كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"آلام المسيح" وتبريكات الرب

عماد النويري

عن فيلم

(آلام المسيح)

   
 
 
 
 

منذ عام لم يكن احد من الموزعين يرغب فى تسويقه لكنه وبعد ان نجح فى تجاوز حملة مضادة ضده اتهمته بمعادة السامية اصبح فيلم «آلام المسيح» اكثر افلام بداية العام اجتذابا للتعليقات والنقاشات بحيث توقع الخبراء ان يجمع في نهاية اليوم الاحد من 15 إلى 30 مليون دولار وتعدى الفيلم كل التوقعات، حيث حقق اكثر من 23 مليون دولار فى اول يوم عرض بالولايات المتحدة، مما وضعه في المركز الخامس في قائمة اكثر الأفلام تحقيقا لعوائد فى يوم عرضها الأول. في كل الاحوال فانها ارقام مبهرة بالنسبة إلى فيلم روائي لا يلعب فيه ممثل شهير دور البطولة ويتحدث الممثلون فيه باللاتينية والارامية.

شهرة الفيلم من المؤكد انها اعتمدت على استراتيجية تسويق ذكية استهدفت الطوائف المسيحية الاميركية بعد ان اتهم مسؤولو منظمات يهودية ميل غبسون ـ الكاثوليكى الملتزم باعطائة مسحة معادية للسامية، ولكن الشركة المنتجة «ايكون برودكشنز» حصلت على دعم كنائس عدة، اضافة الى اسابيع من تركيز وسائل الاعلام التى احيت الخلاف المحيط بالفيلم.

فى مقابلات قبل عرض الفيلم قال غيبسون انه تلقى توجيها من الروح القدس لعمل الفيلم. فيلم عن الاثنتي عشرة ساعة الاخيرة في حياة المسيح، وان هدفه هو السماح للجمهور ان يرى ويشعر بالتضحيات والمعاناة التي تحملها المسيح من اجل كل البشر طبقا لما ورد فى الانجيل. ولم تقتصر توجيهات السماء على غيبسون فقط فقد صرح بعض الذين شاهدوا الفيلم من المسيحيين شديدى الايمان ان السماء ابرقت حينما كان الممثل جيمس كافازيل يؤدي دور السيد المسيح فى مشهد الصلب كما خرجت تسريبات متعددة من مجموعة العاملين بالفيلم عن احداث غريبة تشير الى ان الرب نفسه له مصلحة شخصية فى انتاج هذا الفيلم!

طبعا تدخل الرب لانتاج هذا الفيلم حكاية مبالغ فيها لأنها ستفتح المجال واسعا امام الكثير من الاجتهادات والتأويلات عن اسباب انتاج افلام معينة واذا اعتمدنا هذه الرواية لا بد ايضا من اضفاء نوع من القداسة على افلام معينة، مما قد يضع ممثلي هذه الافلام فى ورطة كبيرة.

وغير حكايات القداسة فان اهم ما يثيره الفيلم هو ذلك الجدل الكبير عن ارتفاع نغمة معاداة الفيلم المزعومة للسامية واعتمد ذلك الجدل على مشاهد يبدو انها تشير بأصابع الاتهام الى السكان اليهود في القدس بأنهم القوة التي وقفت وراء عملية صلب المسيح، حيث كان الحاكم الروماني مجرد قطعة شطرنج فى ايدى اليهود الماكرين المحبين للانتقام.

غيبسون نفى بقوة ان الفيلم معاد للسامية. وقال ان هذا الفيلم قائم على قراءته الصحيحة للكتب المقدسة لكن لا يقلل ذلك من حقيقة ان قصة الصلب كما روتها الاناجيل ينظر اليها بعض المؤرخين كواحدة من الاسباب المتأصلة وراء قرون من معاداة المسيحية للسامية بداية من مذابح الحملة الصليبية الاولى وحتى المحرقة النازية.

وغير معادة السامية فان غيبسون متهم ايضا بتخطي حدود الذوق الرفيع فى تصويرة للساعات الاخيرة فى حياة المسيح، فقد اعتبر بعض النقاد الذين شاهدوا الفيلم ان مشهد الجلد استمر حوالى 20 دقيقة او اكثر كما انة مشهد عنيف جدا.

مهما كان الجدل ومهما كانت الاعتراضات والنقاشات فان مشاهدة فيلم مثل «آلام المسيح» يعتبر فى غاية الاهمية، خاصة بالنسبة إلي الشباب حتى يستطيعوا التعرف على حدث مهم شكل التاريخ الغربي.

فى انتطار عرض «آلام المسيح» على الشاشة الكويتية ونتمنى ان نقف وقفة ثانية للاقتراب من فيلم يثير من حوله الدنيا ولم يقعدها بعد.

القبس الكويتية في

01.03.2004

 
 

ميل جبسون:

معاد للسامية؟ فنان استعراضي؟ أم مجرد صاحب تجربة؟

فيكي حبيب

أربعة أيام فقط ويشاهد الجمهور اللبناني الفيلم الأكثر إثارة للجدل لهذا العام "آلام المسيح" لميل غيبسون في عروض خاصة قبل إطلاقه رسمياً في الصالات اللبنانية في الثامن عشر من الجاري.

"آلام المسيح" يصوّر الساعات الاثنتي عشرة الاخيرة في حياة يسوع بمؤثرات بصرية وصوتية عالية وإخراج مميز. يتكلم بالآرامية واللاتينية, ويثير موجة اعتراض يهودية حتى قبل عرضه, على أساس انه يحمّل اليهود مسؤولية دم المسيح".

حملة يهودية منظمة بوجه هذا الفيلم لم يُسكنها حذف الآية الانجيلية, متى 27:25 التي تقول: "فأجاب جميع الشعب (اليهودي) قائلين: دمه علينا وعلى بنينا", ولا حتى اعتراف ميل غيبسون نفسه عند سؤاله اذا ما كان مؤمناً بحق ان اليهود يتحملون اليوم مسؤولية قتل المسيح حينما أجاب: "جميعنا قتلناه وأولهم أنا", ولعلّ اليد التي سمّرت المسيح على الصليب في الفيلم والتي ما هي الا يد المخرج نفسه الذي ظهر في هذا المشهد اليتيم كممثل في الفيلم كله خير دليل على ايمان ميل غيبسون بما ذهب إليه.

حملة لم يسكنها أيضاً نفي الأوساط المسيحية الكاثوليكية للأمر, لا تصريح الناطق الرسمي باسم الفاتيكان الأب نافارو فالس الذي أشار الى ان عمل ميل غيبسون فيلم سينمائي لآلام يسوع المسيح طبقاً للانجيل, ولا تعليق المونسنيور جون فولي رئيس لجنة الاعلام الحبرية البابوية حينما وصف الفيلم بأنه غير معادٍ للسامية.

حملة رأت في الفيلم تشويهاً للتاريخ وتجنياً على اليهود في ما يقدمه بحسب ما جاء على لسان رئيس "الرابطة الوطنية لمكافحة التشهير" ابراهام فوكسمان "من صورة "سلبية للشعب اليهودي", صورة ملؤها الشك والتجني بإظهارها, كما قال فوكسمان ويهوداً متعطشين للدماء وغاضبين الى أقصى الحدود والأهم قادرين على إملاء ارادتهم على الرومان ولا سيما صلب المسيح. أما الرومان فيصورهم الفيلم كأفراد يتسمون بالعطف والحب والمشاعر الجياشة, بعكس ما يمليه التاريخ".

وفي المقابل وبوجه هذه الانتقادات الحادة علت بعض الأصوات اليهودية التي استغربت كل هذا الامتعاض وتساءلت: "وأين التزوير؟". ولعلّ في مشاركة عدد من اليهود في هذا العمل نفياً فعلياً لما قد يظنه البعض من موقف يهودي موحد تجاه الفيلم, خصوصاً اذا ما عرفنا ان مؤدية دور مريم العذراء في فيلم ميل غيبسون هذا, ما هي الا اليهودية مايا مورغنسترن التي جسدت دورها "أفضل ما يكون" بحسب بعض النقاد, فكانت برأي البعض "الوحي الحقيقي في هذا العمل".

ولم تقف الانتقادات التي طاولت الفيلم عند هذا الحد, اذ اضافة الى ما تناقله البعض من فكرة كونه فيلماً يثير "مشاعر معادية للسامية لوضعه اللائمة في صلب المسيح على اليهود, انتقدت كتابات نقدية أخرى فيلم ميل غيبسون والسبب هذه المرة كبر جرعة العنف فيه. ولعل أكثر ما عزز النقد الاخير ما تناقلته وسائل الاعلام من وفاة امرأة أميركية في منتصف العمر قبل ايام جراء أزمة قلبية لتأثرها اثناء رؤيتها مشهد الصلب المؤلم كما قدمه الفيلم.

وبالفعل "آلام المسيح", بحسب كثر, فيلم عنيف وربما دموي, ولكن السؤال: هل جرعة العنف فيه تفوق ما نشاهده على الشاشات؟

والإجابة بديهية وهي ان عنف الفيلم لا يمكن ان يضاحي عنف الواقع. فهل في الأمر كله تحامل على ميل غيبسون لا غير؟ سؤال طرحه كثر خصوصاً بعد وصف ميل غيبسون بالمسيحي المتعصب والثائر على تعاليم الكنيسة وفي شكل خاص الرافض لإرشادات المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) الذي قضى بإدانة كل تأويل يجعل الشعب اليهودي المسؤول عن موت المسيح. اما إجابة ميل غيبسون فكانت النفي طبعاً على رغم تحفظاته عن بعض ما جاء فيه بحسب ما أعلن أمام بعض النقاد أثناء مشاهدتهم العرض الأولي للفيلم في أميركا.

كل هذه الضجة التي رافقت نزول الفيلم الى الصالات العالمية الاسبوع الماضي, رفعت من رصيد الفيلم واهتمام الجمهور العريض به, الى جانب شعبية ميل غيبسون والموضوع الديني المهم الذي يعالجه, ليحقق أكثر من 20 مليون دولار في أول يوم عرض له في الولايات المتحدة الأميركية ما يضعه في المركز الخامس في قائمة اكثر الافلام تحقيقاً لعوائد في يوم عرضه الاول. وفي احصاءات اكثر دقة قال بوب برني رئيس شركة "نيو ماركت فيلم", ان الفيلم الذي عرض يوم الاربعاء الماضي في اكثر من ألفي دار عرض في أميركا الشمالية ويصوّر آخر اثنتي عشرة ساعة من حياة المسيح جلب في أول يوم عرض 6,26 مليون دولار. الا ان مؤسسة "اكسبيتور ريليشنز" لتقويم عوائد الافلام قالت ان الرقم الذي قدمته "نيو ماركت" يتضمن 3 ملايين دولار عائدات عروض خاصة يومي الاثنين والثلثاء. وقالت الشركة انه اذا ما تم استقطاع الثلاثة ملايين دولار يبقى 6,23 مليون دولار.

والحال ان فيلم "آلام المسيح" فيلم تجاري لا يخلو من الرسالة. ونسمع ميل غيبسون نفسه يقول في احدى مقابلاته التلفزيونية: "ليس آلام المسيح تجربة سينمائية للناس بل تجربة حياتية لهم. أريد ان يفهم الكل حقيقة القصة, أريدهم ان يخوضوا تجربة حقيقية أريدهم ان يشعروا". وفي معرض الاجابة عن تجربة الاخراج التي خاضها في هذا العمل يقول: في ما يخص اخراج الفيلم, أظن انه كان أصعب مهمة أقوم بها في حياتي. إذ لم يتعلق الامر باعداد من الجياد والناس, بل بأشياء أكثر دقة كان عليها ان تحصل. ويتابع: "يستهلك الاخراج طاقة هائلة. اذ في نهاية النهار أكون قد استنزفت كل قواي بمجرد الحركة, فقط الحركة... مهمتي ان احافظ على رمق من الحياة... انه اختبار جسدي وعاطفي لي. هدفي ايصال رسالة لذا عليّ ان أهيئ للممثلين الجو الملائم, لا ان أفرض عليهم أوامري. تعلم في احيان كثيرة ترهق نفسك ولكن عليك ان تتراجع قليلاً وتدع الامور تجري وحدها وتثق بأنها ستحصل. "قصة المسيح" ذروة القصص البطولية لكل الجنس البشري".

وهكذا اذا ما عرفنا أثر القصة في نفس ميل غيبسون - هو المسيحي المؤمن - لا نعود نستغرب انتظاره أربعة عشر عاماً بلا ملل قبل ان يشرع اخيراً في تنفيذ الحلم الذي لاحقه كل تلك السنوات. حلم لم يكن ليصل الى ذروته لولا اصرار مخرجه على رسم الواقع في أدنى تفاصيله, باللغة المحكية في ذلك العصر, بالآرامية والعبرية واللاتينية... وفي هذا الاطار نسمع بطل الفيلم جايمس كافزيل يقول: "توجد أسرار كثيرة خلف اللغات وقد أراد ميل ان يأخذ المشاهد الى عالم آخر. وليس هذا ليبعدك بل ليجلبك أقرب الى عالم الحقيقة". مهما يكن من أمر, أراد ميل غيبسون في هذا العمل ان يمنح المشاهد شعوراً أقوى ويأخذه في رحلة الى الماضي قبل ألفي سنة ليروي لنا قصة من أجمل القصص البطولية التي عرفها على الاطلاق.

جريدة الحياة في

05.03.2004

 
 

حالة فريدة تشير إلى تعطش الجمهور إلى مشاهدة أشرطة روحية:

ملاحظات حول "آلام المسيح"

الطاهر الأسود

المشاهد العربي لا يستطيع الا ان يفطن للهوية المشرقية للمسيح وتعرضه للعذاب على يد متسلطين مدعومين من قوة كبرى.

في كلمة ومن دون إطالة فإن شريط ميل جيبسون الجديد "الام المسيح" شريط رائع بكل المقاييس. وأكثر من ذلك فإن مشاهدة الشريط في الولايات المتحدة الان تحولت الى حالة فريدة تشير الى تعطش الجمهور الامريكي الى مشاهدة أشرطة روحية وعميقة. ففي كثير من الاحيان يقضي جزء كبير من رواد "الام المسيح" أغلب فترات الشريط في بكاء وحتى نواح مسموع وكثيرا ما ينتهي الشريط بتصفيق طويل من قبل المشاهدين. وهي حالة لا يعرفها بدقة سوى من عاشوا حدث نزول شريط "الرسالة" للمخرج السوري الكبير مصطفى العقاد في قاعات السينما العربية بداية الثمانينات. ولا ترجع هذه الحرارة الخاصة تجاه الشريط الى عودة للمشاعر الدينية، فالتعلق بالدين في الولايات المتحدة، على عكس أوروبا، لم تكن أبدا ظاهرة محدودة او ضعيفة.

في البداية من الضروري ان نشير الى ان الإقبال الكبير الذي يشهده الشريط تجاوز أرقاما قياسية لأشرطة تجارية عديدة بما في ذلك شريط "سيد الخواتم" والذي تحصل على أغلب جوائز الاوسكار لاكاديمية الفنون أخيرا. وأصبح من الواضح انه لولا الصعوبة التي لاقاها جيبسون في الحصول على موزع لشريطه، وهو ما لم يتحقق الا بعد سنة كاملة من الموعد المتوقع لذلك، فإن "الام المسيح" كان سيفرض نفسه بقوة على مجلس إسناد الاوسكار التابع للاكاديمية. وبالرغم من ذلك فإن البعض يتوقع أنه رغم إنطلاق بثه في أواخر شهر فبراير/شباط أن يحصل على بعض جوائز السنة القادمة، بالرغم من ندرة حصول أشرطة تبث في هذا الوقت المبكر (خاصة فبراير) لجوائز الاوسكار للسنة القادمة.

وفي الواقع فإن الحملة التي قادها الصهيوني المعروف فوكسمان رئيس منظمة "مكافحة التشهير" والتي اعتبرت الشريط يروج "لمعاداة السامية" قد كان لها تأثير واضح في الاوساط الصناعية والتجارية والاعلامية في هوليود والتي تعرف نفوذا قويا للوبي اليهودي، وهو ما ساهم في تأخير ظهور الشريط على الشاشات وتوزيعه من قبل شركة "مستقلة" عن هوليود. وبالرغم من كل الدعاية المضادة—و في الواقع ربما بفضلها—فقد لقي ويلقى الشريط نجاحا منقطع النظير. بيد أن محتوى الشريط وأسلوبه ذاته قد كان له أثر كبير في جلب عدد كبير من المشاهدين.

ويتعرض الشريط بشكل خاص الى الساعات الاخيرة من حياة المسيح (مع بعض اللقطات الرجعية لإضاءة بعض الفترات من حياة المسيح قبل ذلك) والتي تسمى في الكتابات المسيحية بمرحلة "الالام" (The Passion)، وقد اتبع سرديا الروايات الواردة في الاناجيل الاربعة حول هذه المرحلة والتي تنقسم الى الاحداث التالية: خيانة يهوذا لعيسى (يشوع الناصري بالارامية) ورفاقه عندما أبلغ كهنة المعبد اليهود بهويته (رمزيا عندما قبله على خده قبلة الموت في حضور حراس المعبد) وبمكان وجوده في أطراف مدينة ايليا (القدس)، ثم جلب المسيح الى المعبد وإتهامه من قبل رؤساء المعبد بـ"الزندقة"، ثم مطالبة رئيس الكهنة الحاكم الروماني للمدينة بإعدام المسيح وتهديده بالثورة إن لم يستجب الحاكم الروماني لذلك، غير أن الاخير رفض النظر في المسألة بدعوى أن المسيح ليس من الناصرة وبالتالي هو خارج سلطته، ووجهه من ثمة الى الملك اليهودي المنصب قبل الرومان انذاك والذي رفض بدوره إصدار قرار بإعدام المسيح، ثم رجوع رؤساء المعبد مع جمهرة من مناصريهم الى الحاكم الروماني الذي أصدر في النهاية وبعد الضغط حكما بالجلد على المسيح، ثم حادثة الجلد الوحشية، ثم إصرار الكهنة مرة أخرى على إعدام المسيح من خلال الصلب بالرغم من جلده بقسوة وموافقة الحاكم الروماني على ذلك، ثم حمل المسيح للصليب وتوجهه خارج مدينة القدس لصلبه، وثم عملية الصلب، وأخيرا عملية "البعث" بعد الموت كما يؤمن المسيحيون.

غير أن قوة الشريط لا تكمن في اعتماد نص سردي معروف كأساس للسيناريو بل في عمله على إعادة تصوير الوقائع بشكل مؤثر او تعبيري (ذي صبغة مسرحية أساسا) غير مسبوق وتم إستعمال تقنيتين لتحقيق ذلك: المؤثرات المرئية والسمعية ذات التقنية العالية والذوق الرفيع (خاصة في إختيار موسيقى ذات طابع مشرقي تذكرنا كثيرا بموسيقى فرقة "رم" الأردنية) وإستعمال اللغتين الارامية (بالنسبة لأغلب الشخوص) واللاتينية (بالنسبة للشخوص الرومان) كأساس لغوي للشريط (دبلجة الشريط بالانجليزية تظهر كتابيا فقط في أسفل الشريط). وهو ما يجاري جزءا من المخيال المسيحي ولكن أيضا وخاصة يبرز بعض المظاهر الواقعية التي تم طمسها عبر الزمن بفعل التمركز المسيحي في اوروبا، الذي غيب عن أذهان الكثيرين الهوية "المشرقية" للمسيح. وقد حققت التقنيات الالكترونية حيلا مرئية لم يكن من الممكن في السابق تحقيقها غير أنها أضفت طابع شديد الواقعية على الشريط، وتجسد ذلك خاصة في مشهدي الجلد والصلب حيث يبدو جسد المسيح كأنه يتعرض بالفعل للتعذيب والجلد والصلب، وهو ما يمرر الدرس الأساسي وراء هذه المرحلة: صمود المسيح وتحمله العذابات الشديدة. وبالفعل فقد حقق المخرج مبتغاه، ويمكن ان تسمع في القاعات السينمائية تأوهات المشاهدين في مثل هذه المشاهد. من جهة أخرى –و كمشاهد عربي—فلا يمكن عدم التفطن والشعور بالهوية "المشرقية" للمسيح، فإستعمال اللغة الارامية أبرز بشكل خاص القرابة القوية لهذه اللغة مع اللغة العربية. ومن المعروف حسب الدراسات الألسنية خاصة منذ القرن التاسع عشر أن الارامية بوصفها جزءا من اللغات التي كانت سائدة شمال الجزيرة العربية وتحديدا في منطقتي الجزيرة (شمال العراق) والشام كانت مصدرا أساسيا لتطور ما يسمى بـ"العربية الشمالية" (مقابل عربية الجنوب أي اليمنية). وفي الواقع فإن الاستماع الى هذه اللغة يشير بشكل قاطع الى أهمية اللغة الارامية في نشأة اللغة العربية، حيث لا يتعلق الامر بتشابه بعض الكلمات المعروفة (مثل إلهي وربي) بل يتجاوزه ليشمل حتى الاسلوب وتركيب الجمل. فالاستماع الى الحوار في هذا الشريط خاصة بالنسبة للمشاهد العربي لا يمثل متعة خاصة فحسب بل يعبر عن واقعية كبيرة في تشخيص تلك المرحلة. ويعبر ذلك عن قوة شخصية لافتة للمخرج لإقدامه على مثل هذه الخطوة الشجاعة والذي شارك بدوره في كتابة السيناريو، إضافة الى المجهود الخاص للممثلين الذين بذلوا مجهودا كبيرا لتحقيق هذا الهدف.

ويبدو موضوع كيفية تصوير اليهود الموضوع الأساسي الذي أثار الكثير من النقاش (في أغلبه متوتر خاصة من جانب المنظمة المتصهينة "مكافحة التشهير"). وفي الواقع فبرغم حرص جيبسون في شريطه على تحميل مسؤولية صلب المسيح الى رؤساء المعبد اليهود، فإنه عمل على تضمينه كثيرا من الإشارات التي يقصد منها عدم تحميل اليهود بشكل جماعي لهذه المسؤولية. فقد أشار الى رفض بعض رؤساء المعبد محاكمة المسيح، كما أشار الى عدد من اليهود الذين تعاطفوا مع المسيح. وفي الواقع فإنه من الصحيح من حيث المبدأ التخوف من إعادة إثارة هذه المرحلة من حياة المسيح، فقد استغلت الكثير من العقول المسيحية المتعصبة، منذ التاريخ القديم حتى القرن الأخير مرورا بعصر الظلمات في أوروبا المسيحية، الرواية المسيحية المتعلقة بتورط رؤساء المعبد اليهود في صلب المسيح في تعميم هذا الاتهام على جميع اليهود وهو ما شكل الأساس لظهور ظاهرة "معاداة السامية" في التاريخ الاوروبي، والتي كانت شبه غائبة في التاريخ العربي الاسلامي، حتى أن اليهود والى حد الان يعتبرون أن عصورهم الذهبية كانت في ظل الحكم الاسلامي خاصة في الأندلس. غير أن الشريط لا يستهدف بالنسبة الى مشاهد مسيحي هذه الفكرة وإنما يعمد أساسا الى إعادة تصوير مشاهد الالام، في وقت تجاوز فيه المجتمع الامريكي بشكل كبير (باستثناء بعض المناطق النائية في وسط وجنوب الولايات المتحدة) مشاعر "معاداة السامية".

ويبدو أن ردة فعل الأطراف الصهيونية على الشريط ترجع الى أسباب أخرى غير التعرض لرؤساء المعبد. فمن الواضح كما أشرنا أعلاه أن الشريط يصور تقريبا المسيح كشخص "مشرقي" تعرض للاضطهاد من قبل متسلطين يهود بدعم قوة كبرى (روما)، وهو في الواقع ما يستثير صورا موازية لدى أولائك المتعلقين بالصراع العربي الصهيوني. وفي تجربتي الخاصة كمشاهد للشريط فإن التفكير في الإضطهاد الصهيوني لعرب فلسطين كان في الواقع شديد الحضور في ذهني عند مشاهدتي للشريط، وهو ما لم أتوقع حدوثه، وهو كذلك ما جعلني أفهم تخوف منظمة "مكافحة التشهير" من عرضه. لكن ليس من الواضح إن كان المشاهد الامريكي قادرا على تلقف هذا المعنى، خاصة أن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية تتجنب عرض مشاهد تبرز المجازر الحالية التي بصدد إرتكابها الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي المحتلة.

ويبقى الان من غير الواضح أين سيعرض الشريط بالاضافة الى الولايات المتحدة، وإذا تحقق ما راج أخيرا عن توزيع المنتج التونسي طارق بن عمار للشريط في أوروبا، فإن إمكانية عرضه في القاعات العربية تصبح شديدة الاحتمال. وسيكون ذلك فرصة جيدة للإطلاع على منتجات إيجابية للولايات المتحدة، فليس كل الانتاجات الفنية الامريكية تجارية كما يعتقد البعض، وفي الجانب السينمائي هناك حركية فنية كبيرة وكثيرا من الأشرطة الراقية فنيا يتم إنتاجها سنويا، وقد وقع منح بعضها جوائز في حفل الاوسكار الأخير (مثل شريط "ضائع في الترجمة" لصوفيا كوبولا ابنة المخرج الكبير فرانسيس كوبولا، وشريط "مستيك ريفير" للمخرج كلنت ستود وبطولة الفنان الرائع والإنساني شون بن) لكن للأسف لا يوزع العرب على قاعاتنا السينمائية سوى الأشرطة التجارية ذات المستوى الفني المتوسط. ونأمل ألا يعترض البعض على عرض الشريط عربيا لأنه أداة لـ"التبشير المسيحي"، فهذا الشريط بالذات يؤكد على فكرة لا يجب أن ننساها كمسلمين، وهي أن عيسى بن مريم هو شخصية مقدسة مثله في ذلك مثل كل الرسل والأنبياء الاخرين. ثم أننا لا يجب أن ننسى أنه شخصية "مشرقية" تربطنا به روابط ثقافية أخرى، وهو الأمر الأكثر وضوحا بالنسبة لأي مشاهد عربي لهذا الشريط، على عكس الصورة التي طالما عرضتها الكنيسة في أوروبا المسيحية والتي كثيرا ما صورت المسيح بملامح شقراء وبروح لاتينية، وهو ما شكل أحد العناصر الاساسية للنزعة الأوروبية المركزية والتي تواصلت مع الفترة الاستعمارية. وبالتالي لا يجب أن تصدر لنا هذه الرؤية المغلوطة والمقلوبة مشاعر التخوف من المسيحية، كأنها تهديد للاسلام، فقد عاش إخوتنا العرب المسيحيين معنا ومنذ سنوات الفتح الأولى علاقة تعايشا فريدا، أثرت الجوانب الادارية والثقافية والاقتصادية للدولة الاسلامية المبكرة. وقد كان ذلك التوجه نحو التقارب أحد أسرار نجاحها وانتشارها ومن ثمة استيعاب مجموعات سكانية غير مسلمة ضمن ثقافة كثيرة التجانس.

  • الطاهر الأسود، باحث تونسي يقيم في الولايات المتحدة

ميدل إيست أنلاين في

05.03.2004

 
 

الساعات الأخيرة من حياة الناصري كما رأها ميل جبسون:

مشاهد أشد هولاً من أفلام الرعب

وخطة تسويقية ذكية لإحتواء غضب اليهود

جورج حايك

ليست المرة الاولى التي يتصدر فيها "يسوع المسيح" السينما الاميركية، فهو الشخصية والحدث الاكثر جدالا في التاريخ الانساني واللاهوتي. لكنها المرة الاولى التي تركّز فيها هوليوود على آلام المسيح بل على الاثنتي عشرة ساعة الاخيرة من حياته. لذا لم يكن مستغربا ان يحقق فيلم  PASSION OF CHRIST  للمخرج الاوسترالي ِمِل غيبسون ما حققه قبل عرضه وبعده.

فقد اثار "زوبعة" جدال قبل اربعة اشهر ولاسيما من اليهود الذين اتهموا مخرجه باذكاء معاداة السامية. وتم تخصيص اربعة آلاف صالة سينما لعرضه بدلا من 2500 كما كان مقررا في اميركا الشمالية، وحقق في عرضه الاول اكثر من 25 مليون دولار. وها هي صالات امبير اللبنانية تستعد لاستضافة الفيلم ابتداء من الاسبوع الثاني من آذار كما هو متوقع.

لكن بعد مشاهدة الفيلم في عرض خاص، لا يمكننا الا ان نعترف بأننا نسينا كل الارقام والحسابات وما يحققه الفيلم على شباك التذاكر، لأن المخرج غيبسون الكاثوليكي المحافظ نقل الينا بعدسة ذكية ومؤثرة ما سعى الى تخيله الملايين من اتباع المسيح واعدائه على مدى الاجيال، عن آلامه، وبدت لنا المشاهد اكثر واقعية وصدقا اكثر من اي مشاهد في فيلم آخر عن المسيح.

(من الضروري ان يرافق عرض الفيلم ارشاد يحذّر المشاهدين غير المهيئين لتلقي مناظر الدم والعنف الجسدي).

ما الذي سعى اليه مِل غيبسون حقا عبر تقديم آلام المسيح في هذه القسوة؟ هل لتمجيد الدور التاريخي وجانب الالوهة ام "أنسنة" السيرة؟ ألسنا امام نوع من تجديد الاتهام لليهود الذين حكموا على يسوع الناصري بخبث مبطن؟

اسئلة كثيرة وجوهرية لأن الامر يتعلق بمعنى روحي وديني كبير تناولته السينما مرارا وفي رؤى عدة متفاوتة لمخرجين اميركيين وفرنسيين وسواهم، وما كان لرؤية غيبسون ان تضيف شيئا لولا تصويره آلام المسيح بهذه الحقيقة والجدية، لمنح الفيلم صدقية تاريخية على الاقل. لكن متتبعي المخرج غيبسون لديهم اجوبة عن كل الاسئلة. فالمخرج منصهر في الايمان الكاثوليكي ويعيش هواجس الخطيئة والتطهير، واراد لملايين المشاهدين ان يحيوا معه هذه التجربة عبر تصويره الساعات الاخيرة من حياة يسوع الناصري. ولعل الفيلم جاء استكمالا لانفاقه 2.5 مليون دولار على بناء كنيسة في ماليبو، اضافة الى تربيته الدينية الرصينة لأولاده السبعة، مما قاده الى خوض مغامرة هذا الفيلم الذي يمتد نحو ساعتين وعشر دقائق. اعتمد غيبسون على روايات الانجيليين الاربعة: متى، مرقص، لوقا ويوحنا. لكنه لم يكتف بذلك، بل دمجها برؤى الراهبتين ماري الاغريقية من اسبانيا وآن كاترين ايميرش من فرنسا. نحن في البستان. يسوع يتأوه كأنه يتألم من ضغط حمل ثقيل، نشاهده يتأمل في فداحة الثمن الذي عليه ان يدفعه لفداء الانسان. وهو من شدة عذابه يتشبث بالارض الباردة، كأنه يحاول ان يمنع نفسه من الابتعاد عن الله اكثر. كان خائرا ومنهكا، صار عرقه كقطرات دم متساقطة على الارض. اشجار السرو والنخل كانت شاهدة صامتة لآلامه وعذاباته، ومن بين اغصانها واوراقها تسقط بعض قطرات الندى الثقيلة على جسمه المحطم، كما لو ان الطبيعة تبكي خالقها الذي كان يصارع قوات الظلام وحده! هكذا يبدأ فيلم "آلام المسيح" ويلتزم المنتج غيبسون ترتيب الحوادث كما وردت في الكتاب المقدس، يتخللها "فلاش باك" تأملات ليسوع في ابرز محطات حياته من حين الى آخر، كمحرك اساسي كان يمنحه القوة والشجاعة لمتابعة ما كتب له. وتتوالى المشاهد. فأتى رجال الدين اليهود والرعاع والقوا القبض عليه، ساقوه في ذلّ واحتقار الى حنانيا ثم قيافا، بعدها الى بيلاطس، الى هيرودس فبيلاطس مجددا، خاضعا بملء ارادته وارادة ابيه ان يلقى شتى انواع الاهانات والسخرية. ضُرب ولطم ثم جلد مرتين. وطوال ساعات تلك المحاكمة الزائفة والمهينة ظل ثابتا، الا انه سقط مغشيا حين انهكه حمل الصليب. مع ذلك، كان ينظر الى مضطهديه بحنان ورقّة. ويستطيع المشاهد ان يحصي 270 جلدة على جسد المسيح في مشهد طويل دام 20 دقيقة في القسم الاول من الفيلم، حتى تكاد تكون اللقطات اشد هولا من مشاهد افلام الرعب. وبعض النقاد اتهموا غيبسون بالمبالغة في تصوير ضراوة التعذيب واراقة الدماء بدون مبرر احيانا، مفترضين ان يكون الهم الاساسي اظهار فكرة الفداء فحسب، التي يمكن ان يفهمها الناس بدون وحشية ومشاهد تقترب من العنف المجاني. الا ان رد غيبسون كان حازما وواضحا: "ان ابن الله الذي لا عيب فيه، علّق على الصليب وتمزق جسمه من اثر الجلد، واليدان اللتان امتدتا لمباركة الناس، سمّرتا على الصليب الخشبي. والقدمان اللتان سارتا خدمة للمحبة، دقت فيهما المسامير التي نفذت الى خشبة الصليب. وذلك الرأس الملكي وخزه اكليل الشوك، والشفتان المرتعشتان صرختا من الالم والويل. كل ما احتمله يسوع الناصري، من قطرات الدم المتساقطة من رأسه ويديه وقدميه، الى الالم الذي اكتنف جسمه، لم يغير عذوبة نفسه، بل يحكي عن حقيقة واحدة: المسيح قدم نفسه ذبيحة على الصليب حبا بنا. انه حامل خطايا العالم".

لكن هوس مِل غيبسون في جعل الفيلم اكثر واقعية، دفعه الى خلق ظروف آلام مشابهة للممثل جيم كافيزيل، وعرّضه لبعض العذابات والاخطار كي يشعر بقليل مما عاناه يسوع الناصري. لذا حمّله صليبا ثقيلا وعرّضه لبعض اللكمات واللطم والركل في اجواء باردة وجليدية، مما اصاب كافيزيل ببعض الجروح والرضوض الحقيقية. "كان اختبارا قاسيا لكنه ضروري، ولولا تلك الاجواء لما بدت المشاهد حقيقية الى هذا الحد"، على حد قول كافيزيل.

الى تمرين الممثل على مشاهد العذاب والآلام، حرص غيبسون على ان يكون الفيلم ناطقا بالآرامية، لغة المسيح الاصلية واللاتينية احيانا التي كانت اللغة الرسمية في الامبراطورية الرومانية. واختار المخرج احد المواقع القديمة في اقليم ماتيرا في جنوب ايطاليا لتصوير فيلمه وصمم ديكورات معينة لخلق اورشليم القديمة وسط طبيعة مشابهة ترافقها موسيقى حزينة ومفجعة بالالم والنوح واللهث، عززت جانب التأثير الدرامي والانفعالات المتوالية. وافلح مرارا في التفنن بلعبة الضوء والكادر والالوان والزوايا والاتكاء على الحضور الدرامي المؤثر للقاءات المسيح مع والدته مريم (مايا مورغنسترن) او مريم المجدلية (مونيكا بيللوتشي).

من جهة اخرى، كان غيبسون يعرف سلفا ان الفيلم لن يمرّ على خير لأن موضوعه حيوي. وبالفعل فجّر جدالات كانت تناقش في الخفاء واكثرها حساسية ما اثاره اليهود بأن المخرج يحاول اذكاء معاداة السامية. لكن غيبسون البارع استخدم خطة تسويقية ذكية، استهدفت الطوائف المسيحية الاميركية. وحصلت شركة انتاج غيبسون "ايكون بروداكشنز" على دعم كنائس عدة بعدما فضّل الاعتماد على المبشرين اكثر من الاعتماد على الاعلانات التجارية التقليدية. هكذا حمى نفسه ونال ثقة الفاتيكان الذي وصـف الفـيلم "بالحـقيقي والواقـعي"، قاطـعا الطريـق امـام اتهامات اليهود ومتسلحا بكلام قيافا متحديا بيلاطس البنطي: "دمه علينا وعلى اولادنا".

واكثر من ذلك، احاط غيبسون نفسه برجال دين، ابرزهم الكاهن جان شارل - رو الذي رافقه طوال ورشة تصوير الفيلم. فكان يقيم له القداديس ويسمع اعترافاته، ويقدم له الارشادات اللازمة والتفسيرات اللاهوتية.

في منأى عن الجدال الذي يزرعه المغرضون هنا وهناك حول مضمون PASSION OF CHRIST ثمة ما هو فاعل وآسر وقوي في الجانب المشهدي، وثمة ما هو ضخم الاحياء والامانة التاريخيين وما هو مدهش التنفيذ والبراءة الاخراجية، وحضور يسوع المسيح المقدس حاضر في الاذهان، بكامل هالته، الاكثر التزاما بقضية الانسان وخلاصه.

دليل النهار البنانية في

05.03.2004

 
 

الأهرام العربي في دور العرض بأمريكا:

"آلام المسيح"

دماء وعذاب ومسامير!

خالد داود

الجرح الذي داس عليه ميل جيبسون بكل ثقله في فيلمه الأخير آلام المسيح فجر صداعا في الضمير الأمريكي‏..‏ الذي تخيل أنه من الممكن بقرار نسيان أصداء صرخات اليهود الغاضبة لبيلاطس النبطي‏:‏ اقتله‏..‏ ودمه علينا وعلي أولادنا‏!! والمشكلة الحقيقية‏..‏ تكمن في أن اليهود قد ارتكنوا إلي السحب الضبابية للنسيان المسيحي بعد أربعين عاما من صدور قرار المجلس الكاثوليكي بتبرئة اليهود من دم السيد المسيح‏,‏ وأن خروج فيلم يحمل آخر‏12‏ ساعة في حياة المسيح يعيدهم إلي نقطة الصفر‏..‏ ويضعهم أمام مرايا القاتل والمقتول‏..‏ ومشهد الدم الذي لا يريد اليهود أن يتحملوا لونه وتجلطه علي أيديهم ووجوههم بعد أكثر من‏2000‏ سنة‏.‏

ومن هنا يمكننا أن نفهم السر وراء صرخات يهود القرن الحادي والعشرين‏:‏ لا دمه علينا ولا علي آبائنا‏..‏ ولا الجغرافيا ولا التاريخ ولا المسامير ولا تيجان الشوك شهود عدل علينا‏..‏ وأن الوحيد الذي تعرض للصلب‏,‏ هو كل يهودي دخل محارق النازي‏!! لكن المثير‏..‏ أن هذا الفيلم الذي أعاد من جديد فتح ملف الفتنة المؤجلة بين المسيحيين واليهود‏..‏ قد اكتسب أبعادا أوسع من مجرد كونه عملا فنيا‏..‏ يؤرخ لحقائق تمثل في ذاتها أهم أركان الإيمان المسيحي في كل أنحاء العالم‏..‏ ذلك أن اليهود بصراخهم وعويلهم الذي سبق عرض الفيلم في فبراير الماضي في وقت تزامن مع الصوم الكبير لدي المسيحيين في العالم‏..‏ قد حولوا القضية من جدل تاريخي إلي جدل سياسي‏!!‏
وعلي أبواب أكثر من‏3‏ آلاف دار للعرض السينمائي في طول الولايات المتحدة وعرضها‏..‏ أثار الفيلم الذي يستغرق زمن عرضه ما يزيد قليلا علي ساعتين‏..‏ نقاشات حامية بين الناخبين الأمريكيين‏..‏ وأغلبهم من المسيحيين البروتستانت‏..‏ وهم مجموعة ذات قدرة إنفاق تقدر بمليارات الدولارات ويمثلون عشرات الملايين من الأصوات الانتخابية‏..‏ وعلي باب إحدي دور العرض صرخت امرأة مسيحية في وجه مواطنة يهودية كانت تنتقد الفيلم بهيستيرية بقولها‏:‏ امنحونا فرصة لمشاهدة
الفيلم‏..‏ لنعرف من كان المسيح ونعرف تاريخنا‏!!‏

هذه النقاشات‏..‏ دفعت بعض المراقبين السياسيين للقول بأن هذا الفيلم لم يكن سوي أسفين تم دقه بعناية في علاقة بوش وإدارته باليهود‏..‏ وأن توقيت عرضه في أوج اشتداد الحملة الانتخابية لبوش طلبا لفترة رئاسة ثانية‏,‏ يعد في حد ذاته إحراجا للرئيس الذي شاهد الفيلم ورفض أن يعلق عليه‏..‏ واكتفي بالسكوت‏,‏ الذي هو عند اليهود بالذات‏..‏ علامة الرضا‏!!‏

لكن ما يعنينا هنا ـ وبالذات بعد أن دخلت الأهرام العربي قاعة السينما وتابعت تفاصيل الفيلم وأجرت حوارا خاصا مع ميل جيبسون ـ هو أن هذا الحدث الفني قد أسهم إلي حد كبير في إعادة صياغة ملف صراع الشرق الأوسط‏..‏ إذ أن اليهود منذ العرض الأول للفيلم وحتي وقت كتابة هذه السطور‏,‏ يراهنون علي موقف ما من الإدارة الأمريكية‏,‏ يرفع عنهم الروائح الكريهة لأزمنة الاضطهاد المزعومة‏,‏ في وقت تتصاعد فيه روح العداء لليهود في أماكن متفرقة من العالم علي خلفية صلب الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة‏..‏ كل يوم‏!!‏

لم تكن دار السينما التي شاهدت فيها عرض فيلم آلام المسيح ممتلئة حتي آخرها‏,‏ ولم تكن الطوابير ممتدة لساعات علي عكس توقعاتي بعد كل ما صاحب الفيلم من جدل ودعاية مجانية لم ينلها أي فيلم آخر يصنف في النهاية في خانة الأفلام الدينية‏.‏ كما لم تكن هناك مظاهرات من قبل معارضي الفيلم من اليهود الأمريكيين الذين رأوا فيه إحياء لفتنة لعن الله من أيقظها حيث يعيد وبشكل مباشر اتهام اليهود بقتل المسيح عليه السلام وهو أحد الاتهامات المحورية التي اعتمدت عليها حركة معاداة السامية في أوروبا منذ القرون الوسطي وحتي المذابح النازية في الحرب العالمية الثانية‏.‏

ربما ستصدق توقعات بعض النقاد السينمائيين الأمريكيين أن الفيلم الذي أنتجه وآخرجه الممثل المعروف ميل جيبسون سيحقق نجاحا لن يدوم طويلا في شباك التذاكر بعد أن ينجح في تحقيق أرباح كبيرة في البداية‏,‏ وستخبو سريعا الزوبعة التي أحاطت به بعد أن يشاهده من يمكن وصفهم بجمهور المتدينين والذين لا يمكن الاستهانة بهم هنا في الولايات المتحدة‏,‏ بينما ستحتفظ الكنائس بنسخ عديدة منه في مكتباتها لعرضها علي جمهورها وذلك للتأكيد علي أحد الأركان الأساسية في جوهر العقيدة المسيحية‏,‏ وهو أن صلب المسيح وكم المعاناة والعذاب الهائل الذي مر بهما كان من أجل أن يتم غفران كل ذنوب البشرية‏,‏ وبالتالي فإن الإيمان به وما دعا إليه من مباديء تدعو لمحبة الأعداء والدعاء لهم بالمغفرة حتي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة هو أقل ما يمكن القيام به عرفانا لكل هذه الآلام‏.‏

وبالتالي فالرسالة في فيلم آلام المسيح الذي بدأ عرضه يوم‏25‏ فبراير في نحو ثلاثة آلاف دار عرض وحقق أرباحا تصل إلي‏20‏ مليون دولار في يومه الأول‏,‏ مزدوجة‏:‏ الجزء الأول منها هو ذلك الذي أزعج كثيرا الجماعات اليهودية الأمريكية وذلك في تناوله التاريخي للسؤال الذي تبقي الإجابة عنه غير محسومة حتي الآن‏:‏ من قتل المسيح؟ اليهود أم الرومان؟ وفي هذا المجال وردا علي الانتقادات الواسعة التي تعرض لها الفيلم قبل أسابيع طويلة من عرضه من قبل المنظمات اليهودية الأمريكية‏,‏ وافق جيبسون علي تقديم بعض التنازلات من قبيل إلغاء مشهد يردد فيه المسيح إحدي الآيات الواردة في إنجيل متي والتي يشير فيه إلي أن مسئولية مقتله ودمائه ستبقي تلاحق من قتلوه وأبناءهم‏,‏ وذلك في إشارة واضحة إلي اليهود‏,‏ وكان القائمون علي الفيلم قد سعوا إلي التوصل إلي حل وسط بأن يتم الإبقاء علي المشهد ولكن دون ترجمة الجملة من الأرامية إلي الإنجليزية‏,‏ ولكن النسخة النهائية التي تم توزيعها علي دور العرض خلت تماما من هذا المشهد‏.‏

وفيما يتعلق بالجدل التاريخي الخاص بتحديد الطرف المسئول عن مقتل المسيح‏,‏ اكتفي جيبسون بالتصريح في عشرات اللقاءات التليفزيونية التي قام بها بأنه ملتزم حرفيا بما ورد في الإنجيل‏,‏ وذلك تعبيرا عن آراء الطائفة الكاثوليكية المتشددة التي ينتمي لها والتي تتبني هذا الموقف‏,‏ وكان انتماء ميل ووالده هاتون جيبسون إلي هذه الطائفة المسماة بالكنيسة الكاثوليكية الحقيقية من ضمن الأسباب التي أدت إلي تصعيد الهجوم علي فيلم آلام المسيح من قبل أتباع القيادات الدينية لليهود الأمريكيين وقيامهم بتنظيم العشرات من المؤتمرات الصحفية والندوات وذلك للرد علي ما قالوا إنه لما يحتويه من مغالطات خطيرة‏,‏ فوالد ميل جيبسون معروف بآرائه الموصوفة بمعاداة السامية حيث ينكر إصرار اليهود علي أن النازيين قتلوا ستة ملايين يهودي إبان الحرب العالمية الثانية فيما يعرف بالمحرقة أو الهولوكوست ويصف هذا الأمر بأنه معظمه خيال‏.‏ وقال في مقابلة أجراها أخيرا مع أحد محطات الراديو المحلية‏:‏ إنهم يدعون أنه كان‏2,6‏ مليون يهودي في بولندا قبل الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب كان هناك‏200‏ ألف ولذلك لابد أن يكون هتلر قد قتل ستة ملايين منهم‏.‏

ولكنهم ببساطة كانوا قد تركوا المكان‏,‏ ورحلوا لقد كانوا يملئون المكان هنا في برونكس وبروكلين نيويورك وسيدني ولوس أنجليس‏,‏ ويردد هاتون جيبسون تلك المقولات العنصرية من قبيل أن اليهود يسعون إلي السيطرة علي العالم وإقامة امبراطورية يقومون هم برئاستها‏,‏ وكل هذه الآراء خطايا لا يمكن غفرانها بالمعايير الأمريكية‏.‏

ورغم أن ميل جيبسون شخصيا كان يؤكد في لقاءاته التليفزيونية أنه ليس معاديا للسامية وأنه يؤمن بحجم ما تعرض له اليهود من معاناة علي مدي تاريخهم وكذلك المذابح التي تعرضوا لها علي يد النازيين‏,‏ فإنه رفض إدانة التصريحات التي أدلي بها والده‏,‏ وقال إنه يحبه وسيبقي مخلصا له‏,‏ وتؤمن الطائفة الكاثوليكية التي ينتمي إليها جيبسون بخطأ ما يعرف بالإصلاحات التي قامت بها الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان في الستينيات‏,‏ ومن ضمنها تبرئة اليهود من دم المسيح‏,‏ وكذلك السماح بإقامة القداس بلغات أخري أجنبية عدا اللاتينية‏,‏ ويؤمن أتباع هذه الطائفة بأن هذه الإصلاحات كانت نتيجة لمؤامرة بين اليهود والماسونيين من أجل الاستيلاء علي كنيسة الفاتيكان‏.‏

وردا علي انتقادات اليهود بأنه قدم رواية تاريخية خاطئة بتحميلهم مسئولية صلب المسيح وأن الذي اتخذ القرار بصلبه هو الحاكم الروماني بيلاطس النبطي المعروف بدوره بوحشيته وارتكابه لمذابح قام فيها بصلب الآلاف من اليهود والمتمردين‏,‏ فإن جيبسون يعود للتمسك بمقولة إنه ملتزم بما ورد في الإنجيل والذي يبدو بوضوح أن قراءته له تحمل اليهود هذه المسئولية التاريخية‏.‏ فالفيلم يبدي تعاطفا واضحا مع الحاكم الروماني الذي بدا مترددا حتي اللحظات الأخيرة في اتخاذ قرار صلب المسيح‏,‏ ويظهر منذ البداية أن قرار صلبه تم بناء علي ضغوط من كبار حاخامات اليهود الذين اتهموه بالهرطقة والإدعاء بأنه جاء لإنقاذ البشرية‏.‏

ومن ضمن الأمور التي اعترضت عليها القيادات الدينية اليهودية الأمريكية أن الفيلم يصور الجموع اليهودية علي أنهم أشرار ومتعطشون للدماء‏,‏ وذلك من خلال مجموعة من المشاهد القريبة‏closeups‏ علي وجوه الحاخامات والجموع التي تظهرهم بالفعل كذلك‏,‏ ولكن جيبسون ينكر هذه التهمة‏,‏ ويقول إن الفيلم يظهر كذلك عددا من الحاخامات الذين اعترضوا علي صلب المسيح ولكن تم استبعادهم من قبل كبير الحاخامات والمقربين منه‏.‏ كما أن اليهودي الذي قام بمساعدة المسيح في حمل الصليب وتحمل المشقة معه بعد أن تهاوت قدرته علي السير من فرط التعذيب انتهي به الأمر بالتعاطف معه وإعلانه لاعتراضه علي صلبه‏.‏

أما الجزء الأكبر من آلام المسيح فهو ديني محض من المنظور المسيحي‏,‏ وذلك بالتركيز علي قضية صلب المسيح وحجم العذاب والآلام اللذين مر بهما علي مدي الاثنتي عشرة ساعة الأخيرة في حياته‏.‏ ولهذا السبب قامت المئات من الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية بتنظيم عروض خاصة للفيلم حتي قبل البدء في عرضه علي المستوي الجماهيري‏.‏ كما تقوم هذه الكنائس بشراء المئات من التذاكر ودعوة أتباعها إلي الذهاب لمشاهدته واصطحاب الأصدقاء معهم في استخدام واضح للفيلم في أغراض تبشيرية وأملا في إحداث صحوة دينية في بلد لايزال الدين يلعب فيه دورا شديد الأهمية مقارنة بأوروبا‏.‏ وأثناء مشاهدة الفيلم‏,‏ سمعت بوضوح الرجل الضخم الجالس بجواري وهو يبكي بحرقة بينما انهمك آخر في الصلاة بعد أن انتهي العرض بينما هو مغلق عينيه في خشوع عميق‏,‏ وفي الطريق إلي الخارج رأيت سيدتين لم تستطيعا تمالك نفسيهما وكانتا منهمرتين أيضا في البكاء‏,‏ ولذلك لم يكن من المستغرب أن تنقل الصحف أن سيدة توفيت بالسكتة القلبية بعد مشاهدتها للفيلم في يوم عرضه الأول من فرط تأثرها بما رأته‏.‏

وإذا كان قادة الكنائس المسيحية الذين رحبوا بالفيلم يعتمدون علي تعاطف المشاهدين علي حجم المعاناة التي تعرض لها المسيح‏,‏ فإنه في الواقع كان سلسلة من الآلام المتصلة والمهولة والدماء والعنف علي مدي ما يزيد علي ساعتين جعلتني في النهاية أشعر بأنني ملتصق بالكرسي الذي كنت أجلس عليه في دار العرض غير قادر علي الحركة وكأنني شخصيا تعرضت لضرب مبرح‏,‏ فالفيلم وبعد دقائق قليلة من بدايته هو عبارة عن سلسلة متواصلة تقريبا من عملية تعذيب مريعة تنتهي بصعوده روح المسيح وهو علي الصليب‏,‏ وربما تكون أحد المشاكل الأساسية التي رآها النقاد في آلام المسيح هي الإفراط في مشاهد العنف والدماء والتعذيب وهو ما جعل المسئولين عن العرض يصنفونه من ضمن الأفلام التي لا يمكن رؤيتها سوي لمن هم دون الثامنة عشرة‏.‏ وباستخدام المؤثرات الصوتية وأسلوب العرض البطيء‏slowmotion‏ نري السياط وهي تلهب ظهر السيد المسيح وتقطع في لحمه‏.‏ وعندما يعود للوقوف من جديد بعد أن يتمكن من رؤية والدته السيدة مريم‏,‏ يقوم الجنود الرومان باستخدام نوع آخر من السياط به أطراف مدببة نراها وهي تلتصق بجسده لتقتطع أجزاء من لحمه‏,‏ ولتنتشر الدماء في وجوه الجنود الذين لا يريعهم ذلك ولا يتوقفوا عن الضرب‏.‏ وبعد أن ينهك الجنود التعب ويتوقفوا للحظات‏,‏ يعودوا ليقلبوا المسيح علي ظهره بعد أن ألهبوه بالسياط‏,‏ وليبدءوا في ضربه علي بطنه وصدره ورأسه وسط سيل لا يتوقف من الدماء والمناظر القريبة للسياط وهي تهوي علي عينيه وجبهته لتنفجر منها المزيد من الدماء‏.‏ ولكن كل ذلك يهون بالطبع عندما تبدأ طقوس عملية صلب المسيح وحمله للصليب في مسيرة طويلة وشاقة يتعرض خلالها للمزيد من الضرب بالسياط والإهانة والقذف بالحجارة والبصق حتي يصل إلي قمة الجبل حيث يتم صلبه‏.‏ وكم كانت هذه المشاهد قاسية وصعبة للغاية‏,‏ وخاصة مشهد دق المسامير في يدي ورجلي المسيح‏,‏ فالمشاهد يري المطرقة الحديدية الضخمة تهوي علي المسمار بينما هو يستمع إلي صوت الدقات بطيئة ومنتظمة ـ بلغت خمس أو ست في كل يد ـ ويستمع كذلك إلي صوت العظام وهي تنكسر‏.‏ ويفرط جيبسون في هذا المشهد حيث تتواصل دقات المطرقة لنري المسمار الضخم وهو يخترق الصليب من الجهة الأخري بينما تتساقط قطرات الدماء من يد المسيح‏.‏ وفي المشهد التالي يتم قلب الصليب بينما المسيح معلق عليه لكي يتم ثني المسامير من الجانب الآخر مع تواصل تساقط قطرات الدماء‏.‏

وبغض النظر عن أي آراء سياسية أو دينية تتعلق بالفيلم‏,‏ فهو إنتاج ضخم بذل فيه جيبسون مجهودا فائقا في تحريك المئات من الجموع والعناية بجميع التفاصيل الخاصة بإطاره التاريخي بما في ذلك الإقدام علي مخاطرة غير مسبوقة في الأفلام الأمريكية وهي أن يكون الحوار في الفيلم فقط باللغتين الآرامية واللاتينية‏,‏ مع قراءة الترجمة بالإنجليزية‏.‏ وكم كانت سعادتي بالغة عندما كنت من بين قلة من الحضور استطعنا فهم بعض الكلمات الأرامية المتطابقة تماما مع الكلمات العربية وذلك لانتمائهم لنفس الأصول التاريخية‏.‏ وفي نفس الوقت فإن حقيقة أن الفيلم باللغة الآرامية ستمكن من نشره في كل مكان في العالم بعد إضافة الترجمة‏,‏ تماما كما هو الحال في النسخة الإنجليزية‏.‏

وفي الوقت الذي رفضت فيه استديوهات هوليوود التي يسيطر عليها اليهود الأمريكيون وأصحاب الاتجاهات الليبرالية تمويل الفيلم‏,‏ فإن جيبسون ـ الذي قال إن آلام المسيح كلفه نحو‏30‏ مليون دولار دفعها من ماله الخاص ـ لا يبدو قلقا مطلقا من تغطية تكاليفه بل وتحقيق أرباح طائلة جعلته يصرح بأنه قد يقوم بإنتاج المزيد من الأفلام الدينية‏,‏ وبغض النظر عن حنق الجماعات اليهودية الأمريكية ودعوتها لمقاطعة إنتاجه‏.‏ ولكن آلام المسيح يبقي فيلما في النهاية‏,‏ ربما يدعم معتقدات من يؤمنون بالمسيحية في الأساس‏,‏ أو يعيد تذكير آخرين بذلك الجدل التاريخي الخاص بقضية مسئولية قتل السيد المسيح‏,‏ وإنما من غير المتوقع أن يؤدي إلي تصاعد المشاعر العنصرية ضد اليهود كما يدعي قادة المنظمات اليهودية الأمريكية فالقضية تاريخية مفتوحة منذ ما يزيد علي ألفي عام‏,‏ ولن ينهيها فيلم أو كتاب‏.‏ ولكن تزامن عرض الفيلم مع ما يقول اليهود الأمريكيون إنه موجة جديدة من تصاعد المشاعر المعادية لهم في العالم‏,‏ خاصة في أوروبا‏,‏ هو أكثر ما آثار قلقهم‏,‏ أما ميل جيبسون فهو سعيد بأحدث أفلامه وبالنجاح المبهر الذي حققه فيلمه الأخير آلام المسيح‏*

الأهرام العربي في

06.03.2004

 
 

ميل جبسون يتحدث لـ "الأهرام العربي" بعد تعرضه لضغوط يهودية:

سأختبأ قريباً من أسلحة الدمار الشامل!

محمد رضا

السامية ليست شعبا واحدا‏,‏ بل مجموعة من الشعوب‏,‏ والعبرية واحدة من لغات ثلاث سادت في الزمن القديم هي العربية والكنعانية والعبرية‏.‏ بذلك‏,‏ نحن شعوب المنطقة متواصلون عمقا في التاريخ أكثر من أي مجموعة شعوب أخري‏.‏ رغم ذلك‏,‏ هذه الحروب بين أولاد العم هي من أقسي وأطول الحروب وبدأت طويلا قبل احتلال فلسطين ولا أحد يعرف متي تنتهي‏.‏

فيلم ميل جيبسون الجديد آلام المسيح يلقي الضوء علي حرب أخري‏:‏ الحرب التي شنت ضد المسيح ورسالته علي أيدي الشعب الذي نزل وسطهم‏.‏ حدث أنهم كانوا يهودا‏..‏ حدث أيضا أنهم لم يرحبوا به وهم الذين‏-‏ باستثناء طائفة منهم‏-‏ كفروا برسالة نبيهم موسي‏..‏ وحدث ثالثا أن هؤلاء اليهود تحملوا وزر محاولة قتله‏-‏ وبالنسبة للبعض منا‏-‏ قام بقتله وصلبه فعلا‏.‏

إذن ما سر هذه الحملة الكبيرة التي ووجه بها الفيلم منذ أن كان في التصوير؟ لماذا اتهم الفيلم بمعاداة السامية؟ هل كل ما يعبر عن رأي معين حتي ولو كان لا يرضي صاحب رأي آخر هو معاد للسامية؟ ولماذا وكيف أصبحت السامية ملكا لليهود فقط؟ هذه الأسئلة وغيرها يفجرها فيلم آلام المسيح كما لم يفعل فيلم من قبل تناول حياة وآلام والساعات الأخيرة من حياة السيد المسيح علي الأرض بما فيها جيسوس كرايست سوبر ستار الذي كان ملهاة موسيقية سينمائية أخرجه نورمان جويسون والعشاء الأخير لمارتن سكورسيزي‏.‏ الأول اتهم بأنه ترفيه شبابي لا يعكس روح الدين‏,‏ والثاني اتهم بأنه معاد للكنيسة الكاثوليكية كونه يحمل علي التعاليم ذاتها مصورا أن يسوع الحقيقي لم ينتقل عبر العصور إلي الزمن الحاضر بل تم تشويهه ورسالته من قبل تعاليم الكنيسة ذاتها‏.‏

لكن الحاصل بالنسبة لفيلم ميل جيبسون أبعد من ذلك‏.‏ فاتهم الفيلم بأنه معاد للسامية كونه يحدد في مشاهد منه أن يهود ذلك الحين هم الذين تآمروا علي حياته‏.‏ وزاد من الأمر تعقيدا أن الكنيسة التي ينتمي إليها ميل جيبسون هي كاثوليكية تقليدية‏-‏ جذورية‏.‏ كنيسة تخطيء الفاتيكان كونه قبل نحو عشرين عاما أصدر فتوي بأن اليهود ليسوا مسئولين عما حدث للمسيح‏.‏ حسب الكنيسة التي ينتمي ميل جيبسون وأبيه هاتون إليها‏,‏ اليهود مسئولون‏.‏ وحسب معتقدهما المسيحيون الذين لا ينتمون إلي جذور الدعوة المسيحية‏(‏ بكلمات أخري الكاثوليكية الجذورية‏)‏ لن يدخلوا الجنة‏..‏ بالتالي لن يدخلها إلا أتباع تلك الكنيسة وهم أتباع المسيح الأصليين‏.‏

هذا المنوال من التفكير بالإضافة إلي الحساسية اليهودية من أي شيء يمسهم قاد إلي حملات غير مسبوقة لمنع الفيلم مستخدمة اتهامات جاهزة بأن ميل جيبسون وأباه ـ الذي لا علاقة له بالفيلم ـ و الفيلم نفسه معادون للسامية ويبغون إثارة الرأي العام العالمي ضد اليهود‏.‏

هياج يهودي

إبراهام فوكسمان ـ أحد مسئولي واحدة من أنشط العصب اليهودية في أميركا ـ‏Anti-defamationLeague‏ خرج أولا ليقول إن الفيلم سيثير حقد العالم علي اليهود‏,‏ بذا سيثير المعاداة للسامية وسيخلق كرها واسعا لليهود‏.‏ وطالب‏,‏ كما آخرون‏,‏ بمنع عرض الفيلم‏.‏ هذه رقابة للحجر علي تفكير في بلد يدعي أن لا حجر علي أي تفكير أو إبداع علما بأن الحكم الجائر الذي أطلقه فوكسمان بني علي تقارير وردت خلال التصوير‏,‏ ثم علي سيناريو مهرب وكل من يعمل في السينما يعلم أن السيناريو الذي يمسكه المخرج بيده قبل التصوير‏,‏ هو ليس نفسه الذي يمسكه خلال التصوير‏,‏ وأن هذا يتغير لاحقا قبل نهاية التصوير‏.‏ حين الدخول إلي غرفة المونتاج يتغير وضع تلو وضع إلي أن يستقر المخرج ومجموعته الفنية علي الفيلم الذي يريدون إطلاقه‏.‏ آلام المسيح لم يكن ليختلف عن هذا المنهج‏.‏ إنه مشروع كبير ذا جوانب متعددة والسيناريو الذي تمت كتابته ثلاث مرات قبل الشروع في تصويره لم يكن عاكسا لحقيقة الفيلم‏.‏

أكثر من ذلك‏,‏ لماذا يهيج اليهود الأمريكيون علي فيلم سينمائي يعكس قناعة مسيحية ولا يثور المسيحيون علي أفلام برمتها تعكس قناعة يهودية وتعتدي علي الكنيسة الكاثوليكية وتصفها بالتعاون مع النازيين مرة‏,‏ وباتباع تعاليم وممارسات خاطئة مرة وبالتمزق ما بين العقيدة والحياة المادية مرات ومرات؟

لماذا يا ميل جيبسون؟

في اليوم التالي لعرض الفيلم في صالة يملكها المصري المهاجر فاروق عجرمة ‏(الذي حط في هوليوود قبل أكثر من‏30‏ سنة محولا اسمه إلي فراك أجراما‏)‏ جلس الأهرام العربي إلي ميل جيبسون في لقاء قصير نسبة لعشرات المقابلات التي تنتظره‏.‏ فالاهتمام بالفيلم بسبب وضعه فاق ما كان يتخيله جيبسون الذي أنتج وأخرج الفيلم‏.‏ شيء مثل إباحة دم سلمان رشدي الذي تسبب في رواج كتاب ربما كان سيمر بلا أثر يذكر لو أنه ترك وشأنه‏:‏

  • لماذا لا تعمد الكنيسة الكاثوليكية إلي ذات الأساليب حين تقدم هوليوود أفلاما تمسها؟

* لا أدري‏.‏ ولست من دعاة الرد بالمثل علي أي حال‏.‏

  • هل أنت معاد لليهودية؟ لقد سألوك هذا السؤال علي شاشة التلفزيون أخيرا وكان جوابك بالنفي‏.‏ هل تستطيع التوسع قليلا هنا؟

*جوابي هو نفسه‏:‏ ليس من المسيحية في شيء أن تكون معاديا لليهودية‏.‏ وأضيف‏:‏ لست معاديا لليهودية ولا للسامية ولا أملك أي شعور سلبي تجاه اليهود‏.‏ وليس الفيلم معاديا لليهودية بدوره‏.‏ هذه كلها اتهامات بدأت قبل انتهاء التصوير وهجوم لم أشهد له مثيلا في هوليوود لا في أيامي ولا أعتقد أن شيئا مماثلا حدث له في تاريخها كله‏.‏

  • هناك المشهد الذي يقول فيه المسيح لبعض الأحبار اليهود‏:‏ أنتم لا تقتلونني‏,‏ إذا مت فإن ذلك باختياري‏.‏ البعض قال إنه اتهام موجه؟

* يمكن أيضا أن يكون إبعاد شبح التهمة‏.‏ الحقيقة هي أن هذا ما قاله المسيح حين مر ببعض الأحبار اليهود‏.‏ ولا تستطيع أن تنجز فيلما عن هذا الموضوع من دون أن تتطرق إلي مواقفه وأقاويله‏.‏ ما رصدته هنا هي حياة السيد المسيح في الساعات الأخيرة‏,‏ وكيف أدت المعاداة إلي صلبه‏.‏ الآن إذا كانت المعاداة من قبل اليهود حينها‏,‏ فإن ذلك تاريخ وحقائق وليس مواقف‏.‏

  • مارلون براندو قال ذات مرة إن هوليوود مسيطر عليها من قبل اليهود ثم اعتذر باكيا حينما هوجم واتهم بالمعاداة لليهود‏.‏ هل ووجهت بأي ضغط لتغيير رسالة الفيلم؟

* طبعا ووجهت بضغوط لكن هل استجبت لها؟ الجواب لا‏.‏

  • البعض يقول إنك غيرت المونتاج أكثر من مرة للتخفيف من حدة اتهامات الفيلم وبذلك تكون تنازلت عن رؤيتك الأولي؟

* كل فيلم‏,‏ خصوصا إذا ما كان بهذا الحجم والأهمية‏,‏ يخضع إلي عمليات توليف متوالية‏.‏ لقد زرت غرفة المونتاج‏180‏ مليون مرة‏.‏ كل يوم كنت أذهب فيه إلي هناك كنت أفكر دائما بما يفيد الفيلم فنيا‏.‏ همي كمنتج وكمخرج كان تقديم فيلم جيد بصرف النظر عن كيف سيواجه من قبل الأطراف المعنية‏.‏ لا أقول إن ردة الفعل لم تكن تهمني‏,‏ بل أؤكد هنا أنني لم أتراجع أو أتنازل نتيجة ضغوط عن رؤيتي‏.‏ كان من الطبيعي إضافة أو إلغاء مشاهد علي الفيلم الذي كان يتكون قليلا كل يوم‏.‏

  • سمعت بعض الذين شاهدوه يشكون من عنفه؟

* هل تعتقد أنه عنيف؟

  • ربما واقعيا والواقع مدم وأحيانا عنيف؟

* هذا صحيح‏.‏ أنا لا أعتقد أن الفيلم عنيف بمعني أنه يحبذ علي عنف أو يصور مشاهد عنيفة بالمعني المتداول‏.‏ أستطيع أن أسمي مئة فيلم في هذه الجلسة من تلك التي أعتبرها عنيفة‏.‏ لكن نعم هناك‏-‏ وكما شاهدت بنفسك‏-‏ مشاهد دموية لأن آلام المسيح كانت ممتزجة بالمعاناة الجسدية التي لحقت به‏.‏ هذه لا يمكن تجسيدها واقعيا من دون إظهارها‏.‏

  • هل أنت سائر باتجاه ديني؟

* كيف؟ في فيلم كنا جنودا لعبت دور قائد عسكري أمريكي يخوض مواقع الحرب الفيتنامية بإيمانه الديني ومبادئة المسيحية‏.‏ في إشارات لعبت دور قسيس‏...‏ هنا تحقق فيلما كاملا عن المسيح‏.‏

لا أدري أي أتجاه أنا سائر فيه‏.‏ لا أدري شيئا عن أفلامي المقبلة‏.‏ لا أدري أي فيلم سيلي هذا الفيلم‏.‏ أعتقد أنني سأختبيء في مكان لا يمكن لأحد أن يجدني فيه‏.‏

  • أي مكان تقصد؟

* قريبا من مكان أسلحة الدمار الشامل‏(‏ ضحك طويل‏).‏

  • هل صحيح أنك ذكرت أنك لن تجد عملا بعد هذا الفيلم؟

* نعم صحيح‏.‏ لكني كنت أمزح‏.‏

  • هل تم التلويح بأنك إذا ما أنجزت هذا الفيلم فلن يكون لك عمل في هوليوود؟

* لا‏..‏ ليس صحيحا‏.‏ لم أتلق أي إنذار من هذا القبيل‏.‏ لكني شعرت في إحدي فترات العمل بزيادة نسبة الهجوم علي الفيلم بأنني مثل شخص يدافع عن آخر أعماله‏.‏ أو عن العمل الذي قد يكون آخر أعماله‏.‏

  • لكنك لا تنفي أن الفيلم تعرض لفتور استقبال من قبل الشركات الكبيرة؟

* لا أنفي ذلك‏.‏ لقد مولت الفيلم من مالي الخاص‏.‏

  • كم بلغت الميزانية؟

* الميزانية الآن تبلغ نحو خمسة عشر مليون دولار‏.‏ لكن حين بدأنا العمل كانت في حدود الإثني عشر مليونا‏.‏ الشيء الذي أود أن أذكره هنا هو أن العادة‏,‏ كما تعلم‏,‏ جرت بأن تتبني شركة توزيع مثل فوكس أو وورنر أو سواهما فيلما ما فتقوم بتمويله لحساب شركة الإنتاج‏.‏ لكني أدركت منذ البداية أن هذا الفيلم ليس من النوع الذي يجذب شركة توزيع علي نحو مسبق‏.‏ كان عليها أن تنتظر النتيجة‏.‏ في وسط العاصفة التي حدثت انسحب اهتمامها‏.‏ وحين تتحدث عن الضغط فإنها هي التي وقعت تحت الضغط ولو علي نحو غير مباشر‏.‏

  • ما وضع توزيعه حاليا؟

* لم أعد أدري‏.‏ أعتقد أن شركة فوكس ستوزعه عالميا‏(‏ يعرض الفيلم في لبنان خلال أسابيع قليلة‏).‏

  • ذكرت في بعض أحاديثك أن دافعك إلي تحقيق هذا الفيلم نبع من مرورك بفترة صعبة من حياتك الخاصة‏..‏ هل لك أن تفصح عن هذا الظرف؟

* مثل كل إنسان وصلت إلي الطريق المسدود‏.‏ وجدت نفسي أواجه أزمة إيمان‏.‏ شعرت بالبؤس ووجدت أنني بحاجة إلي تجديد إيماني‏.‏ وهذا وجهني إلي تحقيق فيلم عن حياة المسيح لأني مسيحي أؤمن بتعاليمه وأريد أن أتبعها‏.‏ حين أدركت ذلك ارتحت نفسيا وعاطفيا وايقنت أنني أقوم بما يجب أن أقوم به‏.‏

  • هل تعتقد أنك تأخرت؟

* لا مطلقا‏.‏ لأن هناك مرحلة من الحياة لا يمكن تقديمها أو تأخيرها هي مرحلة إعادة اكتشاف الذات‏.‏ وهذا ما حدث معي‏*

الأهرام العربي في

06.03.2004

 
 

البطريرك صفير: آلام المسيح ليس معاديا للسامية

 الجزيرة نت

 قال البطريرك الماروني اللبناني نصر الله بطرس صفير أمس الجمعة إن فيلم آلام المسيح للمخرج ميل غيبسون "غير مبالغ فيه" و "صور الحقيقة على ما هي".

ووصف البطريرك في كلمته لتلفزيون إل بي سي اللبناني الفيلم بعد أن شاهد العرض بصالة في جونيه شمال بيروت بأنه "مؤلم جدا.. ولم نشعر أن هناك معاداة للسامية".

كما أكد الأسقف الأميركي جون فولي رئيس المجلس البابوي للعلاقات الاجتماعية ومستشار البابا يوحنا بولص الثاني لشؤون الإعلام أن الفيلم لا يتضمن "أي معاداة للسامية".

على الجانب الآخر دعا الحاخام الإسرائيلي يونا ميتسغر إلى مقاطعة الفيلم الذي وصفه بالكاذب والعنيف "بشكل مفرط" والذي "من شأنه تشجيع معاداة السامية باتهام اليهود زورا بأنهم قتلوا المسيح".

وقد حقق هذا الفيلم مبيعات تذاكر بلغت 67.2 مليون دولار منذ عرضه الجمعة الماضية ليتربع على قمة إيرادات الأفلام في أميركا الشمالية.

وبهذا ترتفع إيرادات "آلام المسيح" الكلية إلى 117.5 مليون دولار منذ بدء عرضه، وهو أعلى رقم يحققه فيلم في الخمسة أيام الأولى لعرضه بعد الفيلم الملحمي "ملك الخواتم" الذي وصلت إيراداته إلى 124.1 مليون دولار في الأيام الخمسة الأولى له العام الماضي.

ويتناول الفيلم حياة المسيح خلال الـ 12 ساعة الأخيرة من حياته على الأرض مما أثار غضب بعض الجماعات اليهودية التي قالت إنه يلقي باللائمة على اليهود لصلب المسيح.

المخرج أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا، إدانة جديدة لأمريكا وجنودها، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر. لقد قدم المخرج فيلماً متقناً في حرفيته، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي، ولكن هذا لا يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام.

الجزيرة نت في

06.03.2004

 
 

إلتهام الأساطير

الياس خوري

ذهبت الى فيلم "آلام المسيح" لميل غيبسون من اجل اللغة الآرامية. انها المرة الاولى يتكلم فيها يسوع الناصري بلغته الأم. اللغة هي احدى المفارقات الكبرى المرتبطة بسيرة المسيح. فالاناجيل الاربعة كتبت باليونانية، اي ان كلام المسيح لم يصلنا الا مترجماً. وفي الترجمة مثلما نعلم، الكثير من الاشكاليات التي تطرح اسئلة المعاني.

ترجم الفيلم المترجم. أي انه ترجم من الاصل اليوناني الى الآرامية. وشكلت لغته البصرية التي صنعتها مشاهد الجلد والتعذيب التي لا تنتهي، عائقاً أمام لغة الكلام، فبدا الكلام تفصيلاً صغيراً ملحقاً بلغة الجسد. كما ان استخدام اللغة اللاتينية (الرومان في فلسطين كانوا يتكلمون اليونانية وليس اللاتينية)، جعل اللغة جزءاً من اللعبة الاعلامية التي احاطت بالفيلم.

الاعلام أغرق الفيلم وأغرق المشاهدين المحتملين بالرغبة في مشاهدة هذه الاسطورة السينمائية التي تولد الآن. قيل إن السماء التمعت خلال التصوير، وإن هذه الاعجوبة كانت اشارة إلهية للمخرج - النجم، كي لا يتراجع امام الضغوط الكبيرة التي اتهمته باللاسامية!

غيبسون، في حوار تلفزيوني اجرته شبكة A.B.C بدا أشبه بمبشّر. دار الكلام حول الايمان والمعجزة. الرجل الذي ينتمي الى كنيسة كاثوليكية اصولية، لا تعترف بقرارات المجمع الفاتيكاني الثاني، وتقيم صلواتها باللغة اللاتينية، بدا كالممسوس، وهو يتكلم عن تجربته في الفيلم، وكيف صرف جميع امواله الخاصة من اجل انتاجه. كأنه لم يكن مهتماً بالمال او بالاعلام، بل يريد ايصال رسالته الخلاصية الى المشاهدين.

حملة الدعم التي نظّمها الانتاج، شملت الوف الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية، فبدت الصالات يوم الافتتاح أشبه بالكنائس. جموع تتدافع راسمة على جباهها اشارة الصليب بالرماد احتفاء بأربعاء الرماد واربعاء ميل غيبسون. المخرج اختار الاربعاء 25 شباط موعداً لافتتاح فيلمه، لأنه يتطابق مع اربعاء الرماد (يوم الاربعاء في اميركا لا يوم الاثنين).

انها المرة الاولى أرى فيها هذا العدد من الجباه المرمّدة في مدينة نيويورك. وامام احدى الصالات في "يونيون سكوير" شاهدت العجب. رجال ونساء يقفون على الرصيف حاملين لافتات خلاصية. رجل يلبس ثياب المسيح ويقف على كرسي مرتفع بلحيته المستعارة ويوزع مناشير تدعم الفيلم. مشهد قروسطوي بامتياز. حال من الانشداه الديني تسود رواد الصالة الممتلئة. غير ان التدين العميق لم يمنع اكياس البوب كورن واكواب الكولا من احتلال اماكنها في احضان المشاهدين. اطفئت الصالة وبدأت رحلة العذاب، غير أني لم اتمالك من تخيّل دموع المشاهدين وهي تختلط بالكولا!

الحملة التي الصقت بالفيلم تهمة اللاسامية، نجحت في احداث تعديل واحد عليه. عبارة "دمه علينا وعلى أولادنا"، التي قالتها الجموع بإيعاز من الزعماء الدينيين لليهود، لم تُترجم الى الانكليزية، اما بنية الفيلم فلم تتأثر. تعامل غيبسون في صوغه السيناريو مع الاحداث كما رواها انجيل متى في شكل حرفي. اي انه تعامل مع الانجيل في وصفه نصاً تاريخياً، وليس كنص تأويلي تعليمي. وهذا يتناقض مع الرأي الغالب في اوساط دارسي العهد الجديد، الذي لا يهتم بالقيمة الاخبارية - التأريخية للنص، بل يعتبره نصاً رمزياً كُتب بالامثال التي تحاكي حكايات قديمة ونبوءات سابقة.

العودة الى حرفية النص، هي احدى علامات الردة الاصولية التي تجتاح العديد من الاوساط الدينية في اميركا. وهي تلتقي في هذا مع الاصولية اليهودية التي تعتبر التوراة كتاب تاريخ، وكتاب وعد بأرض فلسطين. لكن حين قام أحد المسيحيين الاصوليين بتجسيد قناعاته على الشاشة، بدا كيف ان اللقاء بين الاصوليتين مهدد بالانفراط. صلب المسيح في التأويل الحرفي يقود الى اتهام اليهود، واتهام اليهود يقود الى اللاسامية، فتتدور الدائرة.

لكن رغم التهم كلها، وتهديدات الكثير من منتجي هوليوود بأنهم لن يتعاملوا مع غيبسون بعد اليوم، فإن الفيلم وجد طريقه الى ألوف الصالات، وسوف يعامل في تاريخ السينما الاميركية، في وصفه احد اكثر اشكال كوريغرافيا التعذيب اتقاناً.

الفيلم مرهق ومتعب، ولا يقول شيئاً. ساعتان من التعذيب المتواصل، وسط كل حيل السينما وقدرتها على الخداع. نبدأ في الجثمانية ليلة الصلب، وفي مناخات تذكّر بأفلام الرعب، ثم بعد الخيانة، والصورة البطيئة التي تصوّر الثلاثين من الفضة التي باع بها يهوذا سيده، وبعد مشاهد الشياطين والارواح الشريرة، التي تمزج الرعب بأفلام الاطفال، نصل الى الموضوع الوحيد في الفيلم: التعذيب.

جَلد وحشي لا يتوقف. دم يسيل. جسد يتقرح. ورجل يسقط ثم ينهض من اجل أن يسقط من جديد. كل وحشية الصلب الرومانية، جُمعت في مشاهد متتابعة، جاعلة من جسد الممثل جيم كافيزيل، نموذجاً للهشاشة الانسانية امام اشكال متنوعة من الجلد والضرب والجرّ والصلب والى آخره...

اختار غيبسون اللحظات الاخيرة من حياة يسوع الناصري، مفترضاً ان الجمهور يعرف الحكاية. تم تجريد المشهد من الحكاية، من اجل صنع لوحات بصرية متتابعة، ملوّنة بالدم. المسيح البريء مثلما اعلن بيلاطس باللغة اللاتينية، يؤخذ الى الموت، لجريمة لم يرتكبها. لكننا لا نعثر في ملامحه الا على تعبير واحد هو الألم. البراءة تختفي، والعينان المشعتان تنطفئان، والكلام المصنوع من الاحتمال والحكايات ينزاح كلياً. لا شيء في المسيح سوى جسده الذي يتلوّن بدمه وقروحه. عين شبه مطفأة. وجه يستطيل بالاوجاع. وكلام لا يخرج الا بشق الانفاس. عندما يلتفت الى لص اليمين، او عندما يصرخ بإلهه لماذا تركه، لا نعثر الا على صوت خائف مرتجف يسحقه الألم.

كتّاب الاناجيل تكلموا عن آلام المسيح ولم يقدّموا لها وصفاً دقيقاً وواقعياً. مروا بها كجزء من الحكاية، ومن اجل أن تكتمل الاسطورة. اما ميل غيبسون فيريد تحويل الاسطورة حقيقة ملموسة، لذا سقط في الوحشية. كل محاولة للتعامل مع الاساطير والحكايات والنبوءات في وصفها حقيقة، تقود الى إيقاظ الوحش في الانسان. هذه هي أهمية الشكل الاسطوري. انه يغطي الوحشية بالحكمة، والألم بالدلالة، والمعاناة بالعبرة. تعالوا نتخيّل وصفاً تفصيلياً حديثاً ومصوّراً لحكاية أيوب، او لوط، او سفينة نوح، او صراع جلجامش مع ثور السماء، فلن نجد انفسنا الا وسط برك من الدم.

اذا قارنّا حرفية الصلب الغيبسوني بالنتاج الادبي والفني عن المسيح: رواية "التجربة الاخيرة للمسيح" لكازنزاكيس. او رواية "الانجيل بحسب يسوع المسيح" لساراماغو، او قصيدة "المسيح بعد الصلب" للسياب، او مقاربة برنارد شو، والى آخره... فسوف نعثر على الفرق بين محاولة الادب الحديث استخدام الحكاية من اجل كتابة حكاية جديدة، والاصولية الدينية التي تتمسك بـ"الحرف الذي يقتل".

الاسطورة هنا تقف على قدميها، وتتحول حقيقة مشهدية، لكنها ليست اكثر من طقس للألم. حتى القيامة في النهاية، لا تأخذ حجمها او دلالاتها. فيلم يذكّرنا بتقديس الألم والعذاب الذي عرفته الاوساط اللاهوتية الكاثوليكية في الماضي، لكنه ألم بلا أفق، وعذاب بلا نهاية.

الطريف ان هذا الفيلم يجمع عنصرَي الثقافة الشعبية الاميركية، العنف والاعلام، ويقود الى وضع حكاية الصلب في سياق اعلامي - اعلاني. كأن العواطف العنيفة هي احدى الوسائل من اجل الوصول الى الجمهور العريض.

شعرت ان الفيلم يلتهم الاسطورة. وأن الفراغ الروحي يقود الى روحانية بدائية ومجردة من الدلالات، وان الدعوة في النهاية "أغفر لهم"، ليست دعوة الى شيء، بل تدخل في سياق جعل الكلام جزءاً من الديكور.

غير ان التهام الاساطير والآلهة قد يقود الى انتقامها. ربما كانت هذه هي دلالة فيلم ميل غيبسون الاساسية. الاساطير تأكل الفن، وتحوّل السينما الجماهيرية حفلاً للتعذيب.

النهار اللبنانية في

07.03.2004

 
 

جدل غير مسبوق في تاريخ السينما يثيره "آلام المسيح"

رفضت الأستوديوهات الخمسة في هوليوود إنتاجه لأنه بالأرامية واللاتينية

أنطوني برزنيكان

انه لصدام قوي واديان وتاريخ يتناسب اكثر مع صفحات سفر الرؤيا من صفحات الثرثرة الهولوودية. غير ان رحي هذه المعركة تدور حول فيلم. انه نزاع اتاح لمل غيبسون ان يحوله فيلمه آلام المسيح The Paion of The Christ من فيلم مجهول قد يؤدي بصانعه الي الانسحاب من العمل السينمائي الي حدث عالمي لم يسبق ان ادي اي فيلم آخر في تاريخ السينما الي الانقسام في الآراء والموقف مثلما اداه.

بدأ عرض الفيلم الذي يروي بالتفاصيل الآلام التي قاساها السيد المسيح في الساعات الاخيرة من حياته، في 25 شباط (فبراير) يوم الاربعاء الرماد حسب الرزنامة الكاثوليكية.

هذه هي احدي الوسائل التي اعتمدها غيبسون في سياق انهماكه في الاستعداد لتوزيع الفيلم الذي اعتبره مشروعه الشخصي جدا، لاجتذاب الجمهور من جهة والغضب من الجهة الاخري.

لقد حصر النجم السينمائي الكاثوليكي العروض المبكرة للفيلم في نطاق ضيق اقتصر علي عدد من القساوسة والكهنة والزعماء المسيحيين، ودعا الي استعمال الفيلم للتبشير بالمسيحية ووزع مواعظ ذات صلة بالفيلم لالقائها في خدمات صباح الاحد، وساند القيام بحملات ترويحية علي الانترنت من قبل جماعات مسيحية، بل وسعي ايضا الي الحصول علي اقرار من قبل البابا ـ مع انه ليس معروفا بالضبط ما اذا حصل علي موافقة الحبر الاعظم.

الا ان التقوي اقل اجتذابا للانتباه من الجدل، وفي هذه الحال، حول ما اذا كان آلام المسيح يشكل فيلما مناهضا للسامية لاعتباره يلوم اليهود لموت المسيح بصورة اعتبرت غير منصفة. والمحصلة النهائية: فيلم رفضته كافة الاستوديوهات الكبري بدبلجة لترجمة الحوار اللاتيني والارامي فيه، مرشح ليصبح فيلما كاسحا لصالات العرض.

وقال براندون غراي، صاحب موقع علي الانترنت باسم Box Office Mojo.com لتتبع اوضاع الافلام علي شبابيك التذاكر: هذه واحدة من اكبر القصص هذه السنة، لمجرد انه غير مسبوق. من الصعب فهم ان فيلما بلغتين قديمتين، وهو فيلم ديني ومركز جدا علي آلام وتعذيب امرء ما، سيكون فيلما كاسحا الي هذا الحد .

وقد كتب غيبسون قصة الفيلم واخرجه وانتجه وانفق 25 مليون دولار من ماله الخاص علي صنعه. وفي معرض ذلك اضطر غيبسون الحائز علي جائزة اوسكار الاخراج عن فيلم Braveheart الي الرد علي اتهامات مناهضة السامية والدفاع عن الحملات التي تعرض لها هو وعائلته، مشددا علي ان الفيلم صمم ليلهم وليس ليسيء .

هذه الاتهامات القبيحة بحد ذاتها شكلت دعاية ستزيد في النهاية من احتمالات نجاح الفيلم. اذ لم يكن لفت مثل هذا الانتباه عن طريق الحملات الدعائية. ومما لا ريب فيه انه اضافة الي الكثيرين من المؤمنين والتبشيريين الذين يؤيدون الفيلم، سيتوجه كثيرون من جمهور السينما العلمانيين لحضور الفيلم ـ مهما كانت الاراء حوله ـ لا لشيء سوي للحكم عليه بانفسهم.

ابراهام فوكسمان، رئيس رابطة مناهضة التشهير باليهود، هو احد هؤلاء والذي كان بين الذين شاهدوا الفيلم خلال العروض المحدودة، قال: الارجح انني سأشاهد الفيلم مرة اخري لاري ما اذا غير (غيبسون) فيه شيئا. سأشتري تذكرة دخول واحضره .

ويضيف فوكسمان: لعلنا ساعدنا في الترويج للفيلم. وحتي لو فلعلنا ذلك لا اعتقد ان المجتمع اليهودي يملك رفاهية تجاهل السامية حتي ولو كان الثمن جعل الفيلم جدليا اكثر .

وقد طلب فوكسمان من غيبسون ان يضع ملاحظة في نهاية الفيلم لتوضيح ان قصة موت المسيح لا تبرر مناهضة السامية، وقال انه دون ذلك فان الجدل العام هو نوع من التوصية به حتي وان كان اثره الجانبي اجتذاب الجمهور الي الفيلم. لم يكن للفيلم مثل هذا الوقع علي الدوام. ففي اثناء تصويره في مطلع العام 2003 كان غيبسون يمزح علنا بالقول ان الفيلم قد يقتل مستقبله في العمل السينمائي. وفي رسالة بالبريد الالكتروني للاسوشيتدبرس في كانون الاول (ديسمبر) الماضي قال غيبسون ان فكرة صنع هذا الفيلم كانت تراوده منذ ان تعرض لازمة روحية قبل حوالي 13 سنة.

وكتب غيبسون ـ الذي رفض اجراء مقابلة معه لهذا المقال: لقد وصلت الي نقطة صعبة في حياتي واجتزت تلك المرحلة بتأمل معاناة السيد المسيح وآلامه. وفور ان بدأت التأمل حول عذاباته دخلت في اعماق عقلي وقلبي وصرت افهمها واؤمن بها. وهذه هي النسخة التي سجلتها علي الفيلم.

مثل كل النجوم الذين تحقق اسماؤهم ارباحا مالية كبيرة تكن هوليوود احتراما كبيرا لغيبسون الذي ارتقي الي مرتبة السوبر نجوم في افلام مثل Mad Max و Lethal Weapon ولكن رغم وجود عدد من المؤيدين له، مثل جاك فاليتني رئيس الجمعية الامريكية للصور المتحركة، فان معظمهم رفضوا ان يتخذوا مواقف علنية من الفيلم، سواء مع او ضد.

ومعروف ان صناعة السينما فيها جالية يهودية كبيرة، الا انها ليست بالضرورة متدينة جدا، وقد تحتاج الطبقة العليا الي قوة نجومية غيبسون اكثر مما يحتاج هو اليهم.

وقد نفي الممثل مزاعم مناهضة السامية ـ ولكن اما من قبيل سخرية القدر او الذكاء ـ كان اول من اثار تلك المزاعم.

اعطي غيبسون احدي ابكر مقابلاته بشأن فيلم آلام المسيح لقناة فوكس التلفزيونية وذلك في شهر كانون الثاني (يناير) 2003 حيث ظهر المعلق المحافظ بيل اورايلي وكانا، كلاهما، في حالة من الغضب.

وقال غيبسون ان عمله في صنع آلام المسيح حمل بعض مراسلي مطبوعات محترمة علي نبش الفضائح عنه بتوجيه اسئلة عن والده البالغ من العمر 85 سنة. وقال بوسعك ان تهاجمني، ولكن ويلك اذا بدأت تهاجم عائلتي .

ولقد كان ذلك هجوما انتقائيا. ولم يكن قد اثار احد اي هواجس بشأن الفيلم ما عدا التكهن بأن غيبسون يهدر مواهبه علي فيلم فاشل حتما.

وبعد ثلاثة اشهر نقلت مجلة نيويورك تايمز عن والده هاتن غيبسون، حديثا يقلل فيه من شأن الهولوكست اليهودي، ويصف المجتمع الفاتيكاني الثاني ـ الذي اعلن فيه ان اليهود لا يتحملون مسؤولية موت المسيح ـ بأنها مؤامرة ماسونية مسنودة من اليهود.

ومنذ ذلك الوقت اختار غيبسون ان يقدم مواعظه للمتحولين دينيا مثل المثقفة المحافظة بيغي نونان في آخر اعداد مجلة ريدرجرز دايجست .

وقد سألت نونان: الهولوكوست حدث، اليس كذلك؟ .

وحتي مثل هذا السؤال البسيط يسبب المشاكل لغيبسون، الذي رد قائلا: اجل، طبعا. لقد وقعت حوادث وحشية، الحرب قذرة. الحرب العالمية الثانية قتلت مئات الملايين من الاشخاص. وكان بعضهم من اليهود في معسكرات الاعتقال .

ورد الحاخام مارفين هئير عميد مركز سيمون وزينثال في لوس انجيلوس برسالة شديدة اللهجة جاء فيها: ان وصف معاناة اليهود خلال الهولوكوست بالقول ان بعضهم كانوا يهودا في معسكرات الاعتقال يخدم مقولة الانحرافيين الذين ينفون حدوث الهولوكوست.

وتحدث غيبسون الي مجلة ذي نيويوركر ايضا عن الفيلم ومنتقديه ـ وبينهم فرانك ريتش المعلق في صحيفة نيويورك تايمز الذي اتهم غيبسون بكره اليهود ومحاولة بث الحزازات الدينية.

وعن ريتش صرح غيبسون للنيويوركر بقوله: اريد ان اقتله. اريد ان اعلق امعاءه علي عصا .

ورغم مثل هذه التجاذبات المثيرة استطاع غيبسون ان يتحكم بهواجسهم بطريقة الشد والارخاء ـ فمن ناحية يقول ان خصومه يجب ان يمتنعوا عن مهاجمة الفيلم قبل ان يشاهدوه، ومن ناحية اخري يمنعهم من المشاهدة في العروض الخاصة التي حضرها الالوف من المتعاطفين معه.

وقد ذكر العديد من المفكرين والصحافيين والنقاد ان غيبسون حال دون مشاهدتهم الفيلم قبل 23 شباط (فبراير) مانحا لهم يوما واحدا فقط لكتابة تعليقاتهم عليه.

وقالت جين اوبنهايمر رئيس جمعية النقاد السينمائيين في لوس انجيلوس: قرأت ان غيبسون لا يزال يعمل علي الفيلم، وهذا بالتأكيد عذر شرعي لعدم عرضه ـ مع انني اشك ان يكون ذلك السبب الحقيقي لعدم عرضه. ان كثيرا من الافلام التي تعرض علي اناس سيعطون آراء ايجابية.. لسوء الحظ انه ليس شموليا اكثر .

غير ان الاستراتيجية التي يتبعها غيبسون تؤدي غرضها ـ والبعض من المحللين في هوليوود يتوقعون ان يسترجع الفيلم اجمالي ميزانية انتاجه البالغة 25 مليون دولار في الويك اند الاول من عرضه في 2000 صالة عرض.

هذه بداية مذهلة لفيلم مدبلج يفتقر الي نجم حقيقي (جيم كافايزل) من فيلم الكونت مونتي كريستو: الذي يلعب دور المسيح. والسؤال اليوم ليس ما اذا كان الفيلم سوف ينجح، بل ما اذا يلج الي المجري السينمائي الرئيسي.

يقول براندون بوكسمان: ان المفتاح بيد الفضوليين غير المؤمنين . وهو يتوقع ان يبلغ مدخول الاسبوع الاول 15 مليون دولار، وقد يصل الي 30 مليون دولار اي اعلي بكثير من الفشل الذي توقعه بعض المراقبين للفيلم في البداية.

عندما اعلن عن مشروعه السينمائي خلال مؤتمر صحافي عقده في شهر ايلول (سبتمبر) 2002 قال غيبسون: يعتقدون انني مجنون.. ربما كنت مجنونا او ربما انا عبقري .

القدس العربي اللندنية في

08.03.2004

 
 

ايرادات (آلام المسيح) تتجاوز مئتي مليون دولار بعد اسبوعين من العرض 

لوس انجليس (رويترز)

 عزز فيلم (آلام المسيح) (The Passion of the Christ) اخراج ميل جيبسون صدارته لقائمة ايرادات السينما بامريكا الشمالية وتجاوزت مبيعات تذاكره مستوى 200 مليون دولار بعد اسبوعين من بدء عرضه.

وبلغ اجمالي ايرادات الفيلم الذي تدور أحداثه حول الاثنتي عشرة ساعة الأخيرة من حياة المسيح حوالي 212 مليون دولار منذ بداية عرضه للجمهور في 25 فبراير شباط الماضي حسبما أظهرت التقديرات الصادرة يوم الاحد.

وحقق الفيلم حوالي 51.4 مليون دولار من عروضه منذ يوم الجمعة الماضي حتى يوم الاحد مما يعني انخفاضا في مبيعات تذاكره بنحو 39 بالمئة مقارنة بالاسبوع الماضي. وعادة ما تفقد الأفلام الضخمة نصف ايراداتها في الاسبوع الثاني.

وقال بوب بيرني رئيس شركة نيو ماركت السينمائية الموزعة للفيلم في امريكا الشمالية إنه اذا كان الجدل الذي ثار حول عنف مشاهد الفيلم ربما قد اثار في البداية اهتماما به فان "الآراء الشفهية المدهشة" بشأنه قد وفرت له قوة الدفع.

وقال بروس ديفي الذي شارك جيبسون في انتاج الفيلم إن جيبسون "سعيد للغاية" لاداء الفيلم. وتقول تقارير إن تكاليف الفيلم بلغت حوالي 30 مليون دولار. وبدأ يوم الجمعة الماضي عرض (آلام المسيح) في البرتغال وبولندا كما يتم حاليا عرضه في نيوزيلندا واستراليا واليونان.

وأحتل المركز الثاني الفيلم الكوميدي الجديد (ستارسكي وهاتش) (Starsky & Hutch) بمبيعات تذاكر قدرها 29.1 مليون دولار وهو رقم فاق التوقعات.

والفيلم بطولة بين ستيلر واوين ويلسون اللذين يجسدان شرطيين اشتهرا بالكشف عن الجرائم الغامضة ويحكيان من خلال الفيلم قصة أول قضية ضخمة تصدا لها. وقصة الفيلم مأخوذة من مسلسل تلفزيوني اذيع في السبيعنات.

وجاء في المركز الثالث الفيلم الدرامي الجديد (هيدالجو) (Hidalgo) بايرادات قدرها 19.6 مليون دولار وهو رقم تجاوز ايضا التوقعات.

وتدور أحداث الفيلم في نهاية القرن التاسع عشر حول فارس يسافر إلى المملكة العربية السعودية ليشارك بحصانه هيدالجو في سباق على امل الفوز بالجائزة الاولى. والفيلم بطولة فيجو مورتنسين وعمر الشريف.

وتقهقر من المركز الثاني إلى المركز الرابع الفيلم الكوميدي (أول 50 موعدا غراميا) (50 First Dates) بمبيعات تذاكر قدرها 7.7 مليون دولار ليرتفع اجمالي ايراداته إلى 99.4 مليون دولار بعد اربعة أسابيع من العرض.

والفيلم الذي يدور في اطار يمزج بين الكوميديا والرومانسية بطولة النجم ادم ساندلر الذي يجسد شخصية رجل يقع في حب فتاة تعاني من فقدان مؤقت للذاكرة تجسدها الممثلة درو اريمور فيضطر كل يوم ان يبثها غرامه من جديد لانها لا تتذكره.

كما تقهقر مركزين إلى المركز الخامس فيلم الاثارة (انحراف) (Twisted) وحقق في اسبوعه الثاني خمسة ملايين دولار لترتفع ايراداته الكلية إلى 16.4 مليون دولار.

والفيلم بطولة اشلي جود وصامول جاكسون وتدور أحداثه حول شرطية تحقق في سلسلة من جرائم قتل لتجد نفسها محط الاشتباه.

المخرج أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا، إدانة جديدة لأمريكا وجنودها، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر. لقد قدم المخرج فيلماً متقناً في حرفيته، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي، ولكن هذا لا يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام.

موقع رويتر العربي في

08.03.2004

 
 

"آلام المسيح" لميل غيبسون في منظار رجل دين وفلسفة:

عنفٌ أعي فيه الحقيقة ومعنى تجسّد المسيح وآلامه

المطران أنطون حميد موراني

حضرت هذا الفيلم الذي دعينا اليه برئاسة غبطة البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الكلي الطوبى. ولو لم اسمع الكثير عن هذا الفيلم، لما كنت قصدته، لأني لست من هواة السينما.

لا ينبغي أن نتوقف عند التأثر الذي يفرضه الفيلم على كل مشاهد، بل ان نحلل العناصر التي يتكوّن منها هذا التأثر.

هناك أولاً الأشخاص والطبيعة. فالشخص الذي يبلغ تأثيره الى المشاهد حد قطع نفسه في القسم الأخير إزاء مشاهد الآلام العديدة التي لم تعرف حدوداً. بلغ تجسيد الألم حالته القصوى، إن لم يكن المطلقة.

وما يثير في تواتر آلام المسيح هو سيرها في خط منتظم الى أن تبلغ الحد  الأقصى، بل ان يتطابق الممثل في آلامه مع الحالة التي يفترض انه بلغها. وبالتالي فلا التقنية لها دور رئيسي ولا المخيلة التي نسميها تصويرية، بل "المخيلة الابداعية" ولا بد من أن تضاف الى ذلك معرفة دقيقة بالسلوك البشري من حيث أنه يعني الجسد في حالاته المختلفة والوجدان في وعيه الوضع الذي أصبح فيه. فمن أراد ان يحصر فهمه للفيلم بالتقنية والمخيلة التصويرية يكون قد غاب عنه جوهر معنى الفيلم.

للمخيلة الابداعية Imagination Creatrice دور كبير لمسته في تطور حالات وجه العذراء منذ البداية حتى النهاية، وهذا يشير الى ان صاحب الفيلم ذو اطلاع واف على التطورات الانتروبولوجية والفلسفية التي لا تعتبر الجسد شيئاً خارجياً بل واحد مع الوجدان الذاتي. فالفرح ليس في النفس فقط بل في الجسم ككل. وهذا تأكيد لمعرفة صاحب الفيلم بالانسان وجداناً وجسداً، ولا علاقة بين داخل وخارج هنا. ومن هذا القبيل تأملت وجه العذراء كيف تحول مع الأحداث على نحو لا يترك المشاهد غير مبال. اما المسيح فاسلوب تعامله مع درجات الألم المفروض عليه، ونوعية ظهور جسده مغايراً، ازاء كل ألم جديد، أصعب من أن يحلل. لكن يبدو تماماً كيف ان الجسد المستقيم في البدء ولمدة طويلة اضحى كتلة ألم.

هذه أمور لا يكفي ان نقول ازاءها: مؤثر. هناك تحولات وجدانية جسدانية علينا ان نتبعها ونربطها بأساسها.

آلام المسيح لم تكن آلام فرد عادي. فالطبيعة تفاعلت معها، والهيكل المقدس، من دون أن أذكر كهنة الشعب وكتبته. فهؤلاء يبدون في اسفل السلم وغير واعين لما ائتمنوا عليه. والذي ينسى في سلوكه ما ائتمن عليه ينسى التاريخ وآلامه وربما ينسى ذاته.

تساءل البعض: لماذا كل مظاهر العنف هذه؟ انا لم تشكل سؤالاً بالنسبة إليّ، لأني أعطي الخطيئة ومعنى تجسد المسيح وآلامه، وبالتالي يجب أن يقودنا ذلك الى وعي أعمق لما تعنيه الخطيئة.

الفيلم صريح. يعرف كيف يضع الكهنة والكتبة في مواجهة المسيح، ويعرف كيف يبين مقاصد المسيح من آلامه وكانت أكبر من ان تحد. فالكلام على التجديف وما يشبه ذلك يجعلنا نضع المسيح في علاقة مباشرة وصريحة مع الله الأب. اتى يكسر جمود الكتبة والفريسيين وهم بحق معلمو الشعب، لكنهم اكتفوا بأن يجعلوا من تعليم الله تعليمهم الخاص، وبدّلوا مجد الله بمجدهم الخاص.

هذا التناقض المطلق وحده يفسّر معنى كل ما تحمّل المسيح من آلام. إما الله... وإما الانسان. ومن أراد ان يعيش لله ويصلح امراً لإنسان، كانت كل عقوبة تنتظره. ولا عجب بالتالي ان بلغ عنف الألم هذا الحد. فإما إن يموت الانسان حتى النهاية، او يبقى معانداً الله.

المسيح هنا، بشخص ممثله، ذهب الى ذروة الألم. لكن مع الله، لا مكان إلا للذروة. فلا نشكونّ العنف  الكبير. أمام الله لا مجال لمساومات. ولذلك تألم ممثل المسيح وتألم.

بحكم توجهي الفلسفي، دخلت وجدان مخرج الفيلم، فالتقنية لا تكفي لتفسير ما جرى. انها تقنية، أي وسيلة. الخيال الابداعي هو أقرب الى ما تعيشه النفس وتسعى الى التعبير عنه. لكن المؤلف لاهوتي في المعنى الأصيل. وأحسن اختيار الآيات المناسبة. ولا يجوز لي أن أذهب أبعد لأنني لا أعرف شيئاً عنه، انما اعرف عن ذاتي.

المشاهد القاسية في القسم الثاني قطعت انفاسي وجعلتني اسقط الى مستوى الأرض. لكن الخطيئة الغائبة في الفيلم برزت لي بكل شرها.

المشاعر السلبية العديدة في نفوسنا والتي تجعل السلام الذاتي بعيد المنال، أليست كلها تصرخ فينا صرخة الخلاص؟ من يأتينا بهذا الخلاص؟ انه السؤال الأساسي الذي يدور حول آلام المسيح، وقد أحسن صاحب الفيلم دخول عرض الآلام. المشاهد تعبر عن ذلك.

مقالي هذا يرمي الى تشجيع المؤمنين على مشاهدة هذا الفيلم وفق المعنى الذي أعرضه.

النهار اللبنانية المصرية في

08.03.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)