كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

Fanaa

الفناء من أجلكَ حباً

 صلاح سرميني ـ باريس

ملف خاص عن

السينما الهندية

   
 
 
 
 

كيف للمتفرج المُغرم بأفلام بوليوود مقاومة تلك المُقدمة الشعرية التمهيدية المُصاحبة لعناوين فيلم (Fanaa) ـ وتعني فناء ـ من إخراج(Kunal Kohli) وإنتاج عام 2006, وفيها تتماوج اللقطات مثل مياه البحيرات المُتهادية في الصورة, تتوالى, وتنسحب من الشاشة تاركةً المكان لغيرها, وتتداخل منتشيةً بألوانها الزرقاء الفاتحة, يُرافقها شجن نايّ, وآهاتٌ تشبه المواويل.

زوني(Kajol) فتاةٌ عمياء, متفهمةٌ لقدرها, متسامحةٌ معه, ومتفائلةٌ بالحبّ, والحياة,.. تعيش في إحدى القرى الغافية بجبال كشمير, وتستعد للسفر إلى (دلهي) بصحبة صديقاتها لتقديم عرضاً راقصاً في قصر الرئيس الهنديّ بمناسبة عيد الاستقلال...

يودعها والدها ذو الفقار علي بيك(Rishi Kapoor), وتُداعبها أمها نفيسة(Kiron Kher) بأبياتٍ من الشعر, متمنيةً لها العثور على فارس أحلامها الذي لن يطول انتظاره, ريهان(Aamir Khan) المُرشد السياحيّ المذهول بجمالها.

وبصحبته, سوف تمنح (دلهي) نفسها في بعض اللقطات السياحية الخجولة مصحوبةً بأغنية, وهي مبادرةٌ غريبةٌ من بوليوود المهووسة بالتصوير في بلدانٍ أخرى, ولكننا سوف نفهم لاحقاً المُبررات الدرامية لهذا الولع المُفاجئ بالديكورات الطبيعية للبلاد.

****

سُبحان الله,....

إذا كان للقمر أن يوصيني, ربما يقول لي : أريد أن أُسقط حجاب الحشمة, وأعبر الخط معكِ, فأنا مُصرّ على فناء نفسي فيكِ .

سحركِ مثل نسيمٍ عليلٍ, دعيه يلمسني كلما هبّ, كلّ حركة تصدر منكِ هي فرعٌ رشيق, أرجوكِ تحركي نحو قلبي, تعالي إلى حضني, أيّ عذرٍ يُجدي, لأني يجب أن أُفني نفسي فيِكِ, إذا أخبرتكِ بنوايايّ الصادقة, وجعلتكِ تسمعي دقات قلبي, فأنا متأكدٌ بأن خديّك سوف يتوردا خجلاً, ولكني لا أستطيع إخفاء مشاعري, لأنه يجب أن أفني نفسي فيكِ.

سُبحان الله,....

****

لقد عبرت(زوني) قلب (ريهان) لأنه افتتن بسحر عينيها, رقتها, نعومتها, ومرحها, ودخل(ريهان) فؤاد (زوني) لأنه لطيفٌ, متذوقٌ للشعر, ويحفظ أبيات كثيرة منه, ولأنها لا تستطيع رؤيته, تسأل صديقاتها عن شكله, فتكون إجابة إحداهنّ :

ـ إنه قنبلة.

(تذكروا هذا الوصف جيداً).

ومثل كلّ فيلمٍ بوليووديّ يحترم نفسه, هناك جرعةٌ من الكوميديا, يقدمها السيناريو بمقادير مضبوطة عن طريق السائق بالوانت (Vrajesh Hirjee), وقبل أن يختفي سريعاً من الأحداث اللاحقة, يستفسر من (ريهان) :

ـ الفتيات في حياتك أكثر من الأميال التي قطعتها بسيارتي, لماذا تريد فتاةً عمياء ؟

لن تمكث (زوني) في (دلهي) أكثر من أسبوع, ولهذا, لن تطول مقدمات (ريهان) لدعوتها, وبدورها, لن تُعاند كثيراً.

ولكن, كيف لها الاستمتاع بمعالم المدينة المُبصرة, وهي عمياء ؟

يحتفظ السيناريو بمُبرراتٍ منطقية, واحدةٌ آنية, وأخرى مُؤجلة, وللردّ على تساؤلاتها البسيطة, يتبادل العاشقان حواراً شعريّاً يُضفي على علاقة الحب المُتفردة هالةً صوفية :

ـ ما رأيكِ بصوتي ؟

ـ مثل الرعد بعد العاصفة.

ـ ما رأيكِ بعطري ؟

ـ مثل الأرض بعد رشة المطر الأولى.

ـ وما رأيكِ بشكلي ؟

ـ مثل أميرٍ في ثوب شحاذ.

ـ وهكذا سوف ترين دلهي.

في مونتاجٍ متوازي يتنافى مع شعرية الجولة, الوالدان في حالة قلقٍ من طرفٍ, وهي تعيش أجمل لحظات حياتها مع (ريهان) من طرفٍ آخر.

وبدوري, كم شعرتُ بالبهجة عندما تخيّر المخرج (وعلى غير عادة بوليوود) بأن يختتم العاشقان جولتهما الأولى في أحد المطاعم الشعبية.

لقد جاء موعد الاحتفال, وقبل بداية الاستعراض, وقفت (زوني) فوق منصة المسرح تلقي كلمةً حماسيةً, دخيلةً, ومحشورةً في المشهد:

ـ يقول الناس, بأنه بعد مرور سنواتٍ على الاستقلال, إلاّ أن يوم الجمهورية فقد معناه, وأصبح عطلةً أخرى, ولكنه ليس فقط عطلة لي, هذا اليوم يؤرخ ميلاد بلادي, يقولون أيضاً, بأن أوضاع بلادنا مثل حالة نصبنا التاريخية, ما هو جميلٌ كان في الماضي, ربما لأنني عمياء, ولهذا لا أرى العيوب, ولكن, لماذا لا يستطيع المُبصرون رؤية الجمال هنا ؟

ما قاله (شاه جيهان) عن ولايتي كشمير, يجب أن يُقال عن كل الهند, إذا كان هناك جنةٌ على الأرض, فإنها هنا...

كي يستمتع المتفرج بفيلمٍ بوليووديّ, عليه الاستسلام لأحداثه, التسامح مع ثغراته الدرامية, والاقتناع بمُبالغاته.

وبتطبيق هذه النصائح على نفسي, فقد (بلعتُ) فكرة عمى (زونى), ولكنني لم أستطع (هضم) كلمتها الحماسية, وهي العمياء التي لم تشاهد أيّ مكانٍ في الأرض, ولا حتى قريتها الصغيرة, وإذا كانت الهند (جنة على الأرض) ـ ويمكن أن تكون كذلك ـ لماذا تتكبّد بوليوود عناء السفر إلى بلاد الله الواسعة لتصوير الكثير من أغانيها, ومشاهد أفلامها, وحتى(Fanaa) الذي أتحدث عنه اليوم صُورت مشاهده الخارجية في بولندا.

وبالمُناسبة, منطقيّ بأن تكون (زوني) العمياء مغنية, ولكن, كيف لنا الاقتناع بها راقصة (إلاَ إذا تناسينا عماها) وقد شاهدناها في اللقطة الأولى من الفيلم تحيّي العلم الهندي مستديرةً نحو اتجاهٍ مُغاير لمكانه.

الفكرة بحدّ ذاتها مجنونة, وسيناريو الفيلم البوليوودي يمتلك منطقاً خاصاً به, وفي (Fanaa) يتعمّد ـ رُبما ـ التركيبة الدرامية التالية :

فتاةٌ كشميريةٌ مسلمة, تأتي إلى دلهي بمناسبة الاحتفال بذكرى يوم استقلال الهند, وفي قصر الرئيس تُلقي بافتخارٍ كلمتها الحماسية, ثم ترقص, وتغني, .....(رسالةٌ سياسيةٌ واضحة).

وعلى الرغم من محدودية المكان, والزمان(منصة مسرح), فقد جاء الاستعراض رقصاَ, موسيقى, كلمات, وغناء,.. أخاذاً إلى الدرجة التي أنستني كلّ المُبالغات الصغيرة, والكبيرة للفيلم :

الأرض هنا تغيّر لونها في كلّ خطوة.

اللغة هنا لديها أفضل الألوان.

المناخ يضع تاجاً أخضر على رأسه.

السماء تضع ملاءةً زرقاء على سريرها.

نهرٌ ذهبيّ, محيطٌ أخضر, كلّ جزء مُزدان بطريقته.

بلادي الملونة, بلادي المليئة بالألوان, وطني أنحني لكَ.

الشمس برقبتها الوردية تقوم بلعبة.

الوشاح الأصفر من الأزهار يغطي الأرض الخجولة.

لونٌ في الحجاب, لونٌ على التلّ, لونٌ لامعٌ في كلّ مكان.

وجوهٌ حمراء بشوشة تبتسم, وتتوهج بالحماس.

الضحك المُلون, السعادة المُلونة, علاقاتٌ مليئةٌ بالألوان.

لونٌ في الوعود, لونٌ في الذكريات, ألوانٌ, ألوانٌ كثيرة.

لون الحبّ هنا عميق جداً, عندما يكون هكذا فهو رمز للوفاء.

لون الحبّ الحقيقي لا يزال يتألق ببساطة, ولا ينسكب.

لونٌ في السحر, لونٌ في الأسلوب, كلّ الألوان غنيةٌ بالنكهة.

بصدفةٍ, وعفويةٍ, وجمال, تُلخص كلمات هذه الأغنية البُنى الدرامية, والسينمائية للأفلام الهندية:

ـ أهمية الموسيقى, والغناء, والرقص في حياة الهنود, والمُتوارثة من الملاحم الدينية (كان المعبود كريشنا راعياً يعزف الناي).

ـ تنوّع السينما الهندية, ولغاتها.

ـ استخدام عناصر الطبيعة كمفرداتٍ جمالية شعرية : الأرض, الحقول, الأنهار, الأمطار, العاصفة, البرق, الرعد, الجبال, الثلوج, الشمس, القمر,...

ـ التأكيد على الحسّ الوطنيّ, والتعايش الديني, والطائفي, والإثني,..

ـ جرعة الكوميديا.

ـ العلاقات الأسرية, الصداقة, والوفاء, الحبّ, ومواعيد العشاق, وذكرياتهم,...

ومع أنّ معظم الأفلام المُنتجة في وقتنا الراهن (مُلونة), ولكنّ فكرة الألوان في السينما الهندية تتخطى معناها الحسيّ المُدرك بصرياً, وتنفتح على آفاقٍ مجازية تشدّ المتفرج الهندي, وسواه. 

وفي العادة, تتحلى البطلة البوليوودية بالحياء, والخجل, وهي لا تستسلم بسهولةٍ لمُحاولات البطل في استمالتها, تستلذّ تعذيبه, وتجعله يرى نجوم الظهر قبل الكشف عن حبها له, وفي الفيلم, من الغريب بأن يقمع (ريهان) عواطفه, ويصارح (زوني) ببحثه عن الحاجة, والرغبة فقط, وهي, كما شرحت له, مؤمنة بالحبّ, ولهذا يحاول الابتعاد عنها(وسوف نفهم الأسباب لاحقاً) :

ـ النساء, بالنسبة لي, مثل المُدن العظيمة, أقضي بعض الوقت في إحداها, أتعرّف عليها, أُغرق نفسي فيها, ومن ثمّ أنتقل إلى مدينةٍ أخرى, هذا أنا, ولا أستطيع تغيير نفسي.

في الأفلام البوليوودية الطافحة بالبكائيّات, وعند مشهدٍ مُشابه, تزعق الموسيقى, تصطدم الغيوم ببعضها مرتعدةً, تتطاير منها ألسنة النيران, تُصاب السماء بالإسهال, تجرّ البطلة المسكينة طرف ثوبها, تركض في الشوارع المُبتلة تذرف شلالاتٍ من الدموع, ويتردد صدى صوتها في الفضاء : نيهي, نيهي(لا, لا), .....

ولكن, في(Fanaa), زوني فتاةٌ واقعيةٌ, وعاقلة, والأكثر من ذلك, متحررة من قيود الأعراف, والتقاليد, تزوج والداها عن حبّ, ويعيشا حياتهما مثل عاشقيّن, وسافرت مع صديقاتها إلى (دلهي) على الرغم من عماها, وتمنت لها والدتها مزاحاً اللقاء بفارس أحلامها,..

ولهذا استمعت (زوني) إلى ثرثرة (ريهان) بدون انفعالاتٍ, ومبالغة, وبدون صراخ, وبكاء, وعويل, كان الحوار بينهما مثل الوشوشة, تصحبه آهات الموسيقى, والمواويل.

ومع ذلك, طلبت منه بأن يقضيا معاً الـ 12 ساعة المُتبقية لها في (دلهي), ولم يستطع مقاومة سحرها, ووجعها الداخليّ, فيأخذها إلى بيته.

هناك, وفي تلك اللحظات بالذات, تهطل الأمطار..

الأغنية الهندية تعشق مياه الأنهار(تتوزع الأماكن الهندوسية المُقدّسة على ضفافها, الغانغ خاصةً), ومغرمةٌ إلى حدّ الهوس بالأمطار(حالةً من التعرّي المجازي, التوحدّ مع الطبيعة, الاغتسال, والتطهر), تمنحها الصورة تشكيلاتٍ بصرية أخاذة, وتؤكد عادة لحظاتٍ مفصلية في أحداث الفيلم البوليوودي.

وبشعريةٍ, حنانٍ, حبّ, وخيال ملتهب, تتحول الحوارات الداخلية للعاشقين إلى أغنيةٍ عبرت بذكاءٍ, وجمالٍ عن الدور الدرامي, والسينمائي للأمطار:

ـ قطرات المطر تُحيك مؤامرةٌ, لديها أمنيةٌ صامتة, التماس,....

ـ هذا النسيم العليل يقول كثيراً, استمعي أرجوكِ, لمَ هذه المسافة بيني, وبينكِ ؟ لن يحدث ثانيةً أبداً أن تكون الرياح وقحة, لن يحدث ثانيةً أبداً أن تتعثر خطواتنا بلا لائمة.

ـ هذا المطر ليس مستقيماً, لديه انحرافٌ, إنه يخبرنا بشيءٍ حين يصبّ ماءه, وضبابه.

هل يستخدم المخرجون الهنود المياه فعلاً لتصوير مشاهد المطر, أم ندفاً فضيةً لامعةً كي تصبح أكثر بهاءً عندما تُصور العاشقيّن في لقطةٍ كبيرة, وبإضاءة معينة, وحركةٍ بطيئة توحي بأنهما في حالة عشقٍ مجازية ؟.

ـ الرغبة مثل اليراع, تتوهج لمعاناً, ثم تصبح مُعتمة, إنها ورطةٌ ظريفةٌ تلك التي نقع فيها.

ـ لا تنبذي الطلب من شفاهنا هكذا, لا تدعي أمنيتنا هذه مهملة التنفس.

ـ فقط, المس, تحسّس.. .

هل يحتاج المتفرج لتفسيراتٍ إضافية كي يفهم ماذا حدث بينهما, وهل هناك فيلمٌ غربيّ قدم مشهد حبّ بين عاشقيّن بمثل هذا الجمال ؟

في محطة القطار, وقبل رحيل (زوني), وصديقاتها, يخيّم السكون, والصمت على العاشقيّن.

تنساب الدموع من المآقي, تلوح الأيدي مودعةً, وتطلق عجلات القطار موسيقاها الرتيبة : دوم, تك, دوم, تك, دوم,....

وفجأة... (ريهان) في مقصورة القطار : 

ـ يا ليتَ أنفاس حياتي تجد ملجأً في قلبكِ, يا ليتَ روحي ترحل( فانيةً) في حبكِ.

يتعانق العاشقان, وتقرر(زوني) البقاء معه في (دلهي).

وهذه المرة الأولى(من مشاهداتي البوليوودية) أجد الوالدان يبتهجان راضيان باختيار ابنتهما, حنى قبل اللقاء مع (ريهان).

باعتقادي, مهما كانت درجة تحررهما, من المُفترض بأن يأخذ حبيبته, ويلتقي بهما, وليس العكس, ولكن, ربما تغيرت (أو تطورت) عادات, وتقاليد المجتمع الهندي, هذه عائلةٌ صغيرةٌ مؤمنة بزواج الحبّ, وهذه فتاةٌ عمياءٌ تناست عقدة العلاقات الجسدية قبل الزواج  .

ويبدو بأنّ كلّ تلك العثرات الدرامية (مُتعمدة) تمهيداً للأحداث اللاحقة,.. 

قبل الزواج, يأخذ (ريهان) حبيبته إلى طبيب عيون يزفّ لهما أملأً كبيراً بعودة بصرها, وفي الوقت الذي تُجهز (زوني) نفسها لحياةٍ جديدة, يختفي (ريهان) إثر عمليةٍ إرهابية من طرف منظمةٍ تُطالب باستقلال كشمير.

وحالما تفتح (زوني) عينيّها, يتوّجب عليها التعرف على جثته, وحاجياته, مع أنها لم ترَه أبداً, يتفادى السيناريو تلك الإشكالية, ويُعوضها بتحسّس بعض ملابسه, ..

أصابع (زوني), وحاستها السادسة لا تخطئ, نعم, إنها الكنزة الزرقاء التي أهدتها له, وكان يرتديها في المستشفى (وسوف نتغاضى عن منطقية إمكانية تعرّف عمياء على بقايا كنزة محترقة, وممزقة).

في ذلك المشهد العصيب, لا تغرق اللقطات في دموع (زوني) ووالديها, حيث يقدمها المخرج تمثيلاً, ومونتاجاً بمقادير مضبوطة, بدون استرخاءٍ, وإطالة, وبدون مبالغة في ميلودراميتها(كما يحدث غالباً في أفلامٍ هندية أخرى), مع أنّ حياتنا زاخرة بمصائب تحتفي بالنحيب في أقصاه, ولا أفهم لماذا نتسامح مع الإسهاب المقصود في مشاهد العلاقات الجسديةّ المكشوفة في الأفلام الغربية, ونتذمر من مشاهد البكاء في أفلام بوليوود, هل ينبغي بأن تصبح قلوبنا من حجر ؟

بعد ساعةٍ, وربع من بداية الفيلم, سوف تسلك الأحداث مساراً آخر.

لقد نجا رئيس الوزراء, ولكنّ آخر التقارير تقول, بأن 8 ضباط أمن قتلوا, وعلى الأقل 15 آخرين أصيبوا بجراحٍ بالغة.

مفاجأة, ..

كان (ريهان) إذاً ضابط أمنٍ متخفياً في مهنة المرشد السياحي, ولكننا لم نجده في أيّ ثانيةٍ من الفيلم يؤدي واجبه الأمنيّ, لقد كان بالأحرى حارساً لـ(زوني) أكثر من حراسته للقصر الرئاسيّ.

تتحول القضية إلى راوول راوات(Sharat Saxena) رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في مكتب الاستخبارات العسكرية, وسوف تنافسه المُحققة الحلوة ماليني تياغي(Tabu) من وكالة الاستخبارات (راو).

بالنسبة لها :

ـ العقل المُخطط للعملية هو رجلٌ غيّر وجه الـ (آي كي اف), اختار مجموعةً من الضعفاء, وجعل منهم منظمةً محترفةً تُعتبر الأكثر وحشيةً في العالم,..

بسببه, غرقت ثمانية سفن, وجزء كبير من ميناء بومباي, وتحطم الجناح الجديد لمطار إسلام آباد, حتى قبل افتتاحه, لقد غير هذا الرجل وجه الإرهاب في الهند, وباكستان.

هو مفكرٌ, لا أحد يعرف اسمه, وماضيه, أو من أين جاء, ربما يكون أيّ أحد, الرجل الجالس بجانبكَ في القطار المحلي, أو أمين الصندوق, أو حتى بائع السجائر في الخارج, هو ذكيّ, وخطير, يجب العثور عليه, وإلا, فبإمكانه دفع الإرهاب إلى أبعد حدّ يفوق تصورنا, وخيالنا.

أثناء سماع تبريرات المُحققة لكل التساؤلات المُمكنة, تتابع الكاميرا خطوات رجلٍ في ردهات المطار يستعجل السفر, وبانتهاء الحوار تكون الكاميرا قد وصلت إلى كتفه, عندها تتباطئ قليلاً في مواجهته.

إنه (ريهان) نفسه, بتسريحةٍ مختلفة, يضع على عينيه نظارات طبية, ويرتدي بذلة سوداء.

تتخلل ذاك المشهد لقطات مونتاجية تظهره يلتقط صوراً في نفس الأماكن التي زارها مع (زوني), وفي بيته يجمع المعلومات, ويخطط للعملية الإرهابية, ..

وهل كنا بحاجةٍ إلى تلك التأكيدات, وكأن المخرج يقول لنا : أحلف لكم بأنه هو الإرهابي, والدليل على ذلك هذه اللقطات التي صورتها له, وأخفيتها عنكم سابقاً, وهاأنا أظهر لكم مقتطفاتٍ منها, ..

خلال ساعةٍ, وربع, أمتعنا المخرج بقصة حبّ ناعمة, وفيها تعاطفنا مع (زوني), و(ريهان), ولكنه في دقائق قليلة خذلنا بتحويل (ريهان) إلى إرهابيّ متمرسّ, ويتوجب علينا منذ تلك المعلومة بأن نمقته, ونلعنه.

وهي بالضبط إحدى مميزات بوليوود(أو سيئاتها), إذّ حالما يطمئنّ المتفرج, ويعتقد بأن الجزء الأول قد انتهى بسلام, وانتصر الحب الصادق على العجز, وسوف يتزوج الحبيبان, ويعيشا في سباتٍ, ونبات, حتى تنطلق عقدةٌ من تحت الأرض, ويبدأ فيلمٌ جديد, وإذا فكر أحد الفضوليين قليلاً, وحسبَ, وطرحَ تفاصيل الأحداث, واختصر رحلة (زوني), وعلاقتها بـ(ريهان) إلى عشرين دقيقة, وأضاف إليها الأحداث اللاحقة, فسوف تكون المُحصلة فيلماً بمدة ساعةٍ, ونصف.

وفي هذه الحالة, لن يكون هناك إسهاب, ولا أغانٍ ممتعة, وسوف يفقد الفيلم مذاقه الحلو في الجزء الأول, والمرّ في الجزء الثاني.

والأهم, بأنني لن أستطيع إكمال الحكاية, كما أفعل الآن .

خلاص, لقد تأكد لنا بأن (ريهان) منفذّ العملية, وهو على اتصالٍ مع جدّه, أحد قادة المُنظمة المُطالبة باستقلال كشمير, يؤكد له بأنه جنديّ أدى مهمته, وهو في طريقه إلى عملية بانكوك(لماذا اختاره السيناريو واحداً من العائلة, هل ورث ريهان الإرهاب أباً عن جدّ ؟).

وبمرارةٍ, يُمزق (ريهان) صورة (زوني), ويرميها في فضاء المطار( خطأ فادح من إرهابيّ ذكيّ من المُفترض بأن يُبعد أيّ شبهة عن زوني, ومن ثمّ, كيف استطاع مغادرة الهند, وكان أحد ضباط الأمن في القصر الجمهوريّ ؟ عن طريق جواز سفرٍ مزور, رُبما).

الاختفاء, والظهور بعد حين, وسيلةٌ دراميةٌ سهلةٌ, ومفضلة عند كتاب سيناريوهات أفلام بوليوود, ولهذا سوف تقفز الأحداث  7 سنوات إلى الأمام .

يستعد الإرهابيون (كما يُسميهم الفيلم) للحصول على زنادٍ لإطلاق قنبلةٍ يمكنها تدمير مدينةٍ بأكملها, ومنها ـ ربما ـ استوحى الفيلم عنوانه.

(فناء) زوني في حبّ ريهان.

و(فناءٌ) مُحتملٌ  لمدينةٍ يمكن أن تُحدثه قنبلةٌ مُفترضةٌ تخشاها السلطات الهندية, ويريدها زعيم المنظمة.

هنا, تجتاز الأحداث دروباً درامية مُشابهة لما يحدث في هوليوود : إرهاب, زعيم مهووس, منظمة, انفصال, مسلمون, سلاح دمار شامل, ...

ويتحول (Fanaa) إلى فيلم مغامراتٍ, وتجسّس على خلفيةٍ وطنية, ويصبح ذلك العاشق, الشاعر, الطيب, الحنون,.. (جيمس بوند) هنديّ يعمل لصالح منظمةٍ كشميرية, مع أنه ضابطٌ في الجيش الهندي.

جبال كشمير الثلجية التي احتضنت ماضياً مواعيد, وخطايا أبطال بوليوود, أصبحت في (Fanaa) مكاناً لمُطارداتٍ, وتبادل إطلاق رصاصٍ, وطائراتٍ مروحية عسكرية, ورجالاً مقنعين, ومسلحين, ....

ولأنه البطل, يبقى (ريهان) حياً بعد تلك المعارك العنيفة, والدامية مع مطارديه من الجيش الهندي, يمشي وسط الثلوج, يعثر على كوخ, ويطرق بابه, ..

مفاجأةٌ أخرى....

(زوني) أمامه, تشهق (روهان), كيف عرفته, ولم تشاهد وجهه أبداً ؟ .

خدعة درامية تشويقية, في الحقيقية, كانت (زوني) تنادي ابنها الذي منحته اسم أبيه الغائب.

وهي اليوم تستقبله جندياً جريحاً ضلّ طريقه, ويحتاج للعناية, والراحة, والاتصال مع قاعدته,...

وهو يعرف بأنّ الجدة ماتت, وأصبح الأب مدمناً على الكحول, ولكنه ما زال يحتفظ بتحرره, وطيبته, وإنسانيته على الرغم من الشكوك التي تدور حول شخصية (ريهان).

عندما يلعب الطفل معه, يسأله : هل تعرف النشيد الوطني؟  وبنفيه, تستغرب (زوني) جهل جندي بالنشيد الوطني لبلاده, وعندما تُغير ضمادات جرحه, ينتابها شعور غريب بأنها تعرفه, وهي التي كانت تستخدم حواسها الأخرى لتعويض فقدانها للبصر.

تبقى الشكوك معلقةً حتى تعلن وسائل الإعلام عن إرهابيّ جريح, يرتدي زياً عسكرياً, وفي حوزته قطعة غيار إلكترونية خطيرة.

وهنا, يبدأ صراع الإخلاص للزوج المجرم الخائن, أم للوطن الأكبر, الهند ؟

لا تتردد (زوني) كثيراً, وعلى الرغم من إمكانية القبض عليه حياً, أو ميتاً من قبل السلطات الهندية, يُفضل سيناريو الفيلم بأن يموت (ريهان) بطلقة رصاصٍ تُصوبها (زوني) نحوه على الرغم من حبها له.

اللقطة الأخيرة من الفيلم دالةٌ بما يكفي :

يرقد الزوج المُجرم (ريهان قادري), والأبّ الضحية (ذو الفقار علي بيك) في قبريّن متجاورين, وتضع الحبيبة/الزوجة/الأمّ (زوني), وطفلها (ريهان) باقاتٍ من الزهور فوق قبريّهما.

لقد كانت (زوني) مثالاً للتضحية, و(الفناء), ألا يمكن اعتبارها قديسة ؟

سبحان الله.

سينماتك في 20 سبتمبر 2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)