كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

تنهد الفرنسيون خلال مشاهدة فهرنهايت 9/11"...

كأنهم يتعرفون على بوش للمرة الاولى!

باريس - فراس زبيب

مهرجان كان السينمائي الدولي السابع والخمسون

   
 
 
 
 

انتظر الفرنسيون يوم الأربعاء الماضي, منذ مهرجان "كان" الأخير حين حاز فيلم مايكل مور "فهرنهايت 9/11" على جائزة السعفة الذهبية.

ففي فرنسا يبدأ عرض الأفلام الجديدة في الصالات كل يوم أربعاء ويقف مئات الفرنسيين في صفوف طويلة تصل الى الرصيف. 

أنا اخترت ألاَّ أقف في الصف وانتظرت جالساً في مقهى السينما. دخل الجميع ثمّ دخلت. ثمن جلوسي في المقهى دفعته فور دخولي الى الصالة بحيث لم أجد مقعداً إلا في الصف الأمامي الأول شبه الملاصق للشاشة. وحدها امرأة في الثلاثين من عمرها وصلت بعدي وجلست قربي, ثم بدأ الفيلم.

هو فيلم وثائق لا سينما فيه. على رغم محاولات مور أن يخلق من توليف صور الأرشيف فيلماً تكون له قيمة فنية وبعد سياسي. وهو فشل حتى في ذلك. فالفيلم هو عبارة عن سلسلة فضائح الرئيس الاميركي جورج بوش وادارته. كلام لا شيء جديداً فيه, يبدأ بكيفية إعلان بوش الحرب على العراق بحجة اختلقها, وكيف قضى معظم وقته في عطلة في بيته الصيفي بينما الشعب الأميركي كان بحاجة اليه في البيت الأبيض.

مور ليس سينمائياً إذاً حين يبيع فيلماً كهذا, وهو ليس فناناً ولا كاتباً. يحاول أن يلعب لعبة سياسية لكنه بعيد كل البعد عن السياسة. هو أقرب الى كونه صحافياً يبحث عن أخبار وفضائح السياسيين لتتصدر غلاف مجلة رخيصة, ثم يكتبها بلا أسلوب وبلا تحليل فعليّ معمّق.

الفيلم ممل فيه صور سياسيين يتكلمون ثم يعيدون ما قالوه ثم ينكرون كل شيء... صور من التلفزيون ومن كواليس التلفزيون. نرى وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد يبصق على يده ليمشط شعره, أو جورج بوش أمام الكاميرا قبل أن يبدأ الارسال. الفيلم كأنه نتيجة خلاف شخصي بين بوش ومور, لا موضوعية فيه.

وهناك صوت مور الذي يعلّق على كل مشاهد الفيلم. كأنه يشدّد على كونه عدو الرئيس الأميركي, هو شخصياً, بصوته وصورته. فهو يظهر في الفيلم, بثيابه التي لا غنى عنها, بصندله المعهود و"الشورت" والكاسكيت. ثياب كأنها موقف سياسي بحدّ ذاتها. هي ثياب البساطة وعامة الشعب الاميركي بينما الحقيقة هي أن مور من أغنى أغنياء هوليوود.

في أحد مشاهد الفيلم التي يظهر فيها, ينتظر خروج اعضاء مجلس الشيوخ من اجتماع ويخاطب بعضهم قائلاً: "جئت أكلمكم عن طرق الالتحاق بالجيش من أجل أولادكم لأنني أرى أن أولادكم يجب أن يلتحقـوا بالحرب قبل أولاد الشعب". استفزاز أمــام الكامــيرا لا يخلو من السخف والتطرّف! كأن مشكلة بوش وحكومته هي في أولاد الشيوخ الذين لم يذهبوا الى الحرب. وحين أقرأ أن ابنته في مدرسة خاصة في شارع مانهاتن في نيويورك لأنه رأى أن جو المدرسة العامة لا يناسبها, أتعجب من جرأته! هو لم يعد من الشعب إذاً كما يقول. وهو ما عاد يعيش في ميشيغان بل في أحد افخم أحياء نيويورك. هو إذاً يتكلم باسم الشعب من منصّة النجوم والأغنياء. وهو يقدر على محاربة بوش لأنه أقرب اليه منه الى الشعب, وينتمي الى فئته الاجتماعية.

والفيلم يتهم بوش وحكومته بنشر أكاذيب عدّة وخلق جوّ من التوتر والخوف المتعمّد في المجتمع الاميركي, بهدف أن يبقى هو المسيطر. نوع من غسيل الأدمغة الجماعي.

مور يفعل الشيء نفسه لأنه يفرض آراءه السياسية على شعوب كاملة, وهدفه الوحيد أن ينال من بوش وينزعه من منصبـه. تماماً كما ان هدف بــوش الوحيد هو أن يبقى في منصبه. وبدل الموضوعية التي لـــم يقدر مور أن يتحكم بها لشــدة كرهه للرئيس الأميركي وتعصبه لمعتقداته السياسية, لجأ الى الكذب (هو أيضاً) بنبرة الصدق والحقيقة المطلقة. فقد كتبت صحف ومجلات أميركية عدة أن في الفيلم معلومات عديدة غير صحيحة. كقصة السعوديين الذين تركوا الأراضي الأميركية مباشرة بعد 11 أيلول (سبتمبر), ومعهم عائلة بن لادن, والحقيقة أن طائرة لم تقلع في الأيام الأولى للحادثة.

لجأ مور الى تحوير الحقيقة واستعمال الصور والموسيقى والكلمات ليؤثّر في المشاهدين. استعمال الفنّ لأهداف سياسية (أو شخصية من يدري).

انه فيلم "بروباغاندا" إذاً, أو "بروباغندا معاكسة". صور يريدها أن تكون قوية, أن تصدم الجمهور وتؤثر عليه. كصورة بوش يلعب الغولف ويهزأ من العمل, أو صورة الأم الأميركية التي فقدت ابنها الذي كتب لها في رسالته الأخيرة أنه يكره بوش وأن الرئيس افتعل حرباً من لا شيء.

وهناك مشــهد الأولاد العراقيين يلعبون بطائرة مــن ورق ويضحكــــــون, مع خلفيــة مــن الموسيقى الهادئة. ثم فجــأة... دوي انفجار. المشهــد هــذا يرمز الى بداية الحرب العراقية وهو المشهد الوحيد الرمزي والسينمائي. ولكنه كالسينما الهوليوودية, تتخطى رمزيته الحقيقة فلا تعود تشبهها أو تعبّر عنها, خصوصاً أن العراق والعراقيين يظهرون كموضوع ثانوي في الفيلم. فبوش يكذب على الأميركيين, ويتسبّب في قتل شباب أميركيين ويُحزن أمهات أميركيات... وأكثر من ذلك, يُغضب مخرجاً أميركياً. كأن الأميركيين هم المشكلة وهم الحلّ. والعراقيون "تحصيل حاصل". كأنّ كذب بوش على شعبه فعل أقبـح من تسبــبه بقــتل أبرياء عراقيين, أو كأنــه لــو لم يكذب, لما كان في قتلهم مشكلة.

الفتاة التي وصلت بعدي وجلست قربي لم تتوقف عن التنهّد خلال المشاهدة. كأنها تشهد خروج الحقيقة الى العلن, كأنها حين دخلت الى الصالة كانت لا تعرف عن بوش إلاّ ما يقوله هو عن نفسه, أمّا بعد خروجها فباتت تعرف الحقيقة. ان كان الشعب الأميركي بسيطاً كما هذه الامرأة, ففيلم كهذا ممكن أن يؤثر على مجرى الانتخابات المقبلة, ويكون بذلك المخرج مور هزم الرئيس بوش. ولكن بوش لم يقل بعد كلمته الأخيرة... كذبته الأخيرة في حرب السياسة والصور.

وفي كل الحالات, من الجيد أن يعرف الأميركيون وجه بوش الذي يبقون وحدهم عميان عنه!

جريدة الحياة في

13.07.2004

 
 

رقم قياسي لفيلم فهرنهايت

سجل فيلم فهرنهايت 11/9 للمخرج مايكل مور المعادي بشدة لجورج بوش رقما قياسيا جديدا في شباك التذاكر في بريطانيا لهذا الفيلم الوثائقي حسب ما أعلنت الاثنين وكالة برس اسوسييشن.

وأوضحت الوكالة ان الفيلم حصد 1،3 مليون جنيه (1،96 مليون يورو) منذ عرضه رسميا في التاسع من تموز/يوليو اي افضل نتيجة تحقق خلال عطلة نهاية الاسبوع لفيلم وثائقي.

ومنذ عرضه في 132 صالة في بريطانيا سجل هذا الفيلم الوثائقي رقما قياسيا لجهة الايرادات خلال عطلة نهاية الاسبوع متقدما على فيلم مور السابق بوولينغ فور كولومباين مع 158 الف جنيه (237 الف يورو).

كما حقق رقما قياسيا متقدما على فيلم آخر حصل على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان للسينما وهو بالب فيكشن (1994) الذي جمع ايرادات قيمتها 705 الاف جنيه (06،1 مليون يورو) خلال الايام الثلاثة الاولى من عرضه.

وفي حال استمر تدفق المشاهدين على هذه الوتيرة فان فيلم فهرنهايت 11/9 قد يسجل رقما قياسيا لجهة الايرادات عن فيلم وثائقي.

وحاليا يحتل فيلم تاتشينغ ذي فويد الوثائقي (2003) المرتبة الاولى في بريطانيا الذي جمع حتى الان 2،58 مليون جنيه (3،87 مليون يورو).

وفي الولايات المتحدة اصبح فهرنهايت 11/9 اول وثائقي يحتل المرتبة الاولى في شباك التذاكر على الاطلاق. وبلغت ايرادات الفيلم 80 مليون دولار (نحو 65مليون يورو).

ولم يخف مور بان فيلمه سلاح ضد اعادة انتخاب الرئيس جورج بوش لولاية ثانية. وفي الولايات المتحدة يعتزم المخرج المحافظ مايك ولسون التصدي لفيلم مور بانتاج فيلم وثائقي بعنوان مايكل مور هايتس اميركا ردا على فهرنهايت 11/9.

موقع "القناة" في

13.07.2004

 
 

"فهرنهايت 11-9" لمايكل مور.. بوش قضيته ولا قضية سواها

هشام ملحم

أقل ما يمكن ان يقال عن فيلم مايكل مور <<الوثائقي>> <<فاهرنهايت 11 9>> ضد سياسات الرئيس بوش الذي أثار ولا يزال يثير الكثير من الجدل والضجيج في أميركا، هو انه ليس فيلما وثائقيا، بل مزيجا غريبا من الواقع والخيال ونظريات التآمر والحق الذي يراد به باطل والدعاية الضحلة. وأكثر ما يمكن ان يقال عنه هو انه مثال صارخ وخطير على طروحات اليسار المراهق الذي يساعد اليمين المتشدد من خلال التضليل وأنصاف الحقائق والمبالغات والتلميحات والسخرية الرخيصة التي تحول المأساة الى ملهاة. مايكل مور في فيلمه يبشر المؤمنين معه بأن بوش يجسد الشر، ولذلك لا يقدم أي طروحات جدية للنقاش ولا يبدو انه مهتم بأن يكون موضوعيا، أو بإقناع أي شخص خارج طائفة المؤمنين التي يدغدغ ادنى مشاعرها. الفيلم ممل، ويمكن التنبؤ بمضمونه من اول مشهد، ومايكل مور احيانا يطرح قضايا معروفة وأسئلة نوقشت من قبل، ويفعل ذلك وكأنه يكتشف اشياء جديدة، ويعطي اجوبة لم يجرؤ غيره على اعطائها.

الفيلم مهين لذكاء أي مشاهد مطلع على المنطلقات السياسية والايديولوجية والاستراتيجية للرئيس بوش وكبار المسؤولين في حكومته، والتي انعكست في الحرب ضد العراق وضد الارهاب، وهو مهين بالتحديد لمعارضي سياسات الرئيس بوش، ولطروحات ما يسمى بالمحافظين الجدد حول العراق والعالم العربي واسرائيل، الذين تجاهل مور كليا دورهم ودور اسرائيل في التعبئة للحرب ضد العراق، لان اسلوبه الضحل والرخيص بتركيزه على الصور النمطية والكليشهات والتعميمات الهادفة الى الاسترضاء السريع والآني لمشاعر المشاهد، بدلا من التوجه لعقله بمعلومات مؤكدة وذات صدقية وتحليلها عقلانيا، يؤدي في النهاية الى التقزز من هذا الاسلوب، أكثر من التقزز من الصورة الكرتونية والمسطحة التي يرسمها لبوش. سياسات بوش خطيرة بالفعل، ولهذا السبب لا يمكن التعامل معها بمزاح سمج وتنكيت ممجوج. مايكل مور يتهم بوش بتضليل الاميركيين حول الاسباب الحقيقية التي دفعته أولا لغزو افغانستان وثانيا لغزو العراق، ويتهمه بالكذب والكسل، وتحوير الحقائق لكي تتماشى مع طموحاته الضيقة وفساده وفساد عائلته. ولكن مايكل مور يفعل الشيء ذاته في فيلمه. الرداءة واحدة، ان كانت لدى بوش السياسي، او لدى مور السينمائي. الذين صفقوا في اوروبا لفيلم مايكل مور وأعطوه جائزة Palme d'or في مهرجان كان للسينما، فعلوا ذلك لاسباب سياسية وليس لاسباب فنية وعبروا بذلك عن رفضهم لسياسات بوش وليس بالضرورة تقديرهم لابداع مور. والضجيج السياسي حوله في اميركا ادى الى اقبال كبير عليه حيث ضرب ارقاما قياسية لفيلم <<وثائقي>> حين جنى اكثر من 28 مليون دولار في اسبوعه الاول، وساهم بشكل ملحوظ، في تحقير وتشويه الخطاب السياسي في البلاد ودفعه الى مستويات ادنى. مور يريد لفيلمه ان يؤثر على الانتخابات الرئاسية وحرمان بوش من ولاية ثانية، وهو الذي يبدأ فيلمه باتهام بوش بسرقة الانتخابات في سنة ألفين. ولكن ذلك امر مستبعد، لان الفيلم سيعمق مشاعر خصوم وأنصار بوش بدلا من إقناع الحياديين بقبول طروحاته التآمرية والخيالية. المرشح الديموقراطي جون كيري رفض التعليق على الفيلم بحجة انه لم يشاهده، ويبدو انه لا يعتزم ذلك، كما انه يحاول ابقاء مور بعيدا عنه لانه لا يريد ان يتهم بمعانقة شخصية مثل مور تعتبر متشددة في اوساط عديدة، خاصة انه ونائبه جون ادواردز كانا قد وافقا على قرار شن الحرب ضد العراق.

بلا إبداع

فنيا، الفيلم يتميز بالرداءة والسطحية وغياب حتى نفحة واحدة من الابداع. وحتى عندما يتطرق مور الى قضايا حقيقية وتستحق كل الاهتمام، مثل الكلفة الانسانية للحرب ان كان في العراق ام في أميركا، فإنه يستغلها بشكل رخيص، مثل إبقاء الكاميرا مسلطة على امرأة تنحب بعنف ولوقت طويل ودون خجل للمبالغة بوقع الصورة. بعض الوقائع في الفيلم مثل صور ضحايا الحرب من عراقيين واميركيين، والتي لم يعطها الاعلامي الاميركي، وخاصة في بداية الحرب حقها في التغطية، او الاعجاب المحرج الذي يبديه بعض الاعلاميين الاميركيين بالقوات الاميركية وأدائها في العراق، او الاسلوب الممجوج الذي يلجأ اليه العسكريون لجذب الاميركيين الشباب، من اوساط الاقليات للانخراط في القوات المسلحة، كلها للاسف لا تساهم في رفع مستوى الفيلم، لانها تبقى مبعثرة وفي ظل سرد ديماغوجي طاغ. والمضحك المبكي هو ان مور، اصبح بطلا فولكلوريا ليسار بائس لا يعرف كيف يواجه بوش وسياساته الا باتهامات مبتذلة، لا داعي لها لان انتهاكات بوش وكبواته واخطاءه القانونية والسياسية والعسكرية صارخة وواضحة وموثقة ولا ضرورة للمبالغة فيها، او حياكة المؤامرات السخيفة حولها.

سياسيا، الفيلم حافل بالتشويهات والديماغوجية، والاتهامات غير الموثقة وغياب السياق التاريخي. وفقا لمور المشكلة هي بوش وعائلته، وليس سياسات واستراتيجيات تقف وراءها الطبقة السياسية والتي ترى انها تخدم مصالح البلاد، بغض النظر عن هوية الرئيس او حزبه. وليس من المبالغة اتهام مور حتى بإظهار نفحة عنصرية، عندما يلجأ الى استخدام صور نمطية خلال سخريته من التحالف الدولي الذي يبالغ فيه بوش، حين يتحدث عن دول صغيرة او غير معروفة جيدا للاميركيين، مثل جمهورية بالاو وهي جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ وهو يعرض صور بعض <<السكان الاصليين>> وهم يرقصون، او حين يذكر جمهورية كوستاريكا ويعرض صورة رجل يمتطي حيوانا يجر عربة صغيرة وراءه، او حين يذكر استعداد المغرب لارسال بعض القردة للتخلص من حقول الالغام حيث يعرض صورا لقردة تقفز، او حين يركز على صور لرجال سعوديين في زيهم الوطني وهم يتحدثون مع رجال اعمال اميركيين ينتمون الى شركات لعائلة بوش مصالح فيها، وكأن هذه اللقاءات بمثابة جلسات تآمر. وحين يتطرق مور، وعن حق الى الآثار السيئة للغاية <<لقانون المواطنة>> الذي يسمح للسلطات الامنية باختراق التجمعات الاميركية، فإنه يتحدث عن مشاكل بسيطة لعدد من الافراد البيض، ولكنه يتجاهل كليا انه اصبح للخطاب الاميركي حول الارهاب <<وجه عربي>> او مسلم، ولذلك لم يتطرق الى معاناة مئات العرب والمسلمين الذين اعتقلوا عقب هجمات ايلول 2001 ووضعوا في سجون سرية واستخدمت ضدهم ادلة سرية.

ينطلق مايكل مور من مسلمات وافتراضات تتضمن جزءا ضئيلا من الصحة، ولكنه يضخمها ويوصلها الى نتائج مؤامراتية. وجوهر المؤامرة علاقة مالية متشعبة بين عائلة بوش والعائلة المالكة في السعودية وعائلة بن لادن، والتي ادت حسب زعمه الى توفير <<السعوديين>> لاكثر من مليار وأربعمئة مليون دولار لشركات لها علاقة بأفراد من عائلة بوش، وتحديدا لوالده الرئيس الاسبق، او لاصدقائهم. هذه الصورة الكاريكاتورية لبوش تبين انه خائن او حتى عميل للسعودية. وهكذا يصبح غزو افغانستان (الذي لا يعجب مور احيانا، والذي ينتقد الحكومة لانها لم ترسل قوات اضافية الى تلك البلاد احيانا اخرى لتعقب القاعدة وطالبان) نتيجة لمصالح نفطية لعائلة بوش في شركة Unocal التي سعت خلال التسعينات لبناء خط لانابيب النفط من القوقاز شرقا مرورا بأفغانستان وباكستان حتى المحيط الهندي، ويصبح غزو العراق محاولة من بوش للتغطية على علاقته بعائلة بن لادن وبالسعودية، ولخدمة مصالح شركات اميركية مثل Carlyle Group و Halliburton. وللتدليل على ذلك يدعي مور انه حين يستيقظ بوش كل صباح فإنه يفكر كيف يمكنه ان يخدم مصالح السعوديين.

ويشير مور الى ان وفدا من نظام طالبان زار تكساس في 1997 <<عندما كان جورج بوش حاكما للولاية>> لمناقشة خط الانابيب، ويوحي ان بوش التقى بالوفد، بينما الواقع هو ان بوش لم يجتمع بالوفد، وأن المحادثات بين طالبان وشركة النفط قد انتهت في 1998 اي قبل سنتين من انتخاب بوش. والواقع هو ان ادارة الرئيس كلينتون كانت تدعم مثل هذه الصفقة، لانها كانت تشجع تصدير نفط القوقاز من خلال الالتفاف على إيران. ويتطرق مور الى زيارة قام بها مبعوث من طالبان الى واشنطن في آذار 2001، ويتساءل عن اسباب استقبال مبعوث من نظام يحمي بن لادن الذي دمر سفارتين اميركيتين في افريقيا وفجر المدمرة كول في اليمن؟ المبعوث حمل معه رسالة من الملا عمر للتفاوض بشأن مصير اسامة بن لادن، الذي كانت تطالب به الولايات المتحدة، خاصة ان الملا عمر كان قد اقترح قيام مجموعة من علماء الدين المسلمين بمراجعة الادلة ضد بن لادن. ولكن الزيارة أخفقت لان المبعوث لم يحمل معه أي مقترحات تؤدي الى تسليم بن لادن.

ويواصل مور الاسلوب نفسه في تشويه الحقائق حين يشير بطريقة مؤامراتية إلى علاقة جورج بوش بجيمس باث الذي خدم معه في الحرس الوطني في تكساس، وكيف ان البيت الابيض طمس اسمه بالحبر الاسود في الوثائق التي كشف عنها ليس لاسباب تتعلق بالقانون الذي يمنع الكشف عن معلومات شخصية من هذا النوع، بل يوحي ان السبب يعود لرغبة البيت الابيض بالتغطية على حقيقة ان باث كان قد عمل في السابق كمدير مالي لعائلة بن لادن في تكساس. وهنا يضيف مور انه بعد ان تم توظيف باث من قبل عائلة بن لادن، <<قام باث بدوره بالاستثمار في جورج دبليو بوش>> حيث يوحي ان الاستثمار المالي لجيمس باث والبالغ خمسين الف دولار في شركة بوش المسماة <<أربوستو للطاقة>> هو من اموال عائلة بن لادن، على الرغم من ان باث قد أصر على ان المبلغ منه وليس من عائلة بن لادن، ولا توجد ادلة تثبت العكس. وحتى الكتاب الذي يعتمد عليه مور لدعم ادعاءاته حول علاقة آل بوش بآل بن لادن يقول بعدم وجود مثل هذه الادلة.

التهمة الرئيسية التي يوجهها مور الى الرئيس بوش هي ان مصالحه المالية مع السعوديين وتحديدا عائلة بن لادن وبعض الشركات الاميركية هي السبب الحقيقي للحرب ضد العراق، للتغطية على أي دور للسعودية في هجمات ايلول. ويتحدث مور عن صفقة تزيد قيمتها عن مليار دولار وقعتها الحكومة السعودية مع شركة BDM التي تملكها شركة Carlyle Group لتدريب عناصر الحرس الوطني السعودي، ليؤكد انحياز بوش الابن للسعودية. المسألة التي حركت العقل المؤامراتي لمور هي ان الرئيس جورج بوش الاب هو عضو في المجلس الاستشاري للشركة. المشكلة هي ان بوش الاب انضم الى الشركة في نيسان 1998، أي بعد خمسة اشهر من بيع شركة Carlyle لشركة BDM. ومور يخفق في اعطاء أي دليل على تدخل الرئيس الحالي لمساعدة هذه الشركة، لا بل ان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الغى صفقة بقيمة 11 مليار دولار بين الوزارة واحدى الشركات العسكرية التي كانت تملك Carlyle حصة كبيرة فيها. هذا لا يعني ابدا انه لا يوجد للسعودية والعائلة الحاكمة فيها علاقات قوية مع عائلة بوش ومع قسم كبير من الطبقة السياسية الاميركية، او ان الحكومات الاميركية المتعاقبة من جمهورية وديموقراطية لم تقم علاقات قوية سياسية وعسكرية، وان كانت تتميز بين وقت وآخر بالتوتر مع السعودية منذ اكثر من ستين سنة. ما لا يقوله مور في الفيلم هو انه اذا كانت العلاقات وثيقة للغاية بين آل بوش وآل سعود، كيف يفسر تحفظ السعودية على الحرب؟ الامر الذي دفع بالقيادة المركزية لنقل قيادتها من السعودية الى قطر قبل الحرب.

الدور السعودي

إحدى ابرز الطروحات التآمرية في الفيلم، هي المتعلقة باتهام مور الضمني للرئيس بوش بأنه سمح لمواطنين سعوديين من بينهم 24 شخصا من عائلة بن لادن الموجودين في اميركا خلال هجمات ايلول بمغادرة البلاد والسماح لطائراتهم بالاقلاع في الوقت الذي كانت فيه كل مطارات البلاد معطلة، وذلك دون التحقيق معهم للتأكد من عدم تورطهم في الهجمات. ولكن اللجنة التي تحقق في هجمات ايلول رفضت هذه الادعاءات، وكشفت ان مكتب التحقيقات الفدرالي ( الاف بي آي) تحقق من الاسماء وقارنها بلوائح المشتبه بهم، كما تم اجراء المقابلات الشخصية مع ثلاثين فردا منهم. كما ان الأدلة تبين أن الطائرات أقلعت بالركاب السعوديين، بعد فتح المطارات الاميركية، أي انه لم يكمن هناك حالة استثنائية للسعوديين بمن فيهم افراد عائلة بن لادن. الفيلم يقول ان البيت الابيض وافق على السماح للسعوديين بمغادرة البلاد، ولكنه لم يذكر هوية المسؤول الذي اصدر الامر، وهو لم يكن بوش او نائبه ديك تشيني، او مستشارة الامن القومي كونداليسا رايس، بل ريتشارد كلارك المسؤول آنذاك عن مكافحة الارهاب في مجلس الامن القومي (عينه في منصبه الرئيس السابق كلينتون) والذي تحول بعد استقالته الى احد ابرز منتقدي بوش وسياسته تجاه الارهاب والعراق، والذي لا يزال يدافع عن قراره حول السماح للسعوديين بمغادرة البلاد خوفا من تعرضهم لاعمال انتقامية في اعقاب هجمات ايلول.

ما لا يتطرق اليه مور في فيلمه، احيانا يبدو أسوأ مما يتناوله. وهوس مور بعائلة بوش وعلاقتها المشبوهة بالسعودية، وكأنها هي السبب الاساسي في مأزق البلاد الراهن، وكل ما على الناخبين فعله لحل المشكلة هو التخلص من جورج بوش وانتخاب جون كيري، يسهل عليه تجاهل اسرائيل وأنصارها في اميركا في تحضير الارضية الفكرية والسياسية للحرب ضد العراق، وخاصة دور تيار المحافظين الجدد وغيرهم من انصار اسرائيل داخل الحكومة، وتحديدا في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، ومجلس الامن القومي ووزارة الدفاع، (مسؤولون مثل لويس ليبي، ودافيد وورمزر واليوت ابرامز ودوغلاس فايث وبول وولفوويتز وجون بولتون) او خارج الحكومة، مثل ريتشارد بيرل وفرانك غافني وبيل كريستول، وغيرهم من الذين تركوا وراءهم خيطا طويلا من الوثائق التي تبين علاقتهم الوثيقة بالتيار الليكودي في اسرائيل، ورغبتهم باتباع سياسة انقلابية في العالم العربي وإيران تهدف في جملة ما تهدف الى <<تحويل>> المنطقة وخلق مناخ اقليمي يخدم مصالح اسرائيل، بالاضافة بالطبع الى تحقيق اهداف اخرى.

وعندما يتطرق مور الى العراق قبل الحرب، فإنه يلجأ الى الاسلوب ذاته، أي استخدام صور وسرد يتضمنان عناصر صحيحة، ولكنها ايضا مبعثرة وخارج سياقها التاريخي، والغرض منها الايحاء والتلميح والتشويه وهو يتمادى في تضليله حين يرسم صورة بريئة لعراق صدام حسين، حيث لا توجد هناك اشارة الى تاريخ المواجهة بين عراق صدام حسين والولايات المتحدة او الامم المتحدة التي لا يوجد ذكر لقراراتها. والاسوأ من ذلك يعطي مور صورة سريالية للعراق قبل الحرب، حيث يؤكد ان العراق لم يؤذ ولم يهدد أي اميركي قبل الغزو، وان الحياة فيه كانت طبيعية، حيث يبين في سلسلة من الصور البريئة الاطفال وهم يطيرون الطائرات الورقية، ومواطنون يتبضعون بهدوء قبل ان تنهار عليهم القنابل الاميركية وكأنهم لا يعيشون تحت حكم سلطوي، او في بلد لم يشهد حروبا ضد جيرانه او ضد شعبه او كأن ارضه غير ممزقة بالمقابر الجماعية. كان بإمكان مور ان يبين تضامنه مع معاناة الشعب العراقي، كضحية في ظل حكم صدام حسين، وكضحية لحرب أميركية قاسية وغير قانونية، في الوقت ذاته وأن يفعل ذلك دون مساومة او ابتذال لحرفته، وأن يعطي الضحية الاحترام الذي تستحقه ولكن دون استغلالها برخص. ولكن كسل مور وإفلاسه الاخلاقي كفنان وانتهازيته وتهوره كسياسي مراهق كلها عوامل حالت دون ذلك.

السفير اللبنانية في

16.07.2004

 
 

مايكل مور وفن الصدمة السينمائية:

فهرنهايت 9/11 يعري امريكا.. ويفضح خطاب اليمين باسلوب مماثل

إبراهيم درويش

فيلم مايكل مور فهرنهايت 9 ـ 11 سيكون عاملا مؤثرا علي حظوظ الرئيس الامريكي الحالي جورج بوش بالفوز بولاية ثانية في الانتخابات القادمة في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، مع ان معظم نقاده اعتبروه اداة دعائية للحزب الديمقراطي الذي يتزعمه جون كيري. والاخير حتي الان ابعد نفسه عن الفيلم والمخرج ولم يشاهده، فيما اعتبرته مجلة التايم في عددها الاخير تصرفا حكيما.

ولكن فيلم مور المعروف بعدائه للمؤسسة الامريكية التي يطلق عليها امريكان انك لا يدعم الحزب الديمقراطي وعلي غوغائيته لا يمثل اليسار الامريكي الذي اعتقد البعض في الكم الهائل من التعليقات التي قدمت عن الفيلم كان ممثلا بالراحل ادوارد سعيد والباحث اللغوي نعوم تشومسكي. ففيلم مور الاخير وان ركز علي عائلة او آل بوش وعلاقتهم بالسعوديين والمال والنفط الا انه محاولة واستمرارية في عمل مور لتسليط الضوء علي المناطق المحرومة في امريكا، او ما يسميه القلب المنسي في الحلم الامريكي، وابطال هذا القلب هم من السود الامريكيين او ابناء الطبقة المتوسطة الذين حرموا من منافع امريكان انك والقطط السمان في المدن الكبيرة وفي الوقت نفسه وجدوا انفسهم وقودا لحرب خاضها بوش باسم المؤسسة الامريكية، وهي الحرب التي لم يشارك فيها اي ابن من ابناء اعضاء الكونغرس او مجلس الشيوخ، كما حاول مور الاستطلاع في لقطة مثيرة من فيلمه. فهرنهايت 9 ـ 11 فيلم وثائقي طويل يتخذ من فن القطع واللقطات السريعة والموسيقي الصاخبة اداة لتحفيز النقاش السياسي، وعليه فمور كمخرج يتقن فن الجدل عبر السينما وكان قادرا علي احداث الصدمة علي الاقل علي المشاهد الامريكي. وعلي الرغم مما قيل ويقال عن تلاعب وانتقائية المخرج الا ان حصوله علي الجائزة الاولي في مهرجان كان الدولي في ايار (مايو) الماضي، والاقبال الشديد عليه في دور العرض الامريكي، حيث كان الفيلم الاول حتي الاسبوع الماضي قبل ان يتراجع امام النسخة الجديدة من فيلم سبايدرمان او الرجل العنكبوت، يعتبر انجازا كبيرا، اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الفيلم انجز بميزانية صغيرة مقارنة مع افلام هوليوود المليونية. علي خلاف الافلام الاولي التي انجزها مور، فالفيلم الاخير لا يظهر فيه كثيرا، ببنطاله الجينز وكرشه المترهل وقبعته المعروفة، فهو لم يظهر الا في عدد من اللقطات، خاصة تلك اللقطة التي ركب فيها حنطورا واخذ يقرأ بنود القانون الوطني الذي اصبح اداة في يد الادارة الامريكية لقمع الرأي والرأي المخالف لها، بل اداة للتجسس علي اللقاءات البريئة في نوادي الكتب، بحجة مراقبة ومكافحة الارهاب. يبدأ فيلم مور بلقطات عن ما اسماه سرقة الانتخابات الامريكية من قبل بوش واصدقاء دادي واعتراضات عدد من السود علي الانتخابات في الكونغرس حيث لم يجدوا من يتبني او يدعم اعتراضهم امام الكونغرس.

وفي اللقطات الاولي يقدم مور صورة عن جورج بوش الذي قضي معظم وقته في مزرعته في تكساس بعيدا عن البيت الابيض مركز صناعة القرار، ويحاول مور تقديم صورة كاريكاتيرية، مبالغ فيها احيانا عن جورج بوش واعضاء عصابته ، ومور في هذا الاتجاه ذكي جدا، فهو قادر علي قراءة او تطويع الصور والتلاعب بملامحها بطريقة تخدم فكرته وهي معارضة وتعرية ادارة الرئيس الامريكي الحالي وسياسته الخارجية، والاكثر من ذلك تنوير الامريكيين عن رئيسهم الذي قضي قبل الهجمات 60 بالمئة من وقته في اجازات طويلة. هناك لقطات بليغة في بداية الفيلم قصد منها تحضير المشاهد لرؤية فيلم عن عصابة مافيا، رامسفيلد وملامحه المثيرة، بوش وهو ينتظر العد التنازلي في محطة تلفزيونية لالقاء خطابه، اشكروفت وزير العدل في حركته التي لا تخلو من نرفزة، باول، كوندوليزا رايس والابلغ في هذا السياق المنظر المقرف لنائب وزير الدفاع، بول وولفويتز الذي يقوم اثناء تحضيره للقاء امام الكاميرا، باخراج مشطه من جيبه ويلعقه، يبلله بلعابه، ثم يمرره علي شعره، وهي لقطة اعادها مور مرتين، لمهندس الحرب علي العراق. عندما تكتمل العصابة يدخلنا مور في لعبة سرقة الانتخابات، التي تمت بالتعاون مع اعلاميين مرتبطين بآل بوش. ويستخدم مور تقنية مثيرة عندما يشير للهجمات التي شنها مهاجمون من القاعدة علي نيويورك وواشنطن، فبدلا من ان يقدم الصور التي صارت شهيرة ومعروفة عمل علي تقنية الصدمة، حيث قدم شاشة مظلمة علي خلفية الانفجار الهائل ومن ثم قام بتركيز الكاميرا علي اثر الانفجار وليس الانفجار نفسه، عندما قدم الحركة الجنونية للناس والغبار المتصاعد من المبني المتهالك والرعب والدهشة في عيون المارة او الذين كانوا يراقبون المشهد، وبدت اللقطات للحادث المعروف عبر هذه التقنية اكثر اثرا.

في هذا السياق يقدم لنا مور جوهر العلاقة بين آل سعود وآل بوش، حيث تم نقل كل ابناء بن لادن في امريكا بطائرات وبموافقة الادارة في الوقت الذي اغلق فيه المجال الجوي الامريكي لكل الطيران، ولم يكن بمقدور اي شخص السفر، بما فيهم جورج بوش الاب، وهنا يشير مور الي معاملة تفضيلية لآل بن لادن، تظل مثارا للجدل عن علاقة المال ـ النفط والسياسة في امريكا، وهذا الحادث وان كان معروفا حيث يقدم مور مقابلة الامير بندر بن عبد العزيز مع لاري كينغ، وتحدث عن عملية نقل ابناء بن لادن، ولكن الكثير من الذين قرأوا المشهد قالوا ان مور وان قدم الحقيقة الا انه كان انتقائيا، فخروج ابناء بن لادن تم بعد فتح المطارات الامريكية، وايا كانت فعلاقة آل بوش بالسعودية تمثل جزءا من سياق الفيلم وليس الكل، فمور يقوم بفتح ملفات بوش اثناء عمله في مجال النفط في تكساس ومغامراته الفاشلة، وعلاقته مع صديق كان مستشارا ماليا لعائلة بن لادن، وغير ذلك.

ويعلق مور علي نقل ابناء بن لادن قائلا لو قام كلينتون بترحيل عائلة تيموتي ماكفي (مفجر المقر الحكومي في اوكلاهوما).. ماذا كان سيحصل؟

وفي هذا السياق يعرض علينا مور صورة نعرفها ايضا عن بوش عندما ابلغ بالهجمات وهو يقرأ كتابا علي اطفال روضة، وهنا يتلاعب مور باللقطة التي يشفعها بتعليقات ساخرة عن الرئيس الذي واصل قراءة الكتب في الوقت الذي هوجمت بلاده، نقاد مور قالوا ان بوش لم يتعجل بالخروج وهذا دليل علي ضبط النفس، ومهما كان النقاش فاللقطة كانت مثيرة للسخرية والشفقة في الوقت نفسه، وتعليقات مور الساخرة ادت غرضها. يتحدث مور عن سياسة القمع التي مارستها الحكومة علي المواطنين والاجراءات الصارمة التي اتخذت لرقابة الرأي والرأي الاخر، حيث يتحدث عن مخبرين في نوادي قراْءة الكتب التي تعقد اسبوعيا يتناول فيها الحضور الكعك كوكيز والاراء وليس فيها ما يعرض امن امريكا للخطر، ومع ذلك في هذه الحلقات كان هناك مخبرون.

مور يقول ان بوش بدلا من مواجهة بن لادن بعد ضرب افغانستان قرر البحث عن حرب اخري، والتركيز علي العراق، وهو ما يجمع كل نقاد بوش عليه، وهنا يقدم مور صورا عن الحياة العادية في العراق، اطفال يلعبون في الحدائق العامة، ناس في الاسواق، صدام في لقطة وحيدة وهو يرقص مع ابناء عشيرة والسيجار الكوبي في فمه، ثم مثل ما حدث في نيويورك، بوم، رصاص واشلاْء وجنود، بغداد تحت الاحتلال، علي الرغم من فظاعة الصور ومشاهد القتل الا ان مور في عرضه للعراق يبدو غير معني بالدفاع عن العراقيين بقدر ما يريد تعرية حرب بوش، وهنا يقدم لنا لقطات عن تصرفات الجنود ضد العراقيين وتعليقاتهم المثيرة للتقزز وفيها مضامين جنسية واضحة (علي بابا مازال...) في اشارة جنسية واضحة لعراقي كان ممددا علي ظهره وغطاء الرأس عليه او صورة جندي يلتقط صورة الي جانب عراقي مكبل بالبلاستيك وغطاء الرأس عليه..، جنود يقصفون المدن علي انغام الموسيقي الصاخبة، جنود يصرخون اقصف اولاد الحرام .. لقطة مثيرة للحزن والرعب والغضب لعراقية تدعو علي امريكا وبوش بعد مقتل خمسة من ابناء عائلاتها، ومور يترك المرأة لوقت طويل تعبر عن غضبها.. واغرب ما قرأت في التعليقات الكثيرة عن فيلم مور في الصحافة الانكليزية اليمينية هناك كاتب يقول ان صور مور عن سوء معاملة الاسري العراقيين لا قيمة لها بعد اكتشاف انتهاكات ابو غريب ، فبدلا من ان يقول ان الانتهاكات ممأسسة بشكل كبير، وما حدث في ابو غريب كان طرف كرة الثلج. ام الاكثر غرابة واثارة في نفس الوقت، فتعليق احد المتطرفين في الاعلام الذي قال ان فظائع ابو غريب وتصرفات الجنود الامريكيين لا تعادل ما حصل للعراقيين اثناء حكم صدام.

وهنا مساواة في المسؤولية الاخلاقية، فاذا كانت سلطة امريكا الاخلاقية تساوي سلطة صدام الاخلاقية فلماذا احتلت العراق، طبعا مور لا يقول هذا ولكنه معني بنقل اثر الحرب علي الامريكيين الذين وجدوا انفسهم وجها لوجه مع الموت القادم من العراق، هذا وان لم يكن واضحا في المدن الكبيرة الا انه ظاهر للعيان في المدن الصغيرة كما فيلنت، بلد مور في ميتشغان، حيث يقول بعض سكان حي في فلينت، ان بوش كان عليه الحضور لتحرير مدينتهم بدلا من تحرير العراق.. يركز مور علي ورقة الافرو امريكيين ، حيث يلاحق جنديين في لباس عسكري جميل يحاولان اقناع الشبان لدخول الجندية.. ويقابل ذلك في استطلاع عشوائي لاراء شبان سود يجد مور ان كلهم لهم اقارب او اخوة يقاتلون في ايراك اي العراق. هناك امرأة تمثل الطبقة المتوسطة وتمثل الوطنية الامريكية، تعلق كل يوم الراية الامريكية تيمنا بعودة ابنها الجندي في العراق سالما، كما عادت ابنتها من عاصفة الصحراء... ولكن الابن لا يعود يموت في العراق.. وتقرأ لنا رسالته الاخيرة، وتبدأ بمساءلة عبثية الحرب في العراق حيث تذهب لواشنطن وتقف امام البيت الابيض، تبحث عن مساحة لافراغ غضبها هناك. في لقطة تظهر، المغنية الشابة، برينتي سبرز، والعلكة في فمها، تدافع عن الرئيس وتقول تجب الثقة به. في تعريته لعلاقات السلطة والمال في السياق الامريكي، يتحدث مور عن افغانستان التي قال ان امريكا قصفتها لكي تقوم بانشاء خط انابيب للنفط في بحر قزوين للشواطيء الباكستانية، الفكرة صحيحة، حيث قام وفد من حركة طالبان بزيارة امريكا.. وفي اثناء مؤتمر صحافي لممثلي طالبان سألت مدافعة عن حقوق المرأة الناطق باسم الوفد عن البرقع.. ولانها كانت شديدة، اجابها ببساطة الله يعين زوجك عليك! . ونعرف كذلك ان حامد كرازي كان يعمل مستشارا مع احدي شركات النفط المهتمة بنفط بحر قزوين. ولكن المشاريع هذه توقفت بعد هجمات ايلول (سبتمبر). فيلم فهرنهايت 9/11 ، يعكس في النهاية طبيعة الجدل بين المعسكرات النخبوية والسياسية في امريكا، فموقف اليمين المتطرف الذي جاء بشعار اما معنا او ضدنا وجد وصفة متطرفة في فيلم مور. الاخير يؤكد ان كل مواد الارشيف والمصادر التي اعتمد عليها، والوقائع كانت حقيقية، ونحن نصدقه في ذلك. وفي الطريق للحقيقة جري تكييف كل المواد لكي تخدم الهدف الاساسي وهو تعرية جورج بوش وعصابته في البيت الابيض، حيث جاء التصوير كاريكاتيريا، سورياليا، ساخرا، مثل اللقطات التي اشار فيها الي تحالف الدول المستعدة وذكر اسماء دول صغيرة لا دور لها في المعترك الدولي الا صوتها في الجمعية العامة للامم المتحدة. وتوليفة نفي اقوال وتصريحات الاخر من خلال افعاله كانت جيدة ومؤثرة واعطت مفعولها.

مور في معركته مع امريكان انك لا يمثل اليسار الامريكي، ولا حتي التيار الليبرالي، الذي يقف ضد المحافظين، فهو في النهاية معني بقضايا الداخل الامريكي الذي يراه منسيا، وهذا ما يلاحظ في عمله الاول انا وروجر عن عمال جنرال موتورز عام 1989 وهو الفيلم الذي جعله اسما مهما في صناعة الفيلم الوثائقي. وتقول تايم ان حياة مور نفسها قد تكون فيلما اخر، مع ان اعداءه الان يشككون بالكثير مما قاله عن اصوله الاجتماعية المتواضعة، فهو ابن احد عمال شركة جنرال متورز ، ودرس مور في مدرسة راهبات، حيث فكر ان يكون قسا ويدخل السلك الديني المسيحي. ولكنه تخلي عن الفكرة وعمل في اكثر من مجال حتي تخلي عن الدراسة في جامعة ميتشغان في فلينت، واقام في سن الثانية والعشرين مركز تدخل في الازمات، وعمل كذلك في مجلة اعلام بديل صوت فلينت . ونظرا لطول لسانه فلم يمكث في اي عمل كثيرا بما في ذلك تحريره لمجلة يسارية موذر جونز ، كما قام بتحرير نشرة مور الاسبوعية التي مولها السياسي الامريكي المعروف رالف نادر. في عام 1989 قدم اول افلامه انا وروجر ، كما قام باخراج فيلم كوميدي خنزير كندي الذي لم يلق نجاحا يذكر. وفي عام 1997 قدم فيلمه الثاني الكبير الذي ادخله لعالم صناعة السينما الكبير، وجاء بعده فيلمه باوليينغ فور كولمباين الذي انتقد فيه صناعة الاسلحة النارية وانتشارها علي خلفية مذبحة المدرسة المعروفة. ومنح مور جائزة اوسكار علي هذا الفيلم حيث قال في خطاب قبول الجائزة نعيش في زمن مزيف.. ونعيش في زمن تختار فيه انتخابات مزيفة رئيسا مزيفا..العار عليك يا سيد بوش العار عليك . والف مور كتابين حققا مبيعات بالملايين حفنة رجال بيض اغبياء ، و اين بلدي يا دود .

افلام مور، تعرضت لعملية استنتساخ حيث ظهرت في امريكا عدة افلام تتحدث عن بوش، كما اصبح مور هدفا لليمين والمعسكر المؤيد للحرب، فهناك كتاب مايكل مور هو اسمن واغبي ابيض ، وهناك ايضا فيلم وثائقي مايكل مور يكره امريكا . فيلم مور حقق في الاسبوع الاول في بريطانيا فوق المليون وفي امريكا اجتاز رقم 50 مليونا، وفي استطلاع اشار الي ان 64 بالمئة من الامريكيين الذين شاهدوه اعطوه علامة ممتاز ، معظم جمهور مور في امريكا هم من سكان الداخل والبلدات بعيدا عن المدن الكبيرة، التي عرض فيها. الفيلم علي الرغم من مبالغته في الحقيقة وتضخيمها جميل، فيه لحظات عفوية، ولحظات مثيرة، لاننا نعيش في زمن مثير، ومع ذلك فمور في فهرنهايت 9/11 لم يقم في الحقيقة الا بتحديد الخطوط الفاصلة بين معسكر امريكا الفقيرة وامريكا اما معنا او ضدنا ، والاعجب من ذلك ان معظم التعليقات والعروض التي كتبت علي الاقل في بريطانيا لعبت علي هذه الفكرة، اي اذا كان بوش سيئا، فصدام اسوأ ولكن المسألة اكبر من هذا التبسيط. وبانتظار اثر فهرنهايت 9/11 سنري الانتخابات الامريكية القادمة.

القدس العربي في

16.07.2004

 
 

مور في قلب المعركة

يقف المخرج الاميركي مايكل مور ولو عن غير قصد في قلب معركة من اجل حرية التعبير في كندا حيث قد يقاضى لادلائه بتعليقات سلبية حول المحافظين في خضم المعركة الانتخابية التي جرت في هذا البلد.

فالمخرج الذي يذكر المجتمع الكندي كنموذج يحتذى به في افلامه ويصفه بانه مجتمع مسالم، هو موضع شكوى قدمتها هذا الاسبوع مجموعة من الناشطين المحافظين الشبان لدى جمعية ايليكسيون كندا (الهيئة الانتخابية الكندية) المكلفة تنظيم العمليات الانتخابية والسهر على حسن سيرها.

وأوضح كاسرا نيجاتيان (21 عاما) الذي يرئس هذه الهيئة الجامعية ان القانون واضح جدا، وهو ينص في القسم 331 على انه لا يمكن للاجانب ان يأتواالى كندا للتأثير على الناس وحملهم على التصويت بتوجه ما.

وهذا الطالب في التجارة بجامعة كوينز في تورونتو استاء حين توجه المخرج الى الكنديين اثناء قيامه بزيارة قصيرة لهذه المدينة في نهاية حزيران/يونيو للترويج لفيلمه الجديد فهرنهايت 9/11، وناشدهم بعدم التصويت للحزب المحافظ بزعامة ستيفن هاربر.

وقال مور آنذاك للكنديين لا تفعلوا هذا بحق الله، في وقت كانت استطلاعات الرأي تشير الى تنافس شديد بين الحزب الليبرالي بزعامة رئيس الوزراء بول مارتان والمحافظين.

واوضح مايكل مور الذي وضع هدفا لنفسه اخراج جورج بوش من البيت الابيض، انه ستكون هناك عواقب وخيمة ان وضع الكنديون ستيفن هاربر في السلطة. وقال ان ربح، فسوف يقيم بوش احتفالا.

وقد فاز الليبراليون في الانتخابات النيابية التي جرت في 28 حزيران/يونيو، غير انهم لم يحصلوا على عدد كاف من المقاعد في مجلس العموم يسمح لبول مارتان بتشكيل حكومة تتمتع بالغالبية.

ويعتبر نيجاتيان ان انتقادات المخرج الاميركي اثرت على مجرى الانتخابات. وقال مايكل مور مشهور، وقد امنت جميع وسائل الاعلام الوطنية تغطية واسعة لزيارته.

غير ان موقفه اكثر تعقيدا في الواقع. فهو مقتنع بان هذا القانون سيء لانه يحد من حرية التعبير، غير انه يريد ان يجعل منه نموذجا بتطبيقه على المخرج وان يدان مايكل مور ويحكم عليه بالعقوبة القصوى اي الفا دولار كندي و/او السجن ستة اشهر.

ونشر عريضة على الانترنت دعما للشكوى، جمعت حتى الخميس بعد اسبوع على اطلاقها اكثر من الفي توقيع.

كما يدعم مسعاه ائتلاف المواطنين (يمين)، الذي يرى في الامر وسيلة جيدة لاسقاط هذا القانون الذي يطلق عليه اسم قانون الكمامة.

وقال نيجاتيان طالما ان هذا القانون قائم، يتحتم تطبيقه بالطريقة نفسها على المحافظين والليبراليين والاثرياء الاميركيين.

ورفضت الهيئة الانتخابية تأكيد او نفي وجود شكوى او تحقيق بشأن مايكل مور، غير ان مجرد احتمال مقاضاة المخرج الذي حصل على جائزة مهرجان كان السينمائي هذه السنة يثير الكثير من التكهنات والافتراضات في هذا البلد.

وعلقت صحيفة غلوب اند مايل النافذة للاسف، قد يكون نيجاتيان على حق، مؤكدة القانون سيئ. ومور قد يكون الشخص المناسب لتحدي هذا القانون.

موقع "القناة" في

17.07.2004

 
 

"فهرنهايت 11/9" في الصالات المحلية يخاطب بعد "آلام المسيح" جمهور الشامتين

مايكل مور يهجو ويسخر بدلاً من أن يدين ويعلي التأثير العاطفي على الأدلة والبراهين

ريما المسمار

بدأت أمس العروض التجارية للفيلم الوثائقي المنتظر "فهرنهايت 11/9" في الصالات المحلية بعد ان تحول بفضل سلسلة احداث الى الوثائقي الاشهر ربما في تاريخ السينما والاقرب الى الانتاج التجاري الترفيهي من حيث جماهيريته. لا شك في ان عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي، الابرز بين المهرجانات السينمائية العالمية، أسهم في تشكيل سمعته لاسيما لتزامنه مع رفض شركة ديزني المنتجة توزيعه في اميركا. هكذا تحول مخرجه مايكل مور معارضاً سياسياً منفياً، وجد منصته في مهرجان كان الفني. ثم كان فوزه بالسعفة الذهب بمثابة الختم المضمون لتمريره على المستويات كافة. الفيلم الذي يتوجه بشكل اساسي ضد الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش لم يحتج الى جهد كبير ليجمع حوله المهللين للفكرة والشامتين من كافة انحاء العالم للمشاركة في ما بدت عملية انتقام جماعية. وليس مبالغاً القول ان "فهرنهايت 11/9" سيكون "آلام المسيح" الثاني هذا الموسم لجهة استقطابه فئة جماهيرية كبرى سترى في نقده بوش قيمة كافية لرفعه الى مصاف الانتاجات الفنية الكبرى، كما كانت مقاربة "آلام المسيح" لليهود الدافع الاكبر لتعاطف العرب معه ووصفه بـ"التحفة الفنية". ولكن السؤال: هل تكفي معاداة بوش والسخرية منه لصنع فيلم جيد؟ وهل تصنع نوايا مور سينمائياً منه؟

***

أجمع كثيرون من نقاد وصحافيين في محاولتهم العثور على قيمة فنية في شريط مايكل مور الاخير "فهرنهايت 11/9" ان إنجازه السينمائي الفني الاكبر فيه هي مقاربته لحادثة تفجير برجي التجارة العالمية. وتقوم تلك المقاربة على شاشة سوداء بداية وأصوات تفجير وعويل وصراخ ثم تُختزل الحادثة بلقطات مكبرة على وجوه الناس في الشارع إذ يشاهدون بهلع ما يحدث في المبنيين. على ان ذلك "الانجاز الفني" ليس في الواقع اصيلاً، إذ سبقه اليه المخرج المكسيكي اليخاندرو غونزاليس ايناريتو في فيلم قصير كان جزءاً من مشروع بعنوان September 11 (2003)، تضمن أحد عشر فيلماً لمخرجين من العالم (من بينهم سميرة مخملباف ويوسف شاهين وكين لوتش وشون بن وكلود لولوش وآخرين) عبروا فيها عن الحدث بما لا يتجاوز إحدى عشرة دقيقة وتسع ثوانٍ ولقطتين انسجاماً مع تاريخ الهجوم 11­9­2002. كان المخرج المكسيكي الذي اشتهر لاحقاً بفيلم 21 Grams السباق الى اختصار المأساة بشاشة سوداء تقطعها ومضات لأناس يرمون بأنفسهم من البرجين وأصوات تتصاعد لتشكل عمارة صوتية بصرية. كثيرة هي التفاصيل في "فهرنهايت 11/9" التي يقدمها مور في إطار الاكتشاف او الـ "سكوب"، ولكن استراتيجيته لا تقوم على ذلك كلياً إذ ان اسلوب الرجل يشكل نموذجاً خاصاً عن الانصهار بين الشخصي والعام وبين الحقائق والتحليلات الفردية. انه من تلك الطينة التي يصعب معها الفصل بين العمل وصاحبه او حتى اخضاع الاول لمقاييس مكرسة، بصرف النظر عما اذا كان ذلك إيجابياً او سلبياً.
يتوجه مايكل مور بفيلمه الى شريحة معينة من المشاهدين في اي مكان، ربما هي شريحة كبرى واساسية ولكن سمتها الغالبة هي عدم غوصها عميقاً على الصورة او الخبر او الاعلام بشكل عام. انها الفئة عينها ربما التي تشاهد "فوكس نيوز" في اميركا او ما يقابلها من وسيلة اعلامية منحازة في بلدان اخرى، منغلقة على الداخل. ولعلها تشاهد "سي.ان.ان" و"بي.بي.سي" وسواهما غير انها في النتيجة تستهلك الاخبار وتهضمها من دون مساءلة في معظم الاحيان. حكايات مايكل مور وأخباره تلعب بشكل ما دور الاعلام المضاد او الوجه الآخر للصورة الاخبارية بدون جهد كبير لأن ما يعارضه مور وينقده هو السائد والمكرس: الشخصية السائدة والصورة السائدة والاعلام السائد... انه ببساطة يولد صورة مضادة تماماً اي متطرفة في الاتجاه المعاكس. بالنسبة الى اولئك، ستبدو مقاربة مور لاحداث 11 ايلول انجازاً فنياً لأن مرجعيتهم ليس ايناريتو او اي صورة مستقلة بل الصورة السائدة التي لا تحتاج الى جهد كبيرللانشقاق عنها. بهذا المعنى، ستبدو جهود مايكل مور في "فهرنهايت 11/9" لرسم العلاقات الخلفية بين آل بوش وآل سعود وعائلة بن لادن المتمحورة حول النفط مادة جاذبة لذلك الجمهور. ولكن خارج تلك الدائرة الجماهيرية الشعبية الضيقة على اتساعها، ستبدو "اكتشافات" مور تكراراً لأمور تتوضح ببعض التحليل وحتى تكراراً لمقولاته في كتابيه السابقين "رجال بيض اغبياء" و"ايها الصديق، اين بلدي؟" او غوصاً على المعطيات بدلاً من ان يكون على التحليلات أوالنتائج. في المقابل، يُعمل مور استراتيجية موازية وتوسعية ربما لجذب مروحة جماهيرية كبرى: الاستعاضة عن الادلة والبراهين بالتجربة الانسانية المؤثرة عاطفياً. وهو في ذلك انما يستند الى مكونات الثقافة الاميركية الجديدة: تلفزيون الواقع وصورته الملحة والمشرعة على الاحاسيس والخصوصيات. هكذا يقوم جزء لا بأس به من الفيلم على متابعة إمرأة اميركية، تبدو اولاً نموذجية اذا جاز التعبير من حيث ولائها وحبها لبلدها ثم يتحول ذلك حقداً بعد ان يموت ابنها خلال مشاركته في الحرب على العراق. فلنتوقف عند تجربتها قليلاً ومقاربة مور لها: في البداية تحرص على رفع العلم الاميركي على نافذة منزلها كل يوم وتفخر لان ابنها تطوع في الجيش ولا تتوانى عن بث تذمرها من المعارضين ("لطالما كرهت المعارضين" تقول). بعد موت ابنها تنقلب مواقفها ولكن مأساتها لا تسهم في توسيع وعيها او نظرتها الى الامور. انها تنتحب لأنها خسرت ابنها ولو انه لم يمت وعاد اليها سالماً حتى مع تلك الرسالة الاخيرة التي يبثها هواجسه عن لاجدوى الحرب، ما كانت لتبدل مواقفها "الوطنية". إن غضبها يتركز في مساحة ذاتية صغرى: الحزن على فقدان ابنها والحقد على بوش لأنه تسبب بذلك. خلا ذلك، لا تبدو انها تعيد النظر في مفاهيمها الخاصة حول الوطنية والمواطنة والمعارضة.

الأحقاد شخصية

في مساحة صغرى مشابهة يتحرك مور وفيلمه هي مساحة الاحقاد الشخصية و"الثأر" الذاتي. ولا عجب، من هذا المنطلق، ان يبدأ فيلمه بحوارية سريعة بينه وبين جورج دبليو بوش حيث يقوم بتقديم نفسه من بعيد لبوش على انه مايكل مور فيجيبه بوش "اذهب وجد لنفسك عملاً حقيقياً." من تلك النقطة، تبدأ محاولات مور للانتقام الشخصي بأن يراكم الحقائق والأرقام والأقاويل التي تقود بشكل غير مباشر الى الاستنتاج بأن بوش هو من بحاجة الى عمل جدي متهماً إياه بقضاء اكثر من اربعين بالمئة من أشهره الثمانية الاولى في الحكم في إجازات شخصية! ويأتي ذلك بالطبع بعد افتتاحية مدوية لمشهد فوز آل غور بالانتخابات الرئاسية الاميركية عام 2000 بنيله اكثرية التصويت في ولاية فلوريدا بحسب نتائج فرز الاصوات التي بثتها سائر محطات التلفزة الاميركية، قبل ان تنقض "فوكس نيوز" الخبر بالقول ان بوش هو الفائز في ولاية فلوريدا. هكذا يؤسس مور لقاعدة فيلمه: تزوير الانتخابات، وتداعيات تلك الكذبة: احداث 11 ايلول، الحرب على افغانستان والحرب على العراق. على ان مور، وبأسلوب وفكر مراهقين مبسطين، يعتبر ان بوش هو المشكلة فقط او الاحرى عائلته، تماماً كالسيدة التي تحصر مشكلتها بأن ابنها هو دون غيره الذي مات. فهو حين يشير الى تزوير التصويت في فلوريدا يربط ذلك بتسلم شقيق بوش حكم الولاية. ويربط بين بث "فوكس نيوز" لخبر فوز بوش الكاذب وبين وجود قريبه مديراً للأخبار فيها. حسناً، ماذا لو ان بوش خسر ولاية اخرى غير فلوريدا حيث لا وجود لأخ حاكم؟ وماذا لو ان رجلاً آخر كان مديراً للاخبار؟ كان سيجد طريقه ايضاً الى التزوير كما الى استغلال الاعلام. المشكلة اذاً تتخطى بوش الى سياسة كاملة وكادر سياسي. مشكلة مور انه بريء او يتمثل البراءة في تعاطيه مع امور شائكة. يتحدث كطفل مندهش ازاء مخالفة الاخلاقيات. كأن الثوابت الاخلاقية تلك موجودة ابداً وبوش هو اول من قوضها. كذا فعل مور في كتابه "رجال بيض أغبياء" إذ يتضح من العنوان انه اكثر ميلاً الى الهجاء منه الى النقد الموضوعي وتلك نقطة ضعفه الاولى في الفيلم. كأنه يختصر مشكلة بوش وطاقمه بالغباء في حين ان خططهم لا تنبىء بذلك البتة. يجهد مور في تكوين أعدائه ولكنه في المقابل يقزمهم حتى تصبح مهمة القضاء عليهم غاية في السهولة. ولعل اسلوبه الأبرز في ذلك السخرية اللاذعة التي تبدو احياناً إنهزامية امام جدية الطروحات كأن يقول مثلاً انها في الليلة السابقة لاعتداءات 11 ايلول كان الرئيس ينام على ملاءات من "كتان فرنسي فاخر"، كأنه لو نام على قماش قذر متقشف كان ليمنع وقوع الحادثة. او عندما يقدم شريطاً مصوراً لبوش لحظة تلقيه خبر هجوم 11 ايلول خلال زيارته لمدرسة في فلوريدا وبقاؤه سبع دقائق في مكانه من دون حركة سوى استكمال قراءة القصة للأطفال. المشهد هنا معبر، فما الحاجة الى تعليق مور الصوتي: "تُرى ماذا كان يفكر؟ هل كان يقول في نفسه انني كنت مع الاشخاص الخطأ؟ هل كان يفكر أي من شركائه خانه؟ ..." هل يمكن لهذا الحس الساخر ان يطرح بجدية للنقاش مسألة قيادة بوش لأميركا؟ بالطبع لا. هل هو امر مسلٍّ؟ ذلك يعتمد على موقع المشاهد. فالاميركيون المعادون لبوش من الشريحة التي يتوجه مور اليها ستبتهج بذلك. اما خصوم بوش وسياساته الاكثر ميلاً الى التعامل مع الموضوع بجدية فسيخيب املهم من مقاربة مور الساخرة لأنهم سيرون فيها إدانة واهنة لبوش، براقة من الخارج وخاوية من الداخل. لا ينجو مور في بعض اللحظات من الوقوع في مطبات سخريته التي تقوده غيرمرة الى بث تعليقات عنصرية حول بعض الشعوب. فهو يسخر من ابلدان التي شكلت "ائتلاف الارادة" بأن يعرفها من خلال كليشيهاتها. وعندما يستنكر استقبال بوش للسفير السعودي في اميركا بعيد أحداث 11 ايلول، فهو انما يدين الشعب السعودي كله بذنب بن لادن لمجرد ان اصول الاخير سعودية. بعيداً من الحكم على اسلوب مور الساخر، نلمس انسجامه التام مع توجهات فيلمه. فهو إذ يتوجه اساساً الى تلك الشريحة من الجمهور غير النخبوية من حيث وعيها السياسي والفكري، انما يحتاج الى اسلوب مكرس لتمرير الحقائق المتشابكة والجامدة عن العلاقات المتداخلة بين بوش الاب وآل سعود وبوش الابن وعائلة بن لادن حول مصالح النفط ومساهمة السعودية الكبرى في الاقتصاد الاميركي. جل ما يبقى في الذهن من ابحاث مور ان كل شيء في السياسة الاميركية تفرضه مؤامرات محاكة سابقاً. على ان غاية مور الاخيرة من كل ذلك ووسيلته الى تشكيل علاقته بالمتفرج هو التالي: قدرته على منح الجمهور ما يريد واقناعه بأن ما يريده انما في جعبته. ولعل مور تعلم هذا الدرس اكثر في فيلمه الحالي من افلامه السابقة. إذ يشير غيابه عن الشاشة­في مقابل حضوره الملح في افلامه السابقة­ الى نضج ما حيث يدفع الآخرون الى قول ما يريده ويستعين اكثر بالصور وبتوليفها لنقل وجهة نظره.

المحلية الضيقة

في المحصلة، يبدو مور اميركياً حتى الصميم، يطالب بحقوقه الداخلية الخاصة من خلال افلامه وذلك سيف ذو حدين. فهو إذ يضيق هواجسه واهتماماته في إطار اميركي صرف انما ينفي عن نفسه صفتين اساسيتين: السينمائي والسياسي الناشط. كلا الاخيرين يحتاج الى توسيع نظرته والى السعي نحو القيمة الانسانية خارج حدود المكان والاوطان والى القدرة على الرفض. في مواقف مور، ثمة دائماً ولاء ثابت الى جهة ما متناقضة مع جوهر الفنان الثائر والرافض للثوابت. صحيح انه لا يروج بشكل مباشر لمنافس بوش في الانتخابات المقبلة جون كيري، ولكن حقده الموجه ضد بوش تحديداً يعني انه يرضى بأي كان سوى بوش. هكذا، يبدو مستغرباً من رجل يعتبر نفسه يسارياً ومدافعاً عن حقوق الانسان الا يأتي مثلاً على ذكر فئات الاقليات خلا السود الذين يعاني عقدة نقص تجاههم كما يتضح في كتابه "رجال بيض اغبياء". انها المبالغة في درء تهمة العنصرية التي تأتي أحياناً نتائجها معاكسة. ولكنه في المقابل لا يذكر شيئاً عن العرب والمسلمين مثلاً بعد 11 ايلول. من جهة ثانية، تفيد "أمركته" تلك في تناول موضوعات من صميم المجتمع الاميركي غير متداولة في الاعلام السائد. لعل احد اسباب نجاح فيلمه السابق "بولينغ من اجل كولومباين" هي اميركيته الطاغية التي تلاءمت تماماً مع موضوع ثقافة السلاح والعنف في اميركا. في "فهرنهايت 11/9" ايضاً، يقدم قصة جانبية مثيرة هي التحاق اولاد العائلات الفقيرة في بلدات مثل "فلينت" بالجندية لتوفير معيشة معقولة وسبل اغوائهم من قبل تلك المؤسسات. هنا يبدو مور في مساحته الطبيعية والمناسبة لحجم افكاره وآرائه بعيداً من التناول الكاريكاتوري الساخر للعناوين العريضة. بهذا المعنى، يكتسب مور شعبية مضاعفة إذ يعبر عن الانسان العادي بأفكاره وهواجسه المحلية المتواضعة. جيد، ولكن السينما شيء آخر مضاد لتكريس الشعبوية الامر الذي يجعل مكانة مايكل مور في السينما، كما في الكتابة، مهزوزة. رغم ذلك، يعتبر الكاتب الفرنسي جيل دولافون الخبير في السياسة والثقافة الاميركيتين ان ذلك ما يجعل مور نجماً في اوروبا. في حوار مع مجلة "نيوزويك" يقول: مشكلة الفرنسيين انهم لا يريدون الظهور بمظهر المعادين لاميركا وان كانت تلك حقيقة مشاعرهم. لذلك يجدون في مور اميركياً معادياً لبوش. ولأن مور بدين وبشع، فإنه يتلاءم مع صورتهم المكرسة عن الاميركيين!" ويضيف دولافون ان مور يقدم للاوروبيين "مائدة منوعة من الاحكام المسبقة التي يملكونها عن اميركا العنف والسلاح والرأسمالية ولكنه في الوقت عينه يملك القوة والمباشرة اللتين يجدهما الاوروبيون سببين اساسيين لجاذبية الثقافة الاميركية." واخيراً يقول دولافون ان "مور اصبح هو الاميركي العادي بالنسبة الى الفرنسيين" وربما المتحدث باسم الطبقة العاملة علناً ومن ذلك مشاركته خلال تواجده في مهرجان كان السينمائي اتقديم فيلمه في تظاهرة عمالية احتجاجاً على تخفيض اجورهم!

افتراضات

يبني مور عمارة فيلمه على مجموعة افتراضات متداخلة، يجر بعضها الآخر. ونقول افتراضات لأنه لا يملك أدلة دامغة على نظرياته كافة. بهذا المعنى، فإن الشك في اي من تلك الافتراضات، وهو امر طبيعي، سيعرّض هذا البناء الى زلزلة داخلية. ولكن مور لا يضع ذلك في الحسبان كأنه يتوجه برؤية مطلقة الى الجمهور، فإما يقبلها الاخير بدون نقاش او يرفضها بدون نقاش ايضاً. بمعنى آخر، لا يترك هامشاً للشك. ولعل من نتائج ذلك ما عبر عنه أحد الصحفيين الاميركيين بالقول ان الفيلم "سيجعل اعداء بوش اكثر عدائية له ولكنه لن يدفع مناصريه الى إعادة النظر في مواقفهم."
يبدو هذا الكلام على التأثير في الرأي العام جزءاً من عالم الفيلم وليس السينما عموماً. يذكر الناقد السينمائي الاميركي ب. روبي ريتش ان الفارق بين مور وسابقه في ما يمكن تسميتها لعبة السينما السياسية إميل دي انتونيو العظيم ما معناه ان الاخير امتلك كرهاً تجاه نيكسن على نفس الدرجة الحرارية التي يعبر من خلالها مور عن كرهه لبوش. ولكن دي انتونيو، بحسب ريتش، لم يلجأ ابداً الى مخاطبة المصوتين بل ركز على التواصل مع اولئك في السلطة، اصحاب القرار السياسي وسعى الى تحريك الرأي العام ضد سياسات وليس اشخاص مثل الحرب الفييتنامية والمكارثية. ولكن ثمة فارق اساسي هو ان اميركا تغيرت اليوم واسلوب مور ربما يكون اكثر انسجاماً مع ثقافة تلفزيون الواقع ونسبة الامية المتنامية. مور بالنسبة الى ريتش، ليس يسارياً بل ليبرالياً كلاسيكياً. وهو ليس ثائراً بل ممثلاً للرجل العادي الذي هُدمت حياته بسبب سيطرة الشركات الكبرى.

بكلمة، يمكن تلخيص فيلم مور باستعارة اسلوب الفيلم. فالفيلم يبدأ ببوش ومساعديه الاساسيين في الادارة (رامسفيلد، رايس...) يضعون الميكروفونات ويتحضرون كأنما لعرض تمثيلي وينتهي بهم ينزعون كأنما اقنعتهم التمثيلية، هكذا هو فيلم مور عرض استعراضي شعبي يتراوح بين الدراما والسخرية والكوميديا، يلعب فيه مور دور الراوي وتعليقه دور الجسر بين لقطة واخرى في غياب التوليف السينمائي البصري.

المستقبل اللبنانية في

23.07.2004

 
 

فهرنهايت يحقق نجاحا بلبنان

يحقق فيلم المخرج الاميركي مايكل المور فهرنهايت 11/9 المعارض للرئيس الاميركي بوش، نجاحا كبيرا على شباك التذاكر في لبنان بالرغم من ميل الجمهور اللبناني عامة الى افلام الحركة والتشويق. وأعلن ممثل عن الشركة التي تستثمر عرض الفيلم في لبنان أن الفيلم حقق 12030 مشاهدا بعد خمسة ايام فقط من بدء العرض، وهذا رقم جيد جدا لفيلم وثائقي. وقال انها نتيجة جيدة جدا اذا ما قارناها بال 14800 بطاقة دخول التي سجلها فيلم سبايدر مان بعد 12 يوما من ابتداء عرضه في الصالات ولكن الفيلم لم يصل الى الارقام التي حققها فيلم +الام المسيح+ للمخرج ميل غيبسون، وهي 70 الف بطاقة دخول.

وأشار صحافي انه اكثر من كون الفيلم معاديا لاعادة انتخاب جورج بوش، فان وتيرته وروح الفكاهة التي فيه، قد اعجبا كثيرا الجمهور اللبناني الذي صفق بعد --واحيانا خلال-- عرض الفيلم. وعلقت الطالبة سيلفي نجيم (21 سنة) عند خروجها من الفيلم كيف يمكننا ان نتقبل دروسا في الديموقراطية من هذه الادارة (الاميركية) بعد ان شاهدنا هكذا فيلم. ولو نظرنا الى الفساد المتغلغل في لبنان، لوجدنا ان المسؤولين فيه، حتى ولو لا تصح مسامحتهم، هم ليسوا الا اطفالا ابرياء بالمقارنة مع بوش ورفاقه.

موقع "القناة" في

28.07.2004

 
 

هل يتوقف عرض فيلم "فهرنهايت 11/9" في دبي؟

دبي, القاهرة - ابراهيم سرور, محمود شحاتة

علمت "الحياة" أن فيلم المخرج الأميركي مايكل مور "فهرنهايت 11/9" قد يتوقف عرضه في دور السينما في دبي, على رغم الاقبال الجماهيري الهائل الذي تشهده العروضات. وقال مسؤول في واحدة من كبريات دور السينما, طلب عدم الكشف عن اسمه, إن "ضغوطات معينة تمارس على صالات السينما لوقف الاستمرار بعرض الفيلم".

ولدى سؤاله عن طبيعة هذه الضغوطات, رجّح أن تكون لها علاقة بما يكشفه الفيلم عن العلاقة بين عائلة بوش وعائلة بن لادن السعودية, قائلا: "قد لا يكون من المفيد لاحدى الدول العربية التطرق الى هذه العلاقة في هذا التوقيت تحديداً وجعلها مادة في متناول احاديث الناس في الشارع".

ولا يزال فيلم مور السجالي يعرض حتى اليوم في دبي في أربع من كبريات صالات العرض وفي خمسة تواقيت مختلفة خلال اليوم تبدأ من الصباح وصولاً الى منتصف الليل, ما يؤكد الاقبال الجماهيري الكبير الذي يشهده الفيلم.

من جهة أخرى, لاحظ المراقبون ان الاعلانات الترويجية التي عرضتها دور السينما في دبي في وقت سابق عن قرب عرض فيلم المخرج المعروف أوليفر ستون عن حياة الاسكندر المقدوني, عادت ورفعت من دون أي ايضاح يشرح السبب. وكان الفيلم الذي أبصر النور بعد سنوات ومشكلات انتاجية وسياسية عدة, صاحبه جدال هوليوودي عنيف بسبب تطرقه الى تجارب مثلية للقائد التاريخي الذي مات في الثانية والثلاثين, على رغم عدم اغفاله تصوير زيجاته الثلاث.

الجدير ذكره, أن صالات السينما في دبي كانت في الفترة الأخيرة محط سجالات مختلفة, كان آخرها مسألة عروضات الليل المتأخرة واقبال الشباب, وبخاصة الفتيات, على السهر حتى ساعة متأخرة خارج بيوتهن, علما أن معظم مراكز التسوق والمقاهي في دبي لا تتيح فرصة كبيرة للسهر المتأخر بعد منتصف الليل لكونها تقفل عند الساعة الحادية عشرة ليلاً كحد أقصى.

في القاهرة يبدأ عرضه بعد أيام

حسم رئيس الرقابة على المصنفات الفنية في مصر الدكتور مدكور ثابت كل ما يمكن ان يثار من جدل ولغط حول عرض الفيلم التسجيلي "فهرنهايت 11/9" من اخراج مايكل مور ووافق على عرضه كاملاً, قبل ان يصل الفيلم. ووجه كتاباً الى الفنانة اسعاد يونس التي تتولى توزيع الفيلم في مصر معرباً عن ترحيبه بعرض الفيلم لشجاعته. واعتبر ثابت عرض الفيلم خطوة ايجابية.

ومن جهتها أكدت الفنانة يونس التي تتولى شركتها توزيع الفيلم في اتصال هاتفي مع "الحياة" ان الشريط سيصل الى مصر خلال ايام وسيتم عرضه يوم 18 آب (اغسطس) المقبل.

جريدة الحياة في

29.07.2004

 
 

هل أخطأ العرب في قراءة فيلم مايكل مور؟*

مأمون فندي**

مايكل مور هل أدار معركته مع بوش علي حساب العرب؟

«أنا أكره العرب أكثر بكثير من الرئيس الحالي».. هذه هي رسالة جون كيري والحزب الديمقراطي المبطنة.

هكذا قال أمريكي أبيض كان جالساً معنا لمشاهدة الخطاب وتحليله، «هذا هو مؤتمر مايكل مور، في ما يخص كراهية العرب، التي كانت حاضرة في كلمة مرشح الرئاسة، وفي الاحتفاء بمايكل مور صاحب فيلم (فيهرنهايت 9/11)».

فرح العرب بالفيلم، لأنه ينتقد سياسات بوش، ولكن فات كثيرين منهم التركيز على العنصرية الصارخة في الفيلم، المتمثلة في رسم صورة للسعوديين تظهرهم أناساً مدعاة للتشكك، وأن التعامل معهم فيه شيء من الخيانة والدناءة معاً. وبالطبع، بالنسبة للمشاهد الأمريكي لا فرق بين سعودي أو جزائري أو يمني أو مصري، كلهم عرب في الصورة النمطية، وكلهم يلبسون «الزي العربي».

دعك عن مرور القرود في الفيلم، عندما تطرق فيلم مايكل مور إلى موضوع المغرب، فكانت تمر صور القرود والحديث عن المغرب، وكأنهما شيء واحد. ولم يكن مور عنصرياً ضد العرب فقط، لكن حديثه عن دول التحالف، مثل كوستاريكا وظهور صور الناس والدواب معاً، كل ذلك فيه احتقار وعنصرية شديدان. ورغم ان العنصرية هي كل متكامل، إلا ان ما يهمني هنا هو العنصرية ضد العرب، لأنني أكتب بالعربية، أما ما سطرته باللغة الإنجليزية فهو أشمل بكثير.

حضور مور في مؤتمر الديموقراطيين وتصويره للسعوديين بهذا المنظر المقزّز، على أنهم أناس غير أمناء، وأنهم مصدر شبهة، كان بمثابة المقدمة لحديث جون كيري غير المسؤول، عن الأسرة المالكة السعودية. حديث عن السعوديين في الفيلم عنصري ومفضوح، أدى إلى جملة كيري الخاصة في خطابه. والغريب أن كيري، في خطابه هذا، لم يذكر سوى دولتين اجنبيتين، هما العراق والسعودية. وبغض النظر عن المعركة السياسية حامية الوطيس، بين جورج بوش وجون كيري، إلا أنه كان من واجب الديموقراطيين، من العرب الأمريكان، الاحتجاج على وجود مور في المؤتمر. كذلك كان عليهم الاحتجاج على طريقة تعاطي كيري مع الشأن السعودي بهذا التخصيص، الذي لا يخلو من دعوة إلى زعزعة استقرار دولة حليفة. هذا شأن يحتاج إلى نقاش من أصحاب الشأن نفسه، لكن النقطة الأساسية هنا، هي أن ما قاله كيري، جاء في سياق مقبول، لأن الديموقراطيين احتفلوا بهذا الفيلم العنصري، لذلك لم تهتز لهم شعرة عندما أطلق كيري طلقته باتجاه السعودية شعباً وحكومة، وظني أن السعوديين قادرون على الدفاع عن أنفسهم، فلديهم من الكتّاب والمثقفين ما يكفي، وليس هذا دوري هنا، لكن ادخال مور في القصة بدا أكبر بكثير من الخصوصية السعودية. والأمر الآن يتعلق بطريقة الحديث عن العرب داخل الحزب الديموقراطي، طريقة عنصرية تتطلب اعتذاراً واضحاً لا تشوبه شائبة، ورفض أية محاولة للتملص من الاعتذار.

لكن يبقى حديثي الآن موجهاً إلى العرب، وهو حديث مرتبط بالسذاجة التي تلقى بها كثير من كتابنا ومحللينا هذا الفيلم العنصري، وصفقوا له، وكأنه عمل في صالح العرب وفي صالح قضيتهم. انني أدعو من كتبوا عن هذا الفيلم إلى مشاهدته مرة أخرى، في ضوء قراءة هذا المقال، لكي يروا ما رأيت. رأى كثير من العرب الفيلم في إطار الشعار المعروف «عدو عدوي.. صديقي»، بينما مور هو عدو للرئيس بوش، الذي يراه بعض كتّابنا رمزاً للشر. فمور، لا بد أن يكون بالضرورة، بطلاً حتى لو استخدم العرب كوقود في حملته ضد بوش. استخدم كراهيته للعرب وعنصريته تجاههم كأول أدلة الاتهام ضد بوش، الذي يضع يده في يد هؤلاء «الخونة الملوثين» من وجهة نظره.

طبعاً لا أتمنى أن نعيد عرض فيلم مور في دور السينما العربية ونزيد إيراداته، كل ما أوده هو أن يعيد النقاد الذين كتبوا بدافع الانتقام من جورج بوش، الكتابة بدافع فضح العنصرية ضد العرب في هذا الفيلم البغيض. بالطبع أنا لا أحاول التأثير في أن يتبنى كثير منا مواقفه السياسية المعادية أو المناصرة لسياسات بوش، كل ما احذر منه هو أن كراهية بعض العنصريين، هنا، للعرب، تتحول بقدرة قادر إلى شيء يصفق له الجمهور بمن فيه العرب أنفسهم.

تصفيق بعض الراديكاليين العرب لفيلم هو، في نهاية المطاف، يحض المواطن الأمريكي على كراهيتهم، هو شيء غير مفهوم بالنسبة لي، وأن الاضرار الناتجة عن هذه السذاجة كبيرة وكبيرة جداً.

فلو لم يجد المرشح الديمقراطي جون كيري قبولاً لمثل هذه الكراهية ضد العرب، وضد السعوديين تحديداً، في أروقة مؤتمر الحزب، لما تجرأ أن يكون بمثل هذه المباشرة في حديثه عن السعودية.

لم يكن هذا رأيي، لكن هذا كان محل اجماع عشرة من المثقفين والصحافيين الأمريكان، الذين اجتمعت معهم لمشاهدة حديث كيري، وكنت أنا وعربي آخر معهم، ولم نحاول أن نؤثر في رؤيتهم، فقط جلسنا واستمعنا وفوجئنا بما حدث.

ابتعد الحديث عن جون كيري، وتحول إلى جذور المشكلة المتمثلة في عنصرية فيلم مايكل مور ودوافعها، لكن يبقى المؤتمر أمراً مهماً، وما جاء فيه ايضا أهم. فالنقاط الأساسية في تعليقات الجالسين، انصبّت على أن حديث كيري لم يكن استراتيجياً، وخلا من عنصري الإلهام والوعد المتعارف عليهما في الخطب الأمريكية من هذا النوع، فلم يكن هناك إلهام ناتج عن شخصية كارزمية، ولم يكن هناك وعد بالجنة، أو بأشياء كبرى تطلق عنان الخيال لدى الناخبين.

اختصر الأمريكيون مؤتمر الديموقراطيين في كلمة زوجة كيري، تيرسا هاينز، التي بدأ الحديث عنها الآن، على أنها مصدر خطر على كيري، وليست مصدر قوة.. تيرسا هاينز، لم تكن هيلاري كلينتون، التي تعرف حدود التوقف عن الكلام. هاينز امرأة لا تعترف بالحدود، ويبدو أنها لا تدرك أنها ليست المرشحة للرئاسة.

كل من هاينز ومور، سيكونان أدوات تحطيم لكيري لا أدوات إنقاذ، هذا رأيي. أما ما هو أهم بالنسبة للعرب اليوم، فهو كشف عنصرية مور وفضحها، حتى لا يتجرأ آخرون على القيام بنفس العمل. عنصرية مور فاقت عنصرية هوليوود، كما انها أخطر منها، لأن عنصرية مور الآن، أصبحت وقوداً لحملات انتخابية، يبدو أن العرب سيكونون ضحيتها الأولى. فمطلوب الآن من المثقفين العرب، أن يقفوا بالمرصاد ضد حملة استخدامهم بشكل عنصري في الانتخابات الأمريكية.

على العرب أن يحاولوا قراءة ما بين السطور، ولا يفرحوا، لأن مور يكره بوش، أو أن كيري يكره بوش، لأن كراهية مور وكيري للعرب الآن، تبدو وكأنها أكبر بكثير من أي شيء رأيناه في إدارة بوش. 

*نقلا عن جريدة الشرق الأوسط اللندنية  عدد 9379  بتاريخ 2 أغسطس 2004 والعنوان الأصلي للمقال : الديمقراطيون وكراهية العرب.

**كاتب وأكاديمي أمريكي من أصل مصري

الشرق الأوسط اللندنية في

02.08.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)