كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"مهرجان كانّ" في دورته الستين

دخيل اسرائيلي على المسابقة لا يجد مصفّقين شرودر يدافع عن محامي الشياطين في وثائقي صاعق

كانّ ـــ من هوفيك حبشيان

مهرجان كان السينمائي الدولي الستون

   
 
 
 
 

تحاليم" الاسرائيلي، الدخيل على المسابقة الرسميّة، بحسب تقويمنا السينمائي له، لا السياسي أو العقائدي، أثار سخط النقّاد الذين كانوا تحمسوا الى الافلام الاخرى التي تتسابق الى "السعفة". بدا واضحاً أن الشريط المتقوقع في نسق مشهدي بليد، اختير لاعتبارات لا علاقة لها بالجماليات البصرية. لا نريد اتهام أحد، لكن الفرق بينه وبين أفلام المسابقة الاخرى كان شاسعاً، الى حدّ ان ذلك أثار شكوكاً، فجرح "تحاليم" الأفلام المشاركة معه في المسابقة، وجاء بمنزلة اهانة لها. يصوّر الفيلم عائلة يهودية في القدس تعيش حياة هانئة، ولا شيء يميّزها عن غيرها، الا ان الأب يختفي عن الأنظار جراء تعرّضه لحادث سيارة، ويحاول أفراد العائلة مواجهة هذه المحنة، ومحاولة تقبل فكرة غيابه. يلجأ البالغون إلى الصلاة أو إلى الصمت، أما الطفلان مناحيم وديفيد فيحاولان على طريقتهما العثور على أبيهما، وتالياً يفتحان ذراعي الفيلم أمام أنواع التأملات والمطوّلات غير المجدية. غنيّ عن القول ان "تحاليم" لم يجد من يصفق له!

هو الفيلم الثاني، بعد "آفانيم"، يصوّره رافايل نادجاري في إسرائيل عن اليهود الشرق أوسطيين. هذا السينمائي المرسيلي يتمتع بطابع رحّال وفضوليّ، إذ كان انجز أفلاماً في الولايات المتحدة، دار معظمها على عائلات يهودية من أوروبا الشرقية، ولا سيما في "شقة رقم 5 ج" الذي اعتمد على منفيين إسرائيليين في الولايات المتحدة. في جديده، يحاول نادجاري اقحام خصوصيات جماعة الاشكيناز، الأكثر انتماء إلى القارة الأوروبية - اليهودية، نقطة ضعف الفيلم وقوّته في آن واحد. يدّعي نادجاري انه يحاول أن يفهم الطابع المتعدد الميزة لهذه الديانة، ليس من خلال الانتماءات الإثنية، بل من خلال كيفية ممارسة اليهود طقوس ديانتهم: شخوصه يتبعون الأرثوذكسية الحديثة الخاصة بإسرائيل، والتي تراوح بين التقاليد الصارمة واندراج إسرائيل ضمن خانة الدول المتقدمة. اليهودية بالنسبة الى نادجاري ليست الحلّ، وهي لا تفرض على اليهود التزام ديانتهم وممارسة طقوسها فحسب، بل عليهم أيضاً أن يتمتعوا بالذكاء، وهذه هي المفارقة في ذاتها، وهذا هو جوهر الديانة اليهودية، بحسب نادجاري. لكن هذا الخطاب ينعكس في الفيلم على نحو يبعث على الملل واللامبالاة. فهذه "المزامير" (ترجمة كلمة تحاليم) عبارة عن مجموعة نصوص منسوبة الى داود الذي يرافق اليهود يومياً. اذاً، مجمل العمل لا يستحق المشاهدة. مدّعٍ في طرحه، ساذج في مقاربته للواقع الاسرائيلي، ونأمل أن يكون سقط سهواً في الاختيار الرسمي لهذه الدورة التي تحمل في برمجتها اعمالاً نادرة وحقيقية، لتبرئة المدير الفني للمهرجان من كل اتهام. ما عدا التصوير، لا شيء يلفت في الفيلم

خلافاً لنادجاري، يصنع المخرج الفرنسي باربت شرودر حدثاً سينمائياً بالغاً، بتقديم أحدث أفلامه "محامي الارهاب" ("نظرة ما"). هو الذي لم يتوقف يوماً عن إخراج الوثائقيات، الى جانب اعماله الروائية المتنوعة، واشهرها "الجنرال عيدي أمين دادا"، يؤمن بالآتي: "كل فيلم عظيم هو فيلم وثائقي"، وها هو يؤكد نظريته في هذا الشريط المصنوع صناعة متكاملة، ويتكلم عن جاك فيرغيس، المحامي الشهير الذي يشبه شخصية الروايات والمعروف بدفاعه عن كلاوس باربي والقضية الفلسطينية، وتصديه للامبريالية واسرائيل. أسئلة كثيرة يطرحها شرودر في شأن هذا الرجل: هل هو شخصية تاريخية أم أنه محتال كبير؟ مذنب بريء أم بريء مذنب؟ علاقة وثيقة تربط شرودر بفيرغيس، إذ أمضيا معاً بعض سنوات العمر، وتشاركا الذكريات السياسية. حين كان في الخامسة عشرة من عمره، اتبع المسار السياسي ذاته الذي اتبعه فيرغيس. "كنت أصغره بـ20 عاماً، وكنت أنتمي إلى الحركة الشيوعية برغم أن الشيوعيين لم يرغبوا في أن ألتحق بصفوفهم، ثم تخليت عن هذا الحزب، وانتقلت إلى الجزائر موجهاً الإنتقادات الى الشيوعيين الذين لا يؤدون واجبهم على أكمل وجه، واتخذ فيرغيس الخطوة ذاتها، وكنت اتتبع خطواته وأصغي الى إرشاداته، إذ كنت معجباً به. لاحقاً، لم أتمكن من إدراك الدوافع وراء تصرفات فيرغيس، لكني لطالما رغبت في التعرّف الى هذا الرجل الذي كنت اعتبره محبّاً للفن، منحرفاً ومنحطاً أخلاقياً. خلال تصوير فيلم "قضية فون بولو"، أثار المحامي آلان ديرشوفيتش (ادعى أنه مستعد أيضاً للدفاع عن هتلر) فضولي حين أخبرني أنه كثير الاعجاب بالشخص الذي حدد "استراتيجيا الانفصال".

لا شك في أن ما حض شرودر على انجاز فيلم عن فيرغيس، اعتباره في البدء بطلاً من الأبطال، لكنه سرعان ما تحوّل لغزاً لا يبعث على المرح في النفوس. وبما أن شرودر لا يحبّ الوحوش، فلن يكون صعب الارضاء! لعل أكثر ما أثار إعجابه في المشروع، تمكّنه من انتاج فيلم يدور موضوعه حول التاريخ المعاصر في العالم خلال الخمسين عاماً الأخيرة، أي الأعوام التي تلت سنواته الثلاث عشرة. لا يتغاضى الفيلم عن النضال السياسي الخاص بشرودر، ملقياً نظرة على التجارب التي مرّ بها. لكن نظرته إلى هذه الأمور، اختلفت في الوقت الراهن. فالعمليات الارهابية المنتشرة خلال الخمسين عاماً الأخيرة تسمح بحسب رأيه في تكوين وجهات نظر مختلفة، ووجهة النظر هي اساس كل فيلم وثائقي.

لا يرغب شرودر في أن تكون العلاقة بين ما يريد قوله وما يظهر على الشاشة، وثيقة. لذا فإن جلّ ما يتضمنه شريطه هو تلميحات ومعان باطنية تدخل الى صميم الصورة. فحين يتحدث شرودر عن الحبّ، يشير ضمنياً إلى الإرهاب، وحين يتحدث عن الإرهاب، يلمّح أحياناً إلى قصة حبّ. يهوى شرودر هذه التلميحات، وعلى قاعدتها يبني فيلمه الجديد الذي يندرج أيضاً في اطار الأفلام البوليسية، إذ كان المخرج التحري الأبرز، يجري التحريات والمقابلات مزوّداً آلة تصوير صغيرة عالية الدقة. اليوم، كلّ ما يريده شرودر هو أن يكتسب الفيلم شهرة واسعة، فيُعرف كفيلم بوليسي أو جاسوسي.

أفلام كثيرة لا تزال تعرض على وتيرة متسارعة في كانّ، رغم ان ثمة ألواناً باهتة تخيّم في سماء المهرجان، في انتظار طقس أكثر حرارة ودفئاً في الصالات المظلمة. الاختيار الرسمي ليس السبب، انما عدم قدرة الافلام على توليد الصخب الذي كان يولده المهرجان في الدورات السابقة. حتى فيلم مثل "سيكو" لمايكل مور (خارج المسابقة) الذي يذهب ابعد مما ذهب اليه "فهرنهايت 11/9"، لم يعد له مكان في المهرجان الذي يبدو انه ملّ الفضائح السياسية، فصار يتجه الى الفرد وصراعاته الصغيرة. في المقابل، لاقى الفيلمان اللبنانيان المعروضان في اطار "اسبوعَي المخرجين" استحساناً كبيراً من الجمهور. فلم يتوقف التصفيق لـ"سكّر بنات" لنادين لبكي الا بعدما استمرّ نحو خمس دقائق، أما "الرجل الضائع" لدانيال عربيد، فحظي باستقبال مماثل، رغم ان العملين يختلفان أحدهما عن الآخر، أخراجاً، وروحاً، ونبرة. ويكمن الاختلاف في ان الاولّ يحمل كل مقوّمات الفيلم الشعبي، من دون أن تلحق هذه الصفة الاذى به، في حين أن من الصعب أن يحظى الثاني بجمهور له في بيروت، علماً انه في حال عرضه، فستطير منه مشاهد ايروتيكية كثيرة. ولنا عودة مفصلة الى هذين الفيلمين.

ضمن قسم "نظرة ما"، شاهدنا كذلك آخر أفلام السينمائي التايواني الكبير هو - سياو سيين، "رحلة الطابة الحمراء"، المنطلق من حجة اسمها سيمون. طفل في السابعة، أمّه سوزان ملأى بالمشاغل، كونها تعرض مسرحيات دمى متحرّكة، وتعطي دروساً في الجامعة، وتربي ولديها الإثنين بمفردها، فلا يتسنى لها وقت للراحة. حاضنة سيمون من أصل تايواني، تأخذ دروساً في السينما في باريس. يمضي سيمون أوقاتاً طويلة برفقة سونغ فونغ، لدى عودته من المدرسة، وينزهه عبر الطرق والمقاهي في الجوار، ويعلّمه كيف يلعب "الفليبرز". يرافق سيمون أيضاً صديق غريب الأطوار، يتبعه أينما حلّ ولا يرى سواه. "صديق" هو بالون أحمر يطير فوق سطوح مدينة باريس. غرابة هذا الفيلم تتجاوز كلّ حدّ. أما "حلم الليلة السابقة" لفاليريا - بروني تيديسكي، فمن نوع الكوميديا الغارقة في المسلّمات. تؤدي نتالي بيتروفونا دوراً فيه، وهي أدّت سابقاً دوراً في مسرحية "شهر في المزرعة" للروائي تورغينياف. تسعى مارسيلين إلى القضاء على همومها وهي تستحم في حوض للسباحة، مصغية إلى أغان من تأليف غلين ميلير، لكن ذلك لا يجدي نفعاً، فهي في الأربعين من عمرها لا محالة، وليس في إمكانها انجاب الأولاد.

المهرجان، في الاقسام المحاذية للمسابقة الرسمية، هو ايضاً مكان لاكتشاف مواهب فتية ستلمع منها اسماء المستقبل، واعمال تندر مشاهدتها في كل مكان وزمان. من هذه الاكتشافات "سارق الاحصنة" لميشا والد ("اسبوع النقاد") الذي أخرج أفلاماً قصيرة منها "آليس وأنا" الذي حاز جائزة "خط السكة الذهب" خلال الأسبوع الدولي الثالث والأربعين للنقد السينمائي (كما حصل على 40 جائزة أخرى من أنحاء العالم). تدور حوادث "سارق الاحصنة" عام 1856. أربعة شبان يكافحون للبقاء على قيد الحياة، ويلجأ جاكوب إلى القوقاز برفقة أخيه فلاديمير، لكن رومان وإلياس يسرقان الأحصنة، ومن بينها حصان جاكوب. خلال عملية السرقة، يقتَل فلاديمير، فيرى جاكوب أن لا بدّ أن يأخذ بثأره، فتبدأ عملية المطاردة العنيفة. "فونوك"، هو الفيلم الآخر المعروض في "اسبوع النقّاد"، الذي يستحق أن نلقي عليه نظرة. يصوّر دايهاشي يوشيدا تغيرات في نمط حياة عائلة مفككة الأواصر خلال فصل الصيف، حيث يتعرض أفرادها لحوادث مسببة للأذى، ويدخلون في صراعات داخلية، ويمرّون بتجارب مرعبة، وتنشب بينهم خلافات تؤدي إلى اهراق الدماء.

النهار اللبنانية في

25.05.2007

 
 

جوليا روبرتس تجسد حياة ومعاناة جوان روتز

نصيرة الوحوش وقائدة حملة حماية بحيرة «نيفاشا» التي قتلت في كينيا

كان: عبد الستار ناجي

أعلن في مهرجان كان السينمائي الدولي ان النجمة الأميركية جوليا روبرتس ستشرع في بطولة وإنتاج احدث الأعمال السينمائية التي تتناول حياة الباحثة البيئية جوان روتس، وذلك بالتعاون مع استديوهات ـ واركنك تايتل ـ الأميركية.

والمعروف ان جوان روتس، التي تعتبر من أشهر العاملات في مجال البيئة والحياة المتوحشة والتي عاشت سنوات طويلة في افريقيا، كانت قد وجدت مقتولة في منزلها في كينيا مطلع العام الجاري. وشكل خبر اغتيالها حدثا عالميا، وأثار الكثير من ردود الأفعال للدور الذي قامت به من اجل حماية الحيوانات ودراستها وتحليل اصولها وحركتها.

وحتى الآن لم يتم الإعلان عن اسم الفيلم، ولكن النجمة جوليا روبرتس عبرت عن سعادتها للتصدي لتجسيد مثل هذه الشخصية، التي وصفتها بأنها شخصية ثرية بالإبعاد والمعاناة والجهد السخي من اجل خدمة البشرية.

وكانت جوان روتز قد عاشت حياة مليئة بالمغامرة اعتبارا من عملها الى جوار زوجها في تصوير وتحقيق عدد بارز من الافلام الوثائقية التي ترصد حياة كثير من الحيوانات البيئية الطبيعية. وبعد انفصالها عن زوجها عادت لتقيم في منزلها في كينيا وتواصل حياتها العملية والقيام بحملة عالمية من اجل حماية بحيرة «نيفاشا» من الجفاف نتيجة لرمي الكثير من المخلفات الصناعية.

الفيلم كتبه السيناريست ديفيد ماجي وتمت برمجته للتصوير في نهاية العام الجاري ليكون جاهزاً للعرض في النصف الأول من العام المقبل. وتم الإعلان عن ان الميزانية الخاصة بالفيلم تتجاوز 60 مليون دولار.

وتعتبر جوليا روبرتس اليوم اغلى نجمات هوليوود، حيث تتقاضى 24 مليون دولار كأجر عن كل فيلم. وكانت قد فازت بأوسكار أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «ارينا مالكوفيتش».

الشرق الأوسط في

25.05.2007

 
 

كلوني يدعو لحل أزمة دارفور وفيلم روسي عن الشيشان

السياسة تسجل حضوراً قوياً في مهرجان كان

أحمد نجيم من كان

تحضر السياسة في مهرجان كان السينمائي الـ60، في مواقف بعض كبار نجوم هوليود. ويبرز ذلك في الدعوى التي أطلقها النجم السينمائي الأميركي جورج كلوني، لتكريس مزيد من الوقت والجهد لحل الأزمة الانسانية في دارفور. وقال كلوني في ندوة صحافية يوم الخميس، عقدها لتقديم فيلم "إوشين 13" إنه يجب أن "نكرس الكثير من الوقت لدارفور". وأشار كلوني إلى انه بعد زيارته للمنطقة، توجه اليها عدد من النجوم الكبار مثل براد بيت ومات ديمون. وأوضح كلوني الذي وصف التعبئة الدولية ضد هذه المأساة الإنسانية بـ"المعركة"، أنه يجب الاستمرار في "جلب الأنظار" و"جمع التبرعات" لسكان الإقليم الجريح، بالإضافة إلى "القيام بأشياء أخرى" لم يحددها الممثل السينمائي. 

وفي إشارة إلى فيلم "أوشين 13"، قال كلوني "أنجزنا هذا العمل المسلي، وكنا نعلم بأننا سنكون في كان، وهو أرضية دولية كبيرة، كما نعلم أن الصحافة وتلفزيونات العالم كلها ستكون حاضرة، ويمكن أن ننبه إلى الوضع في دارفور الذي يهمنا كثيرا". كما تحدث عن التعبئة الدولية لهذا الموضوع "العالم كله مصدوم مما حدث ويحدث، يجب أن يتوقف كل شيء".

واتسمت الندوة الصحافية التي تابعها عشرات الصحافيين بجو مرح، وغلبت روح الدعابة على أجوبة الممثلين وبينهم بشكل خاص آندي غارسيا وجورج كلوني وبراد بيت، في معرض اجاباتهم عن بعض أسئلة الصحافيين.

المخرج ستيفن سودربورغ هو الآخر دافع عن عمله، وقال في رده على الانتقادات التي وجهت إليه بالانتقال من السينما التجارية إلى سينما المؤلف، إن "هذا جانب من شخصيتي، أحب أن أكتشفه، إنه فخ أن أخرج أفلام سينمائية مثل "ترافيك" أو أخرى مثل "أوشين" بأجزائه الثلاث.

 ويعرض الجزء الثالث من "أوشن 13" انتقام (أوشين) الذي يجسد دوره الممثل جورج كلوني من (ويلي بانك) الشخصية التي يجسدها آل باتشينو بعد ان اوقع بصديقه روبن. الإثارة في الفيلم تجذب المشاهد حتى آخر مشهد فيه.

وإذا كان كلوني خص إقليم دارفور باهتمام خلال ندوة صحافية للفيلم المشارك "خارج المسابقة"، فإن الشيشان حضر أيضا في فيلم روسي داخل المسابقة واسمه "أليساندرا" للمخرج الروسي "أليساندر سوكوروف". ويمثل "أليساندرا" رؤية نقدية للموقف الروسي من الحرب في الشيشان. وتزور البطلة "أليساندرا" حفيدها الضابط الروسي في إحدى قلاع روسيا في الشيشان.

الجدة المتعبة تجرّ قدميها في القاعدة العسكرية لتنقل النفسيات المهزوزة للجنود التائهين حينا والجائعين أحيانا. وتزداد الصورة سوادا حين تقرر الجدة زيارة السوق، ثم الانتقال مع امراة شيشانية اسمها مليكة إلى منزلها. جراح الشيشانيين عميقة وحقدهم على الروس كبير. ويدين المخرج هذه الحرب التي يخسر فيها الشيشان وكذلك الروس.

وليست المرة الأولى التي تسجل فيها السياسة حضورا بارزا في المهرجان، وكذلك في الندوات الصحافية، وتصبح أحيانا العامل الأساسي في تحديد الفائزين بالسعفة الذهبية كما حصل قبل سنوات مع مايكل مور في فيلمه "فهرنهايت 11/9".

موقع "إيلاف" في

25.05.2007

 
 

يوميات مهرجان كان السينمائي الدولي (8)

مخرجة إيرانية تستعرض حياتها في عمل كرتوني

"رجل من لندن" بحث سينمائي في حاضر أوروبا

محمد رضا

إذ توالت الأيام تباعاً ووصل المهرجان الى نقطة المنتصف، فإن النظرة الى الخلف تُفيد بأن بعض الأفلام التي هاجمها النقاد هنا ربما لا تزال أفضل من سواها. في المقدّمة فيلم “لياليّ التوت” الذي تم افتتاح الدورة الحالية به، والفيلم الروسي “الصد” الذي تلاه. كلاهما استحوذ على رد فعل فاتر. لكن في حين يستحقّ الفيلم الأول تقليم أظافر وإعادة تجميل، الا أن الفيلم الثاني لا يستحق “الصد” الذي لاقاه في البداية.

ولا ننسى فيلم “أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومين” الروماني. طبعاً ليس بقوّة الفيلم الروماني السابق قبل عامين “موت السيد لازارسكو” لكنه في أسلوبه الخاص مؤثر في سرده حكاية إجتماعية في زمن (1984) كان الناس فيه يعيشون على حافّة الفاقة وأكثر ما كانوا يستطيعون فعله هو تحاشي التعبير عن مشاعرهم تاركينها تقبع في الظلمات الى أن تموت ثم تبقى ميّتة الى الأبد.

مع أن الأيام السابقة شهدت أفلاماً لا يمكن اعتبارها مرشّحة الآن الى الجوائز مثل “أغاني الحب” الفرنسي و”تحيليم” “الإسرائيلي”، الا أن بعضها قد لا يكون في وارد الفوز بجائزة أفضل فيلم، لكنها تحوي احتمالات الفوز في مجالات أخرى كأفضل تمثيل او سيناريو او فيلم أول.

على هذا المستوى يلفت أن الممثلة الرومانية أناماريا مارينكا التي تلعب دور الفتاة الشابة التي تواجه المصاعب في سبيل مساعدة صديقتها الحامل على الإجهاض من دون علم السلطة، ربما كانت في مقدّمة من سيتم النظر الى أدوارهم بكثير من الاهتمام. ومع أنه ليس من المحتمل أن يخرج أي من أبطال فيلم “لا مكان للمسنين” بجوائز، الا أن الفيلم نفسه أعجب معظم النقاد ما قد يدفع به الى المقدّمة في مجالات الإنتاج والإخراج والكتابة.

والفيلم الكوبي “تنفّس” لمخرجه كِم كي دوك انزلق من دون أثر يُذكر كما لو كان وصوله أساساً تم بالصدفة. لكن ليس هناك من فيلم أثار الامتعاض لوجوده في المسابقة أكثر من الفيلم الألماني لأولريخ سيدل “استيراد وتصدير” حيث نية المخرج لم تبتعد كثيراً عن حدود توفير مشاهد ساخنة هي من أبقت المشاهدين في الصالة بانتظار المزيد منها في نهاية الشوط.

الأفلام ما زالت تتوالى، وبعضها يعد من دون أن يكون هناك وعد بأنها ستكون حسب ما نتمنّاه. لكن المؤكد أن المستوى بين الفيلم والآخر أحياناً ما هو دقيق يشبه الخط النحيف ما سيجعل المهمة، بعد خمسة أيام من اليوم شاقّة بلا ريب.

رجل من لندن (A Man From London)

المخرج الهنغاري بيلا تار يقدّم فيلماً آخر من أعماله الداكنة. احتفال مبهر أحياناً ومجرد في أحيان أخرى لرواية من أعمال الكاتب جورج سيمنون تحت ذات العنوان. في الأساس هي رواية حول موظّف سكّة حديد يشهد حادثة قتل الضحية فيها رجل كان يحمل حقيبة مليئة بالمال. لكن إذ يهرب القاتل من دون الحقيبة، ويسقط القتيل في البحر ويغرق، يهرع مراقب المحطّة الى المكان ويلتقط الحقيبة ويأخذ ما فيها من مال. تداعيات ذلك تتضمّن تحقيق التحري الذي يكشف عن أن رجلاً إنجليزياً متورّطاً في القضية وكيف تتلبّد في أجواء موظف السكّة لا تهمة السرقة فقط، بل تهمة القتل. هذا في المختصر.

على الشاشة تتحرّك الأمور تبعاً للخط العريض المذكور أعلاه مع تحويرات صغيرة هنا وهناك لكنها كافية لأن تجعل الفيلم يبدو كما لو أنه موضوع آخر من تلك التي يكتبها بيلا تار بنفسه. أساساً، الفيلم يستمد الكثير من عناصره من فيلم بيلا تار الأسبق “تانغو الشيطان”: الأبيض والأسود، الحانة حيث يعزف واحد على الأكورديون وحيت تعيش شخصيات قليلة فيه كلّما زرناه وحيث البلدة الغارقة في العزلة الكاملة. لا أحد يمشي في شوارع بيلا تار وحين يلتقط مشهداً طويلاً عامّاً للمدينة فإنها تبدو خالية تماماً من الناس والشبابيك أشبه بأعين مقلوعة ولا تعكس حياة في الداخل.

سينما تار لا تكترث لضروريات الحبكة ولا لعنصر التشويق وما يفعله المخرج هنا إذ يقتبس رواية بوليسية كتبها سواه هو إلغاء عنصر التشويق مع الحفاظ على عنصر اللغز ومعالجة عنصر اللغز على نحو يحوّل الفيلم عن جادّة العمل البوليسي. النتيجة أنه فيلم من البحث الإنساني في حاضر أوروبا. ليس أن هناك تعليقاً محدّداً حول هذا الحاضر او حول أوروبا، لكن الصور هي التي تتحدّث طوال الوقت عن هذا الوضع الذي كان أكثر مباشرة في فيلمي تار السابقين “ألحان وايرمستر” و”تانغو الشيطان”.

حركة الممثلين بطيئة والكاميرا أبطأ منها. مطلع الفيلم كاميرا تصعد من سطح البحر ببطء شديد وتستمر في الصعود الى أن تصل الى مستوى الباخرة، ولا تتوقّف هناك بل تستدير فإذا بها الآن داخل برج مراقبة حيث يمضي الموظّف لياليه عاملاً. هذه اللقطة تأخذ من عمر الفيلم عشر دقائق ولمن لم يشاهد فيلماً لهذا المخرج من قبل فإنها مجرد تمهيد للكثير من المشاهد المصنوعة بنفس الإسهاب والتأمّل والبطء.

بيرسيبولس

يختلف هذا الفيلم الكرتوني عما يُشاهد عادة من أفلام من هذا النوع.

بداية، وعلى صعيد الأسلوب الفني المستخدم، تلغي كل ما تنتجه هوليوود من أعمال، جيّدة او غير جيّدة.

تلغي كذلك الصنف الياباني من هذه السينما، وتبحث في إطار التجارب الأوروبية الشرقية حيث كانت هناك -قبل انهيار الأنظمة- السينما البلغارية واليوغوسلافية والمدرسة الألمانية او المجرية. هناك سنجد تشابهاً لهذا الفن او مدرسة تناسبه. فهو عبارة عن كرتون مجرّد من الافتعال والمؤثرات البصرية ورسم بالأبيض والأسود المناسب تماماً لفكرة لا تتحمّل التزيين.

الفيلم كرتوني سياسي من إخراج مرجان ساترابي وفنسان بارونو. كلاهما يقدّم هنا تجربته الأولى في السينما، كرتونية او حيّة. لكن الحكاية هي واقعية ومُعاشة مرّت بمرجان ساترابي نفسها. في هذا الصدد، نحن نتحدّث عن مخرجة قرّرت أن تضع في إطار الفيلم الكرتوني قصّة حياتها هي كأنثى وُلدت في العام 1969 في طهران وعاشت سنواتها الأولى مدركة الوضع الناجم عن حكم الشاه ثم الحكم الذي جاء بعده وقرارها بالهجرة الى أوروبا حيث واجهت فصلاً جديداً من حياتها حمل في طيّاته حقيقة الإطار الذي يعمد الأوروبيّون لوضع الإيراني فيه كشخص أقل مستوى حضاري من سواه. واجهت، لجانب المواقف العنصرية، شظف العيش بعدما طُردت من البيت الذي كانت أستأجرته وبعدما خانها صديقها. أصبحت بلا مأوى تعيش على القمامة الى أن جمعت قواها واتصلت بأمها وسألتها أن تعود شريطة أن لا تُسأل عن حياتها هذه. وكان لها ما أرادت.

تلامس المخرجة في الفيلم الأمور السياسية المختلفة التي نعلم جميعاً قدر مسؤوليّتها في تغيير مقادير بعض الناس. لكن الفيلم يبدو في نحو نصف ساعته الأولى كما لو كان سيتحوّل الى بروباغاندا مفتوحة ضد الشاه، ثم ضد الثورة، هذا من قبل أن ينجلي عن أن الأحداث الحقيقية التي مرّت بها بطلة الفيلم لا تستوجب مطلقاً الذهاب باتجاه السينما الدعائية. إنه لا يرسم صورة مزدهرة لإيران، لكن الواضح أيضاً انه لا يتجنّى.

أفلام مرشحة للسعفة الذهبية

تقييم: *: رديء، **: وسط، ***: جيد، ****: ممتاز، *****: تحفة

الأفلام التي تبدو آيلة لجائزة أكثر من سواها تتضمن:

No Country For Old Men ***

قد يخرج “لا بلد للمسنين” بالسعفة الذهبية أو، على الأقل، بجائزة أفضل إخراج.

The Banishment ****

“الصد” آيل الى جائزة ما الا إذا تجاوزه فيلم بيلا تار (أعلاه) او فيلم ألكسندر سوخوروف.

The Man From London ****

هل تنال تيلدا سوينتون أفضل ممثلة أم أن الفيلم بأسره آيل الى جائزة كبرى؟

My Blue Berry Nights ***

لا أتوقع ل “لياليّ التوت” الذهبية، لكن نورا جونز وديفيد ستراذرن أدّيا عرضاً جيّداً.

4 Months, 3 Weeks, 2 Days ***

ثالث فيلم أوروبي شرقي في هذه اللائحة (ولا يزال لدينا “ألكسندرا”) برهان على نشاط هذه السينما، وإذا ما فاز فيلمان شرقيان، واحد مثل “الصد” وهذا الفيلم بجائزة أصغر، فإن ذلك سيكون بمثابة تقدير لسينما آن لها الخروج من كبوتها.

غايل برنال: "نقص" عمل سياسي يحمل هموماً اجتماعية

حظي الممثل المكسيكي غايل غارسيا برنال بالإعجاب منذ أن شوهد في أول أفلامه “الحب عهر” قبل عدّة سنوات. إنه ممثل شاب بوجه لا تستطيع أن تتذكّره لتميّز صاحبه إذا ما شاهدته ذات يوم في الدكان الذي تشتري منه حاجيّاتك. لكن إلى جانب التمثيل في أفلام مكسيكية ثم أمريكية من إخراج مكسيكيين هو سينمائي في أولى خطواته كمخرج، ووصل الى “كان” لعرض فيلمه الأول في هذا المجال “نقص”.

قبله شوهد في “وأمّك أيضاَ” و”مفكرة الدراجة” و”تعليم سيئ”، فيلم بدرو ألمادوفار ما قبل الأخير. “نقص” يعرض في نطاق “نصف شهر المخرجين” وسألناه:

·     هذا الفيلم الأول لك يدور حول فتى ثري يفقد الاتجاه السليم في الحياة ويسعى لفك ارتباطه بأي قضية اجتماعية. ما الذي جعلك تقبل على هذا العمل؟

- تم ذلك بالتدريج. الكاتب كيزا تيرازاز وأنا تداولنا بعض الأفكار وخرجنا بهذه الفكرة التي بدت هشّة في البداية لكن بعض خيوطها كانت مثيرة لنا. كتب تيرازاز السيناريو الأول فوجدنا أن الفكرة أصبحت أوضح ومع النسخة الثانية من السيناريو أدركت أنني أود أن أختارها لعملي الأول وراء الكاميرا.

·         لماذا قررت أيضاً أن تمثّل فيه؟

- هذا الأمر يعود الى أن السؤال الأول الذي كان يُطرح عليّ كلما تحدّثت مع شركة إنتاج ما إذا كنت سأمثّل فيه أيضاً. وحين كنت أجيب بالنفي كان بعض المنتجين يترددون او حتى ينسحبون. حالما قررت أن أقول نعم سأكون في الفيلم تلاشت معظم المصاعب التمويلية. كان وجودي صعباً كممثل وكمخرج معاً، لكنه لم يكن أكثر صعوبة من إيجاد التمويل لو أنني رفضت البطولة.

·         “نقص” هو فيلم عن نهاية البراءة... أنت قلت ذلك؟

- نعم.

·     لكنه أيضاً فيلم سياسي يحمل هموماً اجتماعية وهذا هو أيضاً شأن الأفلام التي اشتركت فيها ممثلاً حتى ولو كانت أعمالاً مأخوذة على أساس أنها دراميات اجتماعية. هل الفيلم السياسي هو ما تقصد التخصص فيه؟

- لا أدري إذا ما كنت أريد التخصص حسب المعنى المجسّد في الكلمة، لكني أميل إليه. في المكسيك يتأثر كل فرد بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعيشها البلد. هناك مشكلات وشجون ومواقف وهناك شح في المال لدرجة أن أي شيء يقع يؤثر في المواطنين وأسرهم.

·         كيف كان تصوير هذا الفيلم من حيث شروط العمل عموماً؟

- كان التصوير متحرراً من القوالب السلفية. كنا مجموعة من السينمائيين المختلفين نحقق ما نشعر بالعاطفة الفعلية تجاهه، وأعتقد بأن ذلك انعكس على الفيلم. صوّرت الفيلم بكاميرا دجيتال وبفريق صغير، ما يضمن بروز وجهة النظر الشخصية أكثر مما لو كان التصوير تم بإمكانيات السينما الكبيرة.

سجل المهرجان...

1965 "الموهبة"

* البرازيلي، من أصل لبناني، وولتر هوغو خوري عرض “إيروس” الذي استقبل جيّداً لكنه خرج من دون جوائز. الياباني ماساكي كوباياشي قدّم “قصص أشباح” وكان هناك فرانشسكو روزي قدّم “لحظة الصدق”. اما السينما المصرية فمثّلها هنري بركات بفيلم “الحرام”.

* فيلم السعفة: “الموهبة، وكيف تحصل عليها” (رتشارد فلايشر- بريطانيا)

بأسلوبه الحيوي قام ريتشارد لستر، الذي كان حقق لفرقة البيتلز أول فيلم لها “يوم ليلة صعبة” قبل عامين، بإنجاز هذا التسجيل لعصر الستينات الشبابي. لم يوفّق باختيار المعالجة القصصية، لكن براعته الشكلية وحرارة إيقاعه دفعت لجنة التحكيم لمنح فيلمه السعفة. حافظ رتشارد لستر على حيويّته حتى حين انتقل لإخراج أفلام تجارية بحتة مثل “الفرسان الثلاث”.

1966 "رجل وامرأة"

* لجنة التحكيم هذه السنة تحت إدارة الممثلة صوفيا لورِن التي كان لديها العديد من الأفلام المتنافسة لبعض الأشهر: ديفيد لين (“دكتور زيفاغو”)، أورسن وَلز (“أجراس منتصف الليل”)، جوزف لوزاي (“مودستي بليز”) وأندريه فايدا (“الرماد”).

* فيلم السعفة: “رجل وامرأة” (كلود ليلوش- فرنسا)

ربما الزمن الذي خرج فيه فيلم ليلوش ملائم لفيلم رومانسي أنوك إيمي وجان-لوي ترتنيان يتعارفان ويتحدّثان ويدركان أنهما واقعان في الحب في النهاية. ينتقل المخرج من الأبيض والأسود الى الألوان والعكس كما كانت هناك مناسبة “فلاشباك”. ليس فقط أن الفيلم نال فيلم السعفة بل واصل نجاحه بالحصول على أوسكار أفضل فيلم أجنبي أيضاً.

أوراق ناقد ... السيارة 11

يُشاهد النقاد، والصحافيون الأفلام في عروض خاصّة بهم. معظم المدعوّين من السينمائيين أنفسهم، لا علاقة لهم بتلك العروض ولا معظم النقاد يستطيعون حضور العروض المخصّصة للحفلات الليلية- اي تلك التي يؤمّها الطرف الأول. ولذلك لا نحضر حفل الافتتاح الرسمي للدورة ولا الحفلات السموكينغ الأخرى التي تليها. لا نسير على البساط الأحمر ولا نحتار أين نوجّه رؤوسنا بينما الكاميرات تلمع من حولنا. وبالتالي لا نصل بسيارات “الليموزين” بل نستخدم السيارة “11” وهي سيّارة ذاتية الحركة.. تضع قدماً أمام أخرى فتتقدّم، تعيد الحركة على نحو مستمر فتجد نفسك، بعد ربع ساعة من المشي المثابر، قد أصبحت أمام قصر المهرجانات. لا تحاول الدخول فلا يزال عليك الانتظار لحين فتح الأبواب.. تختلط بالناس وتندفع حالما يبدأ “الماراثون” محاولاً قفز السلم العريض المؤلف من نحو ثلاثين درجة بخطوة واحدة. لكن مهلاً.... مهلاً سيفحصونك للتأكد من أنك لم تدخل وفي نيّتك تفجير نفسك لأي سبب كان حتى ولو لسبب سينمائي، مثل أن يكون الممثل أبلهاً او الفيلم يضرب على كل وتر خطأ او أن الجالس خلفك يخبط الكرسي من الوراء كلّما تحرّك، أو أن المخرج أصرّ على أن يكتب الموسيقا.

حفل الافتتاح في “كان” هذه السنة كان لافتاً.

حسب شاهد عيان، صعد الممثلون وتم النداء على أعضاء لجنة التحكيم فخرج كل منهم من وراء الستارة وعلى شفتيه تلك الابتسامة العريضة التي قد تقول: “لا أعرف كيف يثقون برأيي لكني سعيد على أي حال”. وبعد تقديم بالفرنسية وإعادة تقديم بالإنجليزية وخطبة من هنا وأخرى من هناك مرّت نصف ساعة، حسب المتحدّث، والآن سأتركه يقول الباقي بنفسه:

“حين انتهى هذا الاستعراض خرج عمّال الى المسرح، وأخذوا ينزعون الديكور وينقلونه والمفاجأة هي تقدّم عاملات وعمّال لتنظيف المسرح بالآلات. كل هذا أمام المشاهدين المندهشين، إذ عوض أن يبدأ الفيلم كان علينا الآن أن ننتظر انتهاء تنظيف المسرح. لقد كانت حفلة تقديم غير موفّقة”.

وهل سمعت بالممثلة العربية التي وصلت لعرض فيلم بعنوان “مفيش غير كده؟”. الفيلم معروض في السوق التجاري والحضور لم يزد، حسب رواية أولى عن أربعة وحسب رواية ثانية عن ستّة وبينهم المتحدّث، مع أن عروض الأفلام التجارية ليست رسمية. كل ما هو مطلوب إطفاء الأضواء وترك الفيلم يمر، الا أن الممثلة المذكورة قررت الوقوف أمام المقاعد وتنظر الى هذا العدد الضئيل جداً من الروّاد ثم تبدأ بطبع قبلاتها على كفّها وتوزيعها:

“كانت تنظر في أرجاء الصالة، كما لو أنها مملوءة، لكننا كنا أربعة أشخاص” أكد المتحدث الأول.

الخليج الإماراتية في

25.05.2007

 
 

مهرجان كان يقترب من نهايته والمسابقة مازالت تخبئ خمسة أفلام

مشاركة مخيبة لتارانتينو و فان سانت يستعيد أجواء "فيل"

الموت والدراما الانسانية محور "حافة الجنة" و"أشعة الشمس السرية"

كان ـ ريما المسمار

دورة محيرة هذا العام لمهرجان كان. مزيج من الأسماء القديمة والجديدة وحضور بارز للانتاجات الاميركية والفرنسية تميز الاختيار الرسمي خارج المسابقة وداخلها. في العيد الستين، يبدو ان ادارة كان (بشخص تييري فريمو الذي يتم عامه السادس كمدير فني للمهرجان) لجأت الى برنامج "آمن" يعيد التأكيد على قدرات المهرجان ومكانته كقوة جامعة محركة للفن السينمائي في العالم. فريمو نفسه وصف الدورة الحالية بـ"الغنية" أما جيل جاكوب الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً في تصميم البرنامج فيشير الى "اننا اخترنا ان نمزج بين الارث السينمائي والمعاصر، الاسماء المعروفة والدم الجديد". باثنين وخمسين فيلماً، تقدم الدورة الستون برنامجاً رسمياً مختصراً نسبة الى الستين فيلماً التي عرضت خلال الدورة الماضية مع وقوع معظم التغييرات في فئة "نظرة ما" التي يتراجع عدد أفلامها من أربعة وعشرين فيلماً (الدورة الماضية) الى تسعة عشر أكثر من نصفها تجارب أولى. وذلك يقرب البرنامج أكثر من رؤية فريمو الذي يريدها فئة للاكتشاف أكثر منها مسابقة موازية للمسابقة الرسمية. ولكنها المسابقة الرسمية التي تحظى بالتركيز ويُعلق عليها نقل صورة ما عن احتفالية الستين.

ولكن أكثر من ذلك، تلوح في خلفية الدورة الستين عودة الى معادلة مركبة أميركية­أوروبية بأسماء كبيرة لا تنسجم تماماً مع اختيارات فريمو خلال السنوات الست الأخيرة التي لم تخلُ من مشاكسته قوانين الكروازيت وأعرافه. فمن مساهماته الاساسية توسيع مروحة الاختيار الرسمي لتشمل الافلام الوثائقية والتحريك الى سينمائيين ذوي اساليب حادة (مثل النمسوي اولريتش سيدل في مسابقة هذا العام) وأفلام النوع التي ما كان جاكوب ليدخلها المسابقة (مثل Death Proof لتارانتينو). ولكن مثل جاكوب في العيد الخمسين للمهرجان (أي دورة العام 1997)، اختار فريمو لبرنامج العيد الستين أسماء انطلقت من مسابقة كان مثل أمير كوستوريكا، الكسندر سوكوروف، بيللا تار، الاخوان كوين، غاس فان سانت، كوينتن تارانتينو وآخرين مع غياب لسينما أميركا اللاتينية واسكندينافيا وحضور خجول للسينما الآسيوية. حتى الافتتاح الذي كان من نصيب الصيني وانغ كار واي يقدّم أول أفلامه الاميركية تماماً كما سجل افتتاح العام 1997 اول تجربة أميركية للفرنسي لوك بيسونThe Fifth Element .

ولكن مهرجان كان لم يكن يوماً خاضعاً للمتوفر ولا رهينة للموجود بل ان قدراته تتخطى ذلك الى التحكم بتواريخ اطلاق الافلام والتعجيل بانجازه لتلتحق ببرنامجه.

انه باختصار سحر كان الذي لا يضاهيه سحر مهرجانات أخرى. فهو ليس فقط أكبر تظاهرة سينمائية في العالم. ولا تنحصر أهميته في تقديمه مروحة واسعة من الانتاجات السينمائية من عواصم السينما وضواحيها والداخلين اليها من وقت قريب. ولا تكفيه مكانته التي تكرست عبر ما يقرب من ستين عاماً بمشاركات قامات السينما الكبيرة التي كانت في وقت ما مواهبها الناشئة وفي أحيانٍ قليلة معجزاتها الضنينة. ولا يغويه، وهو قبلة السينمائيين وملاذهم المنشود، أن يستريح الى ثبات في المضمون أو رتابة في أي من برامجه وفئاته. هو كل ذلك ولكنه أيضاً ذلك المزيج الخاص الذي يصعب تكراره او محاكاته الجادة... مزيج من الميل الجارف الى سينما المؤلف والانحياز الساطع الى الأصوات المتفردة بخاصية أمكنتها وثقافاتها والاحتفاء بالفن السينمائي الخلاق المتجسد على الشاشة لغة بمفردات خاصة. إلى كل ذلك, تُضاف قدرة غير عادية على تحريك خصوصية النظرة والمقاربة في قالب احتفالي مبهر وضمن شبكة تواصل مع الجمهور والصحافة واهل المهنة ونجومها وسوقها... بما هي نوافذ مطلة على السينما، هذه الحياة الحافلة بسحرها ومتناقضاتها وتأويلاتها.

المسابقة

عودة الى المسابقة الرسمية. فعلى الرغم من الاعتبارات كافة ومعرفة كثيرين بأن افلام المسابقة ليست بالضرورة أفضل أفلام المهرجان وان احتمالات الوقوع على "جديد ومختلف" أكبر في قسم "نظرة ما" حيث الافلام الاولى والخاصة بأسلوبها ونظرتها (بل ان هناك من يعتقد انه حنى سنوات قليلة الى الوراء كانت افضل افلام كان هي المعروضة على هامش كان في برنامج نصف شهر المخرجين Quinzane)... برغم كل ذلك، تبقى المسابقة قبلة العدد الاكبر من رواد المهرجان لأن الأخير مرتبط في ذهنهم بأسماء كبار السينما ومخرجيها المكرسين. وأولئك لا يعرضون افلامهم في أقسام جانبية بل في المسابقة ولأن الأخيرة تحمل علامة كان الفارقة، السعفة الذهب. تحملنا الأخيرة على التساؤل وقبل يومين فقط من اختتام المهرجان: من الاوفر حظاً للفوز بها؟ الاجابة ليست سهلة البتة. فالايام الخمسة الاولى حصرت المنافسة بين ثلاثة أفلام: الروسي The banishment والروماني 4 Months, 3 Weeks and 2 Days والاميركي No Country For Old Men للأخوين كوين. الايام الثلاثة الماضية صعبت الخيار مع دخول غاس فان سانت ب Paranoid Park وكارلوس ريغاداس بفيلم Still Lights وبيللا تار بـThe Man From London. على أن اللافت هذا العام ان ما من اجماع واضح على الأفلام كما يصعب الحديث على "فيلم مفضل" كما حدث العام الفائت مع كين لوتش وبيدرو المودوفار وناني موريتي. أبعد من ذلك، كشفت الايام الفائتة عن مفاجأتين احداهما سارة والاخرى مخيبة. "برسيبوليس" الفيلم الاول للايرانية مارجان ساترابي ( يشاركها الاخراج فينسنت بارونو) كان مفاجأة المسابقة السارة. فيلم رسوم وتحريك يروي نشأة المخرجة في ظل التحولات التي عاشتها ايران منذ الثورة الاسلامية اواخر السبعينات. الخيبة تمثلت بفيلم كوينتن تارانتيو Death Proof أو الاحرى بإدارة المهرجان لاختياره في المسابقة. بموازاة ساترابي وتارانتينو، عُرض الشريطان التركي The Edge of Heaven لفاتح أكين والكوري الجنوبي Secret Sunshineللي تاشنغ دونغ اللذان يتشاركان على أرضية الرواية والدراما الانسانية والموت. ريغاداس وتار قدما كل على طريقته قصيدة سينمائية مع ميل جارف الى الايقاع البطيء.

ثلاثة أفلام أميركية

إذا أردنا أن نكون منصفين لتارانتينو يجب أن نبدأ من الخطأ الفعلي وهو عرض الفيلم في المسابقة الرسمية. ذلك ان الشريط الذي يشكل تحية الى أفلام الاكشن والمطاردات من نوعية B Movies أي الرخيصة التي شاعت في السبعينات ينتمي أكثر الى التجرية الخاصة او التمرين الذي لا يضيف الى المصدر بقدر ما يعيد احياءه في الاذهان. والدليل على ذلك أن الفيلم هو جزء من مشروع Grind House الذي يضم فيلماً آخر لروبرت رودريغز في عنوان "كوكب الرعب" وقد أنجزهما المخرجان متمثلين بنوعية "أفلام بي" التي شاع انتاجها في هوليوود في خمسينات وسبعينات القرن الماضي ودرج عرضها متصلة تحت شعار "فيلمان ببطاقة واحدة". الا أن ادارة مهرجان "كان" أسقطت شريط رودريغز من العرض. هكذا قام تارانتيو بتطويل فيلمه من ساعة الى نيف وساعتين ليصبح فيلماً مستقلاً. لا يخلو الشريط من المتعة لاسيما تلك الدقة في استعادة تفاصيل السبعينات على الرغم من أن أحداثه تدور في الوقت الحاضر. يصح القول ان الفيلم فيلمان: في الاول ينتصر الشرير وفي الثاني يُغلب. كورت راسل يلعب دور ممثل بديل (stunt) بملامح حادة وصوت محشرج. هوايته مطاردة الفتيات بسيارته السوداء المخيفة التي يطلق عليها وصف "حصانة ضد الموت" وقتلهن بأسلوب لا يمكن وصفه سوى بالخاص. هكذا يقوم الجزء الاول على مطاردته ثلاث فتيات مثيرات بين الحانات حيث سيعثر على ضحيته الاولى. في المقعد الجانبي المكسور تجلس الاخيرة التي طلبت منه ايصالها الى بيتها. ولكنه بدلاً من ذلك يقوم معها بجولة بينما يقود بسرعة جنونية ويتوقف باستمرار مما يتسبب بتحطيم وجهها ورأسها. اما الفتيات الثلاث الاخريات فيصدم سيارتهن ليتطايرن أشلاء. في الجزء الثاني، يعثر على أربع فتيات أخريات اثنتان منهن ممثلات بديلات (إحداهما النيوزيلندية زوي بيل التي تلعب هنا شخصيتها الحقيقية كممثلة بديلة stunt اشتهرت بتأدية المشاهد الخطرة في Kill Bill بدلاً من أوما ثورمن). ولكن المطاردة هذه المرة ستنتهي بموته ضرباً على ايديهن. بالطبع لا يوفر تارانتينو طريقة لبعث تلك النوعية من الأفلام سواء أعن طريق الصورة المخربشة أو الانتقال المفاجئ من لقطة الى أخرى أو غياب الصوت والالوان بما هي عناصر مقصودة هنا بينما كانت في السابق نتيجة السرعة والانتاج الرخيص. في الحوارات، تارانتينو أستاذ كعادته وهنا تتخذ الحوارات موقعاً خاصاً فهي كثيرة وطويلة وتتركز حول الجنس والرجال والسيارات. مشاهد المطاردة بدورها عالية الاتقان ولكن... يبقى الشريط استعادة بدون اضافة لا يذهب أبعد من هدفه الاساسي: انجاز فيلم من نوعية B Movies لا أكثر ولا أقل. قد تختلف قراءة الفيلم اليوم مع انقراض صناعة هذه الافلام حيث يمكن العثور بقوة على فكرة السينما كـstunt. بمعنى آخر، لا شيء هنا على حاله. السينما ليست سينما بقدر ما هي نسخة مقلدة والممثلون ليسوا ممثلين بقدر ما هم بديلون والعنف هو أكثر من عنف ويمكن القول انه عنف ما بعد العنف... أما تارانتينو فمازال مخرجاً أكثر من B Director حيث تبرز لمساته المعقدة في بعض المشاهد ويشارك تمثيلاً في بعضها ويتولى مهام مدير الاضاءة!

اما مواطنه غاس فان سانت فيعود الى الكروازيت بعد أربع سنوات من فوزه بالسعفة الذهب عن Elephant. والواقع ان كثراً وجدوا انعكاسات من الأخير على جديده Paranoid Park. المراهقون مرة أخرى والجريمة ثانية والتركيب الشكلي كلها عناصر يستعيدها انما... بوقع أقل من وقعها في Elephant. فالاخير حمل في حكايته النواة للتركيبة الشكلية: جريمة في مدرسة ثانوية استوجبت أن يطالعها من زوايا عدة وفي أوقات مختلفة ومن وجهات نظر متعددة. فكان ذلك الشكل الدائري للكاميرا والمونتاج الذي ميّز الفيلم. اما الشريط الحالي فيستلهم تركيبة مماثلة سوى أنه لا يمتزج تماماً معها. فالجريمة التي يحاول حل ملابساتها وقعت في الليل ولم يكن عليها من شاهد سوى اثنين. ولكن الجانب الأهم والذي يبدو انه يشغل المخرج أكثر من غيره هو تعاطي مراهق مع جريمة قتل. الحكاية تدور حول "ألكس" الذي يقصد مع صديقه منتزهاً للتزلج على اللوح حيث يتبدى هناك مجتمع قائم في حد ذاته أبطاله مراهقون يقضون ايامهم هناك. ولكن الحكاية تتخطى ذلك فهي بمعنى ما نقل لثقافة جزئية غير مرئية حيث الاحساس بالخطر بديل من المخدر وعالم التزلج هروب من واقع آخر. منذ بداية الاحداث، تنكشف جريمة راح ضحيتها حارس في المنتزه. بينما يتم التحقيق مع المراهقين، يقوم "ألكس" بكتابة ما يشبه مذكراته تحت عنوان Paranoid Park. تنكشف الأحداث ببطء وبشكل بعيد من التسلسل فيعود الى المشهد أكثر من مرة ليكشف تفاصيل أخرى تغير مجرى الاحداث ومعانيها. ولكن منذ اكتشافنا ان "ألكس" هو من قتل الحارس بدون قصد، يتحول الانتباه الى سلوكه في مواجهة الجريمة وقراره عدم مكاشفة أحد بها سوى ذلك الدفتر الصغير الذي يدون فيه ما جرى. في المحصلة، يغرق الشريط في رصد حالة الوحدة والعزلة التي ينتهي "ألكس" اليها او ربما التي عاشها من قبل في ظل تفكك عائلته ولكنها تبدو أشد وطأة في مواجهة حدث كبير. يوظف الفيلم أسلوبين بصريين سينمائي وفيديو. الأخير هو أقرب الى يوميات مصورة لمجتمع المتزلجين.

الشريط الاميركي الثالث عُرض خارج المسابقة وهو الوثائقيSicko لمايكل مور الذي يعود الى المهرجان بعد ثلاث سنوات من فوزه بالسعفة الذهب عن Fahrenheit 11/9 بدراسة مؤثرة وطريفة معاً لنظام الاستشفاء في الولايات المتحدة الاميركية الذي يستفيد منه قلة على حساب الاكثرية. تتنقل لهجة الفيلم بين الجدية والسخرية والغضب اذ يقارن بين نظام الاستشفاء الاميركي وغيره في العالم. كما في فيلميه السابقين، يشكل مور محرك العمل محولاً مادة جافة الى نقاش حيوي ملموس. وسيلته الى ذلك مزيج من الحقائق والشهادات الانسانية . في الشق الاول، يقدم تسجيلاً صوتياً يعود الى العام 1971 يدور بين الرئيس ريتشارد نيكسون وادغار كايزر صاحب احدى كبريات شركات التأمين، يشيد الاول فيه بنظام الاستشفاء الذي يهدف الى تقليل الكلفة. في اليوم التالي يعلم نيكسون تبني نظام استشفائي جديد يأتي على حساب الفرد بينما يرفع نسبة الربح للشركات. من هناك تبدأ المعاناة مع آلاف الاشخاص الذين يجمع مور بعضاً من قصصهم وهي بمعظمها تدور حول تنصل شركات التأمين من تغطية تكاليف العمليات والدواء بما ينتج في أحيان كثيرة الى موت المريض. الى تلك الحكايات، يأتي مور باعتراف احدى طبيبات شركات التأمين بالتجاوزات التي قامت بها ونالت عنها ترقيات من الشركة. ينتقل مور الى بلدان أخرى لمقارنة نظامها الاستشفائي مثل كندا وبريطانيا وفرنسا حيث لا يكف عن تكرار جملته "ماذا تعني ب مجاناً؟" بما لا يخلو من تبسيط في نقل صورة نموذجية عن تلك البلدان. ولكن ذروة الفيلم هي أخذ مور لشخصيات فيلمه ممن يملكون قصصاً مؤثرة مع شركات التأمين الى كوبا حيث يحصلون على علاج مجاني وقبلها يحاولون الوصول الى سجن غوانتانامو حيث اكتشف مور انه المكان الوحيد على الاراضي الاميركية الذي يقدم خدمة طبية مجانية لـ... سجنائه! يتضمن الفيلم مشاهد من أفلام رعب وكوميديا قديمة بما يمنح المخرج أرضية أوسع للسخرية والضحك.

"حافة الجنة" و"أشعة الشمس السرية"

يقدم المخرج التركي فاتح أكين حكاية متشعبة في فيلمه "حافة الجنة" The Edge of Heaven. استكمالاً لفيلمه السابق الذي كان الحب محوره، يتخذ من الموت محوراً للشريط الحالي وعنواناً لجزءين من أجزائه الثلاثة. الحكاية تخص شاباً تركياً "نجاة" يعمل استاذاً جامعياً في المانيا حيث يعيش والده ايضاً المفتون بالنساء وسباق الخيل. خلال احدى زيارات الأخير الى شارع خاص ببيوت الهوى، يتعرف بامرأة تركية ويعرض عليها لاحقاً ان تعيش معه مقابل ان يدفع لها اجراً شهرياً يضاهي ما تجنيه من عملها. ولكن على اثر مشادة بينهما، يقوم بضربها فتسقط ميتة. قبلها، يتعرف "نجاة" بها ويعرف منها ان لديها ابنة شابة. بعيد موتها وسجن والده، يقرر "نجاة" أن يجد ابنتها التي تقيم في تركيا وان يتكفل بمصاريف تعليمها ليخفف من وطأة الشعور بالذنب. تنتقل الحكاية الى الابنة التي يكتشف خلال بحثه عنها انها اختفت منذ اشهر. تتحول الحكاية اليها فيتبين انها منتمية الى تنظيم شيوعي ملاحق من الدولة مما استوجب فرارها الى المانيا بجواز سفر مزور. هناك تلتقي بالالمانية "شارلوت" التي تعرض عليها ان تقيم معها ومع والدتها في البيت. تنشأ بين الاثنتين علاقة غرامية تنتهي بترحيل الفتاة التركية وسجنها. تقرر "شارلوت" اللحاق بها وانقاذها فتؤجر غرفة عن طريق صدفة في بيت "نجاة" الذي استقر في تركيا بعد شراء مكتبة. غير انها تجد نفسها ضحية رصاصة من مسدس كانت صديقتها طلبت منها ان تخبئه. هكذا تصل والدتها اسطنبول وتقابل "نجاة" لتفهم ما جرى لابنتها. وبعد قراءتها مذكرات الاخيرة، تقرر ان تساعد الفتاة السجينة ارضاءً لرغبة ابنتها. يتحدث الشريط عن فكرة التبادل وعن ذلك التقاطع غير المشروط بين البشر والمحكوم بالموت. فكل موت في الفيلم يدفع بالاحداث الى الامام ويتسبب في لقاء الشخصيات لتبدأ حلقة موت جديدة. يصعب فصل شريط أكين عن التحولات السياسية والاجتماعية التي تمر فيها تركيا كما لا يمكن التغاضي عن الاشارات التي يحملها في ما يتعلق بموضوع انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. فذلك التوازي الذي يخلقه الشريط بموت تركية في المانيا ومن ثم موت المانية في تركيا ليس بريئاً. ومشهد التابوت يصل الى تركيا من المانيا مرة ويخرج منها مرة اخرى الى المانيا ليس بعيداً من القول ان تبادل الموت هو مصير تلك العلاقة بين العالمين. برغم ذلك، يترك الفيلم فسحة لعلاقة انسانية ان تتفتح بين "نجاة" ووالدة "شارلوت" الالمانية. ولكنها علاقة مبنية على اسس الحاجة: نجاة الذي فقد امه رضيعاً يرى في الامرأة صورة من امه والاخيرة التي فقدت ابنتها ترى فيه الحاضن الاخير الذي رافقها الى الموت.

الموت هو محور Secret Sunshine الذي يقدم في نيف وساعتين حكاية امرأة فقدت ولدها. تنبع قوة الفيلم من التحولات التي تمر فيها "شيناي". فهي على اثر موت زوجها، تقرر الانتقال الى "ميريانغ" مسقط رأسها حيث كان يحب أن يعيش. يرافقها ابنهما البالغ من العمر سبع سنوات. في البلدة الصغرى، تنتقل الاخبار سريعاً ومنها انها تبحث عن قطعة أرض لتبني عليها بيتاً. بهدف الابتزاز، يقوم سائق باص المدرسة باختطاف الولد. ولكن عندما يكتشف انها لا تملك من المال الا القليل وان خبر شراء قطعة أرض ليس الا محاولة لاثبات مكانتها في المجتمع الجديد، يقتل الطفل ويرميه على ضفاف النهر. من هناك تبدأ معاناتها. تحت وطأة الحزن والضياع، تأخذ بنصيحة اهالي البلدة بالالتجاء الى الايمان بعد أن عبرت غير مرة عن عدم ايمانها. تذهب الى الكنيسة ويبدأ التحول. تصبح شخصاً آخر سعيداً. تحاول الذهاب أبعد بأن تقرر الذهاب الى القاتل في السجن ومسامحته. بعد مرور وقت من استقرار حالها في ما يبدو ان الفيلم استقر الى نهايته، تحدث الذروة. في السجن، يقابلها وجه القاتل مشعاً. لا أثر للحزن أو للألم. يحدثها بما كانت عازمة على الحديث به من انه وجد سبيله الى الله وان الله غفر له. في مشهد شديد التأثير تنظر اليه متسائلة: "الله غفر لك؟" بعدها تتعرض لصدمة عاطفية. فما توقعته ان يكون لغفرانها الاثر في نفس القاتل ولكنها وجدت أن لا معنى للغفران الذي تتحدث المسيحية عنه ولا لوصية ان تحب عدوك مادام الله يغفر للمجرم قبل ان تغفر الضحية له.

أحدث الشريط الايراني "بيرسيبوليس" ضجة بعيد عرضه في المسابقة الرسمية. فهو شريط تحريك مأخوذ عن كتاب رسوم بتوقيع ساترابي أيضاً، يتناول تجربتها في ايران كابنة لعائلة منفتحة بعيد الثورة الاسلامية. الشريط المليء بالسخرية يصور حياة العائلة في نقطة تحول تاريخية اي الثورة الاسلامية. ساترابي الطفلة وقتذاك تتفاعل مع الاحداث انطلاقاً من موقف أهلها فتشيد بثورة الخميني التي اعتقد الشيوعيون أنها ستقودهم الى عصر جديد. مع بروز معالم الحكم الاسلامي، تغادر ساترابي المتمردة الى النمسا لتعيش هناك تجربة مختلفة لا تخلو من قسوة. على أثر عودتها الى ايران، تصاب بالاكتئاب قبل أن تقرر متابعة دراستها الجامعية. وبعد تجربة زواج فاشلة تقرر السفر من جديد الى فرنسا هذه المرة. يحمل الفيلم نقداً لاذعاً انما بسخرية وذكاء عاليين وما ذلك التناقض بين شكل الفيلم ولهجته من جهة ومضمونه من جهة ثانية الا مدعاة لتقدير تلك التجربة المرة والاعجاب بقدرة صاحبتها على تناولها بتلك الروحية الساخرة والطريفة.

المستقبل اللبنانية في

25.05.2007

 
 

السينما الأميركية في خير وأفلامها «المهرجانية» اقل اثارة للخيبة من غيرها...

«عصية على الموت»: في صحة القاتل وسيارته المحصنة

كان (جنوب فرنسا) - إبراهيم العريس

يحدث كثيراً في مهرجان «كان» كما في غيره ان يتوقف كثر عند فيلم من هنا أو آخر من هناك... أفلام تبدو كالمفاجأة الطيبة، حتى وإن أتت من أماكن وبلدان لم يكن ثمة أمل في ان تنتج يوماً أفلاماً من هذا النوع. بل تلك هي واحدة من أهم اختصاصات المهرجان: الاكتشاف. ونحن نعرف ان مهرجانات، مثل «كان» و «البندقية» و«برلين»، لكي نقصر حديثنا على هذه التظاهرات الأوروبية الاساسية الثلاث، كانت المكان الذي منه انطلقت سينمات صارت لاحقاً كلاسيكية آتية من الهند (ساتياجيت راي...) أو اليابان (أكيرا كوروساوا...) او حتى مصر (يوسف شاهين...). والحال انه كان يحدث دائماً، في كل مرة يصار فيها الى اكتشاف من هذا المستوى، ان يدور الحديث عن انبثاق سينمات أخرى وظيفتها الايديولوجية بالنسبة الى البعض، ان يجابه السينمات الكبرى الرائجة ولا سيما منها الاميركية. على هذا النحو نعيت هذه السينما كثيراً ودفنت اكثر. ولكن دائماً كجزء من موقف سياسي هو في حقيقته موقف معاد للسلطة الاميركية، عن حق، لكنه ندر ما عرف كيف يفرق بين سلطات البلد ومبدعيه. وفي المهرجانات الثلاثة التي تحدثنا عنها، وصلت الهجومات المعتادة على السينما الاميركية الى ذرى مدهشة ولكن مضحكة أحياناً. ومع هذا ها نحن اليوم بعد نصف قرن وأكثر من بدايات هذه الحال، نرصد في «كان» انه اذا كانت هناك سينما لا تزال حية كأفراد أو ككتلة، فهي السينما الاميركية. وليس السينما التجارية الرائجة بالطبع. بل تلك السينما الأخرى التي تقارع الأوروبيين والخليجيين في العالم في عقر دارهم، في عالم سينما المؤلف والأفلام التي لديها، حقاً، شيء تقوله.

خيبات أقل

هذا العام، في «كان» يبدو هذا الواقع حاضراً أكثر من أي عام مضى. وذلك، بكل بساطة، لأن السينما الأميركية حاضرة أكثر من أي عام مضى. حاضرة بأفلامها التجارية وبأفلامها الفنية وبأفلامها «السياسية» وكذلك في افلامها التي تقف على مسافة واحدة من هذه الافلام كلها. صحيح ليس هناك، هذا العام، فيلم لوودي آلن او دايفيد لنش، او جيم جارموش. ولكن في المقابل هناك غاس فان سانت، والاخوان كون، ودايفيد ننشر وجيمس غراي ومايكل مور وخصوصاً كونتن تارانتينو... ثم ستيفن سودربرغ الذي يؤمن الجانب الجماهيري وإن كان خارج المسابقة. ونعرف ان مجرد تعداد هذه الاسماء معناه رسم صورة طيبة لما يحدث في الفن السينمائي الأميركي اليوم. وإذا كنا في بعض رسائل «كان» اليومية قد تحدثنا عن بعض خيبات الأمل إزاء أفلام كانت منتظرة بقوة فأتت ادنى من التوقعات، لا بد ان نقول إن ما جابه الأفلام الاميركية في هذا المجال، كان أضأل شأناً بمعنى ان خيباتنا ازاءها لم تكن كبيرة حتى وان جاء «بارك بارانويد» لفان سانت اقل مما كنا نتوقع من صاحب «الفيل» و«آخر الايام». في المقابل، وبعد تفكير طويل يمكن القول إن «لا وطن للرجل العجوز» للأخوة كون يعتبر تحفة سينمائية وتجديداً لدى هذا الثنائي الذي لم يكن عن التجديد منذ سعفته الذهبية لـ «بارتون فنك». المدهش لدى الأخوين كون هو أنهما مهما بدلا من المواضيع والأجواء، تظل همومهما هي هي نفسها ونبض لغتهما السينمائي دائم التجدد، وهو أمر سنعود اليه في رسائل لاحقة، اذ يقيناً ان هذا الفيلم سيسيل حبراً كثيراً خلال الفترة المقبلة. وكذلك الحال مع فيلم مايكل مور الوثائقي «السياسي» الجديد «سيكو» الذي استخدم فيه أعلى آيات التحريض واللوم لفضح نظام الرعاية الصحية في اميركا، هذا النظام الذي يظلم الفقراء – يقول مور – الى درجة انهم اذا سمعوا بأن اسرى غوانتانامو يتلقون عناية صحية مميزة، توجهوا الى هناك طالبين ان يعتنى بهم اسوة بـ «الارهابيين» الأسرى. هذا المشهد اوصل «سيكو» الى ذروة التهكم بالطبع.

حيوية فيلم

في الحقيقة يمكن التوقف مطولاً عند كل فيلم من هذه الافلام الاميركية التي تقول حيوية هذه السينما اضافة الى كونها حصناً أخيراً، وصلباً من حصون مجابهة ايديولوجية التسلط الاميركية. كوينتين تارانتينو في فيلمه الجديد (أو الجديد / القديم بالأحرى) «عصية على الموت»، لا يبدو من ناحية ظاهرية جزءاً من هذا الحصن. بل يبدو للوهلة الأولى منسجماً مع الأنواع السينمائية المنتمية الى سينما السبعينات، حيث العنف والجنس والحوار المكشوف اسياد اللعبة. في الأصل كان «عصية على الموت» جزءاً من مشروع ثنائي – جزؤه الآخر حققه روبرتو رودريغز – يفترض ان يعرض معاً في الصالات الاميركية. لكن المشروع اخفق. وبعد ان نام تارانتينو بعض الوقت، اعاد هذا الاخير احياءه مضيفاً اليه قسماً آخر. فكانت النتيجة فيلماً مستقلاً ربما يصح وصفه بأنه أكثر الافلام حيوية في تاريخ هذا المخرج الذي لم يتوقف، اصلاً، عن ادهاشنا بحيوية افلامه منذ «بالب فيكشن» و «جاكي براون» و «كيل بيل» في جزأيه.

مهما يكن لا بد ان نقول هنا ان «عصية على الموت» يتألف من فيلمين يبدوالرابط بينهما غامضاً للوهلة الأولى – لكننا سرعان ما نكتشف ان هذا الرابط هو مجرد سفاح يجوب الطرقات بسيارته المحصنة ليقتل الفتيات في سياراتهن. انه يصدم ويخبط كما يشاء لأن سيارته «عصية على الموت»، فهو رابط نفسه بأحكام. وله جسد صلب ومعرفة بهذا النوع من المجازفة، اذ ان هذه هي مهنته اصلاً: هو مجازف يستخدم في الافلام لاداء المشاهد الخطرة. وهو اعتاد على شراء السيارات المحطمة لاصلاحها واستخدامها في جرائمه التي صارت بالنسبة اليه تسلية يومية، مغطياً الجرائم بكونها حوادث سير تتسبب فيها حماقة النساء.

غير ان هذا كله لا يبدو متوقعاً منذ بداية الفيلم. اذ هنا، وفي شكل ندر ان دنا منه تارانتينو في أي من افلامه السابقة، راح يرسم صورة لفيلم سرعان ما يبتعد عنها آخذاً متفرجه الى صورة فيلم آخر... ثم ثالث، بصرف النظر عما حكينا عنه اعلاه من انقسام الفيلم جزأين. في البداية نبدو أمام حكاية اجتماعية عن مجموعة من فتيات متحررات، تلتقين في سيارة تسير بهن نحو بيت قرب بحيرة – كما نفهم – وسيقمن فيه حفلة غير مسموح للصبيان المشاركة فيها. تبقى كاميرا تارنتينو في السيارة اكثر من ربع ساعة، فيما تتحدث الفتيات في ما بينهن بلغة حوارية صدامية رفاقية تكاد تعطي صورة حقيقية لأميركا اليوم ولغة اجيالها الجديدة وهمومهم التي لا معنى لها.

كل هذا يدفعنا الى توقع فيلم شبابي صاخب، كالموسيقى الصاخبة. والكاميرا تنقلنا بعد ذلك الى الحانة حيث تواصل الفتيات حوارهن والتنغيم على بعضهن البعض والآخرين. هذان المشهدان يشغلان أكثر من ثلث الفيلم... لتنتهي الامور بعد ذلك بالقاتل السفاح الذي نراه في الحانة وقد طارد سيارتين ليصدمهما بعنف واضعاً نهاية لحياة الفتيات معاً، فيما يقاد هو الى المستشفى من دون أن تتمكن الشرطة من العثور على أي دليل ضده. في مشهد المستشفى ستبدو لنا الحكاية منتهية ويتساءل المرء ماذا، بعد، لدى المخرج يقوله؟

جواب الراعية على الراعي

تارانتينو لا تعيه الحيلة هنا: عند هذه النقطة تحديداً سيبدأ القسم الثاني من الفيلم. سيبدأه مع فتيات جديدات، لسن هذه المرة في صدد اقامة حفلة ساهرة، بل في طريقهن الى العمل في فيلم يصور في المنطقة الجديدة البعيدة عن منطقة الحكاية الأولى. كل شيء تبدى هنا لكن ليس القاتل (كيرت راسل) ولا رغبته في القتل بواسطة سيارته.. المحصنة أيضاً هذه المرة والتي كان قال في القسم الأول لفتاة رافقته فكانت ضحية اضافية له: انها سيارة عصية على الموت. بهذه السيارة اذاً، سيقوم بمطاردة سيارة الفتيات الأربع الجديدات. لكن ما لم يكن في حسبانه، هو أن منهن من تمتهن المهنة نفسها: مجازفة بديلة في الافلام، وتقوم بالدور مجازفة استرالية حقيقية كانت حلت بديلة من نيكول كيدمان في أفلام عديدة.

اذاً ما لم يحسب القاتل حسابه، هو أن المجابهة هذه المرة صعبة اكثر عليه. ومن هنا نصل الى فيلم وسباق مختلفين تماماً. طبعاً لن نواصل هنا رواية ما يحدث لأن عنصر المفاجأة فيه أساسي، والقارئ قد يريد لاحقاً مشاهدة الفيلم. لكن ما يمكننا قوله هنا هو ان تارانتينو أوصل تقنيته السينمائية في هذا القسم، واكثرها في القسم الاول، الى مستويات نادرة في تاريخ السينما، بحيث ان المتفرج ومهما كان ضليعاً في امور الخدع السينمائية والتصوير سوف يسأل نفسه في كل لحظة: كيف ترى المخرج تمكن من تصوير هذا؟ وللمناسبة لا بد ان نذكر بأن كوينتن تارانتينو يصور افلامه بنفسه ويولفها ويكتبها بنفسه وأحياناً يضع موسيقاها. غير انه سيكون ظلماً لهذا السينمائي ان يقتصر حديثنا عنه على الجانب التقني. فالفيلم أكثر عمقاً وثراء من هذا.

الفيلم يعالج – في طريقه وفي نهايته – قضية، ربما يمكن الاشارة اليها من خلال الفرضية التالية: ربما كان المخرج يشاهد ذات يوم فيلم «تيلما ولويزا» لردلي سكوت. وهو، حتى وان كان سر بمشاهدة الفيلم أسوة بمئات ملايين المتفرجين، طفق يسأل نفسه: ترى افلم تكن هاتان الفتاتان تستحقان افضل من مصيرهما في الفيلم؟ أفلم يكن عليهما ان تقاوما أكثر؟ واستطراداً لهذين السؤالين لا بد من اشارة ايضاً الى فيلمين لا شك انهما كانا في ذهن تارنتينو وهو يصيغ مشروعه: «كراش» لدايفيد كرونبرغ عن رواية ج.ج. بالارد والتي لا تحصل فيها نشوة الابطال الجنسية الا على وقع اصطدام السيارات وتلمس الحديد المحطم، ومبارزة لستين سبيرغ، حيث المباراة القاتلة بين سيارة صغيرة وشاحنة معتدية تشغل زمن الفيلم كله حتى لحظة النهاية.

نشير الى هذا، فقط، للتأكيد على المرجعية السينمائية المطلقة لدى تارانيتنو الذي يؤكد في «عصية على الموت» مرة أخرى، انه سيد كبير من سادة السينما. من السادة الذين حتى حين يقدمون العنف والقتل يقدمونه في لغة ساخرة قاسية... مثل لعبة في نهاية الأمر. والحقيقة ان كلمة «لعبة» هي التي تناسب وصف هذا الفيلم، حتى وإن كانت لعبة تعرف كيف تصور وفي عمق مطلق، حياة اليوم في أميركا. تصورها كما هي في قسوتها، في صراعاتها، في لغتها المبتذلة، وعلاقاتها الكئيبة... ولكن من دون أن يبدو على الفيلم أنه يقول هذا.

ففيلم تارانتينو الجديد هذا، الذي أحدث صدمة ايجابية في بلادة «كان» أو قسم النقاد بين مؤيد بالمطلق ومعارض بالمطلق – كما هو حاله دائماً في كل افلامه – ينتهي الى سينما جديدة، سينما تعيد في كل مرة اختراع هذا العنف من جديد. تبدو لا تشبه ما سبقها، وستشبه كثيراً ما يليها.

ترى اوليس هذا «أيضاً» دور الفن الحقيقي؟

####

نادين لبكي ربحت كل رهاناتها في فيلمها الروائي الطويل الأول...

«سكر بنات»: الأمل مهما كان الثمن ورغم كل شيء 

«كاراميل» هو الاسم الفرنسي الذي اختارته نادين لبكي عنواناً، في مهرجان «كان» وفي العروض اللاحقة لفيلمها الروائي الطويل الأول. وهي أرادته معادلاً لعنوان الفيلم في العربية «سكر بنات». لسنا ندري ما إذا كانت هذه التسمية موجودة لأن الأصل مختلف وهو «سكر نبات». مهما يكن لا شك أن لبكي وفقت تماماً في اختيار العنوان. فالكاراميل (سكر البنات، عندها) يلعب في الفيلم دوراً رئيساً. فهو يؤكل ويستخدم في نزع الشعر الزائد لدى الإناث (والذكور أيضاً كما يقول لنا الفيلم في لحظة منه)، وهو أيضاً يستخدم للانتقام. وعلى الأقل في واحد من أطرف مشاهد هذا الفيلم الذي نال إعجاباً وتصفيقاً في «كان» ندر أن حظي بمثلهما فيلم عربي منذ سنوات طويلة.

ولا ريب أنهما لم ينبعا من تعاطف مسبق مع لبنان، فالفيلم لبناني، ولا من تعاطف مسبق مع مخرجته التي لم يكن أحد هنا يعرفها، أما الذين يعرفونها عندنا فلم يكونوا واثقين أنها ستنجح في «خبطتها» الأولى، فنادين لبكي آتية كما نعرف، من عالم الفيديو كليب.

والحقيقة ان نجاحها في هذا العالم، وخصوصاً بفضل ما صورته من أفلام لنانسي عجرم، جعل كثراً يعتقدون بأن حلمها السينمائي لن يتحقق، وأنه إن تحقق لن ينتج شيئاً لأن «عالم الأغنية المصورة يستهلك صاحبه» قالوا. لكنهم نسوا أن لبكي وقبل ولوجها هذا العالم بنجاح، كانت حققت سينما قصيرة ولا سيما في فيلم «11 شارع باستور» الرائع.

هي، نادين لبكي، لم تنس هذا. وكذلك لم تنس فن التفاصيل والاختصار الذي تعلمته من مهنتها الجديدة، ثم لم تنس انها، وإن أرادت أن تقدم بيروت ولبنان – كالعادة – في فيلمها الطويل الأول، يجب أن يأتي التقديم مختلفاً. وإلا فالأمر لا يستحق الجهد، عليها أن تقول ما لم يقل بعد عن واقع الحياة في لبنان اليوم. عليها أن تقول ما لا يقال كثيراً عن واقع المرأة اللبنانية وآخر أخبار الجيل الجديد. ولكن من دون أن يفوتها أن تترك مكاناً واسعاً للأجيال الأقدم. عليها أن تقول حرفيات الواقع القاسي من دون أن تنسى الحب والقيم (التضحية بالذات مثلاً في سبيل الآخرين، روز وأختها). وهذا ما فعلته المخرجة حقاً في هذا الفيلم الذي كتبته وأخرجته ومثلت فيه الدور الرئيس. لكنه، في الحقيقة، ليس دوراً رئيساً تماماً. هي، في «سكر بنات» واحدة من فتيات يماثلنها أو يفقنها سناً، يعملن معاً في صالون للتجميل – ومن هنا حكاية المادة المزيلة للشعر -. بين فتح الصالون صباحاً وإغلاقه مساء، تدور شؤون الحياة أو تسير حياة الفتيات هادئة/ صاخبة... على عكس حياة المدينة الصاخبة دائماً.

كل التفاصيل في يومية الحياة هذه تدور أمام أعيننا وكأنها هنا منذ الأزل والى الأبد. غراميات عابرة، رغبات مكبوتة، شجارات صغيرة، ضوابط اجتماعية صارمة وطوعية. وخطبة وزواج، وصولاً الى عملية رد بكارة كانت واحدة من الفتيات فقدتها والآن تريد استرجاعها وقد اقترب عرسها وخطيبها محافظ (كما في «يا دنيا يا غرامي» لمجدي أحمد علي المصري).

لكن نادين لبكي لا تحول أي شيء من هذا كله الى أحداث درامية فاقعة. حتى قصة الحب التي تعيشها ليال (نادين) مع رجل متزوج ستنتهي بهدوء، بعد انتقام من زوجته. ستنتهي لتستبدل بحكاية غرام أخرى، محتملة، مع شرطي لا يتوقف، هو عن معاكستها أول الأمر. ليال لن تقبل الشرطي إلا بعد أن «تنتف» له شاربيه بالكاراميل.

قاسى عالم «كاراميل» في الظاهر (مأساة روز...)، لكنه ليس فجائعياً. إنه عالم آثرت المخرجة/ الكاتبة ألا تصور فيه الأشرار. فالناس لديها كلهم طيبون. لأن كل شيء عابر (كما الحياة نفسها). والجنون هنا (جنون ليلي) ليس درامياً بدوره. وحتى قرار روز بأن تتخلى عن أملها برجل (عجوز) بعد أن ضحت من أجل ليلي طويلاً، سيقابل بدمعة، ثم تسير الحياة كما هي. وجمال صديقة الصالون، لن تنهزم حتى وإن اضطرت الى اخفاء عمرها المتقدم وسقوطها في تجربة تمثيل بعد الأخرى. وريما (حسن صبي!) ستجد الحب من حيث لا تتوقع. والفتاة الغامضة التي تلاحق ريما ستقص شعرها في النهاية من دون خوف من الأهل، عبر مشهد شديد الجمال والحيوية يختم الفيلم.

فيلم نساء إذاً؟ أكثر من هذا، فيلم عن الإنسان والحياة حققته امرأة لا تريد أن تصفي أي حساب إلا مع اليأس، لا شيء يدعو الى اليأس في هذا الفيلم، لأن الحياة هنا مهما كان الأمر ومهما كان الثمن. وإذا كان الكاراميل في الفيلم يكشف عن استعمالات كثيرة، لا شك في أنه يعكس أيضاً ما هو حلو ولذيذ في الحياة. وفيلم نادين لبكي الأول، يقول هذا، من دون أن يبدو انه يكذب على نفسه وعلى الآخرين. برافو!

####

حب السينما ... حب الحياة

الأحداث العنيفة التي عرفها لبنان خلال هذا الأسبوع وصلت أخبارها في شكل حزين ومخيف الى «كان» لتبلغ الذروة في الوقت نفسه الذي كانت فيه السينما اللبنانية تحتفل بحضورها الاستثنائي في دورة المهرجان لهذا العام، وكذلك بنجاحها النسبي في إثارة اهتمام عالم السينما. كان الاحتفال سهرة عامرة أقيمت على الشاطئ ليلاً، صخبت فيها الموسيقى واختلط السينمائيون بعضهم ببعض. قبل تقديم فرقة غنائية جيء بها من لبنان خصيصاً، أعلن عريف الحفلة عن متفجرة فردان. ساد الحزن الوجوه كلها لدقائق. لكن الحياة كان لا بد لها أن تستعيد وكذلك السينما. قال ناقد فرنسي صديق: لا بد من هذا وإلا لحقق الإرهابيون جزءاً من هدفهم وهو إرهاب الناس. أجابه زميل لبناني واثق أن المواجهة نفسها «حياة ضد إرهاب» تقوم في لبنان أيضاً. شارك في الحفلة دومينيك بوديس، النائب الفرنسي السابق والرئيس الجديد لمعهد العالم العربي، الذي أخبر «الحياة» انه سيقوم بزيارة قريبة الى بيروت لدعم المعهد. سألناه: هل ستؤثر هذه الأحداث على موعد زيارتك؟ ابتسم وأجاب: على العكس، ستجعلها ضرورية أكثر، وربما اسبقها. كل الأمور صالحة لمواجهة من يريدون ثقافة الدمار، مشيراً الى السينمائيين اللبنانيين وقد واصلوا احتفالهم وأضاف: الثقافة خير حصن في مواجهة القتل.

> في كل مكان في «كان» وطوال أيام المهرجان، احتفلت السينما بنفسها، وكأننا هنا في مناسبة تتعلق بتاريخ السينما، والذروة كانت في تلك الأفلام الثلاثين ونيف التي كان جيل جاكوب رئيس المهرجان كلف بها بعض كبار سينمائيي «كان»، من الفائزين وغير الفائزين في الماضي بالجوائز الكبرى – على أن يستغرق كل شريط ثلاث دقائق. معظم الأفلام كان متميزاً اذ غاصت في علاقة السينمائيين مع هذا الفن. لكن المتميز أكثر كان المشهد الذي ادهش المتفرجين: يوم عرض مجموع الأفلام معاً، صعد جيل جاكوب الدرج الشهير، مصحوباً بنحو دزينتين من اولئك المتفرجين، الذين أتى معظمهم من دون أن يكون له عمل معروض في «كان» غير ذلك الشريط الصغير، وقفوا معاً وتصوروا معاً: تاريخ السينما خلال نصف قرن برز من عيونهم. قالت تلك العيون حب السينما والتوق الى الحياة، لو لم يكن هناك غير تلك النظرة في العيون، لكان المهرجان حقق كل غايته في ستينيته.

> ... ولكن كانت هناك نظرة أخرى: نظرة مارتن سكورسيزي المليئة بالحماس والفرح وألق الشباب، على رغم اقترابه من السبعين، نظرته والى جانبه المغربي احمد المعنوني والمالي سليمان سيسي فيما عشرات الكاميرات تلتقط الصورة، صورة أخرى تضاف الى عنوان «حب السينما». إذ في تلك الوقفة تحدث اكبر سينمائي أميركي حي» عن مؤسسة جديدة اقامها مع رهط من رفاقه، من بينهم الصيني وونغ كارواي مهمتها الحفاظ على الافلام القديمة وتوفير طبعات جديدة منها عبر وسائل تقنية حديثة. المشروع يتم شراكة مع سينماتيك بدلونيا (الايطالية). لافت ان اول فيلم صنع بهذه الطريقة كان «اهتزازات» للمغربي احمد المعنوني. وهو فيلم صار عمره أكثر من 30 سنة واهترأت نسخته بعد عروضه الأولى، قبل عامين تقريباً كان سكورسيزي في ضيافة المغرب ووعد بما فعل الآن... وها هو يفي بوعده، معيداً بعض ما في السينما الى حاضرها. كلامه خلال المؤتمر الصحافي كان كالشلال الهادر. لم ينافسه في انسيابه القوي سوى تصفيق الحضور.

> للعام الثاني على التوالي تنشغل مجلات مهرجان «كان» المتخصصة بالسينما العربية، على غير اعتياد. واذا كان هذا الانشغال، اذ طاول السينما اللبنانية وفيلمي نادين لبكي ودانيال عربيد، في مقالات نقدية ابدت دهشتها لهذه الانبعاثة لسينما غير متوقعة، فإن الانشغال انقسم بعد ذلك بين كتابات ومقالات سريعة تسخر «في شكل أو بآخر من بعض حمّى المهرجانات العربية ومن التنافس المضحك في ما بينها، وأخرى - مدفوعة الثمن طبعاً – تعلن عن مشاريع جديدة ترافقها صفحات اعلانية صاخبة عن تلك المشاريع. بعض الاهتمام الأكثر جدية انصب على اخبار «غودنيوز» الشركة المصرية التي يرأسها عماد الدين اديب، والتي لفتت الانظار العام الفائت بعرضها فيلمي «عمارة يعقوبيان» و«حليم». هذا العام لم يكن لدى «غودنيوز» ما تعرضه، وإنما كان لديها ما تتحدث عنه: افلام جديدة منها واحد عن «القاعدة» وآخر عن «محمد علي باشا» وثالث عن شخصية دعيت ابراهيم الأبيض، اضافة الى فيلم جديد لعادل إمام الاعلان عنه صفحات كاملة في «فارايتي» وغيرها. هل نأمل ألا تتكرر الاخبار نفسها والاعلانات نفسها في «كان» المقبل؟ نقول هذا لأن الاخبار نفسها كنا قرأناها في المجلات نفسها عن الشركة نفسها والأفلام نفسها في «كان» الماضي.

> في هذه الاثناء، الحركة السينمائية الاسرائيلية تضج بحيوية لم تكن متوقعة. ولوبيات الانتاج الغربية المناصرة لاسرائيل تتحرك بقوة ايضاً ما يعزز تحليلات اولئك الذين يقولون عادة إنه في كل مرة وجدت اسرائيل نفسها في مأزق سياسي ما، يهب الاسرائيليون وأصدقاؤهم للدفاع عنها، وأن بأكثر الاشكال ابتكاراً. طبعاً من الصعب وضع أفلام مثل «زيارة الفرقة الموسيقية» في خانة هذا الدفاع. ولكن تحديداً، ان يختار المهرجان فيلماً شديد التعصب لاسرائيل مثل «تيلحين» (فراير) للفرنسي الأصل الأميركي الهوى الاسرائيلي الإقامة رافائيل بخاري للمسابقة الرسمية ما يسلط عليه كل الأضواء، أمر مدهش إن عرفنا أن «زيارة الفرقة الموسيقية» العامر بالروح الانسانية والمنقذ مواربة أو صراحة لانعزالية الفكرة الصهيونية، كان يمكن أن يعرض في المسابقة الرسمية، بدلاً من أن يوضع في تظاهرة ثانوية. من هنا يطرح سؤال، من يختار ولماذا.. الافلام التي تمثل بلداناً أو افكاراً حساسة مثيرة للجدل؟ مهما يكن ليس هذا كل شيء. فالاعلانات الصاخبة «تبشرنا» منذ الآن بسلسلة أفلام جديدة تذكر بكم ان اسرائيل وشعبها كان ضحية في الماضي، ما يعني ان كل سلوكهما الحاضر انما هو محاولة للحيلولة دون أن يكون ضحية في الحاضر وفي المستقبل، وفي هذا الإطار يأتي فيلم عن روزنتال، الصهيوني مطارد المسؤولين النازيين. والفيلم الآخر عن اختطاف ايخمان في الارجنتين ومحاكمته واطلاقه في اسرائيل اوائل سنوات الستين من القرن العشرين. انه حب آخر للسينما ولكن على الطريقة الاسرائيلية.

الحياة اللندنية في

25.05.2007

 
 

العشيقة القديمة في حلبة مسابقة كان

قصي صالح الدرويش من كان

في فيلمها الثالث عشر "العشيقة القديمة" تدخل المخرجة والروائية الفرنسية كاترين بريا حلبة المسابقة الرسمية لمهرجان كان. ومن أفلامها التي لقيت نجاحًا في السابق Sex is comedy  الذي شاركت به في تظاهرة نصف شهر المخرجين عام 2002 وقبله فيلم "إلى أختي" الذي شارك عام 2000 في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين. وقد كتبت المخرجة سيناريو  فيلمها الجديد، اعتمادًا على رواية كتبها باربي دوريفيلي في منتصف القرن التاسع عشر.

يتحدث الفيلم عن العشق وأسراره وفضائحه وخياناته الذي كان أحد نشاطات الطبقة الأرستقراطية الفرنسية المرفهة والخاملة في القرن الثامن عشر.

أحداث الفيلم تتمحور حول الزواج المنتظر الذي يتحدث عنه الجميع، حيث تقرر الماركيزة دوفلير تزويج ابنتها الشابة، زهرة الأرستقراطية الفرنسية، من رينو دو ماريني بين وهو شاب "متحرر" من القيود والأخلاق السائدة، لكن الهمس يتردد في الصالونات بأن زير النساء الشاب هو عشيق وفريسة لسيدة بلاط اسمها لافيللين وهي ابنة غير شرعية لدوقة ومصارع ثيران، معروفة بفضائحها. العشيقة القديمة تبذل المستحيل لثني حبيبها عن زواجه المنتظر مع الصبية البريئة العفيفة والتي تحبه.  

باعتماد أسلوب رواية تفصيلي مليء بحكايات الجنس التي تستمتع بسردها الماركيزة العجوز، بنت المخرجة فيلمها لتقدم صورة تباين ميكانيكي بين الطهارة المبالغ بها والحرية الاستهتارية الشديدة المبالغة بدورها. صراع بين طرفي تناقض، الضعف إزاء غواية الشهوة مقابل طهارة البراءة. بل أكثر من ذلك يصل التباين إلى مستوى الشكل، خطيبة شقراء عفيفة بريئة وعشيقة سمراء مثيرة ومجربة. عشيقة يفوق عنف هواها الجارف سحر عشق الشقراء البريئة.

محاولة رسم لوحة تبرز التناقضات بين أبيض وأسود، خير وشر جاءت مفتعلة، مقارنة بما عرفنا من مغامرات تتناول الفترة الزمنية نفسها في فيلم "علاقات خطرة" للمخرج البريطاني المبدع ستيفن فريير، الذي يرأس لجنة التحكيم في دورة مهرجان كان لهذا العام. 

أداء الممثلين في فيلم "عشيقة قديمة" جاء شديد التفاوت كما شخصيات الفيلم، بين ممثلة متألقة مثل آسيا أرجنتو في دور العشيقة وبين الممثلة الجميلة روكسان ميسكيدا التي لم تلمع في دورها، على  الرغم من أنها تقف أمام عدسة المخرجة نفسها للمرة الثالثة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الممثل مايكل لونسدال الذي ظهرت خبرته تألقًا في الأداء وبين الممثل الشاب فؤاد آيت عطو الذي بدا محدود الموهبة أو على الأقل فاقد الخبرة، وهكذا كان حال الصحافية الشهيرة كلود ساروت التي عملت لمدة أربعين سنة مع جريدة لوموند، إضافة إلى تجارب إذاعية وتلفزيونية وروائية وهي ابنة الروائية المعروفة ناتالي ساروت.

الفيلم متوسط المستوى والتشويق لا يرقى إلى درجة المنافسة، لكنه يعلن عودة المخرجة التي بدأت حياتها ممثلة في فيلم "التانجو الأخير في باريس" مع المخرج الإيطالي برتولوتشي، إذ إن كاترين بريا كانت قد تعرضت لجلطة دماغية في خريف عام 2004 تلاها نزيف دماغي أسفر عن شلل دائم في ذراعها وساقها اليسرى وجاءت عودتها إلى العمل بعد عام من إصابتها كنوع من العلاج الفيزيائي أو إعادة التأهيل على حد قولها.

عن ممثليها الشباب تقول المخرجة، إنها أرادت تقديم أجمل ثنائي عرفته السينما الفرنسية منذ أيام ألان ديلون وكلوديا كاردينالي، فكان اختيار روكسان ميسكيدا. الطريف أن ميسيكدا قالت إنها تقف للمرة الثالثة أمام عدسة بريا وللمرة الثالثة تفقد عذريتها في أفلامها. أما الممثل الذي أرادته جميلاً جدًا، فلم تجده على الساحة الفنية الفرنسية، بل وقع نظرها على شاب مغربي الأصل في أحد المطاعم فقررت أنه هو بطلها، نظرًا لما تنطوي عليه وسامته من أنوثة دون أن يكون مخنثًا.

موقع "إيلاف" في

25.05.2007

 
 

القبس في مهرجان كان ال 60

من أمثال الأخوين كوين ودافيد فنشر وجوس

السينما الفرنسية تتراجع أمام 'عتاولة' المخرجين

رسالة كان يكتبها صلاح هاشم

السينما الفرنسية 'المقاومة' التي يقام المهرجان على ملعبها السينمائي الدولي في مهرجان 'كان' الستين، يبدو انها لن تستطيع أن تصمد طويلا، بخاصة في المسابقة الرسمية للمهرجان، أمام هذا التيار من الأفلام القوية الجميلة من أميركا ورومانيا وكوريا وغيرها التي أتحفنا بها، والتي حضرت من خلال سينما المؤلف الشخصية، وأكدت توهجا سينمائيا بارزا خلال هذه الدورة، ومن المؤكد بسبب ضعف الأفلام الفرنسية وتهافتها وتفاهتها في المسابقة، أنها ستخرج من المهرجان بلا حمص.

كان الفيلم الفرنسي 'أغنيات الحب' LES CHANSONS DصAMOUR لكريستوف أونوريه، المشارك في المسابقة، الذي يحكي عن علاقات الحب الجديدة بين الشباب في فرنسا، ويقوم ببطولة الفيلم شاب عربي يدعى إسماعيل، يبدو ونحن نتابع أحداث الفيلم في أول مشهد من خلال لقطات لإيقاع الحياة في باريس الأخرى خلف الواجهة السياحية الشهيرة، انه سيكون واعدا، اذ نتعرف في الفيلم على إسماعيل الذي ينتظر حبيبته، إلى حين خروجها من صالة سينما في باريس، ويروح يغني لها ويرقص على الواحدة، غير أن حبيبته المنفتحة على الآخرين، تقبل أن ينام إسماعيل معها وصديقتها في فراش واحد، وعليه أن يكون متسامحا ومتفهما لدورة الأفلاك التي تفاجئنا مع الأيام التي تتبدل بكل ما هو عجيب وغريب 'رب أرحم'، ويحاول المسكين أن يتحكم في مشاعر الغيرة التي 'تعكنن' عليه حياته من دون جدوى، ويحزن إسماعيل وحده، ونتعرف في الفيلم على أسرة حبيبته الفرنسية، التي تجد ان مسألة الحب من الجنس نفسه شيء طبيعي ـ هل ترون غير ذلك؟ انه ـ حسب العرف الفرنسي الجديد ـ قمة التخلف ـ بل ان الأم المتطورة مع الزمن، تفرح جدا لابنتها التي يحبها إسماعيل وزميلته في العمل، ثم تموت فجأة حبيبة إسماعيل بالسكة القلبية، بعد مضي ربع ساعة من الفيلم، وينتهي كل شيء، وينعى إسماعيل حبيبته، ويقاوم ويحارب حزنه على فقدانها بالغناء، وتمضي أحداث الفيلم من خلال المشاهد الحوارية الطويلة المملة والثرثرة الفارغة التي تجعلك تموت من الهم في مقعدك، وعليك أن تسارع كما فعلت بالهروب من الصالة، وذلك الفيلم الميت الذي لم يحرك في شعرة او خلجة، وجعلني أتساءل: اللعنة هل هناك بالفعل حاجة الى صنع وتمويل مثل تلك الأفلام، التي تقصفنا كما في بعض أغنيات الحب بتفاهات السينما الفرنسية العقيمة؟

أكيد كان طموح كريستوف أونوريه أن يصنع فيلما على شاكلة 'مظلات شيربورغ'، الفيلم الموسيقي الجميل الأصيل الذي صنع شهرة الفرنسي جاك دومي، وحصل به على سعفة 'كان' الذهبية في دورة سابقة، وكشف عن موهبة سيدة الشاشة الفرنسية كاترين دينوف وهي بعد في المهد صبية، غير ان سيناريو الفيلم الركيك الضعيف في 'أغنيات الحب' لم يساعده، حيث بدا لنا الفيلم مسطحا وفارغا من أي محتوى، او هم حقيقي، وهبط التمثيل الضعيف بالفيلم بل قضت الأغنيات والموسيقى التافهة على البقية المتبقية منه ونعتبر انه لم يكن يليق بمهرجان سينمائي كبير مثل مهرجان 'كان' بخاصة بمناسبة الاحتفال بعيده الستيني.

أن يختار هذا الفيلم الفرنسي الدعائي في مسابقته الرسمية، بل لم تكن هناك ضرورة عاجلة لأن يصنع أو يفبرك هكذا بالمرة، وليس صحيحا كما يقول كريستوف أونوريه من أن أغنيات الحب تحكي القصة نفسها: حين تردد أن هناك كثيرين 'وقعوا في حبك من أول نظرة'، ومن 'إني لا أستطيع أن أعيش من دونك' الخ، كما أنها يقينا لا تحكي فقط تلك القصة التي أراد أن يسردها علينا، ونحيله هنا والقراء فقط إلى فيلم 'درس البيانو' للنيوزيلندية جين كامبيون، ترى هل يحكي القصة ذاتها؟

خيال وذاكرة

وتدخل فرنسا المسابقة الرسمية أيضا بفيلم 'لباس الغطس والفراشة' LE SCAPHANDRE لجوليان شنابل الذي لم يعجبنا، على الرغم من أنه يحكي قصة واقعية، بعدما وقع حادث مؤسف لمدير تحرير مجلة 'ايل' الفرنسية، فقد على أثره النطق وصار مشلولا, وخلال ربع الساعة الأولى من الفيلم، نعيش مأساته، ونرى من خلال تطور أحداث الفيلم، حيث يعالج في مصحة للعجزة والمقعدين والمشلولين، كيف سيتحرر من خوفه، ويتغلب على يأسه، بقوة 'الخيال' و'الذاكرة' اللذين لم يصبهما الشلل، على العكس من بقية أعضاء جسمه، ف 'الخيال' يجعله ينطلق بحرية حيثما يريد، فيسافر ليشاهد معجزة الأهرامات وأبو الهول في مصر ـ وتظهر بالفعل لقطة لأهرامات مصر في الفيلم ـ ويتزحلق على الجليد في منتجع سويسري، ويروح يسبح داخل المياه الصافية في تاهيتي او جزر سيشل.

كما يستطيع بقوة 'الذاكرة' أن يسترجع أيام طفولته وشبابه وأجمل أيام حياته التي عاشها مع زوجته وأولاده وأصدقائه، وبعد أن نتعرف على الطريقة التي سيستطيع من خلالها أن يتكلم برمش العين، وينتهي من وضع كتاب من تأليفه، ينحرف الفيلم بداية من تلك اللقطة التي يظهر فيها وهو يحلق لوالده شاربه، ينحرف عن اتجاهه، ويدلف إلى منطقة الكلام المحرمة، ليحكي الأب عن حبه لزوجته ويعبر الابن بطل الفيلم عن امتنانه لتقدير الأب، وهي أشياء لا تضيف سينمائيا إلى بداية الفيلم الموفقة، التي يتخيل فيها بطلنا بعد الكارثة التي وقعت له، وقد فقد معها كل اتصال له مع العالم الخارجي، انه حبيس لباس غطس مصفح ثقيل من الرصاص من النوع القديم، وهو يغرق ويصرخ ملتاعا داخله ان انجدوني.

ثم كيف سيتحرر في ما بعد بقوة 'الخيال' و'الذاكرة' وإرادة من حديد، ويتغلب على يأسه وعجزه ويحلق خفيفا كالفراشات، ومن هنا الاختيار الموفق لاسم الفيلم، الذي ينتهي كما ذكرنا بعد ساعة، ويدفعنا بسبب الملل الى مغادرة القاعة غير نادمين.

والمؤكد أن مجموعة الأفلام الفرنسية بما فيها 'العشيقة المسنة' لكاترين بريا و'بيرسوبوليس' لمرجان سترابي وفنسان بارونو اللذين لم يعرضا بعد- لن تستطيع أن تصمد لضربات أفلام سينما المؤلف، التي احتشدت بها مسابقة الأفلام الرسمية، التي عرضت عدة 'تحف' سينمائية بهرتنا بنضجها وجمالها وقوتها، بل صارت قطعة منا، أكبر منا.

مسرح الدم والفوضى

من ضمنها فيلم 'لا بلد للعجائز' للأخوين كوين NO COUNTRY FOR OLD MEN الذي يحكي عن 'الغرب' الأميركي الذي يشاهد فيه مفتش بوليس عجوز فيلسوف حكيم، يلعب دوره باقتدار الممثل الأميركي تومي لي جونز، يشاهد كيف يتحول ذلك الغرب بتاريخه وجماله ومثله وقيمه الى 'مسرح' عبثي للعنف والجريمة وتجارة المخدرات، مسرح يعبره شيطان شرير لا يرحم، ولا يفهم الا لغة القتل والسحل والرصاص، وفي حين يقدم الأخوان كوين من خلال أحداث الفيلم نموذجا أصيلا من أفلام 'النوع'، نوع أفلام 'الوسترن' رعاة البقر الشهيرة، التي كان أبطالها مثل جون وين وبيرت لانكستر وراندولف سكوت وروبرت ميتشوم ينجحون دوما في مطاردة الأشرار المجرمين، واعتقالهم، وإعادة الحقوق إلى أصحابها.

يفشل مفتش البوليس العجوز في ذلك الفيلم في القبض على الشيطان الشرير، لأن الزمن تغير، والقيم تغيرت، وعليه الآن أن يتأمل في ما سوف تؤول اليه أحوال البلاد في ذلك الغرب الذي لم يعد، بعدما كان 'الشريف' في ما مضى ـ من يصدق؟ ـ لا يحمل مسدسا، كما يقول في الفيلم، ولا يجد نفسه مضطرا إلى ذلك، وينجح الأخوان كوين في صنع فيلم باهر ناضج لاهث، يحبس الأنفاس، كما في أفلام الفريد هيتشكوك التي تخلق توترا متصاعدا يجعلنا مشدودين إلى مقاعدنا، بل ولا نريد للفيلم أن ينتهي أبدا، ونرشحه للحصول على سعفة 'كان' الذهبية أو الجائزة الكبرى في الدورة الستين.

كما يبرز من ضمن الأفلام الرائعة التي عرضت في المسابقة فيلم 'أربعة أشهر وثلاثة اسابيع ويومان' MONTHS 4 للمخرج كريستيان مونجيو من رومانيا، ونرشحه للحصول على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، حيث يعرض لمحنة البشر في رومانيا الدكتاتورية في السبعينيات تحت حكم شاوشيسكو من خلال قصة طالبة جامعية حامل في الشهر الرابع، تسحب زميلتها بطلة الفيلم الى فندق لإجراء عملية اجهاض فيقعان ضحية مجرم جزار، لا يطلب أجرا نظير إجراء العملية، بل يطلب ما هو أثمن من ذلك بكثير، حيث يضاجع كل واحدة منهما على انفراد، وتضطر الطالبة التي حضرت مع زميلتها في مابعد أن تتخلص من الجنين، ويكشف الفيلم من خلال محنتها عن أجواء الرعب والخوف البوليسية التي سادت آنذاك بأجوائها السوداوية العبثية، ويجعلنا نتعاطف مع بطلته التي تشكل تلك الحادثة انعطافة مهمة في حياتها، انعطافة تجعلها تفكر في حياتها من جديد وكأنها تفيق من 'كابوس' مرعب ومعه تنهار كل أحلام الحب الجميلة، ويزول الوهم

فيلم 'أربعة أشهر' يضع هوية إنسانة على المحك ويجعلها تعيد النظر في حياتها من جديد، ومن ابرز مشاهد الفيلم اللحظة التي تدلف فيها بطلته الى الحمام، لكي تلف الجنين في ورقة وتحمله في حقيبتها ثم تغادر الفندق لتتخلص منه بإلقائه في مقلب قمامة داخل أحد المجمعات السكنية في ضواحي المدينة الكئيبة، ويبرز أيضا في الفيلم الذي يذكرك بأفلام المخرج البريطاني كين لوش الواقعية، مشهد الاحتفال بعيد ميلاد أم خطيب بطلة الفيلم، ويدعوها إلى الحضور مع باقة زهور فتنسى شراء الزهور وتصل إلى الحفل بعد أن يكون اغتصبها ذلك الطبيب المزيف، وهي تكاد تموت من العار، ومن القلق على صديقتها التي تركتها وحدها وهي تنزف بعد إجراء عملية الإجهاض البشعة في الفندق، وتكتم البطلة السر وتضع غطاء على حزنها ولا تفاتح خطيبها في الموضوع وتجد نفسها وحدها في ذلك العالم وعليها الآن أن تنسى كل شيء فلا احد سيغسلها أبدا أو أن يطهرها من عارها.

والسؤال المطروح الآن هو كيف ستستطيع السينما الفرنسية أن تصمد يا ترى بأفلامها 'الذهنية' المدعية الضعيفة العقيمة، أمام تلك الأفلام؟ مثل كاسحات الالغام التي أعجبتنا، من جنس 'بارانويد بارك' PARANOID PARK الذي كتبنا عنه، وفيلم 'زودياك' ZODIAK ونرشحه للحصول على جائزة أحسن أخراج أو أحسن سيناريو، وسنعرض لذلك الفيلم الأثير لاحقا، وفيلم 'لا بلد للعجائز' وفيلم 'اربعة أشهر'، ونرشحها كما رأيتم جميعها، للحصول على جائزة من ضمن الجوائز التي توزع في نهاية المهرجان؟علينا أن ننتظر، ونراهن من الآن على أنها يقينا ستخرج من مهرجان 'كان' الستين الكبير بلا حمص.

القبس الكويتية في

25.05.2007

 
 

يكشف فيلم «الجانب الآخر» حياة على ـ تونجل كرتيز ـ

فاتح اكين الأوفر حظا للفوز بالسعفة الذهبية عن «الجانب الآخر»

كان ـ العرب أونلاين: يعد الفيلم المؤثر "الجانب الاخر" للمخرج الالمانى التركى الأصل فاتح اكين الذى يقيم جسرا بين المانيا وتركيا ويصف حياة اسرتين قربتهما مأساة، من الافلام الاوفر حظا لنيل السعفة الذهبية الاحد.

ويؤدى ممثلون اتراك والمان ادوارا فى فيلم "الجانب الاخر" الذى يشكل الجزء الثانى من ثلاثية اطلقت مع فيلم هيد اون الحائز على الاسد الذهبى لمهرجان برلين عام 2004.

فى فيلم هيد اون تبرم شابة تركية مولودة فى المانيا عقد زواج مزيفا مع تركى مدمن على الكحول والمخدرات يكبرها بعشرين عاما هربا من اسرة تقليدية ومحافظة.

وفى فيلم "الجانب الاخر" يرسم فاتح اكين المولود فى هامبورغ فى 1973 صورا عصرية لشخصيات المانية وتركية يتقاطع مصيرها من خلال ناشطة تركية شابة تفر الى بريمن -شمال المانيا- بعد ان تحتج فى تركيا للمطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والاجتماعية.

وتؤدى هانا شيغولا دور سوزان والدة لوتى -باتريسيا زيولكوفسكا- الطالبة الالمانية التى تغرم بايتن -نورغول يسيلكاي- الناشطة التركية اليسارية التى تلاحقها الشرطة وتطلب اللجوء السياسى فى المانيا.

كما يكشف الفيلم حياة على -تونجل كرتيز- التركى الارمل المقيم فى بريمن الذى يعانى من الوحدة فيقترح على مومس تركية يتر -نورسل كوسي- ان تصبح عشيقته.

ولدى وفاة يتر، يقرر نجل على الاستاذ فى الادب الالمانى فى المانيا، العثور على ابنتها فى اسطنبول وهى ايتن.

فى كان اكدت شيغولا انها كانت تأمل منذ زمن العمل مع المخرج السينمائى التركى خصوصا بعد فوز فيلم "هيد اون" بالاسد الذهبى لمهرجان برلين عام 2004.

من جانبه قال فاتح اكين "ان النجاح امر رائع لانه يفتح الكثير من الابواب والفرص مثل مهرجان كان مشيرا الى انه تعرض لضغوط بعد نجاح فيلم هيد اون".

العرب أنلاين في

25.05.2007

 
 

كان: ختامها مسك

قصي صالح الدرويش

بفيلمين بهيجين حازا على إعجاب وتصفيق الجمهور والنقاد، الياباني "غابة موجاري" للمخرجة ناومي كاواشي و الصربي "عدني بذلك" للمخرج البوسني إمير كوستوريكا، انتهت عروض المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي. هذا وسيختتم المهرجان فعاليته يوم غد الأحد بفيلم خارج المسابقة للمخرج الكندي دونيس اركان بعنوان "عصر الظلمات" يليه حفل توزيع الجوائز.

غابة موجاري.. فيلم متقن عميق رغم بساطته

الفيلم الياباني قدم خلال 97 دقيقة لوحة جميلة غامضة حول فكرة الموت أو ما بعد الموت، في سياق أحداث قد تبدو مفاجئة أو غير منطقية من وجهة نظر عقلانية، لكن من بوسعه الادعاء أن فكرة الموت تخضع للعقلانية. وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض الأعمال الأدبية والسينمائية اليابانية التي تناولت رحلة سفر لا عودة منها لمسنين رافقهم أحد المقربين، لأن الإنسان المعمر يمل الحياة وينفذ صبره من الانتظار في وحدته.

بالتأكيد يوجد تباين كبير بين ثقافة ومعتقدات مجتمعنا الشرقي وحتى المجتمع الغربي الأوروبي وبين ثقافة شرق آسيا. في عالمنا توجد صيرورة اجتماعية لحياة الأسرة بمختلف فئاتها، من الطفل إلى البالغ فالمسن، ينعكس في إظهار احترام متزايد للمتقدمين في العمر.

 لكننا نجد الصيرورة نفسها وإن بشكل آخر في هذا الفيلم الذي يروي قصة علاقة بين رجل "شيجيكي" في السبعين من عمره يعاني من بدايات الخرف ويقضي أيامه في مأوى للمسنين وبين "ريكو" مساعدة الممرضة التي تعتني به والتي عمرها 27 عاما، حيث تبدأ علاقة بين العجوز والصبية اللذين يجتمعان في أن كلا منهما فقد عزيزا، هي فقدت ابنها وهو فقد زوجته.

 في البداية تكون العلاقة متوترة بين الاثنين إلى أن تقبل ريكو مرافقة الرجل إلى "غابة موجاري" لزيارة قبر زوجته، وهي أمنيته الغالية في يوم ميلاده. هذا مع العلم أن كلمة "موجاري" تعني "زمن الحداد". خلال هذه الرحلة تتعطل السيارة التي تقلهما، فيضطرب الرجل ويقرر مواصلة الطريق عبر الغابة دون علم ممرضته التي لا تجد مفرا من اللحاق به ومرافقته وحمايته رغم معاملته السيئة لها.. بين معمر هارب من الحياة وصبية لا تغيب عن خيالها صورة ابنها الراحل وزوجها الذي انفصلت عنه، تبدأ رحلة تيه عبر غابة وحشية ساحرة المناظر، طبيعة تهدد أحيانا بأمطارها الغزيرة وتكون عطوفة حامية أحيانا بزواياها الساكنة الآمنة. خلال الرحلة يصاب الرجل بنوبة برد نتيجة الأمطار، فنجد  ريكو تنزع عنه ملابسة وتجففه وتحضنه إلى صدرها العاري كطفلها الصغير، كطفل يعيد دفء جسدها إليه حيوية الحياة ليبدأ الاثنان في نسج علاقة جديدة قائمة التعاطف الإنساني. خلال الرحلة المتاهة يقف الرجل مشدوها أمام جذع شجرة هائلة الضخامة والارتفاع، قبل أن ينام بسكينة في حضن هذا الجذع بينما تدير المرأة مفتاح صندوق موسيقي صغير يصدح بإيقاعات كأنها دعوة لاستمرار الحياة، تبعد الخوف وهواجس الموت.

فيلم متقن جميل عميق في رؤيته الفكرية على الرغم من بساطته،  تلك البساطة الحياتية التي تنتقل إلى مستوى آخر من العمق حيث العامل الخارجي لا يقل أهمية عن الشخصيات. المطر أو غضب الغابة لاعب أساسي في الفيلم، المشاعر لا تخرج على شكل كلمات لكن نتلمسها شيئا فشيئا على امتداد الأحداث، حيث يتناوب الاثنان دور الدليل ودور الصديق السند. فيلم شاعري يتغنى بالصداقة والطبيعة وقبل كل شيء بالحياة.

عدني بذلك.. كوستوريكا يعود إلى فضاء الترحال

الفيلم الصربي مختلف من حيث الإيقاع، فهنا نجد ضجة الحياة الخارجية وصخبها، بما فيها من جمال وحب وحيوية وبما فيها أيضا من قبح السرقة والمافيا، وخاصة بما فيها تمجيد للحياة الحرة في فضاء ريف جميل غير مرتبط بالجنسية القومية.

 وكأن مخرجه الذي سبق له الدفاع عن يوغسلافيا، يريد التحدث عن بلاده قبل أن تمزقها حروب القوميات بتأييد من أمريكا وأوروبا الغربية. صحيح أن كوستوريكا لا يتناول في فيلمه الجديد السياسة ـ السياسية بشكل مباشر، لكنه يأخذ موقفا وإن كان مواربا ضد التحالف القائم بين المافيا المتصاعدة والفاشية المتحكمة. "عدني بذلك" يخرج من اختناق الانغلاق المدمر الذي رأيناه في فيلمه underground إلى الفضاء الواسع، فرغم تحالف الفاشية والمافيا، تبقى عوالم الفيلم مليئة بالحيوية والبهجة التي عرفناها في فيلم كوستوريكا الشهير "زمن الغجر"، والحق يقال إن المخرج البوسني أصلا ظل أقرب إلى أعمال الغجر حيث حركة ترحال مستمرة مشحونة بعلاقات متناقضة بما فيها من سرقات ومحبة وصمود وبهجة حياتية دائمة.

"عدني بذلك" يبدأ على هضبة منفية في الريف الصربي حيث يعيش الفتى تسان مع جده وبقرتهما في منزل ناء لا يجاوره إلا منزل واحد آخر تسكنه معلمة مدرسة. ذات يوم يعلن الجد لحفيده أنه موشك على الموت ويطلب منه أن يعده بأنه يعبر الهضاب الثلاث وصولا إلى أقرب مدينة وأن يبيع البقرة في السوق، على أن يشتري بثمنها أيقونة دينية وشيء للذكرى، كما عليه أن يجد زوجة.

تنفيذا للوعد، يصل الشاب إلى المدينة ولا يجد صعوبة في تحقيق المطلبين الأولين، بيع البقرة وشراء الأيقونة، لكن كيف له أن يعثر على صبية تقبل به وبالذهاب معه إلى قريته قبل رحيل الجد..

قد لا يكون "عدني بذلك" في نفس مستوى أفلام المخرج السابقة من حيث الاكتمال والنضج الفني، وبالتالي قد لا يكون مرشحا لنيل السعفة الذهبية التي سبق للمخرج أن فاز بها مرتين، لكن هل يهم، إن الكثير من النقاد يستغربون أصلا أن يسعى  مخرج موهوب وكبير مثل كوستوريكا لنيل جائزة لن تضيف شيئا إلى مكانته التي لا جدال حولها.

####

تفوق للسينما الآسيوية في مهرجان كان

قصي صالح الدرويش: أثار  

فيلم "شعاع سرّي" للمخرج الكوري الجنوبي لي شونغ دونغ تصفيقاً حارّا مؤكدا تفوق السينما الآسيوية في مهرجان كان لهذا العام، فيما اهتزت مدينة كان الصغيرة بحضور مجموعة كبيرة من مشاهير نجوم التمثيل، بينهم جورج كلوني وبراد بيت واندي غارسيا ومات ديمون. وكانت عصابة "اوشن" كلها حاضرة باستثناء أحدث أعضائها آل باتشينو. وكان الحدث عرض فيلم OCEAN’S 13 الذي أخرجه هذه المرة ستيفن سودربيرغ. والفيلم هو الجزء الثالث بعد فيلمي "أوشن" 11 و12. وشهد مهرجان كان حفلا تكريميا لعدد من نقاد السينما الذين واكبوا المهرجان منذ أكثر من ثلاثين عاما.

أوشن 13... فيلم نجوم وشباك تذاكر

يروي أوشن 13 قصة بوليسية خفيفة، تتناول مغامرات أفراد عصابة أوشن الذين يخططون لعملية انتقام وسرقة تحت سماء لاس فيغاس وداخل كازينوهاتها.

وتمزج قصة الفيلم الحبكة البوليسية والمغامرات والمواقف الكوميدية وتتمحور حول مجموعة كبيرة من مشاهير الممثلين الذين تألقوا في تأدية أدوارهم.

ومن الممكن ان تكون كل هذه العناصر مجموعة مع بعضها كافية لإنجاح الفيلم في شباك التذاكر، لكنها غير كافية لإثارة إعجاب جمهور كان الباحث عن درجات عالية من الفن والعمق الدرامي.

وعلى الرغم من مستوى الجزءين السابقين، إلا ان التوقعات بالنسبة إلى الجزء الثالث كانت أعلى بكثير، وذلك بسبب المستوى الذي عرف به المخرج والذي أثار إعجاب الجمهور والنقاد في أول مشاركة له في مهرجان العام 1998 عن فيلم "جنس وأكاذيب وفيديو".

وعلى الرغم من اتسام الفيلم بالأسلوب الجديد الذي ميز ممثليه وأبرز جاذبيتهم عبر مغامراتهم الطريفة، واعتبر أفضل من الجزء الثاني الذي يحمل الرقم 12 والذي واجه انتقادات شديدة، إلا انه يبقى فيلما سطحيا ودون المستوى الذي يسوغ عرضه – حتى ولو خارج المسابقة – ضمن فعاليات المهرجان.

وربما تكون الغاية هي مشاركة أغلب المخرجين المشهورين في أفلام جديدة بمناسبة الاحتفالية الستين، إضافة إلى ما يضيفه حضور نجومه من دعائية إلى هذا العنصر الاحتفالي تحديدًا.

الليل لنا... إخراج وتمثيل جيد في فيلم يبقى سطحيا.

السطحية أيضا كانت السمة الغالبة في الفيلم الأميركي الآخر "الليل لنا" للمخرج جميس غراي الذي اشتهر بفيلمه الأول "أوديسا" وحاز على إعجاب المهرجان، والذي يعود بنا في فيلمه الجديد إلى عالم المافيا الروسية في الولايات المتحدة الأميركية.

ويتناول الفيلم مرحلة نهاية الثمانينات، وتحديدا العام 1988 الذي يعد من أسوأ الأعوام في مدينة نيويورك، حيث تدفقت المخدرات وارتفع معدل الانتحار والجريمة وكانت شرطة المدينة تدفن اثنين من عناصرها يوميا، في حين كان صخب الديسكو يرتفع في علب الليل، خاصة في منطقة بروكلين.

واستوحى المخرج من ذلك المناخ قصة الفيلم الذي يتناول علاقات أسرية معقدة وممزقة بين أب وولديه. ويدير بوبي الذي يلعب دوره الممثل "جاكوين فينيكس" علبة ليل تمتلكها المافيا الروسية التي اتسع نفوذها في عالم الليل مع انتشار تجارة المخدرات. ويجد بوبي نفسه مرغما على إخفاء روابطه العائلية عن الجميع باستثناء صديقته "أمادا" التي تعلم بأن شقيقه جوزف ووالده بيرت هما من ضباط الشرطة المهمين في المدينة.

وكان الاصطدام حتميا بين حياة الليل القريبة من عالم الجريمة المنظمة وبين رجل الشرطة. وتقرر المافيا التخلص من الأخ الشرطي الذي يقود حملة ضدها وتحاول قتله. أمام هذا الخطر المحدق بعائلته، لم يبق امام بوبي مناص، فكان عليه اختيار خندقه. هكذا يتحول من شبه مجرم، إلى شبه شرطي منتقلا إلى الخندق الآخر، لتنتصر العائلة رغم صعوبة التواصل بين الشقيقين وقسوة سلطة الأب، والفضل بهذا الانتصار يعود الى عذوبة الأم.

واتسم تصوير الفيلم وحركة الكاميرا بالجودة، فيما برع الممثلون خاصة جاكوين فونيكس الذي ترشح مرتين لجائزة الأوسكار قبل أن ينال العام الماضي جائزة الغولدن غوب لأفضل ممثل عن فيلم the walk line. كذلك الأمر بالنسبة إلى الممثل روبير دوفال الذي لعب دور الأب والذي عرفه الجمهور في دور مستشار العراب في الفيلم الشهير الذي حمل الاسم نفسه. ومع ذلك كله، فإن الفيلم لم يخرج عن المستوى السطحي الذي يجعله أقرب ما يكون إلى الأفلام التجارية التلفزيونية.

secret sunshine شعاع سري... فيلم جميل يؤكد تفوق السينما الآسيوية

الفيلم الجميل الذي أثار تصفيقا حارًا في كان حمل عنوان  "شعاع الشمس السري" Secret Sunshine  للمخرج الكوري الجنوبي لي شونغ دونغ.

ويبدأ الفيلم بعرض مشاهد تصوير متميزة لرحلة امرأة تدعى شي أي تتجه بسيارتها مع ابنها إلى المدينة التي ولد فيها زوجها المتوفى. وتتعطل السيارة قبل المدينة بقليل، ليقع الميكانيكي الذي تستدعيه هاتفيا لإصلاح سيارتها تحت سحرها من النظرة الأولى.

في مكان إقامتها الجديد القديم، تحاول شي أي التأقلم والانطلاق عبر عملها كمعلمة للموسيقى، لكن حياتها تنقلب رأسا على عقب بعد خطف ابنها وقتله من قبل رجل ظن أنها ثرية فطلب فدية كبيرة عجزت عن دفعها.

هكذا استسلمت شي أي لحداد مزدوج ينتهي بها إلى حالة من الصوفية تدخلها في إحدى البدع المسيحية حيث تبحث عن الخلاص بالتسامح ونراها وقد أصبحت هادئة باسمة يصل الأمر بها إلى حد زيارة قاتل ابنها والعفو عنه.

عند هذه المرحلة من الفيلم نشعر وكأننا أمام النهاية.. هذه النهاية الساذجة جدا.. وربما خرج بعض النقاد والجمهور اعتقادا منهم بأن الفيلم لا يعدو كونه دعاية دينية.

لكن الأحداث لم تتوقف عند هذه النقطة، فبعد خروجها من السجن تدخل البطلة في مرحلة أزمة رفض لكل ما آمنت به لنراها وكأنها تحاول تحدي الخالق في مشهد جنس يجمعها بالميكانيكي الذي لم يتخل عنها لحظة والذي قد تكون شرارة حبه التي لمعت منذ اللقاء الأول عنوانا لإنسانيتها المستعادة أو "شعاع شمسها السري".

بانتقاله من قصة بوليسية إلى دراما إنسانية ومن تطرف ديني إلى تطرف مضاد، يفتح المخرج آفاقا غير منتظرة ويسبر عوالم إنسانية غامضة.

فيلم جميل رغم نقلاته المتناقضة، ينجح بشد المشاهد على امتداد ساعتين ونصف عبر حوار جريء وإخراج قوي، وخاصة عبر أداء الممثلة الرائع التي نراها تغرق تدريجيا في الألم ثم الوحدة وتحاذي حدود الجنون... أداء تستحق عليه جائزة أفضل ممثلة، هذا إذا لم يحصل الفيلم نفسه على جائزة السعفة الذهبية.

في النهاية لا بد من الإشارة إلى أن السينما الآسيوية تشهد حيوية كبيرة، فبعد السينما الصينية واليابانية ها نحن أمام ثاني فيلم كوري جنوبي يشارك في مهرجان هذا العام. ويؤكد مستوى الفيلمين الجيد هذه الحيوية.

المهرجان يكرم نقادا بينهم عرب

وأقام رئيس مهرجان كان السينمائي جيل جاكوب حفلا تكريميا لعدد من النقاد بينهم عربيان، وهما الناقد المصري الصديق سمير فريد الذي يشارك دون انقطاع في تغطية المهرجان منذ عام 1986، وكذلك الناقد الجزائري عز الدين مبروكي.

موقع "إيلاف" في

26.05.2007

 
 

ثاني ثلاثية للمخرج آكين مع هانا شيكولا

مازن الراوي من برلين 

كيف يتحول مخرج سينمائي إلى مدافع عن الطبيعة؟ هذا ما يتساءل عنه الكثير من النقاد والمعنيين بالمخرج فاتح آكين الذي بدأ مجده في مهرجان "بيرلينالا" في العام 2004 . ويقول المخرج: إنها لحظة انفعال واكتشاف تملي على الفنان أن يتخذ موقفًا مما يدور حوله. لقد وجدت في زيارة لقرية أجدادي على البحر الأسود تخريب البيئة الذي يحصل في المنطقة، ورأيت سكانها يعانون من التلوث فيما الحكومة تبني مخزنًا للقاذورات في أجمل منطقة من البحر الأسود. هكذا جاءت فكرة فيلم وثائقي سيقوم بإخراجه ياكين ليضيف على أفلامه الوثائقية فيلمًا تحريضيًا احتجاجيًا يفرح المدافعين عن البيئة. ولكن ياكين يعني بالدرجة الأولى بالأفلام الروائية.

ومنذ أن توّجَ المخرج فاتح آكين في العام 2004 بجائزة الدب الذهبي في مهرجان" برلينالا" لفيلمه الميلودرامي" ضد الجدار" أصبح واحدًا من المخرجين الألمان الذين هم في المرتبة الأولى من نجوم السينما. ويقف اليوم، المخرج المنحدر من أصول تركية والذي يعيش في هامبورغ، في طريق النجاح اللامع في إطار مباراة أفلام مهرجان كان وبرنامجه السينمائي وفق تصريحاته.

" على الجانب الآخر" هو فيلمه الجديد الذي ينسج فيه المخرج علائق معينة بين قصص ستة أشخاص يعيشون في تركيا وفي ألمانيا لا تجمعهم روابط خاصة فيما بينهم. وأعلن آكين أن فيلمه الجديد هو " الفيلم الثاني من ثلاثية" يريد تحقيقها في عمل طويل يجسد" الحب والموت والشيطان" والتي بدأها بفيلمه المشهور" ضد الجدار". ويدفع تصريحه الجريء الكثير من المعنيين والنقاد إلى الانتباه وإلى رصد محاولته الفنية، خاصة بعد أن حاز الفيلم الأول من " الثلاثية " على الجائزة الأولى في مهرجان الفيلم ببرلين" بيرلينالا". وكانت صحف البوليفار قد شهرت الفيلم آنذاك شهرة استثنائية بين الناس عبر الحديث عن بطلة الفيلم سيبيل كيكيلي بماضيها في أفلام البورنو قبل أن يشتهر الفيلم فنيًا. والحقيقة أن الفيلم يعالج ويقدم مشكلة العلاقة بين الجالية التركية في تقاليدها والامتثال لقيم اجتماعية قاسية غير متلائمة في مجتمع وفي جيل جديد تجاوز تلك التقاليد لكنه يعاني بقسوة من استمرار تطبيقها من قبل الرعيل الاول من المهاجرين الأتراك إلى المانيا.

وعن فيلمه الروائي الجديد "على الجانب الآخر" لا يعرف المرء حتى الآن إلاّ القليل وهو أن الممثلة المسرحية والسينمائية المشهورة هانا شيكولا التي مثلت عددًا من أفلام راينر فاسبندر ثم أصبحت مشهورة على النطاق العالمي تمثل في الفيلم الجديد الذي يكمن في عقدته حادث موت يجعل مسيرة ابطال الفيلم تتقاطع وتتعقد، إضافة إلى مشاهد صورت في قرية" جامبورنو" التركية على البحر الأسود، التي أوحت للمخرج فكرة فيلمه الوثائقي الثالي.

الواقع أن القرية التي عني بها آكين لتكون جزءاً من فيلمه الروائي الذي يدور فيه الحدث هي القرية التي عاش فيها أجداد آكين، وكان قبل عامين زارها لأول مرة ليتوصل إلى تفاصيل حياة وقصص أسرته فضلاً عن تحديده لموقع تصوير فيلمه الجديد. هناك في" جامبورنو" أصطدم المخرج بواقع مؤلم، واقع تلوث البيئة الذي يعتبر فضيحة حقيقية بكل المقاييس.

هناك حيث يدفن أجداده، تقوم الحكومة التركية ببناء أضخم موقع لدفن النفايات في منطقة شرق البحر الأسود. وسوف تقع القرية وسط موقع جمع النفايات لتحطم أسس الحياة فيها ولتدمر البيئة في المنطقة برمتها.

والواقع أن استقطاب اهتمام المدافعين عن البيئة من قبل المخرج آكين لفضيحة الساحل البحري جعل منه علمًا من أعلام المدافعين عن البيئة. وإلى جانب فيلمه وأفلام فونغ كار وي و كوينتين تارانتينو المرشحة للسعفة الذهبية يوزع آكين في مهرجان كان ملصقات وقمصانًا تحمل صورة القرية كامبورنو لتستقطب الإهتمام وتشحد الدعم بغية مناهضة تحويل المنطقة إلى مخزن نفايات تهدد حياة البشر.

لقد وضع آكين أعماله الفنية عمومًا في خدمة أفكاره وجسد فيها اهتماماته على نحو واضح. وبعد فيلمه الوثائقي" إجتياز الجسر" حول مشهد الموسيقى والموسيقيين في اسطمبول، يريد أن يكون فيلمه الوثائقي الثالي أقل اهتمامًا بالجانب الجمالي ومكرسًا لموضوعات أكثر جدية مثل تدمير الطبيعة في تركيا. ويبدو أن فيلمه الوثائقي الجديد المزمع تحقيقة بهذا الصدد هو فيلم عن قرية الأجداد كامبورنو، وسوف يحمل الفيلم اسم" قاذورات في جنة عدن".

موقع "إيلاف" في

26.05.2007

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)