كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

القضايا الشائكة تزيح نجوم الماضي

وتخلق نجوماً من نوع جديد

رسالة كان من إبراهيم العريس

مهرجان كان السينمائي الدولي السابع والخمسون

   
 
 
 
 

من يزور "كان" أياماً قبل مهرجانها السينمائي, أو يبقى فيها ولو يوماً واحداً بعد أن يختتم المهرجان أعماله, بالكاد يمكنه أن يصدق أن هذه هي المدينة نفسها. فهذه المدينة الفرنسية الجنوبية الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط والتي تغمرها الشمس شهوراً طويلة كل عام, تشتهر عادة بأنها مدينة العجائز الأثرياء والكلاب المرفهة والعنصرية الجامحة ضد كل ما هو أسود أو عربي. ومع هذا, ها هي المدينة نفسها وبتمويل من مجلس بلديتها الذي يموله أهلها, تستقبل مرة في كل عام واحداً من مهرجانات السينما الأكثر انفتاحاً في العالم... وإذا كان أهل "كان" أبدوا رضاهم دائماً على المهرجان, فإن هذا يعود, عادة الى ان "كان" اشتهر طوال عقود من السنين بكونه مهرجان النجوم والسينما الاستعراضية والفاتنات المستلقيات يحلمن عند شاطئ البحر وأمام عدسات الكاميرا بيوم النجومية العتيد. هذا الخليط كان يروق لأهل "كان"... ولئن كان في بعض المرات في الماضي جرت لخبطته (مثلاً في العام 1968 حين وقع المهرجان في قلب أحداث أيار (مايو) الطلابيّة لذلك العام, فإذا بالسينمائيين يعلنون مواقف مؤيدة للطلاب الثائرين ويصلون الى حد الغاء الدورة" ومثلاً في العام 1989, حين تراءى لجماعة ثورية أرمنية ان تفجر قنبلة في المهرجان... وما الى ذلك), فإن سنوات عدة مرت بعد ذلك والعهد الوثيق قائم بين عجائز "كان" ومهرجانها.

ولكن خلال السنوات السابقة بدأ يظهر ما لم يكن في الحسبان في أفق المهرجان... فالأميركيون الذين هم عادة الأوفر حظاً في حب كان لهم, بدأوا يقللون من حضورهم, أو بالأحرى راح يتزايد غياب الأميركيين التقليديين ليحضر مكانهم أميركيون مشاكسون - أوروبيون تقريباً -, وراحت أصوات السياسة تتعالى في سماء المدينة, وبدأ السكان يحسون بنكهة غريبة كان واضحاً انهم لا يحبونها كثيراً.

نجوم ونجوم

ولكن هل هناك حقاً, خلال أيام المهرجان من يهتم بمزاج سكان "كان" الأصليين؟

أبداً بالتأكيد... والدليل أن أصوات السياسة راحت تزداد حدة, بدلاً من أن تخفت, وصارت خلال العامين أو الثلاثة الأخيرة, تبدو وكأنها تحرك ثورة فكرية حقيقية. بل أن زمن النجوم نفسه بدأ يبدو وكأنه يولي... أو على الأصح صار النجوم شيئاً آخر غير أولئك الذين اعتاد جمهور "كان" عليهم.

في الحقيقة صار المخرجون هم النجوم الحقيقيون... وهذا الأمر يصل في هذا العام الى ذروته. صحيح أن هناك براد بيت وتشارليز ثورون ونيكول كدمان وعشرات غيرهم من كبار نجوم الشاشة الأميركية, وصحيح أن السينما الفرنسية أرسلت الى "كان" بعض كبار نجومها, كذلك فعلت السينما الصينية على تنوعها, إذ هناك ثلاث من كبار نجماتها: ماغي شونغ, غونغ لي وجنغ لي, ولكل منهن فيلم سيخلب الأبصار, على الأقل لفتنة بطلته... كما أن السينما العربية ستكون, هذا العام, ممثلة بدءاً من الأيام المقبلة بنجوم من طينة يسرا ومحمود حميدة ولبلبة وربما أيضاً ليلى علوي. لكن الحقيقة أن هؤلاء جميعاً سيكونون نجوماً أمام كاميرات الصحافة فقط. أما بالنسبة الى الجمهور العريض وجلّه من هواة السينما وأهلها الحقيقيين, فإن النجوم, هذا العام بالتحديد, يحملون تلك الأسماء التي صارت ذات رنة: امير كوستوريتسا, بيدرو المودوفار, ايتان وجويل كون, مايكل مور, وولفغانغ بيترسون, جان لوك غودار وانغ كار واي, جانغ ييمو, والتر ساليس, ريمون ديباردون... وقد يصح أن نضيف يوسف شاهين وعباس كياروستامي بين بضعة أسماء أخرى.

والحقيقة ان اجتماع هذه الأسماء, ومن يضاف اليها, في "كان" هذا العام يحسب ضمانة لجودة ما لدورة هذا العام. فكيف إذا أضفنا الى هذا مجموعة أسماء قد تبدو اليوم غريبة على الأذن, ولكنها تخوض تجربة الوصول الى العالم من طريق "كان", ونعني بها مجموعة المخرجين الجدد الذين يقدم كل منهم عملاً أوّل له في "كان" ومن المرجح أن يصبح خلال سنوات قليلة تالية من أبناء "كان" المعتادين.

طبعاً لن نزحم القارئ بأسماء قد لا يعرف عن معظم أصحابها شيئاً, لكننا نقول له منذ الآن أن بعضاً منهم سيكون على مدى الأسبوعين المقبلين حديث الأفلام وبخاصة منها تلك المحبة للاكتشاف.

المهم في الأمر أن اجتماع هذه الأسماء وتلك, هنا, في مهرجان "كان" لهذا العام, قد لا يكون من فعل الصدفة... ومع هذا لا يبدو أنه مقصود تماماً. كل ما في الأمر انهم معاً يشكلون زبدة ما ينتج في السينما العالمية, أميركياً وأوروبياً وفي بقية أرجاء العالم. وإذا كان معظم ما يعرض هو من نوعية الأفلام التي تحمل هماً, بل هموماً, فما هذا إلا لأن السينما, وعلى خلاف بقية الفنون, صارت هي ضمير العالم في زمننا هذا... صارت هي المكان الذي تتزاحم فيه الأفكار وتعلو فيه صرخات المشاكسة. ويقول الفكر الحر غضبه وألمه ازاء ما يحدث في هذا العالم. وما يحدث في هذا العالم مؤلم بالطبع... وإيلامه لم يبدأ طبعاً, لا مع 11 أيلول (سبتمبر), ولا مع حرب العراق ولا حتى مع حرب البوسنة, ولا حتى, صعوداً في الزمن حتى جذور القضية الفلسطينية.

القضايا التي لا تنسى

ايلام عالمنا المعاصر بدأ منذ زمن... وسيقول لنا ريمون ديباردون ("الغرفة العاشرة" العروض الرسمية, خارج المسابقة) انه من نتاج فقدان العدالة وفساد القضاء. في المقابل سيفيدنا يوسف شاهين "الغضب" انه مرادف لخيبة الناس من حلمهم الأميركي الذي "أواه... كم كان جميلاً!". أما مايكل مور فإنه في رائعته الجديدة "فهرنهايت 9-11" سيكشف لنا "أكاذيب" السلطات الأميركية ازاء ما حدث يوم نُسف البرجان, غائصاً في التحليل ليتوقف عند العلاقات التجارية بين والدي عدوي اليوم اللدودين: جورج بوش الأب (والد جورج دبليو) ومحمد بن لادن (والد أسامة, الذي سيقول لنا مور ان له أباً آخر هو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية)... ومن جهته يأتي يسري نصرالله ليذكِّر في "باب الشمس" بأن للقضية الفلسطينية جذوراً انسانية ربما تكون سياسة اليوم باتت ميالة الى نسيانها, وها هي السينما تقول انها لن تنسى. فماذا عن حرب البوسنة؟

حسناً, هنا يأتي أمير كوستوريتسا ليتحدث عن هذه الحرب على طريقته الخاصة - من خلال مقابلة ضارية في جديده "الحياة معجزة" بين مهندس صربي قتل البوسنيون ابنه, وها في عهدته الآن رهينة بوسنية مسلمة يمكنه إذا شاء قتلها ثأراً لابنه... لكنه يقع في غرامها. واضح ان هذا الفيلم يذكر في شكل أو في آخر بـ"أرض لا أحد" الفيلم البوسني الذي عرض في "كان" قبل سنوات وأثار من السجال يومها ما أثار. ويقيناً ان التشبه بهذا الفيلم كان من آخر هموم صاحب "اندرغراوند", فما همه؟ همه أن يقول كم أن حرب البوسنة كانت عبثية... كما أن همه هو أن يرد على "أشباه المثقفين الذين كانوا في فرنسا هاجموا فيلمه "اندرغراوند" قبل سنوات متهمينه بالتواطؤ مع الصرب من دون أن يروه". اليوم يعود كوستوريتسا الى "كان" بعد غياب وبعد "زعل" طويل, وكله أمل في أن يفتح فيلمه جراحاً يجب ألاّ تندمل, مع أمل آخر بأن يحقق بفيلمه الجديد هذا, سابقة تاريخية لو فاز بالسعفة الذهبية, إذ تكون هذه ثالث مرة يفوز فيها بالجائزة "الكانية" الأسمى وهو ما لم يسبقه اليه أحد في تاريخ هذا المهرجان.

بيدرو المودوفار بدوره كان "حرداناً" من مهرجان "كان" وهو انطلاقاً من ذلك "الحرد" عمد الى عرض فيلمه السابق "تكلم معها" أسابيع قبل عقد دورة "كان" للعام الفائت, مفوتاً على تلك الدورة فرصة الحصول على تحفة سينمائية نادرة. والحال ان النقاد وأهل المهنة يجمعون اليوم على أن "تكلم معها" كان من شأنه أن يحصل على "السعفة" لو عرض في "كان" الفائت... ولو فعل لكان حقق للمخرج الاسباني الغريب الأطوار ثأراً على دورة سابقة لـ"كان" استنكفت عن تقدير القيمة الحقيقية لفيلمه الأسبق "كل شيء عن أمي". صحيح يومها ان الفيلم فاز بجائزة أفضل مخرج, لكن الأصح أنه كان يستحق, حقاً "السعفة الذهبية". أما المودوفار فكان يريد من لجنة التحكيم أن تعطي ممثلات الفيلم الثلاث معاً, جائزة أفضل تمثيل نسائي, طالما ان فيلمه ذاك كان في الأصل تحية لممثلات السينما الكبيرات, من بيتي ديفز, الى فيفيان لي, الى جينا رولندز.

غضب وفضح

حسناً... اليوم زال غضب المودوفار, كم هدأ غضب كوستوريتسا. أما "غضب" شاهين فمتجدد وحاد, ولكن ليس ضد مهرجان "كان" بل ضد أميركا بوش. وما فيلمه "الغضب" في حقيقته سوى تحية ضمنية الى أميركا الأخرى, أميركا القيم الفنية وهوليوود الخمسينات والحلم الأميركي الصادق. وبالنسبة الى شاهين... ليس نحن من خان الحلم الأميركي ولسنا نحن من بادر بإظهار العداء لأميركا... بل هي السلطات الأميركية المتعاقبة. والعقلية الأميركية المتحجرة والمتعجرفة التي أوصلت جورج دبليو بوش الى السلطة, فإذا به ينسف كل ما كان جميلاً ورائعاً في القيم الأميركية. وإذا به يضاعف من حجم خيبتنا. ان يوسف شاهين في "الغضب" يبدو ضمن اطار نغمة واحدة مع مايكل مور. غير ان البرازيلي والتر ساليس, والشيلي كوزمان, يأتيان في فيلم لكل منهما ليذكرانا بأن جذور الخيبة الأميركية تمتد الى أبعد من بوش, الأب والابن, والى أبعد - في الزمن - من حروب الخليج. فمن خلال أفلمة صفحات جذابة من مذكرات كان عثر عليها بين أوراق الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا بعنوان "يوميات سائق دراجة" يحقق والتر ساليس فيلماً يعود بنا أكثر من خمسين عاماً الى الوراء يوم كان غيفارا بعد شاباً ثائراً حالماً رومنطيقياً, يتحول في أميركاه اللاتينية تحسساً لحال الشعب وتلمساً لامكان الثورة ضد اليانكي. أما كوزمان فإنه يعيدنا الى 11 أيلول آخر, حدث قبل أيلول برجي مركز التجارة العالمي بنحو ثلاثة عقود من الزمن العام 1973, أي يوم انقلاب الجنرال بينوشيه على زعيم الوحدة الشعبية في الشيلي سلفادور اللندي, مدعوماً من أجهزة الاستخبارات الأميركية وجنرالات البنتاغون... ومن خلال تلك النهاية يستعيد كوزمان في فيلمه, ويذكرنا بتلك الأحداث التي يمكننا, حقاً, أن نفسرها على ضوء ما يحدث في أيامنا هذه. أو بالأحرى: يمكننا أن نفسر معظم ما يحدث في أيامنا هذه على ضوئها.

ضمير العالم

والحقيقة أن هذا كله ليس سوى غيض من فيض دورة سنرى كم أن السياسة تحيط بها من كل جانب: منذ الافتتاح الذي بهر فيه بيدرو المودوفار الجمهور بفيلمه وأصابع الاتهام التي يوجهها الى منظومة التربية في المدارس الكاثوليكية الى الختام الذي سيسهب فيه يوسف شاهين بالحديث عن تربيته السينمائية... وعن أربعين عاماً وأكثر من العلاقة مع أميركا, مع السينما ومع الأحلام المجهضة.

ومع هذا, فإن السياسة لن تكون كل شيء... حتى وإن كانت هي التي تبدو طاغية, حتى كتابة هذه السطور, والمهرجان لا يزال في أيامه الأولى. ذلك أن هناك السينما أيضاً كموضوع للسينما: السينما في السينما حاضرة أيضاً, وكذلك منذ الافتتاح مع المودوفار, اذ ان "التربية السيئة" هو أيضاً فيلم عن مساره السينمائي وعن تأسيس حركة "الموفيدا" السينمائية التي كان هو زعيمها وبطلها الأكبر... وهي حاضرة حتى الختام المزدوج: ختام تظاهرة "المسابقة الرسمية" مع "دي لافلي" عن حياة الموسيقي كول بورتر - صاحب أجمل أغنيات فرانك سيناترا وايللا فيتزجيرالد - كما ختام تظاهرة "نظرة ما..." مع فيلم شاهين.

والسينما أيضاً تكرم من طريق فيلم الأخوين كون "قاتلو النساء" الذي هو اعادة تحقيق لفيلم انكليزي من اخراج الكسندر ماكندريك كان حقق في الخمسينات...

لكن اللافت بعد هذا كله هو أن معظم الأفلام التي نتحدث عنها هنا انما هي أفلام تعرض خارج المسابقة, لا داخلها... فهل هذا يهم حقاً؟

ليس كثيراً... إذ صحيح أن السعفة الذهبية وغيرها من الجوائز الكبرى في المهرجان هي على الدوام محل تطلع الكثير من السينمائيين. ولكن ثمة ذهنية جديدة لا بد من الإشارة اليها... ذهنية تتعلق تحديداً بهذا المنحى الجديد الذي بات مهرجان "كان" يتخذه أكثر فأكثر لكونه "منبراً لقضايا العالم" من طريق الفن الأكثر حساسية وتطلعاً الى التعبير عن هذه القضايا: فن السينما. وحسبنا للإشارة الى هذا أن نذكر كيف ان "باولنغ من أجل كولومباين" فيلم مايكل مور السابق والذي أقام الدنيا ولم يقعدها برز أول ما برز في "كان". وكذلك الحال في العام الفائت حين قدم لارس فون تراير من خلال "دو غفيل" أنشودة حول العدالة والثأر, وغاس فون سانت فيلماً روائياً هو "الفيل" يكمل ما بدأه "باولنغ من أجل كولومباين", فيما شاهدنا في "ضباب الحرب" روبرت ماكنامارا يتحدث عن هزيمة أميركا في حرب فيتنام, وفيلماً من كمبوديا يفضح ممارسات الخمير الحمر... الى آخر ما هنالك.

وفي رأينا أن حسب "كان" أن يعبر على هذا النحو عن ضمائر سينمائيي العالم حتى يستخلص من ذلك قيمة كبرى.

جريدة الحياة في

14.05.2004

 
 

نجمة "كان" شارليز تيرون: من أب سكير قتلته الأم الى أوسكار "الوحش"

فيكي حبيب

مزودة بالأوسكار "المفاجئ" الذي نالته قبل أسابيع عن دورها في فيلم "الوحش" من المؤكد ان الفنانة الجنوب افريقية شارليز تيرون ستكون محطّ الأنظار كلها على كورنيش مدينة "كان" في الجنوب الفرنسي, كما في الاحتفالات الصاخبة والعروض الرسمية.

ذلك ان شارليز على رغم ظهورها في الساحة السينمائية الهوليوودية والعالمية منذ نحو عقد من السنين, لا تزال "طازجة" النجومية, ولا يزال كثر لا يعرفون عنها شيئاً, باستثناء انها تكاد تكون الأطول قامة بين ممثلات زمننا الراهن, والأغرب ابتسامة, وربما الأفضل أداء. ناهيك بكون تنوع أدوارها أعطاها ميزة خاصة.

إذاً, مهرجان "كان" لهذا العام, سوف "يكتشف" شارليز, أو يمكّن جمهورها من اعادة اكتشافها... ومن المؤكـد ان فـأل هذا الجمهور لن يخيب...

أضواء باكرة

والحال ان شارليز عرفت الأضواء باكراً إذ منذ صغرها قدّر لها دخول عالم الفن بكل ضوضائه وصخبه. وبالفعل تلقت دروساً في رقص الباليه, هي التي حلمت كثيراً في ان تصبح واحدة من نجماته الكبيرات وسرعان ما اعتلت "البوديوم" وهي في الرابعة عشرة من عمرها لتقديم عروض أزياء لمصممين عالميين... غير ان القدر كان رسم لها مصيراً مختلفاً اذ اخذها معه من دون اي حساب الى هوليوود لتصبح اليوم واحدة من نجماتها اللواتي يحسب لهن ألف حساب.

وخلافاً لمَ قد يظنه كثر, لم يكن جمال شارليز سلاحاً فتاكاً لانتزاعها الأدوار الرئيسية, انما على العكس, عانت شارليز الأمرين طوال عشر سنوات من الصراع والتخبط في دوامة عنوانها الأبرز: "جمال شارليز"... جمال أعاق مسيرتها الفنية مدة طويلة قبل ان تثأر أخيراً وتحصد جائزة الأوسكار التي انتظرتها طويلاً, مؤكدة بذلك أنها اليوم منافسة قوية في الساحة الفنية, منافسة تعمل بتروٍ لهدف واضح, هدف كانت أولى ثمراته النجاح الكبير الذي حققته في فيلم "الوحش".

ولا تخفي صاحبة "شريك الشيطان" و"بيت عصير التفاح" و"الياردات" سيرة كفاحها المتواصل للوصول الى مبتغاها وتقول في عدد من اللقاءات الصحافية عن ذلك: "صحيح انني في حياتي لم أمثل دائماً في أفلام كبيرة, الا انني تعاملت مع كبار المخرجين أمثال روبرت ردفورد في "اسطورة باغر فانس", كذلك كانت أول وقفة لي أمام الكاميرا الى جانب وودي آلن في فيلم "شهرة"... في هذا الفيلم تمكنت من السخرية من مهنة عرض الأزياء, هذه المهنة التي لم آخذها يوماً على محمل الجدّ. وتأثرت كثيراً عندما أرادني وودي آلن معه من جديد في فيلم "لعنة العنكبوت الأزرق", اذ كان ذلك أشبه بوثيقة اعتراف بي كممثلة جديرة".

ذكريات مرة

ذكريات المراهقة لم تكن ذكريات عادية في نفس شارليز تيرون, اذ حمّلتها ألماً ومعاناة كبيرين خصوصاً لجهة ما تذكره عن والدها "السكير", والمأساة التي حلّت في عائلتها مع قتل والدتها له أمام أنظارها, ولم تكن قد بلغت بعد الخامسة عشرة من عمرها, الأمر الذي دفع كثراً الى الاعتقاد أن نجاح شارليز في دور المومس المجرمة في فيلمها الأخير, الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة, يعود في الدرجة الأولى الى استعادتها تلك اللحظات المرة. وعلى رغم رفض شارليز هذا القول فإنها لم تنكر في المقابل الأثر الذي خلفته تلك الحادثة في نفسها وتقول في مقابلة لها: "بداية لا أحب كشف اوراق الممثل على الطاولة إذ ينزع عنه ذلك شيئاً من سحره. وأقول: في الحقيقة أنا لم أختر هذا السيناريو لموضوعه انما لثقتي بالمخرجة باتي جينكيز, إذ للمرة الأولى لم أكن بحاجة لطرق باب أحد للحصول على الدور انما بكل بساطة جاءني العرض الى منزلي حين طلبت مني باتي المشاركة معها في الفيلم لا سيما انها وجدت فيّ القدرة على تجسيد هذه الشخصية أفضل ما يكون. ولا أنكر انني عرضت السيناريو قبل البدء بالعمل على والدتي الا ان قبولنا به لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمأساة الشخصية او الدراما التي عشناها منذ زمن".

ومع هذا لا تخشى شارليز من التطرق الى هذا الموضوع على رغم حساسيته والألم الذي ولّده عندها, وتقول عن والديها: "والدي كان فرنسياً نشيطاً غير ان حالة السكر التي كانت تصيبه كانت تفقده وعيه وتمنعه من التصرف بشكل جيد, وهنا يبدأ العراك بينه وبين والدتي, تلك المرأة الصلبة ذات الأصول الألمانية... لقد كنت دوماً ابنة أمي, وشعرت دوماً بضرورة حمايتها, من جهة ثانية لا يمكن ذكر قصة حياتي من دون التطرق الى والدتي فهي التي رعتني في طفولتي واهتمت بي. إذ بعد المأساة سجلتني في إحدى مسابقات عرض الأزياء ونجحت فيها, ثم ما لبثت ان انتقلت الى أوروبا وبعدها الى نيويورك... حيث تعلمت ان أقاوم كما يجب. في نيويورك أردت ان أتعلم الرقص الكلاسيكي الا ان جرحاً في قدمي حال دون ذلك. في الثالثة عشرة حاولت ان أدخل السينما ولم أنجح ولا أنكر هنا حال اليأس والغضب التي انتابتني حينها الى ان اقنعتني والدتي بالذهاب الى لوس انجليس".

وفي لوس انجليس لم تفتح الأبواب لشارليز كفاية, إذ أخذ عليها "شكلها المنظم أكثر مما يجب" كما راحوا يسخرون من لكنتها الجنوب أفريقية الى ان "وقعت أنظار أحد الوكلاء الفنيين عليّ وكان ما كان"...

وهكذا بعد كل تلك السنوات من التنقل والكفاح, تعيش شارليز تيرون اليوم في هوليوود بسعادة قصوى, وهي بعد نجاحها الأخير تقول: "انتهيت لتوي من تحقيق فيلم جعلني فخورة ومعتزة بنفسي, فماذا أطلب أكثر؟".

شارليز تيرون بعد فوزها بالأوسكار عادت الى مسقط رأسها جنوب افريقيا حيث أقيمت لها احتفالات كبيرة وقيّض لها أيضاً ان تلتقي الزعيم نلسون مانديلا الذي تعتبره مثالها الأعلى, والذي هنأها على كونها "وضعت بلادها على خارطة العالم الفنية", فبكت, إذ سمعت منه هذا الكلام.

وهي تحضر اليوم أعمالاً جديدة أبرزها "رأس في الغيوم".

والمعروف ان شارليز خارج اطار اعجاب مانديلا بها, تحظى اليوم بإعجاب جمهور جنوب افريقيا لا بل تحظى أيضاً بإجماع هواة السينما, التي عبّرت عنه عشرات الرسائل والمقالات التي اذ يسأل بعضها لماذا نحب شارليز؟

تأتي الاجابة سريعاً: السبب حضور شارليز الطبيعي وشكلها المثير الذي يخـتـصر بكلمتين: الـرقـي والإثارة.

جريدة الحياة في

14.05.2004

 
 

حروب ومآس إنسانية وهجوم علي السياسة الأمريكية:

أفلام مهرجان "كان" دعوة سينمائية للحياة في المدينة الفاضلة!

إعداد: نيللي عزت

رفع الستار ­ الأربعاء الماضي ­ عن الدورة الـ 57 لمهرجان "كان" السينمائي الدولي بفرنسا بحضور نخبة من أشهر وألمع نجوم العالم وفي ظل حضور حشد كبير من الصحفيين والاعلاميين الذين جاءوا لتغطية هذا الحدث الفني الكبير من كل انحاء العالم ووسط اجراءات أمنية مشددة وجاءت الدورة ال 57 لمهرجان 'كان' بمثابة دعوة سينمائية للحياة في المدينة الفاضلة وذلك من خلال استعراض بعض الاحداث التي تجري في العالم من صراع وحروب ودراما انسانية.

افتتح المهرجان الفيلم الاسباني 'تعليم سييء' للمخرج الشهير بيدروالمودوفار ويعد هذا الفيلم هو أول فيلم أسباني يفتتح به مهرجان 'كان' في تاريخه والفيلم يعرض خارج اطار المسابقة الرسمية وسيكون ذلك أول عرض له لانه سيفتح رسميا بدور العرض العالمية في شهر ديسمبر القادم.

والفيلم بطولة جايل جارسيا، فيلي مارتينز، لينور واتلنج ودانيال كاشو وجافير كاميرا وكتب السيناريو له أيضا المخرج بيدروالمودفار وقصة الفيلم مأخوذة من احداث واقعية عاشها المخرج المودوفار في حياته كطفل أثناء وجوده بالمدرسة حيث يحكي عن رجلين احدهما مخرج سينمائي في اسبانيا وتقابلا معا مرة أخري بعد 20 عاما من افتراقهما حيث كانا معا في احدي المدارس الكاثوليكية.

ويعود الفيلم بلقطات الفلاش باك لأيام شبابهما في المدرسة وبدأ المودوفار تصوير الفيلم في يونيو 2003 في مدريد بأسبانيا وميزانيته بلغت 8 ملايين دولار أمريكي والفيلم باللغة الاسبانية وسيعرض في المهرجان مصحوبا بترجمة انجليزية.

وكثيرا ما تلاقي أفلام بيدرو المودوفار الكثير من الجدل حولها لانها تناقش أمورا سياسية وهو يعبر عن آرائه الجريئة ضد الحكومة الاسبانية في أفلامه لدرجة أن الجمهور قد اختلف علي أفلامه فقد ينظر إليه علي أنه بطل والقسم الآخر يكرهه بشدة.

ويضيف بيدرو المودوفار: أن فيلم 'تعليم سييء' لا يمثل سيرة لحياته أيام المدرسة ولكنه يعبر عن أحلامه التي اكتشفها في ذلك الوقت من قوة الحب والخوف والاستمتاع بالسينما.

وقبل بدء مهرجان 'كان' بأيام قليلة اضطرت ادارته لسحب اعلان الفيلم من دور العرض في مونبيليه وباريس لهجوم بعض رجال الدين الكاثوليكيين بفرنسا عليه لأنه يظهر المدرسين في المدارس الكاثوليكيةوهم يستغلون الاطفال جنسيا الا أن المودوفار لم يعلق علي ذلك وعبر فقط عن فخره وسعادته باختيار فيلمه لافتتاح المهرجان.

المسابقة الرسمية

وفي المسابقة الرسمية يتنافس 18 فيلما بعد أن تقلص العدد هذا العام حيث كانوا في الاعوام الماضية 23 فيلما الا أن ادارة المهرجان هذا العام رأت أن تختار عددا قليلا من الافلام الجيدة حتي تتجنب أخطاء العام الماضي لدرجة أن النقاد قالوا إن الدورة الماضية كان بها أسوأ الافلام ولذلك ادارة المهرجان تريد تغيير الصورة السيئة التي ظهرت العام الماضي بأفلام جيدة ومتميزة وأيضا بأفلام لمخرجين جدد مع أفلام لمخرجين محترفين.

وتشارك الافلام الاسيوية بفاعلية في هذه الدورة حيث إن ثلث الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية كلها أسيوية ومنها الفيلم الصيني '2046' للمخرج 'وونج كارو ايا' وهو من أفلام الخيال العلمي الذي يعود فيه للعمل مع النجوم 'ماجي تشونج' وتوني ليونج'.
وهناك أيضا فيلم 'يوميات الدراجة البخارية' للمخرج والتر سالز وهو يدور حول رحلات جيفارا الاولي الي أمريكا اللاتينية ويعد المخرج والتر سالز من أشهر مخرجي البرازيل ومن أشهر أفلامه السابقة فيلم 'المحطة المركزية'.

وتشارك اليابان في المسابقة الرسمية بفيلمين هذا العام منهما الفيلم الكارتوني 'البراءة' للمخرج ماميرو أوشي وفيلم 'لا أحد يعرف' للمخرج هيروكازو كوريد وحتي الآن مازال يعمل مخرجا هذين الفيلمين علي سرعة الانتهاء من المونتاج وفيلمان من كوريا الجنوبية ، فيلم 'الفتي الكبير' للمخرج بارك تشان ووك وفيلم 'المرأة هي مستقبل الرجل' للمخرج هونج سانج سو، والفيلم التايلاندي الذي يدخل المسابقة الرسمية لمهرجان 'كان' لأول مرة منذ تاريخه ويحمل عنوان 'مالدي الاستوائي' وتدور أحداثه حول رحلة في الغابة اخراج ابيشتابونج ويراس بالاضافة الي الفيلم الايطالي 'توابع الحب' وهو أول تجربة اخراجية لباولو سورينتينو وذلك يثبت أن مهرجان 'كان' بالفعل يريد تجديد شبابه هذا العام بمخرجين وأفلام لأول مرة ويقوم ببطولة فيلم 'توابع الحب' عدد من النجوم منهم توني سيرفيلو، أدرياتو جيانني وانجيلا جودوين وديجيو ريبون وتدور أحداث الفيلم حول 'تيتا' الرجل الذي يبلغ الخمسين من عمره والذي قضي السنوات الثماني الاخيرة من حياته يعيش في غرفة بأحد الفنادق في بلدة صغيرة بضواحي ايطاليا يغلف حياته بالصمت وتدخين السجائر فقط وينظر لحياة الناس ويراقبهم من غرفته بالفندق ولكن ما السر الخطير الذي يحمله 'تيتا' في حياته، ويعد الفيلم من الافلام الدرامية التي تحكي مأساة انسان هذا العصر.

ومن الافلام الارجنتينية المشاركة داخل المسابقة الرسمية فيلم 'الفتاة المقدسة' للمخرج لوكر سيامارتل والفيلم باللغة الاسبانية وسيعرض مصحوبا بالترجمة الانجليزية ويقوم ببطولة الفيلم كارلوس بيلوسو، مرسيدس موران واليجاندرو أورابيلتلا وبدأ تصوير الفيلم في يونيو 2003 وميزانيته تبلغ 20 مليون دولار أمريكي ويدور في اطار درامي حول فتاة تقع في حب رجل كبير قبل وفاته بأيام قليلة.

شكل جديد

وأكد رئيس المهرجان جيل جاكوب أن العام الماضي شهد انتقادا حادا من جانب الامريكيين بصفة خاصة لان المسابقة الرسمية كان بها 5 أفلام فرنسية من ضمن 23 فيلما ولذلك تم تقليص العدد الي ثلاثة أفلام فقط هذا العام. منها فيلم 'نظيف' للمخرج كروسيت أوليفر وبطولة ماجي تشونج، ونيك نولتي وبياتريس دال.

وتدور أحداث الفيلم حول مطرب الروك 'لي هاوسر' الذي يلعب دوره النجم الامريكي الشهير نيك نولتي والذي يموت بجرعة زائدة من الهيروين وتتهم زوجته 'ايملي' بحيازة المخدرات وتقضي ستة أشهر في السجن ثم تخرج لتعود الي باريس في محاولة منها لتنظيف حياتها واستعادة نشاطها من جديد حتي تستطيع استعادة حقوق الوصايا علي ابنها.

ويبدو أن هذه الدورة تسعي لاشراك الانواع المختلفة من الافلام علي رأسها الافلام الدرامية التي تحكي قصصا درامية وانسانية.

والفيلم الفرنسي الثاني في المسابقة الرسمية فيلم 'المنفيون' وبطولة روميان دوريس ، لوباتا ازابيل وزوهير جاسيم واخراج توني جاتليف وتدور احداث الفيلم حول حياة وطفولة المخرج الذي عاشها في الجزائر، فيلم 'انظر الي' للمخرج امبس جاوي وهو من نوعية الافلام الكوميدية الرومانسية التي تدور احداثه داخل صناعة نشر الكتب في باريس ويحكي عن عدة قصص حب رومانسية مختلفة لسبع شخصيات في عالم الشر وصناعته وتم تصوير الفيلم في باريس. ويعد هذا الفيلم هو أول تجربة اخراجية لاجنس جاوي.

السينما الالمانية

وتعود السينما الالمانية للظهور في مهرجان 'كان' هذا العام بعد غياب 11 عاما بفيلم 'المعلمين' للمخرج هانس فاينجارتنر، والفيلم البريطاني الوحيد داخل المسابقة هذا العام هو فيلم 'حياة وموت بيترسيلرز' بطولة جيفري رتش وشارليز ثيرون واخراج ستيفن هوبكنز. وتدور احداث الفيلم حول قصة حياة النجم الكوميدي الشهير بيترسيلرز وقصصه الغرامية.

أفلام وثائقية

وعودة للافلام الوثائقية سيعرض هذا العام فيلم 'فهرنهايت 11 سبتمبر' للمخرج الامريكي مايكل مور الذي دائما يثير الجدل حوله آرائه السياسية المناهضة للرئيس الامريكي جورج بوش وتدور احداث فيلمه الوثائقي الجديد حول علاقة بوش وعائلته بعائلة بن لادن ويواجه الفيلم صعوبات كثيرة بدأت قبل افتتاح المهرجان بساعات قليلة حيث رفضته بيدرو الحودفار في لقطة من 'تعليم سييء' شركة 'مير امكس' توزيع الفيلم لارائه السياسية الجريئة والمناهضة للسياسة الخارجية الامريكية حيث إن الشركة لا تريد أن تضع نفسها في مأزق وخاصة بعد فيلم مايكل مور الاخير 'لعبة البولينج من أجل كولميين' والذي انتقد فيه سياسات الرئيس بوش وثقافة العنف داخل المجتمع الامريكي الذي حاز علي جائزة أوسكار وجائزة مهرجان 'كان' أيضا الاعوام الماضية.

وسيعرض بالمسابقة فيلم 'الحياة معجزة' للمخرج البوسني اميركو ستوريكاو الذي حاز من قبل علي جائزة السعفة الذهبية بمهرجان 'كان' وهو كوميدية درامية حول حرب البلقان.

كما تشارك الولايات المتحدة بفيلمين 'شريك .. الجزء الثاني' الذي عرض الجزء الاول منه بالمهرجان عام 2001 وحقق نجاحا كبيرا وفيلم 'قاتلوا السيدة' للمخرجين الاخوين كوين وبطولة النجم توم هانكس والمرشح بقوة للحصول علي جائزة في حضوره لأول مرة للمهرجان ويشترك معه في بطولة الفيلم مارلون ويانس ورايان هورست وستيفن روت.

وتدور احداث الفيلم في اطار كوميدي مثير حول عصابة تقتحم منزل احدي السيدات لسرقة منزلها الا أن الامر يتضح انه صعب بالنسبة لهم لأن السيدة ليست سهلة وتتميز بروح دعابة هائلة.

أخبار النجوم المصرية في

14.05.2004

 
 

القدس العربي في مهرجان كان الـ 57:

الاسباني التربية السيئة والياباني لا احد يعرف والفلسطيني عطش

تشتم السلطوية والايطالي عواقب الحب يفلسف العزلة في فندق سويسري

زياد زياد

كان عليّ ان اخرج شريط التربية السيئة وان ابعده عن كياني، قبل ان يتحول الي مس ملعون في داخلي هكذا كتب صاحب كيكا و نساء علي حافة الانهيار العصبي و كل شيء عن امي و تكلم اليها الاسباني بيدرو المودفار، من دون ان يعتبره تصفية حساب مع مرحلة شخصية مر بها، فهو اصر علي رفضه ان يكون سيرة ذاتية، علي رغم تطابق حالات بينه وبين بطله اغناثيو.

ما اراد المودفار توكيده هو ان صراحته السينمائية لا تمس سوي ما اطلق عليه في اسبانيا مطلع الستينات من القرن الماضي وMouida وهي مدارس دينية تأهيلية امضي فيها اعوامه الاولي، وكان واحدا من طلبتها و عصاباتها .

هناك تعرف اغناثيو علي علاقته المثلية الاولي مع زميله انريكه الذي سيلتقي لاحقا بمنتحل شخصية العاشق الاول: الشقيق الاصغر لاغناثيو الذي يصر علي تسميته بـ انخيل وادعاؤه بانجازه عملا روائيا اسمه الزيارة يؤرخ فيه الوله الحسي الذي لم يكتمل بين الصبيين. هذا النص هو التبرير الذي يداور فيه المودفار شريطة التربية السيئة ليحيك دوائر درامية متداخلة بين الماضي والحاضر، وتتلبس الشخصيات فيه وجوها متعددة، وتأخذنا المشهديات الي مواقع الاثام الاخلاقية التي ستصعقنا بفضائحيتها بقدر ما كان الحب والحاجة الجسدية للصبيين في اضطراد، نشهد الموقعة البكر التي سيفقد فيها اغناثيو عفته علي يد الاب مانويلو المتسلط. هذا الرجل ـ الرمز يملك ضعفا ازاء الملائكة الصغار الذي يفترض رعايتهم، لكنه يفشل في التحكم بولعه الخاطيء. وحين يعود البطل الشاب ثانية لتصفية الحساب يتهمه الاب بالابتزاز، متناسيا ان خطيئته لا تغتفر بالصلوات والتراتيل ورداء الرهبنة وتربيته السيئة. لكن المودفار لا يسرد كل هذا دفعة واحدة، بل يستلف الوقائع بروية حاذق، فينقل السوء الشخصي الي انخيل الذي يظن ان شقيقه مليء بالانانية والكذب (سعيه الي تأمين الاموال اللازمة لاجراء العملية الجراحية الحاسمة لانتقال من الذكورة الي الانوثة الناقصة)، وعندما يلتقي الشاب بعشيق الاخ، يستميله بدوره الي علاقة اثمة اخري، ويتعمق عشق من نوع قاتل بين الاثنين، والهدف تصفية اغناثيو الذي استولي علي اموال والدته وجدته. وحينما يموت هذا بحقنة هرويين مسمومة، يتحول انخيل الي اغناثيو جديد، يسعي الي الايقاع بانريكه (الفنان والسينمائي المعروف لاحقا) الذي سيتوهم بان الحبيب القديم عاد ثانية يعرقل شهرته الواعدة. لكن من هو العشيق العجوز المتنعم بثراء غامض، وعواطف جياشة لم تخفت مع مرور الزمن: انه الاب مانويلو الحامل لانتقامه الباطني بتصفية الابتزاز الشره.

التربية السيئة الذي افتتح الدورة 57 لمهرجان كان مجموعة متكاملة من الدوائر الدرامية التي تسحب مشاهدها نحو غموض الجريمة وآلام الخطايا. وفيه استعمل المودفار كل الوسائل: الاغنية والرقصات والسينما داخل سينما الفيلم الاسود Film Noir والتهكم اللاذع والجريمة المحبوكة (يُقتل انخيل الملتبس لاحقا علي يد مساعد مانويلو الضخم). وابقي المودفار علي اناقته السينمائية التي اسبغها علي مشاهده والوانها واكسسواراتها.

هذا العمل هو اكثر اشتغالات المودفار صراحته، ففي جل اشرطته كانت شخصياته المثلية (وهو واحد منهما) تأتي في الخط الثاني، لكنه في التربية السيئة وضعها في الواجهة، ومن دون وجل، في تحولها الي قرائن علي نظام حياته الشخصي. وهذا الفيلم ايضا واضح في خطابه المسيس الذي يربط اسبانيا فرانكو (خلال الستينات) بالصرامة التي عاشتها البلاد، ولن يغفل مشاهد التربية السيئة ثورية شخصية الاب مانويلو وبطشه وسلطويته (علي رغم توكيد المخرج انه لم يبحث عن مثالبها كبرهان علي مساويء الكنيسة بالذات) في تقديري النقدي هذه التربية السيئة نص شخصي ليس افضل ما وقعه المودفار، خصوصا مقارنة مع شريطيه الاخيرين، فما ينقصه هنا انفتاح قصته علي متفرجه، اي ان ما نراه هو احداث وشخصيات متداخلة مرهونة بافعالها وازمنتها ولا تملك الصفة الانسانية التي اسبغها علي ابطال كل شيء عن امي و تكلم اليها .

مفهوم السلطوية متوافر بخفاء ذكي في شريط لا أحد يعرف للياباني كوري ـ ايدا هيروكازو (ولد في طوكيو عام 1962 وله مابوروسي 1995، و ما بعد الحياة (1999) و مسافة 2001 وعمادها الحياة نفسها بشروطها القاسية ومفارقاتها اللئيمة، فالام كيكو الشابة تغلف انانيتها بمكر علي اولادها الاربعة الصغار الذين انجبت كل واحد منهم، من اب مختلف. وحين تقرر الاختفاء لسبب شخصي غامض تترك اولادها لمصيرهم وشرطهم المعيشي الاخذ بالتعقيد والاقصاء. انها نموذج لفردية ناقصة الذمة، نتاج المجتمع القاصر في عواطفه والتزامه، ان ضحكات الام كييكو (الممثلة التلفزيونية وكاتبة العمود الصحافي الشهير في اليابان يو) وافتعال الحنان والاهتمام بالاطفال الاربعة يخفي تحته سلطة اغترابها الشخصي عنهم والشقة الصغيرة، التي ستصبح مؤولهم وحاضنتهم.

وكما اختفاء الوالدة المتكرر بحجة العمل، تحدث الفجاءة للصبي اكيرا، الذي يجد نفسه امام رهان تأمين شروط الحياة لشقيقه وشقيقتيه. ومع مرور الزمن تشتد الامور عليه، ويفشل في اقناع الازواج السابقين بتحمل مسؤولياتهم، فسلطة الانانية متكرسة في اعماقهم. وعلي رغم ذلك يفلح اكيرا حتي النهاية في لم شمل عائلته الصغيرة البطل الصغير امي لم يذهب ـ كما هي حال اخوته ـ الي المدرسة. ويتخلي عنه الاصدقاء القلائل، لأن شقتهم عفنة يقول احدهم. وحينما يلتقي الطالبة المنبوذة ساكي سيكتشف ان الحنان لم يمت في القلوب.

صنف هيروكازو فيلمه الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية الي اربعة مواسم: الخريف، حيث الالفة العائلية والانتقال الي الدار الجديدة، مودة وشيطنة جماعية ضد المالك وزوجته الشابة الشغوفة بكلبها! الشتاء، حيث يصرف اكيرا اهتمامه باخوته في غياب الام، وهي التجربة الاولي. الربيع خسارة الاصدقاء وبحسب الصبية ساكي. اكيرا يقع ضحية زعران في متجر تنتهي بصداقة سريعة مع مديره الذي يغض النظر عن كرم احد عماله باعطاء الصبي اغذية اخر اليوم. الصيف، ساكي تصبح واحدة من العائلة الطفولية، لكن القدر سيخطف حياة الصغيرة يوكي وينتهي الاثنان بدفنهما قرب مدرج مطار من دون اخبار السلطات. يقول اكيرا مبررا: لن افعل هذا، انه يعني الانفصال النهائي لنا جميعا .

سلطة الحياة القاسية المفروضة بارادة شخص اناني، في هذا الشريط هي انعكاس متجدد لثيمة توافرت في اغلب اشرطة هذا المخرج الشاب. فالموت والعزلة والمرض والاغتراب مسلمات درامية يريدها كنذير لمشاهده، وتحفيز باعادة النظر فيها والتمعن باسبابها وكيفية مواجهتها. فاكيرا الصبي لا يكافح بخلاصه الفردي وانما تحول الي مسيح صغير يتحمل اكلاف كينونته التي لم يخترها، او يصوغ قوانينها.

الفلسطيني توفيق ابو وبائل كان اكثر من مباشر في خطابه السينمائي حول السلطوية، في شريطه الروائي البكر عطش (عرض ضمن اسبوع النقاد واختار هنا سلطة الاب الجائر علي الكينونات الاربع التي تعيش معه في منعزل مهجور حوله الي افران لصناعة الفحم. وابو وائل لم يخف عداءه ضد هذا النموذج ـ الرمز، اذ يتحامل علي شكله وصوته ولغته ومظهره وفجاجته. انه الاب الخائن لالتزامه بأن يكون الحامي والمربي والقائد، مشكلة ابو شكري (الممثل حسين ياسين محجن) انه يحمل شرفه المثلوم بابنته الكبري جميلة (الممثلة ربي بلال) التي لاكت الالسن سمعتها بسبب علاقتها مع شاب من قريتها ام الفحم. ومن هنا نفهم ان العزلة التي اختارها الاب للجميع هي جزء من جبنه ورفضه المواجهة.

لكن هل هذا تبرير مقنع كي يتحول الي وحش؟ حسب المخرج ابو وائل (ولد في قرية ام الفحم عام 1976 ودرس السينما في جامعة تل ابيب وله عدة اشرطة قصيرة منها خبز وحشيش وقمر (1997) و انا ذاهب انت تبقي (1998) مذكرات عاهر (1999)، و في انتظار صلاح الدين (2001) هذا الوالد الجلف، هو تأويل للحالة المتناقضة التي انتجت ابو وائل نفسه، اي ان ابو شكري هو المتسلط الملتبس في نموذج قرية ام الفحم. يقول المخرج الشاب في كتيب الفيلم جوابا علي سؤال: اين هو الصراع؟ اين هم الاسرائيليون، الصراع هو بين الشخصيات وارواحهم وعواطفهم، في تعقيد العلاقات والضمائر. فيلمي عن ام الفحم حيث ان الاسرائيليين هم غرباء. بالنسبة لنا فاسرائيل هي الدولة، صاحب العمل الذي يوظفنا والجامعة التي ندرس فيها .

هذا سيسهل من فهم الكثير من مشاهد عطشي ، فالافران البدائية لا تحرق خشبا حسب، بل ضمائر الشخصيات. انها نيران ستلتهب علي الدوام في برودة العزلة الاجتماعية القاسية (جميلة تقرأ دائما نص المغربي محمد شكري الشطار التي تفلسف بدورها مفهوم العزلة، انها الحدود ـ كما موقع قرية ام الفحم ـ تتجاوز التوقع فتعبر ألسنتها الي اطراف ملابس الشخصيات كي تحرقهم او توجه لهم الانذار بتوقع الاسوء. فشكري الشاب (الممثل احمد عبد الغني؛ يتعرض الي عسف والده الذي يرغمه علي تركه المدرسة مصيره مثلي.. يحرق فحم، ويبع فحم ولا يزال يحقره: اذا ما بتقدر ادافع عن نفسك احسن لك تبقي مع النسوان . ويفرض عليه حماية انبوب الماء الذي قرر الاب، ضد اعتراضات الجميع ـ لانه يعني تكريس البقاء في هذا المنعزل ـ مده من الجبل. وعلي لهيب نار موقع المراقبة سيقتل شكري والده من دون ان يميزه.

قبل هذا ستهرب جميلة، بعد ان يعيرها والدها بفعلتها، التي تصر انها لم تتركب فيها خطأ، وكي تدلل علي شرفها، ستتعري امامه لتفضح نيته وجبنه وحينما تجدها والدتها وشقيقيها سيعمد الي سجنها قبل ان يكسر شكري قفل حريتها. وفي هذه المشاهد يزرع المخرج ابو وائل الكثير من النيران فعطش الحرية المقبلة لا ينتهي كما نراه طبيعيا بالماء، بل هو لدي ابو وائل باللهب! وهذه هي المفارقة التي لم تتلمسها غالبية من شاهدوا الشريط، فالماء لم يكن رمز هذا الشريط، بل الظلمة والبرودة والاجواء الخانقة بدخان الحرائق والالسنة السليطة والعواطف المقموعة.

في عمله الاول وقع ابو وائل في مطب القراءة التشكيلية لنصه، فعمد الي الكثير من المشاهد المصنوعة ومثلها اللقطات التفصيلية التي اثقلت من ايقاعه حكايته القليلة العناصر، وبدا لي ان مدير التصوير الاسرائيلي عساف سودري تحمل قسطا وافرا في تأمينها، كي يضخم من درامية الحدوتة قصيرة النفس.

بعيدا عن السلطوية، لكن قريبا من هم ابو وائل بخصوص العزلة وتراكماتها صنع المخرج الايطالي باولو سورنتينو ولد في نابولي عام 1970 وحصل علي شهرة دولية عبر شريطه الاول اللاعب الفذ (1999)، اجواء شريطه الجديد: عواقب الحب مستفيدا من اجواء فندق راق في لوغانو السويسرية. وقد يبدو هذا الخيار غريبا في حالة البطل تيتاوي غيروالمو، فبدلا من ان تتحول صالة الفندق وغرفه واروقته وممراته وضيوفه وموظفيه الي مجتمع مصغر يعينه علي التعرف بشخصيات، وان يتقاطع مع ارادات انسانية تزيد من لحمة تواصله مع العالم نجد هذا الرجل العجوز الفاحش الثراء، يعاني من وحدة قاسية او لنقل انه اسير مهمة غامضة ستوصله الي نهاية قاتلة. فجميع المؤشرات من حوله، وحواراته المبتسرة تشير حسب نص سيناريو سورنتينو انه مقدم علي امر جلل لكن عليه الانتظار كي تتحقق شروطه.

غيروالموضنين بعواطفه تجاه الاخرين. لا يرد علي سؤال عابر، او تحية او فضول. انه حائك ماهر لعزلته الداخلية، انه يكلمنا نحن مشاهديه، اما العابرون فهم غائبون عن كيانه، لكن كيف يتمكن انسان فرض العزلة علي نفسه من دون ان يستسلم لظنون وامراض؟ علي العكس فالرجل متماسك محترف في تمضية اوقاته وتطبيب جسده في انتظار المكاملة الغامضة التي تنهي قلقه لحين وحول حقيبة تبييض الاموال. لاحقا نفهم ان العجوز متورط بعلاقة مع مافيا نافذة مهمته توصيل مبالغ طائلة الي حساب مصرفي سويسري، وبعد مفارقة مع لصين يفلح غيروالمو في خداع زعيمها، ويستولي علي مبلغ 9 ملايين دولار، سنشاهد عند الزوجين الجارين اللذين يعانيان من كارثة مالية. اما العقاب فهو ايطالي بامتياز: الدفن بحوض اسمنت!

الطريف ان غيراولمو الذي يتساءل في بداية الفيلم مشكلة المرء اللائذ بعزلته، نقص الخيال، سيلقننا درسا، انه انسان لا يستهان بذكائه وحكمته علي رغم كتمانه، فعندما يهدده زعيم العصابة يجيبه: لن ترهبني، فانت سرقت حياتي. والحقيبة ثمن لذلك الخوف السابق . ومثلما اضاع سنوات حياته وحيدا، بعيدا عن افراد اسرته الذين لا يطيقون سماع اخباره او التحدث اليه، سيفاجئنا بانه خطط بحنكة خبير نهايته. فحين يغطس جسده في صندوق الاسمنت لا نلمح هلعا او جزعا من موت مقبل، بل استمرار ذكراه: عند الجارين العجوزين.

اناقة شريط عواقب الحب جزء اساسي في رسم شخصية غيروالمو الشره التدخين، المتأنق علي الدوام والمتآلف مع حيزه الحياتي المتقشف. فالثراء المحيط بالشخصية لا يحل شيئا من المشكلة، وحينما تظهر النادلة الشابة صوفيا سيعي البطل انه خسر جزءا معتبرا من كيانه ومع وقوعه بحب متعجل يعمد سورنتينو الي تعميده بموتها قبل ان يلحق بها عجوزه الذي يصر في نهاية مشهده الاخير علي انه لم يكن ذكيا بالمرة .

القدس العربي في

15.05.2004

 
 

"الحياة معجزة" لكوستوريتسا قد ينتزع السعفة للمرة الثالثة

إبراهيم العريس من "كان"

امس الجمعة كان موعد جمهور دورة مهرجان "كان" لهذا العام, مع فيلم "اليوغوسلافي" - بحسب تعبيره الدائم, امير كوستوريتسا الجديد "الحياة معجزة". وهو واحد من الأفلام المنتظرة اكثر من سواها في المهرجان... ذلك ان كوستوريتسا يغيب عن هذه التظاهرة التي كانت خلال العقدين الأخيرين اعطته جزءاً من مكانته العالمية, منذ سنوات, اي منذ فاز فيلمه "اندرغراوند" بالسعفة الذهبية الثانية التي منحت لهذا المخرج في "كان", إذ كانت الأولى لفيلمه "بابا في رحلة عمل" الذي كان, في زمنه, تنبؤاً بالنسبة الى ما حصل في يوغوسلافيا لاحقاً.

إذا كان عنوان فيلمه الجديد يحمل كلمة "معجزة", فإن ثمة معجزة من نوع آخر قد تكون في انتظار "الحياة معجزة" في آخر مطاف دورة هذا العام... إذ لو حدث وفاز الفيلم بالسعفة الذهبية, فستكون هذه سابقة, اذ لم يسبق لأي مخرج ان فاز بهذه الجائزة ثلاث مرات. غير اننا اذا أصغينا جيداً الى التصفيق الذي ناله الفيلم بعد انتهاء عرضه يمكننا ان نفترض, منذ الآن, ان المعجزة قد لا تقع. ليس هذا لأن كوستوريتسا لا يقدم هنا فيلماً كبيراً بل على العكس, فيلمه الجديد كبير وثاقب النظر ويصرخ عالياً بأفكار مخرجه واختياراته السياسية والجمالية. المشكلة معه انه فيلم يضع الإصبع على الجرح اكثر مما فعل اي فيلم قبله لكوستوريتسا... وخصوصاً "اندرغراوند". ذلك ان هذا المخرج يبدو هنا وقد وصل الى مستوى من الناضج ينحو به نحو البساطة المطلقة, بعيداً من الحس الباروكي المركب الذي كان صبغ افلامه السابقة وأعطاها نكهتها الخاصة. وهذه البساطة الناضجة من الممكن ألا تثير رضا الكثر. هنا يبدو كوستوريتسا اقرب الى شاغال (الرسام) وقد غزاه عالم نيكيتا ميخالكوف (صاحب "عبد الحب" و"حلاق سيبيريا" بين تحف اخرى), منه الى ذلك السوريالي الذي كانه هو نفسه في افلام سابقة. ومع هذا, فإن الموضوع واحد: ضرورة انتصار الحب على الحرب, وإدانة كل حاملي السلاح مفتتي الأوطان أياً كانت هويتهم. وفي طريقه لقول هذا, يمر كوستوريتسا بريشته السوداء على المؤسسة العائلية وعلى الإعلام العالمي الكاذب, وعلى تدخل الأمم المتحدة... وعلى كل صيغ التكاذب السياسي المشترك.

لكن كوستوريتسا لا يقول هذا بلغة سياسية او فكرية جافة. بل يقوله بلغة شكسبيرية واضحة. ولربما يصح ان نقول ان التقارب بين "الحياة معجزة" و"روميو وجولييت" لشكسبير يأتي هنا اشبه بتحية من السينمائي الأربعيني الى عبقري المسرح التراجيدي... وصاحب اجمل قصة حب في تاريخ المسرح.

إذاً, على موضوع شكسبيري خالص - استحالة الحب في زمن الحرب - ثم انتصار الحلم على رغم كل شيء, يبني كوستوريتسا فيلمه حافلاً بالمشاعر, بالموسيقى والأغاني, بالاحتفالات الشعبية, بالصراعات ثم خصوصاً بتعاقب الفصول - تماماً كما عند شاغال - وبالحيوانات ايضاً - تماماً كذلك كما عند شاغال. الحيوانات هنا تلعب دوراً اساسياً في تحديد الأحداث, وربما احياناً في تحديد هوية الأشخاص. لم تشهد السينما العالمية, منذ زمن بعيد, من هو, اليوم, اقدر من كوستوريتسا على تصوير الحيوانات, وجعلها - برمزية او من دون رمزية - جزءاً من البنيات الأساسية للفيلم. وبعد هذا هل يبقى مكان لحكاية الفيلم؟ بالتأكيد. فساعتان ونصف ساعة (العرض), تبدو كافية لقول الكثير, ولا سيما تلك العبارات الحاسمة ضد منطق الحرب... ولكن ايضاً لتصوير الكثير. وعالم كوستوريتسا يتسع عادة للكثير, بما في ذلك لمباراة لكرة القدم تصوّر مثل باليه راقص, ثم مثل معركة في حرب اهلية. ويتسع اخيراً لقصة الحب بين مهندس سكك حديد (لوكا) يبني أنفاقاً تصل بين اراضي صربيا والبوسنة ويعيش قرب محطة السكة, ثم تأتي الحرب لتفاجئه... حتى على الصعيد الشخصي. فزوجته نصف المجنونة تغادره مع موسيقي مجري وابنه الذي يجند يختطفه البوسنيون, فهو صربي. وفي خضم هذا تهبط على لوكا هدية من السماء: صباحا المسلمة, الممرضة, التي يؤتى بها إليه لكي يبادلها بابنه... فيقع في غرامها وتغرم هي به. عرف كوستوريتسا, من خلال هذه الحكاية البسيطة, ان يقول ما لم يقله احد بعد عن تلك الحرب الطاحنة التي, بالنسبة إليه, دمرت وطناً... ولكن ليس هناك سوى الحب وسيلة لمقاومتها.

جريدة الحياة في

15.05.2004

 
 

حروب ومآس إنسانية وهجوم علي السياسة الأمريكية:

أفلام مهرجان 'كان' دعوة سينمائية للحياة في المدينة الفاضلة!

إعداد: نيللي عزت

رفع الستار ­ الأربعاء الماضي ­ عن الدورة ال 57 لمهرجان 'كان' السينمائي الدولي بفرنسا بحضور نخبة من أشهر وألمع نجوم العالم وفي ظل حضور حشد كبير من الصحفيين والاعلاميين الذين جاءوا لتغطية هذا الحدث الفني الكبير من كل انحاء العالم ووسط اجراءات أمنية مشددة وجاءت الدورة ال 57 لمهرجان 'كان' بمثابة دعوة سينمائية للحياة في المدينة الفاضلة وذلك من خلال استعراض بعض الاحداث التي تجري في العالم من صراع وحروب ودراما انسانية.

افتتح المهرجان الفيلم الاسباني 'تعليم سييء' للمخرج الشهير بيدروالمودوفار ويعد هذا الفيلم هو أول فيلم أسباني يفتتح به مهرجان 'كان' في تاريخه والفيلم يعرض خارج اطار المسابقة الرسمية وسيكون ذلك أول عرض له لانه سيفتح رسميا بدور العرض العالمية في شهر ديسمبر القادم.

والفيلم بطولة جايل جارسيا، فيلي مارتينز، لينور واتلنج ودانيال كاشو وجافير كاميرا وكتب السيناريو له أيضا المخرج بيدروالمودفار وقصة الفيلم مأخوذة من احداث واقعية عاشها المخرج المودوفار في حياته كطفل أثناء وجوده بالمدرسة حيث يحكي عن رجلين احدهما مخرج سينمائي في اسبانيا وتقابلا معا مرة أخري بعد 20 عاما من افتراقهما حيث كانا معا في احدي المدارس الكاثوليكية.

ويعود الفيلم بلقطات الفلاش باك لأيام شبابهما في المدرسة وبدأ المودوفار تصوير الفيلم في يونيو 2003 في مدريد بأسبانيا وميزانيته بلغت 8 ملايين دولار أمريكي والفيلم باللغة الاسبانية وسيعرض في المهرجان مصحوبا بترجمة انجليزية.

وكثيرا ما تلاقي أفلام بيدرو المودوفار الكثير من الجدل حولها لانها تناقش أمورا سياسية وهو يعبر عن آرائه الجريئة ضد الحكومة الاسبانية في أفلامه لدرجة أن الجمهور قد اختلف علي أفلامه فقد ينظر إليه علي أنه بطل والقسم الآخر يكرهه بشدة.

ويضيف بيدرو المودوفار: أن فيلم 'تعليم سييء' لا يمثل سيرة لحياته أيام المدرسة ولكنه يعبر عن أحلامه التي اكتشفها في ذلك الوقت من قوة الحب والخوف والاستمتاع بالسينما.

وقبل بدء مهرجان 'كان' بأيام قليلة اضطرت ادارته لسحب اعلان الفيلم من دور العرض في مونبيليه وباريس لهجوم بعض رجال الدين الكاثوليكيين بفرنسا عليه لأنه يظهر المدرسين في المدارس الكاثوليكيةوهم يستغلون الاطفال جنسيا الا أن المودوفار لم يعلق علي ذلك وعبر فقط عن فخره وسعادته باختيار فيلمه لافتتاح المهرجان.

المسابقة الرسمية

وفي المسابقة الرسمية يتنافس 18 فيلما بعد أن تقلص العدد هذا العام حيث كانوا في الاعوام الماضية 23 فيلما الا أن ادارة المهرجان هذا العام رأت أن تختار عددا قليلا من الافلام الجيدة حتي تتجنب أخطاء العام الماضي لدرجة أن النقاد قالوا إن الدورة الماضية كان بها أسوأ الافلام ولذلك ادارة المهرجان تريد تغيير الصورة السيئة التي ظهرت العام الماضي بأفلام جيدة ومتميزة وأيضا بأفلام لمخرجين جدد مع أفلام لمخرجين محترفين.

وتشارك الافلام الاسيوية بفاعلية في هذه الدورة حيث إن ثلث الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية كلها أسيوية ومنها الفيلم الصيني '2046' للمخرج 'وونج كارو ايا' وهو من أفلام الخيال العلمي الذي يعود فيه للعمل مع النجوم 'ماجي تشونج' وتوني ليونج'.
وهناك أيضا فيلم 'يوميات الدراجة البخارية' للمخرج والتر سالز وهو يدور حول رحلات جيفارا الاولي الي أمريكا اللاتينية ويعد المخرج والتر سالز من أشهر مخرجي البرازيل ومن أشهر أفلامه السابقة فيلم 'المحطة المركزية'.

وتشارك اليابان في المسابقة الرسمية بفيلمين هذا العام منهما الفيلم الكارتوني 'البراءة' للمخرج ماميرو أوشي وفيلم 'لا أحد يعرف' للمخرج هيروكازو كوريد وحتي الآن مازال يعمل مخرجا هذين الفيلمين علي سرعة الانتهاء من المونتاج وفيلمان من كوريا الجنوبية ، فيلم 'الفتي الكبير' للمخرج بارك تشان ووك وفيلم 'المرأة هي مستقبل الرجل' للمخرج هونج سانج سو، والفيلم التايلاندي الذي يدخل المسابقة الرسمية لمهرجان 'كان' لأول مرة منذ تاريخه ويحمل عنوان 'مالدي الاستوائي' وتدور أحداثه حول رحلة في الغابة اخراج ابيشتابونج ويراس بالاضافة الي الفيلم الايطالي 'توابع الحب' وهو أول تجربة اخراجية لباولو سورينتينو وذلك يثبت أن مهرجان 'كان' بالفعل يريد تجديد شبابه هذا العام بمخرجين وأفلام لأول مرة ويقوم ببطولة فيلم 'توابع الحب' عدد من النجوم منهم توني سيرفيلو، أدرياتو جيانني وانجيلا جودوين وديجيو ريبون وتدور أحداث الفيلم حول 'تيتا' الرجل الذي يبلغ الخمسين من عمره والذي قضي السنوات الثماني الاخيرة من حياته يعيش في غرفة بأحد الفنادق في بلدة صغيرة بضواحي ايطاليا يغلف حياته بالصمت وتدخين السجائر فقط وينظر لحياة الناس ويراقبهم من غرفته بالفندق ولكن ما السر الخطير الذي يحمله 'تيتا' في حياته، ويعد الفيلم من الافلام الدرامية التي تحكي مأساة انسان هذا العصر.

ومن الافلام الارجنتينية المشاركة داخل المسابقة الرسمية فيلم 'الفتاة المقدسة' للمخرج لوكر سيامارتل والفيلم باللغة الاسبانية وسيعرض مصحوبا بالترجمة الانجليزية ويقوم ببطولة الفيلم كارلوس بيلوسو، مرسيدس موران واليجاندرو أورابيلتلا وبدأ تصوير الفيلم في يونيو 2003 وميزانيته تبلغ 20 مليون دولار أمريكي ويدور في اطار درامي حول فتاة تقع في حب رجل كبير قبل وفاته بأيام قليلة.

شكل جديد

وأكد رئيس المهرجان جيل جاكوب أن العام الماضي شهد انتقادا حادا من جانب الامريكيين بصفة خاصة لان المسابقة الرسمية كان بها 5 أفلام فرنسية من ضمن 23 فيلما ولذلك تم تقليص العدد الي ثلاثة أفلام فقط هذا العام. منها فيلم 'نظيف' للمخرج كروسيت أوليفر وبطولة ماجي تشونج، ونيك نولتي وبياتريس دال.

وتدور أحداث الفيلم حول مطرب الروك 'لي هاوسر' الذي يلعب دوره النجم الامريكي الشهير نيك نولتي والذي يموت بجرعة زائدة من الهيروين وتتهم زوجته 'ايملي' بحيازة المخدرات وتقضي ستة أشهر في السجن ثم تخرج لتعود الي باريس في محاولة منها لتنظيف حياتها واستعادة نشاطها من جديد حتي تستطيع استعادة حقوق الوصايا علي ابنها.

ويبدو أن هذه الدورة تسعي لاشراك الانواع المختلفة من الافلام علي رأسها الافلام الدرامية التي تحكي قصصا درامية وانسانية.

والفيلم الفرنسي الثاني في المسابقة الرسمية فيلم 'المنفيون' وبطولة روميان دوريس ، لوباتا ازابيل وزوهير جاسيم واخراج توني جاتليف وتدور احداث الفيلم حول حياة وطفولة المخرج الذي عاشها في الجزائر، فيلم 'انظر الي' للمخرج امبس جاوي وهو من نوعية الافلام الكوميدية الرومانسية التي تدور احداثه داخل صناعة نشر الكتب في باريس ويحكي عن عدة قصص حب رومانسية مختلفة لسبع شخصيات في عالم الشر وصناعته وتم تصوير الفيلم في باريس. ويعد هذا الفيلم هو أول تجربة اخراجية لاجنس جاوي.

السينما الالمانية

وتعود السينما الالمانية للظهور في مهرجان 'كان' هذا العام بعد غياب 11 عاما بفيلم 'المعلمين' للمخرج هانس فاينجارتنر، والفيلم البريطاني الوحيد داخل المسابقة هذا العام هو فيلم 'حياة وموت بيترسيلرز' بطولة جيفري رتش وشارليز ثيرون واخراج ستيفن هوبكنز. وتدور احداث الفيلم حول قصة حياة النجم الكوميدي الشهير بيترسيلرز وقصصه الغرامية.

أفلام وثائقية

وعودة للافلام الوثائقية سيعرض هذا العام فيلم 'فهرنهايت 11 سبتمبر' للمخرج الامريكي مايكل مور الذي دائما يثير الجدل حوله آرائه السياسية المناهضة للرئيس الامريكي جورج بوش وتدور احداث فيلمه الوثائقي الجديد حول علاقة بوش وعائلته بعائلة بن لادن ويواجه الفيلم صعوبات كثيرة بدأت قبل افتتاح المهرجان بساعات قليلة حيث رفضته بيدرو الحودفار في لقطة من 'تعليم سييء' شركة 'مير امكس' توزيع الفيلم لارائه السياسية الجريئة والمناهضة للسياسة الخارجية الامريكية حيث إن الشركة لا تريد أن تضع نفسها في مأزق وخاصة بعد فيلم مايكل مور الاخير 'لعبة البولينج من أجل كولميين' والذي انتقد فيه سياسات الرئيس بوش وثقافة العنف داخل المجتمع الامريكي الذي حاز علي جائزة أوسكار وجائزة مهرجان 'كان' أيضا الاعوام الماضية.

وسيعرض بالمسابقة فيلم 'الحياة معجزة' للمخرج البوسني اميركو ستوريكاو الذي حاز من قبل علي جائزة السعفة الذهبية بمهرجان 'كان' وهو كوميدية درامية حول حرب البلقان.

كما تشارك الولايات المتحدة بفيلمين 'شريك .. الجزء الثاني' الذي عرض الجزء الاول منه بالمهرجان عام 2001 وحقق نجاحا كبيرا وفيلم 'قاتلوا السيدة' للمخرجين الاخوين كوين وبطولة النجم توم هانكس والمرشح بقوة للحصول علي جائزة في حضوره لأول مرة للمهرجان ويشترك معه في بطولة الفيلم مارلون ويانس ورايان هورست وستيفن روت.

وتدور احداث الفيلم في اطار كوميدي مثير حول عصابة تقتحم منزل احدي السيدات لسرقة منزلها الا أن الامر يتضح انه صعب بالنسبة لهم لأن السيدة ليست سهلة وتتميز بروح دعابة هائلة.

أخبار النجوم المصرية في

15.05.2004

 
 

عباس كياروستامي

خمسة وعشرة على عشرة للخروج من حال الانسداد

رسالة كان من إبراهيم العريس

على رغم انه يقدم "فيلمين" أو بالأحرى, تجربتين سينمائيتين ضمن اطار الاختيارات الرسمية وتظاهرة نظرة ما, في مهرجان "كان" لهذا العام, من الواضح ان عباس كياروستامي, وهو الأبرز بين المخرجين الايرانيين في أيامنا هذه, لا يشكل حدثاً خاصاً في هذه الدورة. سيكون بالأحرى, جزءاً من حيز تجريبي من الصعب عليه أن يجتذب جمهوراً عريضاً, حتى بين هواة السينما. وهو كان, على أية حال, اختبر هذا المستوى من "لا مبالاة" الجمهور "الكاني" العريض قبل عامين حين عرض فيلمه الروائي - الأخير حتى الآن - "عشرة". صحيح ان هذا الفيلم عاد بعد "كان" وعاش حياته الخاصة ولقي من الاقبال والاعجاب ما نعرف, لكنه في "كان" شكل صدمة, وخصوصاً للذين اعتادوا من السينما الإيرانية ان تكون من بطولة أطفال وذات مواضيع تكرس نظرة غربية ما, الى الوضع الإيراني.

في "عشرة" عالج كياروستامي قضية المرأة الايرانية, من منطلق انساني شامل, غير ذي علاقة كبيرة - في الجوهر - بالوضع الايراني الخاص. ونعرف ان هذا المخرج شعر بعد "عشرة" بشيء من الانسداد الابداعي, إذ صار من الصعب عليه ان يعثر على مواضيع جديدة ترضي تجدد لغته السينمائية, هو الذي بدأ يتجه أكثر وأكثر ناحية التجريب الشكلي. ومن هنا, حتى حين كتب "دماء وذهب" ليحققه بنفسه, رأى في نهاية الأمر ان خطّية الفيلم لا تناسبه كمخرج, لذلك انتهى الى أن يعهد به الى صديقه - ومساعده السابق - جعفر باناهي فحققه هذا ليطلع من بين يديه فيلم كبير حقاً.

"الفيلمان" اللذان يعرضان الآن في "كان" هما على أية حال, حصيلة تجربة الانسداد التي عاشها عباس كياروستامي. فهو, من ناحية, حين كان منكباً شماليّ طهران على ضفاف بحر قزوين على كتابة سيناريو "دماء وذهب", راح يلهو بكاميراه الديجتال, وبدأ تصوير مجموعة من الصور واللقطات اختصرها في نهاية الأمر الى خمس هي التي تشكل جوهر فيلم "خمسة"... وهي لعبة بصرية بحت لا تخلو من الجمال, وتقارب ما كان يفعله فيم فندرز حين زار أميركا للمرة الأولى. هنا بالنسبة الى كياروستامي, من الصعب ايجاد علاقة بين المشاهد "بل ان العمل يدنو أكثر ما يدنو من فن الرسم" كما في معرض علقت على جدرانه لوحات, لا يجمع بينها في نهاية الأمر سوى كون رسامها كلها, واحداً: فمن الكاميرا التي تتبع قطعة خشب تطفو فوق سطح مياه البحر, الى أشخاص يتنزهون على كورنيش قرب الشاطئ ثم يخلون المكان حتى لا يبقى سوى الأمواج تتكسر عند ذلك الشاطئ, وصولاً الى أشكال عند شاطئ بحر شتوي من الصعب تمييزها أول الأمر, حتى يتبين لنا ما يسميه كياروستامي "حكاية حب ومجموعة من الكلاب اللاهية", ثم الى مجموعة من البط تحل محل الكلاب آتية ذاهبة على الشاطئ, وأخيراً الى حركة البحر ثم الليل والضفادع والعاصفة حتى طلوع الفجر.

هذه المشاهد تشكل في مجموعها حركة تشبه حركات عمل موسيقي متكامل يريد أن يصل الى النهاية ولو عبر وجوه ودروب عدة تبدو مفـرّقة أول الأمر.

"الفيلم" الثاني لكياروستامي في "كان" هذا العام هو "عشرة على عشرة". وهو فيلم يستغرق عرضه قرابة الساعة ونصف الساعة, والتجريب فيه يبدو أقل.

أما العنوان فواضح: انها عشرة دروس تتعلق بفيلمه "عشرة". انه يجيب هنا في هذه الدروس, عن كل الأسئلة التي طرحت أو كان يمكن أن تطرح حول ذلك الفيلم, عبر تقديم وحديث عن حركة الكاميرا فالموضوع والسيناريو وإعداد أماكن التصوير وصولاً الى الموسيقى... وبقية الأمور المتعلقة بالفيلم. ويقول كياروستامي لـ"الحياة" ان ما دفعه الى صنع هذا العمل "التعليمي" و"التفسيري" أولاً وأخيراً, هو رغبة في توضيح الفارق بين "عشرة" وبقية أفلامه, التي صور معظمها في الطبيعة, فيما صور "عشرة" داخل سيارة امرأة تجوب شوارع طهران. وكذلك رغبته في المقاربة بين "عشرة" الذي هو فيلم عن المرأة وحساسية المرأة ومعضلات حياتها, وبين فيلمه الأسبق "طعم الكرز" (السعفة الذهبية في "كان" 1997, مناصفة مع فيلم ياباني لايمامورا "ثعبان البحر"), الذي كان فيلماً عن حساسية ذكورية واضحة. وللوصول الى هذا ركّز كياروستامي كاميراه في حيز متعلق بـ"طعم الكرز" وراح يصور ويلقي درسه السينمائي معلناً أن للأمر أهميته بالنسبة إليه "إذ هنا استخدمت للمرة الأولى في العام 1996 كاميرا فيديو, أنهيت بها بعد صعوبات, آخر مشاهد "طعم الكرز". واليوم أشعر ان ذلك الربط, عبر الكاميرا الفيديو, ساهم كثيراً في ما أراه من تقارب بين الفيلمين...".

من الواضح ان عباس كياروستامي الذي حقق في 1970 فيلمه الأول "الخبز والشارع" كفيلم قصير وحقق في العام 1974 فيلمه الطويل الأول "مسافر", سيكون عرض "فيلميه" الشديدين في "كان" الآن, تمهيداً لذلك العرض الكبير الخاص به والذي يبدأ يوم 26 من الجاري, في سينما "م ك 2" في باريس, ويشمل كل أفلامه, اضافة الى عرض لصوره بدأ بالفعل قبل أيام في باريس أيضاً. والحال ان كل هذا انما يأتي تتويجاً لجهود مخرج من إيران, عرف بسرعة كيف يتجاوز تعامل أهل السينما العالمية والجمهور معه, ذلك "التعامل الاستشراقي" الذي يكون عادة من نصيب هذا النوع من السينمائيين ليفرض حضوره في الساحة العالمية, مخرجاً استثنائياً من طراز خاص, يجمع بين عبق السينما ذات الرسالة, ونقاء الفن البصري الخالص...

جريدة الحياة في

16.05.2004

 
 

8 أفلام تتحدث بالعربية

المعجزة الفرنسية..تقترب من السعفة الذهبية!

العطش الإسرائيلي.. لمخرج فلسطيني!

رسالة كان من من سمير فريد

بعد ثلاثة أفلام فنية ولكن متواضعة بدأت بها المسابقة في مهرجان كان الياباني "لا أحد يعلم" والإيطالي"اعتبارات الحب" والأمريكي التسجيلي "موندو فينو" عرض الفيلم الفرنسي "معجزة الحياة" إخراج فنان السينما البوسني المسلم أميركو ستوريتشا. وجاء إعجاز فني هائل لا مثيل له من قبل في تاريخ السينما. ولا يقارن إلا بالأعمال الفنية الخالدة علي مر الزمن مثل سيمفونية بيتهوفن التاسعة. وهاملت شكسبير. وتمثال دافيد من أعمال مايكل أنجلو.

بهذا الفيلم الذي يستغرق عرضه ساعتين و34 دقيقة تمر في لحظات وكأن الزمن توقف يضمن كوستوريتشا أن يصبح أول سينمائي يفوز بالسعفة الذهبية ثلاث مرات في تاريخ مهرجان كان. وتضمن السينما الفرنسية أهم جوائز السينما الدولية في العالم التي تمنح علي أرضها لأول مرة منذ 17 سنة. وبالتحديد منذ الدورة ال 40 للمهرجان ودورة 2004 هي ال .57

"معجزة الحياة" عمل فني يستوعب كل السينما. وكأنها اخترعت منذ مائة عام من أجل أمير كوستوريتشا. ويعبر عن كل جمال العالم من رسوم الكهوف إلي رسوم بيكاسو. وكل الإبداع الأدبي من شكاوي الفلاح الفصيح إلي ألف ليلة وليلة. ويعبر علي نحو أقرب إلي الكمال الفني المطلق عن الحكمة الإلهية في الكون الذي تتعايش فيه كل المخلوقات. وعن عظمة الإنسان وضعفه. والحرب كأكبر تعبير عن فشل البشر في الحياة مع بعضهم البعض.

وفي بداية عروض الأفلام السبعة التي اختارتها نقابة نقاد السينما في فرنسا لأسبوع انعقاد. والذي يعرض الأفلام الطويلة الأولي أو الثانية فقط لمخرجيها. عرض الفيلم الإسرائيلي "عطش" إخراج توفيق أبووائل من فلسطيني إسرائيل.

"عطش" يعلن عن موهبة سينمائية حقيقية. ولكنه يعاني من ضعف درامي شديد. وتمثيل يصل إلي حد الرداءة في كثير من المشاهد. ولايزال مخرجه يبحث عن أسلوبه الخاص ولا يستطيع التخلص من تأثير فناني السينما الذين يحبهم ويريد أن يصبح من سلالتهم من اندرية تاركوفسكي إلي شادي عبدالسلام. ومن ناصر حميد إلي نوري بلجي سيلان. في معسكر مهجور للجيش الإسرائيلي بمكان قفر يعيش أبوشكري وأسرته المكونة من زوجته وابنه وابنتيه منذ عشر سنوات بعيدا عن قريته هربا من سكان قريته بعد أن تعرضت ابنته الكبري لاعتداء جنسي جعله يشعر بالعار. ورغم أن أحد سكان القرية يبلغه أن الجميع أدركوا أن ابنته كانت ضحية. ولكننا في نفس الوقت نري الحمار الذي يستخدمه شكري في الذهاب إلي المدرسة يسرق منه. ثم يعود وقد كتب عليه بعض شباب القرية عبارة "شقيق العاهرة" بالعامية الفلسطينية.

لا شيء يحدث في الفيلم حتي الابنة المتهمة تهرب ثم تعود مرة أخري. والموقف الدرامي يعبر عن السلطة الأبوية الطاغية. ولكنه غير مقنع ولا يصدق. وهذه هي المشكلة الدرامية الكبري في الفيلم وفي أي فيلم أو عمل درامي. فالأساس الذي صاغه أرسطو منذ القرن الخامس قبل الميلاد في "فن الشعر" يظل صحيحا حتي في عصر ما بعد الحداثة. وهو أن يكون الموقف مقنعا وقابلا للتصديق من قبل المتفرجين سواء كان يحدث كل يوم. أو لا يحدث في الواقع أبداً.

هذا هو الفيلم الطويل الأول لمخرجه الذي ولد في إسرائيل عام 1976وتخرج في قسم السينما بجامعة تل أبيب. وعمل في الأرشيف السينمائي للجامعة من 1996 إلي 1998 قبل أن يعمل في الإنتاج والإخراج. و"عطش" إنتاج إسرائيلي خالص. ولكن مخرجه أضاف أنه إنتاج إسرائيلي فلسطيني ووضع بين قوسين من فلسطين 1948. أي من الذين لم يهاجروا ولم يهجروا من الشعب الفلسطيني بعد قيام دولة إسرائيل في ذلك العام.

ولأول مرة في تاريخ أسبوع النقاد الذي يقام من 42 سنة تتضمن الأفلام السبعة المختارة فيلمين من إسرائيل أيضا كما أن هناك فيلمين من إسرائيل أيضا في مسابقة أفلام الطلبة.

8 أفلام تنطق بالعربية

الفيلم الإسرائيلي للمخرج الفلسطيني من حيث هويته الثقافية أحد ثمانية أفلام في مهرجان كان هذا العام تنطق بالعربية جزئيا أو كليا. والأفلام الثمانية ليس منها سوي فيلم واحد من الإنتاج العربي. وهو الفيلم المغربي "الملائكة لا تسرق في كازابلانكا" إخراج محمد أصلي. والذي يعرض في أسبوع انعقاد أيضا. أما الأفلام الأخري فأحدها فيلم إسرائيلي آخر بعنوان "مشروع حدود" إخراج كوبي جال رادي ويائيل هير سونسكي في مسابقة أفلام الطلبة. وأربعة أفلام فرنسية "باب الشمس" اخراج يسري نصرالله خارج المسابقة. واسكندرية نيويورك.. اخراج يسري نصرالله خارج المسابقة. و"إسكندرية نيويورك" إخراج يوسف شاهين في برنامج "نظرة خاصة". و"معارك حب" إخراج اللبنانية دانييل عربيد. و"جدار" إخراج الإسرائيلية سيمون بيتون في برنامج "نصف شهر المخرجين" الذي تنظمه نقابة مخرجي السينما. في فرنسا وفي مسابقة الأفلام الطويلة "منفيون" إخراج توني جاكيف وهو مخرج فرنسي ولد في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي عام .1948
أربعة من الأفلام الثمانية عن الشعب الفلسطيني: "عطش" و"مشروع حدود" من إسرائيل. و"باب الشمس" و"جدار" من فرنسا وبينما يتناول يسري نصرالله حياة الشعب الفلسطيني من الخروج من فلسطين عام 1948 إلي اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 من خلال رواية الكاتب اللبناني إلياس خوري التي صدرت عام 1998 وترجمت إلي الفرنسية عام 2002. يتناول "مشروع حدود" و"جدار" وهما من الأفلام التسجيلية الجدار العازل الذي تقيمه حكومة اليمين المتطرف برئاسة شارون.

الأفلام التسجيلية الطويلة

وهناك العديد من الأفلام السياسية في مهرجان كان هذا العام عن قضايا مختلفة من العراق في "فهرنهايت 911" إخراج مايكل مور في المسابقة. إلي أفغانستان في "أرض ورماد" إخراج أتيك راحيمي في "نظرة خاصة" كما أن هناك العديد من الأفلام التجارية الهوليودية. ولكن الجديد في دورة المهرجان الكبير لعام 2004 وجود فيلمين من أفلام التحريك في مسابقة الأفلام الطويلة لأول مرة الأمريكي "شريك" "2" والياباني "براءة" ووجود 15 فيلما تسجيليا طويلا في البرامج المختلفة منها فيلمان في المسابقة لأول مرة أيضا. وهو عدد غير مسبوق من هذه الأفلام في المهرجان.

 

أخبار من كان:

·     عشية عرض فيلم "فهرنهايت 911" اليوم في مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان كان أعلنت شركة والت ديزني عن تراجعها عن موقفها في رفض توزيع الفيلم وكان قرارها برفض توزيعه قد أثار ضجة كبيرة في العالم. وخاصة بعد تصريحات مخرجه النارية. واعتباره أن الحرية في أمريكا في خطر إذا شاهد الناس الفيلم في أوروبا والعديد من الدول ولم يوزع في أمريكا.

 

·     نشرت مجلة "سكرين انترناشيونال" البريطانية الدولية في ملحقها اليومي الذي يصدر أثناء مهرجان كان أن لطيف يحيي بديل عدي صدام حسين سوف يصل إلي المهرجان خلال أيام للدعاية للفيلم الهولندي الذي سينتج عن حياته بعنوان "بديل الشيطان".

وجاء في الخبر أن لطيف يحيي الذي فر من العراق إلي لندن وأصبح مواطنا بريطانيا ومن كبار رجال الأعمال سوف يتحرك في سيارة مصفحة اشتراها مؤخرا من الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا حسب نص ما نشرته المجلة!

أعلن عن رصد 10 ملايين دولار أمريكي كميزانية للفيلم. ولكن لم يعلن اسم مخرجه ولا كاتب السيناريو. ومن الجدير بالذكر أن السيناريو سيكون عن كتاب لطيف يحيي الذي صدر بنفس العنوان.

الجمهورية المصرية في

16.05.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)