كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

نظرة على "آلام المسيح" لميل غبسون

خالد سليمان

عن فيلم

(آلام المسيح)

   
 
 
 
 

يستند ميل غيبسون في اختيار اسم فيلمه الأخير "آلام المسيح" الذي يعرض الآن في الصالات الأميركية إلى المصادر اللاتينية من دون غيرها ويختار كلمةPassion التي تعني الوجد والشغف والولع أو الأيام الأخيرة في حياة المسيح وآلامه قبل الموت. ويشكل نصف اليوم الأخير في حياة المسيح موضوع الفيلم من دون الاستناد إلى المراحل الأُخرى في حياته. وهو بالتالي نصف يوم ملطخ بالدم وملئ بجميع عناصر العنف, ويؤسس المخرج من خلاله فيلمه المكون من التعذيب والصدمة من بدايته حتى النهاية ما دفع بعض الكتاب والصحافيين في الصحف الفرنسية الكندية الى اعتباره فيلماً عنفياً بامتياز.

ليس هناك أحداث في هذا الفيلم, بل هناك حدث واحد وإيقاع واحد وهما التعذيب المستمر منذ القبض على المسيح في مزارع زيتون بيت لحم. فباستثناء بعض لقطات سريعة "فلاش باك" تصوره مع الأُم ولقاءاته مع الرسل في الناصرة يتحرك مستوى جميع المشاهد ضمن خريطة عذاب ترتسم على الجسد, عذاب يريده المسيح لنفسه كي يكمل طريقه إلى ملكوت السماوات. ويدخل هذا "الفلاش باك" في سياق شاعرية قصيرة كحد أدنى من متطلبات أي عمل فني, أما الفضاء الذي يحوي هذه الشاعرية فهو العنف والدم ويتضمن من عناصر الآلام حدودها الأقصى. وترتبط المساحة التي يؤسسها المخرج لإستعادة واقعة الصلب بالفترة الزمنية التي يحددها للفيلم وهي إثنتا عشرة ساعة فقط. ولم يبق بالتالي أي مجال لتناول البيئة التاريخية الدينية والإقتصادية والإجتماعية التي ظهر فيها يسوع. وكان هذا مَخرجاً استطاع المُخرج النفاذ منه وابعد عمله من خلاله من سجالات إضافية تتعلق بثورة المسيح ضد الوضع القائم آنذاك, لأن بإمكان أي عنصر من عناصر صراعات تلك الفترة إشعال حرب سجالية جديدة وعنيفة بين المسيحية واليهودية في عالمنا المعاصر. وتعرض الفيلم من هنا لإنتقادات الأوساط المسيحية المحافظة لأنه لا يُظهر الرسالة الدينية للمسيح برأيها, على رغم أن المخرج اعتمد روايات الأناجيل الأربعة في كتابته سيناريو الفيلم وقامت بتمويله مؤسسة كاثوليكية أُسترالية محافظة. ولا يمكن تصديق هذا الرأي لأن ميل غيبسون كاثوليكي الإنتماء ومُتدين, ثم انه وضع السيناريو أمام مراكز دينية قبل البدء بالعمل الذي تم تصوير مشاهده الخارجية في جنوب إيطاليا ومشاهده الداخلية المتعلقة ببيت لحم والناصرة والقدس في الاستديوات الداخلية.

لا تتجاوز هذه الأخيرة, أي المشاهد الداخلية, بعض لقطات تراجعية قصيرة عن طفولة المسيح بين يدي أُمه "ماري" ولقاءاته مع الرسل, أما بقية المشاهد فهي عبارة عن توزيع الزمن على مستويات مكان واقعة الصلب. ذلك أن التعذيب يتطور كمشهد مرتبط بالفضاء الذي لا يتركه الحشد إلاّ ليسلك الطريق المؤدي إلى مكان فوران الدم الأخير.

حين اختفت بساتين الزيتون

وللعنف الروماني شروطه المكانية أيضاً, إذ نلاحظ أن هناك تقسيماً تدريجياً بين وسائـل التعذيب والمساحة المخصصة لها, فكلما اتسعت الأمكنة زادت القسوة طالما أن بساتين الزيتون اختفت عن النظر.

هناك عنف آخر مواز لعنف الحشد والفنون الرومانية في سلخ الجسد وهو اللغة وضيق حدود مفرداتها أمام القدرة التعبيرية للقوة, وتشكل اللغات الآرامية واللاتينية والعبرية التي يستثمرها غيبسون كجمالية إضافية للعنف, جزءاً رئيسياً من الضيق الزمكاني وكأن هذه اللغات لم تتسع سوى للعنف.

وفي ما يخص الأوساط اليهودية جاء نقدها للفيلم قاسياً واعتبرته جزءاً من الحملة اللاسامية, لأنه يصور اليهود على أنهم مذنبون في شكل جماعي ومتعطشين لدم المسيح وكقوة ضاغطة أيضاً على القرار الروماني في صلبه. ومن جانبه أكد غيبسون انه لم يرد سوى إنتاج عمل عن الحب والأمل والتسامح, القصد منه هو الإلهام وليس الإساءة أبداً وقال في مقابلات صحافية معه: "أنا لست لاسامياً, أحب اليهود وأصلي من أجلهم". لكنه لا يخفي تأثير اليهود على قرار الصلب من خلال جمهور غفير يقوده الكهنة ويهتف لقتل المسيح من لحظة أسره داخل بساتين الزيتون مروراً بالطريق المؤدي إلى مكان شغف الموت ووصولاً إلى النهاية إذ تسقط فيها قطرة ماء صافية "دمعة الأب" على الأرض وتنهي رحلة المكابد. وفي هذه الطريق التي تحتل المساحة الأوسع في العمل ويسقط فيها المسيح عدة مرات تحت ثقل الصليب وشدة التعذيب لا نرى أي تعاطف معه من الحشد باستثناء بعض النسوة, ويتم في الوقت ذاته تجسيد "ساتان" أو الشيطان كقوة جارية في نفوس الجميع وتحرك رغبة القتل في كل لحظة يريد القنصل الروماني التنصل عن قرار الصلب. ويتم قبل رحلة الطريق التي يتصاعد فيها إيقاع الصدمة الصورية إطلاق سراح أكبر مجرم في تلك الفترة وهو "باراباس" الذي تُقترن حريته بقتل المسيح.

لا يتناول هذا العمل الخلفية التاريخية والتيولوجية لهذه الرحلة "النصف - يومية" التي تُحمِّل جسد المسيح خطايا العالم, لكن العنف الذي يحويه يشير إلى حيثيات تلك الخلفية التاريخية من خلال استراتيجيا التشخيص الجماعي في اللحظة التي تتأوج فيها قصة التمرد. ولو تناول المخرج المراحل التي سبقت واقعة الصلب لانتفت أسباب تجسيد الحشد كشخصية محورية في الفيلم أولاً, وبقيت السجالات اللاهوتية جزءاً كبيراً من سياق الأحداث ثانياً. وجاء الحشد بالتالي كنتيجة حتمية لمسيرة إختلال "القدسي" في الحياة الدينية في تلك الفترة. ثم أن اختيار الإثنتي عشرة ساعة الأخيرة لم يأت ضمن تراجيدية الواقعة فقط, بل جاء كفضاء مرن ومفتوح لتأسيس صدمة العنف. ولولا هذه المحدودية في الزمن لما استطاع غيبسون تجسيد مشهد تعذيب يتجاوز عشرين دقيقة, إذ تظهر فيها السادية بأقسى أشكالها.

وجاء احتجاج الأوساط اليهودية ووضع الفيلم في خانة اللاسامية ضد هذه المعالجة التي تعتمد حكايات الأناجيل. ومن جانب آخر تستعيد عناصر المعالجة المتمثلة في تشريح الجسد ظاهرة العنف الروماني إلى واجهة الثقافة والبراعة في إظهار قوة أمير الظلمات الذي يمثل حتى في تاريخ اليهودية "الملة الآسينية" قوة الموت.

يضعنا فيلم "آلام المسيح" أمام أسئلة كثيرة ومنها, لماذا كل هذا العنف وهل انتفت الحاجة الى الكلام ولم كل هذا الدم وكل هذا التنكيل بالجسد؟ أين كلام المسيح "في البدء كان الكلمة" وهل التعذيب هو الطريق الوحيد للعودة إلى الكنيسة؟

جريدة الحياة في

12.03.2004

 
 

الأسبوع الدموي.. عاشوراء ركيف كرم وميل غبسون

مسيح ميل غبسون: هناك أيضاً يشترون الدم

عباس بيضون

في الطريق الى النبطية نبدأ في السيارة الاحتفال العاشورائي. الاذاعة اذاعة النور بيت للمناسبة، وهي منذ الصباح في جو العزاء الحسيني. برامجها هي الحداد وقراءات التعزية وبث وقائع الاحتفال لا في لبنان فحسب ولكن ايضا في كربلاء التي كانت تلك الصبيحة تتخبط بدمها. المذيع يتنقل بين المراسلين ويسألهم ونسمعهم يتتابعون جميعا على مراسم واحدة للكلام. بعد البسملة والتحميد والتسليم يسترسل الواحد في ديباجة لا يصل إلينا منها سوى الالفاظ النورانية السبحانية الاستشهادية التي تدور في فوران جمل غير مكتملة وصور ممحوّة ومعان ضائعة. ما يهم وحده هو التصويت بهذه الألفاظ المقدسة بأي بناء وبأي ترتيب. من مذيع الى مذيع لم يشذ أحد عن هذا التقليد ولم يبدأ واحد <<الاخبار>> قبل ان يسترسل في هذه المقدمة الاحتفالية وقبل ان ينصب من نفسه <<مقرئا>> افتراضيا. اذا جمعنا هذه المقدمة وجدناها في الاكثر نوعا من رطانة واحدة. انها الالفاظ المباركة ذاتها يتعسف المذيع منها وحولها <<نصاً>> لا اول له ولا آخر ولا وسط ولا رسالة فعلية. فالمعنى والرسالة قائمان في الالفاظ ذاتها ماثلان فيها بجملة او بدون جملة، بنص او بدون نص، وما الديباجة سوى ترنيم لها وذكر وإعادة.

في الطريق الى النبطية كانت تلك الرطانة على سمعي، تواكب ما أراه من مظاهر الحداد. النسوة بالسواد واللافتات السود والعبارات التي بعضها تاريخ وبعضها رطانة مماثلة. وفي هذا اليوم الذي كان سخيا بشمسه وبحره كان واضحا ان شيئا من الصحراء موجود في الهواء والجو. لم نكن تبينّا بوضوح الخبر الكربلائي، فقد نقله لنا المذيع بتلك اللغة السائلة الملبدة التي تحتاج الى غسل لفرز ذرة الواقع المدفونة فيها، لكنه مع ذلك بدا مهولا بقدر ما بدا منتظرا بل في محله تماما من الطقس الكربلائي. دم ليس غريباً عن المناسبة إن لم يكن مدداً جديداً لها فالأرجح ان المسيرة الكربلائية <<كل يوم كربلاء وكل ارض عاشوراء>> لا تنقطع عند زمن ما او بلد ما. إنها سارية متجددة الى كل ارض والى كل عصر. ربما لهذا بدا خبر الصواريخ على كربلاء جزءا من المراسم الكربلائية. بكى المذيع تقريبا لكنه بكاء مقرئي العزاء الحسيني نفسه بلا فرق. سمعنا الخبر وكأنه ضائع في الزمن اذ كنا جميعا ضائعين في الزمن والحاضر تقريبا بعيد عنا. ربما لهذا لم تتوقف المحطة كثيراً عند الخبر. تابعت دورتها وتابعنا سماعنا في السيارة الذاهبة الى النبطية. قال السائق <<فجروا كربلاء>> وسكت. كان بحاجة الى وقت آخر ليفهم ماذا يعني ذلك.

ترجلت للمسير الى السوق والى الساحة التي يدور فيها الاحتفال، كان الناس محشودين على جانبي الطريق وسرت باتجاه الحشد وقبل ان اصل تندفع امامي كوكبة من جيش <<الضريبة>>، لم أستطع أن أحدق إلا بجهد وضغط إرادي، رأيت وجوه الفتيان مخططة غالبا بأزياح دم متجمد كثيف التصق بالوجه فيما لا يزال طريا في الجبين حيث تتكفل الشمس والحر بتسييله. لم اهتم كثيرا بالتفاصيل. الذين لا يزالون يضربون بالاسياخ الكبيرة على جباههم لاعتصار الدم. الاطفال المدمون وجوها وملابس على ايدي الآباء. كانوا كثراً وكان الدم ايضا كثيراً. الدم الذي يشبه اي دم بالطبع. الدم الذي هو نفسه عند كل ذبح، ومن كل كائن تقطع شرايينه. اذا كانت هناك من ميزة لدم على دم فهي لا تبدو على الاطلاق عند رؤيته حرا نازفا أحمر كثيفا متجمدا فوق الشفة وعلى الوجه كله.

افهم معاني التضحية والقربان. افهم اكثر كيف تؤسس الواقعة الكربلائية للحضور الشيعي وكيف يؤثر هذا الحضور بها في كل محطاته. وكيف يبدو الزمن الشيعي حلقات متسعة اكثر فأكثر حول المركز الكربلائي. افهم هذا لكنه رموز ومعان تفهم بالتأويل وتستحضر بالطقس. إنها صور ومجازات ورموز. الدم رمز اساسي لكنه يبقى رمزاً. المذبحة الكربلائية ليست هذا الدم وحده بالطبع فالموت في الله يشير دائما الى قيامة ما، ولا تنقص الرواية الكربلائية هذه الاشارة. لا نفهم بسهولة كيف يغدو الدم حقيقة مباشرة ويؤخذ لا بحرفه فحسب، بل بمادته وكميته وغزارته، وكلما انسكب عزيرا وواسعا تمت الاستعادة الكربلائية واقترب التحقق الكربلائي. بعد <<المصرع>> توزع الهريسة ويؤذن بالزفاف. أليس هذا اشارة الى العرس، الى القيامة، الى الربيع بعد الآلام. هذه الاشارة تكاد تغفل اليوم ولا يبقى عمليا إلا الترداد الحرفي والمادي والمباشر للدم، الذي ايضا يملك الجواب. تتحقق كربلاء في دفقه وفيضانه. هذه القراءة لا يبدو انها كانت دائما بذات الحدة والافراط. في طفولتي ومراهقتي كنت اشهد الاحتفال العاشورائي كل عام في بلدة <<جباع>> القريبة من النبطية، ومن ضمنه الضريبة والتمثيل. لم تكن غزارة الدم مطلوبة الى هذا الحد تلك الايام اذ لا اذكر انني رأيت يومها وجها ملطخا بالدم الناشف الى هذه الدرجة. ليس هذا بمستصعب وخاصة في الشمس والحر لكنه لم يكن مرغوبا ولا مطلوبا. كان الجرح الصغير في الجبهة يلطخ في موضعه وحوله محتفظا الى حد ما بدلالته الرمزية. ما رأيته في النبطية يختلف تماما. إفراط ومبالغة جعلا الامر عاديا. الصديقة التي نظرت الى الوجوه المدماة مصدومة ما لبثت ان اعتادت وقدرت على ان ترى، بدون ان تدركها الغشية، الطفل الذي لم يبلغ العام وقد حمله ابوه مدمى على ذراعه، لا يلبث المرء ان ينسى فلا يكلف نفسه ان يحدق في الكوكبة الثانية من جيش الضريبة. جيش وحجمه ايضا مفرط كالدم الذي يتقصد ان يكون ايضا سخيا وبمقادير بالغة. تتساءل اذا لم يكن في هذا الافراط قدر من <<المشهدية>> من <<روح العرض>>، ومن إتحاف الجمهور وبهره وإشباع دهشته، اذا لم يكن في ذلك قدر من الترويج للمناسبة، وربما لها في المكان الذي تنعقد فيه اي النبطية وهي عاصمة تجارية وليس استقبال الآلاف فيها غير مجز على هذا الصعيد.

كنت افكر على نحو آخر. هل يستمد رفض هذه الدموية من ذائقة ذات انحراف غربي. لقد توقف المصورون الغربيون شيئا فشيئا عن تمثيل المعاناة الجسدية والتعذيب الدموي والوحشي اللذين يمكن تخيلهما في رواية المسيح. في فن النهضة غلب على التصوير ذوق ينبو عن التمثيل الحرفي لمسيرة الصليب المأساوية. بدا وجه المسيح حتى على الصليب ودرب الجلجلة منوراً جميلاً وإن بقدر من الإنهاك والشحوب، ولم يبق من التعذيب الدموي عليه سوى اثر المسامير في يديه ورجليه وخيط من الدم والألم على جسد يحافظ على فتوته وجماله. كان اكثر ما يتجنبه هؤلاء المصورون هو تصوير المسيح في تلك اللحظة مشوها او مبقورا او مدمى في كل جانب منه. اتساءل اذا لم يكن هذا مثالي الجمالي الذي يجعلني لا اشعر بأن التمثيل الوحشي والدموي (الذي لم يغب عن الفن الغربي إلا بالتدريج) يمكن ان يكون ايضا لغة وأن يكون ايضا جميلا على نحو ما. ألست انظر الى الدم ربما بالعين التي سأرى فيها الأقنعة الافريقية لولا ان سبق بيكاسو وآخرون الى إقحامي بجمالها. ألست أرى المشهد بدون التفات الى ان المبالغة الدموية موجودة في المسرح الآسيوي مثلاً. الغريب ان فيلم ميل غيبسون <<آلام المسيح>> يبدو كأنه ضجر من جماليات عصر النهضة ومن انعكاسها في السينما (تذكر مسيح زفيريللي مثلاً) وعاد إلى ما قبل ذلك، إلى التمثيل الوحشي الدموي المخيف لمعاناة المسيح. ربما اتساءل اذا لم يكن ما يصدمني في هذه الحرفية هو تواترها وامكانية تردادها ولعلي اتساءل اذا لم تكن العمليات الانتحارية في جانب منها جزءاً من هذا الترداد، حيث يبدو ان دفق الدم، دم الضحايا او دم القائمين بالعمليات، هو الذي يحمل بحد ذاته اشارة التحقق والقيامة، وحيث يبدو ان التضحية بالذات هي الترداد الشخصي الوحيد الحرفي.

أنباء مجزرة كربلاء تتواتر. العدد الذي ارهقته صواريخ <<المقاومين الانتحاريين>> يتجاوز ضعفي قتلى الطف. ألا يبدو هذا كأنه المسيرة الدموية والعرض الدموي يتحققان بالحرف في مكان آخر، في مدينة الطف نفسها، حيث يزول الفارق نهائيا بين الرمز والواقع، بين الحرفي والمجازي، بين الصورة والحقيقة، وحيث يبدو الدم وحده السائد والسيّد يعتصر ويستحلب ويطلب بغزارة لا تفرق بين روح العرض وطقس القربان البشري. لا اعرف اذا كان العابرون في المسيرة الدموية، المشاركون والمتفرجون، يعرفون ان ما يشيرون إليه هنا في النبطية يتحقق على نحو فظيع هائل في دمويته وقسوته في مكان آخر. كأن الجواب يأتي فوراً من كربلاء، وهو جواب يبلبل بالطبع ؟؟ ايضا. هل الدم الناشف الذي غطى الوجوه في النبطية سال حقيقيا حرفيا في كربلاء، وهل هذا هو الدم المطلوب لتستمر المسيرة الكربلائية، هل هو جزء من قدر وحلقة اضافية من حلقات الدم التي لا بد ان تتسع وتتسع، وبمقادير هائلة، حول المركز الكربلائي.

النص الكربلائي

ماذا فعل رئيف كرم في تمثيل عاشوراء. كان عليه ان يأخذ النص بالطبع كما هو بحرفه وبروحه كما يقال. لن يكون رئيف اول من يزيل حرفا من النص بالطبع. لا يشفع له شيء في هذا السبيل. مع ذلك يبدو مضحكا في القرن الواحد والعشرين ان يستمر هجاء يزيد بملاعبة القرود (وماذا في ذلك، اسألوا الاطفال) او شرب الخمر (من لا يشرب). كان في حوزة رئيف كرم هذا النص الذي ليس مواربا. اذ يصف يزيد يصف نفسه بما يصفه به الحسين ويصف الحسين كما يصف الإمام نفسه. ما هو حقيقة عند الحسين حقيقة عند يزيد. لهما الحكم نفسه والخلاف ليس بين رأيين وإنما هو بين خلقين. يسعى الحسين الى الخير الذي لا ريب فيه ويسعى يزيد الى الشر الذي لا ريب فيه والذي لا يماري هو في انه شر. يقول قادة يزيد في انفسهم ما يقوله اصحاب الحسين فيهم ولا جدال هنا. ليس النص مع ذلك فاوستياً، ففاوست يعارض المعرفة بالابدية، والله بالانسان، وليس النص العاشورائي هكذا. كان لا بد من ان يتعرض النص العاشورائي لشيء من تحريك لا اقول تعديل على الاقل. وهذا بالتأكيد ما لم يتسنّ لرئيف كرم ان يفعله. اقول تحريك لأني ضنين بروح النص وبرؤيته. ذلك ان ملحميته لا تتجلى إلا بقدر من مونتاج مختلف وتقطيع مختلف على الاقل. يمكننا ان نفكر مثلا في امر سبقنا إليه قراء التعزية. تحويل النص الى لوحات (عرس القاسم الذي حذف من التمثيل، مقتل علي الاكبر، قصة العباس، الحوار مع زينب، مقتل الطفل) ثم إن رئيف لم يحتف كما ينبغي بملحمة العطش التي بدأت مع ملحمة القتال. تركها الى الاخير ولا ادري إن كان في هذا ظل لرواية الصلب التي يأتي العطش (اسفنجة الخل التي رفعت الى الصليب) في آخرها لكن ملحمة العطش في المخيلة الاسلامية والعربية لها بالتأكيد مجرى خاص ومختلف.

من الواضح ان النص أعيا رئيف كرم، وأنه لاعتبارات لا ترحم، التزمه كما هو، والارجح انه تعامل معه باحتياط واحتراز شديدين وبحرفية كاملة، ولاعتبارات لا ترحم ايضا. حاول ان يكسر وتيرته التردادية المتسلسلة بنوع من التشخيص، أي ان يلعب البطل دوراً شبه إيمائي بينما يتردد صوته كأنه يصدر من مكان آخر. حاول بجو شبه تهريجي في معسكر يزيد وجو شبه احتفالي في معسكر الحسين ان يعطي طابعاً ملحمياً. اعتمد على مخيلة سينمائية في مشاهد القتال يسمح بها حجم الميدان الذي يتخذ كمسرح ومساحته. كل هذا جعل المسرح ضاجاً هائجاً متوتراً طوال الوقت، لكن هذا سرعان ما يغدو عاديا ومألوفا وتعود الرتابة لتستحكم بالموقف فالنص حاكم ولا يمكن اختراقه إلا بمقدار.

لكن ما استطاع رئيف كرم ان يتصرف بحرية فيه، وهو الذي اعطى لإخراجه شخصية ما، هو تقريبا في السينوغرافيا اذا جاز ان ندرج الصوت وهندسة المسرح في السينوغرافيا. في هذا يمكن ان نستشف رؤية المخرج. لم يقدر على المسرح لكن فهم ان العامل الصوتي القائم في إنشاد مجالس العزاء عنصر أساسي في المشهد العاشورائي. لم يكن كرم الاول الذي مزج المشهد بالتمثيل الصوتي في العزاء لكنه تطرف في ذلك اكثر من سواه بحيث حول التسجيل الصوتي الى مسرح مقابل، الى نوع من كورس هادر يمنح التمثيل الشجي وشبه الايمائي (وأيضا بسبب سعة المسرح) عمقا صوتيا هائلاً. كأن في الأداء الصوتي زلزلة الحدث البعيد ومأسويته ودويّه غير المسموع. شيء كالجوقة بالمعنى اليوناني بدون ان يكون جوقة. أهمل رئيف كرم، وربما لاعتبارات لا ترحم، ان يحول النساء المتجمعات بثيابهن السود في جانب الميدان الى جوقة بالمعنى اليوناني للكلمة. لم يكن التسجيل الصوتي جوقة، كان مزجا للمشهد مع العزاء. للتمثيل الصوتي مع التمثيل البصري. يجتذب فيه المسرح الى الصوتي بقدر يعادل اجتذابه الى البصري.

كانت هذه ملحمة والقتال أساسها. هكذا فهم كرم بذكاء المسألة. الميدان وسيع، وإذا كان بروك فاجأ بإدخاله الجياد الى عرضه للمهابهاراتا فإن الامر عادي هنا. الخيول تجول وتصول في التمثيل العاشورائي منذ البداية، وبإمكانك ان تحضر الى المسرح كتائب كاملة. من هنا يسعى كرم الى مشهد بين المسرح والسينما: الحشد النسبي للجنود والخيول الصائلة الدائرة حول ساحة المعركة مع معارك اقرب الى الطابع الايمائي. أراد ان يبقى المسرح مشغولاً بتلك الجياد الحائمة مسرعة حول الساحة. في هذا نجح كرم. لم يستطيع ان يخلق المسرح من قلب النص فخلقه من اطرافه. مع ذلك اتساءل اذ لم يكن كرم اخذ برؤية اكزوتيكية للنص. اذ ان التركيز على التمثيل الصوتي يستدعي في احيان طقوسا شامانية، بما فيها من الصخب والعلو والحدة، كما ان دوران الخيول الصائلة يستدعي فوراً وبلا تردد مقاطع تصور الهنود الحمر من افلام وسترن.

كان امام رئيف كرم تحدّ غالبه كثيرا، تحايل عليه كثيرا، واحتاط كثيرا بقدر ما انطلق حين تسنّى له ذلك، لكن ما فعله كرم يلائم المشهد القاسي لكوكبة <<الضريبة>>. لقد هداه شيء الى ان المبالغة هنا هي الاصل وأن التطرف والقسوة والذهاب الى ابعد ما يمكن هما المناسبان الآن، فبدا عمله مطروقا بهذه الروح، صخب وحده ونحيب في أداء صوتي لا يرحم، ودوران خيول لا يهدأ. هذه هي المسرحية الحقيقية ولينقذ النص نفسه.

آلام المسيح

ما كنت أنتظر في أسبوعي العاشورائي ان اصطدم بفيلم ميل غيبسون <<آلام المسيح>>. كنت اظن ان المسألة هي إدانة اليهود، بفعلة مضى عليها أكثر من ألفي سنة فاعتقدت انها لا تهم الا من لم يشعروا بمرورها. فيلم ميل غيسون يتبع الرواية الانجيلية. في هذا لا يجازف بمسيح سامي كما فعل بازوليني. مسيحه يشبه الى حد ما صورة في عصر النهضة غير ان ما لم يسبق إليه في السينما كان في العنف والدموية اللذين ختما على نحو لا يصدق اسبوعي الذي بدأ بالضريبة ومذبحة صواريخ كربلاء.

يعرفنا غيبسون فقط على عذاب المسيح منذ اعتقاله الى صلبه. رحلة شاهدناها من قبل في افلام تروي مسيرة المسيح وهو يجر الصليب والمسامير التي دخلت في قدميه والعطش الذي أصابه والألم الفظيع الذي خط عليه فوق الصليب. لكن الصورة الإلهية للمسيح بقيت مصونة تقريباً. جماله، فتوته، كماله الجسدي، لونه. المسامير تترك ندوباً لا حفراً. التعذيب يترك جروحاً وآثاراً لكن يبقى الوجه الإلهي والجسد الإلهي عامرين بحسنهما، في فيلم ميل غيبسون نرى المسيح المتوتر المتألم حتى العظم في انتظار تسليمه. يشرق بدموعه ولهاثه وخوفه كما قال بطرس. أما ما يتعرض له بعد توقيفه فهو تعذيب خرافي. من اللحظة الأولى يلكم في عينه فتنطبق طوال الفيلم ونراه دائما بهذه العين المشوّهة. يسقط من على الجسر بقيوده فيرفع بالحبل الذي يشد على عنقه ويكاد يخنقه بل يخنقه مرات. يؤخذ للجلد فيجلد على ظهره وبطنه ونسمع لفح وأزيز كل جلدة تهوي على جلده الذي يتقطع رويدا رويدا حتى يبدو بعد ذلك محزوزا بجراح صغيرة تغطيه شبه مربعات صغيرة مسامه بكامله. يجبر على على حمل صليب هائل ينوء به ويسقط مراراً تحته قبل ان يصلب عليه. يتلقى باستمرار الرفس العنيف واللكمات والجلد. تدق يداه وقدماه بمسامير طويلة ناشبة. يرفع الصليب وهو معلق فوقه ليلقى به من عل على الحصى الجارحة. يطعن بحربة فيتدفق دمه رشاشاً على وجه الجندي. الدم... الدم، مباشراً صريحاً والجراح تذهب عميقة في الجلد والجسد والاحشاء. كأن المشهد العاشورائي هنا صار الى الكمال والدموية والعنف غدت بحساب دقيق فناً. نرى المسيح مشوّهاً ممزق الجلد دامياً بائساً الى الاخير. لن نستطيع امام العين المتورمة المطبقة والجنب المبقور والجراح التي لا تعد ان نتكلم عن الوجه الإلهي. كلما زاد الألم والجراح زادت حسية المشهد وجسديته. سيتوارى المقدس عند ذاك وسيبقى الانساني. الانساني حتى الالتواء والتحطم والنزف النهائي. الغريب ان ميل غيبسون لم يشر في تداعيات المسيح المعذب القليلة الى أي من معجزاته. كان يتذكر لحظات رائعة إنسانية وعلى المائدة غالبا يحدث تلامذته ويبتسم ويأكل. أي يستعيد لحظات إنسانية بسيطة بامتياز. لقد رأينا الانسان بكل وحشية ألمه بل قدرات العنف والتعذيب عليه. رأينا المسيح مثله مثل اي سجين في دولة مستبدة لا حدود لعنفها. يمكننا ان نتذكر ضحايا المنصور وهتلر وستالين وبينوشيه وصدام حسين مثلا. فيلم غيبسون مخيف عن تحطيم كامل وكلي لإنسان. هل نلاحظ ان الدم الغزير يلغي المقدس تحت الدم نجد الانسان. فوق وجوه <<الضريبة>> كان البؤس الانساني هو الذي أخافنا ولا اعرف كيف صمدت امام <<الوثيقة الكاملة>> عن قتل المسيح لحظة بلحظة. قال البطريرك <<ان هذه هي الحقيقة كما هي>>. هذا الكلام قد يتجاوز الحقيقة التاريخية الى حقيقة اكثر انطولوجية. هل علينا ان نذهب ابعد في حقول الوحشة الانسانية غير المكتشفة بعد. حصد فيلم غيبسون 125 مليون دولار في اسبوعه الاول. هل نفهم من ذلك ان <<الضرّيبة>> لم يفعلوا عجبا، أن هناك من يشترون الدم هنا ايضا وأن <<ترداد>> الدم هو نفسه في كل مكان.

السفير اللبنانية في

14.03.2004

 
 

نساء كربلاء: الجوقة الغائبة

"آلام المسيح‏"..‏ يباع في شوارع القاهرة

كتبت ـ عــلا السعدني

خلال ساعات تعلن الرقابة علي المصنفات الفنية قرارها بشأن فيلم آلام المسيح إخراج ميل جيبسون‏,‏ ومن المنتظر ان تطلب الرقابة رأي الكنيسة في مصر قبل عرضه‏..‏وحاليا يباع الفيلم علي شرائط سي‏.‏ دي في الشوارع الرئيسية بالقاهرة‏,‏ بعد أن تم نقله عن طريق الانترنت ويثير ضجة كبيرة في العالم‏.‏

الضجة التي تصاحب فيلم آلام المسيح ليست الأولي من نوعها‏,‏ فقد تعرضت معظم الأفلام التي قدمت عن المسيح لنفس الضجة‏,‏ ومنها فيلم ملك الملوك انتاج‏1961‏ وقد تم انتقاد مخرجه نيكولاس راي بانه قدم المسيح علي انه اشقر ازرق العينين ولم يتبق إلا ان يرتدي الجينز‏!..‏ وهناك فيلم الاغواء الأخير للمسيح للمخرج سكوسيزي الذي قدم في بداية الفيلم مايفيد انه مجرد رؤية للمخرج بعيدة عما جاء في الاناجيل‏..‏ وقد ثارت ضجة عند عرضه من الكنيسة الكاثوليكية التي رأت ان الفيلم فيه اساءة بالغة لصورة السيد المسيح‏..‏ وقيل إن اليهود وراء انتاج هذا الفيلم لكي يشوهوا صورة المسيح‏.‏

وعندما عرض فيلم الانجيل وفقا لانجيل متي اخراج باولو بازوليني‏1964‏ في مصر اكتفت شركة التوزيع بعرضه في نادي السينما‏..‏ وذلك بعد ان اعترضت الكنيسة الكاثوليكية‏..‏ أما فيلم يسوع الناصري للمخرج فرانكو زيفيريللي فلم يعرض في سينما رمسيس ألا لمدة أيام‏,‏ وبعدها تم رفعه خوفا من التيارات الدينية‏.‏

ورغم ذلك تظل الضجة التي تصاحب فيلم آلام المسيح لمخرجه ميل جيبسون الآن ليس لها مثيل من قبل‏..‏ لأن اليهود هم الذين يتهمون الفيلم هذه المرة ويرون ان الفيلم جاء معاديا للسامية علي اعتبار انه اظهرهم بانهم الذين عذبوا المسيح وكانوا وراء تسليمه للرومان الذين صلبوه‏..‏ هذا الي جانب أن كل من شاهد الفيلم يري ان مشاهد العنف والتعذيب جاءت صعبة ومؤلمة جدا‏..‏ ولكن ورغم ذلك إلا ان الفيلم وجد تأييدا واسعا من المنظمات المسيحية وكبار رجال الدين الذين قدموا شهادات بأن الفيلم الذي يتناول الـ‏12‏ ساعة الأخيرة في حياة المسيح يأتي أفضل مما يمكن ان تنتجه كبريات الشركات الأمريكية في هوليوود‏..‏ ويعتبر هذا رد اعتبار لجيبسون الذي رفضت الشركات انتاج فيلمه‏..‏ فقام بانتاجه‏.‏

ويقول جيبسون عن فيلمه بأنه جاء معالجا لآلامه هو الشخصية حيث انه كان يمر بمرحلة من اليأس والألم جعلته علي وشك الانتحار‏,‏ ولم ينقذه إلا ظهور كتاب الآلام المؤلمة للمسيح الذي وجده امامه بالصدفة للكاتبة آن كاترين اميريسن وهو من القرن الـ‏18..‏ وكان ذلك بمثابة شعاع الأمل له من جديد ومنذ ذلك الوقت وطوال الـ‏12‏ عاما الماضية وهو يجهز لعمل فيلم عن هذه الآلام‏..‏ فراح يقرأ كل الكتب السماوية والتاريخية ولكنه قرر ان يأتي فيلمه وفقا لماجاء في الاناجيل الأربعة خاصة أنجيل متي‏.‏

أما جيم كافيزيل الممثل الذي لعب شخصية المسيح بالفيلم فيقول هوالآخر عن فيلمه‏:‏ بانه رغم كل ماعاناه اثناء التصوير إلا انه تحملها ايمانا منه برسالة الفيلم‏..‏ ويقول‏:‏ قمت بمشاهد التعذيب في الفيلم بنفسي ورفضت ان يقوم دوبلير بها‏,‏ ومن أصعب المشاهد حمل الصليب الذي يزن‏75‏ كيلو جراما‏,‏ ويرجع الفضل في ذلك لجيبسون الذي جعلنا نتعايش مع الفيلم علي انه واقع حقيقي‏,‏ ويقول جيبسون‏:‏ أردت ان يأتي الفيلم مثلما حدث في الواقع تماما‏..‏ وحتي لغة الحوار في الفيلم جاءت بثلاث لغات‏:‏ الارمنية وهي لغة المسيح واللغة اللاتينية واليونانية‏.‏

المهم‏..‏ انه ومهما ثار اليهود علي فيلم آلام المسيح إلا انه لن يمنع ان الفيلم جاء شديد التميز في الاخراج بشهادة كل من شاهدوه‏.‏

الأهرام اليومي في

17.03.2004

 
 

أخرجه قبل أن يصدم الجدران برأسه.. ميل جبسون يقول:

"آلام المسيح" سينما تعادي الحاضر

ترجمة: حسن حسن

بالرغم من الجدل واللغط اللذين دارا حول فيلم “آلام المسيح” قبل تصويره وأثناءه، ظل مخرجه النجم ميل جيبسون صامتاً مصمماً على إكمال ما بدأه متجاهلاً كل ما يدور من حوله مواصلاً إخراج هذا الفيلم الذي يصوِّر فيه المعاناة التي تعرَّض لها السيد المسيح في الساعات الأخيرة من حياته، حيث يدور حوار الفيلم بمزيج من اللغات اللاتينية والآرامية والعبرية.

وأسوأ هذه الاتهامات الموجهة للفيلم هي التي تنعته بأنه معادٍ للسامية، وهي التهمة التي ينكرها ميل جيبسون، كما تساءل آخرون عن مدى العنف الذي يصوّره الفيلم، الذي تبلغ مدته 126 دقيقة، عن عذابات السيد المسيح، وانتظر جيبسون إلى حين اكتمال الفيلم ليعلِّق على الجدل الدائر بشأنه.

ولكن عندما تحدث جيبسون من فندق “الفصول الأربعة” القريب من منزله الذي يعيش فيه مع زوجته وأطفاله السبعة، أكد أن “آلام المسيح” دعوة للحب. إنه المشروع الذي أخذه جيبسون على محمل الجد وهو يعلم مدى الجدل الذي سيدور حوله، وفي ما يلي حوار بين مجلة “هالو” البريطانية والفنان ميل جيبسون:

  • يبدو أن هذا الفيلم أثار جدلاً كبيراً، وربما كان صدمة للبعض، كيف قررت إخراجه؟

- قبل بضع سنوات، وصلت إلى مرحلة في حياتي عانيت فيها من التعاسة على المستوى الشخصي، لدرجة أنني كدت أن أصدم الجدران برأسي. ولا أعتقد أن هناك من يستطيع القول إنه لم يعش مثل هذه اللحظات، والألم عادة يكون محرِّضاً للتغيير. وتعاملت مع هذه المعضلة عن طريق العودة إلى الدين ودراسته وبذلك استطعت الحصول على السلام.

  • وماذا بشأن الفيلم؟

- الفكرة الرئيسية في المعتقد المسيحي هي آلام المسيح وموته على “الصليب” والذي قبله المسيح من أجل حبه للبشرية. وأعتقد أن ذلك حدث فعلاً، وأردت تقديم القصة كما تخيلتها.

  • لكن البعض اتهمك بأنك معادٍ للسامية؟

- أتمنى لو أن اليهود لم يفكروا بهذه الطريقة، حيث ان الإيطاليين لم يعتبروا الفيلم معادياً للرومان بعد مشاهدتهم لكيفية سلوك الجنود الرومان. وأنا بهذا الفيلم لا أضع اللوم على أحد، ولا أعتقد أن اليهود هم من قتل المسيح وإنما جميعنا من فعل ذلك، فسبب موته هو لكي يكفّر عن ذنوب البشرية. وكنيستي لم تقدم أية مواعظ يوماً معادية للسامية، وبالتالي أنا لست معادياً للسامية.

تعرَّض الفيلم لانتقادات شديدة نظراً لكثرة مشاهد العنف فيه، خصوصاً حيث تم جلد المسيح. لكن هذا ما حدث، فعندما توفي المسيح لم يكن عليه أي جلد. وبالطبع كان الضرب الذي تعرَّض له يفوق قدرة أي شخص، وأردت أن أظهر كيف أن هذا الرجل تحمَّل الكثير من أجل البشر.

  • كيف تم استقبال الفيلم في هوليوود؟

- بعض الناس تلقوا الرسالة الصحيحة وآخرون ابتعدوا عنه، وأعتقد أن أفضل تعليق جاء من صديقي نايت شايامالان الذي أخرج فيلم “إشارات”، فقد استدعيته وأخبرته ما أنا مقدم عليه، فقال لي ابدأ بذلك، فأنت تقوم بإخراج السينما المعادية لحاضرنا. وكثير من الناس لم يكونوا لطفاء في تعاملهم إزاء الفيلم وأنا حافظت على صمتي لفترة طويلة.

  • في الفيلم تصوّر النساء أثناء حياة المسيح أقوى من الرجال.. هل كان ذلك واقع الحياة؟

- أعتقد أن النساء هن صانعات السلام، وهن أكثر المخلوقات عطفاً في حياتنا، والرجال يمتلكون العطف أيضاً، لكن النساء أكثر وعياً، وذلك ما يحدث في التاريخ منذ القدم، فالرجال يذهبون للحرب، في حين ان النساء ينجبن الأطفال وهن قادرات على البكاء. وهذه طبيعة الحياة.

  • تتراوح أعمار أطفالك السبعة ما بين 24 و5 سنوات، كيف أنت كأب؟

- الإنسان لا يأتي هذا العالم وهو يعرف معنى الأبوّة. وأعتقد أنني كنت صارماً بعض الشيء مع أكبر ثلاثة من أطفالي، ولكن اكتشفت أن ذلك لن يجدي نفعاً، لأنني إذا غضبت فإني أخيفهم. لكن في هذه الأيام أتعامل مع أطفالي بهدوء، حيث أحاول معرفة المشكلة وإيجاد السبل الكفيلة بحلِّها.

الخليج الإماراتية في

17.03.2004

 
 

البطريرك اللبناني يرحب بالمسيح والحاخام الإسرائيلي يطالب بمنعه !!

قال البطريرك الماروني اللبناني نصر الله بطرس صفير ان فيلم آلام المسيح للمخرج ميل غيبسون غير مبالغ فيه وصور الحقيقة علي ما هي ووصف البطريرك في كلمته لتليفزيون ال بي سي اللبناني الفيلم بعد ان شاهد العرض بصالة في جونيه شمال بيروت بانه مؤلم جدا.. ولم نشعر ان هناك معاداة للسامية.

كما أكد الأسقف الأمريكي جون فولي رئيس المجلس البابوي للعلاقات الاجتماعية ومستشار البابا يوحنا بولس الثاني لشئون الاعلام عن الفيلم لا يتضمن أي معاداة للسامية. علي الجانب الآخر دعا الحاخام الاسرائيلي يونا ميتسغر الي مقاطعة الفيلم الذي وصفه بالكاذب والعنيف بشكل مفرط والذي من شأنه تشجيع معاداة السامية باتهام اليهود زورا بأنهم قتلوا المسيح. وللاسبوع الثالث علي التوالي تصدر فيلم "آلام المسيح" The Passion of the Cheist ايرادات السينمال في امريكا الشمالية وحقق مبيعات تذاكر قدرها 31.7 مليون دولار خلال عطلة نهاية الاسبوع وبهذا يرتفع اجمالي ايرادات الفيلم الذي يتناول الاثنتي عشرة الاخيرة من حياة المسيح الي 264 مليون دولار منذ بدء عرضه فيِ 25 فبراير.

أنعش الفيلم هوليوود التي حققت أضخم ايراداتها في مارس الحالي بعد كساد في الشهرين السابقين. وبلغت ايرادات 12 فيلما في نهاية الاسبوع الماضي 104.1 مليون دولار بزيادة قدرها 15 في المائة مقارنة بنفس الفترة العام الماضي. وقد جاء المركز الثاني فيلم الاثارة الجديد "النافذة السرية" Secret Window بمبيعات تذاكر قدرها 19 مليون دولار وهو رقم يتفق مع توقعات شركة سوني السينمائية موزعة الفيلم حسب وكالة رويترز.

وتراجع من المركز الثاني الي المركز الثالث الفيلم الكوميدي "ستارسكي وهاتش" Starsky & Hutch بمبيعات تذاكر قدرها 16 مليون دولار لتصل ايراداته الكلية الي 51.5 مليون دولار بعد اسبوعين من العرض.

الجمهورية المصرية في

17.03.2004

 
 

هل إنزلق فيلم "آلام المسيح" من الروحانية إلى خانة الرعب المجاني؟

أنطون الخوري

المشهد ليلي هادئ... ضوء القمر ازرق فضي ينساب ويختلط بالضباب حول اطراف حقل الزيتون حيث يناجي السيد المسيح ربه. المشهد يتفوق على بعض اللوحات الزيتية, يشوبه صمت مطبق وترقب وتوتر يتسرب من الشاشة الى صفوف الحضور الى درجة انك تكاد تسمع دقات قلوبهم... لا يقطع الصمت إلا كلمات بالآرامية ينطق بها جيم كازافيل الذي يلعب دور المسيح, راكعاً ومناجياً. لكن الشيطان المتربص في المشهد يحاول تجربته... صمت الشاشة يتمزق فجأة وبعنف, إذ يدوس المسيح الافعى بقوة مزلزلة تترجمها اللقطة القريبة لرأس الافعى وقدم الممثل والصوت المجسم في ارجاء قاعة السينما. صرخات الصدمة والشهقات التي ارتفعت تجعلك تتوتر مع بداية المشهد الاول من فيلم "آلام المسيح" لميل غيبسون. ويشكل هذا النقل المفاجئ من الصمت الروحاني الى الضجيج المفاجئ العنيف والذي يلامس الذعر, تكتيكاً مميزاً للفيلم, يستمر من خلال مشاهد العنف الجسدي والتعذيب التي تستحوذ على ثلاثة ارباع الشريط.

"آلام المسيح" فيلم ميل غيبسون الذي انتظره النقاد لاكثر من سنتين, اقام الدنيا ولم يقعدها بعد. فهو قسم صفوف محبي الفن السابع والمشاهدين العاديين على حد سواء. وطرح العديد من التساؤلات حول توقيت انتاج الفيلم وعرضه بخاصة في الولايات المتحدة التي ارتمت في حضن اليمين المسيحي المحافظ. كما ان محبي نظرية المؤامرة تحدثوا عن جهات خفية تقف وراء غيـبسون, وذهبوا الى ابعد من ذلك في اقحام الفاتيكان في القضية. والنقاش يدور حول نقاط عدة, ابرزها رسالة الفيلم والرؤيا السينمائية الجريئة للاثنتي عشرة ساعة الاخيرة من حياة السيد المسيح على الارض طبقاً للاناجيل الاربعة. كما ان العنف المصور, بتفاصيل مخيفة تصدم اي مشاهد, يطرح الفيلم تحت المجهر بحجة انه انزلق من مرتبة الافلام الروحانية ذات الرسالة الى مرتبة افلام الرعب والعنف. اما مقولة انه معاد للسامية ومحاربة جماعات يهودية له فهذا امر آخر, يُجمع كثيرون على انه مبالغة لا اساس لها, لم تضر بالفيلم بالقدر الذي ساهمت في نشر الدعاية له! نظرية المؤامرة هنا تطرح تساؤلاً حول حقيقة إدانة بعض الجماعات اليهودية للفيلم!!!

الرؤيا السينمائية

ميل غيبسون لم يحضر العرض الخاص للفيلم الذي اقيم في لندن ليل الاثنين الفائت ليجيب على التساؤلات الكثيرة واللغط القائم, بل اكتفى بتوزيع كتيب, دعائي اكثر مما هو توضيحي, لا يرد بأي شكل من الاشكال على التساؤلات. لماذا اقتصرت رؤيا الفيلم على الساعات الاثنتي عشرة الاخيرة من حياة المسيح؟ لماذا لم يوضح اسباب عداوة الفريسيين له ومطاردته واضطهاده وصولاً الى قتله؟ لماذا اكتفى غيبسون بعدد ضئيل جداً من المشاهد الارتجاعية (فلاش باك) عن سيرة المسيح؟ ولماذا استخدمها اساساً إذا اراد ان يقتصر فيلمه على الساعات الاخيرة فقط؟ ويبدو ان الممثل والمخرج والمنتج الاسترالي يصر على ان رؤية فيلمه ليست معنية بسيرة المسيح ولا بتفاصيل رسالته, كما في سلسلة الافلام التي انتجت عنه, إنما يريد ان يظهر للعالم حجم التضحية والمعاناة من اجل رسالته من خلال اسلوب الصدمة! ويعتبر غيبسون ان من يريد التعرف على تفاصيل رسالة المسيح وسيرته الذاتية فما عليه إلا ان يقرأ الانجيل.

رؤيا The Passion of The Christ واضحة سينمائياً وهي كما يشير العنوان تتعرض الى مرحلة الآلام كما وردت في الاناجيل الاربعة. وقد اعاد غيبسون صياغتها لتخدم السرد الدرامي مع تركيز مفرط على مشاهد التعذيب.

إذاً: البداية في حقل الزيتون بعد العشاء الاخير, مناجاة المسيح لربه, التجربة وخيانة يهوذا الاسخريوطي الذي رافق الجنود الفريسيين وكهنة المعبد وعرّف بهوية يسوع الناصري الثائر بعد طبع قبلة الخيانة على خده. ثم ينتقل الفيلم الى تصوير المحاكمة في المعبد اليهودي معطياً, دوراً كبيراً لكهنة اليهود, وتخبط الكهنة الآخرين وانقسامهم حول معاقبة المسيح او اطلاق سراحه, وصولاً الى اتهامه بالزندقة ومطالبة بيلاطس البنطي باعدامه. ثم ينقل لنا الفيلم بعمق حيرة الحاكم الروماني الذي حاول التنصل من اعدام المسيح فحكم المسيح بالجلد. وهنا مشاهد تقشعر لها الابدان من هول التفاصيل والعذاب الذي تلقاه المسيح على ايدي الجنود الرومان. وصولاً الى اصرار الكهنة اليهود على الاعدام وتهرب بيلاطس البنطي من الامر بغسل يديه تاركاً الحكم للحضور الصارخ!

درب الجلجلة او مرحلة الآلام ترتفع عن عاطفية وتهذيب الافلام السابقة لتظهر, بتفاصيل مرعبة, ما هو اساس ايمان المسيحيين بتضحيات المسيح وعذاباته وصولاً الى نهايته المروعة ثم القيامة!

هل العنف الدموي مبرر؟

استغرَبَ كثر من الناس الخلط الواضح بين ما هو متوقع من فيلم يرتكز اساساً على رسالة دينية روحانية وبين ما انجزه غيبسون من تصوير مشاهد عنف مريعة تثير مشاعر متباينة من الذعر والهلع والغضب وصولاً الى التقزز والقرف. فالمسيح في هذه المشاهد يتعرض الى أقسى واشد انواع العذابات الجسدية التي عرفها انسان تلك الفترة: من الضرب والتعذيب وصولاً الى البصق في وجهه. وتصدمك هنا دقة تفاصيل عملية الجلد بالسياط وادوات التعذيب التي تفنن الرومان في صناعتها لتعذيب من اعتبروهم مجرمين, وإن دلت هذه الادوات عن شيء فإنما تدل على روح الوحشية والسادية: سلاسل حديد في اطرافها مسامير وشفرات وقطع حادة اشبه بالسكاكين تـُستخدم في ضرب المسيح بعد فترة من الجلد بالسياط التي مزقت ظهره! ضربات وحشية وسط قهقهة الجلادين تنغرس في جسد المسيح لتقـتلع اجزاء من جلده وتنغرس في لحمه واحشائه فتشوه اكثر واكثر جسمه المغطى بالدم. ثم يأتي اللكم بالايدي والارجل... والبصق عليه!

هل يعتقد ميل غيبسون حقاً ان هذه المشاهد ستكرس ايمان المسيحي بدينه من خلال الخوف؟ هل يعتقد انها ستشرح رسالة التضحية والمحبة التي يرتكز عليها الدين المسيحي؟ ما العبرة من صدمة المشاهد لحد البكاء والنحيب والرعب والقرف والتقزز؟ اليس العنف لمجرد العنف يختلف في الجوهر مع بعض التعاليم المسيحية؟

يجمع الكثيرون ان لهذه المشاهد الرهيبة رد فعل عكسياً تماماً ربما لم يقدّر غيبسون وقعه على الناس العاديين, خصوصاً عندما تسمع ان سيدة ماتت اثر نوبة قلبية اثناء مشاهدة الفيلم, واخرى نقلت الى المستشفى في حالة هستيرية وعن خروج عدد من المشاهدين من قاعات السينما لعدم قدرتهم على احتمال المناظر! وهنا سقوط ونجاح في آن واحد: سقوط ذريع لمفهوم غيبسون القائل بتصوير مرحلة الآلام في هذا الشكل لأنه اساساً مفهوم شخصي جداً يذهب الى حد النرجسية والتسلط ولا يشاطره فيه عدد كبير من الناس لاسباب مدنية وشخصية. ويتحدث بعض النقاد بفصاحة عن خلفية غيبسون السينمائية الآتية من افلام عنف حقيقية مثل سلسلتي Mad Max -Lethal Weapon ويعتبرون ان ليس بمقدوره التخلي عن هذا التاريخ لأنه متأصل فيه وعليه الا يحاول لانه يتحول الى اضحوكة! اما نجاح غيبسون فهو عائد الى انه حقق ما اراده وهو الصدمة. وهنا تأكيد آخر على ان الفيلم انزلق من دون شك من مرتبة الافلام الروحانية الى مرتبة افلام الرعب الدموية.

معاداة السامية

يرافق عرض الفيلم حملة مناهضة له عبر الولايات المتحدة واستراليا وربما تتكرر لاحقاً في اوروبا (حيث سيعرض بعد اسبوعين) من قبل جماعات يهودية واخرى تدعي انها تناهض التشهير. والسبب ادعاء هؤلاء ان الفيلم معاد لما يسمونه السامية (بدل معاد لليهودية) لأنه يركز على دور كافيوس (قيافا) كبير كهنة اليهود الذي قاد حملة اضطهاد المسيح ورسالته وصولاً الى الالحاح على اعدامه بحجة الزندقة! ويتخوف هؤلاء من ارتفاع موجات الحقد على اليهود وربما الاقتصاص منهم لما يصور من مسؤولية الكهنة اليهود في قتل المسيح. لذا طالبوا غيبسون بحذف عدد معين من المشاهد وتحديداً مشهد الحوار بين بيلاطس البنطي ورئيس الكهنة اليهود وجملته التي لا يعلوها اي شك: "دمه علينا وعلى اولادنا" والتي نـُقِلت من المادة الانجيلية. واعتبر غيبسون في مقابلة تلفزيونية انه إذا حذف المشهد فسيكون ذلك بمثابة الاعتراف ان فيلمه معاد للسامية وان الخلل يشوبه وهذا ليس صحيحاً. وأكد ان العمل يهدف اساساً الى تصوير عظمة التضحية وليس توجيه اصبع الاتهام.

لكن الواضح من سياق الفيلم انه يُظهر وبوضوح الصراع الداخلي بين الكهنة اليهود وانقسامهم الى مجموعات, بعضها اعترف بالمسيح على مضض, بعضها الآخر اراد اطلاق سراحه واعتباره معتوهاً, فيما اصر آخرون على عقابه بالموت. وواضح ايضاً دور بعض الكهنة في الاصرار على المطالبة بالقتل لكن عدم تنفيذ الاعدام بايديهم لأن ذلك يتعارض مع شرائعهم كما يقول قيافا في الفيلم, وترك الامر لجنود الاحتلال الروماني. وهذا امر تحكيه الاناجيل بدقة ولا يخترعه غيبسون. ومن هنا فإن الهجوم اليهودي على الفيلم هو هجوم مقنّع, بحسب الكثيرين, على فحوى الاناجيل ومحاولة لطمس ما جاء فيها كما فعلت هوليوود وبنجاح في الافلام الماضية التي تناولت سيرة المسيح, خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية ونحو عقدة اضطهاد اليهود في المانيا النازية!

وبحسب بعض المحللين, فان الحركات الصهيونية خائفة تماماً من المشاهد التي يمكن أن تقيم تشابهاً أو توازياً بين تعذيب المسيح المشرقي بتحريض يهودي, ومشاهد تعذيب الفلسطينيين على ايدي جنود الاحتلال الاسرائيلي, خصوصاً في الولايات المتحدة التي نأت بنفسها عن نقل الصورة الكاملة لما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة, وفضلت ترويج صورة الاسرائيلي على انه محب للسلام بينما الفلسطيني (بغض النظر عن اسلامه او مسيحيته) فهو ارهابي حقود...

غيبسون كرر انه لا يريد الدخول في متاهات الاتهامات هذه ويصر على انه نقل "الحقيقة كما وردت في الانجيل" ولهذا ليس لديه ما يضيفه!

والحقيقة ان هذه التظاهرات الصغيرة حجماً خارج دور العرض, والهجمات المريبة لبعض الصحافيين الغربيين على الفيلم حتمت على الناس مشاهدته والحكم عليه بانفسهم. وهذه دعاية مجانية لفيلم اعتبرته هوليوود "ضرب جنون" حتى قبل ان يـُنتج, وها هو يُثبت العكس تماماً ويسحب بساط اعلى الايرادات من تحت فيلم الاوسكارات المتعددة "سيد الخواتم - عودة الملك".

الآرامية ومشرقية المسيح

العمل ليس ملحمياً بمفهوم الافلام الهوليوودية. ويحاكي الى حد كبير شريطاً وثائقياً إعتمد على اعادة تركيب مشهدية دراماتيكية دقيقة لحقبة من الزمن. وتطغى عليه الرمزية والروح المسرحية بصورة عالية. اما اختيار اللغتين الآرامية واللاتينية للحوار فجاء ليعزز اعادة التركيب هذه ويحقق رغبة اخرى لغيبسون وهي الالتصاق قدر الامكان بحقيقة وحرفية النص روحاً ولغة. وهنا اعادة زرع الحدث في مكانه الاصلي, على الاقل لغوياً! وإعادة لغوية للمسيح الى مشرقيته.

فالافلام التي عالجت حياة المسيح وآلامه كانت في مجملها بالانكليزية والايطالية الحديثة, في تجاوب واضح مع مبادئ تجارة السينما وجني الايرادات التي تتطلب لغة شعبية مفهومة ومقبولة. من يستمع الى الحوار يلاحظ انه غير كثيف, جمله قصيرة متقطعة, حتى ان البعض اعتبر انه يمكن حذف الحوار ليكون الفيلم صامتاً بما انه يعتمد اكثر على المؤثرات المرئية! ومن يستمع من المشاهدين العرب الى الحوار يكتشف مدى تقارب اللغتين العربية والآرامية من حيث اللفظ وتركيب الجمل والمفردات.

وعلى عكس الممثل جفري هنتر الذي قام بدور المسيح في فيلم ملك الملوك (نيكولاس راي 1961), وروبرت باول في "يسوع الناصري" (فرانكو زيفيريلي 1977) وويليام دافو في تجربة المسيح الاخيرة (مارتن سكورسيزي 1988) فإن جيم كافازيل لم يحتفظ من ملامحه الآرية الشقراء سوى بالقليل... فهذا الممثل الذي يوصف في اميركا بانه غريب الاطوار لأنه يجاهر بكاثوليكيته علناً في وقت يتهرب نجوم هوليوود من الحديث في موضوع الدين, تحول بفضل تقنية ماكياج وتصوير عاليتين الى مشرقي اسمر السحنة اسود الشعر وعسلي العينين, وأبعَدَ صورة المسيح الاشقر التي روجتها هوليوود والسينما الاوروبية, التي تأثرت على الارجح بفنون القرون الوسطى النابعة من اوروبا المسيحية في القرون الوسطى وعصر النهضة. وهنا عودة اخرى الى مشرقية السيد المسيح شكلاً.

ويبتعد جيم كافازيل عن عذوبة الآداء والعاطفية والهدوء التي صاغت الافلام السابقة, ويرتفع عنها الى ما هو اعمق احساساً ودقة في نقل المشاعر على اختلافها. اما قدرته على الامساك بالمشهد وفرض نفسه كنقطة ثقل مركزية تصفع كل منتقديه من ان وسامته تمنعه من تأدية الادوار المعقدة, وتحديداً تصفع احد منتجي هوليوود (يرفض كافازيل الافصاح عن اسمه) الذي حاول تحطيم طموحه بقوله إنه صالح فقط ليكون عارضاً للملابس الداخلية لدى كالفين كلاين!

كما ان محاولة اعادة الشخصيات الاساسية الى منبعها الشكلي نجحت في شكل لا جدل فيه: الممثلة الايطالية مونيكا بلوتشي لعبت بواقعية شفافة دور مريم المجدلية التي انقذها السيد المسيح من عبودية الدعارة واعاد اليها اعتبارها كانسان. اما لدور مريم العذراء فقد اختار غيبسون الممثلة البلغارية اليهودية مايا مورغنشترن لتعبر عن وجهة نظر ومشاعر الام (اليهودية) التي يعذب ابنها امامها ويقتل من دون ان يكون لها القدرة حتى على ملامسته سوى في لحظات نزاعه الاخيرة. أداء مورغنشترن يلفه ثقل قوي وتعبير فائض وواضح عن مشاعر التمزق والاسى والحزن العميق, لكنه يتسم ايضاً ببرودة تـُترجِم تقبّل الامر الواقع بالدموع فقط, من دون ان تنتحب او ترفع صوتها (على عكس بلوتشي تماماً التي يأسر نحيبها المشاهد).

الرؤيا الفريدة لهذا الشريط تحققت من خلال مؤثرات بصرية وسمعية. ابرزها إدارة التصوير من قبل كالب دوشانيل ("انّا والملك" "القيامة الآن") الذي سحر المشاهد باضاءة متناهية الدقة حققت رغبة غيبسون بأن تشبه بعض المشاهد لوحات رسام عصر النهضة كارافاجيو.

بمباركة الكنيستين الكاثوليكية والأنجيلية, اصبح فيلم "آلام المسيح" انتصاراً شخصياً لميل غيبسون الكاثوليكي المؤمن وتحقيقاً لحلم راوده لاكثر من خمسة عشر عاماً, على رغم سقوطه في خانة الرعب المجاني باعتراف معظم نقاد السينما. ويبدو انه سيعود عليه بربح مالي يعتقد انه قد يرتفع الى ثلاثمئة مليون دولار فقط!

الفيلم انتصار شخصي ايضاً لجيم كافازيل الذي حذره غيبسون من ان الفيلم قد يكون نهاية حياته المهنية, لكن يبدو ان العكس صحيح, خصوصاً بعد تخبط مسيرته الفنية لعقد كامل من دون ان يصل إلا الى الادوار المساندة او الثانوية, تحقيراً من هوليوود لما يمثله كافازيل من خروج عن بيت الطاعة الهوليوودية المليء بالاباحية والمادية.

جريدة الحياة في

19.03.2004

 
 

THE PASSION OF THE CHRIST

الجسد الإلهي يمزقه العذاب البشري

جوزفين حبشي

"مع آلامك أيها المسيح" عبارة كم مرة رددناها ونرددها في حياتنا اليومية عندما نتعرض لوجع ما او ظلم او اضطهاد. كثيرا طبعا رددناها لكننا حتما سنتردد الف مرة في قولها مجددا بعد مشاهدتنا فيلم THE PASSION OF THE CHRIST لأننا لن نجرؤ بعد اليوم على مقارنة ما نعايشه يوميا من آلام قد تبدو لا تحتمل، مع ما ذاقه السيد المسيح في الاثنتي عشرة ساعة التي سبقت تعليقه على خشبة الصليب. شريط مختلف تماما عن كل ما شاهدنا سابقا وسنشاهد لاحقا في السينما العالمية، وخصوصا عن اهم ما شاهدنا حتى الآن اي فيلم فرانكو زيفيريللي الشهير "يسوع الناصري" الذي اصبح تقليدا سنويا على شاشاتنا التلفزيونية في اسبوع الآلام. مخرج فيلم "قلب شجاع" وبطله ميل غيبسون احتاج حتما الى شجاعة فائقة ليقدم رؤيته الخاصة لمرحلة الآلام الاخيرة من حياة السيد المسيح. بشجاعة نحسده عليها فلا شيء اصعب من "عيش" تجربة كهذه من اختبار التعذيب بكل عنفه وقسوته وواقعيته، ولا شيء اصعب ايضا من فتح وكر الدبابير في عالم غربي يتحاشى مجرد "زكزكة" اليهود. ميل غيبسون الكاثوليكي المؤمن رد على الاتهامات التي وصفت فيلمه بأنه ادانة جديدة وقاسية لليهود، قائلا: "آلاف الناس شاهدوا فيلم "لائحة شيندلر" (يروي مأساة محرقة اليهود على يد هتلر) لكنني لا اتصور ان الناس يكرهون الالمان اليوم". وكما منعت الرقابة عندنا عرض فيلم "لائحة شيندلر" كذلك تحرك اليهود في العالم لمنع عرض فيلم PASSION OF THE CHRIST (كما هو حاصل في اوروبا وتحديداً بلجيكا). اتهاماتكم بأن الفيلم عنيف بشكل مبالغ فيه ومضخم ووحشي وغير واقعي، ستسقط عند مشاهدة الفيلم. فرغم فظاعة ما "سنعيشه" من تعذيب سيجعلنا نصرخ مرارا وتكرارا ونغمض عيوننا ونمسح دموعنا طوال مدة الفيلم البالغة ساعتين وعشر دقائق، ورغم صعوبة تصديقنا ورفضنا ان تكون وحشية كهذه قد مورست فعلا على يسوع، الا اننا عندما نتذكر ان البشر كانوا يُرمَون بين انياب الاسود المفترسة فقط من اجل تسلية القيصر في ذلك الزمان، وان خبث الكهنة اليهود قد يدفعهم الى القيام بأي شيء في سبيل الاحتفاظ بكراسيهم ومكاناتهم، كيف يعقل ان نأمل بأنهم "رحموا" المسيح وعذبوه بشكل انساني؟

وبالعودة الى الفيلم الحدث الذي اعتمد كل من ميل غيبسون وبنديكت فيتزجيرالد في كتابتهما السيناريو على الاناجيل الاربعة لمتى ولوقا ومرقص ويوحنا اضافة الى مذكرات الراهبتين آن كاترين ايميريش (1774 - 1824) وماري اغريدا، نقول انه من الصعب جدا ان نراه بمجرد عين ناقدة لعمل سينمائي. فمهما حاولنا التركيز على مقوماته الفنية وتركيبته، الا اننا سنفشل في فصل انفسنا عن كل ما سيفجره فينا من انفعالات وحالات نفسية. ومهما قلنا عنه، لا شيء سيوازي مشاهدته و..."عيشه" لأنه اكثر من قصة واكثر من فيلم، انه تجربة سنعيشها بكل عذاباتها والمها وصرخة الجلد وهو ينفلع تحت سوط جنود هازئين وحرقة الدم وهو يتطاير ليصبغ كل ما حوله بلون من الوحشية وعظمة قلب ام رافقت المراحل حاملة ابنها بصبر يمجّد مشيئة الرب. ولأنه قاس جدا كان القرار الصائب بمنع من هم دون السادسة عشرة من مشاهدته، فالفيلم ليس دعوة لتمضية وقت ممتع او تسلية، ولا هو نداء ديني او صدقية تاريخية او حتى عمل فني جميل بعيد عن معانيه.

ساعتان وعشر دقائق، وبلغة آرامية تتخللها بعض اللاتينية (وهما اللغتان اللتان كانتا معتمدتين في ذلك الزمن) نعيش جلجلة حقيقية هذه المرة مع مجموعة من الممثلين الذين التحموا مع درامية الوقائع مثل الممثل الكندي الرائع جيم كافيزيل الذي من الصعب ان نتعرف الى قسماته الجميلة التي عرفناها في افلام مثل COUNT OF MONTE CRISTO و HIGH CRIMES  وANGEL EYES. كافيزيل وبفضل الماكياج الخاص لوجهه المرمم وجسده الممزق من كثرة الجلد، وبفضل اعداده الطويل ودراسته لشخصية المسيح مع المخرج ميل غيبسون، نجح في تجسيد كل معاني الفداء والتواضع والحنان والمسامحة والمحبة التي اختصرها بحياته السيد المسيح. بدورها الممثلة ميا مورغنسترن قدمت صورة جديدة لمريم العذراء الجلودة والصبورة والمتعالية عن الانهيار رغم فظاعة ما عاشته. وفي دور مريم المجدلية الممثلة الايطالية مونيكا بلوتشي في شخصية تناسبها وتناسب جمالها. اما دور الشيطان الذي سيظهر تباعا للمسيح اثناء مراحله الصعبة في بستان الزيتون ولحظة تسليم يوضاس له الى الجلد وجلجلة الصليب حتى تعليقه على الخشبة وتسمير جسده الممزق، فقد قدمته الممثلة روزاليندا سيلتانو بكثير من الغموض الذي يوحي البرودة في الاوصال. في اي حال معظم الممثلين المشاركين في الفيلم هم من الايطاليين فالتصوير تم في جنوب ايطاليا حيث اختار غيبسون احد المواقع القديمة لاعادة بناء معالم اورشليم.

ساعتان وعشر دقائق من مأساة آلام السيد المسيح جسدتها رؤية ميل غيبسون الخاصة والجدية والواقعية والقاسية جدا. ساعتان وعشر دقائق من العذاب غير المحتمل في مشاهدة ما يجري، تقابله ثوان قليلة للقيامة كانت اكثر من كافية لمنحنا العزاء ولمنح الشريط الخاتمة الرائعة. الفيلم ابتداء من الخميس 18 آذار الجاري في جميع صالات امبير وصالة كسليك.

دليل النهار اللبنانية في

19.03.2004

 
 

فيلم يعمد ميل جبسون بماء التفرد والتميز والعالمية

يهوذا يبيع المسيح من جديد

فاطمة النمر

للأسبوع الرابع علي التوالي، يحتل فيلم "آلام المسيح" إخراج ميل جيبسون المركز الأول في قائمة شباك تذاكر الأفلام الأمريكية، محققا أعلي إيرادات عرفتها السينما العالمية، فقد تجاوزت إيراداته 200 مليون دولار في أول أسبوعين من العرض داخل أمريكا فقط.. ويتوقع النقاد أن تصل إيرادات "آلام المسيح" للمليار دولار وأن يحصد أغلب جوائز الأوسكار لأفلام العام 2004.

الفيلم يتناول أحداث الليلة الأخيرة من حياة "السيد المسيح"، تحديدا 21 ساعة تبدأ بعد "العشاء الأخير" وتنتهي بقيام أو رفع "عيسي بن مريم عليه السلام".

لاشك أننا جميعا مسيحيون ومسلمون نعرف تفاصيل تلك ال 21 ساعة الأخيرة ونعرف تفاصيل ميلاد وحياة ورفع أو قيام السيد المسيح.. أما فيلم "ميل جيبسون" "آلام المسيح"، فلا بديل عن مشاهدته مهما كانت دقة الحكي. علي أية حال: يبدأ الفيلم بمشهد للسيد المسيح في "بستان جثماني" وحيدا تائها متخبطا في حالة من الإعياء الشديد، نري هذا بعين الشيطان المختبئ يراقب ويتابع خطوات "المسيح" قبل أن يقترب منه محاولا بث الشك في نفسه وهو يوسوس له: من أنت? من أبوك? هل تستطيع وحدك حمل خطايا البشر? هل تستطيع وحدك إنقاد العالم?.. ثم نري وجه "المسيح" أو "جيمس كازيفيل" وندرك علي الفور حجم ومعني آلام وعذاب النفس والروح وينادي المسيح ربه مستنجدا به ليعينه علي مواجهة محنة الخيانة التي تنتظره وما يترتب علي هذه الخيانة.. ونري الإشارة في ثعبان كبير يحاول لدغ المسيح لكنه يدوسه ويقتله تحت قدمه.. وتتوالي الأحداث التي يقدم لها المسيح نفسه عندما يخبر أصحابه بأن أحدهم سوف يبيعه وأن بطرس سوف ينكره ثلاث مرات قبل صياح الديك وفعلا يقبض يهوذا ال 30 فضة الشهيرة ويرشد اليهود عن من هو المسيح يسوع الناصري فيأخذونه وتبدأ "آلام المسيح" الجسدية والروحية.. يبدأ عذاب الجسد والروح..

وإذا كان بعض النقاد يرون في تأكيد المخرج ميل جيبسون علي تفاصيل التعذيب الجسدي قدرا من المبالغة وأنها مشاهد دموية بالغة العنف لدرجة أن منهم من وصف الفيلم بأنه تتابع لمجموعة صور ليس فيها إلا العنف والدم ولا يجوز أن تكون صورا للرب.. إلا أن جيبسون قصد هذا لعدة أسباب: أولها ليقول إن يسوع الناصري إنسان بشر ليس إلها مهما بلغت قدسيته فإنها لا تلغي إنه إنسان يتعذب ويتألم وعندما يجرح ينزف دما.. وقد أكد جيبسون الجوانب الإنسانية في مشاهد أخري بالغة الرقة والنعومة.. فرأينا يسوع طفلا يجري ويلعب ويختبئ في حضن أمه.. ورأيناه يافعا يعمل بالنجارة ليتكسب قوت يومه.. ولمسنا طبيعية وحميمية العلاقات بينه وبين المحيطين به وطبيعية تفاصيل حياته اليومية التي لا تختلف عن أي إنسان.. وإذا عدنا مرة أخري لمشاهد العنف الجسدي الذي تعرض له يسوع فقد أراد المخرج أن يصل بالمشاهد إلي أبعد نقطة في مدي قبح وبشاعة ما فعله اليهود بالمسيح وإلي مدي ما مارسوه من إرهاب حتي علي الحاكم الروماني الذي اكتفي حتي يبرئ نفسه من دم يسوع الناصري أن غسل كفيه بالماء وجففهما فيما يشبه "البشكير" بالغ الفخامة ناصع البياض وقال لليهود أنتم تقتلون رجلا بريئا وليس أنا.
وهنا يؤكد المخرج ميل جيبسون الأيرلندي الأصل الأمريكي الجنسية مواقفه وقناعاته الثابتة من القوي الاستعمارية سواء كانوا الإنجليز في فيلم "قلب شجاع" أو الرومان في "آلام المسيح" ولا تخفي الرسالة أنها موجهة لكل أشكال الاستعمار في كل زمان ومكان.. أيضا يعلن ميل جيبسون بكل وضوح وجرأة ودون مهادنة أو مغازلة لأي لوبي موقفه الرافض لما فعله ويفعله اليهود في المسيح علي أرض مهد وقيام المسيح "أورشليم القدس".

ففي مشهد مفعم بالمعاني مباشر الرسالة تحتضن "السيدة مريم العذراء" جسد السيد المسيح بعد أن فارقته روحه وتواجه الكاميرا وعيناها مباشرة في بؤرة العدسة لتقول للعالم وللإنسانية في كل مكان وزمان: "انظروا ماذا فعل اليهود! أهانوا المسيح وعذبوه وصلبوه وقتلوه علي مرآي ومسمع منكم بل مازال المسيح يصلب ومازال اليهود يقتلون في كل لحظة مسيحا علي أرض فلسطين.

مشهد آخر يفضح تواطؤ القوي الاستعمارية مع اللوبي الصهيوني وغض الطرف عن ممارساته الإرهابية.. هو مشهد التفاوض بين الحاكم الروماني علي فلسطين وكهنة المعبد اليهود فهو من جانبه اكتفي بمجرد المحاولة المتخاذلة لإجراء محاكمة وأنه هو يري أن الرجل يسوع الناصري بريء.. ثم الخدعة التي تنطوي علي المؤامرة عندما يسأل اليهود: "من تريدون الإفراج عنه، هذا المجرم القاتل أم يسوع?" وعلي جانب اليهود فهم بالطبع يطلبون العفو للمجرم القاتل ويطالبون بصلب وقتل يسوع مهددين الحاكم الروماني بطلب عزله لأنهم يسيطرون علي القيصر نفسه.

فيلم "آلام المسيح" لم يكتف بثراء المضمون وبأنه فيلم يحمل العديد من الرسائل.. فعلي المستوي الفني هو بحق فيلم عبقري.. فيلم يعمد ميل جيبسون بماء التفرد والتميز والعالمية كمخرج وكمنتج.. فهو كمنتج وفر للفيلم أرقي العناصر الفنية تصوير، إضاءة، ديكور، مكياج، مونتاج، مؤثرات، تقنيات عالية جدا.. إلي آخر عناصر الفيلم السينمائية.. وكمخرج استطاع بمنتهي الحرفية والاقتدار توظيف كل هذه العناصر ليقدم للمشاهد ليس مجرد فيلم بل حالة للمتعة وللإشباع الفني والمعرفي وحالة تحريضية ضد الصهيونية التي لم تبدأ منذ عشرات السنين فقط بل التي بدأت هناك منذ صلب يسوع الناصري.

من المشاهد التي تبرز إمكانيات ميل جيبسون وطاقمه علي سبيل المثال مشهد صلب المسيح ودق المسامير في كفيه.. المشهد كان كاملا شوت واحد بلغة السينما دون قطع طبعا هذه تقنية الجرافيك ومشهد مثل هذا لا يحتاج وصف مدي تأثيره علي البناء الدرامي وعلي المشاهد أيضا.

عنصر آخر من العناصر العبقرية في "آلام المسيح" والذي يعد واحدا من التحديات الكثيرة التي تحمل جيبسون مخاطرها لغة حوار الفيلم التي كانت الرومانية القديمة واللغة الفرسية وهي مزيج من العربية والعبرانية القديمة ثم التحدي الأكبر في ترجمة هذه اللغات القديمة إلي الإنجليزية في شريط علي الفيلم.. أما الموسيقي فكانت شرقية جدا ما بين المقامات التركية والعباسية وبعض الملامح من إيقاعات اللاتين جاز علي خلفية مسموعة لصوت يغني بطريقة الموال "ليل يا ليل".

فيلم "آلام المسيح" إخراج ميل جيبسون، إنتاج ميل جيبسون وبروس ديفي وستيفن مك فيتي، أما السيناريو الذي أعده ميل جيبسون فقد اعتمد علي العديد من المصادر منها "يوميات القديسة آني كاثرين إيمريش" وكتاب "مدينة الرب المقدسة" وبعض أناجيل العهد الجديد مثل "لوقا، مرقس، متي ويوحنا" وأبطال الفيلم "جيمس كافيزيل" الذي جسد شخصيتي يسوع الناصري ويهوذا، مونيكا بوللوتشي في دور مريم، روزاليندا سيلنتانو، سيرجيوروبيني وماتيا سبراجيا..

من الأشياء اللافتة في "آلام المسيح" أن المخرج ميل جيبسون الذي هو عمليا ألف وياء الفيلم لم يكتف عند إعداد السيناريو بثقافته الدينية ولا بأدبيات الدين المسيحي فقط بل تعرف علي العديد من الثقافات والأدبيات فالبناء الدرامي ونسيج الفيلم في شكله النهائي ومفردات الحوار علي لسان الأبطال يؤكد أن ميل جيبسون اطلع علي القرآن الكريم كتاب المسلمين المقدس تعرف علي الثقافة الإسلامية لدي العرب والثقافة الإسلامية الإيرانية وبمنتهي النعومة والذكاء والحساسية حافظ ميل جيبسون علي شعرة معاوية ما بين المسيحي والمسلم أو ما بين الدين المسيحي والدين الإسلامي وبمعني أدق ما بين العقيدتين.

والآن ها هو ميل جيبسون لم يخش البابا ولا كنيسته ولم يخش اللوبي الصهيوني واتهاماته وتهديداته ولم يبحث عن ميزان القوي وتوازن المصالح وأصدر بآلام المسيح وثيقة إدانة أبدية لليهود رمز الخيانة والوحشية والإرهاب حتي قبل اختراع الصهيونية وبنفس الوثيقة يوصم كل فنانين العرب وكل حكام العرب وكل العرب بالتخاذل والتفريط والسكوت المذل عن دم المسيح وكل دم يراق كل لحظة علي أرض فلسطين.

وأخيرا.. بعد العولمة وثورة المعلومات والإنترنت و"السيديهات" إلخ.. هل نشهد تغيرا وتطورا نوعيا في عقلية وأفق الرقابة علي المصنفات الفنية?. هل هناك أمل أن تفرج الرقابة أيا كان نوعها عن أفلام مثل: الرسالة، الجسد، محامي الشيطان وأفلام أخري?!.

العربي المصرية في

21.03.2004

 
 

«آلام المسيح» في الدول العربية: قطر أول دولة خليجية تبدأ بعرض الفيلم

الدوحة - أ.ف.ب 

بدأ في الدوحة امس عرض فيلم «آلام المسيح» للمخرج الاسترالي «ميل غيبسون»، الذي اثار ضجة كبرى في اوساط منظمات يهودية اتهمته بأنه معاد للسامية، وذلك ضمن اطار نهج «التعرف على الآخر».

وقال عبدالرحمن محسن، مدير عام شركة قطر للسينما: «لقد عرضناه على الرقابة ولم نجد اي اعتراض» معربا عن اعتقاده ان عرض الفيلم «سيؤدي الى نقاش ايجابي في اطار التعرف على الآخر ومواجهة رؤيته للاشياء باساليب مدنية متحضرة».

يشار الى ان الرقابة في قطر درجت على حظر صور او مشاهد تجسد الانبياء والرسل، لكنها «اجازته كاملا» حسب محسن.

ويعرض الفيلم المثير للجدل في قاعة سينما في الدوحة ثلاث مرات يوميا. وتنوي شركة قطر للسينما تنظيم ندوة فكرية على هامش العرض «لمناقشة مغزى ان نطلع على ثقافة الآخر. لقد قررنا المبادرة بجلب الشريط للعرض في قاعات الدوحة استقراء منا للتغييرات الحاصلة ودفعا لتعدد الآراء» كما قال محسن. واضاف: «ان عرض الفيلم سيستمر شهرا كاملا او اكثر حسب الاقبال الذي سيشهده».

ويعتقد محسن ان قطر، وهي اول دولة خليجية تسمح بعرض الفيلم، ستكون الوحيدة خليجيا التي تجيز عرض شريط آلام المسيح، مشيرا الى ان «رقابة ثلاث دول خليجية ارجأت البت فيه» غير ان صحيفة «غالف نيوز» الاماراتية ذكرت امس ان الفيلم حصل على ترخيص من وزارة الثقافة والاعلام للعرض في 31 مارس الجاري. وجدير بالذكر ان الكويت منعت عرض الفيلم في أوائل الشهر الجاري بسبب القوانين التي تحرم تجسيد شخصيات الأنبياء على الشاشة.

على صعيد متصل تمكنت شركة توزيع مصرية من الحصول على موافقة بحق عرض فيلم «آلام السيد المسيح» في مصر، ويقوم الرقباء بمشاهدة الفيلم لإعداد التقرير الرقابي حوله، وعرضه على الدكتور مدكور ثابت رئيس الرقابة.

القبس الكويتية في

22.03.2004

 
 

الجمهور ينتصر لـ "آلام المسيح"

محمود الزواوي *

لم يثر أي فيلم تاريخ السينما الحديثة من الجدل كما فعل فيلم «آلام المسيح» الذي لم تهدأ الزوبعة التي أحاطت بانتاجه منذ اكثر من عام ونصف العام. كما لم يحصل اي فيلم خلال السنوات الاخيرة على الدعم الجماهيري الذي حققه هذا الفيلم. فقد قال الجمهور الكلمة الفصل، واسكت الأصوات المعارضة للفيلم بشكل لا يدع مجالا للشك.

وسجل اقبال الجمهور على مشاهدة فيلم «آلام المسيح» في الولايات المتحدة عددا من الارقام القياسية، ومنها ان قيمة التذاكر التي بيعت مقدما قبل عرض الفيلم بلغت 5ر26 مليون دولار، وهو رقم لم يحققه اي فيلم آخر حتى الآن. ويزيد هذا المبلغ على تكاليف انتاج الفيلم التي بلغت 25 مليون دولار، والتي دفعها مخرج الفيلم ميل جيبسون من جيبه الخاص بعد ان امتنعت استديوهات هوليوود الرئيسة عن تقديم الدعم المالي للفيلم بسبب موضوعه المثير للجدل، خاصة فيما يتعلق بدور اليهود في موت السيد المسيح.

وقد فاق النجاح الجماهيري الكبير الذي حققه فيلم «آلام المسيح» كل التوقعات. فقد حصد الفيلم 84 مليون دولار خلال الايام الثلاثة الاولى لعرضه في دور السينما الاميركية، و145 مليون دولار في اسبوعه الأول، و240 مليون دولار خلال الايام السبعة عشر الاولى لعرضه، وبذلك زادات ايراداته على شباك التذاكر في الولايات المتحدة على ايرادات اي فيلم قام الممثل ميل جيبسون ببطولته او باخراجه حتى الآن. كما اصبح هذا الفيلم اول فيلم تزيد ايراداته على 100 مليون دولار هذا العام.

وافتتح فيلم «آلام المسيح» في 3051 من صالات العرض الاميركية بدلا من الالفي صالة عرض التي كان من المقرر افتتاح الفيلم فيها، الا ان ذلك العدد ارتفع الى 4643 من صالات العرض خلال اسبوع من افتتاحه بسبب الاقبال الجمهوري غير المتوقع على مشاهدة الفيلم.

وتقول المعلقة الصحفية الاميركية ماري جوردون ان الاميركيين لا يسألون بعضهم البعض في هذه الايام عن الفيلم الذي سيشاهدونه في عطلة نهاية الاسبوع، ولكنهم يسألون بعضهم: «متى ستشاهدون فيلم آلام المسيح؟».

وقد رافق الاقبال الجماهيري الكبير على مشاهدة فيلم «آلام المسيح» في دور السينما اقبال غير متوقع في الولايات المتحدة على شراء اسطوانات واشرطة الموسيقى التصويرية للفيلم التي قام بتأليفها الموسيقار جون ديبني، وتصدرت هذه التسجيلات قائمة مجلة بيلبورد الشهيرة لاكثر الاغاني والمؤلفات الموسيقية مبيعا في الولايات المتحدة، بالاضافة الى الاقبال على شراء شريطة اغنية جديدة مرتبطة بالفيلم للمغنية جيسي كولتر مع ابنها المغني شوتر جيننجز، وصدور البوم يضم مجموعة من الاغاني القديمة لعدد من كبار المغنين الاميركيين مثل الفيس بريسلي وبوب ديلان وريكي سكاجز بمناسبة عرض فيلم «آلام المسيح».

كما رافق ذلك اقبال كبير على شراء عدد من الكتب الجديدة المرتبطة بفيلم «آلام المسيح» والتي طبع منها مئات الالاف من النسخ الاضافية لتلبية الطلب المتزايد عليها.
وقد حقق فيلم «آلام المسيح» كل هذا النجاح في وجه حملة شعواء تعرض لها الفيلم ومخرجه النجم السينمائي الاميركي المولد والاسترالي النشأة والعالمي الشهرة ميل جيبسون من بعض المنظمات اليهودية الاميركية والكتاب اليهود الذين اعلنوا ان الفيلم سيثير مشاعر المعاداة لليهود لان الفيلم يربط موت السيد المسيح باليهود. بل ان فيلم «آلام المسيح» تعرض لهجوم من قبل عدد من الكتاب ورجال الدين المسيحيين الاميركيين الذين تعددت اسباب معارضتهم للفيلم، فمنهم من قال ان قصة الفيلم لا تنسجم مع ما ورد من الأناجيل، ومنهم من انتقد العنف المفرط في الفيلم وصوره الدموية، في حين ان البعض ايد مخاوف المعارضين اليهود للفيلم من انه قد يثير المشاعر المعادية لليهود
.

الا ان المخرج ميل جيبسون نفى ان يكون هو او فيلمه معاديا لليهود رغم الحملة التي شنها اليهود ضد والده المعروف بمجاهرته بان ما يدعيه اليهود عن المحرقة على ايدي النازيين امر مبالغ فيه. واكد ميل جيبسون في عشرات المقابلات والتصريحات ان فيلم «آلام المسيح» يعبر عن معتقداته الكاثوليكية القوية، وانه اتبع في قصة الفيلم ما ورد في الأناجيل والادبيات الدينية الموثوقة. واشترك ميل جيبسون في كتابة سيناريو الفيلم مع الكاتب السينمائي بنيديكت فيتزجيرالد، بالاضافة اى قيامه باخراج الفيلم وانتاجه.

وقال ميل جيبسون ان فيلم «آلام المسيح» هو محاولة شخصية من جانبه لتصوير ما حدث بالفعل للسيد المسيح في ساعاته الاخيرة، وان الفيلم هو نتاج سنوات من التأمل والتعبير عن معتقداته الدينية الشخصية. وعلق على العنف المفرط في الفيلم بقوله انه حاول ان يجعل الفيلم واقعيا قدر المستطاع وانه اراد ان يشعر الجمهور بانه موجود في موقع الاحداث. ولاضفاء مزيد من الواقعية على فيلم «آلام المسيح» فان المخرج ميل جيبسون يقدمه الفيلم باللغتين اللاتينية والآرامية اللتين تحدث بهما السيد المسيح، مع ترجمة انجليزية على الشريط السينمائي. ولكن الفيلم يعتمد اساسا على تأثير القوة البصرية.

وفيلم «آلام المسيح» هو ثالث فيلم من اخراج ميل جيبسون، ولكنه اول فيلم يخرجه ولا يظهر فيه كممثل. وقد اسند دور السيد المسيح في الفيلم للممثل الاميركي جيمس كافيزيل، الذي تظهر معه في الفيلم مجموعة من الممثلين الاجانب، ومعظمهم من الممثلين الايطاليين.

وقد صمد الفنان ميل جيبسون في وجه الحملة الشرسة التي واجهت انتاج فيلم «آلام المسيح»، واثبت النجاح الجماهيري الذي حققه الفيلم ان تلك الحملة ادت الى نتائج عكسية. وقد اقر الحاخام يوجين كورن المدير السابق لشؤون العلاقات بين الاديان في منظمة مناهضة التعصب، وهي من اكبر المنظمات اليهودية المعروفة بنفوذها في الولايات المتحدة، والذي تزعم حملة ضد الفيلم، بانه وغيره من معارضي الفيلم ارتكبوا «خطأ استراتيجيا» في جدلهم المستمر مع ميل جيبسون في وسائل الاعلام على مدى عدة اشهر قبل ان يعرض الفيلم ويحقق نجاحه الجماهيري المذهل. ورأى معلقون آخرون ان منتقدي الفيلم ووسائل الاعلام اسهموا من حيث لا يدرون في الترويج للفيلم.

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز الواسعة النفوذ عشرات التعليقات المعارضة للفيلم وبعض المقالات المؤيدة له. كما اتاحت الصحيفة مساحة كبيرة لردود القراء الذين تفاوتت آراؤهم، ولكنها جاءت في غالبيتها متعاطفة مع الفيلم.

وقد تباينت الآراء فيما يتعلق باحتمال اثارة فيلم «آلام المسيح» لموجة جديدة من المشاعر المعادية لليهود. فقد اظهرت الاستطلاعات بين مشاهدي الفيلم في الولايات المتحدة ان غالبيتهم لم تجد في الفيلم ما يظهر اليهود بصورة سلبية. واكد غالبية من استطلعت آراؤهم على التجربة الروحية لمشاهدة الفيلم، وعلى روح التسامح والمحبة التي يؤكد عليها الفيلم.

يشار الى ان ردود فعل بعض السينمائيين على فيلم «آلام المسيح» كانت متباينة. فقد دافع الممثل المخرج كيفن كوستنر عن زميله الممثل ميل جيبسون ووصفه بانه مخرج سينمائي مشرف، وقال ان من المرجح ان يكون ميل جيبسون قد تأمل في اخراج هذا العمل الفني الديني اكثر مما يعتقد الاخرون. ونصح كيفين كوستنر النقاد والمعارضين بأن يتركوا ميل جيبسون وشأنه.

أما المخرج الإيطالي فرانكو زيفيريلي الذي أخرج لميل جيبسون فيلم «هامليت» في العام 1990، والذي قام بإخراج فيلم «يسوع الناصرة» عن حياة السيد المسيح في العام 1978، فقد نشر مقالاً في كبرى صحف مدينة ميلانو الايطالية شن فيه هجوماً لاذعاً على ميل جيبسون ووصف فيلم «آلام المسيح» بأنه معاد لليهود، كما وصف ميل جيبسون بأنه متعطش للدماء.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سيؤثر فيلم «آلام المسيح» على مستقبل الممثل المخرج ميل جيبسون في هوليوود التي يسيطر المدراء وكبار المنتجين اليهود على استديوهاتها؟ لقد طرح هذا السؤال بصراحة في مقال للكاتبة شارون واكسمان مراسلة صحيفة نيويورك تايمز في مدينة لوس انجيليس، والتي قالت ان فيلم «آلام المسيح» المثير للجدل اثار حفيظة عدد من كبار مدراء استديوهات هوليوود، مما قد يلحق الضرر بالمستقبل المهني لميل جيبسون.

وقالت الكاتبة - على سبيل المثال - ان مديري شركة دريم ويركس السينمائية جيفري كاتزنييرج وديفيد جيفين، وهما شريكا المخرج المعروف ستيفين سبيلبيرج في هذه المؤسسة السينمائية الضخمة، أعربا عن غضبهما على ميل جيبسون وفيلمه. والمعروف ان كاتزبيرج وجيفين وسبيلبيرج من اليهود.

ونقلت الكاتبة الصحفية عن مديرين يهوديين لاثنين من استديوهات هوليوود الكبرى، دون ان تحددهما بالاسم، قولهما انهما سيتجنبان العمل مع ميل جيبسون بسبب فيلم «آلام المسيح» وبسبب تصريحاته المتعلقة بالفيلم. وقالت الكاتبة ان احد هذين المديرين توعد لميل جيبسون واكد انه لن يتعامل معه او معي اي مشروع يكون طرفا فيه، فيما قال المدير الاخر ان من الممكن الاستغناء عن العمل مع ميل جيبسون في المستقبل.

اما على الجانب الواقعي والعملي لهوليوود التي لا تفهم إلا لغة الربح والخسارة، فقد نقلت الكاتبة الصحفية عن وكيل معروف للفنانين في هوليوود هو جون ليشير قوله ان فيلم «آلام المسيح» لن يترك اي رد فعل سلبي اذا حقق الفيلم نجاحا تجاريا في دور السنيما، واكد ان المنتجين في هوليوود مستعدون للتعامل مع الشيطان اذا كان قادرا على ملء المقاعد في دور السينما بالمشاهدين. وأضاف هذا الوكيل انه لا خوف على نجم سينمائي ومخرج ناجح يتمتع بالرصيد السينمائي لميل جيبسون في هوليوود التي يحسب فيها النجاح والخسارة بالدولار.

كما قال الكاتب السينمائي أ.و. سكوت في مقال اخر بصحيفة نيويورك تايمز «ان ايرادات شباك التذاكر في صناعة السينما هي المحك الاساسي، وان من النتائج المتوقعة للنجاح المالي الذي يحققه فيلم «آلام المسيح» ظهور المزيد من هذا النوع من الافلام في المستقبل في نفس استديوهات هوليوود التي رفضت توزيع فيلم «ميل جيبسون». ويمضي الكاتب الى القول «ان من المعروف ان ايرادات شباك التذاكر هي اقوى واهم دليل في السوق لا تستطيع هوليوود ان تتجاهله». 

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في

24.03.2004

 
 

آلام المسيح..للكبار فقط..بالقاهرة"الأربعاء"

نسخة بابا الفاتيكان.. هدية للفلسطينيين

تقرر عرض فيلم آلام المسيح يوم الأربعاء القادم بالقاهرة.. بشرط أن يتم العرض للكبار فقط كما جاء في تقارير الرقابة التي وافقت علي الفيلم بدون حذف.

كانت عواصم عديدة قد رحبت بعرض الفيلم وكان أولها بيروت والدوحة وأخيراً في فلسطين حيث حظي بإقبال كبير.. وتطوعت الكنائس بعرض نسخة أصلية.

وقالت مصادر بأن ميل جيبسون مخرج ومنتج الفيلم الذي التقي بالبابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان في وقت سابق لأخذ رأيه في الفيلم الذي يتحدث عن الساعات الأخيرة في حياة السيد المسيح. أعطاه نسخة من الفيلم هي التي وزعها في فلسطين ليشاهدها الجمهور مجاناً بينما عرض في قاعات السينما والمراكز الثقافية برسوم تكاد تكون رمزية.

وحظر علي القاصرين من 18 عاماً الفيلم الذي يتضمن مشاهد مؤلمة. ويتحدث أبطاله اللغة الآرامية. التي كان يتحدث بها السيد المسيح ورافقته ترجمة للغتين العربية والإنجليزية.

الفيلم يكاد يكون تسجيلياً لقصة مقتل السيد المسيح الكلاسيكية كما جاء في "العهد الجديد" ..لذلك كان متوقعاً أن يثير حماس المؤمنين ورفضهم أكثر مما حدث مع أفلام سابقة استوحت حياة المسيح كفيلم الإغراء الأخير للمسيح والمسيح يصلب مرتين المأخوذ عن قصة الروائي اليوناني الشهير كازنتزاكس.

ويتميز الفيلم بإخراجه القوي. الذي جعله يختلف عن أي فيلم ديني آخر تناول حياة المسيح. وهو موجه إلي جمهور واسع. بقصة درامية.

ويكرر الفيلم الاتهام لليهود بالمسئولية عن مقتل المسيح وهو الموضوع الذي يخرج للنقاش العلني داخل وخارج إسرائيل التي تعتبر نفسها ممثلة اليهود في العالم وأوساط من الفاتيكان. مثلما حدث عام 2000 خلال زيارة للبابا يوحنا بولس الثاني لفلسطين وخلال هذه الزيارة التي شملت أيضاً الأردن وسوريا. وزع البابا اعتذارات عن ممارسات سابقة للكنيسة الكاثوليكية ضد اليهود وزار متحف الكارثة والبطولة في القدس الخاص بممارسات الحكومة النازية ضد اليهود وأقام صلاة هناك.

ولكن البابا نفسه بعد الحملة التي تعرض لها ميل جيبسون. المتدين الكاثوليكي. بسبب فيلمه آلام المسيح. وقف بجانب فيلمه إلي درجة أنه عمل علي ترويج هذا الفيلم كما يحدث الآن في فلسطين.

وقابل الجمهور الواقع تحت الاحتلال الفيلم بحماس. وقارن بعضهم ماتعرضه له مواطنهم السيد المسيح قبل ألفي عام وبين مايتعرضون له الآن. ووجدوا في ذلك بعض العزاء..!

الجمهورية المصرية في

24.03.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)