كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

دفاعًا عن «فهرنهايت 11/9» بأثر رجعي

«فضيحة» سينمائية تزلزل عرش جورج بوش وربما تساهم في سقوطه سياسيا

الدوحة/ أحمد صلاح زكي

مهرجان كان السينمائي الدولي السابع والخمسون

   
 
 
 
 

 * الحملة الضارية ضد مايكل مور في أمريكا ليست مستغربة.. الغريب أن يهاجمه النقاد العرب * الفيلم يثبت أكاذيب بوش.. ويفضح علاقاته المريبة.. وتدميره لدولة كاملة من أجل مصالحه الشخصية

مثله مثل أي مخرج لأي فيلم سينمائي، قدم لنا مايكل مور في فيلمه الأخير "فهرنهايت 11/9 مجموعة من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم وفق سيناريو مرسوم بعناية ويهدف إلي جني أكبر قدر من الأرباح للمشاركين في تنفيذه.

أبطال فيلم مور ليسوا كبقية أبطال الأفلام الأمريكية الأخري والذين يأتون عادة من هوليوود. أبطال فيلم مور هم من واشنطون وتكساس وأدوارهم التي يقومون بها في الحياة هي أكبر وأخطر من أن يتم تجسيدها في أي فيلم سينمائي لأنهم ببساطة يتحكمون في مصائر مئات الملايين من سكان كوكبنا. أبطال فيلم مور هم بالترتيب وفق الأهمية: جورج دبليو بوش، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ديك تشيني، نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد رامسفيلد، وزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية، كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جون أشكروفت، وزير العدل في إدارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بول ولفويتز، وكيل وزارة دفاع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة العربية السعودية لدي الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي.

إضافة إلي الشخصيات المعروفة التي قامت ببطولة الفيلم، هناك أيضا في فيلم مور أبطال آخرين وإن كانوا مجهولين بالنسبة لنا جميعا وهم جنود الجيش الأمريكي في العراق وأم أحد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق وعدة عراقيين وعراقيات من المدنيين الذين قصفوا من أجل البحث عن "أسلحة الدمار الشامل"...!

هؤلاء هم أبطال فيلم مور، أما قصة الفيلم فقد حدثت ورأيناها جميعا، بل وعشنا أحداثها وشاركنا في صنع بعضها بالصمت وعدم الكلام. ما يقدمه مور في فيلمه هنا هو إعادة ترتيب أحداث القصة التي عشناها ولكن في سياق جديد يسمح لنا بمعرفة الحقيقة التي أخفيت عنا وجعلتنا جميعا نقع ضحية للخداع والتضليل.

يبدأ فيلم مور من الليلة التي احتفل فيها الديمقراطيون بفوز مرشحهم بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. نري ألعابا نارية تضيء السماء فيما يرقص آل جور وزوجته احتفالا بانتقاله من مقعد نائب الرئيس إلي مقعد الرئيس، محاطين بنجمي السينما روبرت دينيرو وبن أفليك وعدة آلاف من أنصار الحزب الديمقراطي. وعلي خلفية هذا المشهد الاحتفالي الصاخب نسمع مور وهو يقول: هل كان كل هذا حلما..؟

شبكات التلفزة الرئيسية الأمريكية تعلن خبر فوز آل جور بالرئاسة عدا واحدة هي فوكس نيوز، المملوكة لإمبراطور الإعلام اليهودي روبرت ميردوخ والمعروفة بتوجهاتها اليمينية المتطرفة. وما أن تعلن فوكس نيوز فوز جورج دبليو بوش بالرئاسة حتي تتراجع جميع شبكات التلفزة الأمريكية عن خبر فوز آل جور وتعلن اعتذارها للمشاهدين وتعلن فوز بوش بالرئاسة لأنها لا تتوقع أن تكون فوكس نيوز علي خطأ..! بعد هذه الليلة يبدأ الصراع علي البيت الأبيض بين آل جور وبوش حتي يصل إلي المحكمة العليا الأمريكية التي تحكم لصالح بوش ليصبح أول رئيس أمريكي يدخل البيت الأبيض بحكم محكمة وليس عبر صناديق الاقتراع.

ولكن هل كانت مصادفة أن يكون رئيس تحرير نشرة فوكس نيوز في هذه الليلة هو ابن عم جورج دبليو بوش..! وأن تكون رئيسة اللجنة الانتخابية قريبة لجورج بوش وأن يكون حاكم ولاية فلوريدا، الولاية التي تسببت في الأزمة الرئاسية، هو جد بوش، شقيق جورج بوش، وأن يكون أعضاء المحكمة العليا الأمريكية هم أصدقاء مقربون لجورج بوش الأب...؟!

من الواضح أن كل هذا لم يكن من قبيل "الصدفة" وأن البيت الأبيض قد تم الاستيلاء عليه من قبل مجموعة من رجال النفط الكبار في الولايات المتحدة والذين ينظرون إلي العالم باعتباره خزانا كبيرا من النفط ينبغي الاستفادة منه حتي آخر قطرة. ووفق هذه النظرة يشرح لنا مور من خلال فيلمه كيف استغلت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتبرير شن حرب غير عادلة علي العراق من أجل تدمير بنيانه والاستيلاء علي نفطه وبالتالي الاستفادة من عقود الإعمار وشحنات النفط الخام وهو ما سيعود علي أعضاء مجالس إدارات الشركات الأمريكية الكبري بالكثير من الأموال والذين هم إما أعضاء في الإدارة الحالية أو ممولون كبار للحملة الانتخابية التي أتت بهم إلي سدة الحكم.

آل بوش وآل سعود

بعد أن شرح لنا مايكل مور قصة وصول بوش الابن إلي البيت الأبيض، يظهر لنا مور عبر الكثير من الوثائق ما كان خافيا علينا من علاقة خاصة تربط عائلة بوش بعائلة آل سعود الحاكمة وعائلة بن لادن وكيف أن هذه العلاقة هي التي جعلت بوش يصدر أمرا بالسماح لعدد من الطائرات الخاصة بجمع أفراد عائلة بن لادن وكبار الأمراء السعوديين من جميع الولايات الأمريكية للسفر بهم إلي خارج الولايات المتحدة في اليومين اللذين أعقبا الاعتداءات بالرغم من حظر الطيران الشامل المفروض علي المجال الجوي الأمريكي.

فسالم بن لادن، شقيق أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة والمطلوب رقم واحد لأجهزة الأمن الأمريكية، هو الممول الرئيسي لجميع شركات البترول الفاشلة التي رأس مجالس إداراتها جورج بوش الابن قبل أن يصبح حاكما لولاية تكساس...! أما الغرض من تمويل شخص فاشل كبوش الابن فهو الاستفادة من علاقات والده الذي كان رئيسا للاستخبارات الأمريكية وبعد ذلك نائبا للرئيس الأمريكي ريجان خلال ولايتين رئاسيتين وفيما بعد رئيسا للولايات المتحدة.

أما الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة العربية السعودية لدي واشنطن، فهو أحد أصدقاء عائلة بوش المقربين وأحد القلة من غير الأمريكيين المسموح لهم برؤية الرئيس في أي وقت يريده. وللتدليل علي هذه الحظوة الرئاسية الخاصة، قام مور بالاقتراب من السفارة السعودية بواشنطن وعلي الفور هرعت ست سيارات شرطة من تلك التي تقوم بحراسة البيت الأبيض وقامت بتطويق السفارة والاستفسار من مور عن طبيعة ما يصوره. رجل الشرطة الذي قام بالاقتراب من مور هو من المنتمين إلي حرس الرئيس الأمريكي والمعروفين "بالخدمة السرية". يتساءل مور علي خلفية هذا المشهد إن كانت كل السفارات الأجنبية تحظي بمثل هذه المعاملة الأمنية الرئاسية الخاصة..؟!

بعد أن يتأكد مور من أنه قد قام بإبراز كل ما عنده من وثائق وحقائق تثبت العلاقة الخاصة بين عائلة بوش وعائلتي آل سعود وبن لادن فإنه ينتقل إلي الحرب علي العراق ويبدأ في كشف كيف تمكنت الإدارة الأمريكية الحالية من خداع وتضليل الشعب الأمريكي لشن حرب علي العراق تحت دعوي وجود علاقة بين النظام الحاكم في العراق وبين تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن. في هذا السياق يستعين مور بشهادة مستشار مكافحة الإرهاب السابق للرئيس الأمريكي، ريتشارد كلارك، والذي أشار إلي طلب جورج بوش من رجال الاستخبارات الأمريكيين الربط بين ما حدث من اعتداءات علي واشنطن ونيويورك يوم الحادي عشر من سبتمبر وبين النظام العراقي السابق بالرغم من أن كل الدلائل الأولية كانت تشير إلي تنظيم القاعدة. والسبب في هذا الطلب الرئاسي هو إيجاد ذريعة لشن حرب علي العراق واحتلاله ومن ثم الظفر بعقود الإعمار وحصص النفط. صفقة تجارية مربحة جدا ولن تكلف أكثر من ثلاثة آلاف قتيل أمريكي وعدة مئات من الجنود في العراق، أما آلاف الضحايا من العراقيين والأفغان فهم لا يدخلون ضمن تكاليف هذا المشروع المربح...!

«الحرية» الأمريكية

نشاهد مع مور أم أحد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق وهي تقرأ لنا الرسالة الأخيرة من ابنها قبل أن تقع بها مروحيته العسكرية في الصحراء العراقية. تقرأ الأم سطور رسالة ابنها وعيناها مليئة بالدمع وقلبها يكاد أن ينفطر حزنا علي ولدها الذي مات من أجل بضعة مليارات من الدولارات ستدخل إلي جيوب العصابة التي تحكم البيت الأبيض. في الرسالة يخبر الابن أمه كيف أنه حانق علي من أرسله إلي   هذه الحرب التي لا مبرر لها وكيف أنه يتمني ألا يتم إعادة انتخاب هذا الغبي مرة أخري.

"هذا الرجل هو الذي حاول قتل والدي.." بهذه الجملة بالغة السذاجة يبرر جورج بوش الابن حربه ضد صدام حسين أمام الرأي العام الأمريكي بعد أن فشل في الربط بينه وبين القاعدة وبن لادن. وعلي أساس هذه الجملة وكذبة البحث عن "أسلحة الدمار الشامل" يحاول بوش بلا جدوي إقناع دول العالم بالدخول معه في حربه ضد النظام العراقي ولكنه لا يجد في النهاية سوي بريطانيا وعدة دول لا يزيد عدد أفراد جيوشها علي عدد أفراد الشرطة في حي مانهاتن بنيويورك..!

يذهب مور بكاميراته إلي العراق لنشاهد كيف يقوم أفراد الجيش الأمريكي بتطبيق "الحرية" و"الديمقراطية" في هذا البلد. عمليات الاقتحام والتفتيش الليلية لمساكن المواطنين العراقيين للقبض علي الرجال وإرسالهم إلي سجن أبو غريب بدون توجيه اتهام لهم. قصف مساكن المدنيين للاشتباه في أنها تؤوي إرهابيين. قتل أسر بأكملها ثم الاعتذار عن هذا "الخطأ غير المقصود"...! إنها حرب إبادة جماعية لشعب دولة لم تشكل تهديدا في يوم من الأيام علي الأمن القومي الأمريكي علي حد قول مايكل مور.

في الفيلم الكثير من المشاهد المعبرة مثل ذلك المشهد الذي نري فيه مسنتين أمريكيتين يتحدثان فيه عن الخطأ الأخلاقي الذي وقع فيه بوش عندما كذب علي الشعب الأمريكي وضلله لدخول حرب من أجل أهدافه الخاصة. أو المشهد الذي يرافق فيه مور جنديين من البحرية الأمريكية وهما يحاولان تجنيد مجموعة من الصبية للالتحاق بقوات مشاة البحرية، "المارينز"، حتي يتم إرسالهم إلي العراق. محاولات الإغراء تفشل لأن هؤلاء الصبية يعرفون أنهم ذاهبون للتهلكة من أجل بوش وعصابته، وليس من أجل الوطن ومجده كما تدعي منشورات الجيش الأمريكي الدعائية التي يقوم مور في الفيلم بتوزيعها علي أعضاء الكونغرس الأمريكي من أجل إقناعهم بإلحاق أبنائهم بالجيش وهم الذين بالمناسبة لا يوجد من ضمنهم عضو له أبناء يخدمون في الجيش الأمريكي باستثناء واحد وعلي الأرجح فإن ابنه يقضي خدمته علي متن إحدي حاملات الطائرات البعيدة آلاف الأميال عن أحياء بغداد والفالوجة المشتعلة.

حرب ضارية

من يشاهد الفيلم لا يستغرب الحملة الأمريكية الرسمية الضارية التي تعرض لها مور وفيلمه بسبب فضحه لحقيقة بوش وزيف ادعاءاته، ومن ضمن ما ورد في هذه الحملة التي ساهمت فيها وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة أن مور قد ضلل الجمهور من خلال عدد من الوثائق والمشاهد التي ضمنها فيلمه وذلك من أجل إثبات كذب بوش وهو هنا ليس بأفضل منه طالما كذب هو الآخر. ولكن ينسي أصحاب هذا الرأي ـ ومنهم للأسف صحفيون عرب ـ أن بوش ضلل شعبه من أجل تدمير دولة كاملة تحقيقا لمصالحه الخاصة..! فما الضير إذن في أن يستعمل مور نفس الوسيلة من أجل إقصاء بوش عن قيادة بلاده والعالم نحو المزيد من الحروب والدمار.

ربما يكون من المثير أن يتعرض الفيلم لحملة من عدد من الصحفيين العرب وذلك تحت دعوي كذب مور فيما يتعلق بعلاقات آل بوش وآل سعود وآل بن لادن وهي كلها بالمناسبة علاقات مثبتة في عدد كبير من الكتب والمراجع التاريخية الأمريكية والعربية قبل الفيلم يكن أي من أطرافها يتحرج من الحديث عنها والتفاخر بمتانتها أمام شاشات التليفزيون ولكن يبدو أن يوم الحادي عشر من سبتمبر قد غير الكثير من موازين هذه العلاقة التي يؤكد مور أنها مازالت قائمة وإن انتقلت الآن إلي الظلام تفاديا لأضواء الإعلام الصاخبة، وهذه الحقيقة مثبتة أيضا في كتاب صحفي الواشنطن بوست، بوب وودوار، "خطة الهجوم" والذي تحدث فيه عن الترتيبات السعودية الأمريكية السرية قبل الحملة العسكرية الأخيرة علي العراق وعن معرفة بندر بن سلطان بموعد الهجوم الأمريكي وتفاصيل الخطة العسكرية قبل معرفة عدد من كبار المسئولين الأمريكيين!.. وبالتالي فالعلاقات بين العائلات الحاكمة في الشرق الأوسط وبين آل بوش هي علاقات تاريخية وموثقة ولا تحتاج لفيلم من مور كي تثبت وتوثق.

مغنية البوب

المشهد الأكثر إيلاما للنفس في نظري هو مشهد المؤتمر الذي عقده عدد من رجال الأعمال العرب مع عدد من رجال الشركات الكبري في الولايات المتحدة قبل الحرب علي العراق من أجل إقناعهم بالخير الوفير الذي سيرفل فيه الجميع بعد انتهاء تدمير البنية التحتية للعراق. إنها الحرب التي تجعل الأخ يبيع أخاه من أجل حفنة من عقود الإعمار..!

يلعب مايكل مور بذكاء علي وتر السياق. بمعني أن العديد من المشاهد التي أوردها في فيلمه رأيناها في الكثير من شبكات التلفزة العالمية ولكن المثير هنا هو وضعها في سياق مرسوم بدقة وبالتالي إكسابها معني وقوة. مشهد مغنية البوب بريتني سبيرز وهي تمضغ علكة وتتكلم عن وجوب الوقوف وراء الرئيس في حربه علي العراق. هذا المشهد جاء في أعقاب مشهد لجثث أطفال ونساء عراقيات مكومة فوق بعضها البعض في إحدي الشاحنات. المشهد الآخر والذي ينتقل فيه مور من مقابلة الأم الأمريكية التي فقدت ابنها في العراق وبين الأم العراقية التي فقدت خمسة من أفراد أسرتها في إحدي الغارات الأمريكية. كل هذه المشاهد وضعت في سياق يخدم المعني الذي أراد مور توصيله لنا وهو ما دفع بعض النقاد العرب لاتهام فيلم مور بالدعائية والمبالغة وبأنه شبيه بالرسالة الإعلامية لقناة الجزيرة والتي تهدف إلي تهييج المشاعر واستثارة العواطف وليس تشكيل وعي الناس..! (مقال سمير فريد في جريدة القاهرة الثقافية العدد 217،  8 يونيو 2004).

منذ متي كانت الأفلام رسائل علمية هدفها التوثيق والتحليل..؟ الأفلام هي نوع من أنواع الفنون وكل الفنون تخاطب المشاعر والأحاسيس والتي فيما بعد تشكل الوعي. كل من خرج من الفيلم إما أنه تأثر بما ورد فيه وكيف أنه قد تم خداعه وتضليله من قبل بوش وعصابته وإما أنه كان يعلم بهذا التضليل ولكن صور ضحايا الحرب من العراقيين وضحايا الجهل من الأمريكيين استفزته وأشعرته بأنه يجب أن يفعل شيئا ما لوقف هذه الخدعة الدموية، وهذا في حد ذاته وعي عال بالحدث الراهن الذي نعيش فيه.

لا أبالغ حين أقول إن فيلم مور الوثائقي "فهرنهايت 11/9 يمثل علامة فارقة في العلاقة بين السينما والسلطة مثلما مثلت "غزوتي نيويورك وواشنطن" علامة فارقة في العلاقة بين أمريكا والعالم. لذا فليس من المستهجن ـ كما ذهب البعض ـ أن يفوز الفيلم بسعفة "كان" الذهبية ولا أن يفوز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي خلال ليلة الأوسكار القادمة وذلك بالطبع مرهون بتخلص واشنطن من حاكم البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة والذي إن حصل سيكون للفيلم ـ ولاشك ـ دور كبير فيه.

جريدة القاهرة في

03.08.2004

 
 

مـايـكـل مــور كــاشـفـاً الحـقــائـق

موريس نهرا

من يشاهد فيلم "فاهرنهايت 9/11" للمخرج الاميركي المميز مايكل مور، الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي هذا العام، يدرك أسباب الضجة التي أثارها هذا الفيلم في الولايات المتحدة الاميركية وبخاصة في الوسط السياسي والفني، وتلك المحاولات والضغوط التي مورست من جانب الدوائر المحيطة بالرئيس جورج دبليو بوش، والتي لم تنجح في منع عرضه على الشاشات الاميركية. وهذا بالذات ما دفعني الى مشاهدته وبالتالي الى كتابة هذا المقال، ليس بالطبع من زاوية النقد السينمائي الفني، بل ارتباطاً بالموضوع الذي يتناوله والذي يتعلق بحدث خطير يمتلك بعداً عالمياً، وبالصورة التي يقدم فيها المخرج مور هذا الحدث وموقعه في رسم السياسات والاهداف الاميركية.

وبمعزل عن اعتماد النمط السردي لما جاء في هذا الفيلم، فإن مجموعة الامور والتساؤلات التي يشي بها، والاخرى التي يطرحها بوضوح، هي التي شكلت المضمون الاساسي وجسّدت رؤية هذا المخرج القدير، الذي استطاع ان يستقرئها في ظروف وأبعاد ما جرى، دون اسقاطات أو افكار مسبقة.

وانطلاقاً من ذلك فإن العرض السينمائي المذكور، الذي يشكل تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك محور انطلاقته، يكشف للمشاهد أن الاجهزة الاستخباراتية الاميركية كانت قد لاحظت ان شيئاً ما يجري اعداده وقد تُستخدم فيه الطائرات المدنية لتوجيه ضربة ضد أهداف داخل الولايات المتحدة الاميركية. وأن هذه الاجهزة التي كانت على معرفة ان بن لادن يدير ويموّل شبكة إرهابية، قد أعلمت الدوائر الاميركية المسؤولة بالأمر لكن ذلك بقي من دون تدابير واجراءات تستدعيها مثل هذه الحالات والاخطار. والملاحظ ايضاً انه رغم هول الصدمة الناجمة عن حدث 11 ايلول وآلاف القتلى، فإن عشرات الطلاب والاشخاص السعوديين من عائلة بن لادن، سُمح لهم بمغادرة الولايات المتحدة بطريقة عادية في الايام التي تلت الانفجار الضخم، وبدون أي مساءلة أو تحقيق.

ويأتي إظهار التداخل والتشارك بين بوش الأب، الرئيس الاميركي السابق، وبين عدد من الامراء السعوديين، وأثرياء من عائلة بن لادن، في شركات اميركية ضخمة، ليبيّن ان المصالح الاقتصادية المشتركة هي في أساس علاقة بوش الوثيقة والاكثر من ودية مع هؤلاء، ولعل هذه المسألة كانت سبباً في التساهل وعدم الاكتراث السابق ذكره. ولإعطاء الدلالات على ذلك ايضاً، يظهر على الشاشة السفير السعودي بندر بن سلطان يتناول العشاء مع جورج دبليو بوش مساء 13 ايلول ،2001 بعد مرور يومين فقط على الاعتداء الكبير على البرجين. وليست قليلة الاهمية الاشارة في الفيلم الى أن الاموال السعودية في البنوك الاميركية تصل الى حدود تريليون دولار أي 7% من الحجم المالي الاقتصادي في اميركا.

وليس من باب العَرَض ان يجري التركيز في الفيلم على الرئيس جورج دبليو بوش في حالات عديدة، بخاصة فور حصول حدث 11 ايلول، حيث كان يزور مدرسة للاولاد، وكأنه على شيء من السذاجة وعدم الجدارة، فبقي مثلا بعد سماعه بالحدث الفظيع حوالى نصف ساعة يتابع في المدرسة نفسها قراءة نص عن المعزى غافلا عن ما يجب القيام به كرئىس للبلاد، في ظل غياب ايّ من مستشاريه عنه.

ولكن الأهم الذي يبرز في السياق العام أمام المشاهد، هو تسليط الضوء على الارتباط الوثيق القائم بين القرار السياسي للادارة الاميركية وبين المصالح الاقتصادية للشركات الضخمة التي تمثلها مجموعة القرار في هذه الادارة التي للصهاينة تأثير كبير فيها، وهذا هو العامل الاساس في صوغ السياسات والمخططات الاميركية في العالم.

وانطلاقاً من ذلك فقد جرى استغلال اعتداء 11 ايلول، لتحقيق اهداف طالما كانت تطمح اميركا واحتكاراتها الضخمة المعولمة الى تحقيقها. فتحت عنوان الحرب على الارهاب والقضاء على تنظيم القاعدة وزعيمها بن لادن، شنّت الادارة الاميركية حربها على افغانستان، بعد ان كانت قد شجعت واحتضنت التيارات الاسلامية السلفية واستخدمتها بقيادة بن لادن، ضد الاتحاد السوفياتي والشيوعية والالحاد، كما ركّزت في عملها الدعائي، بينما كان هدفها الاهم غير المعلن من حربها المذكورة، ووفقاً لما عرضه الفيلم ايضاً، الوصول الى نفط بحر قزوين ونقله في انبوب ضخم عبر افغانستان ثم في باكستان حتى شاطئها الجنوبي، ومن خلال تنصيب سلطة موثوقة من جانبها. وبما ان هذا هو الغرض الاساسي، فلم يعد القبض على بن لادن او القضاء عليه من اولوياتها فعلياً، "إلا في مجال حفظ ماء الوجه" وها هو كما يصوره الفيلم مستلقياً بهدوء يواصل حياته ودوره. وللغرض عينه تكرر ذلك بشن الحرب الاميركية على العراق، الذي برز اتجاه في الدوائر الحاكمة لوضعه كهدف مباشر، فور حدث 11 ايلول وقبل افغانستان، ولكن هذه المرة بذريعة اخرى هي امتلاكه اسلحة دمار شامل وأسلحة كيميائية واتهامه بالارهاب، هذا علماً ان الادارة الاميركية كانت قد دعمت قبلا نظام صدام حسين الديكتاتوري في حربه ضد إيران، وجعلته بعدها يتورط في غزو الكويت، وهي التي أمدته بسلاح كيميائي استخدمه سابقاً ضد معارضيه داخل العراق. وقد اتت نتيجة الحرب على العراق، التي يظهر العرض السينمائي القوة التدميرية الهائلة للتكنولوجيا الحربية الحديثة التي استخدمتها أميركا فيها، لتكشف ان لا وجود لأسلحة دمار شامل، وأن التذرع بذلك لشن هذه الحرب العدوانية الوحشية لم يستند الا الى تكهنات وأكاذيب لفقتها الاستخبارات الاميركية لتحقيق رغبة او مصلحة اولئك الذين تسكرهم رائحة النفط العراقي وتدفعهم الى تحريك آلتهم العسكرية الضخمة لتنفيذ مخططاتهم الجهنمية. وان هذه الحرب وان استفادت من كره الشعب العراقي لديكتاتورية صدام الدموية، الا ان هذا الشعب قد برهن في مراحل تاريخه، والآن أيضاً، أنه يرفض الاحتلال، وأن مقاومته له تتسع وتتنوع، وتتواصل عملياته ضد الجنود الاميركيين المحتلين الذين يجري في كثير من الحالات التعتيم على العدد الحقيقي لقتلاهم، خشية اتساع النقمة داخل أميركا على إدارة بوش وحربه وبقاء احتلاله للعراق. ولا بد من الاشارة هنا الى تصريحات جنود اميركيين على أرض العراق، يعبّرون عن استيائهم وعدم اقتناعهم بما يقومون به هناك ويريدون العودة الى أهلهم في الولايات المتحدة.

والفكرة المهمة التي يسلط الضوء عليها مايكل مور في نهاية فيلمه، هي ان اعضاء الكونغرس الاميركي الذي وافق على قرار الرئيس بوش ودوائر القرار في سلطته، في شن الحرب على العراق، يتهربون من إرسال ابنائهم اسوة بالجنود الاميركيين الآخرين الى أرض العراق، حيث لا يوجد سوى جندي واحد فقط ابن احد اعضاء الكونغرس، اما بقية الجنود فهم من ابناء الناس العاديين الذين يرسلونهم لمقاتلة شعب آخر، ويعرضونهم لخطر الموت والاعاقة، ليس من اجل اميركا وأمنها الذي لا يهدده هذا الشعب، بل للسيطرة على نفط العراق الذي يشكل ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم، ولجعل الشركات الاميركية الكبرى تحصل على التعهدات وتوقيع العقود العالية الربحية في العراق، الذي تعتبر هذه الشركات انه اصبح بعد الحرب والدمار الذي الحق به، الفرصة الأفضل في العالم للاستثمار.

ومما لا شك فيه ان فيلم "فاهرنهايت 9/11" يترك اثراً عميقاً في نفوس المشاهدين، يتعدى المشاعر الانسانية الناجمة عن كارثة انهيار برجي التجارة في نيويورك، وعن القصف الوحشي الاميركي على بغداد وشعب العراق وقبلها افغانستان، مشكلا عامل تأثير في إيقاظ الوعي لدى الناس العاديين الاميركيين، لادراك مدى تسخير المواطن الاميركي واستخدام دور الدولة العظمى وقدراتها الهائلة، لخدمة مصالح الشركات الاميركية الكبرى خصوصا في المجال النفطي والعسكري، على حساب الشعب الاميركي وشعوب وقارات بأكملها.

النهار اللبنانية في

03.08.2004

 
 

" فهرنهايت 11/9 " لمايكل مور

آلية التضليل: عنوان مسروق، ورؤية مشوّهة، ومعلومات تفتقر إلى الدقة والمصداقية

بقلم: عدنان حسين أحمد/ أمستردام (هولندا) ـ خاض بـ"سينماتك"

غالباً ما يفضي منع فيلم أو كتاب أو أي عمل إبداعي إلى نتيجة عكسية تماماً يكون الرابح الوحيد فيها هو المخرج، أو المؤلف، أو المبدع حتى وإن كان هذا الأخير غير معروف، وبعيد عن الدوائر الضوئية نسبياً، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بمخرج " مثير للجدل " و " كاتب يساري استفزازي " بحسب التوصيفات السريعة، الجاهزة التي يكيلها بعض من النقاد والصحفيين على " نجوم طارئين " مثل مايكل مور، وسواه من الذين قد يتعرضون للسقوط المفاجئ في أية لحظة " ومن دون أن يثيروا أية جلبة تُذكر. الغريب أن هذا الجدل المحموم لم يستعر الآن بعد فوز فيلمه ذائع الصيت " فهرنهايت 11/9 " بجائزة " السعفة الذهبية " لمهرجان كان السينمائي في دورته السابعة والخمسين، وإنما يمتد إلى أواخر الثمانينات من القرن الماضي حينما أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية التي تبحث في مناطق حساسة، غالباً ما تغيّبها الدولة أو المؤسسات الرسمية عن أنظار العامة من الناس، ولكن مهما تعاظم الحرص على التكتم فإن هذه المناطق " المحرمة " لن تبقى بمنأى عن فضوليين من طراز مايكل مور الذي يعتاش على التحرّش، والمشاكسة، والاستفزاز، ولَي عنق الحقيقة عبر أسلوب ممنهج ومدروس في التشويه والتضليل. ولتأكيد صحة ما نذهب إليه لابد أن نحيط القارئ علماً بسيرته الذاتية والإبداعية علّها تسلط بعض الضوء على رؤيته الفنية، وطبيعة تفكيره المأزومة التي غالباً ما تفضي إلى تشويه الحقائق. فهو من مواليد مدينة " فلينت " التابعة لولاية مشيغان الأمريكية عام 1954. وفلينت مدينة فقيرة، لا تختلف في فقرها المدقع، عن أية مدينة عراقية محاصرة، تطحنها آلة الحرب العكسرية الأمريكية بحسب توصيف أهالي المدينة نفسها، أو كما يذهب المخرج نفسه. بدأ مايكل مور حياته العملية صحفياً في جريدة مغمورة كانت تصدر في مدينة فلينت، ثم سرعان ما غادرها ليلتحلق كمحرر وكاتب عمود في مجلة " Mother Jones "، لكنه طُرد من وظيفته لأنه رفض أن  ينشر مقالاً متحيّزاً ضدّ ثوّار نيكاراغوا. أنجز مور أول أفلامه الوثائقية " روجر وأنا " عام 1989 بتشجيع من قبل شركة " موتورز " الشهيرة. وقد سلط الضوء على مدير الشركة روجر سميث الذي ساهم في تحطيم الاقتصاد المحلي لمدينة فلينت. ثم تبعه بفيلم ثان أسماه " حيوانات أليفة أم لحم: العودة إلى فلينت " عام 1992، وبعدها توالت أفلامه التسجيلية الأكثر أهمية، ومنها " لحم خنزير كندي " عام 1995،  الذي كشف من خلاله المخطط الأمريكي لتلفيق حرب باردة ضد كندا، ثم أخرج  " العدالة للجميع " 1998، و " الحقيقة المروّعة " 1999، ثم أنجز فيلمه الشهير " لعبة البولينغ من أجل كولومبيان " عام 2002، وهو فيلم مثير جداً يتناول جذور العنف في المجتمع الأمريكي حيث سلط الضوء على جريمة بشعة ارتكبها طالبان فتحا النار على مجموعة من التلاميذ وأرديا في الحال 13 قتيلاً قبل أن يقدما على الانتحار! وفي السياق ذاته أنجز مور عدداً من الكتب المُضللة، والمثيرة للجدل ولعل أبرزها " رجال بيض أغبياء " وقد تصدّر هذا الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لأنه يتهم فيه بوش بالتهور، والغباء، وتخبطه في صناعة القرار السياسي. كما احتل كتابه الثاني " أيها الصديق: أين بلادي ؟ " المركز الثاني في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في ألمانيا. ولم تخرج بقية مؤلفاته عن هذا الإطار الدعائي الذي يعتمد على الفضائح القائمة على أنصاف الحقائق مثل كتاب " تهديدات عشوائية من أمريكي بلا اسم ". وفي 22 مايو " أيار " من هذا العام نال مايكل مور جائزة " السعفة الذهبية " في مهرجان " كان " لعام 2004 عن فيلمه الموسوم بـ " فهرنهايت 11/9 " وقد جاء في قرار لجنة التحكيم " أنها لم تمنح السعفة الذهبية للسياسة، وإنما للفن السينمائي في هذا الفيلم " وهذا التقييم، مع الأسف الشديد، غير دقيق، ولا ينطوي على أمانة علمية أو أخلاقية، فقد أجمع النقاد والمعنيون بالفن السابع أن السياسة هي المهيمنة في هذا الفيلم، وأن البعد السينمائي من الناحيتين الفنية والجمالية لم يتوافر إلا في لقطات متناثرة من هذا الفيلم الوثائقي الطويل القائم على بنية التجميع، والتوليف، والفبركة، هذا ناهيك عن الأسلوب التضليلي الذي اتبعه المخرج في مجمل أفلامه تقريباً التي تقول نصف الحقيقة، وتترك النص الآخر مغيباً، وبعيداً عن سمع الناس وبصرهم.

عنوان نصف مسروق

لاشك في أن عنوان فيلم  " فهرنهايت 11/9 " مُستمد من رواية ذائعة الصيت هي " فهرنهايت 451 " للروائي الأمريكي المعروف راي برادبيري الذي بلغ رصيده " 500 " عملاً أدبياً موزعاً بين القصة، والرواية، والشعر، والنص المسرحي، والنقد الأدبي، والسيناريو السينمائي. وتُعد رواية " فهرنهايت 451 " تحفته الأدبية المميزة التي تعالج بطريقة نقدية لاذعة مفهوم الرقابة المستقبلية في الدولة الشمولية التي تحظر الكتابة، وتقمع الشعب، وتمنعه من ممارسة التفكير الحر، المستقل. وفي محاولة جدية للحفاظ على تاريخهم وثقافتهم يقوم عدد من المتمردين في هذه الدولة التوتاليتارية بحفظ كل الأعمال الأدبية والفلسفية المهددة بالحرق عن ظهر قلب، وبذلك يصونون كنوزهم الثقافية والفكرية حتى من دون الحاجة إلى الكتب والمصادر التي تضم هذه الكنوز الثمينة. أن " فهرنهايت 451 " هي ببساطة درجة الحرارة التي تحترق فيها الأوراق، وما ينجم عن حرق الأوراق من إبادة حقيقية للثقافة والفكر. وقد أراد مور أن يقول " فهرنهايت 11/9 " هي الدرجة التي احترقت فيها أمريكا برمتها نتيجة لسياستها الرعناء سواء داخل حدود الولايات المتحدة أو في خارجها، فلا غرابة أن يتعرض برجي التجارة، عصب البلد الاقتصادي، والبنتاغون، رمز القوة العسكرية الأمريكية إلى دمار شامل احترق فيه كل شيء بسبب رعونة شخص غبي، لا يعرف كيف يتعاطى في الشأن السياسي. ففكرة العنوان ليست جديدة، وإنما هي مستمدة من فكرة عظيمة سابقة تعود إلى عام 1953 حيث نشرت الرواية أول مرة، والتي حولها المخرج الفرنسي الشهير فرانسوا تروفو عام 1966 إلى فيلمه الوحيد الناطق بالإنكليزية. لقد سطا مور على جوهر الفكرة الأساسية لـ " فهرنهايت 451 " ووظفها لمصلحة فيلمه الذي حصد واحدة من أهم الجوائز السينمائية في العالم، وهي جائزة السعفة الذهبية التي سبقه إليها الفيلم التسجيلي المعنون  بـ " العالم الصامت " وهو إخراج مشترك للمستكشف، وعالِم البحار الفرنسي المعروف جاك كوستو والمخرج لوي مال عام 1956.

آلية التضليل والبوح بأنصاف الحقائق

يعتمد نجاح أي فيلم تسجيلي على مصداقية المعلومات الواردة فيه، هذا ناهيك عن التقنيات الفنية المتعارف عليها والتي تدخل في صميم صناعة الفيلم السينمائي. ويبدو أن مايكل مور لا يريد أن يتخلص من ديدنه المعهود في تضليل المتلقين، فقد اعتمد كما في أسلوبه السابق الذي يتكئ على التهكم، والسخرية اللاذعة، والتجريح الشخصي، وبعض المواقف التراجيكوميدية، إضافة إلى ولعه المعهود بالبحث عن الفضائح، وتقديمها إلى المشاهد على علاتها من دون تدقيق أو غربلة أو تمحيص. الشيء الوحيد الذي خدمه في هذا الفيلم هو أن ظهوره لم يتكرر كثيراً كما في أفلامه السابقة، وقد اكتفى بدور الراوي الملفِق، والظهور في بعض المواقف الملحة التي تستدعي حضوره لكي يُحرج هذا السيناتور أو ذاك، ويقتنص المفارقات التي تفند أراء الأشخاص المُستجوَبين الذين يحاورهم. لا نستطع الوقوف عند كل المغالطات والمواقف المضللة التي ركز عليها مور، وجعلها محور فيلمه التسجيلي الذي أوحى إلينا من خلاله وكأن هناك عداءً شخصياً مُستحكماً، وتصفية حسابات مريرة بينه وبين الرئيس جورج دبليو بوش الذي نصحه بطريقة مهينة " إذهب وجِد لك عملاً حقيقياً " وكأن السينما هي تزجية للوقت، وأن العمل الفني هو عبث لا طائل من ورائه، ولكننا سنتوقف عند المحاور الأساسية التي انبنى عليها الفيلم برمته. لم يأت هذا الفيلم بجديد سوى المعلومات الملفقة التي فبكرها مور على هواه، أو أنه لم يكلف نفسه عناء فحصها والتأكد من مصداقياتها. فحينما يلتقي بالصحفي الأمريكي المعروف كريج أنكر " Craig  Unger ، صاحب كتاب " House of  Bush ;House of Suad " ويسأله عن حجم الأموال السعودية المستثمرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فيجيبه " 860 " بليون " والبليون في أمريكا يساوي مليار "، بينما لو عدنا إلى معهد أبحاث الشرق الأوسط فإنه يقول بأن مجمل الأموال السعودية المُستَثمرة في الخارج تقدر بـ " 700 " مليار دولار أمريكي، و %60 من هذه الأموال مستثمرة في أمريكا. إذاً، فالرقم الحقيقي للأموال السعودية المستثمرة في أمريكا هو " 420 " مليار دولار، وليس " 860 " مليار دولار. نلاحظ أن مور يستخدم تقنية الإشاعة تماماً، فالإشاعة تحتاج إلى نتوء صحيح لكي تعرض جبلاً من الأكاذيب. هناك أموال مستثمرة وهذه حقيقة، لكنه ضخمها وجعل منها رقماً مهولاً، ولا أدري ما الضير لو أنه بذل جهوداً إضافية، لكي يتحقق من هذه المعلومة، خصوصاً وأن تكاليف هذا الفيلم قد بلغت " 16 " مليون دولار؟ الأمر الذي يتيح له إمكانية البحث والتدقيق. الكذبة الثاني التي بنيت على حقيقة لا علاقة لها ببوش هي زيارة سيد هاشمي، ممثل حكومة طالبان الأفغانية إلى أمريكا عام 1997. فقد أوحى مور بأن الزيارة قد حصلت وكأن الدعوة كانت موجهة من الإدارة الأمريكية. الصحيح في هذه الواقعة أن الزيارة حصلت في وقت كان فيه بوش حاكماً لولاية تكساس، ولكن ما علاقته هو بهذه الزيارة؟ آخذين بنظر الإعتبار أن الدعوة قد وجهت له من قبل مسؤولي شركة يونيكال لمد أنبوب الغاز الطبيعي من بحر قزوين عبر الأراضي الأفغانية. فبوش " الجمهوري " لا علاقة له بالزيارة التي حصلت في زمن كلنتون " الديمقراطي " وحتى الذي حصل على عقد الحفر في بحر قزوين الموقّع من قبل يونيكال، هي شركة هاليبرتون المملوكة من قبل ديك تشيني. أراد مور أن يوحي للمشاهدين بأن هناك علاقة عميقة بين عائلة بوش وآل سعود، وهذا صحيح، لكن ليس على حساب المصلحة الوطنية لأمريكا، وليس على حساب الأمن القومي الأمريكي. وقد أوصل هذه العلاقة لدرجة أن الأمير بندر قد غدا أحد أفراد أسرة بوش، وهم يلقبونه باسم " بندر بوش " وأظهر في الفيلم لقطات من زيارة بوش الأب إلى المملكة العربية السعودية التي تكشف عن الترحاب الشديد الذي أبدته العائلة السعودية المالكة لبوش ولغيره من المسؤولين الأمريكيين الذين تربطهم مصالح اقتصادية وسياسية معروفة، لكن الذي لم يقله مور أن هذا التحالف معرض للإنهيار في أية لحظة، وبالفعل هذا ما حصل عندما ضغطت السعودية على أمريكا ونقلت مقر قيادتها إلى قاعدة " العديد " في قطر. يقول مور بأن العراقيين لم يقتلوا إنساناً أمريكيا واحداً، وهذا الكلام صحيح على المستوى الشعبي، لكنه غير دقيق إذا ما أخذناه على مستوى النظام الدكتاتوري الذي ناصب أسياده، والذين أتوا به إلى سدة الحكم، العداء في السنوات الأخيرة، وهناك عشرات الدلائل التي تثبت تورطه في قتل مواطنين أمريكيين أبرياء. لست هنا بصدد الدفاع عن السياسة الأمريكية فهي معروفة باستهتارها بكل القيم والضوابط الإنسانية، ولكن علينا ألا ننسى أن نظام صدام حسين المقبور قد وفر ملاذاً آمناً لـ " أبو عباس " الذي خطف سفينة آشيلا لورا، كما آوى عبد الرحمن ياسين الذي قام بتفجير برج التجارة عام 1993. وفي العام ذاته قامت أجهزة صدام الأمنية بمحاولة اغتيال الرئيس بوش الأب خلال زيارته للكويت غب التحرير. كما وفر نظام صدام ملاذاً آمناً لأبي نضال الذي فجر مطارات في فينا وروما، وهناك عشرات الأدلة والبراهين الدامغة التي تؤكد بأن النظام العراقي كان مصدر تهديد للمواطنين الأمريكان بغض النظر عن مراكزهم التي يشغلونها. حتى محاولة الاستقصاء التي أجراها على أعضاء الكونغرس الأمريكي قال مور بعظمة لسانه أن هناك عضواً واحداً في الكونغرس لديه ابن عسكري في العراق، لكنه في الخلاصة التي قدمها في النهاية قال " ليس هناك عضو واحد في الكونغرس الأمريكي يريد لابنه أن يذهب إلى الحرب! "، ولو دققنا جيداً لاكتشفنا أن ابن ممثل كاليفورنيا الجمهوري دنكون هانتر قد غادر عمله بعد أحداث 11 سبتمبر وكان اسمه مسجلاً ضمن المارينز. وأن بو " Beau " ابن السيناتور جوزيف بِدِن " Joseph Biden " كان مكلفاً في واجب شديد الخطورة لكنه فرقته لم تذهب إلى العراق، وهذا أمر لا دخل له فيه، بل وخارج عن إرادة ابن السيناتور. ابن جون أشكروفت عسكري، ويؤدي واجبات حساسة ضمن حدود الوطن. عضو الكونغرس الجمهوري مايكل كاسل الذي كان يتحدث بالهاتف النقال قدمّه لنا وكأنه لا يريد أن يضحي بأولاده، في حين أن كاسل ليس له أولاد! نسب مور غير مرة أقوالاً وتصريحات للرئيس بوش بينما كان هذا الأخير بريئاً منها تماماً. فبعد أحداث 11/9 مباشرة نسب إلى بوش معلومة خطيرة مفادها أنه أصدراً أمراً خلال مدة الحظر الجوي التي لم تقلع فيها أية طائرة أمريكية، بالسماح لبعض الأفراد السعوديين المعروفين وبضمنهم أشخاص من عائلة بن لادن بمغادرة الولايات المتحدة. وتبين لاحقاً أن بوش لم يصدر أي أوامر من هذا النوع، وأن ريتشارد كلارك المسؤول عن مكافحة الإرهاب هو الذي أصدر هذه الأوامر بعد استشارة مكتب التحقيقات الفيدرالي. وأكد ريتشارد أن أغلب السعوديين قد تعرضوا للتحقيق المفصل، وتبين من سير التحقيقات سلامة موقفهم، وتأكد بما يقطع الشك باليقين بأنهم لا علاقة لهم بأحداث 11 سبتمبر. وأكثر من ذلك فقد أكد ريتشارد، بحسب التصريحات التي أدلى بها لصحيفة " ذي هِل " الأميريكية بأنه " ليس هناك من هو أعلى مني. وفي 11و 12 و 13 / 9 هناك أشياء كثيرة لم تذهب إلى من هو أعلى مني. أنا اتخذت القرارات بعد مشورة مكتب التحقيقات الفيدرالي. " لا أدري كيف تجرأ مور ونسب تصريحات خطيرة من هذا النوع إلى بوش؟ وما الفائدة من تشويه هذه المعلومات، وتقديمها إلى القارئ من أجل تضليله؟ صحيح أن هذا الفيلم يبدو وكأنه موجه إلى جمهور الناخبين الأمريكان، يطالبهم، أو يدعوهم من طرف غير خفي إلى عدم انتخاب بوش الذي قاد البلاد إلى كوارث اقتصادية وسياسية ونفسية خطيرة. كان على مور ألا يلتجئ إلى أسلوب التزوير الذي اتبعه بوش في الانتخابات، فالشعب بالنتيجة بحاجة إلى رئيس صادق، وإلى فنانين، وسياسيين صادقين أيضاً. أنا أستغرب كيف يدافع شخص مثل مور عن الفقراء والمساكين الأمريكان وهو المليونير الذي يطل عليهم من برجه العاجي في أغنى منطقة في نيويورك. مور في وضعه الحالي ليس ابن الشعب الذي يدافع عن قضاياه، وإنما هو يدافع عن قضيته الشخصية، ويحاول أن يصفي حساباته مع بوش، ويسعى لأن يقتنص سانحة الحظ من أجل الحصول على مزيد من الأموال والشهرة الفارغة الناجمة عن أفلام مُضللة لا تقدّم إلا الأكاذيب أو أنصاف الحقائق. ظهر مايكل مور قرب السفارة السعودية في واشنطن لكي يوحي للمشاهد بأن هناك حراسة أمنية مشددة على هذه السفارة تحديداً، ثم تبين لنا أن عدد الذين يحرسونها هم ستة أشخاص لا غير! آخذين بنظر الاعتبار أن الشرطة الأمريكية توفر الحراسة لمجمع البيت الأبيض الأمريكي، ومقر إقامة نائب الرئيس، ووزارة المالية وبقية البنايات الملحقة بها، والمكاتب الفيدرالية الأخرى، ومقرات السفارات الأجنبية، والبعثات الدبلوماسية، وغيرها من المرافق التابعة للدولة، فما هو الغريب في أن توفر أمريكا " حراسة مكثفة " للسفارة السعودية التي قد تتعرض إلى تهديدات جدية من قبل أنصار القاعدة المبثوثين في كل مكان، خاصة وأن المصالح السعودية قد تعرضت لأعمال تخريبية في داخل المملكة وخارجها. إن أسوأ ما فعله مايكل مور هو أنه أخذ ما يناسبه من تصريحات المسؤولين الأمريكيين لتعزيز طروحاته الفكرية والسياسية حتى لو تطلّب الأمر قلب الحقائق وتشويهها، وتقويل المسؤول الأمريكي ما لم يقله، وهذا أمر في غاية الخطورة. دعني أسوق مثالاً واحداً يدلل على عدم أمانة هذا المخرج الذي لا يحترم جمهوره. فمن لقاء كونداليزا رايس لأحد الصحفيين اجتزأ مور ما يناسبه على طريقة " لا تقربوا الصلاة. . " وحذف متعمداً " وأنتم سكارى " لكي يوهم القارئ بأن المسؤول الأمريكي كاذب، ومدلّس ليس إلا. فعندما يسألها الصحفي إن كانت هناك علاقة ما تربط بين العراق وتنظيم القاعدة؟ ينتقي مور جزءاً من إجابة رايس التي تقول " أوه، حقاً، هناك علاقة تربط بين العراق وما حدث في 11/9. " وقد حذف مور متعمداً " جُملاً أساسية لكي يضلل القارئ بوجود هذه العلاقة بينما يقول النص الأصلي لتصريح رايس ما يلي: " أوه، حقاً، هناك علاقة تربط بين القاعدة وما حدث في 11/9. وهذا لا يعني أن صدام حسين نفسه أو نظامه كان متورطاً بأحداث 11/9. " ثم تسهب في الحديث عن ظهور أيديولوجيات الحقد التي دفعت بالمتطرفين لأن ينقضّوا بالطائرات المدنية على برجي التجارة في نيويورك إلى آخر هذه القصة التي يعرفها القارئ الكريم. لست هنا بصدد الدفاع عن الأفكار الواردة في تصريحات المسؤولين الأمريكيين، فهذا شأن آخر، ولكنني بصدد الحديث عن مصداقية مخرج الفيلم من عدمها، لأن عماد الفيلم التسجيلي هو الصدق والأمانة وتوخي الدقة، وهذا ، مع الأسف الشديد، ما افتقر إليه هذا الفيلم الذي كاد أن يشكل إدانة حقيقية لسياسات بوش وإدارته الرعناء ليس في الحرب على العراق، وإنما في مجمل سياسات هذه الإدارة داخل أمريكا وخارجها.

مخالب الجيش الأمريكي المخبأة تحت قفازات الحرير

لا شك في أن المتلقي في كل مكان بحاجة ماسة إلى معرفة الأسرار الدفينة التي تكتنف حياة الرؤساء أو الأنظمة والإدارات المثيرة للجدل. فمن منا لا يريد أن يعرف عن كثب علاقة عائلة بوش ببن لادن مثلاً؟ ولماذا يلقبون السفير السعودي لدى أمريكا الأمير بندر بـ " بندر بوش " ؟ والذي وصف بن لادن في هذا الفيلم بأنه " بسيط وهادئ " وأنه يعرف أسرته كلها، لكنه لم يلتقِ بن لادن إلا مرة واحدة عندما طلب منه هذا الأخير مساعدة أمريكا لكي يتخلصوا من الاحتلال السوفيتي لأفغانستان! كلنا نريد أن نعرف لماذا قلب الأمريكان لبن لادن ظهر المجن بحيث اصبح الشخص الأول المطلوب للعدالة الأمريكية؟ المتلقي سواء في أمريكا أو بقية أنحاء العالم يريد أن يعرف كيف اجتمع كل هؤلاء الأثرياء الأمريكان في سدة الحكم الأمريكية دفعة واحدة، ولماذا لا يتعاملوا إلاّ مع أصحاب رؤوس الأموال، بل أثرياء فاحشين من طراز حامد كرزاي، وزلماي خليل زادة، وشافي بن لادن، وسالم بن لادن، ومن قبلهم صدام حسين، ثم يحاولوا أن يقنعوا " هذا المتلقي المسكين في كل مكان " بأنهم ذاهبون للعراق من أجل إنقاذه من ربقة الدكتاتورية، وتحقيق نظام ديمقراطي يكون أنموذجاً يُحتذى به في الشرق الأوسط، هذا ناهيك عن " جلب الغذاء والدواء والحرية للعراقيين ". كيف يمكن للإنسان في كل مكان في العالم أن يصدق هذه المزاعم، والطروحات الزائفة، والأكاذيب الفجة بينما يمارس الجندي الأمريكي " السادي " أعلى درجات الفتك بالمواطن العراقي الآمن، وترويع العزّل من الأطفال والنساء والشيوخ الطاعنين في السن. ربما كان مايكل مور أميناً في تصوير وحشية الجنود الأمريكي المحتل التي تُمارس يومياً وبشكل سافر ضد العراقيين البسطاء الذين عاملتهم العقلية الأمريكية المتهورة، وفق منهج مدروس، بقساوة وإذلال ومهانة قل أن تجد لها نظيراً في العالم، كما كشف عن الوجه الحقيقي للمحتل الأمريكي الذي لا يمتلك غير مخالب الذئب التي يخبئها تحت قفازات الحرير.

موقع "سينماتك" في

11.08.2004

 
 

فيلم مايكل مور

خطأ العرب وخطايا فندي

محمد مرسي

إذا كان العرب -لأسباب عاطفية وربما عن غير قصد- قد أخطئوا في قراءة فيلم مايكل مور (فهرنهايت 11-9) فقد أخطأ كذلك مأمون فندي لأسباب تبدو عقلانية، ولكنها في الحقيقة تتخذ العقلانية ستارًا لتمرير الخطأ المقصود وهذا هو الأكثر خطرًا!.

شاهدت فيلم فهرنهايت 11-9 بعد قراءتي مقال مأمون فندي المُعَنون "الديمقراطيون وكراهية العرب" الذي أعاد موقع "إسلام أون لاين.نت" نشره، ثم أعدت قراءة المقال فور انتهائي من مشاهدة الفيلم على الفور، وخرجت بملاحظات تكشف كلها أن خطأ فندي كان أكبر من خطأ من انتقدهم.

البداية الخطأ

ينتقد فندي -وهو محق في ذلك- الاحتفاء العربي الكبير بفيلم مور حتى قبل مشاهدته لمجرد كونه معاديًا لبوش والنظر إليه "كمخلص" يفعل ما يفعله خصيصًا من أجل العرب.. فمور صنع فيلمه كسلاح انتخابي من أجل الإطاحة ببوش ويجب أن يقرأ فيلمه في هذا الإطار، ولكن لا يعني هذا القول بعنصرية خطاب الفيلم الذي يستدعي منعه كما ذهب فندي الذي أشعر أنه تسلل من بين أخطاء المعجبين بالفيلم دون مشاهدته ليهاجم الفيلم ويطالب بمنعه، وأتعجب من دعوته الجمهور العربي إلى عدم مشاهدة الفيلم، وهو نفس الخطأ الساذج الذي أوقعهم في الحكم السطحي عليه مما يمنعهم في النهاية من الحكم عليه! ولو كان الأمر مرتبطًا بعدم الرغبة في منح مور نقودًا إضافية، فقد صرّح مور بأنه لا يمانع إذا نسخ الفيلم ووزع بصورة غير شرعية دون اهتمام بحقوق الطبع، وهي الصورة التي أتوقع أن يشاهد بها معظم الجمهور العربي هذا الفيلم..(1)

يُعَدّ فيلم فهرنهايت 11-9 امتدادًا مرئيًّا لكتابات مور السابقة في كتابيه "رجال بيض أغبياء" و"أين بلدي يا صاحبي؟"، ويردد فيه نفس اليتيمات التي ركز عليها سابقًا: انتخابات فلوريدا 2000 وعدم شرعية رئاسة بوش، غباء وعدم كفاءة بوش كرئيس، هجمات 11 سبتمبر وتهريبه بعض أفراد أسرة بن لادن لعلاقته بها، الفساد المالي وتحالف السلطة والثروة، زيف مبررات حرب العراق والأثر المدمر لها... لكن الصورة دائمًا أكثر تأثيرًا من الكلمة المكتوبة، ففي الفيلم لقطات لا تنسى: بعضها لكوميديته؛ مثل اللقطات التي تظهر بوش يتفوه بجمل في غاية البلاهة، وبعضها لكونه مؤلمًا مثل مشهد الجندي الأمريكي الذي يغني: "احترق.. احترق.. يا ابن العاهرة.. احترق".

مور ونظرية المؤامرة

يتهم فندي الفيلم بعنصريته المعادية للعرب، وهنا أختلف معه في الرأي.. فأمر صحيح أن مور يشن في الربع الثاني من الفيلم هجومًا قاسيًا على العائلة المالكة السعودية، ولكن من قال إن هجومه كان بلا أسباب ولمجرد كراهيته "للجنس العربي القذر"؟

أتصور أن مور هاجم العائلة المالكة السعودية؛ لأنه يرى فيها حليفًا لتيار اليمين الأمريكي عدوه الأول والذي خص كل أقطابه بهجوم قاس، فقد شكل اليمين الأمريكي والمملكة تحالفًا من نوع خاص في فترة الثمانينيات، ودعموا ريجان سياسيًّا وماليًّا وأيديولوجيًّا، وتعاونوا سرية في الاستفادة من الأفغان العرب (ونفض أيديهم منهم لاحقًا)، وظل التعاون على المستوى المالي مستمرًّا بين الأثرياء والمسئولين السعوديين ونظرائهم الأمريكيين، ثم جاءت أحداث سبتمبر؛ وكما أذيع من تقارير استخباراتية فقد اختار بن لادن 15 سعوديًّا للمشاركة في الهجمات خصيصًا لتسميم العلاقات السعودية الأمريكية، ولكنه لم ينجح في فك الارتباط بين العائلة المالكة السعودية والولايات المتحدة، وهنا التفت اليسار الأمريكي ممثلاً بمور إلى اليمين الحاكم ليتساءل: إذا كان بن لادن سعوديًّا ومن شارك في الهجمات سعوديين، وإذا كان صدام قد أدين بناء على لا شيء فلماذا لا ندين المملكة؟ هل لا ترغبون في إدانتها لنفوذها ورشوتها إياكم؟ ويمكن أن نقرأ في هذا الإطار أيضًا دعوات النشطاء الديمقراطيين إلى التخلي عن البترول العربي؛ لأنه يدعم الإرهاب! فهم يرون أن منتجي النفط (السعوديين) يتعاونون مع شركات النفط العملاقة (اليمين الأمريكي)، وأن "أشياء مريبة" تجري بينهما ينتج عنها تراخٍ في التعامل مع الإرهاب.

وفي رأيي فإن هذا الجزء من الفيلم الذي يهاجم العائلة المالكة السعودية هو أقل أجزاء الفيلم منطقية، فقد سقط مور في فخ نظرية المؤامرة؛ إذ لا يوجد أي دليل على أن المملكة العربية السعودية قد تهاجم حليفها (وهو ما أكدته لجنة التحقيق التابعة للكونجرس مؤخرًا)، أما على مستوى خطأ السياسات الذي يدفع بالأشخاص نحو الإرهاب (التواجد الأمريكي العسكري في الخليج، انقلاب السياسة السعودية في تعاملها مع الماركسيين في اليمن)، فلا تلام بقدر أكبر من لوم الولايات المتحدة على الآثار البعدية لسياساتها.. كما أن مور يطرح نقطة غير منطقية أخرى فهو يتحدث عن حجم الأموال السعودية في الولايات المتحدة (ويبالغ بوضوح في حجمها)، ولكن إن سلمنا بهذا فلماذا يعمد السعوديون إلى مهاجمة البلد الذي يستثمرون فيه 60% من استثماراتهم الخارجية؟(2)، وإذا كانوا يستثمرون هذا القدر من النقود فلن يكون من مصلحتهم تدمير الاقتصاد الأمريكي.

أما بخصوص صور القرود التي ظهرت عند الحديث عن المغرب فهذه نقطة مراوغة تحتاج لتوضيح.. فقد أورد مور بعض أسماء الدول الأعضاء في "تحالف الراغبين" في الحرب ضد الإرهاب على خلفية صور نمطية من بلدانهم: فمع آيسلاند أظهر صور مقاتلي فايكنج، وكوستاريكا عربة يجرها الجاموس، وأفغانستان أناس تحصد زهرة الخشخاش، وهولندا شاب يشرب الحشيش، ورومانيا صورة لدراكيولا، أما المغرب فأورد القرود وذكر بعدها سبب ذلك عندما قال إن المغرب بدل المشاركة في الحرب عرضت 2000 قرد للمشاركة في تدمير الألغام، ثم أورد لقطة لرامسفيلد وهو يصف هذا التحالف بأم كل التحالفات، ويرد مور بقوله إنه ليس لأي من هذه الدول جيوش، وبالتالي سنقوم نحن بكل العمل العسكري.

شكرًا أمريكا الوجه الجميل

ولست أدري كيف يمكننا أن نقول إن مور عنصري ضد العرب إذا كان قد ساهم بإيصال صورة إنسانية وبشرية للعراقيين القتلى والجرحى لقدر كبير من الأمريكيين ليروا جانبًا من الحرب لم يروه من قبل.. وأغلبية العراقيين عرب كما نعلم.. ولنتذكر أن العنصريين هم من يتحدثون عن إخضاع العراق وبقية العرب، وعن أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، ويجب تحديثهم ودمقرطتهم بالقوة وعصرنة مجتمعاتهم المتخلفة الكريهة، وهؤلاء هم الجمهوريون الذين يواجههم مور.. ومن العراق اقتبس من كتابات السيدة فائزة الأعرجي التي تكتب يومياتها من بغداد: "نعم، بكيت على مشاهد العراقيين وهم يصرخون ويبكون أيام القصف علينا، ولا أحد يرحمهم ويوقف العذاب.. كأن العالم كله تواطأ ضدنا، بين مؤيد لبوش، وخائف منه.. ثم صور العراقيين في الليل في بيوتهم وقوات الاحتلال تداهم البيوت، والابن على الأرض مربوط اليدين، والأم تجلس على الدرج في الظلام تبكي وتتساءل: ماذا فعل ابني؟ حرام عليكم، إنه طالب في الكلية في الصف الثالث..

كم من أشياء جميلة تمزقت وتحطمت بفعل هذه الحرب؟؟؟"

"لم يتطرق الفيلم لقصة ملفقة، كل الذي تكلم عنه هنا هو صحيح.. ونحن نشكر مايكل مور وروحه الصادقة الشفافة التي تعامل فيها مع أجواء الفيلم من البداية للنهاية.

أشكره وأشكر الوجه الجميل من أمريكا الذي ساند مور لإخراج هذا الفيلم للوجود. فيه إنصاف وإنسانية في التعامل مع الإنسان العراقي. ليس فقط الأمريكي الذي يستحق أن تبكيه أمه وأصدقاؤه، العراقي أيضًا يستحق أن يجد من يبكي عليه؛ لأنه إنسان، له ماضٍ وذكريات وأم وأب وعائلة وأصدقاء وأقارب.. يتألمون لسماع خبر موته.. ويبكونه، ويسخطون على من أشعل هذه الحرب اللعينة"(3).

أخطأ ولكن..

أعود لأكرر أن الفيلم معادٍ للعائلة المالكة السعودية، ولكنه ليس معاديًا -بالضرورة- للعرب، كما لا ينطلق مور في معاداته للعائلة المالكة السعودية من مجرد مشاعر كراهية عنصرية ضد جنس مخالف، بل لديه أسبابه (حتى وإن كان منطقها مغلوطًا)، ولا يعني مجرد نقد نظام سياسي عربي معاداة العرب، وإلا فإن نقد إسرائيل يعني بالتالي معاداة السامية وهي التهمة التي ترفع سيفًا فوق رقبة كل من ينتقد سياسات إسرائيل.. كما أن السعوديين كانوا أكثر صراحة من مأمون فندي، فقد تحدثوا عن نقد مور الخاطئ لسياساتهم، والكويتيون منعوا الفيلم وقالوا إنهم منعوه لمعارضته حرب العراق ومعاداته للأسرة المالكة السعودية.. فليدافع السعوديون عن أنفسهم وليستخدموا وسائل الإعلام المقربة منهم للدفاع عن أنفسهم ضد هجوم مور (وهذا حقهم، وهم قادرون عليه)، ولكن لا أرى داعيًا لاستنفار الجماهير العربية ومشاعرها ضد مور واتهامه بالعنصرية ومنعهم من مشاهدة الفيلم، وخلط بين سياسات دولة واحدة لا تشتكي نقصًا في النفوذ، وبين القضايا التي تهم جميع العرب إجمالاً.

أما بخصوص إعلان فندي أن هذه المرة مختلفة لأن العرب (ويعني العائلة المالكة السعودية) أصبحوا لعبة انتخابية فأؤكد له أن هذه ليست المرة الأولى؛ لأنهم موجودون بالفعل وبقوة على الساحة السياسية الأمريكية والساحة الانتخابية أيضًا، فكما كشف مؤخرًا فقد عرضوا التحكم في سعر النفط لصالح بوش أثناء الانتخابات..(4)، فضلاً عن أن هذا الكلام مليء بالتدليس المستفز إذا كان يعني أن العرب كلهم بالفعل قد أصبحوا لعبة انتخابية "للمرة الأولى" بحديث الديمقراطيين عن السعودية.. إذن ماذا يكون العراق؟ ألا تحتل أمريكا بلدًا عربيًّا وتديره بالكامل وتضع مخططات مستقبله، وأصبح الاختلاف حول سياسة إدارته المستقبلية أحد أهم البنود الانتخابية؟ أليست الحرب على الإرهاب والتي تهم العرب بصورة مباشرة أهم البنود الانتخابية؟؟ أليس الصراع العربي الإسرائيلي ضيفًا دائمًا في الانتخابات الأمريكية؟ ألا تستغل الإدارة الحالية أزمة دارفور والعراق وقضايا الإصلاح العربي لأغراض انتخابية؟..

لفيلم مور أخطاؤه، كما أنه لم يصنع خصيصًا لنا، لكن هذا لا يعني أن أمريكا التي يدعو إليها مور ليست أفضل من أمريكا الحالية؛ ولهذا أقول إن مور صديقنا بالفعل؛ لأنه يدعو إلى أمريكا ذات سياسة أقل حدة وأكثر إنسانية وبعيدة عن الأحادية، كما أن كيري يحمل الأمل -حتى ولو كان بسيطًا- في أن يتخلى عن عناد واستكبار بوش، ويلجأ لحل حقيقي لأزمة العراق متضمنًا انسحابًا تحت إطار الأمم المتحدة، كما أن نجاحه يعني ابتعادًا للمحافظين الجدد الذين ينصحون بالكراهية للعرب والعنصرية المقيتة.. وهي الأمور التي يتجاهلها مقال فندي.

وفي النهاية، ما زلنا من جديد متفرجين، نشاهد دون أن نؤثر، ونعجب بشجاعة مور دون أن نستطيع تكرار ما قام به بنسخة محلية.. كل ما نقوم به هو الفرجة.. ولكن حتى هذه الفرجة يبدو أن البعض يريد حرماننا منها.

إسلام أنلاين في

11.08.2004

 
 

"مور"... ووجوه متعددة للديمقراطية

منصورة عبدالأمير

كثيرة ومتنوعة هي الانتقادات والتحليلات التي صدرت بحق الفيلم الأخير للمخرج الأميركي مايكل مور "فهرنهايت 11/9"، وكثيرة كذلك الاتهامات التي وجهت إلى هذا المخرج الذي لا أملك إلا ان أصفه بالذكي المجنون. ذلك فعلا هو انطباعي الأول بعد مشاهدتي المتأخرة نوعا ما للفيلم، فهذا الفيلم الذي لاتزال شركة البحرين للسينما تعرضه في سينما السيف، نظرا للإقبال الكبير من الجمهور المحلي، يثير في مشاهده الكثير والكثير من المشاعر سواء السيئة منها أو السارة. الفيلم على رغم كل ما قيل عنه وكل ما اتهم به من سطحية أو تحيز أو ما شابه ذلك، يعبر عن براعة مؤلفه ومخرجه مايكل مور، هذا المشاغب الذي استطاع ببراعته ان يجمع مادة صحافية وتوثيقية تكفي لإدانة نظام بوش الحاكم، على الأقل في المجتمع الأميركي، كما ان مور تمكن من دمج مادته تلك بطريقة ذكية جعلت من فيلمه واحدا من الأفلام التي تأسرك وتشد انتباهك مذ لحظة ابتدائه حتى آخر ثواني عرضه. مور لم يفعل ذلك فحسب بل نجح في من اختيار المشاركين في فيلمه ليكون الناتج فيلما توثيقيا رائعا يعبر على الأقل عن وجهة نظر شريحة من شرائح المجتمع الأميركي، لينقل لنا واقعا آخر غير ما نعتقد معرفته عن الشعب الأميركي.

الفيلم وإن لم يكن ينقل أي جديد سواء على مستوى قذارة السياسة الأميركية الخارجية أو على مستوى جرائمها المتعددة ومصالحها مع أي طرف كان، الا أنه وبكل تأكيد خلق صدمة كبرى للجمهور الأميركي حال عرضه في دور السينما هناك حين عرى كل أكاذيب ودجل بيتهم الأبيض بوثائق وأدلة داحضة لا يمكن لأي طرف كان نكرانها أو التهرب منها.

قد يكون عرض مور سطحيا في تناوله بعض المواد الا انه تمكن من خلق تأثير كبير في نفوس مشاهديه، وحتى المشاهدين العرب الذين يكرهون أميركا ويعرفون قذارتها ويشهدون جرائمها بأم أعينهم، بل ويمكنهم تزويد مور إن شاء بمعلومات أكثر دقة وبتفاصيل أكثر إثارة عما تعيثه حكومة بلاده في دولهم وبين أوساطهم، لكن على رغم ذلك فإن مور أضحكنا وأثار حزننا وزادنا حنقا أيضا على حكومة بلاده. نعم نجح مور في ذلك بغض النظر عن كل النواقص الأخرى، بل وأبهرنا بفيلم توثيقي ممتع وبجرأة لا نجد لها مثيلا في عالمنا العربي.

المفارقة المثيرة للجدل هو أن الفيلم وبقدر ما أساء الى الحكومة الأميركية والى ما تتشدق به من مبادئ الحرية والديمقراطية، فإنه في الوقت ذاته سلط الضوء على الجانب الآخر للديمقراطية الأميركية وهو في هذه المرة الجانب المضيء، وهو الجانب الذي لا نجد له نظيرا لدى كل أنظمتنا، إذ لا يحلم أي صحافي أو مخرج أو موثق في بلادنا العربية ان يفعل ما فعله مور بفيلمه هذا وان ينتقد سياسات بلاده بمثل الجرأة التي فعلها مور.

هكذا فإن فيلم مور رائع، يستحق سعفة "كان" الفضية، وربما كان سيحصل على ما هو أعلى منها من جوائز لو كان قد تنافس مع أفلام توثيقية أخرى في هذا المهرجان أو في سواه من المهرجانات، بدلا من مقارنته مع الأفلام السينمائية والدرامية وغيرها إذ نعلم جميعا اختلاف تفاصيلها وعدم إمكان الاتفاق على مقاييس محددة للحكم على النوعين.

الوسط البحرينية في

18.08.2004

 
 

فهرنهايت ‏11‏ سبتمبر

فيلم تســجيلي مـثير يقـدم رؤيـــة لما يحـــدث حــولنا‏!‏

نادر عدلي

طوال عمر السينما ـ أكثر من‏100‏ سنة ـ لم يحظ فيلم تسجيلي بمثل هذا الاهتمام الذي كان من نصيبفهرنهايت‏11‏ سبتمبر للمخرج الأمريكي مايكل مور‏,‏ فهو الفيلم الأنجح جماهيريا‏,‏ والأكثر جدلا‏,‏ وصاحب أرقي جائزة سينمائيةالسعفة الذهبية لمهرجان كان الأخير‏!..‏ وبمقاييس الأفلام الروائية فإن الفيلم بطولة جورج دبليو بوش الرئيس الأمريكي‏,‏ وموضوعه عن ضرب أو غزو العراق‏,‏ فهو عمل غير عادي في تاريخ السينما‏.‏

شهرة المخرج مايكل مور لعبت دورا مهما في الاهتمام بفيلمفهرنهايت‏11‏ سبتمبر فهو صاحب الصرخة الشهيرة في حفل الأوسكار قبل عامين‏:‏ عار عليك يا سيد بوش‏..‏ في احتجاج صاخب علي حرب العراق‏,‏ وفي هذا اليوم تسلم مور جائزة الأوسكار عن فيلمه الوثائقيلعبة البولينج من أجل كولمبين الذي يدين العنف في أمريكا‏!..‏ فهو مخرج ـ إذن ـ صاحب قضية ويشغله مايحدث حوله‏!..‏ وبمجرد عرض الفيلم في كان بدأ جدل هائل وهجوم شديد في اليمين الأمريكي علي مور‏,‏ وأشيع أن شركات التوزيع ترفض عرض الفيلم في أمريكا‏,‏ ولكن الفيلم تم عرضه‏,‏ وحقق في أمريكا وحدها أكثر من‏100‏ مليون دولار‏,‏ وهذا لم يحدث في تاريخ الأفلام التسجيلية‏,‏ بل ان فيلم مايكل مور الحاصل علي الأوسكارلعبة البولينج لم يحقق سوي‏18‏ مليونا‏,‏ وهذا مؤشر مهم للغاية‏.‏ ولا يمكن أن نعتبر سعفة كان هي سبب هذا النجاح الساحق‏,‏ وهنا نأتي إلي الفيلم نفسه‏.‏

ربط بعض المعلقين بين فوز الفيلم بجائزة كان‏,‏ والظروف السياسية علي أساس أن المهرجان فرنسي‏,‏ وفرنسا كانت ضد حرب العراق‏,‏ ولكن بكل تأكيد ليس هذا مربط الفرس‏,‏ لأن لجنة التحكيم ليس بها سوي عضو واحد فرنسي‏!..‏ ولكننا أمام فيلم سياسي مائة في المائة‏,‏ وممتع للغاية فنيا ومعالجة‏,‏ فعلي مدي ساعتين وبضع دقائق لايتسرب الملل للمشاهد إلا نادرا‏,‏ والفيلم رغم كونه تسجيليا يتصاعد دراميا بكثير من الذكاء والوعي‏,‏ وهو يتابع الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل أن يصبح رئيسا‏,‏ ثم وصوله لمقعد الرئاسة عن طريق المحكمة‏,‏ وليس صناديق الانتخابات وإعلانها بشكل تقليدي‏,‏ ويفتح ملف مايكل مور مساحات وعلامات استفهام حول وصول بوش الابن لمقعد الرئاسة‏,‏ ويشير صارخا بأن صفقات البترول والسلاح وراء وصول بوش إلي مقعد الرئاسة‏.‏يهتم ما يكل مور بالتفاصيل الصغيرة‏,‏ وينتقي من حياة جورج دبليو بوش ما يجعله يصل إلي هدفه‏,‏ وهو أن المصالح الشخصية والبحث عن الثروة الطائلة هي وراء كل شيء‏,‏ بداية من وصول بوش للحكم حتي ضرب العراق‏,‏ ونري علاقة بوش بأسرة بن لادن‏,‏ وسخرية لاذعة من بوش الذي علم بأحداث سبتمبر وهو يزور مدرسة ابتدائي‏,‏ فظل‏7‏ دقائق صامتا لايعرف كيف يتصرف؟ وكيف أنه وقف يتجمل ـ مثله مثل أي ممثل أومذيع ـ قبل أن تنتقل الكاميرات به علي الهواء ليعلن الحرب علي العراق‏,‏ وهكذا؟

يدين مايكل مور كل فريق العمل الذي يحيط بالرئيس الأمريكي‏:‏ ديك تشيني‏,‏ ودونالد رامسفيلد‏,‏ وكوندوليزا رايس‏,‏ وجون أشكروفت‏,‏ ويصل بنا في النهاية إلي أن كل ما حدث في أفغانستان‏,‏ ويحدث في العراق هو ألاعيب من شركات البترول والسلاح‏..‏ ليس إلا‏!..‏ إنها مصالح بوش ومن حوله‏!‏

‏..‏هذا ما يصل إليه مايكل مور بدقة اختياراته للمعالجة والمونتاج وتقديم لقطات ـ بعضها نادر ومدهش ـ لتقديم وجهة نظره‏,‏ إلا أن معالجة الفيلم علي هذا النحو تلفت نظرنا إلي نقطتين مهمتين‏,‏ الأولي أن كل تركيز مور كان حول بوش شخصيا‏,‏ والثانية هي إغفال المؤسسات الأمريكية كلها‏,‏ وكأن الأمر كله يبدأ وينتهي بالرئيس الأمريكي‏,‏ وهذا أمر يجب أن نتعامل معه بحذر‏,‏ دون أن نهمل تأثير الرئيس ومن حوله‏,‏ والمؤسسات التي وقفت وراء وصوله للرئاسة في مساندة مواقفه‏.‏

نأتي إلي الأهمية الحقيقية لفيلمفهرنهايت‏11‏ سبتمبر‏..‏ فمن الثابت أن‏90%‏ مما قدمه مور في فيلمه يكاد يعرفه كل العالم‏,‏ ومن المؤكد أن ما تقدمه وسائل الإعلام للمجازر التي تحدث في العراق‏,‏ وسقوط مئات الأمريكيين في العراق نراه وبصورة أبشع مما ظهر في فيلم مور‏,‏ ولكن هنا ـ في هذا الفيلم ـ نجد رؤية لكل الألعاب الجهنمية التي تحدث وراء الستار‏,‏ ولم نكن نعرف كيف تتحرك‏,‏ ومن يحركها؟‏..‏ فقط نري الضحايا والأشلاء وبلادا تدمر وصيحات ضد الإرهاب‏,‏وأخري تدعو للإصلاح والديمقراطية‏,‏ إننا دائما نري المشهد التمثيلي الأخير‏,‏ وفيلم مايكل مورفهرنهايت‏11‏ سبتمبر قدم مايحدث وراء الكواليس وبعض أساليب التحضير والإعداد والتآمر وغلبة المصالح التي تكون وراء سبب ما يحدث بعد ذلك‏,‏ ونشاهده علي شاشات التليفزيون‏.‏

الأهرام اليومي في

25.08.2004

 
 

فيلم مايكل مور هل يجذب السعوديين الى الأفلام الوثائقية؟

 ابراهيم بادي

تعد دور العرض السينمائية في البحرين متنفساً لعشاق الشاشة الكبيرة من السعوديين, خصوصاً اولئك القاطنين في المنطقة الشرقيةالفيلم الوثائقي "فهرنهايت 9/11" للأميركي مايكل مور والفائز بالسعفة الذهبية في الدورة الأخيرة لمهرجان كان, قد يكون اول وثائقي يعرض في سينما خاصة في البحرين, لكن ذلك لم ينف حضوره في شكل بارز ومثير للجدل, اذ يستمر عرضه منذ اكثر من شهر, في حين ان احد بائعي التذاكر في المجمع نفسه الذي يقدم فيه الفيلم, اكد ان "من النادر استمرار فيلم في دور العرض البحرينية طوال تلك الفترة, إلا في حال تحقيقه ايرادات مرتفعة بالنسبة الى غيره".

"الضجة الإعلامية التي رافقت الفيلم, كانت السبب الرئيس في توجهي وعائلتي الى حضوره, على رغم انني لم احضر في حياتي هذا النوع من السينما في دار عرض من قبل", يقول ناصر المانع (الدمام). وبغض النظر عن قيمة الفيلم الفنية وصحة المعلومات الواردة فيه, تقول زوجة المانع: "اسلوب الطرح كان جميلاً للغاية, ولم اشعر بالملل على رغم انه استمر اكثر من ساعتين". وتعتقد المانع ان "السبب في وجود عنصر التشويق بالنسبة إلي, طرحه مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية تعانيها الطبقة الفقيرة في اميركا بسبب سياسات بوش, لم اكن لأتصورها". وتساءل ياسر اليوسف: "لم لا نشاهد افلاماً عربية من هذا النوع, بعيداً من القصص المكررة والمملة التي تعانيها السينما العربية؟". ويضيف: "هل يعتقد صناع السينما العربية اننا نرحب بالانحدار الفني الذي يقدمونه لنا مرتكزين على الإسفاف والابتذال؟".

ويختلف رأي هاني التريكي (الرياض) مع الكثيرين: "لا احب من لا يحترمني, ومور استغفلني كثيراً في هذا الفيلم الذي كان بعيداً من الموضوعية, ومملوءاً بالمغالطات, محاولة منه في صنع مجد شخصي او الثأر لوجهة نظر", ومع ان التريكي تكلم في المطلق, فذلك لا يعني ان كلامه لم يلامس الصواب. وعلى رغم ان الآراء تباينت, فإن احداً لم يشر الى قيمة الفيلم الفنية التي قد تكون غائبة امام موضوعه الذي اعتبره بعضهم مثيراً, او الى مدى استحقاقه لتلك الضجة التي كان ينتظرها منتجو الفيلم منذ قرروا البدء في تصويره, وربما كان السبب في عدم الإشارة الى تلك الأمور غياب وعي المشاهدين لهذا النوع من السينما.

على اي حال, يبقى السؤال, هل نجاح "فهرنهايت 9/11" في تحقيق عائدات مرتفعة في البحرين, يترك لعاب صنّاع السينما العربية سائلاً امام هذا النوع من الأفلام؟ خصوصاً ان هؤلاء لا يفوتون الفرص التجارية! يذكر ان "مركز تلفزيون الشرق الأوسط" قدم في فترة حرب الخليج الثانية - تحرير الكويت, سلسلة من حلقات وثائقية عن تلك الحرب, استضيفت فيها شخصيات سياسية بارزة كالأمير خالد بن سلطان والأمير بندر بن سلطان وسواهم ممن لهم علاقة مباشرة بالحدث في ذلك الوقت, وساعد في كشف حقائق كثيرة كانت غائبة. وحققت الحلقات نجاحاً باهراً بحسبما ذكرت الصحف المحلية الخليجية وبعض مواقع الإنترنت, ما يشير الى اهتمام بالمواضيع التي قد يقدمها اي فيلم او برنامج وثائقي, خصوصاً السياسية.

الحياة اللبنانية في

27.08.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)