تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مهرجان سينما الحب في مدينة مونس البلجيكية...

الجائزة لفلسطين والاعتذار عن حضور إسرائيلي سابق

مونس (بلجيكا) - رندة الرهونجي

إذا صدق قرد مدينة مونس البلجيكية في وعده ولم يخب من داعب رأسه بيده اليسرى حالماً بأن تتحقق أمنية غالية، بحسب أسطورة تمثال القرد الحديدي الصغير الذي  يتصدر الساحة الرئيسية للمدينة البلجيكية، سنفهم بسرعة حرص المشاركين في مهرجان مونس السينمائي الدولي لأفلام الحب هذا العام على المرور سراً أو علانية على مانح الحظ هذا ليضمنوا لأنفسهم نصيباً من الجوائز. وهم محقون في قلقهم ذلك أن المنافسة بدت غير سهلة في الدورة الخامسة والعشرين لهذا المهرجان.

تسعى مونس المدينة الناطقة بالفرنسية والتي يقطنها قرابة 91 ألف نسمة لأن تصبح عاصمة أوروبا الثقافية لعام 2015 متكئةً على مكانتها التاريخية الحضارية والثقافية وموقعها الجغرافي الفريد عند تقاطع الشمال والجنوب الأوروبي وبجوار عواصم كبرى كباريس ولندن وأمستردام وبروكسيل. وقد منحها مهرجانها السينمائي السنوي هذا فرصة لتذكّر دائماً بالدافع الثقافي والمعرفي من إنشائه ليكون نافذة أوروبية تطل منها على آفاق سينمائية، استثنائية، ومفاجئة حيث «الحب» هو جوهر بحثها.

من هنا رأى كثر أن هذا المهرجان - الذي اختار لنفسه هوية يصعب أن تجد فيلماً يفلت منها ومن تلويناتها اللامنتهية - أخطأ العام الفائت بالإعلان عن احتفالية سينمائية كبيرة في الذكرى الستين لتأسيس إسرائيل، لكنه سرعان ما تراجع وقام بإلغائها على أثر انسحاب السينمائيين والضيوف العرب مستنكرين هذا الاحتفاء بدولة لم يصدر عنها عبر تاريخها الحافل بالمجازر والإبادة أي فعل يشير إلى الحب.

وفي دورة هذا العام التي احتفل فيها مهرجان مونس بمرور ربع قرن على تأسيسه، ضمت مسابقته الدولية للأفلام الروائية الطويلة أحد عشر فيلماً من فرنسا وسويسرا ورومانيا وإيطاليا وأميركا وقرقيزيا وإسرائيل والأرجنتين وسورية «أيام الضجر»، والمغرب «حجاب الحب»، وفلسطين «عيد ميلاد ليلى» دنت تلك الأفلام في معظمها من الفردي والحميمي في تناولها مواضيع عكست بوضوح مشاكل مجتمعاتها لكنها بدت أقرب إلى الهدوء والتضمين والحساسية في التعبير. وأتى رشيد مشهراوي بفيلمه «عيد ميلاد ليلى» لينتزع جائزة المهرجان الكبرى مرمماً بذلك ربما الصدع الذي أصاب العلاقة التي تربط العرب بهذا المهرجان الأوروبي.  

لم يشأ رشيد مشهراوي ابن غزة ومخيمات اللاجئين، عند عرض فيلمه، التركيز على الصعوبات الكبيرة التي يواجهها السينمائيون الفلسطينيون في تصوير أفلامهم داخل فلسطين المحتلة لذا ونراه لم يبتعد في فيلمه الروائي الخامس هذا عن هذه الرؤية الشجاعة في الفصل بين فلسطين «القضية» وفلسطين «الفرد». فقد أدرك مشهراوي منذ وقت طويل كما ميشيل خليفي (عرس الجليل) وإيليا سليمان (يد إلهية) وهاني أبو أسعد (الجنة الآن) ... أن السينما الفلسطينية عليها أن تتحرر من حب جمهورها المكبّل لقضيتها المركزية لكي تتمكن من الانطلاق في بحثها الإبداعي إلى مناطق جديدة، تؤكد فيها حضور القضية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى. هذه السينما التي فاجأت آنذاك جمهورها حين توقفت عن تقديم الصورة التقليدية  لفلسطين الاحتلال والمقاومة، تبنت رؤية أكثر جرأة مع الذات وأعمق بحثاً في الفن، فاقتربت من الفرد الفلسطيني الذي واجهته بحقائق مؤلمة صنعها بالتأكيد الاحتلال الإسرائيلي الطويل، لكنه لم يعد بطلها الوحيد.

عودة القاضي

فبطل فيلم مشهراوي القاضي أبو ليلى (محمد بكري)، العائد إلى الوطن والذي كان يحلم بتطبيق العدالة والحق لينتهي به الأمر للعمل سائق سيارة تاكسي، لن يقبل - بعد رحلة يوم كامل في مدينة رام الله- بالفساد الإداري والتسيب القانوني والإحباط وعبثية التعاطي مع تفاصيل الحياة، حتى وإن كان سببها الرئيس الاحتلال الذي رسم منذ زمن بعيد شكل الحياة للفرد الفلسطيني وحدد ملامح شخصيته اليوم. وإذ نجح السيناريو في جعل عودة أبو ليلى إلى البيت باكراً للاحتفال بعيد ميلاد ابنته السابع أشبه بالمستحيلة فمن خلال شخصيات قليلة ومواقف صغيرة عبرت بسرعة في شريط مشهراوي، لكنها تأنت في صوغ خطاب سينمائي فلسطيني يشتغل على علاقة حرّة مع جمهوره.

إذا كانت سينما مشهراوي وزملائه المجددين، على اختلاف أساليبهم الفنية، قد نجحت بالأمس في تقديم مقترحها الفني البديل، فإنها اليوم، أمام هذا الواقع المفجع الذي تعيشه فلسطين والذي عززت الصورة التلفزيونية السخيّة في ترسيخه في الذاكرة الوجدانية العربية وحتى العالمية، ستجد نفسها أمام تحدٍ فني جديد لتتحرر من سطوة صورة فلسطين المجزرة والفاجعة والخيبة، لتحكي عن الذات الفلسطينية المحاصرة والمحبطة والتي وحدها السينما الجيدة تجيد الحديث عنها. لقد وجد مشهراوي سبيله إلى ذلك في هذا الفيلم الروائي ذي الصبغة التسجيلية المنكّهة بالكوميديا السوداء، والذي استعرض فيه مهارة في الالتزام بشرط بنائه الفني في وحدة الزمان والمكان، والتقى فيه مع جمهوره في منتصف الطريق. فجعل بطله «أبو ليلى» يتخلى عن هدوئه الذي حاول التمسك به يوماًً عصيباً كاملاً ليعلن في شكل مباشر، في لحظة غضب، رفضه الفوضى والتسيب والعبث بديلاً عن حياة «عادية» أصبحت حلم شعب لم يعد ما يضبط إيقاع حياته إلا هدير طائرات أمست ترنيمة وجوده.

مهرجان مونس الذي عرض في أقسامه المختلفة أكثر من 80 فيلماً روائياً طويلاً و30 فيلماً قصيراً، برزت خلاله تظاهرة استعادية بعنوان «اضطرابات وتدمير في السينما الأوروبية»، تضمنت 10 أفلام أوروبية يعود إنتاجها بين عامي 1960 و1996 انشقت وخرجت عن الخطاب السينمائي المسيطر، فاعتبرت إما محرضة أو فضائحية أو إباحية. وقد تم تناول تلك الأفلام ورؤية صنّاعها لفكرة التحرر من السائد وتدميره وصعوبة العلاقة مع رقابة تتبدل باستمرار لتتجاوز السياسي والاجتماعي لتصل لنوعها الأخطر وهي الرقابة التي تمارسها محطات التلفزيون كجهات تمويل. هذه القضايا كانت موضع جدل ونقاش بدا حيوياً وحاداً خلال الندوة التي أقامها المهرجان بحضور بعض من مخرجي تلك الأفلام الاستثنائية كأندريه زولاوسكي «امتلاك»، وجان بيار موكي «ظل حظ»، وجان بوكوي «مخيم الكون»، وجان فرانسوا دافي «استعراء». تذكّر تظاهرة سينمائية أوروبية كهذه أهل السينما العرب بعلاقتهم مع الرقابة ومحرماتها وبالوقت الثمين المهدور في التحايل من أجل قول ما نجح الآخر في قول أخطر منه منذ زمن بعيد.

الحياة اللندنية في

13/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)