريكي وسفير لبنان وعدد كبير من أعضاء السلك الدبلوماسي بالقاهرة.

شارك أيضا في تشييع الجثمان عدد كبير من فناني مصر تقدمهم الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين، وخالد يوسف، أبرز تلاميذ المخرج الراحل، وحسين فهمي ومحمود ياسين وشهيرة ومحمود عبدالعزيز ولبنى عبدالعزيز وإلهام شاهين ويسرا وعزت العلايلي، ومادلين طبر، وجميل راتب، والمخرج توفيق صالح، وفاروق الفيشاوي، ولبلبة، وممدوح الليثي، وسهير عبدالقادر مدير مهرجان السينما، وخالد النبوي.

كما شارك في تشيع الجنازة عدد كبير من رجال الدولة والسياسة والأحزاب، من بينهم الدكتور محمود أباظة رئيس حزب الوفد، ومنير فخري عبدالنور عضو اللجنة العليا بالحزب، وعدد كبير من المثقفين والكتاب والموسيقيين، تتقدمهم جماهير غفيرة من عشاق فن المخرج الراحل.

وبعد الصلاة على الفقيد نقل جثمان الراحل على أعناق تلاميذه وأصدقائه ومحبيه من الفنانين، ملفوفاً بعلم مصر على سيارة مغطاة بالكامل بعلم مصر أيضا، ليدفن بمدافن الأسرة بحي الشاطبي بمدينة الإسكندرية.

وكان الفنان حسين فهمي أصيب بحالة إغماء شديدة نتيجة الانفعال قائلا: فقدت اليوم أستاذا وصديقا ومعلما، أحب السينما لدرجة العشق والجنون ولن ننسى له أعماله التي ستظل خالدة في تاريخ السينما. وغالب الفنان محمود ياسين دموعه قائلا: فقدت الأمة العربية والعالم أجمع اليوم صاحب أكبر إبداع، وأعظم مخرج عرفته السينما المصرية والعالمية.. فقدنا اليوم يوسف شاهين.

الفنانة يسرا التي لم تتمالك نفسها من شدة البكاء انهارت تماما، ولم تستطع الحديث، واكتفت بالقول: “أنا اليوم في وداع أبويا”. كما انهارت الفنانة لبلبة وعدد آخر من الفنانات خلال الجنازة.

وكانت الكنيسة تزينت بمجموعة كبيرة من صور المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، وصور لأشهر أعمالة السينمائية والجوائز التي حصل عليها طيلة مشواره الفني، بالإضافة لبعض الصور التي حملها طلاب أكاديمية الفنون بالهرم لبعض أعماله.

الخليج الإماراتية في 29 يوليو 2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)