كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أحمد زكي الذي حقق المعادلة الصعبة!

دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي

عن رحيل الإمبراطور

أحمد زكي

   
 
 
 
 

بوجه غارق في سمرة الدلتا، ونظرة ملؤها الصدق والعفوية، دخل الفنان الراحل أحمد زكي مضمار الفن، ولم يكن يملك من مقومات النجاح سوى حب جارف يغلي بين الجوارح، ورغبة غامضة تدفعه إلى فن اسمه السينما، بيد أنه استطاع أن يكون أحد أبرز نجومها لأكثر من ثلاثين عاماً قدم خلالها النجم الأسمر أكثر من خمسين فيلماً، عدت ستة منها، من بين أفضل مئة فيلم أنتجته السينما المصرية خلال تاريخها، في حين بلغ عدد الجوائز العربية والدولية التي حصل عليها الراحل، عدد أفلامه.

أحمد زكي المولود في الزقازيق (محافظة الشرقية) العام 1949 ، الذي فقد والده باكراً وكذلك والدته التي تركته بعد زواجها الثاني، قدم إلى القاهرة حيث درس في المعهد المسرحي إذ تخرج مطلع السبعينات من القرن الماضي، لتكون هذه الشهادة هي الدليل الوحيد على حسن نيته في عشق الفن، لكنه واجه واقعاً سينمائياً مكرساً، فأنى لشاب ريفي بسيط، يعاني الحرمان والألم، أن يتمكن من إيجاد موقع وسط الكبار؟

ها هنا ظهرت مهارة الفنان أحمد زكي الذي لم يكتفِ باقتحام قلعة الفن المحصنة، بل عمل على قلب المفاهيم، وكسر التقاليد التي كانت سائدة في السينما المصرية في السبعينات وما قبلها، حين أدخل الشك في نفوس من يختزلون التمثيل في الوسامة والملامح الجميلة، ليثبت لهم بأنه «فتى الشاشة غير الجميل» والمحبوب في الوقت نفسه طالما يملك موهبة هي الوحيدة التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار.

وعندما تسنى له هذا الموقع سعى احمد زكي إلى ما هو أبعد من ذلك حين عمل، في أفلامه على الأقل، على إخراج السينما المصرية من مستنقع الميلودراما، والإثارة المجانية، ليقدم بديلاً متمثلاً في تلك السينما التي تطرح أسئلة من شأنها تقديم قراءة جديدة للواقع الاجتماعي والسياسي، عبر تقديم نماذج من المجتمع المصري بكل همومه، وخيباته، وتفاصيل حياته العادية فجسَّد دور البواب، والسائق، والطبال، والجندي، والمحامي، والصحافي، والمشعوذ، والمصور... وفي السنوات الأخيرة راح يجسد أدوار الزعماء كما في «ناصر 56» عن حياة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، و»أيام السادات» الذي يؤرخ لسيرة السادات، واعتبر الفيلمان علامتين بارزتين في تاريخ السينما العربية.

ولعل الأمر الآخر في مسيرة هذا الفنان هو انه استطاع أن يجمع بين الانتشار الجماهيري الواسع من جهة، والاحتفاء النقدي البارز من جهة أخرى، أي تحقيق تلك المعادلة الصعبة في عالم الفن، معادلة النجم المحبوب بمعايير الجمهور، والممثل الموهوب بمقاييس النقاد، فلئن وجد فيه النقاد ممثلاً يتمتع بمهارات عالية في التمثيل، فان الجمهور البسيط وجد فيه نموذجاً للإنسان المصري العادي الذي يتحايل على هموم الحياة، ويبحث عن فسحة للأمل وسط المعاناة.

وشاءت الأقدار أن تنتهي حياة الفنان الحافلة بفيلم «حليم» الذي يتناول سيرة الفنان الراحل عبدالحليم حافظ المتشابهة إلى حد بعيد مع تراجيديا الحياة التي عاشها أحمد زكي، ولعله في هذا الفيلم الذي انتهى من تصوير 90 في المئة من مشاهده، أراد أن يكون متماهياً مع الدور وصادقاً في تجسيده حتى الموت، فما إن اقترب موعد تصوير مشاهد مرض عبدالحليم وصراعه مع الموت في الأيام الأخيرة، حتى خرج أحمد زكي من استوديوات التصوير، حين غلبه المرض، ليكمل مشاهد الفيلم الأخيرة، بصورة واقعية، على مسرح الحياة، وربما كان هذا ما يدور في ذهنه حين طلب من المنتج أن يضمن شريط الفيلم جانباً من مشهد جنازته.

ولم يكن اختيار زكي لتجسيد دور عبدالحليم حافظ في فيلم كتب له السيناريو محفوظ عبدالرحمن ويخرجه شريف عرفة، عشوائياً، بل هو استحضار لحياة قلقة عاشها الفنانان، بدءاً من خروجهما من المنطقة نفسها، مروراً بالمعاناة التي واجهاها في القاهرة حين حاولا بتفكير ريفي بسيط وبريء نيل الشهرة والمجد، وصولاً إلى التربع على عرش الفن عبر الجهد الفردي، والمثابرة، والإيمان، فثمة نقاط التقاء مشتركة، وحياة صاخبة، وشاقة انتهت بموت حزين.

برحيل «جوهرة السينما السمراء» كما كان يلقب، تكون السينما المصرية، والعربية فقدت أحد أبرز نجومها، فهذا الفتى الأسمر النحيل الذي يحتفظ في محياه بكل براءة هذا العالم، استطاع أن يضيف إلى السينما العربية تحفاً فنية مدهشة مثل: «البريء»، «ضد الحكومة»، «أحلام هند وكاميليا»، «زوجة رجل مهم»، «أرض الخوف»، «سواق الهانم»، «اضحك علشان الصورة تطلع حلوة»، «البيضة والحجر»، «الهروب» وغيرها وهي أفلام لا تنتهي بإضاءة الأنوار في الصالة بل لعلها تبدأ، في تلك اللحظة، في ذهن المتفرج، وسيكون من الصعب تجاهل هذا الاسم لدى أي حديث يتناول تاريخ السينما العربية وهمومها وقضاياها.

الحياة اللندنية في

01.04.2005

 
 

أحبته الجماهير بشكل استثنائي 

أحمد زكي.. نجم الغلابة والمطحونين

القاهرة ـ ناهد صلاح 

«مع السلامة يا ابني.. مع السلامة يا ابني» وقفت سيدة مسنة تتشح بالسواد، تصرخ وتنتحب وهي تلوح بيدها نحو نعش أحمد زكي، فهي كانت ترى في صورة الفتي الأسمر شبها لابنها بالفعل؟ وهل كان الجمع الغفير من الناس العاديين والبسطاء والمطحونين الذين حضروا جنازته، ملتاعين، يرون فيه فردا من العائلة؟ وإلا ما هو هذا الاهتمام الجماهيري الاستثنائي بهذا النجم؟

الذي لم يفز به أحد من قبل سوى عبدالحليم حافظ ما هي تلك الكاريزما التي جعلت الجميع في الشارع المصري يتفقون على حب أحمد زكي؟ بل إن أثنى عشر معتمراً لا تربطهم به صلة شخصية ولا يعرفونه سوى ممثلا على الشاشة أهدوه عمرتهم في العشر الأواخر من رمضان الأخير وهو ما لم يحدث مع نجم قبله.

الأمر، بالتأكيد، يحتاج إلى تفسير، خاصة وأن أحمد زكي لم يكن بارعا في الدعاية لنفسه، بل كان عازفا أغلب الوقت عن الظهور في وسائل الإعلام بشكل جعل حياته وشخصيته أقرب إلى الغموض، فالمعروف عنه، دائما، قليل.الفنان نور الشريف لديه تفسيره الخاص قائلا: إن الجمهور الذي تعلق بأحمد زكي بشكل استثنائي هو جمهور واع يعرف من يصدقه في الأداء ومن يحاول أن يمثل عليه الدور.

وقد تطلع إلى أحمد في أفلامه فوجدوه يشبههم، واحدا منهم، يعبر عن أحلامهم وهمومهم ويتحدث بلغتهم، فأحمد زكي في «طائر على الطريق»، و«موعد على العشاء» و«البيه البواب» و«ثلاثة في مهمة رسمية» و«أحلام هند وكاميليا»، هو بالضبط الشخصية التي يذوب فيها حين يجسدها وهو في الوقت نفسه أحمد زكي وطوال الوقت.

وهو أيضا الضابط المتعجرف في «زوجة رجل مهم» و«الوزير الفاسد» والغارق في انتهازيته في «معالي الوزير»، وهو في ذروته الزعيم جمال عبدالناصر في عز شبابه وكاريزميته في «ناصر56»، وهو كأحمد زكي لا يغيب عن الوجود ولا يتلاشي تماما ولا يذوب تماما في أي شخصية من هذه الشخصيات، وهذا سر عبقريته الذي لم يخف على أحد، فقد كان قادرا على أن يكون ولا يكون في الوقت ذاته.

المخرج يوسف شاهين يصفه بأنه «عفريت تمثيل» ويقول: لقد انطفأت أنوار الدنيا برحيل أحمد زكي، على الرغم من أنه لم يعمل معي سوى في فيلم واحد هو(إسكندرية ليه) إلا أنه فنان يملك ألف وجه، ويعد من ممثلينا القلائل الذين يملكون الإحساس والوعي، والكاريزما الخاصة به صنعتها له أدواره التي اجتهد فيها وكان صادقا وهو يقدمها، إضافة إلى مساحة إنسانية تخصه وحده حيث عرفه الجميع حنونا وكريما وعنيدا لا يعرف الاستسلام ولا يتراجع أمام أزماته بدليل أنه تحدى مرضه حتى آخر لحظة وأثبت أنه قادر على تقديم صورة جميلة يتماهى فيها الفن مع الحياة.

كان أحمد زكي عصاميا، هكذا يقول الناقد السينمائي والسيناريست د. رفيق الصبان، ويضيف:عاش يتيم الأب وبعيدا عن حضن الأم، وقد استطاع أن يبني نفسه بطموحه، لذا تعاطفت معه الجماهير والناس الغلابة التي رأته واحدا منهم يخرج من بين صفوفهم وينجح، فكان أملهم في الصعود، ولما مات كان ألمهم حقيقيا، فقد شعروا أن قريبا أو فردا من العائلة هو الذي رحل.

كما أن أحمد زكي أشبه بأبطال الأساطير اليونانية القديمة فهو يملك سحره الخاص في التمثيل، يذوب في شخصياته حتى الفناء، لذلك صدقناه في دور الفلاح البسيط والصعلوك والضابط والموظف والتاجر والمحامي. هو كل هذه الشخصيات لذلك أسميه ساحر السينما المصرية وعبقريتها الفذة التي ستظل مضيئة بتوهجها الفني الصادق.

الناقد السينمائي كمال رمزي يقول: أحمد زكي دخل كل بيت بأفلامه التي تفانى في تقديمها لآخر نفس، فالناس تعاطفت مع هذا النجم الكادح والصادق في مشاعره دوما، فأحمد زكي وحده يمثل السائق والبواب وجندي الأمن المركزي والمتسكع والصعلوك بدون أن يحولها إلى نمط.

إنه يمثلها ولا يحولها إلى غرض ترفيهي وإنما يقدمها بطريقة القادر على إعادة صياغتها وابتكارها وإبراز تناقضاتها وحضورها المتفرد، فهو طوال الوقت يؤسس لمدرسة خاصة في التمثيل تقوم أسسها على التلقائية والصدق والتفاني في العمل، وقد ساعده على ذلك اندماجه مع تيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية الذي كان سائدا في مرحلة الثمانينات.

أما الناقد طارق الشناوي فيقول:تحول أحمد زكي إلى رمز لجيل من المطحونين وإلى أمل لجيل من الموهوبين الذين لا يزالون يبحثون عن فرصة ما، فهو بملامحه السمراء يمتلك مواصفات مغايرة تماما لما تعودت عليه السينما المصرية.

ولكني لا أتصور أن البشرة السمراء هي فقط عمق الإضافة التي منحها أحمد زكي لقائمة نجوم السينما، الأهم أن بساطة الأداء وتلقائيته كانت هي الشفرة التي عبرت به إلى قلوب الناس وجعلته نجمهم المحبوب الذي يوجعهم جدا فراقه.ان.

البيان الإماراتية في

01.04.2005

 
 

ورحل أحمد زكي صاحب أكبر رصيد من النجاحات علي شاشة السينما

تكتبها : امال بكير

ورحل النمر الأسود‏..‏ رحل أحمد زكي بعد معاناة طالت لاكثر من عام مع المرض‏..‏ رحل وهو يعيش أحد أحلامه التي راودته كثيرا بأن يمثل قصة حياة ونجاح عبدالحليم حافظ‏..‏ ثم يمثل بالطبع في نهاية الفيلم‏..‏ نهاية عبدالحليم حافظ الشخصية عندما رحل العندليب بعد معاناة مع المرض فقد حقق أحمد زكي هذه النهاية بالفعل ليموت أيضا علي سرير المرض ولكن في بلده‏.‏ أما حليم فمات حيث كان يعالج في لندن وليصل إلي بلده ولكن داخل نعش ملفوف بقماش أتذكره جيدا فقد كان يشبه الخيش‏.‏

مات أحمد زكي الذي لم يحب الفن فقط ولكن يمكن أن نقول بل نؤكد أنه عشق الفن وبالذات التمثيل‏.‏

مات والملايين تدعو له وهي تتابع حالته الصحية الحرجة في الأيام الأخيرة‏..‏ مات ومئات الفنانين يدعون له‏..‏ مات والعشرات منهم يتوافدون يوميا إلي مستشفاه لزيارته أو حتي للسؤال عنه دون مشاهدته‏.‏

رحل قبل أن يضع خاتمة فيلم حليم الذي كان يمثله علي الشاشة ولكنه قدمها في الواقع عندما رحل بالفعل كما رحل العندليب علي سرير المرض وفي نفس الشهر‏.‏

رحل أحمد زكي صاحب أكبر قدر من النجاح في تجسيد الشخصيات التي قدمها علي الشاشة مع إختلاف نوعياتها‏.‏

رحل أحمد زكي بعد أن استمتع هو شخصيا بنجاحاته المتعددة كما أمتعنا نحن جماهيره بهذا النجاح الذي لم يسبقه إليه فنان آخر‏.‏

رحل أحمد زكي بعد أن قدم أنصع فترات حكم عبدالناصر عندما أمم قناة السويس‏..‏ قدم لنا شخصية هذا الزعيم باقتدار لم يختلف عليه أحد في فيلم ناصر‏56.‏

رحل أحمد زكي بعد أن قدم لنا أيام السادات‏..‏ ذلك الفيلم الذي حكي مشوار حياة الرئيس السادات صاحب قرار العبور بما في هذا المشوار من دراما وأيضا تراجيديا موته‏.‏ وأذكر أن قاعتين للسينما كانتا تعرضان الفيلم فيما يسمي بالعرض الخاص قبل نزول الفيلم إلي دور السينما للجماهير‏..‏ وكيف كان البعض يجلس علي سلالم السينما بعد إمتلاء القاعات بالمتفرجين والذين كانت بينهم أرملته السيدة جيهان السادات وأبناؤه وليقدم الرئيس مبارك الأوسمة لفناني ومخرج وكاتب الفيلم‏.‏

وكان الفيلم التالي مباشرة لهذا الفيلم العظيم‏..‏ هو فيلم معالي الوزير الذي نال عنه أخر جوائزه وهي جائزة التمثيل الأولي والتي قدمها له وزير الثقافة فاروق حسني في الحفل الختامي لمهرجان القاهرة السينمائي منذ ثلاثة أعوام‏.‏

أحلام أحمد زكي كانت كبيرة لم تتسع حياته لكي يحققها ولكن ربما ما يعزينا جميعا في فقده أنه عايش النجاح وعايش التألق‏..‏ وعايش أو استمتع بهذا الإبهار في الأداء التمثيلي عندما استطاع أن يربك المتفرج بهذه المقدرة ليس علي التقمص ولكن الغوص داخل الشخصيات بما يؤثر علي شكله الخارجي بعيدا عن الماكياج الذي مهما نجح فنانوه في تقديم الصورة القريبة من الشخصية‏..‏ لكن يظل هذا الإحساس الداخلي هو ما نجح فيه هذا الفنان في أن يعيش ويجعلنا نعيش معه الشخصية التي يجسدها‏.‏

عايشته منذ بدايته علي مسرح الفنانين المتحدين في مسرحية مدرسة المشاغبين ليقوم بدور الطالب الفقير البسيط ولم يكن دوره في المسرحية يقدم له أي توهج من ذلك الذي يقدم لزملائه عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي‏.‏ وعندما أعود بالذاكرة لهذا العرض‏..‏ أقول لقد كان التوهج من خلال هذه الشخصية البسيطة المستكينة والتي نجح فيها بأسلوبه الخاص بعيدا عن الكوميديا‏.‏

عايشته خلال حزنه العميق علي واحد ممن ساعدوه في بداية مشواره وهو الفنان الكبير صلاح جاهين الذي كان بمثابة الأب الروحي له واستمتعنا جميعا بعمله التليفزيوني الرائع هو وهي عن قصة الزميلة سناء البيسي سيناريو وحوار وأشعار صلاح جاهين والذي شاركته فيه الراحلة أيضا سعاد حسني‏.‏

وعايشته في نجاحات عديدة للشاشة الفضية التي أخلص لها بصورة متفردة وأعتقد أنها أيضا ستخلص له‏..‏ أي لذكراه من خلال ما قدمه لها‏.‏

ثم عايشته في آخر حفل عام ظهر فيه وهو الحفل الذي ضم اكبر عدد من فنانينا والذي أقامه الاعلامي الكبير عماد أديب بمناسبة بداية تصوير فيلم حليم الذي ينتجه‏..‏ وفي هذا الحفل لا أدري السبب في أنني شعرت من نظراته أنه يودع بها الجميع‏..‏ فعلا كان الوداع الأخير‏.‏ 

السؤال الآن‏:‏ كيف نكرم أحمد زكي؟

رحل الفنان العبقري وقدم الجميع تجاهه مايستأهله من اهتمام خلال المرض ثم كانت هذه العواطف الجياشة من الجميع أيضا في وداعه الأخير‏..‏ وليس استخدام الجميع هنا من قبيل المبالغة فلا أعتقد حسب معرفتي بالفنان الراحل خلال سنوات عديدة من تألقه‏..‏ لا أعتقد أن هناك من لايشعر بهذا الحب الجارف تجاه أحمد زكي الفنان والإنسان أيضا فإنسانيته وضحت إلي حد ما للجميع من خلال بساطة ملموسة في الشخصية وهذه البساطة يستشعرها المواطن بسهولة لأي فنان ويستطيع أن يميز بين البساطة التي يفتعلها الممثل مهما كانت درجة عبقريته في التمثيل والبساطة الطبيعية التي خلقه الله بها‏.‏

المهم بعد هذه العواطف من الشعب وهذا التقدير من الرئيس حسني مبارك والدولة وهذا الوداع الذي يخلع القلوب في جنازة الراحل يأتي السؤال المهم‏..‏ وهو كيف نكرم هذا الفنان؟

قد يكون ثمة شارع باسمه‏..‏ أو قاعة في أكاديمية الفنون باسمه أو‏..‏ أو‏..‏ أو غيرها من الوسائل التقليدية إلي حد ما التي عادة ما نفكر فيها لتكريم فنان كبير غادر دنيانا‏.‏

ما أراه حقيقة هو أن أحمد زكي قدم بالفعل وسائل تكريمه بعد رحيله‏..‏ قدمها من خلال عدد جاوز الخمسين فيلما بعضها يعد من علامات السينما المصرية في القرن العشرين‏.‏

هذه الأفلام هي التكريم الحقيقي للفنان أحمد زكي مضافا إليها آخر أفلامه في القرن الحادي والعشرين وهي معالي الوزير‏..‏ ثم فيلمه الذي يستكمل حاليا حليم ذلك الأمل الذي راوده لأكثر من عشر سنوات‏.‏

هذه الأفلام هي كما قلت التكريم الحقيقي لأحمد زكي مجرد مشاهدتها مرة أخري بل ومرات تقدم لنا الذكري الحية لواحد من عباقرة فن التمثيل‏.‏

هذه الأفلام كل مانطلبه ألا تكون قد انتقلت ملكيتها إلي هذه الجهة أو تلك بحيث يأتي اليوم الذي لانجدها تحت أيدينا وأعتقد أن بعضها قد انتقل بالفعل لجهات أخري‏..‏

فماذا نحن فاعلون في هذا المجال للحفاظ علي ما سيطلق عليه مستقبلا تراث الفنان أحمد زكي؟

ماذا نحن فاعلون لنحتفظ بأفلام أحمد زكي‏..‏ خير وسيلة لتكريمه؟

أرجو بعد أن تهدأ العواطف أن نفكر في كيفية التكريم الحقيقي لأحمد زكي من خلال ما تركه من ثروة سينمائية بكل المقاييس‏.‏

الأهرام اليومي في

01.04.2005

 
 

حجم سعادتنا بابداعك لن يداوي جرحنا لفراقك.. أحمد زكي‏..‏شكرا

بشير حسن

انهض أيها النائم في هذا الصندوق‏,‏ انظر حولك‏,‏ آلاف الأيادي تمتد إليك‏,‏ وجوه لا نعرفها‏,‏ وأخري لا يعرفها سواك‏,‏ مد يدك‏,‏ فطالما امتدت إليهم‏,‏ افتح عينيك‏,‏ قل لنا من هؤلاء؟ هذه سيدة عجوز تناديك‏,‏ وذاك شاب جاء من أقاصي الصعيد ليتحدث إليك‏,‏ وتلك أرملة جاءتك من بلدتك في الزقازيق‏,‏ إنها جارة والدتك‏,‏ وواحدة من اللواتي شملتهن بعطفك‏,‏ انهض أيها النائم في الصندوق‏,‏ ألا تسمع من حولك؟ لماذا تغط في النوم بهذه الطريقة غير المعهودة؟ هل بذلت مجهودا في التصوير بالأمس؟ هل تشعر بالإرهاق؟ رد‏..‏ أحمد‏...‏ أحمد؟

ما هذا؟ هل استسلمت؟ لا تقل نعم؟ انهض فأنت المثابر الصابر‏,‏ انهض فأنت المحارب منذ أن وطأت قدمك المغموسة في طمي الشرقية أسفلت العاصمة الملتهب‏,‏ أفق‏...‏ أحمد؟ انهض؟ إنها أزمة من أزمات كثيرة اجتزتها‏,‏ قف علي قدميك‏,‏ ألا تتذكر البلهارسيا التي هزمتها؟ ألا تتذكر ضلوعك التي تكسرت جميعها وعدت إلي عملك وجمهورك؟ السرطان ليس أقوي منك‏,‏ تقاومه منذ عام وانتصرت عليه‏,‏ أحمد‏..‏ انهض‏,‏ حليم ينتظرك في البلاتوه‏,‏ ما هذا؟ لا صوت ينبعث من الصندوق‏,‏ لا حركة‏,‏ لا استجابة‏,‏ أحمد‏...‏ أحمد‏...‏ هل استسلمت؟ تكلم‏..‏ لن نلومك‏,‏ لقد انبري جسدك في المقاومة فصرت النحيل وأنت الفارس‏,‏ لا صوت‏...‏ استسلم أحمد زكي‏,‏ هزمه السرطان‏,‏ أيتها السيدة العجوز‏,‏ أيها الشاب‏,‏ أيتها الأرملة‏..‏ كفوا عن مناداته‏,‏ أحمد فضل الرحيل

حقيبة صغيرة‏,‏ بها بيجامة قديمة وشبشب نصف عمر‏,‏ حملها الشاب الأسمر أحمد زكي وتوجه إلي القاهرة‏,‏ حقيبة خفيفة‏,‏ وأمتعة هزيلة‏,‏ لكنه حمل في قلبه أحزانا كثيرة‏,‏ وفي عقله أحلاما لا حدود لها‏,‏ في وجهه‏..‏ تقرأ سطور ألم خطتها سنوات اليتم والحرمان‏,‏ وفي عينيه دمعة تحجرت وأبت أن تسيل ليصنع لمعانها نجومية وبريقا لم يتوقعه أحمد زكي‏,‏ مشوار طويل انتقل فيه أحمد من القاع إلي القمة حتي أصبح امبراطورا للسينما العربية‏,‏ أحمد زكي الفنان‏,‏ لم يختلف عليه اثنان فبداخله عفريت يستحضر شخصياته وقتما شاء‏,‏ يتوحد مع أدواره ويذوب فيها حتي ينسينا شخصيته الحقيقية‏,‏ أما أحمد زكي الإنسان فتعالوا نتجول في مسارات حياته وسنجد الكثير‏.‏ علاقة أحمد زكي بأمه وإخوته كانت مثار جدل‏,‏ خاصة بعد أن روج البعض عن فتور هذه العلاقة‏,‏ لكن الأيام الأخيرة في حياته دحضت مزاعم المغرضين‏,‏ ففي ساعة متأخرة من الليل جاءت أمه إلي المستشفي ودخلت غرفة العناية المركزة وأمسكت بمنديل قماش وغمسته في المياه لتبلل شفاه ابنها الجافة‏,‏ السيدة لم تبك‏,‏ لكن الحسرة أصابتها‏,‏ عينها زائغة في كل مكان‏,‏ لا تتحدث مع أحد‏,‏ فقط قالت يارب‏..‏ لا تتركني ساعة في الدنيا بعد وفاة ابني‏,‏ خذ من عمري وأعطه‏,‏ الحاجة رتيبة والدة أحمد زكي كانت تتردد علي زيارته في القاهرة مع إخوته‏,‏ لكن إقامتها في الزقازيق وعجزها عن الحركة بسبب تقدم السن جعل زياراتها له غير منتظمة‏,‏ وفي آخر زيارة له في شقته في حي المهندسين‏..‏ طلب أحمد من إخوته أن يتركوه وأمه في غرفة واحدة‏,‏ وأغلق باب الغرفة واستمرت جلستهما ثلاث ساعات‏,‏ لم يعرف أحد ماذا قال‏,‏ أما موقف أحمد زكي من أمه وما تردد من أنه أصيب بعقدة نفسية بسبب زواج أمه بعد وفاة أبيه وكان لايزال ابن السنوات الأربع فهو شائعة أيضا روجها المتربصون به‏,‏ لقد أطل أحمد منذ خمس سنوات من إحدي القنوات اللبنانية وواجهه مذيع البرنامج بهذه الفرية ونفي أحمد‏,‏ بل إنه ثار وأكد أنه غضب من أمه بالفعل عندما كان طفلا لأنه شعر بحرمانه منها لكنه التمس لها العذر فيما بعد لأنها طبيعة السيدات في الريف‏,‏ تريد رجلا يحميها خاصة أن الحياة كانت صعبة‏.‏

أخو البنات

كان أحمد زكي شديد الحب لإخوته غير الأشقاء‏,‏ ولأبنائهم‏,‏ فها هو شقيقه محمد الذي يعمل في التربية والتعليم أقسم أنه لم يشتر قميصا واحدا أو بنطلونا منذ ثلاثين عاما‏,‏ لأن أخاه أحمد كان حريصا علي أن يشتري له كل ملابسه‏,‏ أما مصروفه الشهري من أحمد فكان خمسمائة جنيه‏,‏ وإذا تأخر محمد عن زيارته في القاهرة يفاجأ به علي الهاتف يطالبه بالحضور أما أخواته مني وإلهام وإيمان اللاتي أصبن بالهلع بعد وفاته فخرجت منهن الكلمات بجوار مقبرة أحمد زكي أثناء دفنه لتؤكد أنه كان بارا بأمه وأخواته‏,‏ لقد أسس للثلاث منازل الزوجية وبني بيتا من أربعة طوابق لإخوته الأربعة في حي الحسينية في مدينة الزقازيق حتي يلتفوا حول أمهم‏,‏ ويتمكن هو من زيارتهم مجتمعين كلما أراد‏,‏ أخوه محمد أكد أن أحمد أعطاه مالا أكثر من مرة لعمل مشروعات تدر عليه ربحا إلا أن هذه المشروعات فشلت وكان آخرها محل لبيع منتجات الألبان‏,‏ أما يوم الإثنين من كل أسبوع فكان مخصصا لأهله‏,‏ يأتوته من الزقازيق ويقضون معه اليوم كاملا‏,‏ وتعليمات مشددة لمدير أعماله محمد وطني ألا يعطي أحدا مواعيد يوم الإثنين لأنه في هذا اليوم يكون مع أمه وأخواته‏,‏ إيمان أخته الصغري كان دائم التدليل لها‏,‏ كل طلباتها مجابة حتي لو اضطر من أجل تنفيذها اإلي لسفر للخارج‏.‏ أما دسوقي عبد المنعم ابن خاله فأكد أن أحمد لم يكن يتوسط لأحد من أبناء العائلة الباحثين عن فرصة عمل‏,‏ لأنه لم يكن يحب الواسطة‏,‏ لذلك كان يعطي كل شاب خمسمائة جنيه في الشهر‏,‏ لم يعطها له يدا بيد‏,‏ بل كان يخشي من أن يخجل أحدهم فيضطر كل أول شهر لوضع المبلغ المخصص لكل منهم في استعلامات الفندق الذي يقيم فيه ويأتي كل شاب ليأخذه من موظف الاستعلامات‏,‏ تلك كانت علاقة أحمد زكي بأمه وأخواته والتي تخطت رعايتهم لتصل إلي حد تأديتهم فريضة الحج والعمرة‏.‏

تواضع وكرم

البعض كان يشيع أن أحمد زكي إنسان مغرور‏,‏ لكن كواليس حياته تؤكد غير ذلك‏,‏ أما كرمه فلم يكن له حدود‏,‏ علي مقهي في الإسكندرية جلس أحمد زكي مع زميلنا المصور وهو رجل اعتاد تصوير أحمد بين الحين والآخر‏,‏ تلقي زميلنا اتصالا من ابنه فظهرت علي وجهه علامات الغضب وأنهي المكالمة‏,‏ سأله أحمد من هذا؟ فرد‏:‏ أنه ابني‏,‏ عيد ميلاده اليوم‏,‏ ويعاتبني لأنني تأخرت عليه بالهدية‏,‏ شعر أحمد بأن زميلنا يحتاج إلي ثمن هدية ابنه فطلب منه أن يصوره علي شاطيء البحر وبعد نصف ساعة فقط قضاها معه علي البحر أعطاه ما يلزم لشراء هدايا لابنه ولأفراد أسرته وطلب منه أن يعود علي الفور إلي القاهرة ليحتفل مع ابنه بعيد ميلاده أما الممثل الشاب أيمن عزب فتحدث عقب عودتنا من طريق الفيوم حيث تواري جثمان أحمد زكي عن أن الفنان الراحل علم بأنه يرفض أدوارا كثيرة يريد البعض استخدامه فيها‏,‏ ويأبي عزب إلا أن يقدم أدوارا محترمة‏,‏ ولذلك قبع في بيته فترة طويلة بدون عمل‏,‏ وما كان من أحمد زكي إلا أن استدعاه وطلب منه ألا يقدم دورا هزيلا وأعطاه مبلغا ينفق منه‏.‏ أما الفنان إبراهيم نصر فأكد أن أحمد زكي كان كريما مع كل زملائه‏,‏ خاصة الكومبارس وكان يعطيهم بسخاء ويضيف إبراهيم نصر‏:‏ كنا نصور فيلم مستر كاراتيه وجاء بائع متجول يبيع ساعات يد فناداه أحمد زكي وسأله عن ثمن الساعة ثم اشتري منه صندوق الساعات ووزعها علي الكومبارس‏*

الوصية الأخيرة 

أوصي الفنان الراحل أحمد زكي بأن يقوم بتغسيله نجله هيثم وصديق عمره جهاد جويفل والكاتب عماد أديب‏,‏ وابن خالته سمير عبدالمنعم‏,‏ ووطني مدير أعماله‏,‏ هذا وقد أرسل محبو الفنان الراحل عددا كبيرا من الجراكن المملوءة بمياه زمزم لاستخدامها في غسل جثمانه‏.‏

صراع علي الحب

في سرادق العزاء الذي أقيم في مسجد مصطفي محمود لاحظ المعزون قلق وتوتر الفنانة رغدة التي كانت تجلس في نهاية السرادق متشحة بالسواد والحزن الشديد يبدوعلي ملامحها وعلبة السجائر بجوارها تدخن منها بشراهة وذهنها شارد غير مهتمة بما يحدث حولها‏,‏ في الوقت الذي كانت تقف فيه يسرا في مقدمة السرادق تتقبل العزاء‏.‏

البعض فسر ابتعاد رغدة عن موقعها الذي كان من المفترض أن تقوم به بدلا من يسرا خوفا من أن يحدث تصادم بينهما‏,‏ خاصة أنه سبق أن حدث تصادم بينهما في مستشفي دار الفؤاد مما جعل النجم الراحل يتدخل واضطر إلي فك الخراطيم المحاطة بجسده وفض النزاع الذي وصل إلي حد التشابك بالأيدي‏,‏ من المعروف أن رغدة كانت أكثر النجوم وقوفا بجوار أحمد زكي ولم تتركه لحظة واحدة‏.‏ 

 

أحزان أهالي الحسينية

أحمد السماحي 

تردد اسم حي الحسينية في الفترة الأخيرة ومنذ دخول أحمد زكي المستشفي عشرات المرات سواء في الفضائيات أم علي صفحات الجرائد والمجلات‏,‏ وعرف الناس أن هذا الحي الموجود في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية‏,‏ علي بعد‏80‏ كم من العاصمة المصرية‏,‏ الحي الذي ولد فيه وخرج منه عملاق التمثيل أحمد زكي‏,‏ وهذا الحي هو الذي زرع في أعماقه إرادة الطموح والصمود والإصرار‏.‏

عندما علم أهالي الحسينية بالخبر خيم الحزن علي وجوههم وتملكهم الذهول وكأنهم لا يصدقون بأن البريء قد مات‏,‏ وأن الموهبة المشتعلة التي انطلقت من أرضهم قد انطفأت وإلي الأبد‏.‏ بين الجماهير العريضة التي تدفقت إلي مسجد مصطفي محمود للصلاة علي الفتي الأسمر التقينا بمجموعة من أهالي الحسينية الطيبين الذين كانت تربطهم معرفة وثيقة بالفنان الراحل‏,‏ ولاحظنا أنهم لا يصفون الفتي الأسمر بالمرحوم بل فقط يصفونه بالغالي فهو كان غاليا عليهم وربما كانت غلاوته قد زادت عندهم بعد رحيله‏.‏ ويقول أخوه غير الشقيق محمد الذي تحدث معنا بصعوبة شديدة أحمد أخي كان بارا بأسرته وكريما جدا مع الجميع‏,‏ فقد تولي قيام والدته بالحج أربع مرات والعمرة سبع مرات آخرها هذا العام وكان يتمني أن يذهب معها لأداء فريضة الحج لو تم شفاؤه‏,‏ واستطرد قائلا والدموع تنساب علي وجهه بغزارة عندما قررت الاتجاه إلي المشاريع التجارية عام‏1984‏ أعطاني مبلغ‏40‏ ألف جنيه‏,‏ وبدهشة قال‏:‏ غير صحيح ما تردد حول انقطاعه عن أسرته‏,‏ بالعكس أحمد عمل الكثير لأسرته ولأهل بلده‏,‏ وفي نهاية حديثه معنا طالب محمد أجهزة الإعلام بتحري الدقة للحفاظ علي تاريخ أحمد زكي الفني‏.‏

محمد إبراهيم عبدالله طالب جامعي بالفرقة الثالثة بكلية العلوم وابن شقيقه النجم الراحل الكبري مني يقول وصوته مخنوق بالدموع‏..‏ كان خالي ودودا ودائم الوجود معنا والسؤال عنا فضلا عن حرصه علي تلبية جميع متطلبات الأسرة‏,‏ واللقاء معنا في المناسبات‏.‏ وتنهمر الدموع من عيني ليلي أحمد إحدي قريباته وهي تتحدث عن أحمد زكي قائلة إن الغالي كان ولدنا جميعا ومصابنا بوفاته فادح‏,‏ فقد كان قلبه دائما علينا وعلي بلدتنا‏,‏ وبفضل الجهود التي كان يبذلها عند المسئولين وما ينفقه أحيانا من جيبه‏,‏ عرفت الحسينية ما كانت تفتقده من وحدة صحية وطرقات وغيرها من المشاريع الخيرية التي كان يسهم فيها‏.‏ ويقول يوسف الحسيني أحد الذين اكتشفوا موهبته مبكرا في الزقازيق‏,‏ كان الغالي يحب الخير لكل الناس وكان شديد الإيمان بالله‏,‏ وهو منذ طفولته حزين ولا يميل إلي مشاركة الأطفال اللعب بل كان يفضل أن يجلس لوحده يسرح ويفكر ويتأمل‏,‏ ويهوي أيضا مشاهدة الأفلام السينمائية وكان معجبا في بداياته بالفنانين زكي رستم ومحمود المليجي‏.‏

أما محمد زين أحد أقاربه فيؤكد أن الغالي كان يحب الأطفال اليتامي وفي المرات القليلة التي كان يزور فيها البلدة أول شيء كان يعمله هو سؤالي عن عناوين الصغار الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم فيزورهم ويمسح أحزانهم ويقوم بالواجب نحوهم‏.‏

ويتذكر الشيخ حسن الطيب الذي تجاوز الستين وجاء خصيصا من الزقازيق للمشاركة في جنازة الغالي موقفا طريفا حدث عندما كان أحمد زكي طفلا حدث ذات يوم أن كنت أعمل مع والدي في حفر الأرض علي مقربة من الترعة وفجأة سمعت صراخ الأولاد يعلو فهرعت إلي الترعة وقيل لي إن أحمد قد غرق وإنه كان يسبح ونزل إلي القاع ولم يعد وفورا نزلت إلي الترعة وأنا بملابسي وانتشلت أحمد ثم ألبسته ثيابه وأخذت أضربه بالعصا تأديبا له لكي لا يعود إلي العوم في الترعة من جديد ثم أخذته إلي جدته ألماظ التي شكرتني وأعطتني قرشا مكافأة لي ثم قالت لي إياك تخليه بعد النهاردة يعوم في الترعة‏,‏ اضربه لو شفته هناك ولكن الفتي الأسمر كان يغافل الجميع ويذهب إلي الترعة‏.‏

وفي نهاية المطاف وأثناء تجوالنا جلست امرأة في الخمسين من عمرها متشحة بالسواد تبكي بحرقة وبصوت عال وعندما اقتربنا منها علمنا إنها كومبارس تدعي ماجدة أنور حاولنا أن نتحدث معها لكنها رفضت في البداية وبعد انصرافنا نادت علينا قائلة علشان خاطري متزعلوش مني لأن الغالي كان أكثر من أخي وساعدني كثيرا علي المستوي الفني والإنساني‏,‏ فكان حريصا علي اختياري في كل الأعمال التي يقوم ببطولتها‏,‏ وعندما مرضت ابنتي بالفشل الكلوي جاء إلي منزلي وتكفل بنفقات علاجها علي حسابه الخاص ولم يتركني طوال مدة علاجها حتي رحلت عن الدنيا‏

 

بعيدا عن الكاميرات وزيف المشاعر.. زكي في قلوب هؤلاء

محمد عبدالحميد 

عجزت عشرات الكاميرات التليفزيونية التي انتشرت حول مقبرة الراحل أحمد زكي‏,‏ أن تعبر بصدق عما يدور في صدور الآلاف من الجماهير التي احتشدت حول المقبرة في مشهد مهيب اختلطت فيه أدعيتهم بالرحمة والمغفرة بالدموع التي انهمرت دون إرادة منهم لفراقه‏.‏

ففي حين انشغل القائمون بأمر تلك الكاميرات بإبراز حالة التأثر والحزن التي كان عليها نجوم المجتمع من فنانين ومشاهير عاصروا الراحل وجمعتهم به مواقف فنية وإنسانية عدة‏,‏ تسابق أغلبهم في سردها‏,‏ وهم منقسمون إلي فريقين‏,‏ الأول بدافع الحب‏,‏ وذكر مآثر الفقيد الغالي‏,‏ والآخر بحثا عن إطلالة تعيد تذكير مشاهدي المنازل بهم من خلال نسج مواقف إنسانية عدة جمعتهم بالراحل‏,‏ وكيف كانوا له إخوة‏,‏ وكان لهم نعم الصديق‏,‏ ولا ينسي أحدهم قبل أن يختتم حكاياته الملفقة بأن يذرف بالكاد دمعتين‏,‏ وهو يذكر المشاهدين بأن أحمد زكي قد تنبأ له‏,‏ أولها‏,‏ في وقت سابق بالنجومية والنبوغ خلال الفترة القادمة‏.‏

وفي غمرة انشغال الكاميرات بأمر هؤلاء وغيرهم من محترفي الترويج لأنفسهم والحرص علي الظهور في المناسبات المختلفة كان هناك آلاف من البسطاء تدافعوا منذ الصباح الباكر للاحتشاد حول سرادق العزاء المقام بمسجد مصطفي محمود غير عابئين بسخونة شمس الظهيرة‏,‏ ومضايقات عساكر الأمن لهم بدعوي الحفاظ علي النظام وتأمين سلامة كبار المشيعين‏.‏

ولم يقتصر حبهم للراحل علي الالتفاف حول الجثمان وقت الصلاة عليه وإلقاء نظرة الوداع علي فنان جسد معاناتهم وعبر عن أحلامهم في أعماله المختلفة دون زيف أو خداع وإنما تدافع منهم نحو الخمسة آلاف لتوديعه حيث يدفن بمقابر‏6‏ أكتوبر عند الكيلو‏56‏ من طريق القاهرة ـ الفيوم‏,‏ ولم يقف عدم امتلاكهم لسيارة حائلا عن تحقيق تلك الرغبة النابعة من القلب فقاموا بالتكدس في سيارات الأجرة والميكروباص والتي تحولت بهم إلي علب سردين‏.‏

وحول المقبرة أجهش بعضهم في بكاء حار كأنه يبكي أباه أو شقيقه أو ولده وذلك لحظة أن خرج الجثمان من سيارة ـ نقل الموتي ـ وحمل إلي المقبرة حيث واراه التراب‏,‏ فهذه سيدة في العقد الخامس من العمر افترشت الرمال إلي جوار جدار إحدي المقابر المتراصة بالمكان وهي تبكي بحرقة أعتقد معها الكثيرون أنها إحدي قريبات الفنان الراحل اللاتي توافدن من مسقط رأسه الزقازيق‏,80‏ كيلو شمال شرق القاهرة‏,‏ ولكن المرأة التي تورمت عينيها من شدة البكاء لم تكن تمت لأحمد بصلة قرابة‏,‏ ولكنها من بلدته‏,‏ وبسؤالها عن سر هذا الحزن العميق له‏,‏ قالت‏:‏ وكيف لا أبكي بدل الدموع دم‏,‏ فالمرحوم كان أحسن معي من أهلي‏,‏ فبعد وفاة زوجي قبل‏15‏ عاما وكان يعمل فرانا باليومية‏,‏ ووجدت نفسي أنا وثلاث بنات وطفل عمره شهران‏,‏ لا نجد العيش الحاف لنأكله‏,‏ وطرقت كل الأبواب ولم أجد من بين أصحاب القلوب الرحيمة سوي أحمد زكي الذي رأيته في تلك الأوقات في أثناء زيارة خاطفة لأسرته بالزقازيق‏,‏ فارتميت علي مقدمة سيارته‏,‏ وأنا أقول له والنبي تساعدني يا أستاذ أحمد‏,‏ فهبط من سيارته وأخذ بيدي وبعد أن علم بأمري أعطاني‏750‏ جنيها كانت هي كل ما معه وأوصي أقاربه بي خيرا‏,‏ وقال وإن احتجت حاجة قولي لهم وهما هيقولولي‏.‏

وتستطرد قائلة‏:‏ وبالفلوس دي قمت بشراء ماكينة خياطة ومن خلالها قمت بتربية أولادي وتزويج الكبري مني وأنا مازلت أذكر له بالخير هذا الجميل وعندما علمت بخبر وفاته شعرت وكأن أبي أو أخويا هو اللي مات‏,‏ فأقسمت علي أن أحضر اليوم لعلي أوفيه جزءا من حقه‏,‏ قالتها وأجهشت بالبكاء‏.‏ وظللت طوال فترة وجودي حول المقبرة أتابعها من بعيد وهي تفترش الرمال وتبكي بحرقة حتي اقتربت الساعة من الخامسة مساء وانصرف غالبية المشيعين من المشاهير وتبعتهم كاميرات التليفزيون وبعدهم صرخ ضابط من قوات الأمن برتبة عقيد في البسطاء الجالسين حول المقبرة بضرورة الانصراف هم أيضا‏,‏ فأطاعوا الأوامر وبخطوات واهنة مضت حتي وصلت إلي طريق القاهرة ـ الفيوم‏,‏ في انتظار سيارة ميكروباص تستقلها عائدة من حيث أتت‏,‏ وتبعها في ذلك آخرون منهم شاب في الصف الثالث الثانوي حضر من بني سويف لتشييع جثمان إنسان أحبه دون أن يلتقيه لكن كما يقول‏,‏ الحب في القلب فأحمد في أفلامه قدم لي نموذجا للإنسان المثابر والمكافح الذي نحتاج إليه في أيامنا القادمة‏*‏ 

 

جيران شقة المهندسين

أحمد اسماعيل 

‏*‏ الدكتور أسامة صيدلي يشير إلي أنه كان صديقا للفنان أحمدزكي ويقول كان إنسان رائعا شديد التواضع‏,‏ كثيرا ما كان يأتي ليجلس‏,‏ ويتحدث معنا ويرسل لنا بنسخ من أفلامه ويناقشنا فيما بيننا‏.‏

‏*‏أيمن عطية سائق بالعمارة التي يقطن بها الراحل‏,‏ ويروي لنا ذكرياته معه قائلا‏:‏ لم أره إلا ثلاث مرات منذ أن التحقت بالعمل في العمارة‏,‏ وذات مرة فوجئت به يطمئن علي ويسأل عن صحتي قائلا‏:‏ أنت جديد هنا‏,‏ فقلت له نعم‏,‏ فربت علي كتفي وقال شد حيلك وأعطاني‏50‏ جنيها‏.‏

‏*‏ويقول أحد أفراد الأمن بالعمارة ويدعي أحمد‏..‏ تعاملت مع الفنان أحمد زكي كثيرا بحكم عملي وهو كان شديد التواضع والطيبة وكان يعطف علينا كثيرا‏,‏ فكان بمثابة والدنا‏,‏ ولم أره غاضبا إلا مرة واحدة عندما أتي ابنه هيثم لزيارته وطرق الباب كثيرا ثم انصرف وعندما علم غضب بشدة ثم سألني هل تضايق‏,‏ هل غضب وأخذ يقسم أنه كان مجهدا ونائما ولم يسمع صوت الجرس‏,‏ ولم يأت بعد مرضه سوي مرتين لأخد بعض متعلقاته فقط‏..‏ ونحن ندعو له بالرحمة فالخبر كان صدمة كبيرة لنا‏.‏

‏*‏ ويشير سايس الجراج ويدعي عماد أنه يعرف الفنان أحمد زكي منذ فترة طويلة ويقول رحمه الله شخص عطوف جدا‏,‏ يعطي الأمان لأي شخص فمثلا كان يترك لنا سيارته وبداخلها كل متعلقاته‏,‏ وكان يحب الخروج وحده دائما خاصة بسيارته المرسيدس التي كان يقودها وحده دائما‏,‏ ولم يتركها للسواق الذي يعمل عنده وكان يقول له أحتاجك وقت العمل فقط‏,‏ كذلك فهو كثيرا ما كان يتحدث معنا ويعرف أحوالنا‏.‏

 

جعل ناصر والسادات وجهين لعملة واحدة‏!‏

قـال لــي‏:‏ أرجـــوك ساعدني أن أجلس مع نفسي‏!‏

‏ بقلـم‏:‏ نصـر القفـاص 

أذكر أن لقائي الأول مع الفنان‏'‏ المبدع‏'‏ أحمد زكي كان هاتفيا‏..‏ يومها طلبته لتحديد موعد‏..‏ وبدا لي أنه كان في لحظة سكون‏..‏ فهو بحر هائج‏-‏ غالبا‏-‏ ونصف بركان ـ أحيانا ـ إذا جاز التعبير‏..‏ فجاءت إجابته لطيفة وتحمل معاني الود‏..‏ وأذكر أنني قلت له بلهجتنا العامية المصرية‏:‏ أنا مش عارف أعثر عليك‏..‏ تعبت كتير حتي أمسك بصوتك عبر أسلاك الهاتف‏'!!‏

أجابني بصوت كانت كلماته خليطا من الشجن والجدية‏:'‏ وحياتك إذا عترت علي وأمسكتني‏..‏ ساعدني أقعد مع نفسي‏!‏

ضحكت بصوت عال‏..‏ لكنه استقبل رد فعلي بفتور واكتفي بقوله‏:‏ ياريت نكون علي اتصال وأتمني أن نجد معا لحظة نجلس فيها مع‏'‏ أحمد زكي‏'!!‏
انتهت المكالمة وتملكتني دهشة غريبة لم أعرف سرها‏..‏ وبعد قليل فكرت‏..‏ وقررت أن أتربص به حتي ألتقيه‏..‏ فرغم أنني لم أحترف الكتابة في صفحات الفن إلا أن أساتذتي علموني البحث عن حوار صعب فهذا هو المثير‏..‏ وباعتباري تلميذا نجيبا في مدرسة‏'‏ عشاق الصحافة‏'‏ حرصت علي التقدم لهذه الامتحانات‏..‏ وكان يثيرني أنها بلا مناهج ولا مقررات‏..‏ وأسئلتها إن تشابهت أو تكررت فلا يجوز بالضرورة أن تكون الإجابات واحدة‏..‏ وأذكر أن سبب بحثي عن‏'‏ ناصر‏56'‏ لأحاوره‏..‏ ما سمعته عن عزمه إنتاج فيلم عن‏'‏ أنور السادات‏'..‏ ولحظتها تفجرت علامات استفهام وتعجب كثيرة في رأسي‏!!!‏ وما أروع هذه العلامات إذا فرضت نفسها علي
الموضوع والشخص الذي تبحث عنه لتحاوره‏.‏

عبثا حاولت أن أعثر عليه مرة أخري عبر الهاتف‏..‏ وفشلت محاولاتي فضبطتني متلبسا بإطلاق ضحكة عالية لفتت نظر زوجتي وأولادي الذين كانوا يحيطون بي غير مكترثين بما أفعل قبل أن تدهشهم ضحكتي غير المبررة‏..‏

وبعد هذه الواقعة بأيام جاءني صوت الصديق الناقد الكبير‏'‏ علي أبو شادي‏'‏ رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية‏-‏ حاليا‏-‏ وسألني إذا كان عندي وقت يوم الجمعة القادمة‏..‏ واستفسرت منه عن السبب‏..‏ فإذا به يلقي في أذني مفاجأة قائلا‏:‏ الدكتور‏'‏ فاروق التلاوي‏'‏ محافظ البحيرة وجه دعوة للفنان‏'‏ أحمد زكي‏'‏ مع أسرة فيلم‏'‏ ناصر‏56‏ للمشاركة في احتفالات المحافظة بيومها الوطني‏..‏ ودون مناقشة أو تفكير كان ردي بالإيجاب‏.‏

فإذا بالصديق‏'‏ علي أبو شادي‏'‏ متمسكا بأن نلتقي في ضاحية‏'‏ المهندسين‏'..‏ قرب منزل‏'‏ أحمد زكي‏'‏ الذي سنتوجه إليه لنصحبه معنا أو يصحبنا معه في سيارته‏.‏ وهنا قلت‏:‏ ولماذا لانسافر معا وهو يسبقنا أو يلحق بنا في سيارته‏.‏ فانفجر الصديق‏'‏ علي أبو شادي‏'‏ ضاحكا وقال‏:‏ كده إحنا أكيد‏'‏ حنروح‏'..‏ لكن مجيء‏'‏ أحمد زكي‏'‏ مسألة مشكوك فيها وغير مضمونة‏!!‏

سألته عن السبب‏..‏ فأجابني موضحا‏:'‏ أحمد زكي‏'‏ ابن اللحظة التي يعيشها‏..‏ ونحن لا نضمن إن كانت هذه اللحظة سعيدة أو حزينة‏..‏ وفي الحالتين يمكن أن يسعي للاحتفال بسعادته أو الانزواء علي نفسه للهروب داخلها من أحزانه‏!!‏ ومهمتنا أن نحاصره ونقبض عليه تلبية لرجاء صديقنا الدكتور‏'‏ فاروق التلاوي‏'..‏ وحدث أن نفذنا الخطة وأطبقنا الحصار علي‏'‏ ناصر‏56'‏ الذي شاء أن يكون‏'‏ السادات‏'‏ ـ أيضا ـ
بعد استقباله لنا وإصراره علي تناول الشاي‏-‏ باعتبارنا نحن
معشر المصريين‏-‏ عشاق شاي ونحب الكلام علي ضفاف هذا الشاي‏!‏

قلت للفنان‏'‏ أحمد زكي‏':‏ منزلك رائـع وديكوره رفيع المستوي‏..‏ فلماذا تنفق أموالك علي السكن في الفنادق‏!‏

وبعد ابتسامة أجابني قائلا‏:‏ في الفندق يستقبلك موظفوه بابتسامة وإعلان حالة الطوارئ لتلبية جميع طلباتك‏..‏ وفي الغرفة تجد وردة وقطعة شيكولاته فوق السرير مع ورقة تتمني لك نوما سعيدا وأحلاما هادئة‏..‏ أو نوما هادئا وأحلاما سعيدة‏!!‏ وليس هذا هو المهم رغم سعادتي به‏..‏ لأن الأكثر أهمية أنني في الفندق أشعر بأنني لست وحدي‏..‏ لكنني في بيتي أشعر بغربة إلي درجة تكاد تخنقني‏..‏ وأضاف قائلا‏:'‏ تعرف إنني أتنفس البشر ولا أتنفس الهواء‏'!!‏

وتدخل‏'‏ علي أبو شادي‏'‏ مقاطعا راجيا أن نتحرك ونتكلم في السيارة‏..‏ فالطريق طويل‏.‏

وتخيلت أنني انفردت بالفرصة والفريسة اللذين كنت أبحث عنهما‏..‏ فإذا بالعكس صحيح‏..‏ فهذا الذي انفرد بي وبدأ يتكلم ويتدفق‏..‏ وفي لحظات ينفعل كموج البحر في يوم عاصف وممطر‏..‏ ثم ينقلب كلامه إلي نسمة في عز الصيف‏..‏ وبين الرقة والعذوبة والحسم الصارم‏..‏ بل والغاضب بعض الشيء‏..‏ كان يحكي عن حلمه وقلقة تجاه شخصية‏'‏ أنور السادات‏'‏ التي يستعد لتقمصها‏..‏ وكنت أعده للحديث عن خلفيات وتفاصيل ما تعرض له في كواليس فيلم‏'‏ ناصر‏56'.‏

وحدثني عن يوم أن زار الرئيس‏'‏ حسني مبارك‏'‏ الاستديو الذي يجري فيه تصوير الفيلم‏..‏ وذكر لي أن زملاءه من الفنانين توجهوا لمصافحة الرئيس‏'‏ مبارك‏'‏ لكنه اكتفي بالوقوف دون حراك‏..‏ وعندما نادي عليه وزير الإعلام‏'‏ صفوت الشريف‏'‏ لكي يصافح الرئيس‏..‏ انشغل الفنان‏'‏ أحمد زكي‏'‏ في تبديل ملابسه‏..‏ واتجه نحو الرئيس‏'‏ مبارك‏'‏ قائلا‏:‏ عفوا فخامة الرئيس‏..‏ فقد كنت قبل دقائق‏'‏ جمال عبد الناصر‏'‏ الذي لا أعتقد أنه كان يمكن أن يجري لمصافحة أحد‏..‏ بل كنا جميعا كأمة نهرول نحوه ونصافحه‏..‏ وهنا ضحك‏'‏ الرئيس مبارك‏'‏ وقال له‏:'‏ عندك حق يا أحمد‏'!!‏

وقبل نهاية جولة الرئيس‏'‏ مبارك‏'‏ أصر علي العودة إلي الاستديو الذي يشهد تصوير فيلم‏'‏ ناصر‏56'‏ واكتفي بإشارة للفنان‏'‏ أحمد زكي‏'‏ من بعيد‏-‏ أي للرئيس‏'‏ جمال عبد الناصر‏'-‏ وقال له‏'‏ خلي بالك منا يا ريس إحنا أمانة في رقبتك‏!!‏ وضحك المحيطون‏..‏ إلا‏'‏ أحمد زكي‏'‏ فقد استقبل الكلمات علي أنها موجهة لشخص الزعيم الراحل الذي كان يعيش تحدياته متقمصا شخصيته‏.‏

ودون أن أطرح أسئلة راح يتحدث عن الضجة التي واكبت إعلانه عن أداء دور الرئيس‏'‏ السادات‏'‏ وانقسام بعض الكتاب علي هذا التوجه‏..‏ فبعضهم كان يرفض الفكرة من منظور انحياز لهذا الرئيس أو ذاك‏..‏ أي علي أساس سياسي‏..‏ وهناك آخرون اعتبروا‏'‏ أحمد زكي‏'‏ ـ كما قال لي ـ يحاول أن يتفلسف وأكدوا صعوبة اقترابه من شخصية‏'‏ أنور السادات‏'‏ بقدر نجاحه في تقديم‏'‏ ناصر‏56'.‏

ودون أن أطرح أسئلة‏..‏ كان حواري الصحفي يتواصل علي لسانه‏..‏ فهو يقدم إجابات عن الاستفهامات الكثيرة التي كنت أحملها‏..‏ وكانت دموعه تنساب عندما يتذكر أصدقاء رحلوا وخاصة عندما توقف خاشعا أمام اسم الناقد الراحل‏'‏ سامي السلاموني‏'‏ الذي يري في رحيله خسارة فادحة‏..‏ فهو كان بالنسبة له‏'‏ الفنار‏'‏ الذي يهدي سفينة‏'‏ أحمد زكي‏'‏ إلي طريقها في عرض البحر رغم أي عواصف‏..‏ وكان صارما معه إذا ذهب لمغامرة فنية أقل من مستواه‏..‏ أولم يحسب عواقبها‏.‏

وحدثني الفنان المبدع‏'‏ أحمد زكي‏'‏ عن مشروعاته الفنية الكثيرة والكبيرة التي يتمني تنفيذها‏..‏ واستعاد ذكرياته أيام الشباب‏..‏ وحكايته مع سلسلة أفلامه التي حققت أرقاما قياسية في المشاهدة والجدل الذي ثار حول عناوين أفلامه لاسيما أنها كانت تحمل اسم البطل‏..‏ مثل‏'‏ أبو الدهب‏'‏ و‏'‏ كابوريا‏'‏ و‏'‏ مستر كاراتيه‏'..‏ قبل أن يصبح هو نفسه‏'‏ ناصر‏56'‏ ثم‏'‏ أنور السادات‏'..‏ وشعرنا بأن السيارة خدعتنا وكأنها اختصرت الطريق أو التهمته بسرعة لم أتمناها من جانبي علي الأقل‏.‏

وصلنا إلي مدينة‏'‏ دمنهور‏'‏ في قلب دلتا مصر وهي عاصمة محافظة‏'‏ البحيرة‏'..‏ فإذا بالفنان‏'‏ أحمد زكي‏'‏ يقترح علينا أن نواصل الرحلة إلي مدينة الاسكندرية‏..‏ ودعنا من الاحتفال الذي غادرنا القاهرة لحضوره‏..‏ وهو نجم نجومه بكل تأكيد‏..‏ وصرخ‏'‏ علي أبو شادي‏'‏ وذكرني بما قاله في بداية الرحلة موضحا أننا ما لم نكن معه‏..‏ كان سيفعلها ويذهب للإسكندرية وربما قضي فيها ساعات أو أياما‏..‏ فالمهم عنده أن يعيش اللحظة كما يخطر علي باله‏.‏

هنا فقط قلت له‏:‏ الآن عرفت معني ما سبق أن قلته لي في الهاتف‏:'‏ وحياتك إذا عترت علي وأمسكتني‏..‏ ساعدني أقعد مع نفسي‏'!!‏

صرخ‏'‏ أحمد زكي‏':‏ هو أنت اللي أنا قلت لك كده‏..‏ تصدق بعد انتهاء المكالمة فكرت فيها وعاتبت نفسي‏..‏ وتمنيت لو كنت أعرف رقم هاتفك لأعتذر لك‏!!‏

أجبته‏:‏ تصدق أنت أن هذه الجملة هي التي حرضتني علي اقتناص هذه الفرصة التي أتاحها لي‏'‏ علي أبو شادي‏'‏ لأرافقكما في هذه الرحلة‏..‏ فضحك من قلبه قائلا‏:‏ الحمد لله أنني وأنت نجحنا في أن نعثر علي‏'‏ أحمد زكي‏'‏ ونقعد معاه وقت ياريت يكون لطيف‏'!!‏

واستكملت نصف الحوار في رحلة العودة‏..‏ وبدأته بكتابة سؤال كان قد وجهه أحد الشباب لمحافظ‏'‏ البحيرة‏'‏ الذي كان يجلس علي منصة إلي جانب الفنان‏'‏ أحمد زكي‏'‏ قائلا له‏:'‏ ما هو شعورك يا سيادة المحافظ وأنت تجلس إلي جوار الزعيم‏'‏ جمال عبد الناصر‏'..‏ ودوت الضحكات في القاعة‏.‏

أصر المحافظ علي الإجابة وتحدث عن اعتزازه وفخره بأن يجلس إلي جانب الرئيس‏'‏ جمال عبد الناصر‏'..‏ وقاطعه‏'‏ أحمد زكي‏':‏ إوعي تقول‏'‏ الراحل‏'!!‏

بعد أن أنهي المحافظ حديثه‏..‏ تقدمت فتاة من الذين حضروا الندوة التي عقدت عقب انتهاء عرض الفيلم وسألت‏'‏ أحمد زكي‏':‏ ماذا يقول الرئيس‏'‏ جمال عبد الناصر‏'‏ لسيادة محافظ‏'‏ البحيرة‏'!‏

نظر الفنان‏'‏ أحمد زكي‏'‏ تجاه المحافظ لفترة من الوقت بدت طويلة‏..‏ فرضت صمتا رهيبا علي جميع الحاضرين‏.‏

ثم بدأ يتحدث قائلا‏:'‏ أبناء محافظة‏'‏ البحيرة‏'‏ أولادي‏..‏ زي كل أولاد مصر يا‏'‏ فاروق‏'‏ ـ هكذا دون ألقاب ـ عايزك تهتم بيهم وسأزوركم مرة ثانية لأتابع أحوالكم بنفسي‏'.‏

ولحظتها شعر الجميع بأن‏'‏ جمال عبد الناصر‏'‏ هو الذي كان يتكلم‏..‏ فإذا ببعض الحضور يضحك‏..‏ وآخرين أخذتهم نوبة بكاء‏.‏

انتهت الندوة واللقاء‏..‏ وفي طريق العودة أخذ حواري مع‏'‏ أحمد زكي‏'‏ اتجاها آخرا‏!!‏

كان علينا أن نتقاسم الرأي والتفسير لإصراره علي تقديم شخصية‏'‏ أنور السادات‏'‏ وتأكيده علي أنه إذا لم يجد جهة إنتاج‏..‏ سيقوم بمغامرة إنتاجه مهما كلفه الفيلم من نفقات والمغامرة من أهوال ومخاطر‏.‏

وشرح‏'‏ أحمد زكي‏'‏ رؤيته فقال‏:‏ بعض النقاد يخلطون بين دور الفنان وموقفهم من النموذج الإنساني الذي يجسده‏..‏ فما بالك لو كان شخصا معلوما بالضرورة وتبلورت تجاه هذه الشخصية آراء‏..‏ بل مواقف‏..‏ وبالتأكيد إذا كنت بصدد تناول شخصية تاريخية اشتهرت وأصبحت معروفة بقدرتها علي أن تكون جادة‏..‏ بمعني أنها شخصية تجيد صنع التاريخ وترويض أمواجه‏..‏ فلا بد أن يكون الخلاف جائزا‏..‏ لكن غير مقبول أن تستمر عقلية القبيلة تحكمنا‏..‏ فهذه ثقافة تبخرت من الدنيا‏..‏ فهذا عصر لا يصلح فيه احتكار حقيقة‏..‏ ولا تلوينها‏..‏ لا يجوز أن تتخيل أنك قادر علي فرض وصاية علي أحد‏..‏ وإيماني بهذا التطور فضلا عن ثقتي في قدراتي كفنان هما اللذان يدفعاني للإقدام علي هذه الخطوة‏..‏ لأنني لو اخترت أن أتقمص تجسيد الشخصيات التي أحبها فقط وقبول أو رفض الأدوار التي ترضي النقاد وأهل السياسة‏..‏ ما تقدمت خطوة ولا كنت الفنان الذي تقدره جماهيره‏.‏

وكانت درجة حرارة كلامه ترتفع‏..‏ لتفشل معها كل مساعي ومحاولات‏'‏ علي أبو شادي‏'‏ في تبريدها‏..‏ لكنه صمت فجأة وطلب من السائق أن يتوقف ويعود للخلف‏..‏ ولم يهتم بدهشتنا‏..‏ كما لم يرد علي أسئلتنا‏..‏ لكن عندما واجهت السيارة مقهي علي الطريق نزل دون أن يدعونا وجلس علي مقعد في زاوية‏..‏ وتحول إلي تمثال‏..‏ شاخصا عينيه صوب مواطن كان يجلس علي المقهي ذاته‏..‏ وأمامه فنجان قهوة وفي فمه‏'‏ الشيشه‏'..‏ وللحقيقة كان مشهدا مثيرا ولافتا للنظر‏..‏ فهذا الشخص تكوين إنساني غير معتاد والحالة التي يجلس عليها تدعوك للتأمل‏.‏

كل هذا ليس مهما‏..‏ لأن المهم‏..‏ كيف التقطته عينا الفنان‏'‏ أحمد زكي‏'‏ من نافذة السيارة التي كانت تنطلق كالسهم‏..‏ بينما كان هو في حالة‏'‏ كلام صاخب‏'!!‏ وفي لحظات‏..‏ فهمنا أنه يمتص هذه الملامح في صمت ووضح تضامننا معه رغما عن أنفنا‏..‏ وبعد فترة من الوقت اتجه‏'‏ أحمد زكي‏'‏ نحو الشخص الذي عاش لفترة يراقبه‏..‏ وراح يداعبه بعد أن صافحه فضحك من قلبه‏..‏ ثم نقله إلي حديث شجن وحزن لدرجة أنه جعله يبكي‏!!‏ وبعد هذه التجربة ركبنا السيارة التي لم يصبح مسموعا داخلها غير صوت‏'‏ موتورها‏'‏ الذي كان‏'‏ يهدر‏'..‏ بينما كلنا سكوت‏..‏ حتي وصلنا إلي باب العمارة التي تقطنها هذه الحالة الإنسانية والفنية الفريدة والشهيرة باسم‏'‏ أحمد زكي‏'!!*‏ 

فصـل مـن كتـاب "الساعة تدق صفر" ــ تحت الطبع

الأهرام العربي في

02.04.2005

 
 

"البريء" لم يستطع "الهروب" من السرطان اللعين

رصيد ضخم من الألم والمعاناة فجر الطاقات داخله

موهبته حطمت أسطورة البطل الوسيم صاحب العيون الجميلة

عاش طفولة "رمادية"..ومرحلة "جنون" فني

أمجد مجدي

رحل الفنان الأسمر أحمد زكي.. حيث رقد جسد "البطل" واستكانت قبضة "النمر الأسود" بعد صراع مرير مع المرض.. وصمت صوت "الأمبراطور".. ولم يستطع "البريء".. "الهروب" من السرطان اللعين بعد معركة حامية بين الطرفين استطاع فيها أحمد زكي أن ينهض ويفوز في جولات كثيرة.. ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالي هي التي حسمت الجولة الأخيرة.

لم يحظ فنان وممثل عربي بهذا الاهتمام القيادي والشعبي من قبل فالرئيس محمد حسني مبارك كان يتابع حالته باستمرار بعد أن أمر بتوفير كل الإمكانات لعلاجه في مصر والخارج.. وتجمع الفنانون حول البطل الراحل للشد من أزره طوال فترة مرضه.. ولم تتوقف دعوات 240 مليون عربي طالبة الشفاء لنجمهم المحبوب حتي آخر لحظة في عمره.

كل هذا الاجماع في حب النجم الأسمر يجعلنا نلقي الضوء عليه بعمق شديد فهو أحمد زكي عبدالرحمن بدوي ولد في 18 نوفمبر 1949 بالزقازيق محافظة الشرقية.. حصل علي بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1974 وعمل موظفا بالثقافة الجماهيرية ثم تفرغ للتمثيل.. مات والده وتركه ابن ستة أشهر وحيدا بلا إخوة وتزوجت والدته بعد ثلاث سنوات وقتها غضب من أمه وحزن عندما شاهدها تزف الي انسان آخر.. ولكنه تقبل الأمر بعد أن رأي أنه حقها فقد كانت شابة جميلة عمرها 20 عاما وقتذاك.

قامت جدته بتربيته ولم ينتبه الي طفولته أحد.. فلم يشعر بحنان أو قسوة وانما لا مبالاة أحاطت به من الجميع وعندما أتم العشرين عاما اكتشف ان اللون الرمادي يكسو حياته وهو ما جعله مغلقا علي ذاته لا يفصح عن فرحه.. ولا يبوح بآلامه للآخرين حتي لاينال عطفهم.. وصار شخصية تأملية.. يتأمل نفسه وكل من حوله.. وفي خطوة نحو الاستقرار وتكوين أسرة أقدم علي الزواج من الفنانة الراحلة هالة فؤاد لكنه انفصل عنها بعد انجاب ابنه الوحيد هيثم.

مسرح المدرسة

بدأ أحمد زكي تاريخه الفني عقب التحاقه بمدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية حينئذ وجد ضالته المنشودة في ناظر المدرسة المحب للفن بدرجة كبيرة حيث كان يحرص علي ان تقدم المدرسة 12 حفلا خلال شهر رمضان من كل عام.. وبذلك تتحول ليالي رمضان الي مهرجان مسرحي صغير داخل هذه المدرسة.. وفي إحدي الحفلات قام الناظر بدعوة صلاح منصور وزكريا سليمان وحسن مصطفي ليكونوا لجنة التحكيم وبعد انتهاء العرض الذي قدمه وأخرجه أحمد زكي استمع من هؤلاء الفنانين الكبار الي كلمات الإعجاب والتشجيع ونصحوه بالالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية فزرعوا في أعماقه الأمل وبذور الإصرار علي إكمال طريق الفن.

بعد حصوله علي الدبلوم كان من المفترض ان يكمل دراسته بالمعهد العالي الصناعي ولكنه قام بتقديم أوراقه الي معهد الفنون المسرحية في أكاديمية الفنون بالهرم.. وانتظر النتيجة تحت وطأة القلق الشديد وهو يعلم ان معظم المتقدمين "مسنودين" ولديهم وساطات.. لكنه قبل إعلان النتيجة شاهد في عيون الأساتذة مشاعر الارتياح. وبعد قليل قال أحدهم "فيه واحد فلاح شرقاوي ميكانيكي حصل علي أعلي الدرجات" فاطمأن لأن هذه المواصفات لاتنطبق علي غيره.. وبدخول أحمد زكي المعهد أعاد الدكتور رشاد رشدي النظر في بعض قوانين المعهد حيث كان يحصل علي الدرجات النهائية في جميع المواد بينما يرسب في مادة الانجليزي.

قدم أول أعماله الفنية عندما كان في السنة الثانية بالمعهد وقتها وقع عليه الاختيار للمشاركة في مسرحية "القاهرة في ألف عام" وبعدها توالت أعماله في مسرحيات "هاللو شلبي" و"مدرسة المشاغبين" و"العيال كبرت".. وفي السينما شد الانتباه بأدواره في "شفيقة ومتولي" و"اسكندرية ليه" و"العمر لحظة" و"الباطنية" وخطف اعجاب الجماهير مع المسلسل التليفزيوني "الأيام" الذي جسد فيه شخصية د. طه حسين وهو العمل الذي يعد نقطة التحول الرئيسية في تاريخ هذا النجم الذهبي والذي فتح أمامه طريق البطولة المطلقة علي الشاشة الكبيرة.

عوامل كثيرة ساعدت أحمد زكي في التعبير الصادق عن معاناة الدكتور طه حسين لاسيما في مرحلة الشباب المبكر منها ذلك الرصيد الضخم من الألم والمعاناة والأحزان المختزنة في "اللاشعور" عند نجمنا الأسمر الذي خرج الي الدنيا يتيما ومنذ أن بدأت مداركه تتفتح حتي أحس أنه وحيد وأنه بالرغم من صغر سنه يحمل مسئولية إعاشة نفسه واستمراره في الدراسة وحضوره الي القاهرة واختياره معهد الفنون المسرحية و"القرشين" اللي تركهما له الأب قد نفدا وهو بعد صغير مما اضطره الي العمل حتي لايحتاج لأحد ومن هنا بدأت شحنات الألم تختزن حتي تفجرت في التعبير عن معاناة د. طه حسين حيث أبدع في تشخيصها بصورة مذهلة.

عندما رشح زكي للدور اعترض الكثيرون ولكن المخرج يحيي العلمي راهن عليه وكسب الرهان بعد ان قالت ابنة طه حسين لأحمد زكي "أهلاً يابابا لقد شاهدتك علي الشاشة".. وإذا كانت الكتابة عن الفن الذي قدمه أحمد زكي مهمة صعبة فإن مكمن الصعوبة هو الاحتياج لعشرات الأقلام المختلفة لتكتب عن الشخصيات المتناقضة التي جسدها.. فالنجم الأسمر نموذج فريد بين نجوم الفن لما يتميز به من طابع خاص وفي مشواره استطاع وهو في أول الطريق ان يحطم اسطورة الفتي الوسيم صاحب العيون الجميلة والشعر الناعم والوجه الملائكي الذي تتهافت عليه بنات حواء بشعره "الأكرت" المجعد ولونه الأسمر.. قطع الطريق نحو البطولة بسرعة الصاروخ وأصبح أهم أبطال السينما وأكد ان الفنان لابد ان يعتمد علي موهبته وحضوره بعيدا عن "حلاوته".

التوحد مع الشخصية

أحمد زكي فنان كبير يقتحم أي عمل فني فيهضمه في لحظة ويغوص في أعماق أي شخصية فيبرز كل ما فيها ويخترق أي دور فيجسده علي طبيعته.. وهو ليس قادرا فقط علي توظيف مشاعره وأحاسيسه لخدمة الدور والشخصية بل وملامحه وشكله أيضا فيصنع ملامحا جديدة لوجهه تتناسب مع الشخصية التي يقدمها أو يضيف "لغداً" فوق رقبته أو يوسع في محور أذنيه أو فتحتي أنفه وظهرت براعته في التوحد مع الشخصية وخاصة التاريخية من خلال تجسيده لشخصية الزعيم الراحل "جمال عبدالناصر" في أصعب مرحلة تمر بها البلاد خلال فيلم "ناصر 56" ورأينا تمثيله بكتفيه وعضلات جبهته ونبرات صوته وحركة قدميه وكذلك فعل في فيلم "أيام السادات" ومنحه الرئيس محمد حسني مبارك وسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولي.

أحمد زكي شلال من الموهبة.. لاينضب فهو متدفق باستمرار تنهل منه الجماهير التي.. شاركته أحلامه وآماله في كل الأدوار التي جسدها علي اختلاف أنواعها.. فهو يدخل عالم الكوميديا مرة وعالم المأساة مرات فهو "الكوافير" في فيلم "موعد علي العشاء" والمحامي في "ضد الحكومة" وعسكري الأمن المركزي في "البريء" وضابط أمن الدولة في "زوجة رجل مهم" وخريج الملجأ في "أحلام هند وكاميليا" ومدرس الفلسفة والدجال في "البيضة والحجر" والصحفي في "امرأة واحدة لا تكفي" والفلاح الصعيدي في "الهروب".

إذا كانت الواقعية هي من تصنيف المخرجين فإن الفتي الأسمر هو الممثل الوحيد الذي من الممكن مجازا ان ننسبه الي هذا التصنيف ففي معظم أفلامه يرفض "الدوبلير" الذي يؤدي الأدوار الصعبة بدلا منه لأنه يعيش بكل كيانه في الدور.

فالذين شاهدوا فيلم "النمر الأسود" أدهشتهم الطريقة التي يمسك بها "المبرد" والطريقة التي يقف بها أمام المخرطة فقد كان هذا تحصيلا لفترة دراسته بمدرسة الزقازيق الصناعية حيث كان في تلك الفترة مشروع ميكانيكي ناجح.

في فيلم "أحلام هند وكاميليا" كانت أحداث الفيلم تتطلب منه أن يقفز من الأتوبيس أثناء سيره عدة مرات وفي أول أيام التصوير لأحد هذه المشاهد قام المخرج باحضار دوبلير لكي يقوم بهذه المهمة حفاظا علي حياته ولكن النجم الأسمر نظر الي المخرج وقال له ضاحكا: "ياعم إيه إحنا اتبهدلنا شعبطة في الأتوبيسات وزوغان من الكمساري" ثم قام بإعطاء الدوبلير أجره وبدأ التصوير.

مشاهد لاتنسي

أما المفاجأة الكبري فقد حدثت في فيلم "موعد علي العشاء" وكانت في المشهد الذي تدخل فيه سعاد حسني "المشرحة" لكي تتعرف علي جثة زوجها "أحمد زكي" فقد كان ينوي المخرج ان تستعرض الكاميرا الجثث الموجودة بالمشرحة ولكن المفاجأة عندما طلب أحمد زكي إخلاء الثلاجة من الجثث لكي ينام بنفسه داخل المشرحة ووقف المخرج ومدير التصوير في حالة ذهول لما قاله النجم الكبير وبالفعل دخل زكي المشرحة وبدأ تصوير المشهد عدة مرات وهو لايزال نائما في الثلاجة وبمجرد أن تم تصوير المشهد نسي أحمد الظلام والدماء التي كانت حوله وخرج يسأل "المشهد طلع كويس ولا نعيده".. ولاينسي أحد المشهد الذي كان يجري فيه أحمد زكي عاريا في الشوارع والناس تنظر اليه بدهشة في فيلم "ولاد الايه" وكانت الجماهير الواقفة في الشارع تبتعد عنه ظنا منهم أنه مجنون حيث أصر أن يكون المشهد طبيعيا.

ولذلك يصنف أحمد زكي بأنه أحد القلائل الذين تجاوزت أدوارهم حدود فن "التشخيص" وأصبحت جزءا من وجدان الوطن وذاكرة الأجيال بفضل أدوار سينمائية ساهمت في احياء ذاكرة الأمة وإلقاء الضوء علي بعض صفحات التاريخ المصري.

دائما يختلط المرض لدي أحمد زكي بالفن فمنذ سنوات طويلة قبل زواجه من الفنانة الراحلة هالة فؤاد هاجمته آلام وأورام تحت إبطه وبعد الكشف والتحاليل علم أنها غدة ويجب إجراء جراحة لاستئصالها وقبل اجراء العملية اتصل بالمصور سعيد الشيمي والمخرج محمد خان وطلب منهما ان يأتيا لتصوير العملية فربما تنفع في فيلم يقوم به مستقبلا ولكنهما اعتبراه مجنونا.. وعندما خرج من غرفة العمليات أخذ معه غدته وعلقها في مرآة سيارته بدلا من "العروسة" لتهتز الغدة يمينا ويسارا مع موسيقي السيارة وكانت هذه هي المرة الأولي التي يدخل فيها حجرة العمليات.

المرة الثانية في لندن داخل الغرفة "800" بمستشفي "لندن كليك" عام 86 وفي هذه المرة شعر بالقلق لأن الطبيب الذي سيستأصل له المرارة وجزءا من الكبد هو نفسه الطبيب الذي كان يعالج عبدالحليم حافظ والمستشفي نفسه هو الذي توفي فيه العندليب لكنه خرج سالما.

يبقي أن أصعب المواقف المرضية التي تعرض لها النجم الأسمر هي تلك التي تعرض لها في يناير 2004 عندما هاجمته آلام الرئة وضيق التنفس واعتقد انها التهاب رئوي ولكن ساءت حالته فاضطر الي اجراء التحاليل والاشاعات التي أثبتت وجود أورام سرطانية خبيثة في الرئة وتمت عملية بذل الماء المتواجد علي الرئة.

حليم

وعندما علم الرئيس محمد حسني مبارك أمر بسفره وعلاجه علي نفقة الدولة بمعهد "جوستاف" بباريس وتابع حالته الدكتور شيفالييه الذي رأي علاجه بمصر وبالفعل استطاع أحمد زكي النهوض وكان في قمة سعادته لتحقيق حلمه بأداء شخصية عبدالحليم حافظ في الفيلم الجديد "حليم" الذي قام بتصوير معظم مشاهده قبل دخوله للمستشفي مرة أخري بعد سقوطه أثناء التصوير لينتصر عليه المرض وتنفذ إرادة الله سبحانه وتعالي في 27 مارس 2005 ولعشق أحمد زكي لفنه فقد طلب من شريف عرفة مخرج فيلم "حليم" بتصوير جنازته وعرضها في الفيلم كأنها جنازة عبدالحليم حافظ التي لم تصور سينمائيا ولذلك لم يكن غريبا ان يولد أحمد زكي يتيما ويفارقنا ملفوفا بعلم مصر تكريما له بعد موافقة الرئيس محمد حسني مبارك علي طلبه.

موقع "شاشتي" في

03.04.2005

 
 

أحمد زكي نجم وصل إلى الناس بصدق أدائه وتنوع أدواره

الموضوع هدهد سليمان

ثم ألقت المسرحية الشهيرة (مدرسة المشاغبين) أضواء على موهبته التي تفجرت فيما بعد في مسرحية (العيال كبرت) ومسلسل (الأيام) الذي جسد فيه حياة عميد الأدب العربي طه حسين.

من سعد القرش

القاهرة – الوطن - - يعتبر الفنان المصري أحمد زكي الذي توفي اليوم الاحد بعد صراع مع مرض السرطان استمر أكثر من عام من أبرز نجوم السينما المصرية في الأعوام الثلاثين الأخيرة.

وبرع زكي في أداء أدوار متنوعة وقدم أفلاما كوميدية وأخرى تناولت قضايا اجتماعية وسياسية مهمة.

ولد أحمد زكي يوم 18 نوفمبر تشرين الثاني عام 1949 بمدينة الزقازيق في شمال مصر. والتحق بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة وتخرج فيه عام 1973. وأثناء دراسته جذب إليه الأنظار بدور صغير في مسرحية (هالو شلبي) أمام الفنانين عبد المنعم مدبولي وسعيد صالح.

ثم ألقت المسرحية الشهيرة (مدرسة المشاغبين) أضواء على موهبته التي تفجرت فيما بعد في مسرحية (العيال كبرت) ومسلسل (الأيام) الذي جسد فيه حياة عميد الأدب العربي طه حسين.

وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996 اختار سينمائيون ستة أفلام قام ببطولتها أو شارك فيها زكي ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي (زوجة رجل مهم) و(البريء) و(أحلام هند وكاميليا) و(الحب فوق هضبة الهرم) و(اسكندرية ليه) و(أبناء الصمت).

وكان فيلم (أبناء الصمت) الذي أنتج عام 1974 من المحطات الأولى في مسيرته وقام ببطولته الفنان المصري محمود مرسي الذي توفي عام 2004. ثم جمع زكي ومرسي فيلم آخر هو (سعد اليتيم) الذي أخرجه أشرف فهمي عام 1985.

واعتبر كثير من النقاد أحمد زكي من أهم المواهب في فن التمثيل في مصر في الاعوام الثلاثين الأخيرة إذ يأتي في مقدمة من استطاعوا أن يجمعوا بين النقيضين.. (النجم) و(الممثل) من خلال عدد من الأفلام من بينها (النمر الأسود) و(العوامة 70) و(عيون لا تنام) و(البيه البواب) و(سواق الهانم) و(أرض الخوف) و(شفيقةومتولي) و(كابوريا) و(مستر كاراتيه) و(البطل) و(ضد الحكومة) و(هستيريا) و(ضد الحكومة) و(الهروب) و(اضحك الصورة تطلع حلوة).

وحقق زكي نجومية هائلة كسر بها نموذج البطل شديد الوسامة فوجد فيه الكثيرون نموذجا للشاب المصري العادي الذي استطاع أن ينطلق في عالم السينما ويغير الكثير من قواعده القديمة.

وتميز زكي بأداء صادق وتقمص كامل لكل شخصية أداها فتمكن من الوصول إلى كل المشاهدين على اختلاف ثقافاتهم ووجد فيه كثير من الشبان نموذجا حتى إن كثيرا منهم قلدوا بعض شخصياته في الملبس وقصة الشعر التي عرفت بينهم باسم فيلمه (كابوريا).

وحصل زكي على عشرات الجوائز آخرها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2002 عن دوره في فيلم (معالي الوزير).

وقالت الناقدة المصرية ماجدة موريس لرويترز إن أداء زكي التمثيلي يمكن أن يوضع في كفة ميزان ويصبح أكثر عمقا وثقلا من أعمال فناني جيله لأنه "الوحيد الذي تماهى مع الشخصيات التي أداها بصدق يصل إلى درجة الجنون. ومن الطبيعي أن يصل هذا الصدق إلى النقاد والجمهور."

وأضافت أن زكي تلخيص لنموذج وقيمة غير موجودة الآن في الوسط الفني في مصر إذ كان يعمل بلا حسابات كتحقيق شهرة أو مكانة لدى سلطة ما أو اكتساب ثروة "ولكنه كان مخلصا لفنه بصورة دفعت الناس إلى تصديقه بدون أي تنظير. أما النقاد فوجدوا في أعماله مستوى رفيعا."

وأشارت إلى أن المشاهدين العاديين بوعي فطري حاولوا في التعبير عن حبهم لزكي الإمساك ببقية النماذج الحقيقية في الحياة حتى أن بعض هؤلاء "كتبوا في سجل الزيارة في المستشفى الذي كان يعالج به أنهم مستعدون للتبرع له بأي شيء.. من المال إلى الأعضاء كي يواصل حياته."

ووجد المخرجون من جيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية في الثمانينيات في موهبة أحمد زكي فرصة لإنجاز مشاريعهم المؤجلة وهم رأفت الميهي ومحمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وعلي بدرخان وعاطف الطيب.

وجسد زكي دور الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في مرحلة صعوده من خلال فيلم (ناصر 56) الذي تناول مقدمات تأميم شركة قناة السويس عام 1956 وانتهى الفيلم بإعلان العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الإسرائيلي) على مصر.

كما جسد حياة الرئيس المصري السابق أنور السادات في فيلم (أيام السادات) ومنحه الرئيس المصري حسني مبارك وساما عن أدائه الذي تماهي فيه مع السادات تماما حيث كان زكي مغرما بتقليد السادات حتى في حياة الأخير.

وشارك أحمد زكي الفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني بطولة المسلسل التلفزيوني الشهير (هو وهي) ويعد مرحلة في تعاونها الفني المشترك الذي أثمر عددا من الأفلام من بينها (شفيقة ومتولي) و(موعد على العشاء) و(الدرجة الثالثة) و(الراعي والنساء).

ولأحمد زكي ابن وحيد (هيثم) من الفنانة المصرية الراحلة هالة فؤاد (1958 -1993) ابنة المخرج الراحل أحمد فؤاد.

موقع "عرب أمريكا"في

03.04.2005

 
 

وصية أحمد زكي!

فاطمة عياد 

باق 72 ساعة ويتم هيثم ابن الراحل الكبير أحمد زكي 21 عاماً ليصبح كامل الأهلية.. ليتمكن من إبرام أي تعاقدات أو عقود خاصة بميراث والده بما فيها عائد الأفلام. أكد ذلك هشام فؤاد خال هيثم والذي يقيم هيثم معه ومع جدته عن والدته، ويقول هشام فؤاد الذي لم يتحدث منذ مرض أحمد زكي: علاقتي لم تنقطع بأحمد زكي لحظة واحدة منذ وفاة شقيقتي هالة فؤاد .. فأنا مدير مكتب أحمد زكي والمنتج الفني لفيلم »أيام السادات«..

ولقد مات والدي الأول أحمد فؤاد والآن مات والدي الثاني أحمد زكي.. فأنا فقدت أبوي الاثنين.

أضاف: أنا لم أرث أحمد زكي والذي يرثه هو هيثم ولن أمس مليماً واحداً من أموال هيثم وأقول هذا الكلام لأخلص ضميري ولكني لن أترك هيثم لأنني في مقام والده وهذا ليس من أجل الراحلة هالة ولكن من أجل أحمد زكي الأب والأخ والوحيد الذي كان يقف بجانبي إذا واجهتني مشكلة.

ويضيف هشام: ليس هناك أي إنسان يستطيع أن يتكلم بلسان أحمد زكي، لذلك ليس من حق أي إنسان أن يتطرق لقصة حياة أحمد زكي سواء الشخصية أو الفنية مهما كانت الأسباب سوي هيثم أحمد زكي ومن يفعل ذلك يتعرض للمساءلة القانونية.

وحول أجر أحمد زكي عن فيلم »حليم« قال: أوجه كل الشكر لعماد الدين أديب الذي خلص ضميره أمام الله. وجمعنا كلنا وقال: أحمد زكي أجره كذا والباقي كذا حتي لو حدث لي شيء فهذا أقوله أمامكم.

واتصلنا بلبيب معوض محامي الفنان أحمد زكي لنعرف منه ما هي الوصية التي تركها أحمد زكي - كما يتردد وما هي تركته؟

فقال: أحمد زكي لم يترك وصية.. وحتي الآن لم يتم حصر تركته ولكنه أكد انه ليس دائناً ولا مديناً.. واليوم الجمعة سوف أحضر جلسة مع هيثم وهشام فؤاد خال هيثم وسمير عبدالمنعم ابن خال أحمد زكي.

انتقلنا الي الحاجة رتيبة والدة الراحل الكبير أحمد زكي وأخبرنا محمد عطية الأخ غير الشقيق للراحل الكبير انها في حالة نفسية سيئة ومصابة بفتق، وأكد أن والدة احمد لم تفكر في الميراث وتقول دائماً انا لست في حاجة للميراث ولكن ربنا يبارك لنا في هيثم وان كل شيء سيكون لهيثم وتقول: ان مال الدنيا لا يعوضني أحمد.

ويضيف محمد قائلاً: احمد أخويا لم يتركنا محتاجين لشيء فقد قام بتأمين حياة والدته وأمن لي أنا وشقيقاتي حياتنا فنحن لسنا في حاجة لشيء ولا والدةه أحمد.. ولكنها تقول لنا لا تتركوا هيثم.. هيثم أصبح يتيم الأب والأم خليكوا بجواره.

وتقول: هل الفلوس هترجع لي أحمد أنا مصيبتي كبيرة ابني البكر مات.. فلوس ايه وميراث ايه كل شيء لهيثم وحسبي الله ونعم الوكيل فيمن يقول غير ذلك.. وربنا يعوضني في هيثم فهو الوريث الوحيد لأحمد.. فأنا ميراثي من أحمد أخذته في حب الناس لابني أحمد!!

الوفد المصرية في

03.04.2005

 
 

قصة حياة أحمد زكي

اليتيم الذي أبكى الملايين

القاهرة / رحل الفنان أحمد زكي ظهر أمس بقدر ما كانت حياته مليئة بالفن والإبداع فهي ثرية بالغموض، حقق الشهرة والنجومية في السينما وعالم الفن وعرفه جمهور العالم العربي كله.. وفي المقابل كانت حياته الشخصية مليئة بالعذاب والغموض والمعاناة. بدأ حياته يتيما منذ أن فتح عينيه للأب الذي فقده والأم التي تركته وتزوجت من رجل آخر وتربي في بيوت الأقارب العمات والخالات وبيت جده لا يجد من يحتويه كباقي الأطفال الذين أمامه حتى عندما كان يمرض كان يكتم مرضه ولا يعلن لأحد به ويفضل الاكتواء به بعيدا عن نظرة الشفقة.

الحرمان منذ الصغر

كما أنه عاش الحرمان منذ صغره ورآه أكثر وأكثر في الأعياد، عندما كان يرى أبناء الأقارب وأطفال الشارع الذي يقيم به يمسكون بالفلوس ويشترون الحلوى والألعاب وهو يقف كمتفرج محروم من كل مظاهر الترفيه حتى في يوم العيد، كل ذلك كتمه أحمد زكي ليخرجه في طاقاته الفنية في أعماله بعد أن وضع قدمه على أول طريق للفن وبعد رحلة عذاب أخرى واجهها لدخول حلبة الفن.

لم يمسك نقوداً في يده

ويعترف الفنان الراحل أنه لم يمسك قط فلوسا في يده إلا عندما تخرج وعمل في ورشة خراطة عبر اليومية التي كان يحصل عليها. إلا أن الفنان الراحل أحمد زكي تأثر جدا في صوره الحزينة بوالدته التي رآها تخلت عنه منذ البداية وكان هو في أشد الحاجة إليها لتعويضه من حرمان الأب الذي لم يره إلا في صور بسيطة عند بعض الأقارب عندما صار طفلا صغيرا.

وقال عن ذلك: كنت أريد أمي وكنت أبحث عنها طوال الوقت ولكن لم أجدها ولم أعرف لماذا تخلت عني بهذا الشكل، وكان هذا السؤال لا يغيب عنه حتى في عز النجومية التي حققها في عالم الفن والشهرة.

ولأن الفنان الراحل أحمد زكي معروف بأنه حساس جدا منذ الطفولة ومشاعره تنجرح بسهولة فإنه كان يغار على والدته لأنها مع رجل ثان وليست معه لأن والده مات وكان عليها أن تحتضنه وتعطيه جرعة حنان زائدة ولكنها تزوجت فعاش بعيدا عنها حتى وأنه عندما كان صغيرا لم يعرفها وعرفها بعد سن السابعة من عمره وبعد هذه السن كان يزورها لفترة بسيطة، ولكن لم يخف زكي أن زيارته لها كانت تضايقه جدا لأنه يلاقي رجلا آخر معها، إلا أنه عندما كبر ونضج وبدأ يعذر والدته في زواجها لأنه عرف أن ظروفها كانت صعبة بدون هذا الزواج.

إنت كبرت يا أحمد

ومن المضايقات التي لاقاها أحمد زكي مع والدته ولم يعلن عنها كثيرا عندما كان يذهب لزيارتها ويجد أولادها وتهتم بهم أكثر منه وبزوجها وتندهش عندما تراه وتقول له: أنت كبرت يا أحمد لأنه بالطبع يكبر بعيد عنها وتلاحظ هذا الفرق بين المرات التي كان يزورها فيها. إلا أن أحمد زكي لم ينكر أن أمه كانت تحبه لكن ظروفها منعتها من احتضانه وإعطائه السعادة كما أشقائه منها وكان يتعذب وهو يفكر ويقول: هل الأمومة إنجاب فقط؟ وهل هو القانون الذي يطبق عليه مفردا؟ ويردد الأمومة انتماء، وهي أمي، ويحلف مائة يمين أنه يحبها لكن يعود ويقول: لكن هي لم تتعب معه ولم يلومها لأنها في نظره ست فلاحة بسيطة أمية وظروفها في يديها.

ربنا يشفيك يا بني

وخلال فترة مرض الفنان الراحل أحمد زكي زارته والدته منذ أسبوع في حجرته في مستشفي دار الفؤاد التي يرقد فيها لكنه كان فاقد الوعي وفي غيبوبة تامة وسمح لها الفريق الطبي المعالج بالاقتراب من ابنها واحتضنته وقالت له بعض الجمل التي رددها الأطباء :'' روح يا أحمد قلبي راض عنك ليوم القيامة'' .. و'' مسامحاك من كل قلبي وراضية عنك'' و''ربنا يشفيك وتعود لابنك هيثم بالسلامة'' وأنت يأحمد سامحني يا ابني'' لكن النجم الراقد في مرضه لم يسمع دعاء والدته ولم يراها أيضا لكن الكلمات بالتأكيد وصلت بالإحساس.

ولأن حياة الفنان أحمد زكي مليئة بالصور الحزينة فإنه بعد رحيل زوجته الفنانة هالة فؤاد في منتصف الثمانينيات خاف على ابنه الوحيد هيثم وأراد أن يعطيه الدفء والحنان الصحيح وحتى خبراته في الحياة وبالفعل كان قريبا جدا من ابنه حتى أنه قال إن ابنه هو الوحيد في الدنيا الذي يفهمه والقريب منه جدا ولا يفارقه بشكل يومي حتى في أماكن التصوير أحيانا كان يصحبه معه، إلا أن رحيل الفنان زكي هل يجعل من هيثم يتيما آخر لابنه فأمه!

شريط معاناة لا ينتهي

وشريط المعاناة في حياة الفنان أحمد زكي لا ينتهي حتى أنه عندما فكر في الزواج كان عليه البحث عن امرأة تكون له هي الأم التي فقدها والزوجة الحنون الحبيبة التي لا تمل من وظيفة مهمة لرجل متعب وكذلك الصديقة فوجد ضالته عند الفنانة الراحلة هالة فؤاد التي عاش معها قصة حب وحياة هادئة في البداية إلا أنه تغير شيئا ما هذا الوضع، وبدأ الفنان باعترافه يقسو على زوجته رغم أنها استحملته كثيرا وأحاطته بالحب والود والحنان وكان دائم الحديث معها على أن تتوقف عن العمل الفني رغم أنهما كانا متفقين على المواصلة معا فكان الطلاق هو المشهد الحزين الآخر الذي يضاف للمشاهد السابقة وابتعاد زوجته وابنه عنه ووجد نفسه وحيدا في شقته في حي المهندسين فقرر أن يقيم في أحد الفنادق ''هيلتون رمسيس'' الذي ظل به لأكثر من 18 عاما قضاها في عدد من جناحاته وغرفه المطلة على نيل القاهرة وكان يجد نفسه في الفندق عن الشقة رغم وجود شغالة فيها إلا أن الفندق كان يجد فيه ابتسامة وهو عائد من العمل بالليل لا يجدها في شقته شبه المهجورة التي تذكره بالوحدة خصوصا وأن ابنه يقيم منذ رحيل الزوجة بعد الطلاق مع جدته.

يبحث عن زوجة

ولم يجد الفنان أحمد زكي بعد رحيل زوجته المرأة التي تشاركه حياته وتسعده بعد الرحلة المجهدة التي مر بها وتكون فيها الصفات التي يبحث عنها ومنها زوجة لا تصارع معه لأنه مجهد وصناعتها من طراز الرجال تقف بجانبه وتريحه وقال إنه على استعداد أن ينشر إعلان لزواجه مكتوب فيها : إذا كانت هناك امرأة تبحث عن وظيفة كبيرة ومهمة فلتتزوجني.. وظيفة كبيرة وفي غاية الإجهاد وهكذا كان يرى في الزوجة الثانية، ولكن القدر لم يجمعه بهذه الزوجة التي تجيد فن التعامل مع فنان قلق ومصاب دائما بالاكتئاب وتعامله كرجل عادي وليس كفنان ولديها توازن نفسي. صور الحياة الشخصية في حياة أحمد زكي لا تختلف كثيرا عن مشاهد الحزن والمعاناة في حياته الفنية التي عاشها على مدى 35 عاما منذ اكتشافه في معهد الفنون المسرحية وحتى رحيله فها هو يذهب للقاهرة بعد حصوله على دبلوم الصناعية ويلتحق بالمعهد السابق متمردا على واقعه لكن القدر كان يخبئ له صدمات وصورا حزينة أيضا وعلى الرغم من أن أساتذته في المعهد اختاروه لبعض الأدوار الصغيرة في أعمالهم مثل ''هاللو شلبي'' مع سعد أردش والتي كانت تعرف في الإسكندرية وكذلك مسرحية ''القاهرة في 1000 عام'' مع سعيد صالح إلا أن فرصة كبيرة في السينما جاءته عبر ممدوح الليثي الذي رشحه لفيلم ''الكرنك'' مع سعاد حسني وقصة نجيب محفوظ وظل يحضر للدور أكثر من ثلاثة أشهر وقبل التصوير محمد حسين الصبح رفضه ورشح بدلا منه الفنان نور الشريف فسمع هذا الكلام في مكتب الليثي وضغط على كوب الماء الذي بين يديه فأنشرخ كفه وسالت دماؤه وعاد بعد ذلك لقريته ''الحسينية'' وغلى دمه ولم يقاوم بعاد القاهرة سوى أسبوع عاد بعده إلى أبيه الروحي صلاح جاهين الذي اقتنع به وبموهبته منذ أن شاهده في أول عمل وشكا له فخفف من غضبه ..

المنتج: "ده أسود ووحش"!

ووجد أحمد زكي أن كل شيء قد ضاع منه لكن بالعزيمة قرر أن يواصل خاصة بعد شائعات انتحاره وقبل أدورا ثانية لكنه غضب جدا عندما علم أن سبب إقصائه من الفيلم هو الموزع الذي قال عنه بالحرف الواحد : أنه أسود ووحش.. وشكله قبيح جدا ولا يصلح للدور مطلقا ولكن لم ينقذ أحمد زكي من الأدوار الثانوية التي قدمها في ''العمر لحظة'' و''وراء الشمس'' سوى عميد الأدب العربي ومسلسله ''الأيام'' تجسيد الشخصية بكل تفاصيلها وساعتها انطلق للنجومية وغير مقاييس النجومية التي كانت سائدة في الوقت الحالي.

إلا أن رحيل الأب الروحي له صلاح جاهين كرر معه اليتم مرة أخرى فكان صديقه وشقيقه الأكبر وكل حياته وتعلم منه معنى الصداقة، وبالعزيمة أيضا تغلب على ذلك ومن بعده تغلب على مصابه في رحيل الرئيس جمال عبد الناصر الذي لم تكف دموعه يوم رحيله ولمدة أيام وهو الرجل الذي كاد يفقد أحمد زكي حياته بسببه مرتين، إحداهما يوم جنازته والأولى عندما زار مدينته الزقازيق وشب أحمد زكي ليلامس يدي الرئيس وكاد القطار الذي يقله يدهسه تحت العجلات في وجود جمهرة غفيرة!

هل الفن حرام يا مولانا؟

وللفنان أحمد زكي مواقف إنسانية تعرض لها مع شخصيات عديدة لم تغب عن باله يوما ولا لحظة فها هو يذهب للداعية الراحل الشيخ الشعراوي ويستنير بآرائه في الفن والحياة وعندما سأله :هل الفن حرام يا مولانا فقال له : يا أحمد :السكين نافع أم ضار فرد عليه نافع وضار قال له الفن كذلك وهذا الكلام لا ينطبق على الفن فقط ولكن على مهن كثيرة. ولعل تلك المشاهد الحزينة في حياة الفنان الراحل ارتبطت في ذهنه وواقعه بمشاهد ابن بلده الحلوات الفنان الراحل عبد الحليم حافظ الذي عاش معاناته نفسها في الفن والحياة مع اختلاف صغير في الاتجاه أحدهما في عالم الغناء والثاني التمثيل إلا أن ذلك لم يفرق كثيرا بين قدر النجمين حتى أن زكي في آخر أيامه صمم على تصوير فيلم قرنية في العذاب ''حليم '' وأنجز منه 90 في المائة من مشاهده.

حليم وزكي شريكان

فحليم وزكي شريكان في رحلة الألم والفن وشبيهان متجانسان مع اختلافات بسيطة وكل منهما تربى وعاش يتيما متألما و أصيبا بالبلهارسيا من الترعة نفسها الموجودة في بلديهما الزقازيق والحلوات وكل منهما كان له طموح كبير في الفن وحقق كل منهما ما يصبو إليه في ظل معاناة وصدمات عنيفة، تعرفا على بعض وصارا أصدقاء كل منهما يأخذ من الآخر العبرة في مجاله. والقدر أيضا شابه في رحلة النهاية مع المرض حيث أصيب عبد الحليم بأزمة صحية رحل على أساسها، ومن كأس المرض نفسها شرب من أحمد زكي، إلا أن قدر التشابه لم يتوقف فقط عند حد المرض بل الأكثر من ذلك أن رحيل حليم في آذار (مارس) عام 1977 والثاني في مارس من العام الحالي، ولم يتوقف أيضا القدر عن موعد الموت ولكن الجنازة ستكون أيضا من مفارقات القدر في 29 آذار (مارس) موعد جنازة عبد الحليم. رصيده في السينما بلغ رصيد الفنان أحمد زكي السينمائي نحو 56 فيلما بخلاف فيلمه الأخير الذي صور 85 في المائة من أحداثه ويرصد سيرة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ بعنوان ''حليم'' مع المخرج شريف عرفة وباقي الأفلام قدمها منذ عام 1974 بعد تخرجه مباشرة.  

-----------
المصدر: صحيفة الاقتصادية- الرياض.

موقع "نسيج" في

03.04.2005

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)