كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

د. صبحي شفيق يكتب عن «ابن الصمت»:

عندما أشار مجيد طوبيا علي أحمد زكي وصرخ في شلة السينما الجديدة: وجدتها وجدتها

عن رحيل الإمبراطور

أحمد زكي

   
 
 
 
 

الذين رفضوا الهزيمة هم جيل الستينيات والسبعينيات. الجيل الذي تفتح وعيه علي مجتمع يلتف حول برنامج حياة: تنمية اقتصادية، تخطيط، تنمية ثقافية، السعي إلي الاكتفاء الذاتي، إعادة تشكيل الوجدان المصري ليصل إلي ديالتيك الوحدة في قلب الاختلاف، أي: «الحداثة».

والحداثة تبدأ، في تاريخ الفكر الإنساني، بتحطيم النظرة الثنائية للواقع، للإنسان، للطبيعة، النظرة الثنائية التي ورثها المفكرون من أرسطو، حيث الكون يقابل الفساد، والخير يقابله الشر، وكل عنصر في الطبيعة كما في نفس البشرية، قام علي صراع ضدين كلاهما علي نقيض الآخر. هذا هو فكر العصور الوسطي.

وفي الدراما، ترجمته هي: «النمطية». أي رسم شخصيات أي عمل مسرحي (ثم سينمائي بعد ذلك، وتليفزيوني، أخيرا) علي أساس أحادي: هذا هو الشرير (Vilain) وهذا هو الخير، وهذه هي العاطفية، وتلك هي ذات النزعات الحادة التي تصل إلي قمة الشبق.. إلخ.. إلخ.

وفي تاريخ المعرفة الإنسانية، لا يبدأ الوعي بهذه الصراعات إلا عندما حل مجتمع «الأفراد المتعاقدة» (وفق أفكار روسو) محل مجتمع الأرض ومن عليها ملك السيد الإقطاعي، وهي ملكية وراثية، لأنها هبة من المولي سبحانه وتعالي.

الوعي بذاتية الفرد هو بداية عصر النهضة الأدبية من القرن 12 إلي القرن 16، وفي الدراما، اتخذ ذلك شكل بؤرة هي خشبة المسرح «العلبة» أو ما يسمي «علي الطريقة الإيطالية»، وقبل ذلك كان المسرح أحد أنشطة الكنائس، عبارة عن ستائر يتحرك فيها القديسون والملائكة بالعرض، ويوصلون الأشرار إلي الجحيم، والأخيار إلي جنة عدن، بينما الرابطة بين هؤلاء وهؤلاء هي الطاعة للسيد الإقطاعي، وإخلاص فرسانه له، ومن هنا عبارات: «له مسلك الفرسان» و«سلوكه نبيل».. إلخ.

ومع عصر الأفراد المترابطون في وحدة، هي «الدستور» مع احترام الاختلاف، كان علي كتاب الدراما أن يعيدوا اختبار القيم السالفة علي خشبة المسرح: كل شخصية تحلل نفسها، فيدرا عن چون راسين أحبت ابن زوجها ثيسيوس وأصبحت عشيقة ايبوليت في غياب والده. يا للجرم الذي ارتكتبه؟

وهكذا تصبح فيدرا، ابنة الإله زيوس، ولا تجد حلا إلا بالانتحار، وتتأوه ألما: «ما الذي يمكن أن تقوله، يا ابت، إزاء هذا المشهد البشع؟» وقبلها. في 1601، صاح هاملت ـ شكسبير: «الإنسان، أجمل ما فيه هو عقله»، وفي عام 1660 ترجم الفيلسوف الفرنسي ديكارت صيحة هاملت في كتابه الذي يفتح الطريق أمام منهج تحليل جزئيات الظاهرة، أي ظاهرة، للوصول إلي تركيبتها النهائية، وأعني به: «المقال في المنهج».

كل هذا المقدمة ضرورية لتحديد أين نقف، نحن، الآن، وبعقلية أي مرحلة من مراحل المعرفة الإنسانية نعبر عن واقعنا. إذا كنا لانزال نتصور الكون، والحياة، والإنسان، إنماطا متباينة، فنحن لم نخرج من العصور الوسطي بعد، ومازلنا في حيرة بداية عصر النهضة. أما إذا أدركنا أن الخير والشر وجهين لظاهرة واحدة، فنحن نعبر عن واقعنا من خلال منظور ديالكتيكي.

وفي تاريخ السينما المصرية، كانت بداية الخروج من الثنائية إلي الديالكتيك هي حركة جماعة السينما الجديدة، التي كان لي شرف صياغة بيانها الأول في 1968. كانت الحركة معاصرة للتحولات السياسية ـ الاجتماعية ـ النفسية التي طرأت علي مجتمعات العالم في ذلك الوقت: رفض شباب أمريكا النظام القائم علي الحروب، الصغيرة، كوريا، فيتنام، الجزائر.. إلخ، ثم الدعوة إلي نظام يقوم علي تفتيح ملكات الفرد، وتضييق الهوة بين الثري والفقير، بين ثقافة العامة وثقافة الخاصة، وإعادة تكوين نسيج الحياة اليومية علي أسس جدلية.

في مصر، لم يبدأ هذا التحول الجذري في السينما، بل في مجال الإبداع الروائي، سواء في القصة القصيرة أو الرواية. بدأ بقصة قصيرة لبهاء طاهر بعنوان «الحفلة»، كما بدأ برواية ذات بناء سيمفوني، هي: «دوائر عدم الإسكان» لـ «مجيد طوبيا»، وكذلك في «الزحام» لـ «يوسف الشاروني»، وفي كثير من أعمال إدوار الخراط، لينتهي إلي صُنع الله إبراهيم والجيل التالي.

وفي السينما، كانت نقطة البداية هي: «الظلال في الجانب الآخر» لـ«غالب شعث». وهي أول إنتاج «جماعة السينما الجديدة»، ثم بعد ذلك «أبناء الصمت» سيناريو مجيد طوبيا وإخراج محمد راضي. وفي الوقت نفسه «زائر الفجر» لـ «ممدوح شكري».

وأذكر أن مجيد جاء إلي بيتي ذات ليلة، وعندي كنا نلتقي باستمرار، محمد راضي، مجيد، عمر خورشيد، مجدي الحسيني، ممدوح شكري، خيري بشارة مع أسرته.

وقال لي مجيد وهو يتقد حماسا، علي غير عادته، فهو من النوع الذي «لا يعجبه العجب لا والصيام في رجب».

قال مجيد: «لقد وجدنا الممثل الذي يجسد تصوارتنا لما ينبغي أن يكون عليه الممثل». ويعني مجيد بذلك الخروج من النمطية (شرير علي طول الخط، مصاب بالانفصام علي طول الخط... إلخ.. إلخ)، ثم تجسيد كيفية الحياة (لا التراكم الكمي) وكيفية الحياة في السينما، هي أن تكشف لنا عن كيف يحدث هذا الحدث، وهذه هي الحداثة، أما أن تبني الفيلم علي أساس: وبعدين، وبعدين، فهذا هو عصر الحواديت، عصر اعتبار وجودنا حكاية مسلية.

وأضاف مجيد:

«له سمرة الفراعنة، وله القدرة علي أن يسرد ما في داخله بالإيماءة، وبالنظرة». كان ذلك الشاب هو أحمد زكي.

عرفت أنه من أبناء الشرقية، تعلم في الزقازيق، وفي الثانوية الصناعية شاء حظه أن يكون مدير المدرسة من مهندسي الديكور، وقد شيد مسرحا متكاملا في نفس المدرسة، وفي هذا المسرح خاض أحمد زكي تجاربه الأولي: كممثل، ثم كمخرج، وربما كان أول مخرج شاب يحقق مفهوم المسرح الشعبي (مسرح فيلا في فرنسا، وبريشت في ألمانيا) أقول ـ بلا أدني مبالغة ـ ربما يكون أول من حقق مفهوم المسرح الشعبي، لأنه عندما أخرج مسرحية «اللحظة الحرجة» لـ «يوسف إدريس»، انتقل الخبر إلي المدن الصغيرة والقري المجاورة لـ «الزقازيق»، وطلبت منه فاقوس أن يعرض العمل بمسرح متنقل، ومن فاقوس إلي باقي مدن وقري محيط الزقازيق.

ولم يكتف أحمد زكي بالممارسة العملية، بل عكف علي قراءة كل ما كتب عن المسرح، حتي التحق بمعهد الفنون المسرحية. وعندما «خيشت» الفكرة في ذهن مجيد طوبيا، ازداد حماس محمد راضي لها، وإذا بنا نجد عند عرض «أبناء الصمت» نبض الإنسان المصري الذي ينحدر من جذور التربة المصرية، جندي بسيط، إلا أنه يعكس روح جيل بأكمله: يرفض القمع ويرفض الهزيمة.

وبعد محمد راضي، وجد جيل الستينيات، ابتداء من خيري بشارة حتي عاطف الطيب ومحمد خان ومجدي محمد علي وغيرهم وغيرهم. أقول وجدوا في «أحمد زكي» إنسان مصر الرافضة للهزيمة.

وإذا كان أحمد زكي يجسد من هم في القاع الذي تحتدم فيه صراعات كل يوم، كما في «حواء علي الطريق»، السائق الميكانيكي، أو في «عيون لا تنام»، ثم وقع في يد أبي السينما التجريبية المعاصرة «خيري بشارة»، فانتزع أحمد زكي من وضعه وهو يئن تحت وطأة الصراعات الاجتماعية ليعطيه الكاميرا كي يري من أي زاوية يجيء الفساد، وإلي أي زاوية علينا أن نتجه.

ثم ها هو الفنان المبدع محمد فاضل يضع أحمد زكي في مركز برنامج الحياة المصرية منذ 1954 حي 1956، فإذا بـ «أحمد زكي» يصبح صاحب كل ما اتخذ من قرارات حتي يونيو 1956، يصبح «جمال عبدالناصر».

ولو وضعنا «أبناء الصمت» بعد ذلك لرأينا أحمد زكي يخرجنا جميعا من الصمت، يدفعنا إلي أن نصرخ: «كفي!»، ولكي يخرجنا من الصمت استنفد كل طاقته، وهكذا مصير الشهداء.

عزائي لـ «هيثم».

وعزائي لكل أبناء الصمت.

 

ماجدة خيرالله تكتب:

البحث عن فضيحة فى حياة أحمد زكى

ماذا يفيد الناس من الحديث عن أم النجم الأسمر وتواضع عائلته؟!

هل إذا توفى واحد من كبار الصحفيين أو حتى صغارهم سيفكر أحد فى البحث عن حقيقة علاقته بأمه؟ أحيانا يعطى أهل الصحافة لأنفسهم الحق فى الخوض فى الحياة الخاصة جدا للفنان بحيث يتحول الأمر إلى موقف غير أخلاقى وغير إنسانى فى الصراع المحموم الذى كان دائرا بين الجرائد والصحف على تغطية الحالة الصحية للفنان الراحل أحمد زكى، سمح البعض لنفسه بأن يتجه نحو منطقة أراها شديدة الخصوصية وهى علاقة أحمد زكى بأمه؟ هل كان يحبها؟ هل كان يصرف عليها؟ هل زارته؟ هل.. هل؟ عشرات الأسئلة الغريبة والسخيفة.. أحمد زكى الفنان الكبير المتميز لم نجد شيئا فى حياته وإنجازاته نتحدث عنه... إلا علاقته بأمه. أحمد زكى مثل الملايين من أبناء الريف البسطاء كان من الممكن أن يعيش ويموت دون أن يدرى به أحد... إلا أن موهبته الفذة، وكفاحه وعمله الدؤوب ارتفع به من قائمة الحالات العامة إلى أن أصبح واحدا من الحالات شديدة التفرد والخصوصية ومع ذلك ترك المتاجرين بآلامه وحياته كل التفاصيل المهمة وتصوروا أنهم يقدمون إنجازا صحفيا عندما ينشرون صورة لأم أحمد زكى!! وهى امرأة شديدة البساطة أغلب الظن أنها لم تكن تستوعب قبل وفاة ابنها أن له كل هذه القيمة، ومعها حق فهى لم تغادر قريتها إلا مرات قليلة وإذا فكرت أن تعيش فى القاهرة سوف تتوه وتدوخ.. وحياتها آمنة ومستقرة فى بلدتها وسط أبنائها وأحفادها، لا شك أنها كانت تشعر أن أحمد زكى الذى ولدته ليس نفس الشخص الذى أقام الدنيا ولم يقعدها عندما أعلن الأطباء عن حقيقة مرضه.. لماذا تترك الصحافة كل المحطات المهمة فى حياة الرجل وتبدأ فى إثارة الغبار حول حياته للبحث عن فضيحة هنا أو هناك... أحمد زكى ترك لنا أكثر من خمسين فيلما قدم خلالها خمسين دورا وخمسين شخصية تصلح كل منها للتحليل والبحث، حياته كانت زاخرة بالإنجازات الحقيقية فلماذا لا يغرينا كل هذا بالحديث؟ لماذا نحاول الآن أن نضرب علاقته بأقرب الأصدقاء ونلوث المعانى الجميلة بحثا عن سبق أو إنجاز؟ لقد بدأت نغمة تسرى بين بعض من يبحثون عن أى أزمة مفتعلة، ليلقوا بوابل من الاتهامات على رأس عماد الدين أديب متهمين إياه باستغلال مرض صديقه ليحقق نجاحا تجاريا لفيلم «حليم» شوف إزاى؟ هل كان من الأفضل أن يقضى أحمد زكى عامه الأخير لا يفعل شيئا سوى انتظار الموت الوشيك؟ هل خسرت السينما المصرية أم كسبت فيلما سوف يضاف إلى قائمة أعمال هذا المبدع المتفرد... الكثير من الفنانين ماتوا قبل الانتهاء من تصوير أحد الأعمال الفنية، ولم يغير ذلك من الأمر شيئا لأن هناك دائما حلولا لكل أزمة مهما كانت فداحتها ولا أرى شيئا معيبا فى أن يضع فريق العمل لفيلم «حليم» خطة بديلة تنفذ فى حالة وفاة أحمد زكى! فهذا ما تفعله شركات الإنتاج فى هوليوود حيث تقوم بالتأمين على بطل الفيلم أو بطلته تحسبا لأى مفاجآت غير محسوبة وتقليلا للخسائر المتوقعة، عندما توفيت الفنانة أسمهان فى حادث سيارة قبل أن تصور المشاهد الأخيرة فى فيلم «غرام وانتقام» قام مخرج الفيلم ومؤلفه بتغيير النهاية بما يتفق مع ما استجد من أحداث وخرج لنا فيلم من أهم أفلام الأربعينيات. والممثل العالمى جيمس دين عندما مات فى حادث سيارة قبل أن ينهى تصوير آخر أفلامه تحول حادث وفاته إلى نهاية جديدة للفيلم الذى نال شهرة واسعة وحول جيمس دين إلى أسطورة لا تنسى... سواء كان القائمون على إنتاج فيلم «حليم» لديهم يقين كامل بأنه سوف يرحل قبل إتمام الفيلم أو لديهم مجرد احتمال فأعتقد أن من حقهم عمل خطة بديلة لتكملة الفيلم ليس فقط لإنقاذ الملايين التى تكلفها إنتاج الفيلم، ولكن لإنقاذ آخر عمل فنى كان يمثل الحلم الأخير لفنان عظيم... افتقدناه جميعا ولكن عزاءنا أنه لم يغادر الدنيا قبل أن يقدم لنا قطعة من إبداعه فى فيلم «حليم».

 

ثلاث مسرحيات وحضور طاغ

أحمد زكي علي خشبة المسرح

عمرو دوارة

* لماذا غاب النجم الأسمر مسرحيا منذ منتصف السبعينيات؟

* من الممثلة التي يغار عليها مسرحيا... ومن الممثل الذي حسده أحمد زكي وتمني منافسته؟

علاقة نجوم السينما بالمسرح علاقة مضطربة وتتسم دائما بالشد والجذب، وغالبا ما يخشي نجوم السينما الكبار من مواجهة الجمهور، خاصة إذا ما كانت بداياتهم الفنية بعيدة عن خشبات المسرح جماع الفنون، واعتمدوا في نجاحاتهم علي تلك القدرات والمهارات التي تتطلبها الأعمال السينمائية كصناعة يتدخل فيها الفنيون والآلة لتسجيل لحظات الإبداع المتقطعة وغير المتواصلة.

لقد خشي عدد كبير من نجوم السينما الاقتراب من عالم المسرح وفي مقدمتهم سيدة الشاشة، فاتن حمامة والسندريللا، سعاد حسني وسميرة أحمد والفتي الأول رشدي أباظة وعمر الشريف وأحمد رمزي وكانت هناك محاولات لم تحقق النجاح المنشود لنادية الجندي وأحمد مظهر وصلاح ذوالفقار ونبيلة عبيد ونادية الجندي وحسن يوسف ولكن الحال يختلف مع النجم والممثل القدير أحمد زكي فبداياته مسرحية ومن خلال المسرح وبالتحديد من خلال أعماله الثلاث بفرقة المتحدين والتي بدأ معها أثناء مرحلة دراسته بالمعهد العالي للفنون المسرحية وذلك بمشاركته في عرض «هاللو شلبي» ثم عرض «مدرسة المشاغبين» و«العيال كبرت» استطاع أن يؤكد موهبته ويلفت الأنظار إليه وذلك منذ تجسيده لشخصية الجرسون بالفندق الهاوي للتمثيل وتقليده لآداء الفنان حسن البارودي والفنان محمود المليجي في نهاية الفصل الأول.

لقد تعامل «أحمد زكي» في هذه المسرحيات الثلاث مع ثلاثة مخرجين كبار اكتشفوا قدراته الأدائية وهم بالترتيب الزمني سعد أردش وجلال الشرقاوي وسمير العصفوري واستطاع الفتي الأسمر أن يبرز وسط كوكبة من نجوم الكوميديا في مقدمتهم عبدالمنعم مدبولي وليلي فهمي وسهير الباروني وحسن مصطفي وعبدالله فرغلي ونظيم شعراوي وكريمة مختار ومن الأجيال التالية عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي، وانطلق أحمد زكي من خشبات المسارح إلي الشاشة الفضية والشاشة الصغيرة ليجسد العديد والعديد من الشخصيات الدرامية المركبة والثرية وليحقق نجاحات متفردة لا مثيل لها ولكن يبقي السؤال المستمر ألم يشعر بالحنين إلي خشبات المسارح وما أسباب ابتعاده عنها خاصة أن كثيرا من نجوم السينما قد اجتذبتهم أضواء المسارح مرة أخري ومن بينهم عادل إمام ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز وفاروق الفيشاوي وحسين فهمي ومحمود ياسين وشادية ويحيي الفخراني ودلال عبدالعزيز وصفية العمري وذلك في محاولة للهروب من المشاركة بأفلام المقاولات التي انتشرت حينئذ، وأيضا لإعادة الحياة إلي المسرح باجتذاب الجمهور المصري والعربي واستغلال مواسم السياحة العربية.

رفض أحمد زكي جميع إغراءات المنتجين بالمسرح ولذلك شعرت بالغيرة كمسرحي لعدم إمكانية الاستفادة من إمكانات هذا الممثل العملاق مسرحيا، وعدم الاقتراب من عالمه الفني الخاص حتي أتيحت لي فرصة اللقاء الأول معه بفندق هيلتون رمسيس ـ حيث كان يقيم ـ في نهاية الثمانينيات وذلك بتكليف من المخرج القدير كرم مطاوع والذي رشحه لبطولة عرض «عودة الأرض» عن نص الكاتب الكبير ألفريد فرج وبطولة المبدعة سهير المرشدي وهو العرض الذي تشارك به وزارة الثقافة في احتفالات أكتوبر وافتتاح قاعة المؤتمرات وكان ذلك بالتحديد عام 1989، ولم أكن أتصور أن حرارة استقباله لي كمخرج منفذ وحرصه علي معرفة جميع تفاصيل العرض سوف تنتهي بهذا الاعتذار المهذب عن المشاركة لقد استمرت الجلسة أكثر من ساعتين أعلن فيها عن إعجابه الشديد بكتاباتي النقدية وبنصوص وإبداعات ألفريد فرج وبطرافة الموضوع الذي يعالجه وهو عودة الوعي والذاكرة للمقاتل المصري في 1973 بعد أن فقدها عام 1967 وعن عمق التناول وجودة الحبكة الدرامية كما أعلن عن تقديره الشديد للفنان كرم مطاوع وحرصه علي التعامل الفني معه ومع مجموعة المبدعين المشاركين بالعمل وفي مقدمتهم الشاعر الكبير سيد حجاب والموسيقار جمال سلامة ومجموعة الممثلين ومن بينهم سهير المرشدي والعم عبدالحفيظ التطاوي والفتي الرصين الممثل شريف صبري كما أطلق عليهما، ولكنه في النهاية فاجأني باعتذاره الحاسم والذي جاء في صيغة سؤال محدد:

هل يرضيك أنت يا عم دوارة وأنت مسرحجي أبا عن جد أن أشارك في عرض يقدم لليلة واحدة؟ معقولة بعد طول الحرمان عن معشوقتي لا أستمتع بالبقاء معها لأطول فترة؟ معقولة تحرموني من الاستمتاع بفترة البروفات والمعايشة ونقدم عرضا كبيرا زي ده بعد ثلاث أسابيع فقط؟

يومها شعرت بالأسي لعدم توفيقي في إقناعه ولإحساسي بالورطة بالرغم من إيماني بعبقرية الأستاذ كرم مطاوع وقدرته علي الإبداع مع الاحتفاظ بسرعة الإيقاع والتوظيف الدقيق للزمن ولم أستطع الإجابة علي تساؤلاته فقط اكتفيت بالابتسام والوعد بتكرار اللقاء.

مرت الأيام مسرعة ولم يتكرر مثل هذا اللقاء الحميمي معه إلا في بداية الألفية الثالثة وبالتحديد عام 2003 عندما شرفت بإخراج رائعة الكاتب القدير محفوظ عبدالرحمن السلطان يلهو بمسرح الغد وفوجئت بمدير دار كرم أحمد يخبرني بأن أحمد زكي واقف أمام شباك التذاكر ويسأل عن قيمة أعلي تذكرة ومعه خمسة ضيوف وأصر أحمد زكي علي تسديد قيمة التذاكر ورفض جميع محاولاتي لاستضافته قائلا: يا عم عمرو مع غلاوتك مش هاتكون أغلي عندي لامؤاخذة من العم محفوظ وبرضه مش أغني من عم محفوظ عبدالرحمن اللي تقدرتعمله فقط هو أنك توافقني علي استرداد اللي دفعته لو ماعجبتنيش المسرحية اللي كل النقاد والصحفيين اختاروها أفضل عرض في الموسم.

والحقيقة أنه برغم نجاح العرض وإشادة النقاد به وتحقيقه لأعلي الإيرادات بمسرح الغد إلا أنني جلست بجوار المطرب والصديق أحمد إبراهيم لرصد انطباعات ومشاعر هذا الفنان القدير وكم كانت فرحتي عندما أصر علي التعبير عن إعجابه بالعرض علنيا وقيامه بتحية المشاركين فيه والتصوير معهم ودعوته لجمهور الحاضرين بضرورة اتخاذ المواقف الإيجابية والمشاركة في الدعاية لهذا العرض الذي يجمع بين المتعة والفكر ويبتسم بالجرأة والمواجهة مع مجموعة العرض بل أصر أيضا علي اللقاء معهم وقضاء السهرة بينهم، وفي ضيافة الصديق شريف عبداللطيف مدير المسرح حينئذ وبمكتبه دار الحوار الذي استمر لأكثر من ساعتين مع نجوم العرض أحمد راتب وسميرة عبدالعزيز وخليل مرسي وسامي مغاوري وزين نصار وانتصار وبدأ حديثه بتلك الدعابة معي حول كيفية تجميع وقيادة هذه الدستة من الأشرار المبدعين، وكم كانت ملاحظته دقيقة حيث يضم فريق العرض أيضا كل من عادل أنور ومحمد دسوقي ويوسف رجائي ومحمود عبدالغفار وسمير ربيع وصديقه الكوميديان عهدي صادق.

وحول أسباب ابتعاده عن المسرح أجاب بأنه يفضل أن يوجه جهده للسينما فهي الذاكرة الباقية ويشاهدها أكبر عدد ممكن خاصة مع استمرار ذلك العداء الخفي والمستمر بين الثقافة والإعلام وعدم إذاعة المسرحيات الجادة وكذلك عدم تسجيل المسرحيات الجديدة.

وإذا كان الجميع قد أعجبوا وأثنوا علي بساطة هذا الفنان الكبير وتلقائيته وقدرته علي إثارة جو من المرح والسعادة بقفشاته وانتقاداته اللاذعة وقدراته ومهاراته في التقليد، والتشخيص والتقمص فإنني قد اندهشت من ذاكرته الحديدية وتذكره للقاء الأول بيننا بعد مضي خمسة عشر عاما حينما عاتبني ضاحكا لماذا لم تعرض علي المشاركة بأداء دور «أبوالعيون» بدلا من ترشيحي لعرض يقدم ليلة واحدة.

والحقيقة أن اختياره لدور أبوالعيون بعيدا عن دور الملك أو الوزير يوضح بجلاء مدي حساسيته ودقته في اختيار الأدوار التي ينجح في تجسيدها وحتي لا يترك أي مجال للتفسير أوضح بأن ذلك لا يقل من تألق زين نصار في أداء هذا الدور بل أضاف بأنه قد شعر بالغيرة لوجود مثل هذا الممثل الذي يمتلك جميع مفرداته ونجح في أداء هذه الشخصية المركبة الصعبة بصورة رائعة.

وتضمنت تلك الجلسة الحميمية الرائعة التعبير عن مشاعره الفياضة ورغبته في تقديم عرض غنائي استعراضي بإمكانات حقيقية تقارب إمكانات المسارح في برود واي والعالم الغربي، كما أعلن عن إعجابه بأداء جميع الممثلين وبهذا التناغم الفني الذي تفتقد كثير من العروض الحالية وفي النهاية أشاد بأداء وحساسية الفنانة سميرة عبدالعزيز والتي يعتبرها أمه الحقيقية برغم تقارب السن بينهما وذلك لحساسيتها ورقتها وتميزها بأداء دور الأم لجميع الشخصيات الشهيرة وإن كان له السبق حيث جسدت دور والدة طه حسين بالمسلسل الذي قام ببطولته.

رحم الله الفقيد الغالي جزاء ما أمتنعا وأسعدنا وأخلص في عمله وأدخله فسيح جناته.

 

مصطفي محرم يكتب في وداع بطل خمسة من أجمل أفلامه:

شائعات وهتافات وسخافات في جنازة أحمد زكي

* التفسيرات السياسية التي راجت عن الجنازة وصاحبها.. والتساؤلات السينمائية التي تدور عن الفيلم الأخير وبطله

* الشيخ الذي قام بتغسيل جثمان أحمد زكي طلب من السفير السعودي «ماء زمزم» فأحضر لهم مشكورا 50 جركن من الماء المبارك

* وزير الصحة شدد علينا أثناء الجنازة أن نتوقف عن التدخين وشرح لنا مضاره وكوارثه الصحية.. فقلت له إن والدي كان يدخن ثلاث علب سجائر يوميا ومات في الـ87 من عمره! كنت مثل غيري من الملايين أتابع أخبار أحمد زكي من خلال الصحف المصرية والعربية، انشغلت الصحافة بتفاصيل مرض الممثل الأسمر ونهايته المحتومة في دأب شديد، تحاول كل جريدة أن تتسلل داخل أسوار المستشفي البعيدة التي يرقد فيها أحمد زكي تتسلل إلي داخل كل من يكون قريبا منه في أيامه الأخيرة تريد أن تعرف المزيد من التفاصيل لتدعي السبق. أستطيع أن أزعم بأن هذا الاهتمام البالغ لم يحظ بمثله أي نجم من قبل في ميدان التمثيل أو مطرب في حقل الغناء أو أي فنان أو كاتب مهما علا شأنه.لا أستثني في ذلك عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم أساطير الغناء وأستطيع أن أزعم بأن عبدالحليم حافظ قد زاد شهرة علي شهرة أثناء مرض أحمد زكي وارتباط هذا المرض بأدائه دور عبدالحليم حافظ في فيلم «حليم» هذا الفيلم الذي لم يكتمل تصويره ويعلم الجميع بأنه لم يكن سيكتمل ويعلم ذلك الأمر أحمد زكي نفسه. ولذلك فإن السؤال الذي يثير الحيرة في نفوس الكثيرين من العقلاء هو لماذا قررت الشركة المنتجة التي علي رأسها الإعلامي عماد الدين أديب، أن تبدأ بتصوير الفيلم وهي علي يقين من الناحية الطبية أن أحمد زكي إنسان محتوم صرح الأطباء في الخارج والداخل بأنه سوف يموت في غضون ستة أشهر ونحن نؤمن كل الإيمان بأن الأعمار بيد الله، ونؤمن بأن عمر الإنسان لا يزيد لحظة أو ينقص مقدار ثانية إلا بإذن الله الذي لا رد لقضائه. ولست أزعم أن الشركة التي تقوم بإنتاج فيلم «حليم» رجالها أقل منا إيمانا ولكن كان هناك إصرار غريب علي البدء بتصوير الفيلم رغم أنه أمام هذه الشركة بديل آخر، بديل يتمسك به كل صاحب مال عاقل هناك سيناريو كامل عن مطرب مازال يعيش في وجدان الناس حتي الآن ويحظي بشهرة طاغية، وهناك ممثل مهما بلغت عبقريته في التمثيل ما بلغت ولكنه ليس أمامه سوي أيام قليلة لا تكفي لإكمال الفيلم الذي يتكلف ملايين قد تتجاوز العشرة ملايين، إن البديل لهذا الموقف هو التريث الحكيم إذا مات أحمد زكي فهناك من يستطيع غيره وربما أقل كفاءة وربما أكثر فلا أحد يستطيع أن يجزم بهذا الأمر. بتمثيل دور المطرب عبدالحليم حافظ يساعده في ذلك فن الماكياج الذي تطور تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة كما تطور فن السينما في العالم إلا في مصر وقد يجنبهم هذا البديل الخسارة الفادحة وكذلك سوف يستفيدون من سيناريو نال من الشهرة ما ناله رغم أنني لا أعرف في الواقع قيمته الفنية لا أحد يجد إجابة شافية لهذا التساؤل.

كثرت الأقاويل هناك من يقول إن الموضوع له بعد سياسي هو محاولة لإلهاء الناس في هذه الفترة الحاسمة في تاريخ الوطن فترة تحتدم فيها النفوس وتحتقن في نفوسهم الرغبة في تغيير المسار السياسي. وكعادة الأنظمة في مصر علي اتباع هذا الأسلوب اتجاه تشتيت الانتباه هذا. جري أسلوب الحكم في مصر منذ عهد عبدالناصر علي إقصاء المواطن المصري بعيدا عن بؤرة الأحداث السياسية التي قد تثير تساؤلاته واعتراضه، استطاع النظام أيام عبدالناصر أن يقسم الشعب المصري إلي حزبين وهي حزب النادي الأهلي وحزب نادي الزمالك ويكافئ الشعب كل أول الشهر بحفل غنائي لكوكب الشرق المطربة العظيمة أم كلثوم ويرفع ترمومتر التأييد الشعبي لكل إنجازاته بأغاني عبدالحليم حافظ عن الحرية والأمل والانتصار أغنيات فقدت مصداقيتها الآن لأن عبدالناصر فشل في تحقيق كل هذه الأماني ونجح في إلحاق هزيمة ساحقة لمصر في حرب 67 ثم توالت أحداث مختلفة في أيام السادات وإذا ما اشتدت الأزمات شغلوا الناس بأحداث جانبية وإلقاء الضوء عليها من جانب أجهزة الإعلام خاصة كتاب الصحف القومية الجاهزين لمثل هذه الأمور ومازالوا جاهزين حتي الآن.

وورث النظام الحالي هذه السياسة، ولذلك انتهز النظام فرصة مرض هذا الفنان الكبير الذي يلقي حبا من الشعب في مصر ومن بعض الناس في العالم العربي لتفريغ غضب الشعب المصري وسخطه علي الأحول الاقتصادية والسياسية في البكاء علي هذا الفنان بحيث يمتص هذا الشعور الحزين شحنة الغضب هذه. أو هي تهدئة للنفوس الظامئة للحرية والديمقراطية ووصلت المبالغة ببعض الكارهين للنظام للادعاء بأن أحمد زكي مات قبل إعلان وفاته، وأفتوا بأن التأجيل هذا لكسب أكبر قدر من الوقت وللشائعات عن رغبة السلطة في استغلال الجنازة من باب كسب إرضاء الجماهير وكنوع من الدعاية الانتخابية وهناك من يقول إن العملية كلها من أولها لآخرها عملية تجارية سوف تربح الشركةمن ورائها الكثير تقوم بعملية مونتاج بارعة حتي ولو استلزم الأمر تصوير أجزاء جديدة لم تكن حتي موجودة في السيناريو البائس بدون أحمد زكي، يصبح الفيلم في النهاية أقرب إلي السيرة الذاتية عن هذا الفنان الذي نال مرضه وموته من الدعاية التي كانت قد تكلف الشركة عشرات الملايين لو كانت مشيئة الله أمدت في عمر هذا الفنان، وهناك من يقول إن الصداقة التي كانت بين أحمد زكي وعماد أديب هي صداقة من نوع نادر سوف تظل مثالا رائعا وقدوة تحتذي علي مدار الزمن فقد أراد عماد أديب الصديق الوفي الذي سبق أن كتب لأحمد زكي قصة فيلمه «امرأة واحدة لا تكفي» أن يحقق أمنية غالية لصديقه الفنان العاشق لفنه وهو أن يموت أثناء قيامه بدور كان يتمني أن يمثله، تماما مثل الممثل عاشق المسرح الذي يتمني أن يموت وهو يعمل علي خشبة المسرح.

كل هذه الأقوال قيلت منذ أن شعر أحمد زكي بالمرض ودنو الأجل ومنذ أن بدأ تصويرفيلمه الأخير «حليم» وربما يقال غيرها فالناس مشغولة أشد الانشغال بأحمد زكي الذي لن يلبث أن يتحول إلي أسطورة من الأساطير الفنية مثل أسطورة جيمس دين أو رودلف فالنتينو، وسوف يتباري النشطاء في التفسير والتعبير ويحاول كل واحد منهم بما أوتي من مهارة وحنكة في الكتابة أو الكلام أن يقنع القارئ أو المستمع أو المشاهد في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة بأنه كان الأقرب لأحمد زكي والأقرب أيضا إلي أصحاب صنع القرار، وهذا ما حدث ومازال يحدث مع عبدالحليم حافظ وسعاد حسني.

دارت كل هذه الأفكار في رأسي بعد أن تلقيت خبر وفاة أحمد زكي كم حزنت كثيرا رغم أنني كنت أتوقع حدوث الوفاة منذ إصابته بهذا المرض اللعين وعلمت أن الحالة متأخرة وكيف لا أحزن وهو إنسان عاشرته كثيرا وكتبت له خمسة أفلام سينمائية وهي «الباطنية ـ الراقصة والطبال ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ درب الهوي ـ الهروب».

قبل أن أغادر منزلي للمشاركة في الجنازة جاءتني مكالمة تليفونية من صديق لي وهو شاب متدين حتي إننا نناديه دائما بالشيخ رضا مراد قام الشيخ رضا بتعزيتي وأخبرني بأنه انتهي من تغسيل جثمان أحمد زكي كما طلب منه الأخ وطني وهو الذي كان يتولي مسئولية أحمد زكي أثناء التصوير والعناية بمظهره بأن يتولي عملية تغسيل جثمان الفنان الكبير.

طلب الشيخ رضا إحضار ماء زمزم وأوصاهم بأن يتصلوا بالسفير السعودي أحضر لهم السفير السعودي مشكورا من السعودية حوالي خمسين «جركن» من ماء زمزم وقام الشيخ رضا بتغسيل جثمان الفقيد غسلا جيدا، في حضور ابنه هيثم ووطني وضمخ هذا الجثمان بالمسك أخبرني أن وجهه كان هادئا مبتسما وطلب الشيخ رضا من هيثم أن يقبل وجه أبيه فهذه هي المرة الأخيرة التي يري فيها هذا الوجه ومال الشاب المفجوع علي وجه أبيه وقبله ثم بكي ولكن الشيخ ألقي بالطمأنينة والهدوء إلي نفسه من خلال بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

كنت في طريقي إلي مسجد مصطفي محمود القريب من مكان بيتي فأنا أسكن في منطقة نادي الصيد بالمناسبة سمي هذا المسجد باسم الطبيب الأديب والمفكر مصطفي محمود رغم أن الذي أقام هذا المسجد هو اخوه والذي حظي بالشهرة الخالدة الكاتب والأديب الذي قد تندثر مؤلفاته في يوم من الأيام وينصرف الناس عن ذكرها ولكن لن يكفوا عن تذكر اسمه باسم مصطفي محمود، كلما قصدوا الجامع للصلاة، كان الطريق في غاية الصعوبة وكان المفروض أن أصل بسيارتي بعد عشر دقائق ولكن استغرقت ما يقرب من النصف ساعة وجدت قوات الأمن تحاصر المنطقة حصارا من الصعب اختراقه عندما تنتشر قوات الأمن في أي منطقة تسود فوضي المرور وتزدحم الشوارع بالسيارات أدركت في البداية أن السبب هو الوزراء الذين سوف يشتركون في الجنازة، ولكن ما لبثت أن أدركت السبب الحقيقي وهو الخوف من الانفلات الجماهيري وأن تتحول الجنازة إلي مظاهرة سياسية مثلما كان يحدث مع الاحتلال الإنجليزي في أيام ثورة 1919، والخوف من أن يهتف المتظاهرون كالعادة هذه الأيام هتافات معادية للنظام. كان السبب في هذا التبريرهو المظاهرة التي أقامتها جماعة الإخوان المسلمين في اليوم السابق علي الجنازة وكاد أن يحدث تصادم لا يحمد عقباه بين قوات الأمن وأعضاء الجماعة. وقبضت مباحث أمن الدولة علي العشرات من قيادات الإخوان المسلمين ومن بينهم أمين عام اتحاد الأطباء العرب.

انتهز هذا الطبيب المرموق استراحة المؤتمر السنوي وانضم إلي المظاهرة قبضوا عليه واحتجزوه لمدة 6 ساعات آثار غيابه تساؤل الأطباء المؤتمرين من شتي الدول العربية ولكن هذا لا يهم.

عندما اقتربت من الحواجز الكثيرة التي وضعتها قوات الأمن داهمني اليأس بأنني لن أحضر الجنازة ومن الأفضل لي أن أعود إلي بيتي كان رجال الأمن الذين يقفون في تحفز خلف هذه الحواجز ينظرون إلي في شراسة واستنكار وأنا أتقدم ناحيتهم لم ينقذني سوي مجموعة كبيرة من محرري الصحف ومصوري القنوات الفضائية العربية والتليفزيون المصري أحاطوا بي كما اعتادوا أن يحيطوا بكبار رجال الدولة من رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب ومجلس الشوري والوزراء بعد أي اجتماع أمطروني بعديد من الأسئلة المتلاحقة عذرت وقتها كبار المسئولين الذين يتعرضون دائما لمثل هذا الهجوم الذي لا يرحم من رجال الإعلام، لا أعرف ماذا قلت لهم ولا أتذكر الأسئلة التي دارت حول الفقيد الراحل، بالطبع أحس رجال الأمن بأهميتي حتي إنهم بعد انتهاء الحديث سارعوا من تلقاء أنفسهم وأزاحوا الحواجز لكي أمر مرور المنتصرين.

أخذت أدور بنظراتي أبحث عمن أعرفهم إلي أن وقع بصري، علي ممدوح الليثي وهو يقف مع الدكتور فوزي فهمي وشريف الشوباشي وكيل وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لم يكن هناك من المشيعين الذين أعرفهم سواهم بعد العناق وتبادل العزاء انضممت إليهم ننتظر خروج النعش من المسجد توافد عدد من الفنانين الأصدقاء كان الوجوم يسود بيننا لم نكن نتبادل سوي كلمات قليلة أكثرها بلا معني. فجأة وكأن الأرض انشقت وجدنا أمامنا وزير الثقافة ومعه وزير الصحة، تبادلنا المصافحة والعزاء وقف وزير الصحة يتحدث معي وشريف الشوباشي عن تطور حالة الفنان الراحل أخبرني أنه طبيب أمراض صدرية أخذ يحذرنا من التدخين وخطورته وأن السبب في إصابة أحمد زكي هو التدخين سارعت وأخبرته بأنني توقفت عن التدخين منذ حوالي خمسة عشر عاما. أخبره شريف الشوباشي أيضا بأنه لا يدخن وكأننا بقولنا هذا نبعد عن أنفسنا شبح هذا المرض اللعين ووجدت نفسي أخبر وزير الصحة بأن أبي مات في سن السابعة والثمانين وكان يدخن ثلاث علب سجائر في اليوم منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره أخبرني بأن لكل قاعدة استثناء حذرنا الرجل أيضا من التواجد وسط المدخنين نسبة احتمال الإصابة هي ثلث احتمال الشخص المدخن، خشيت أن يكون وزير الصحة بعد كل هذه التحذيرات مدخنا، تعودت كلما ذهبت إلي أطباء الصدر مثلا أشكو لهم علة في صدري أن يحذروني قبل كتابةالدواء من التدخين اكتشفت بعد ذلك أن الطبيب الذي يحدثني وينصحني يمسك بين أصابعه بسيجارة يدخنها وأن أمامه علبة سجائر علي وشك الانتهاء، أجد المنفضة التي علي مكتبه مليئة بأعقاب السجائر.

جاء بعد ذلك أمين الحزب الوطني ورئيس مجلس الشوري الأستاذ صفوت الشريف حرص الرجل علي مصافحة كل الفنانين الموجودين لم يلاحظ وجود وزير الثقافة إلي جواره.

ربت فاروق حسني وزير الثقافة عليه ليلفت نظره إلي وجوده مبتسما وعلي الفور صافحه صفوت الشريف علي الفور يتباري وزير الثقافة ورئيس مجلس الشوري في أناقة الثياب لم أر من بين المسئولين من هو في مستوي أناقتهما وحسن الذوق.

بدأت أعداد المشيعين تتكاثر خلفنا فجأة تحرك الحرس الخاص بالوزراء بحيث عزلونا عنهم وأصبحنا خلفهم فأدركنا أن الجنازة علي وشك أن تبدأ وبالفعل شاهدنا النعش وهو يخرج من المسجد بعد الصلاة عليه ملفوفا بعلم مصر بعد أخذ موافقة رئيس الجمهورية، أصبح أحمد زكي أول فنان يحاط نعشه بعلم مصر بناء علي طلبه قبل أن يموت.

بدأ الوزراء في التحرك ونحن خلفهم نشعر بدفع الجماهير صاح بي فاروق الفيشاوي بأن أتأبط ذراع من علي يميني ومن علي يساري من الأصدقاء لم أستطع أن أفعل هذا من قوة التدافع خلفي، حاولنا أن نسير بضع خطوات في خشوع ولكن ما لبثنا أن أفقنا علي أصوات الدعاء والتكبير تهدر حولنا التفت برأسي لأعرف مصدرها بعد أن أخذت تتباعد اكتشفت أن المشيعين وحملة النعش قد ساروا في طريق معاكس لطريقنا نحن والوزراء أصبحنا وكأننا نسير في مظاهرة صامتة مثل التي يستجديها زعماء أحزاب المعارضة في مصر ويرفض وزير الداخلية أن يمنحهم هذا الحق الوطني، لذلك جاءت الصورة التي التقطت للوزراء ومندوب رئيس الجمهورية ونشرتها الصحف القومية له صورة خالية من النعش. عمت الفوضي لتدخل الأمن.

أسرع بعض لواءات البوليس الموجودين بإصدار أوامرهم بالإسراع بوضع النعش في السيارة والانطلاق بها. وقف الناس القاصي والداني في ذهول قد جاءوا لتشييع الجنازة ووداع نجمهم المحبوب فلم يحققوا هذه الرغبة، أجهض الخوف الذي يسيطر علي النظام السياسي في مصر هذه الجنازة.

 

قصيدة

أحمد كسب الرهان 

بعد وفاة الفنان الكبير أحمد زكي اختفت الفنانة رغدة ولم تظهر في مقدمة مودعي صديقها المقرب ، لم تتكلم رغدة عن ذكريات ولم تقف أمام عدسات ودعته في صمت وكتبت له قصيدة ننشرها في إيلاف نقلا عن جريدة "صوت الامة" لأنها في رأينا أفضل ما ظهر حتى الآن في وداع فنان مصر الكبير. 

كلمات قصيدة: أحمد كسب الرهان 

أخر قطرة ماء عندي

أخر منديل أبيض

ماء زمزم فيه،وبعض من وجهك الأسمر

أخر قبعة قطنية

تلوذ فيها أخر حبة عرق من رأسك

وبقايا رائحتك

............ 

الأحد من مارس

والوقت صباح

الكل نيام إلا أنا

خارج أسوار المبنى

الجو فراغ

إلا من بعض البسطاء

وبعض من شجر أخضر

وشمس مطلعها حنان

تلمس وجهك

توضئة ،لنقرأ بعض الآيات

............

رشفة ماء لا أكثر

تتلوها آه

ظلمة عينيك تسجيني

يدك الممدودة تناديني

أمسكها

اطرد خوفك  ومن حولك

بعض ذباب

............

حكايات النوم تنشدها

كطفل مصري أسمر

آه

ما أقسى النوم

............

خذيني من هنا

فالوقت أزف

والجرح نزف

والموت ..مباح

وددت لو أنشر وجهي

شراعا لك

وقلب الحياه أشقه

للرحيل بك

لو أمرق بك عاصفة

في كثبان رملية

منسية

..........

الوقت يضيع

صوتك الواهن

جسدك الناحل

وجهك المدون في آخر صفحة الذاكرة

عيناك رغم ظلمتها

تملك الرحيل

ترفض الوادع

...........

قبل آذان الظهيرة

قطرات المنديل الأبيض

فوق زجاج الوجه

اسحب عنك القبعة القطنية

بضعة أمتار

رحلتنا لظلال خميلة

كتفي الأيسر في يده يهتز

إنى أرحل

لا .. لن ترحل

..........

رشفة ماء أخرى

ورهان

ودموع في حدقات البسطاء

تكبير وتسبيح الخالق

أمل .. ودعاء

.....

إنى أرحل

لا .. لن ترحل

ورهان منه

ومنى رهان

أوقن أن المسافة بيننا

تحفر له عمقا

خندقا

عتمة أخرى

يسقط مني أحمد

يسقط أخر النبلاء

أحمد راهن يا سادة

يا سداة

أحمد كسب الرهان 

• عن جريدة صوت الأمة

جريدة القاهرة في

05.04.2005

 
 

أحمد زكي: مجنون الفن... وفوضوي الحياة

ماجدة موريس

أن يحب الناس فناناً جيداً فهذا هو الطبيعي منذ بدأ الفن, ولكن أن يتحول هذا الحب إلى ظاهرة مثل الظواهر الطبيعية للكون, وأن يتوافد المحبون البسطاء الى المستشفى الذي كان يعالج فيه الفنان على رغم بعد المسافات بين القاهرة ومدينة 6 أكتوبر الجديدة, وبين المحافظات, وأن يطلب الاطفال من آبائهم الذهاب إلى حيث يرقد الفنان والدعاء له, وأن اشياء كثيرة حدثت وتحدث منذ بدأ الفنان أحمد زكي يرقد رقدته الصعبة التي عبرت عن وضع صحي خطر بدأ منذ كانون الثاني (يناير) من العام الماضي, وهو ارتفاع درجة الاهتمام به شعبياً إلى درجة غير مسبوقة. صحيح أن رئيس الجمهورية اهتم بالسؤال عنه وحادثه أكثر من مرة هاتفياً - اثناء مرضه وقبل رحيله بأيام - وكذلك كثيرون من الوزراء والمسؤولين, ولكن الاهتمام الرسمي ليس هو المؤشر على وضع الفنان لدى رجل الشارع العادي, ولا موقعه في عالم الفن نفسه، وكم من اهتمامات رسمية حظي بها فنانون في سنوات سابقة توقفت عند لحظتها ولم تواكبها مشاعر شعبية متدفقة جارفة, وهو ما يدفعنا الى محاولة التوقف عند ذلك القلق وتلك المشاعر التي تكنها جماهير تعيش اليوم في مناخ مختلف تماماً عن ذلك الذي صنع فيه أحمد زكي مجده يوماً.

فأحمد زكي ليس ابن السينما المصرية اليوم ولكنه ينتمي الى سينما سنوات مضت كان لها جيل آخر عاش امجاده معه وصعدا معاً في الثمانيات من القرن الماضي. جيل رأفت الميهي ومحمد خان وخيري بشارة وعاطف الطيب والذي عجزوا عن الاستمرار عندما تغير المناخ بفعل التغيرات الاقتصادية السريعة وصعود جمهور جديد. لقد قاوم أحمد زكي طويلاً هزيمة جيله على المستويات كلها, بل إنه في لحظات الانتقال من سينما لسينما أعلن عن مشروعه الطموح الذي اراد فيه تقديم افلام عن أهم الشخصيات العامة المؤثرة في حياة المصريين والعرب في القرن العشرين. كان هذا الاعلان في بداية التسعينات, وكان زكي يومها يريد المساعدة ممن يتوقع منهم أن يكونوا على نفس الخط معه, لكن زملاء الكفاح السينمائي انفرطوا وراحوا يبحثون عن لقمة العيش في الاعلانات وفي الفيديو كليب فعاد زكي يبحث عن التلفزيون الذي أهمله, أو فلنقل حدد موقفه منه منذ البداية في أنه مفسدة للفنان السينمائي يقتل موهبته ويهدرها على امتداد حلقات المسلسلات، لكن زكي عندما ذهب يبحث عن التلفزيون في بداية التسعينات كان يبحث عن السينما فيه, وعن الامكانات التي توافرت لقطاع الانتاج الناهض وقتها بعد انشائه ورئاسة ممدوح الليثي له. وبدأ مشروعه من خلال فيلم عن الرئيس جمال عبدالناصر للكاتب محفوظ عبدالرحمن والمخرج محمد فاضل, وجاء فيلم «ناصر 56» ليحدث شرخاً في منظومة السينما الصاعدة وقتذاك (1996)...

الأحلام القومية

جاء فيلم «ناصر 56» ليكون فيلماً في مشروع, ونزل الى دور العرض السينمائي, وأنصف الناس أحمد زكي مؤكدين له أن أحلامه لم تكن هذياناً, وانهم يحتاجون الى اعمال تعيدهم الى زمن الاحلام القومية وفرسانها. بعد ذلك، كان فيلم السادات احد اكبر مفاجآت احمد زكي لأصدقائه الذين حسبوه على العهد الناصري, من هنا تحمل زكي سخرية كثيرين منهم, خصوصاً اليساريين منهم المعارضين لكامب ديفيد. لكنه ازداد عناداً واصراراً عليه مدفوعا بنظرة رومانسية وطنية ترى في السادات نموذجاً لزعيم اختلف الناس حوله وقام بأعمال أثرت في الملايين.

اختفى أحمد زكي في هدنة بعد «السادات» قبل ان يعود الى السينما في دور آخر مهم, ليس ضمن مشروعه عن الشخصيات المعروفة ولكنه يقترب من السلطة من خلال تشخيص حالة وزير يدرك اهمية موقعه وتقتله فكرة الخروج منه, كان ذلك الفيلم «معالي الوزير» لسمير سيف.

وهكذا في بداية العام الماضي, بدأ ما يمكن اعتباره مشهداً طويلاً مختلفاً, فأحمد زكي المقبل على حياة عبد الحليم المشهور بأزماته المرضية الشهيرة مع مرض التهاب دوالي المريء, دخل هو نفسه في أزمة أعنف مع مرض السرطان, وعاش أيضاً تجربة ان ينقل للعلاج في الخارج بأقصى سرعة بعد ان توحشت خلايا السرطان في جسده, كما زاد التهاب الرئتين من متاعب التنفس لديه, وفي عز أزماته لم يكف احمد زكي عن الحلم بالسينما, وفي زيارة له بالمستشفى في منتصف العام الماضي وكان جسده محاصراً بالانابيب والخراطيم وتحذيرات الاطباء بمنع الحركة، قال لنا زكي وهو يسخر انه يشفق على من يراه في هذه الصورة فيصاب بذعر, وانه يريد ان يرتب مع اطبائه لاحضار كاميرات سينمائية لتصويره وهو على هذه الحال للافادة منها في فيلمه المقبل, كان ممنوعاً من الحركة و»شغالاً» مع الفيلم يحلم بلقطاته, ومن هنا لم تكن مفاجأة ان يتم الاعلان عن توقيع عقود «حليم» من خلال شركة جديدة للسينما أسسها الاعلامي عماد الدين اديب وحرص على توفير اقصى درجات السخاء الانتاجي والاعلامي عن الفيلم الذي ذهب إخراجه الى شريف عرفة. وفي حفل الاعلان عن بداية التصوير، في مطلع العام الحالي كان المشهد غير مسبوق, فقد حضر الجميع لرؤية أحمد زكي الذي يمر في أزمة كبرى تجعل الشكوك حول اكمال الفيلم قائمة, وعلى رغم ان الشكوك حول عودته للعمل أصلاً هي الاكثر منطقية الا ان علاقة زكي بالتمثيل وجنونه به اوحت للجميع بأن الأمر عادي.

صدمة الاصدقاء والمحبين لم تتلاش بقراءة (نشرة اخبار) العمل في الفيلم والتي كانت بنداً ثابتاً في الصحف يومياً, ومن خلالها كان هناك تأكيد على ان زكي قام بأداء نسبة عالية من مشاهده, لأن «صورته» كانت تؤكد أنه يعيش في منطقة الخوف, وانه يندفع الى ممارسة عشقه الوحيد حتى آخر نفس مؤكداً ما قاله مراراً من قبل من انه يود ان يموت وهو يمثل, بينما كان عماد الدين أديب يؤكد أن عمل زكي في هذه الظروف الصعبة هو علاجه الوحيد وفي الوقت نفسه كانت الاورام السرطانية تنتشر لتصل الى الكبد والاوعية الليمفاوية مع التهاب رئوي حاد اضيف اليه ضيق في الشعب الهوائية مما استلزم ايقاف علاجه الكيماوي, واقامة خط ساخن بين الاطباء في مصر وفرنسا لمحاولة ايجاد حلول لكنه - اي ذلك السيناريو بتطوراته - كان معروفاً منذ عام مضى لدى الكثيرين, وان النجم الكبير تجاوز مرحلة المقاومة الشرسة للمرض, ولم يحقق ما أراد أن يحققه ضده من بطولات.

أسرته.. منطقة محرمة

من أكثر المناطق حرمانية في حياة أحمد زكي أسرته وعلاقته بها, الأم وابنتها غير الاشقاء له, وابناء خاله فقد كان يعتبرها منطقة ممنوعة على الاعلام وتخصه وحده, ومع ذلك لم يرحمه هذا من اشاعات راجت اخيراً عن تبرئه من عائلته وهو الابن البار بأمه وابنائها, وخاله وابنائه, وكثيرين من ابناء الحسينية في الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية التي ولد فيها عام 1949 لأب توفي وهو في بطن الأم, ليعيش طفولة مختلفة مع خاله الذي اخذه للحياة معه بعد زواج أمه. ولم يرَ زكي أباه ولكنه أخذ ملامحه ولونه الغامق بينما امه بيضاء البشرة ناصعة.

ألحقه خاله بالمدرسة الابتدائية والاعدادية ثم بالتعليم الفني حتى يواجه الحياة من خلال «صنعة» تفيده سريعاًً, وهكذا حصل على دبلوم صنايع تخصص خراطة معادن, ولكنه ترك العمل والزقازيق كلها الى القاهرة سعياً وراء حلمه بالتشخيص اذ كان مجنوناً بالسينما وبتقليد نجومه المفضلين محمود المليجي وزكي رستم واستيفان روستي وغيرهم من جيل السينما المصرية في الخمسينات والستينات, وفي معهد الفنون المسرحية بالجيزة, نجح في الاختبارات بتفوق وكان رئيس اللجنة عام 1968 فنان المسرح الكبير سعد أردش الذي لمح فيه ما جعله يتوقف عنده على رغم ارتباكه امام اللجنة.

هو والتلفزيون

في المعهد، لفت زكي انظار عدد من المخرجين الذين كانوا يتوافدون عليه دائماً بحثاً عن وجوه جديدة, ومن هنا التقطه عبدالمنعم مدبولي في مسرحية «العيال كبرت» ثم جلال الشرقاوي ليقدمه في «مدرسة المشاغبين» امام مجموعة من النجوم الصاعدة وقتها في مقدمهم عادل امام وسعيد صالح ويونس شلبي, لكن زكي ترك المسرح مبكراً, وطوى صفحته بعد هذه البداية في حسم غريب وبدأ البحث عن وسط فني اكثر ملائمة له, وهنا التقطه التلفزيون في ادوار صغيرة قبل ان تعطيه المخرجة علوية زكي فرصته الاولى الكبرى في مسلسل «اللسان المر» للكاتب عبدالوهاب الاسواني وكانت البطلة امامه مديحة حمدي. بعدها، توالت البطولات عليه لكنه رفض غالبيتها وكان في وضع يسمح له بأن يكون نجم التلفزيون الاول بينما كانت مشاعره تتجه الى السينما التي استولت عليه مبكراً. ومن هنا انتهز زكي فرصة النجاح الكبير الذي حققه مع المخرج يحيى العلمي في مسلسل «الايام» الذي قام به بأداء شخصية عبقري الفكر والادب الدكتور طه حسين عام 1979، ليتوقف عن الظهور على شاشة التلفزيون وليرفض مراراً العودة اليه محتفظاً برغبته في ان يُخلص تماماً للسينما, لكنه عاد مرة واحدة الى الشاشة الصغيرة بعدها من خلال صلاح جاهين الذي كان قد اصبح بالنسبة اليه راعياً وأخاً اكبر. وكانت العودة ايضاً مرهونة بموافقة سعاد حسني على العمل في التلفزيون للمرة الأولى من خلال حلقات متصلة منفصلة بعنوان «هو وهي» عن قصص للكاتبة سناء البيسي أعدها للشاشة الصغيرة جاهين وكتب كلمات استعراضاتها وأغانيها وأخرجها يحيي العلمي. خمس عشرة حلقة كان من المفترض ان تكون ضعفها ولكنها لم تكتمل, وتعد حتى الآن من روائع الاعمال التي قدمها التلفزيون وبعدها انتهت علاقة زكي بهذا الجهاز.

كانت ملامح احمد زكي وهيئته الشعبية احد مظاهر الاختلاف بينه وبين نجوم السينما في السبعينات عندما بدأ يشق طريقه, كان النجوم هم محمود يس ونور الشريف وحسين فهمي, وكانت بشرته السمراء الغامقة, وشعره الاكرت الخشن ضمن العناصر التي ابعدته عن الفرص في البداية, فقد رفض المنتجون هذا الشكل المغاير لصورة «النجم» المألوفة, وعندما جاءته فرصة العمر بترشيحه لبطولة فيلم «الكرنك» من قبل المخرج علي بدرخان, رفض منتج الفيلم واستبدله بنور الشريف, ومن هنا امتلأ بالغضب ودفعه هذا لتحدي هؤلاء الذين لا يعترفون به من خلال الادوار الثانية والثالثة التي يحظى بها, ولم يمض وقت طويل حتى اصبحت موهبته الخارقة مجال الجدل العام, خصوصاً بعد ان أصبح حديث الجميع بدوره الصغير في فيلم «الباطنية» الذي ضم كتيبة من النجوم على رأسهم نادية الجندي مع المخرج حسام الدين مصطفى في نهاية السبعينات, وبعده بدأت المرحلة الاهم في حياته.

افتتح أحمد زكي تيار الواقعية المصرية الجديدة في السينما بأول افلام رأفت الميهي كمخرج وهو «عيون لا تنام» مع فريد شوقي ومديحة كامل عام 1981, وبعدها توالت بطولاته مع جيل من المخرجين وجد فيه الممثل الأكثر ملائمة للتعبير عن الحياة من دون تجميل وعن المواطن العادي المأزوم.

ملامح مشتركة مع حليم وسعاد

من الناحية الانسانية, جمعت زكي ملامح مشتركة مع عبد الوهاب وعبد الحليم وسعاد حسني, فإذا كان عبد الوهاب وجد معلماً رعاه واحتضن موهبته كالشاعر احمد شوقي وكذلك وجد عبد الحليم عبد الوهاب نفسه ومجدي العمروسي وجيل محيط به من الشعراء والملحنين, فقد وجد أحمد زكي صلاح جاهين الشاعر والكاتب الساخر الكبير الذي احتضنه هو وسعاد حسني, ويوم وفاة جاهين اسودت الدنيا في عيون الاثنين, وشعر كلاهما بالاكتئاب اذ فقدا أباً روحياً تعلما بفضله الكثير من قوانين الحياة التي لم يدركاها بفعل طفولة محبطة وثقافة متواضعة. ولم يخرج احمد زكي من حالة الاكتئاب يومها الا بالعلاج النفسي عند طبيب كبير احبه وصادقه وساعده على ان يعيش من دون الأب أو بديله الذي فقده.

لقد سدد احمد زكي ما عليه للجميع مقدماً, ما عليه للفن, وما عليه للناس. دفع عمره في الترقي بمهنته والفناء فيها, ودفع وقته في البحث عن وسائل مكنته من تقمص الشخصيات التي يقدمها على الشاشة, ودفع كل ما كسبه في متطلباته كما يدفع اي مواطن عادي دخله بعيداً من المشاريع التجارية التي تقيمها غالبية الفنانين الآن. تمتع بالحياة كما يريدها, فلم يتزوج الا الفن قبل ان يقابل هالة فؤاد عام 1983, ولم يتزوج بعد طلاقهما, ولم يدفع بابنه الوحيد هيثم الى الاضواء مثل آخرين, بل انه كان يهرب من الاضواء بعيداً من العمل, ولسنوات عمره الفني خلت الحفلات التي يقيمها نجوم المجتمع ورجال الاعمال وحتى زملائه الفنانين من وجوده, وأوقاته الخاصة كانت ملكه وملك اصدقائه ينطلق منها كما يحب معهم, تلقائياً وكريماً ومبذراً وفوضوياً بعيداً من القيود, مجسداً شخصية فريدة في فوضويتها والتزامها في الوقت ذاته, في صخبها وفي انعزالها, انسان بمعنى الكلمة, متواضع وربما خجول بعيداً من الكاميرا, وروح اخرى امامها. لقد مر زكي بأوضاع وأزمات عدة, ولكنه لم يبالِ بها, ورفض اي استغلال دعائي لها, ومن المؤكد أن المواطن العادي الذي يراه على الشاشة ولا يقرأ عنه في الصحف ما يثيره ويعطل عليه تأثيره الفني, من المؤكد انه أدرك الكثير ووصلت رسائل زكي الابداعية, كما احب فيه فنان لم يتجمل, ولم يتعال على أحد. 

* ناقدة مصرية

الحياة اللبنانية في

08.04.2005

 
 

سمير فريد يكتب:

مشواري مع أحمد زكي في 25 سنة

* تعرفت عليه عام 81 وهو يصور مع سعاد حسني «موعد علي العشاء» وتابعت أعماله ولم يخيب ظني أبدا عندما قلت عنه إنه سيكون نجم الثمانينيات في السينما المصرية

* كان متعصبا لموهبته وأثناء تصوير «أحلام هند وكاميليا» وصلت المشاجرات بينه وبين محمد خان إلي التهديد بالمسدسات

مع بداية احترافي للنقد السينمائي عام 1965 منذ 40 سنة تماما، كانت علاقاتي محدودة للغاية مع نجوم السينما، كان الشائع أنهم يشترون الصحفيين والنقاد، وأن هؤلاء يسهرون كل ليلة علي نفقة النجوم وأن أولئك يقدمون لهم الهدايا بمناسبة أو من دون مناسبة، وكنت أريد أن أقدم صورة مختلفة لناقد السينما في الصحافة، وأن أكون امتدادا للعدد القليل جدا من انتقاد الذين لا يعملون لدي النجوم ولا يكتبون لحسابهم.

ولذلك لم أدخل إلا بيوت عدد من النجوم يعد علي أصابع اليد الواحدة «سعاد حسني وميرفت أمين ونبيلة عبيد وليلي علوي وأحمد زكي» ولم تدخل بيتي إلا سعاد حسني ولم تكن لي علاقة شخصية وثيقة إلا معها، وتشرفت بدخول منزل فاتن حمامة مرة واحدة أومرتين وكذلك منزل عادل إمام وقد لفت أحمد زكي نظري في طائر علي الطريق إخراج محمد خان، ونشرت عام 1981 أحمد زكي وفردوس عبدالحميد وآثار الحكيم هم نجوم الثمانينيات في السينما المصرية وكان خيري بشارة قد قدمه في دور قصير في أول أفلامه الأقدار الدامية عام 1980 ولولا محمد خان وخيري بشارة وعاطف الطيب لما كشف عن موهبة أحمد زكي ولطمست مثل مواهب كثيرة ضاعت في الزحام.

تعرفت علي أحمد زكي في استوديو الأهرام عام 1981 وهو يصور مع سعاد حسني «موعد علي العشاء» إخراج محمد خان وكان المشهد يدور داخل سيارة وينتهي بأن يصفف لها شعرها بأصابعه أذهلني وأذهلها كيف استطاع بإدارة خان طبعا أن يعبر لها عن حبه عبر لمس أطراف شعرها، واقتربت منه أكثر في موقع تصوير «عيون لا تنام» أول أفلام رأفت الميهي في نفس العام.

وفي مقالي عن هذا الفيلم عام 1982 نشرت أحمد زكي هو نجم الثمانينيات في السينما المصرية الذي يسطع كالشهاب ويتقدم تقدما ملحوظا في كل فيلم جديد يمثله صانعا نجما من نوع جديد مثل جيمس دين في سينما الخمسينيات.

واستطردت في نفس المقال: إن أحمد زكي بشعره الأكرت الذي لا تمر فيه أسنان المشط، ووجهه الفرعوني الأسمر وعيونه التي تتطلع إلي العالم في براءة الأطفال وحمق المجانين وجسده النحيل، وملابسه التي يرتديها أي شاب تلتقي به علي قارعة الطريق وحركاته الطبيعية. وصوته العادي الجميل، واتقانه الطبيعي للحوار إنما يعبر عن الشباب المصري الضائع الذي لا يدري ما الذي يحدث حوله في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات في القاهرة والإسكندرية وكل المدن والقري المصرية، وفي مقالي عن العوامة رقم 70 إخراج خيري بشارة 1982 أيضا نشرت أحمد زكي في دور أحمد الشاذلي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه الاكتشاف العظيم في السينما المصرية في أوائل الثمانينيات لقد أدي هذا الدور المركب بإبداع وجمال كاملين، وكانت عيناه تعبران عن قلق جيله جيل 1967 مثلما تعبر كلمات فايز غالي ولقطات خيري بشارة وأضواء محمود عبدالسميع ومورين جهاد داود الآن، والآن فقط، نقول هذه هي السينما المصرية الجديدة من دون تحفظات أو تنازلات.

لم يكن أحمد زكي يعلق أبدا علي ما أنشره عنه، ولم أكن أنتظر منه أن يعلق بالطبع، ولكن عندما نلتقي بالصدفة أو بناء علي موعد بعد فترة كان وجهه يتهلل بالفرحة ويحتضنني قائلا: إنني أخجل أن أشكرك فأرد عليه إنما أنت الذي تستحق الشكر علي المتعة الفنية التي تحققها لي ولكل جمهورك وعن دوره في «التخشيبة» إخراج عاطف الطيب 1984 نشرت سوف يبقي الأداء المؤثر الممتاز أحمد زكي في دور المحامي وهو دور سهل في ظاهره ولكنه صعب في حقيقته لأنه يحتاج إلي إقناع المتفرج بأنه مقتنع ببراءة موكلته التي تشير كل الأدلة إلي أنها غير بريئة.

وعن «الحب فوق هضبة الهرم» إخراج عاطف الطيب 1985 نشرت أحمد زكي ممثل من طراز رفيع ولو كانت نسخة الفيلم جيدة من الناحية الحرفية لعرضت الفيلم في مسابقة مهرجان «كان» أو غيره من المهرجانات الدولية الكبري ولفاز أحمد زكي بتقدير دولي كبير ومع عاطف الطيب وصل أحمد زكي إلي ذروته في «البريء» 1985، وعن هذا الدور نشرت افتتاحية الفيلم نصا وإخراجا وتصويرا وصوتا وديكورا ومونتاجا لم يكن من الممكن أن تضع المتفرج في عمق الدراما من دون أداء أحمد زكي لدور أحمد، ففي هذه الافتتاحية يضع الممثل القدير أسس الأسلوب الذي اتبعه في الأداء، وهو أسلوب يستمد حركته الجسمانية من حركة الإنسان الآلي «الروبوت» ويستمد طريقته في الإلقاء من طريقة إلقاء الأطفال حيث يندفعون في الكلام من دون تفكير، أو بالأحري من دون انتظار تنميق العبارة، والتأكد من أنها تعبر عن ما يريده قائلها بالضبط. ومع عاطف الطيب أيضا وصل أحمد زكي إلي ذروة جديدة في «الهروب» 1990 أصبح أحمد زكي نجما، أي يذهب الجمهور إلي دور السينما من أجله، وهنا برز الصراع التقليدي بين النجوم والمخرجين. وبدأت المناقشات الحادة بيني وبينه ولكن في إطار من الحب والاحترام المتبادلين. إلي متي يقال فيلم محمد خان الجديد. هل الممثل قطعة من الديكور أو الاكسسوار إه ظلم فادح الممثل أيضا له رأي، ومن الواجب أن يحترمه المخرج. هذا ما بدأ يقوله، وما ظل يقوله، وهو كلام يبدو وجيها للوهلة الأولي، ولكن الحقيقة أن المشكلة ليست فنية علي الاطلاق، وإنما هي مشكلة الممثل عندما يصبح نجما، ولا يريد أن يختار أدواره فقط، وإنما يصنعها بنفسه. وقد وصل الصراع بين أحمد زكي ومحمد خان أثناء تصوير «أحلام هند وكاميليا» مثلا عام 1988 إلي حد المشاجرات العلنية في شوارع مصر الجديدة والتهديد بالمسدسات!

ولكن أحمد زكي كان يدرك في قرارة نفسه أن المخرجين ـ المؤلفين هم الذين يصنعون الأفلام التي تبقي في تاريخ السينما، ولذلك لم يكف عن العمل مع خيري وخان والطيب، وكان «الهروب» الذي وصل فيه إلي ذروة جديدة في مسيرته الحافلة. وأعتقد أنني في كل ما نشرت من مقالات عن الأفلام لم استخدم أبدا كلمة «عبقري» إلا في وصف أداء زكي في «الهروب». ذكرت في مقالي المنشور عام 1990 في دور منتصر يستعيد أحمد زكي عبقريته في «العوامة رقم 70» و«عيون لا تنام» و«الحب فوق هضبةالهرم» و«البريء» و«طائر علي الطريق» و«موعد علي العشاء»، وهي العبقرية التي فقدها في أدوار البواب والسماك والدون جوان علي طريقة أفلام فريد الأطرش. هنا أحمد زكي ممثل عالمي يثبت للمقارنة مع كبار ممثلي السينما، وليس فقط أحد ألمع نجوم حركة الواقعية الجديدة.

.عندما التقينا بعد نشر هذا المقال هتف ما له البواب والسماك يا عم سمير. إنها أدوار أنفس فيها عن طاقتي بعيدا عن المخرجين العباقرة الذين لا يرون في الممثل إلا قطعة من الصلصال يشكلونها دون إرادته وكأنه دمية.. ألست عبقريا أنا أيضا كما تقول. وكان ردي أنك تدرك ما أعنيه، ومادمت لا تزال تملك القدرة علي الانتقال من البواب والسماك إلي منتصر لا توجد مشكلة.

وعن دور جمال عبدالناصر في «ناصر 56» إخراج محمد فاضل 1996 نشرت: «استطاع أحمد زكي في «ناصر 56» أن يثبت أنه أحد أعظم الممثلين في مصر والعالم العربي والعالم كله. إنه لم يتقمص شخصية عبدالناصر كما رأها في الصور الفوتوغرافية والأفلام، ولم يحاكيها، ولكنه عبر عنها بمفهومه الخاص، وجسدها روحيا وفكريا وليس بالملابس والمكياج. عبدالناصر.. أحمد زكي في هذا الفيلم إنسان بسيط في حياته، كبير في سلوكه وطموحاته، بحجم البلد التي يحكمها، وبحجم إحساسه بالفقراء من المصريين، وربما علي العكس من الحقيقة حيث يبدو عبدالناصر في تسجيلاته السمعية، والسمعية ـ البصرية، أقرب إلي الانفعال، يقدمه أحمد زكي أقرب إلي مفكر عقلاني بارد حتي في خطاب التأمين ذاته. لقد أدرك أحمد زكي أن الانفعال الحماسي يمكن أن يوحي للمتفرج بأن الرجل اتخذ قراره كمجرد رد فعل، ومن دون تقدير العواقب والإحساس بالمسئولية، فلم يستسلم لما توحي به الصور والأفلام، وقدم نموذجا للأداء التمثيلي الفني الذي يتجاوزالمحاكاة الشكلية». وبقدر سعادة أحمد زكي باستقبال «الناصريين» الحافل للفيلم بقدر ذعره من أن يضعه ذلك الاستقبال في «خانة» سياسية، ولذلك قرر تمثيل دور السادات.

وعن دور السادات في «أيام السادات» إخراج محمد خان 2002، الذي منحه عنه الرئيس مبارك بوسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي، نشرت: «أدي أحمد زكي دور السادات ببراعة فنية كبيرة، وأهم ما يجعلنا نقول ذلك أنه لم يقلد السادات. كان السادات رشيق القوام وشديد الأناقة، ولم يكن أحمد زكي كذلك في الفيلم. وكانت طريقة السادات في الكلام تلفت النظر حتي عن مضمون كلامه بالضغط علي بعض الحروف وتسكين حروف أخري، ولكن أحمدزكي امسك بجوهر هذه الطريقة ولم يقلدها، وأضاف الكثير من خلال عينيه المعبرتين ليؤكد علي موقفه الخاص عن الشخصية التي يؤديها. هذا ممثل أحب السادات وآمن بصدقه وعاش داخله أثناء تمثيل دوره، وكان هذا نفس ما فعله وهو يؤدي دور عبدالناصر».

 

مصطفي محرم يكتب في وداعه:

أحمد زكي ليس أعظم ممثل انجبته البشرية

* ما كتبه عادل حمودة عن النجم الكبير الذي يشعر بالغيرة من أحمد زكي
غير صحيح... وكلامه لا يخرج عن اثنين: عادل إمام ومحمود عبدالعزيز.. ويعرف أهل السينما أن السيناريوهات كانت تذهب إلي أحمد زكي بعد أن يعتذر عنها عادل ومحمود!

* أعتقد أن أحمد زكي مات بحسرة فيلم «معالي الوزير» المتواضع لأنه لم يحظ بحسن الختام... ولا أتصور أن المشاهد التي صورها في فيلم «حليم» قادرة علي صناعة فيلم كبير يليق بنهايته وقفت أنا والمخرج علاء كريم الناقد وهشام لاشين ننظر مشدوهين إلي ما حدث. لم يهنأ أحمد زكي بجنازته ولم يهنأ مشيعوه من الجنسين بهذه الجنازة، لم يتحرك أحد من مكانه بعد أن انطلقت السيارة بالنعش، الكل يقف في دهشة واستنكار بدأ بعض المشيعين من عامة الناس يقسمون أنفسهم إلي مجموعات أخذوا يسيرون في مظاهرات صغيرة وهم يصيحون «لا إله إلا الله» كانت أغلب هذه المجموعات من الناس البسطاء.. الفقراء.. كأنما يشهدون الله علي ما حدث أو يشهدون الله علي ما يحدث لهم وأوصلهم إلي هذا المستوي من الفقر كان يحيط بكل مجموعة من هذه المجموعات شلة من رجال الأمن ربما رجل أو رجلان من رجال الأمن لكل صبي ربما كانوا يخشون من أن تتحول هذه المجموعات إلي مجموعات إرهابية أو تتغير هتافاتهم لله العلي القدير إلي شتائم وسباب في النظام.

من الأشياء المضحكة التي مازلت أتذكرها أنني شاهدت مجموعة من الصبية وهم يسيرون وهم يصيحون «لا إله إلا الله» ويسير من خلفهم أحد لواءات البوليس يحاول أن يفرقهم ولكنهم لم يعبأوا به.

أخذت أبحث عن سيارتي فلم أجدها اتصلت بالسائق تليفونيا فأخبرني بأنه يقوم بتوصيل زوجة ابني وأحفادي إلي الطبيب من أجل تطعيمهم، أخذت أبحث عمن يوصلني إلي المدفن في طريق الفيوم ولكني لم أجد أحدا من الأصدقاء.

شاهدت الجزء الثاني من مراسم وداع أحمد زكي في التليفزيون هو الجزء الخاص بعملية دفن الجثمان في مثواه الأخير. الجزء الذي حرمت أن أحضره وأراه علي الطبيعة شاهدت في التليفزيون جماهير غفيرة هناك، البعض منهم يبكي أغلبهم من النساء والفتيات تذكرت ما حدث يوم دفن الفنانة سعاد حسني حيث كنت حاضرا كان هناك من يبكون في حرقة حقيقية وهناك من يقوم بتمثيل الدور بإتقان، تظاهرت نجاة الصغيرة بالانهيار وفي شدة انهيار تسأل عن صديقها الطبيب الوسيم. هي لم تسأل عن شقيقتها طوال بقائها في الخارج وربما قبل أن تسافر. امرأة ركبت إحدي سيارات الأجرة ولم تكن تدرك أن المسافة طويلة وعندما وصلت وطالبها السائق بالأجرة لم تجد معها إلا مبلغا صغيرا وحدثت مشاجرة بينها وبين السائق لم أعرف كيف انتهت.

وربما حدثت مشاجرات كثيرة من هذا النوع مع بقية الناس البسطاء الذين جاءوا لوداع نجمتهم المحبوبة التي لم يروها حقيقة ولكن رأوها حلما علي الشاشة الفضية وعندما سمح لهم القدر بأن يروها في الحقيقة رأوها في نعشها.

عتقد أن من كانوا يبكون أحمد زكي أكثر من الذين بكوا سعاد حسني كان الرجال والنساء يبكون رأيت علي شاشة التليفزيون كل نجوم ونجمات مصر وهم يبكون. بلغني أن عادل إمام عندما سمع الخبر وكان في دبي اجهش بالبكاء.

لا أعرف بالضبط من هو النجم الشهير جدا الذي أشار إليه عادل حمودة بأنه كان يشعر بالغيرة من أحمد زكي وأنه انزوي بعيدا عن الكاميرات حتي لا يتحدث عنه.

الذي لا يعرفه عادل حمودة الذي يدعي المعرفة بأشياء كثيرة أن أحمد زكي لم يكن يثير غيرة النجم الذي يشير إليه هو حسب كلامه لا يخرج عن اثنين وهما: عادل إمام ومحمود عبدالعزيز. الذي لا يعرفه عادل حمودة مع تقديري الكبير لفن أحمد زكي اننا تعودنا أن نعرض سيناريوهات السينما المصرية أولا علي عادل إمام فإذا اعتذر تذهب السيناريوهات إلي محمود عبدالعزيز وإذا اعتذر محمود تذهب إلي أحمد زكي وذلك بعد أن خفتت الأضواء قليلا عن نجم النجوم محمود يس وعبقري التمثيل نور الشريف، والنجم الساطع حسين فهمي. يا ليت كل واحد يتحدث عما يعرفه جيدا بعيدا عن التحيز. الموت هو قضاء الله ولكن هذا لا يعني أن نرفع الميت إلي قدر أعلي من قدره حتي لا ينطبق المثل العامي: «لما راح المقبرة بقي جتة سكرة».. إذا اندفعنا بحمية تأثرنا بهذا الموت الفاجع وخرجنا عن موضوعيتنا وحرمنا أصحاب الحق حقهم فقد تسخر منا الأجيال التي تأتي بعدنا عندما تشاهدالأعمال بموضوعية تامة، فأنا أقرأ هذه الأيام أشياء عجيبة وآراء غريبة تؤدي في النهاية إلي أن الفنان أحمد زكي هو أفضل من لورنس أوليفييه ومارلون براندو بل هو أعظم ممثل أنجبته البشرية هذا بالطبع لن يكون في صالح أحمد زكي يجب أن يوضع الفنان حسب قدره الحقيقي وإبراز مدي إسهامه في التطور والارتقاء بالفن الذي يمارسه لو أنصفنا أحمد زكي كل هذا الإنصاف المبالغ فيه فماذا يبقي لغيره؟ ماذا يبقي إذن لمحمود يس ونور الشريف وعادل إمام ومحمود مرسي ومحمود عبدالعزيز وكمال الشناوي وزكي رستم ومحمود المليجي وحسين رياض وسراج منير وشكري سرحان الذي اختاره إخواننا النقاد البواسل علي أنه أفضل ممثل مصري في القرن العشرين في الاستفتاء الذي طرحه مهرجان القاهرة السينمائي الدو، وإنني لا أوافق دائما علي أفعل التفضيل ليس هناك حتي الآن من هو أعظم ممثل في مصر بل في العالم وإلا اكتفينا بمشاهدة أفلامه فقط... وللأمانة ولكي نريح المتشنجين المبالغين في التقدير نقول لهم من واقع عملنا في السينما ما لا قد يعرفونه. لم يكن الممثل العظيم أحمد زكي نجم شباك لم تكن أفلامه تحظي بإقبال جماهيري كبير مثل أفلام محمود يس عندما كان نجم النجوم وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز وعلي رأسهم فريد شوقي.

كانت أفلام أحمد زكي من الناحية التجارية تقع في منطقة الوسط لم ينجح له النجاح الكبير سوي فيلم «ناصر 56» وفيلم «أيام السادات» وفي الواقع أن الذي نجح في هذين الفيلمين هما جمال عبدالناصر وأنور السادات مثلما نجح مسلسل «أم كلثوم» رغم قيمته الفنية المتوسطةلا أحد يستطيع أن يشاهد هذا المسلسل سوي مرة واحدة في حين أن هناك الكثير من المسلسلات مازالت تعرض علي القنوات التليفزيونية منذ سنوات ولم يقل الإقبال علي مشاهدتها، نجح فيلم «الباطنية» نجاحا ساحقا، كان أحمد زكي يقوم فيه بأحد الأدوار المهمة ولكن كان ذلك بجوار فريد شوقي ومحمود يس ونادية الجندي وفاروق الفيشاوي وكذلك كان الأمر بالنسبة لفيلم «درب الهوي» الذي فيه معه محمود عبدالعزيز ومديحة كامل ويسرا وشويكار وفاروق الفيشاوي أي أن أحمد زكي نجح في الأفلام التي اشترك فيها مع نجوم آخرين. فيلم «البطل» من إخراج مجدي أحمد علي قام أحمد زكي ببطولته واشترك معه محمد هنيدي ومصطفي قمر ولكن الفيلم لم يحقق نجاحا علي المستوي الفني والتجاري في الوقت الذي حقق محمد هنيدي نجاحا ساحقا بمفرده وكذلك مصطفي قمر، فماذا نقول عن ممثل مجيد قام بالعمل في 56 فيلما ولم يحقق سوي نجاح تجاري محدود؟

في الحقيقة أن أحمد زكي كان يتمتع بذكاء كبير وربما أكبر من موهبته أدرك بعد خبرته الطويلة في العمل السينمائي أن طريق النجاح الحقيقي والمضمون يدور حول أفلام الشخصيات فهذه الأفلام ذات شهرة مسبقة، هي أفلام تعتمد اعتمادا كبيرا علي فن الماكياج، والقدرة الفائقة علي التقليد، لذلك قرر أحمد زكي بأن يسير في هذا الطريق خاصة بعد أن خذله فيلمه الأخير «معالي الوزير» الذي لم يحقق نجاحا فنيا أو جماهيريا ربما كان في لحظاته الأخيرة ساخطا أن يكون هذا الفيلم الذي أصبح من المآخذ التي تؤخذ علي جهاز السينما هو خاتمة مشواره الفني.. كان يجاهد ويقاوم الموت بضراوة حتي يستطيع أن يكمل فيلم.. «حليم» فهو كان واثقا من نجاحه المدوي أعتقد أن أحمد زكي مات بحسرته لأنه لم يحظ بحسن الختام فمهما حاول مخرج فيلم «حليم» شريف عرفة ومن ورائه الشركة المنتجة ذات الإمكانات الضخمة في جعل الشذرات التي تم تصويرها فيلما سينمائيا فلن يفلحوا فأنا أعلم بشخصية أحمد زكي الفنية من خلال عملي معه في خمسة أفلام إنه مثل محمود عبدالعزيز لا يطيق أن يمر مشهد بدونه. لذلك فسوف يجييء الفيلم مبتسرا أو مثل الكائن المشوه.

أقول ذلك وأنا أعود بذاكرتي إلي الوراء إلي منتصف السبعينيات من القرن الماضي وهي الفترة التي كان يقوم فيها أحمد زكي بإرهاصات فنية في المسرح والسينما والتليفزيون.. ففي المسرح كان يحاول في مسرحيات «هالو شلبي ـ مدرسة المشاغبين ـ أولادنا في لندن ـ العيال كبرت» كان أداؤه في هذه المسرحيات يتأرجح بين الكوميديا والميلودراما ولم يستطع أن يبرز ويحقق جماهيرية مثل عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي، وكان وجوده أحيانا في هذه المسرحيات يثير الاستغراب والتساؤل. اتجه إلي التليفزيون من أجل الانتشار والشهرة ولكن للأسف كانت الأعمال التي قام بها في مطلع حياته الفنية لا تعرض في مصر ولكن في البلاد العربية. نال فرصة كبيرة علي يد المخرج يحيي العلمي في مسلسل «الأيام» ومسلسل «هو وهي» مع نجمة السينما العربية المتألقة سعاد حسني، قام في مسلسل «الأيام» بدور عميد الأدب العربي طه حسين فأحال هذا العملاق إلي صعلوك وكانت الناقدة حسن شاة علي حق عندما قالت إنه جرد شخصية عميد الأدب العربي من الهيبة والجلالة. تفوق عليه في هذا الدور الممثل محمود يس عندما قام به في فيلم «قاهر الظلام» فجعلنا نشفق في البداية علي طه حسين ونحترمه ونجله بعد ذلك كان محمود يس في هذا أنسب من أحمد زكي فهو لم يقلد وإنما قدم الشخصية بنوع من الحب والاحترام وساعده في ذلك صوته الذي لا يباريه صوت بين ممثلي جيله.

فعندما كان يتحدث محمود يس وينطق اللغة العربية كان يزيدك إحساسا بالشخصية، قلد أحمد زكي شخصية العميد أما محمود يس فقد قام بتمثيلها نال أحمد زكي فرصة كبيرة أيضا علي يد المخرج إبراهيم الشقنقيري في الفيلم التليفزيوني «أنا لا أكذب ولكني أتجمل» عن قصة لإحسان عبدالقدوس عندما كان ممدوح الليثي رئيسا لأفلام التليفزيون... ربما كان يريد أن يعوضه عن حرمانه من بطولة فيلم «الكرنك» إخراج علي بدرخان ونتيجة لذلك حاول أحمد زكي الانتحار بقطع شرايين يده، أما إرهاصاته السينمائية التي تمخضت بعد ذلك عن موهبة كبيرة هي أدوار ثانوية في الأفلام «بدور» إخراج نادر جلال 1974 ـ «أبناء الصمت» تأليف مجيد طوبيا وإخراج محمد راضي 1977ـ «صانع النجوم» تأليف مجيد طوبيا وإخراج محمد راضي 1978 ـ «العمر لحظة» عن رواية ليوسف السباعي كتب لها السيناريو العديد من الكتاب ولا يعلم أحد حتي الآن من الذي كتبه بالضبط ومن إخراج محمد راضي ـ «وراء الشمس» من تأليف حسن محسب وإخراج محمد راضي 1979 فمن الواضح أن المكتشف الحقيقي لموهبة التمثيل السينمائي لأحمد زكي هو المخرج محمد راضي رغم أنه لم يقدمه في أدوار البطولة.

كذلك قدمه يوسف شاهين في دور لم يلفت النظر في فيلم «إسكندرية ليه» 1980 .

حصل أحمد زكي في أواخر عام 1980 علي بطولة متساوية مع عملاق التمثيل في ذلك الوقت فريد شوقي ومحمود يس، والنجمة الصاعدة في ذلك الوقت نادية الجندي والنجم الواعد فاروق الفيشاوي في فيلم «الباطنية» يعتبر هذا الفيلم مرحلة مهمة في التاريخ السينمائي لأحمد زكي.

وهذه قصة أخري تستطيع أن تنتظر للأسبوع القادم. مصطفي محرم

جريدة القاهرة في

12.04.2005

 
 

رحيل الفنان الذكي ... "أحمد زكي"

يوخنا دانيال 

أول ما يستوقف المرء في الفنان الراحل أحمد زكي ثلاثة أشياء : لون بشرته السمراء الداكنة، شعره المفلفل الكثيف، وأخيرا تقاطيع وجهه الدقيقة التي توحي بالحزن والذكاء والغضب الداخلي. يبدو الفنان أحمد زكي من خارج الكون السينمائي العربي ... هذا الكون الذي ظلّ يبحث في نجوم السينما عن أشباه وشبيهات لنجوم وفاتنات هوليوود والغرب. وقد تبدو للبعض ملاحظتنا هذه عرضية او حتى سطحية، لكن من يتتبع تاريخ السينما المصرية يدرك مدى اهتمام هذه السينما بالشكل الخارجي وملامح الوسامة والجمال التقليدي في أبطال ونجوم الشاشة البيضاء. حتى الشخصيات "السوداء" البارزة في التاريخ العربي مثل "عنترة" و"بلال الحبشي" كانت تسند الى ممثلين بيض، يطلون وجوههم بدهانات الماكياج. الممثلون والممثلات "السود" في السينما المصرية، احتلوا أدوار الخدم والبوّابين و"الدادات" بامتياز كما في هوليوود بالضبط.

نسوق هذا الكلام فقط لتذكير القراء وشد انتباههم لصعوبة الطريق الذي شقّه الفنان الراحل أحمد زكي في سنوات عمره التي لم تتجاوز الستين. وبين نجوم التمثيل السينمائي في مصر المتميّزين بوسامتهم الملحوظة وأناقتهم الدائمة، يبدو الفنان أحمد زكي وكأنه واحد من "أولاد الشوارع" – عذراً على هذا التشبيه. ان ما كرّس هذا الانطباع الأولي هو دوره المتميز في مسرحية "مدرسة المشاغبين" البرجوازيين، دور اليتيم الفقير الذي يعيّره ناظر المدرسة بفقره المدقع، وفي نفس المسرحية يردد أحمد زكي عبارة "وضعي مختلف" القاسية والواقعية أيضا، ربما في اشارة غير متعمّدة لوضعه الواقعي أيضا. لاحقا، في مسرحية "العيال كبرت"، انتقل الى مرتبة الابن الأكبر العاقل/ المتمرد الذي يعشق سيدة أرملة أكبر منه سنا، وسط أخوة مجانين مدللين، المهم انه أصبح فرداً من العائلة. ان تمكّنه من حرفة التمثيل مبكراً، وملامحه الشكلية المختلفة، قاداه الى أدوار عديدة ومختلفة في السينما والتلفزيون أيضا. وخلال ثلاثين عاما من عمله في حرفة التمثيل، كرّس أحمد زكي ملامح "فحولة" مختلفة، خشنة، محسودة، بوقوفه الى جانب أهم فاتنات السينما المصرية ... كما لو أنه "عطيل" الذي يقود أساطيل مدينة السينما المصرية، ويحظى بأجمل حسناواتها. لكنه بين جيله من نجوم السينما العربية، كان الأكثر عشقا والأكثر إخلاصا للفن وللسينما بالتحديد، ولم يتصوّر لنفسه طريقا آخر في الحياة سوى فن التمثيل.

في سنواته الأخيرة استهوته سينما السيرة الذاتية الى ابعد الحدود وكرّس نفسه لتجسيد شخصيات مهمة ومثيرة للجدل، مثل الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وأخيرا الفنان عبد الحليم حافظ. لم يتوقف أحمد زكي او يستكين لشروط مظهره الخارجي في لعب الشخصيات المختلفة، في بعض الأحيان كان يلجا الى التفسير الداخلي للشخصية، في أحيان أخرى اعتمد على التطابق الشكلي الخارجي مع الشخصية، وفي معظم الأحيان كان يلجأ الى تقمّص الشخصية التي يلعبها … لكن من دون ان يستسلم لهذا التقمّص او يسقط في التكرار. في ذهني كنت أطلق عليه أحيانا اسم "أحمد زكي رستم" رابطاً بينه وبين الفنان العظيم "زكي رستم"، أحد عمالقة التقمّص في السينما العربية والعالمية أيضا، لكن أحمد زكي كان أكثر ذكاءاً ....  كان يحاول دائما ان يعطي من روحه وذاته للشخصيات المتنوّعة التي يلعبها على الشاشة. وربما كان أهم ما كان يميّز أداؤه هو الذكاء والحساسية اللتين يفتقر اليهما معظم نجوم السينما العرب في عملهم، وليس في حياتهم الشخصية بالطبع. لقد لعب دور تاجر المخدرات، المصور الفوتوغرافي، مفتش المباحث، بواب العمارة، الصحفي، المعاق بدنيا، الملاكم، المشعوذ الدجال، ابن الصعيد، ابن المدينة، طالب الجامعة الفقير، مجند الأمن المركزي الساذج، الوزير الفاسد، السائق، الطبال، المحامي، الجندي، رئيس الجمهورية، رائد التنوير العربي طه حسين .... كان مهووساً بلعب جميع الأدوار المختلفة، مندمجا في عمله الفني كأنه في رسالة او عبادة.

في مرضه العضال الأخير ضرب مثلاً رائعا في صموده واستمراره في العمل، وكأنه في سباق مع الموت القادم لا محالة هذه المرة. انه يعرف الموت جيدا، التقاه وراوغه سابقا، تحدث عنه كثيرا حتى في وسائل الإعلام. لقد صادفه الموت مبكرا في بداية السبعينات اثر إصابته بمرض عضال، بينما كان في رعاية الشاعر الكبير والرسام "صلاح جاهين" عند بداية مشواره الفني في القاهرة. ان موته، يحيلنا الى موت زوجته السابقة المبكر، الفنانة الرقيقة الجميلة "هالة فؤاد". وعندما كنت أفكر بالتناقض الظاهري الكبير بينه وبينها على مختلف المستويات، هالة بجمالها الرقيق الهادىء ... هو بعنفه وحساسيته المفرطة. تصورت ان الحب سينتصر على كل الاختلافات والتناقضات، لكن هذا الحب، وبالتالي هذا الزواج، لم يستمر طويلاًً. ان موتها المبكر قبل أكثر من عشرة أعوام كان صدمة كبيرة له، شوّشت الكثير من مساراته وخططه ومشاريعه في الحياة والفن.

من مناقب أحمد زكي المهمة، هي احترامه الكبير لنفسه ولفنه ولحياته الشخصية، قد حاول جاهدا ان يبعد حياته الشخصية عن الأضواء والإعلام وتحمّل الكثير من سوء الفهم والنقد الجارح جراء ذلك. بالنسبة له، الفنان إنسان عادي في معظم الأوقات، وما يستحق التغطية الإعلامية والشهرة هي أعمال الفنان وإنجازاته ليس إلاّ. والمدهش انه لم يكن عنيفا حتى في الدفاع عن أعماله وأدواره المختلفة، وكان يتقبّل النقد والملاحظات المختلفة ببساطة وأريحية، وهو المليء بالغضب او العنف الذي كان يتغذّى على جسمه النحيل. بالطبع، ان ابتعاد أحمد زكي المنهجي عن الأضواء وعن وسائل الإعلام، قد أضر بمكانته بين الجماهير أحياناً. وفي استفتاء بسيط أجريته بين نساء العائلة وبعض الصديقات، اكتشفت ان الثلاثي المفضل بين عموم النساء : هم "حسين فهمي، نور الشريف، محمود ياسين"، ثم يعقبه الثنائي "محمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي"، وأخيرا، وخارج هذه التقسيمات، هناك "الزعيم الأوحد" عادل إمام الذي يتربّع على عرش جميع القلوب. إذن، لم يكن أحمد زكي من  بين كل هؤلاء النجوم "المحبوبين" .... وجوده كان استفزازيا، متطلّباً، وهو لم يسعَ لأن يحبه الناس عن طريق الانتشار الفني والإثارة الاعلامية والمسائل الشخصية وتوسّل العواطف المجانية ..... ربما كان يريد ان يقول : لا أريد ان تحبوني، بل ان تحترموني، وتحبوا أعمالي الفنية، وربما كان يحس بالغربة حتى داخل الوسط الفني.

مثل هذه المواقف، ربما أضرّت حتى بفرص عمله في السنوات الأخيرة، سنوات أفلام "الكوميديانات" الشباب والسينما التجارية السهلة.... لكنه في هذه الأوقات بالذات جاهد ليصنع سينماه الخاصة، ونقصد إحياؤه لسيرة شخصيات مهمة في مصر من رؤساء وفنانين. في فلمه قبل الأخير "معالي الوزير"، قدّم أحمد زكي أداءً متنوعاً وذكياً الى أبعد الحدود، عن سياسي فاسد يدخل الوزارة بالصدفة المحضة، لـ "يعشعش" فيها طويلا، ثم تداهمه الكوابيس المؤرقة. اما فلمه الأخير "حليم"، فقد أصبح إشارة الى تصادم التراجيديات الشخصية لفنانين عربيين كبيرين، ونقصد حليم وزكي، اللذين كان القدر بالمرصاد لهما وهما في أوج عظمتهما وعطائهما الفني.

لقد آلمني شخصياً ان لا تلتفت الصحافة والميديا العالمية الى وفاة فناننا الكبير،.بينما كنت أبحث عن الأخبار والأحداث السينمائية البارزة في المواقع الالكترونية المهمة. نحن الذين نكتب في السينما في العالم العربي، قلّما يفوتنا أي حدث سينمائي عالمي بارز. أحمد زكي، لم يكن فنانا مصريا او عربيا فحسب، انه مُلْكٌ للفن السينمائي في العالم أجمع، وعلينا ان نعرّف العالم بهذا الفنان وأعماله وموهبته الفذّة، والظروف الصعبة التي واجهها وهو يشقّ طريقه في السينما العربية. ان ظهوره ونجاحه في السينما المصرية، قد يكون معادلاً لظهور ونجاح الفنان "سيدني بواتييه" في السينما الأمريكية أواسط الخمسينات من القرن الماضي.      

سينماتك في

17.04.2005

 
 

الفنان أحمد زكي .. ذاكرة مصر السمراء وفرعونيتها المدهشة

إلى فاطمة ناعوت

كتابات - نعيم عبد مهلهل

لا أدري حين أتذكر مصر ، أتذكر رؤى المقريزي وهو يقرأ في المكان صورة العجب .مرات أتصوره بجبته المملوكية وخوفه الفاطمي يسعى ليكشف ذاكرة مدينة لا ينقطع عنها مدد الدهشة ، القاهرة حين يصفها بمدينة تدفع بتعاويذ أزمنة الغبار إلى خارج أسوارها لتبدأ طقسا من قراءة المستخبي . ومصر زاوية ننعم من خلالها بتأمل الكون وكانت مع أرض سومر وبابل وأشور تشكل بدءا للأشياء العاقلة وفي بردية وصلت بالبريد الملكي لأشور بنيبال صاحب المكتبة العظيمة في نينوى قول يتحدث فيه المدون عن علاقة الطين بالحلم وعلاقة الحلم بالنيل وعلاقة النيل برع آلهة الشمس وبعلاقة الشمس بروح الفرعون :

{ أن الطين صبغ النيل فأنحني له فمن دون نيل يغطي بهجة الصدق فيك لن تحلم بهدوء وراحة وسوف يشرق في باحة دارك رع بوجهه المنير كخاتمة قصيدة السعادة وسيكون للفرعون بلادا لانهاية لأحلامها }.

تشغلني هكذا بلاد بأشياء تربط في ذهنية طفولة الفقر ، فمصر على مساحة جيل كامل تشد الذاكرة العربية أليها من خلال ألفة حس وروعته في أصوات أساطينها العظام سيد درويش ، أم كلثوم ، عبد الوهاب ، عبد الحليم ، نجاة الصغيرة ...الخ ، فيما تطبع السينما شعرية الحلم على دهشة عيوننا المصابة برمد التراخوما ونحن نمتع  ذكورتنا بجسد هند رستم وخدود نادية لطفي وميلان لجسد نجوى فؤاد ، وعندما يتمايل الشراع الممتلئ بالقيمر لجسد سهير زكي وهي تتدروش باللذة والموسيقى على نغم أنت عمري لعبد الوهاب نطير كما السلاحف في فضاء البحر ومثل جلجامش نمسك هراوات ذكورتنا ونتشاجر مع الفقر ، وفي النهاية ليس لنا سوى القصائد أو نص لقصة ندفن فيهما معاناتنا الكبيرة ورغبتنا بتناول < الملوخية > في مطعم بحي السيدة أو نلتقط لذكرياتنا المهمة صورة قرب أبي الهول أو في ذلك الصالون المضاء بشموع الحس والنزوة الإغريقية المدهشة في بيت الإسكندري كافافيس .

وأنت تقرأ في التأريخ المصري يشدك الزمن بعصوره المشيدة بروح المكان وبيئته المميزة بعطر العصور المتفرقة على أكثر من خيال ومذهب وجنس .

مصر الفرعونية والإغريقية والرومانية والعربية المسلمة ، كان الفاطميون حين شيدوا بها قاهرة المعز يقولون : لقد أدركنا فيها منى الدين ، غير أن سيوفهم التي شيدت رؤاهم السياسية والدينية هدمت مجدهم الذي أمتد بأحلام أمرائهم من بر أسوان حتى دلهي في الهند .

ترتبط ذاكرة مصر بذاكرة فيثاغورس هو يراها بشكل يدعوا إلى تأمل الرقم وتحويرات الزوايا ويقول عنها : أنها مثل قعر المرآة تجمع الضوء وتحوله إلى نار لذيذة تشعل فينا الرغبة لأكمال مستويات أضلع المثلث.  

وتقيس مصر رؤاها على أزمنتها بوعي ماملكت من حس موروث من كشوفات التأريخ وهي الوحيدة التي تسنطيع أن تقرأ حدس الطغاة لاهذا فهي لاتبقينهم أكثر مما تتحمل هي وفقراءها ومومياء فراعنتها وترتبط هذه الحاضرة الفسيحة بأنف كيلوباترا وتقيس عليه ماتراه وماتعتقده لهذا يقولون لامنطق يسبق لسان أهلها في مسار المحادثة ، وكيلو باترا حين ملئت أنفها المعقوف بعطر صدر قيصر قالت : اني منحتك الجمال ومصر وهذا قد يتعدى كنوز روما كلها . ويقال أن قيصر هز رأسه قانعا بكلامها وقد أرته في لياليها الخرافية ما أنساه سكاكين المتربصين ورتابة حبس الخيول في أسطبلاتها من دون حرب ، فكان الثمن باهضا ، موت قيصر وسريان السم في شيرايين واحدة من أجمل نساء التأريخ ، ذهب قيصر وكليوباترا ومصر ظلت باقية تصنع للقادم فكرة أخرى تعيدنا الى مقولة تشرشل وقد عمل فيها مفوضا ساميا : < أنها فاتنة وذكية ولايعجبها العجب ، لذلك فنحن حذرون أزاء مزاجها وطيبتها وغضب فلاحيها > وهو بهذا يؤكد ان ثورات مصر في أغلب عصورها تزحف من الريف الى المدينة وكان دهاقنة نابليون من مفكرين وساسة جلبهم معه في صناديق على سفن أسطوله يقولون لجنود الفرنسة : < احترموا قطة ريف مصر وتعاملوا بكياسة مع ذئب مدنها لأن القطة في لحظة ما تتحول الى ذئب تنهش الأزرار المذهبة لبدلاتكم > .

كان نابليون يقول : أنا الآن في حديقة الأرض ونيل مصر يذكرني بنهر يمشي في السماء بمحاذاة النجوم . تلك الشاعرية التي يصورها نابليون تعطي الحجم الحقيقي لتفكير بلد وحتى تمنحنا شيء من ثقافته وأوصوله التي يصفها المقريزي بأنها أكثر أصالة من الأصل . وحين يسألوه وما الأصل يقول : جذر الشجرة .

في عهود كثر عاشت الديار المصرية بيت الغائر والمتغير ولكنها في النهاية لن تجد سوى روحها وقدرها وأمل جديد بالذهاب إلى حلم أنتماءها إلى وطنها وقارتها وكان الخطيب المصري الفذ مصطفى كامل يحاور جبروتها في وقفته المنبرية ويقول : نحن نعتز بأن نكون من مصر ولا نعتز لتكون مصر منا. وفي هذا أشادة بصلة وانتماء الإنسان إلى المكان فيما يكون العكس موجود في طبيعة العلاقة التاريخية والحضارية بين المكان والأنسان في بلدان غير مصر .

هي واحدة من خلطات الكون العجيبة ، بلاد تعشق ببساطة وتموت بتعقيد ، تفكر بذاكرة البيئة واليوم المصري ، غير أنها تتأثر بالأخر بوعي كبير حتى إنها بفضل خصوصية المكان وتأريخيته كان لها ريادة الارتباط الفكري والذهني بالمتغير الذي أصاب الغرب وجاء أليها عبر عقل المنفلوطي وقاسم أمين وسلامة موسى وطه حسين ولويس عوض وغيرهم من رماح الثقافة والفكر ومن أولئك أسست مصر الحديثة ثقافتها الجديدة < الشعر ، الرواية ، المقالة ، الفن الموسيقي والسينمائي والمسرحي > والحق أن مصر عبر راحلة القرن العشرين شكلت منطقة هامة في تفكير العقل الشرقي ـ العربي وكانت مصدر إلهام ليس لمفكري الكلمة الأدبية بل للسياسيين والفنانين فليس هناك سياسي ستيني أو خمسيني لا يفكر أن يجد في مصافحة جمال عبد الناصر يوما مشهودا يعطيه ألق جماهيرته وصوته القادم .وعبد الناصر هو امتداد لحلم توت عنخ أمون ، وأي كانت هفوات مسيرته إلا أن الرجل نقل مصر من صحراء السوط إلى جنة أن تفكر مصر بمصريتها ، وحين يقال : أن العسكر هم شكلا للدكتاتورية أي كانت ابتساماتهم الملونة إلا أن عسكريا كعبد الناصر ذهب بمصر إلى حيث ينبغي أن تكون في عصر الهيمنة واليورانيوم ومركبات الفضاء والحروب الباردة ، ويتذكر العالم ذلك الضغط القومي والنفسي الذي هبط على صدر عبد الناصر يوم أخذت الغفلة من مصر فخسرت واحدة من حروب الحرب الحزينة البائسة في نكسة حزيران مما دفع أحد محللي الواشنطن بوست ليقول : ربما ليلتها أعطوا عبد الناصر طنا من الحبوب المنومة لينهض في الصباح ليجد طائراته الحربية مدمرة وهي جاثمة في مدارج مطاراتها .

هذا التكثيف لوعي مصر وتأريخها يضعنا اليوم أمام محنة وألم ودنو الموت من أجفان واحد من مبدعيها الكبار . الفنان أحمد زكي . صورة للوجه الريفي المؤسطر ببراءة وحماس الذات المصرية وهي تبحث عن قدريتها الأزلية في لجة الفقر والكدح والفكاهة .

يعكس وجه أحمد زكي بسمرته النوبية وشعره المجعد تقاسيم صورة معبرة عن الحدث بحقيقته وأصوله وهو مؤد متقن للمشهد البسيط المقترب مع الروح التي تبحث عن ذاتها في الآخر الذي تشاهده وهو يلفت الانتباه أليه بعفوية الأداء وتهدج الصوت بذلك الانتساب الفطري فيما تشغل قسمات وجه مساحة من ملامح البراءة في الإنسان المصري حتى قال أحد البسطاء وهو يعلق على محنة مرض الفنان : أنه يمثلنا بحق وحقيقي ، فلماذا يموت ؟

هذا الفنان القادم من فطرة الشعب وطيبته والبساطة المعجونة برغبة الرغيف وكثر المساجلة والجلوس على ناصية المقاهي يعاني من مرض يقرب إلى أجفانه موسيقى الموت ، وربما بعد وقت قصير ستشهد مصر واحدا من نعوشها المزدحمة والذي يعيد إلى الشارع اللحظة الأسطورية التي شهدها طوفان البشر في ثلاثة فواجع هي على المستوى القومي والوطني في حياة مصر والعرب تمثل يوما للحزن ، يوم رحيل جمال عبد الناصر ، ورحيل أم كلثوم ، ورحيل عبد الحليم حافظ .

غير أن صراع أحمد زكي مع الموت صبغته درامية الشارع والصحافة وهي بالتالي تعكس حب المواطن واهتمامه بالمبدعين وترينا حاجة المجتمع إلى هكذا نمط من الذين يستطيعون أبعاد جهد اليوم وعوزة وتعاسته عن ذاكرتنا ليجلب الأمل والمتعة ، ففي أداء أحمد زكي الكثير من مشفرات الروح المصرية وهو بقسماته المميزة وأداءه التتابعي الفطري المتقن يحاول أن يقترب من فطرة المشاهدة ومتعتها المحلية ، ومنذ أداءه الجميل وبساطته الفاترة الثانوية في مسرحية < مدرسة المشاغبين > أنتبه إلى أحمد زكي كوجه جديد بمقدوره أداء الأدوار المركبة والبسيطة وكان أغلبها ما يمت بصلة لوعي الذاكرة المصرية وروحها وتأريخها ، غير أن قمة العطاء والأداء لهذا الفنان الكبير تمثل في تجسيده لشخصية القائد العربي جمال عبد الناصر وكان وجه أحمد زكي وأداءه وتقمصه لشخصية عبد الناصر يمثل أداءاً متقنا دفع المشاهد ليستعيد مصر يوم كانت تحارب وتعيش وتبني ليقول أحد نقاد الفن السينمائي في مصر :< أن الأداء الرائع لأحمد زكي في ناصر 56 يجعل الأحياء ممن صنعوا الثورة مع عبد الناصر يجمعون ذكرياتهم في دمعة واحدة تسيل على خد هذا المبدع الكبير >

اليوم لن تسيل دمعة عبد الناصر على خده ، بل دمعة مصر كلها وهي تستعد لإشعال شمعة الرثاء وسط أنين المرض وألمه ليمر شريط الإبداع على مدى ذاكرة الزمن وهو يعيد كلمات نجيب محفوظ بحق الشخصية المصرية وتراكيبها المدهشة :{ أنها معجونة بقلب التأريخ ومغسولة بماء النيل المقدس ومعطرة برمل سيناء وجلباب الريف .}

وفي تجسيده لدور الرئيس السادات كان أحمد زكي متكاملا وربما أعاد لذاكرة السيدة جيهان شيئا من رغبة مودة مع الرجل الذي عاشت معه زمن البكباشية وأكتوبر والتطبيع ودراما المنصة التي قتل فيها الرئيس برصاص الأسطمبولي وجماعته ليأت ذات الناقد ليقول عن أحمد زكي { لقد جمع ما كنا نعتقد أنه تناقضا في التجسيد للبون الشاسع بين قسمات ناصر والسادات وتفكيرهما أثناء سيادتهما وكأن السيناريو   يعطي الحرية لأحمد زكي ليكون عبد الناصر أو السادات في ذات الوقت وهو ما نعتقده صعبا على الكثير غير أنه من القلائل الذين يجمعون في الوجه النقائض وتجسيداتها }.

لا أعرف كم مرة أعلن عن موت أحمد زكي ، ولا أدري ما سر هذه الشوشرة حول سرير الفنان الذي نال في حياته محطات كثيرة من العذاب الحقيقي ومنها رحيل زوجته الفنانة الشابة < هالة فؤاد > .غير أن أحمد زكي ظل معتدا بذاته يغور في زوايا عتمة سرية قد تذكرنا بعتمة وعزلة كافافيس رغم أنه كان فعالا في أداء الكثير من الأدوار وكانت جميعها أدوارا ملتزمة وراقية ، غير أنه أرتكن إلى عزلة متعبة وزاد منها أنه كان يعيش ألمه بداخل عجيب فلا يصرح أو يريه إلى الذين كان همهم أن يعرفوا مافي رأس أحمد زكي ولم يثير هذه التساؤلات المكبوتة غير مرضه وهو يستعد لأداء واحدة من أحلام طفولته وصباه تلك الرومانسية العذبة التي كانت أغاني عبد الحليم تنشطها في جسده الأسمر وتجعله ينظر إلى الغد نظرة عبد الناصر وهو يفكر باستعادة قناة السويس وتأميمها ، وربما كان أحمد زكي يرى في تجسيده لشخصية الفنان عبد الحليم حافظ على السينما نهاية رائعة لحياة القمة لما في شخصية الفنانين من تشابه في كل شيء ، الولادة في بيئة واحدة ، الطفولة وإلهامها ، بل أنه كان يحلم ليعيد حليم إلى نشوة قلوب النساء اللآئي كبرن الآن ولكنهن في زمن عبد الحليم كن يغرن من اللقطة الرومانسية العارمة التي تطبق فيها شفتي عبد الحليم على شفاه نادية لطفي أو زبيدة ثروة أو هند رستم أو مريم فخر الدين  .

غير أن المرض الخبيث قد لا يسمح لأحمد زكي ليكمل دوره ولن يعيد زمن عبد الحليم إلى الحياة كما فعلها ذات مرة وهو يجسد شخصية الكاتب الكبير طه حسين في قهر الظلام حتى قيل : لو كان طه حسين حيا لعادت له بصيرته وهو يتأمل تلك العفوية والأداء الرائع . وبهذا لن تتمتع مصر مرة أخرى بأداء ذلك الولد الفرعوني المشحون بعاطفة البلد ورائحة السمنة والفطير ، ولد طالما ذكرني شجن صوته بصوت < سيد أمام > وهو يبحث لمصر عن زاوية مشعة بأغنيات الثورة والأمل والفقراء ، وطالما مسكت في أداءه ونبرات صوته ، موسيقى الفعل وتدفق أيقونات الشعر من رئة < صلاح عبد الصبور ونجيب سرور وأحمد شوقي وعبد المعطي حجازي وفاطمة ناعوت ومحمود سامي البارودي وأحمد عفيفي مطر والبقية الباقية من ندماء الحس بدءا من الفلاح الفصيح الذي شد بشكواه روح الفرعون إلى الكلمة وحتى زمن < المنفلوطي وإدريس ومحفوظ وصنع الله وخراط وطوبيا والغيطاني وعبد القدوس والسحار وصاحب قنديل أم هاشم >

أن مصر وهي تستعد لطقوس موت فرعون من فراعنتها لايمت للدكتاتورية والطغيان بصلة بل هو فنان ولد في الشعب ومات في الشعب عليها أن تبعد كل تلك المتشابكات والأضواء التي يلفها خديعة القصد وهي تريد أن تجعل من موت أحمد زكي حدثا انتخابيا أو رواية درامية ، فهو ربما يريد لعزلته أن تستمر ويريد لزائريه أن يكونوا من ريف وفقراء مصر فقط ، وربما يكون أشد انزعاجا منا حينا يرى دموع المليونيرات وباقات زهورهن تضئ بالعولمة والقصد قرب وسادة مرضه . فمرضه يكاد يسيس ويستغل حتى في حملات الدعائية الانتخابية وترى بعضهم يريد أن يكون عرابا لهذا الكبير العليل ولا يمتلك عرابا سوى موهبته وفطرته وحبه لفته .

لقد كان احمد زكي فنانا يحب الظل ويكره فلاشات التصوير ، كان مؤديا بسيطا ولكنه كان بارعا في بساطته لهذا سنراه أكثر المتمنين ليكون رحيله لاسامح الله بسيطا ولا يشارك فيه سوى أولئك الذين صنعتهم رائحة غرين النيل ونحافة قصب نايات فلاحي قرى الصعيد وبر مصر .

وهكذا تأتينا الخسارات بمشاعرها الحقيقية حين نحس أننا سنفقد مبدعا حقيقيا وأنساناً يستطيع بألفته وإبداعه وبراءته أن يسكن زاوية الإعجاب في قلوبنا .

فمن أغنية على الممر وهو فيلمه الأول وحتى دمعة وسادة المرض يمر شريط الحلم والتألق على الشاشة الكبيرة في ذاكرة مصر وهي تتأمل بحزن نتاج ومحنة مبدع كبير من مبدعيها وتصلي لغايتين أما شفاءا أو موتا هادئا دون زيف وتملق من زائريه .     

أور السومرية في

26.04.2005

 
 

أحمد زكي واندثار سينما الواقع

بين رحيل أحمد زكي واندثار السينما الواقعية

بلال لبّان من بيروت

حتى سنوات الستينات، بقيت الشركات الخاصة تنتج الأفلام السينمائية المصرية، ولم تنشأ أي شركة جديدة أو أي مبنى سينمائي جديد. ورغم تخرج أول دفعة من معهد السينما عام 1964، لم يتح القطاع العام ولا فرصة واحدة لأحد من خريجي المعهد. مع ظهور التلفزيون، بدأت السينما المصرية تتعرف على بعض المصطلحات مثل "الفيلم الجاد أو الهادف"، وكان القطاع العام يشتري الروايات الأدبية أو يوافق على بعض السيناريوهات ويكلف بعض المخرجين بتنفيذها.

بعد هزيمة يونيو عام 1967، توالت دفعات التخرج من معهد السينما، لكن الجميع كان يسارع للالتحاق بالجيش أو للعمل كموظف في التلفزيون وشركات القطاع العام. في عام 1968 أخرج كل من ممدوح شكري وناجي رياض ومدكور ثابت أول أفلامهم القصيرة من إنتاج القطاع العام. وفي أعقاب مظاهرات فبراير 1968، تجمع بعض الشباب السينمائيين والنقاد وأسسوا جماعة السينما الجديدة التي فتحت طريقاً جديداً للسينما في مصر وكل العالم العربي. استطاعت هذه الجماعة إصدار أول مجلة ثقافية عن السينما في تاريخ مصر، وإنشاء أول ناد يعرض الروائع السينمائية العالمية، وإنتاج أول فيلم تمثيلي طويل من إخراج أحد خريجي معهد السينما، وكان "الحاجز" لمحمد راضي عام 1972.

لم يكن من باب الصدفة بعد نكسة 1967 وثورة الطلبة وموت جمال عبد الناصر ورئاسة أنور السادات وصولاً إلى حرب أكتوبر عام 1973، أن تظهر مجموعة من الشباب داخل السينما المصرية، المتطلعين إلى مزيد من الالتصاق بقضايا أمتهم برؤية حديثة وبدرجة عالية من الوعي وخوض التجربة. جاءوا استجابة لاحتياجات المرحلة، حيث انبثق داخل نفوسهم إرادة قوية للأسئلة وإصلاح ما كان، والبحث عن أسباب معالجتها من خلال سينما ناضجة تميزت بمفهومها الخاص. هكذا ولدت هذه الجماعة التي وصفت بالعصر الذهبي الثالث في تاريخ السينما المصرية بعد عصر استديو مصر وعصر حرب السويس، وبدأت الترويج لسينما ملتزمة وواقعية ومختلفة تهتم بالمواطن البسيط وأحلامه المجهضة، وتعبّر عن الجوهر الحقيقي لشريحة عريضة من المصريين سميت مجازاً بالمهمشين، واستطاعوا تقديم سينما لم يتقبلها المشاهد في البداية الذي اعتاد على نوعية من الأفلام سيطرت على الشاشة بأفلام الجنس والمخدرات والكوميديا الهابطة. استطاعت جماعة السينما الجديدة ومخرجوها تقديم أفلام أقبل عليها الجمهور بسرعة، بعد أن سلطت الضوء على موضع الخلل في المجتمع. خرجت الكاميرا إلى الشارع، واهتمت بالشخصيات الهامشية، ولم تتقيد بالأفكار الكلاسيكية في التعبير باللغة السينمائية، حتى استطاع هذا الجيل التعبير عن عصره كما لم يعبّر جيل آخر من قبل، واستطاع أيضاً أن يعيد السينما المصرية إلى الساحة الدولية مرة أخرى.

عندما كان تلميذاً في مدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية، سمع الطالب أحمد زكي أن الرئيس جمال عبد الناصر سيزور المدينة. وقف يومها تحت أشعة الشمس الحارقة من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر حاملاً العلم المصري، ثم تسلق عمودا كهربائيا مرتفعا كي يستطيع رؤيته عندما يمرّ في الشارع، وعندما رآه رمى نفسه من فوق العمود ولمس يده، لدرجة أن القطار الذي كان يقل عبد الناصر كاد أن يدهسه، وأصيب بعدها بضربة شمس ألزمته الفراش لأيام.

عندما بدأت النكسة، كان عمر أحمد زكي 18 عاماً. تألم.. أحس بالرعب. وعندما توفي عبد الناصر، مشى في شوارع المدينة حتى الصباح يبكي بحرقة وبصوت عال. مشى في الجنازة، وكان سينتحر وراءه. كان يحترم أيضاً الرئيس أنور السادات في كل ما قام به، لغاية توقيعه اتفاقية كامب ديفيد وزيارته القدس، وحملة الاعتقالات التي سميت بـ"اعتقالات سبتمبر".

كانت السينما الجديدة بحاجة إلى ممثلين من نوع جديد، لأن شخصياتها كانت مختلفة تماماً وطالعة من صفوف الناس مباشرة. بحثوا عن ممثل يملك المصداقية ويأتي من واقع الحياة السياسية والاجتماعية كي يكون قريباً من المشاهد، فكان أحمد زكي البطل الأنسب للتمرد على البطل القديم، وفرصة لإنجاز أفكارهم، ونموذجاً للشاب المصري العادي القادر على تغيير كل القواعد الثابتة. كسر مفاهيم الصورة الكلاسيكية للنجم السينمائي، وانجذبت الناس له أولاً بسبب شكله العادي والمألوف الذي يشبه الكثير من البشر. قبلها، كان هذا الفتى النحيل الأسمر، بشعره المجعد وسمته الريفية، يكافح للحصول على دور صغير في فيلم أو مسلسل، وهو وفق مقاييس نجومية السبعينات أبعد ما يكون عن الأدوار الهامة. شخصيته الفنية كانت قادرة فقط على إقناع مجموعة الشباب المجنون بالسينما الواقعية، وعدد قليل آخر من المخرجين.

وقف أحمد زكي أمام كاميرا السينما لأول مرة في حياته سنة 1974 حين اختاره المخرج محمد راضي ليمثل أحد الأدوار الرئيسية في فيلم "أبناء الصمت"، وكانت بدايته مشجعة مما جعل راضي يختاره أيضاً لفيلم آخر بعنوان "صانع النجوم"، إلى أن لمع اسمه كنجم سينمائي من خلال دوره في فيلم "وراء الشمس" الذي أخرجه محمد راضي أيضاً. بعدها صار الممثل المفضل لكل مخرجي تيار الواقعية من محمد خان، خيري بشارة، الراحل عاطف الطيب، رأفت الميهي، شريف عرفة وغيرهم.. باختصار، تعامل مع الأفضل من المخرجين في السينما المصرية.

كان أحمد زكي الاتجاه الذي قلب السينما المصرية خلال عقد الثمانينات، وبطل هذه الواقعية الجدية بلا منازع. تقمص شخصياته الدرامية ببراعة شديدة، وصار يقوم بعملية تجديد ثقافية وفنية، ويقدم في كل مرة وجهاً مصرياً أكثر صدقاً، كما كان ينتقل من دور إلى آخر بطواعية وإقناع في كل الحالات التي جسدها. ورغم كثرة أدواره لم يكرر نفسه إطلاقاً، بعيداً عن النمطية التي أصابت الآخرين، وحرص دوماً على تقديم أفلام للتاريخ وأخرى للنجومية وإسعاد الجمهور.

تمت معارك مفتعلة حول هذه الأفلام في سنوات الثمانينات من بعض النقاد وحتى مخرجين آخرين، على رأسهم الراحل حسام الدين مصطفى الذي ظل حتى آخر يوم في حياته يهاجمها بضراوة، واصفاً أفلام محمد خان على سبيل المثال بسينما الصراصير والبلاعات، وأكد قبيل وفاته في برنامج تلفزيوني خصص لتقييم أفلام الواقعية الجديدة أن مخرجي هذه النوعية من الأفلام خربت صناعة السينما وطفشت الجمهور وشوهت الواقع.

في أوائل التسعينات، بدأت عملية هجوم منظم لعملية طرد لهذه الأسماء من ساحة السينما المصرية وإشعارهم بالإحباط. حصر القائمون على صناعة السينما اهتماماتهم بالأفلام الكوميدية الموجهة لعمر الشباب أصحاب القطاع الأعرض جماهيرياً. وبدأت محاولات مستمرة لغاية اليوم لطرد رموز السينما الجادة ودفعهم إلى الاعتزال، وعرقلة عملهم كصعوبات الإنتاج أو عرض الأفلام دون إعلان وترويج كاف. ينسحب الأمر نفسه على السينما العربية، حيث الحكومات العربية ليست مهتمة بالسينما، ما لم تكن ضدها. صارت صالات العرض تفرد عدداً قليلاً للأفلام الكوميدية الحديثة، فيما تسيطر السينما الأميركية على مدار العام، وأصبح هذا النهج من التعامل يقلل عمل هؤلاء المخرجين، مقابل النمط الواحد من الإنتاج الذي يحقق إيرادات مضمونة وسريعة. حتى أن مواصفات البطل تغيّرت، ولم يعد المنتجون يقبلون النجوم الحقيقيين.

توقف رأفت الميهي عن العمل لأن هذه الأفلام تتطلب تكلفة إنتاجية عالية، إلى جانب أن جيله من المخرجين لم يعد مطلوباً، وهو تحديداً مرفوض من المنتجين لأنه لا يستطيع أن يساير الموجة ويقدم ما تطلبه السوق السينمائية. الميهي ليس ضد هذه النوعية كما يقول، ولكن لا يجب أن تكون الوحيدة الموجودة على الساحة، فتحجب أشكالاً أخرى من التعبير. بينما يؤكد محمد خان أن سينما اليوم جعلت مخرجين من أعلى مستوى فني يجلسون في منازلهم ويتوارون في الظل لأنهم شعروا أن الساحة لم تعد تتسع لفنهم، وأن المنتجين يرفضون التعامل معهم لأنهم يريدون الأفلام الفارغة التي يتم تزيينها ببعض المقولات السياسية التافهة.. "لا يتعلمون من السينما الأميركية التي تنتج الفيلم الذي يحقق خمسة ملايين، والفيلم الذي يحقق 100 مليون دولار، وبذلك يحدث التنوع المطلوب في الأفلام".

توفي عاطف الطيب قبل عشر سنوات بعد أن قدم 21 فيلماً مهماً في تاريخ السينما المصرية. رحل رضوان الكاشف بعد أزمة قلبية وإخراجه لثلاثة أفلام فقط. يواجه داود عبد السيد في كل فيلم يقدمه حتى اليوم مشكلات عديدة مع الرقابة. "باب الشمس" الفيلم الأخير للمخرج يسري نصر الله عرض قبل أشهر على ثلاث شاشات فقط، اثنتان في القاهرة وواحدة في الإسكندرية، مقارنة بمتوسط 30 شاشة للأفلام الأخرى. بينما مر خيري بشارة في تجربته السينمائية بمرحلتين مختلفتين، مرحلة الواقعية الجدية وهي الأهم، ومرحلة حديثة أخرى تميز فيها بتقديم عالم آخر من أفلام السهل الممتنع آخرها عام 1996، قبل أن يتحول العام الماضي إلى الإخراج التلفزيوني.

اليوم، بعد كل هذه التحولات، ورحيل أحمد زكي الممثل المفضل لهؤلاء المخرجين، هل أصبحت السينما الجديدة قديمة المعنى وعلى مخرجيها الانصياع لمتطلبات السوق السينمائي، أم إن الساحة الفنية لم تعد قادرة على احتضان جميع الأجيال لتقديم أفلاماً برؤى مختلفة ومتنوعة؟

موقع "إيلاف" في

27.04.2005

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)