عُرض فيلم «الأطلنطي» للمُخرج الهولندي يان - فيليم فان إيفايك
الذي يُقدم بشاعرية عالية رِحلة شاب مغربي لعبور المحيط الذي يفصل
بلاده عن أوروبا بحثاً عن حياة جديدة، في الدورة الأخيرة لمهرجان
تورنتو السينمائي، وبعدها في افتتاح مهرجان روتردام الدولي في شهر
شباط (فبراير) الماضي، قبل أن يصل أخيراً إلى الصالات الهولندية،
ليُصادف الاهتمام الإعلامي والشعبي غير المسبوق بموضوعة الهجرة غير
الشرعية، إذ تُهمين مِحَن اللاجئين الذين يحاولون بالآلاف عبور
البحار القاتلة إلى أوروبا على الأخبار في القارة العجوز اليوم،
وتبدو حكوماتها يائسة وعاجزة عن إيجاد الحلول لوقف تدفق هؤلاء
الفقراء والهاربين من عنف وانسداد الأُفق في بلدانهم.
وجهات أخرى
وعلى رغم أن قضية الهجرة إلى الغرب حضرت في الكثير من الأفلام
الروائية، بعضها بتوقيع مُخرجين عرب، إلا أن مُعظم الأعمال تلك
تندرج تحت فئة السينما الاجتماعية بتنويعاتها وطموحاتها المختلفة،
وبمفردات تجعلها قريبة من السينما التسجيلية أو ما يُعرف بسينما
الحقيقة، لجهة إعادة هذه الأفلام تجسيد الواقع، ونبضها الراهن
والمُلحّ. على خلاف الأفلام السابقة، يأخذ فيلم «الأطلنطي» مساراً
ومقاربة مختلفين، على رغم أنه لا يقطع علاقته مع هذا «الواقع»، عبر
استعانته بممثلين مغاربة غير محترفين، والتصوير في منطقة شهدت
تاريخياً هجرات شباب إلى أوروبا، لكنه يذهب إلى وجهات أخرى، إذ
يُركز على العالم النفسيّ الحميمي الخاص لبطل الرحلة، المغربي
الشاب، كما يحاول الفيلم نَفضَ قضية الهجرة مما علق بها من صور
نمطية من السنوات الأخيرة ويفُضَّ علاقتها بالأحداث الآنية
المُشتعلة، ليعيدها إلى جذورها الأصلية: كرحلة من العالم الفقير
إلى العالم الغني، متواصلة عبر الأزمان. هي أيضاً رحلة بدوافع
حسيّة لكثير من الرجال المهاجرين، إذ تشكل «المرأة» دائماً إحدى
غاياتها.
يبدأ الفيلم بمناجاة صوتية للبطل (فتاح) عن حياته وماضيه وعلاقته
بالمدى الأزرق الذي عاش حياته كلها على أطرافه، تصاحبها مشاهد
مُبتكرة تكتنز كثير من الشاعرية للبطل والبحر (شخصيتي الفيلم
الأساسيتين). تؤسس هذه المشاهد للمتاهة التي سيدخل فيها الفيلم،
فلن نعرف الزمن، أو السياق الدرامي لتلك المشاهد. هي تُشبه غابة من
الصور التي جعلها التوليف تبدو أحياناً كأنها موجات خفيفة تقترب من
السكون، فيما تتحول في مشاهد أخرى إلى اهتزازات عنيفة. «فتاح» الذي
يظهر في المشاهد الأولى في رحلة، وهذه الأخيرة تبدو كأنها الأهم في
حياته. فالشاب مُدرّب رياضة ركوب الأمواج بالقوارب الشراعية
الصغيرة، قرر أن يقطع بنفسه ومن دون أية مساعدة البحر إلى أوروبا،
هي رحلته الفطرية والبدائية التي يريد عبرها تشكيل مُستقبله
المقبل.
رياح مناسبة
توفر الاستعادات التي تأتي في مشاهد لاحقة من الفيلم، خلفية ما عن
البطل، الذي يعيش في قرية صغيرة، يعمل جُلّ شبابها في تدريب
واستضافة أوروبيين يأتون إلى القرية بفضل رياحها المُناسبة
لرياضتهم. «فتاح» مثل غيره من أبناء القرية يقابل هؤلاء الأوروبيين
في عطلاتهم، وعندما يغادرون إلى بلدانهم يتركون الكثير من الحسرة
لدى شباب القرية. البطل أحب أيضاً سيدة هولندية متزوجة. وهذه أصبحت
تمثل وجه الغواية الأبدية له لعبور البحر. هناك قصص صغيرة أخرى،
منها واحدة مُؤثرة كثيراً لابنة عم «فتاح» التي تكتم حبها له،
وتنتظر أن يهدأ موج حياته، حتى يكتشفها. تلعب الدور الممثلة
المغربية الرائعة حسناء سويدي التي تجسد بفهم وحساسية عاليين أزمات
وكبت نساء المناطق التي يتركها رجالها بحثاً عن مُستقبل في دول
بعيدة.
لا يلتزم الفيلم بالتسلسل التقليدي للسرد، أو حتى بذلك الخاص
بأفلام الاستعادات، هو يبدأ من مشاهد بدت من منتصف رحلة «فتاح»،
ليعود بعد ذلك إلى بدايتها، ماراً أحياناً على ما بدا أنه الإشارة
الأولى لنهايتها المأسوية. هذا، وإلى جانب النفس الحميمي الشاعري
الخاص الذي صورت فيه غالبية مشاهد الفيلم، من شأنهما أن يجعلا هذا
العمل تجربة خاصة كثيراً. حتى المشاهد الكبيرة، والتي صورت البطل
على قاربه الشراعي في مُنتصف البحر (صورت من طريق طائرة هليكوبتر)
كانت مُنسجمة مع الروح العامة للفيلم، لجهة عكسها للوحدة والحميمية
اللتين يقطع بهما البطل البحر وعلاقته مع هذا الأخير. يركز الفيلم
كثيراً على هذه الوحدة ويحولها أحياناً إلى رمز لرحلة الإنسان
الأزلية في الحياة، والتي لا يُمكن تقييدها، بما تتضمنه هذه من
وجهة نظر جدليّة راهنة بموضوعة الهجرة إلى أوروبا.
يُـشيــد الـمخرج الهـــولـندي في فيلمه الروائي الثاني عالماً
ومناخاً خاصين يثيران الإعجاب بصرامتهما الشكلية والبنائية، كما
يُقاوم إغراء الصور الشائعة عن المغرب أو الشرق ويبحث عن أخرى
جديدة من روح المناطق التي تعيش فيها الشخصيات، فالمشهديات التي
قدمها الفيلم للبلد شديدة التميز. بعضها يجمع بين الجمال الباهر
للطبيعة وقسوة هذه على ناسها. إلى ذلك، يُوازن المخرج بين تقديم
القصة الخاصة للبطل، وما تمثله من ظاهرة عامة وحلم أبدي لكثر. فيما
يلعب «فتاح»، والذي يقف أمام الكاميرا للمرة الأولى في حياته،
دوراً صعباً بتمكن كبير، فالشخصية القليلة الكلام عليها أن تقنع
المشاهد بدوافعها وتغريه بمرافقتها في الرحلة البحرية القاسية.
محنة البحث عن هوية في «عرب يرقصون»
علي حويلي
يعرض في صالات مونتريال في كندا، فيلم «عرب يرقصون» او «ابني»
(درامي - 105 دقائق) للمخرج الاسرائيلي عيران ريكليس، الذي سبق
وحقق شرائط «عربية»/إسرائيلية. وهو انتاج سينمائي اسرائيلي فرنسي
الماني مشترك. ويستوحي قصته من كتابين لسايد قشوع الكاتب والصحافي
اليساري من فلسطينيي 48. والفيلم يعبر عن الواقع اليومي المأسوي
لعرب إسرائيل.
ينطلق الفيلم من خلفية تاريخية وسياسية وأمنية ارخت بأثقالها على
بطل القصة اياد (توفيق برهوم) وعائلته. فهذا الطفل العربي
الفلسطيني ابن قرية الطيرة في شمال اسرئيل المعروف بـ» بالمثلث»،
ينشأ ويترعرع في ظل الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 ويعاصر في
مراهقته حرب الخليج الاولى عام 1991 (احتلال العراق للكويت).
بين عالمين
كانت رغبة ابو أياد (علي سليمان احد ابطال مقاومة الاحتلال) ان
يكمل تعليم ابنه، وأن يجد له مكاناً في المجتمع الاسرائيلي، و
«حياة افضل وأحسن من اليهود». تتحقق رغبة الوالد ويحظى أياد،
لذكائه وتفوقه، بمنحة دراسية من مدرسة يهودية داخلية مرموقة في
القدس. وهي مخصصة لأبناء النخبة من اليهود من دون غيرهم. فكان أياد
اول طالب عربي فلسطيني يسجل فيها كسابقة تاريخية لم تحدث من قبل.
هنا يخوض اياد اول تجربة بمفرده بعيداً من عائلته ومحيطه. ويواجه
مشاكل هائلة تتعلق باللغة والثقافة والهوية والانتماء. ويتابعه
الفيلم في رحلة تضج بالتناقضات. فينتقل من الف باء العلم الى رحاب
المعرفة، ومن قرية صغيرة الى مدينة كبيرة، ومن محيط عربي الى
غالبية اسرائيلية، ومن لغته العربية الى العبرية، ومن كنف عائلته
الفلسطينية الى ارتباط بعائلة يهودية وصولاً الى قناعته بالاندماج
والتخلي عن هويته الاصلية ليتمكن من مواصلة نجاحه في المجتمع
الاسرائيلي.
في غمرة هذه النقلة التعليمية، يشعر أياد أنه دخيل وغريب ومنبوذ
ومختلف عن رفاق صفه. يرغم على التحدث بعبرية لا يجيدها، ويقع
الاختيارعليه لتلاوة التوراة وتشويه حقيقة الصراع العربي -
الاسرائيلي إمعاناً بإهانته وإذلاله امام رفاقه ومعلميه. ولأجل ان
يتخلص من كل ذلك ويكون مقبولاً بينهم ومتساوياً معهم بالحقوق، عليه
أن ينسى كل ما يمت بصلة الى جذوره الفلسطينية ويتنكر لانتمائه
ويتخلى عن هويته لمصلحة اسرائيل. ومع كل هذه الإرهاصات يحاول الفتى
جاهداً ان يتلاءم ويتطور مع واقعه الجديد. فينشئ علاقة صداقة وثيقة
مع رفيقه (جوناثان المريض المقعد على كرسي متحرك) فيلازمه في
المنزل ويقدم له ما يحتاج من خدمات. وفي هذا المشهد الدرامي تتماهى
إعاقة جوناثان الجسدية مع اعاقة أياد الاجتماعية - الثقافية.
ويتابع أياد تنكره لهويته ويتعرف الى إحدى زميلاته (نعومي) ويقع في
حبها وتنشأ بينهما علاقة عاطفية سرية تنتهي بتخلي نعومي عنه لدواعٍ
عنصرية. كما تحتضنه (أدنا) والدة جوناثان ويصبح بعد وفاة هذا
الأخير الإبن الثاني للعائلة يحمل اسمه وبطاقته تحاشياً لتعرضه
للتفتيش على الحواجز الاسرائيلية. أما المشهد السوريالي المثير
للجدل في هذا السياق فهو دفن جوناثان في إحدى المقابر الاسلامية.
التعايش المستحيل
يتضمن الفيلم العديد من الإشارات التي تكشف العنصرية الاسرائيلية.
فخلال مرافقة أياد لصديقته نعومي في احد شوارع القدس يتعرض لإهانة
المارة والجنود، ويوجهون اليه رسائل تحذير مفادها «لا تحلم أيها
العربي بفتاة اسرائيلية». والأمر ذاته يتكرر حين يعمل أياد في احد
المطاعم الاسرائيلية ويطلب ترقيته من خادم في المطبخ الى نادل اسوة
بالاسرائيليين. وهذه النماذج من المعاملة السيئة للفلسطينيين تسود
جميع المرافق الاسرائيلية وتعكس الهرمية العرقية للدولة اليهودية.
وخلال تطور الأحداث يمر الفيلم على مشاهد من حرب العراق. ويركز على
اصطفاف الفلسطينيين على اسطح المنازل حيث يهللون ويكبرون لسقوط بعض
الصواريخ الصدامية على اسرائيل. ولا غرو اذا ما اتى عنوان الفيلم
متماهياً مع هذا الواقع بكل ما يحمل من سخرية.
باختصار يعبّر الفيلم كما يعتقد المخرج عن رغبته في امكانية تحقيق
نوع من التعايس السلمي بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وفي الوقت
نفسه يرى ان المواقف المتطرفة من كلا الفريقين تحول دون تحقيق ذلك.
ويرى الناقد الكندي ايف بنوا ان الفيلم يلمح الى حق كل انسان في
عدم اخفاء هويته او التنازل عنها، ولكنه يبرر ايضاً ما يفرض على
الأقليات من قيود لتبقى مقبولة الى جانب الغالبية الحاكمة. وهذا ما
يجعل الفيلم «مثيراً للجدل» بل عنصرياً إذ يخيّر الفلسطينيين بين
البقاء مواطنين درجة ثانية او ثالثة او التحول الى ارهابيين
محتملين او ارغامهم على الهجرة.
الطريقة الأدق لمشاهدة الأفلام
القاهرة - محمد عويس
كيف تُصنع الأفلام؟ كيف تُسرد قصصها؟ كيف تؤثر فينا وتجعلنا نفكر؟
يحاول كتاب «أفلام مشاهدة بدقة: مدخل إلى فن تقنية السرد
السينمائي» (تأليف مارلين فيب وترجمة: محمد هاشم عبدالسلام -المركز
القومي للترجمة) البرهنة على أن التحليل لقطة بلقطة هو أفضل طريقة
بالنسبة لطلاب ودارسي السينما لتعلم وإدراك فنون المخرجين
ومهاراتهم. إذ إنه بعد تدريس دراسات السينما لسنوات عدة، تعلمت
مارلين فيب أن المشاهدين الذين تدربوا على التحليل الدقيق لتسلسلات
فيلم ما بمفردهم قادرون بصورة أفضل على رؤية وإدراك الثراء البصري
والتعقيد السمــعـي للــوسيط السينمائي. يكشف التحليل الدقيق
الأسرار المتعلقة بكيفية أن يكون لصور الفيلم، بالإضافة إلى الصوت،
مثل هذا الأثر العميق في عقولنا وعواطفنا. عبر اختبارات فاحصة
ومُفصلة لأحداث من أفلام كلاسيكية وشبه كلاسيكية.
يركز الكتاب على أعمال نموذجية لأربعة عشر مُخرجاً تغطي مسيرتهم
الفنية، جنباً إلى جنب، تاريخ السينما السردية، بداية من دى.
دبليو. جريفث وانتهاء بـمايك فيجيس. وبدلاً من مناقشة أفلام كثيرة
بطريقة عامة، ناقش الكتاب أفلاماً قليلة على نحو تفصيلي، من خلال
إلقاء الضوء بصفة خاصة على نحو أفضل سواء ما هو خاص ومميز أو مهم
في أسلوب المُخرج أو تساعد على توضيح مغزى نظري أو إجمالي على قدر
من الأهمية.
بدأت مارلين في دراسة المُخرجين الذين عملوا قبل قدوم التزامن
الصوتي إلى الشاشة، مُركزة في الفصول الأولى (الأول حتى الثالث)،
على أفلام نموذجية لـ دى. دبليو. جريفث، وسيرجي ايزنشتاين،
واف.دبليو. مورناو، وشارلي شابلن، لأنه لم يكن لدى مخرجي الأفلام
في العصر الصامت خيار استخدام الكلمة المنطوقة للتعبير عن أفكارهم،
فكان عليهم أن ينقلوا أفكارهم عبر الصور. ونتيجة لذلك فالمخرجون
المعاصرون لا يزالون متأثرين حتى الآن بالثراء البصري والقوة
العاطفية لأفلامهم.ولأن مخرجي السينما الصامتة كانوا يعملون في ظل
سوابق قليلة، فإن أعمالهم تنقل تجربة «القيام بها للمرة الأولى»
تلك التجربة الحيوية والخصبة تشجعنا على التطلع إلى تقنيات السينما
وتفحصها من جديد وبصورة مغايرة، فمعرفة أن نوعاً مُعيناً من حركة
الكاميرا، أو لقطة وجهة النظر، أو طريقة تقابل بين لقطتين كانت
مستخدمة بطريقة مُبتكرة يساعد الطلبة على التفكير والإدراك بصورة
أفضل للمؤثرات المرتبطة بالعناصر الشكلية أو المنهجية للفن
السينمائي.
ويبدو تحليل تسلسل قصير من فيلم «مُولد أمة» لجريفث بمثابة دورة
مكثفة في أُسس فن السرد السينمائي، يهيئ أو يقدم للقُراء بطريقة
محددة وواضحة جميع الأسس الخاصة بتقنيات السرد الرئيسية التي
نشاهدها في الأفلام السائدة اليوم. وقد اختارت مارلين هذا الفيلم
المثير للجدل عن عمد لتبدأ به هذا الكتاب لأن محتواه العنصري يوضح
أن طريقة أو أسلوب تقنية السرد السينمائي لم تكن حيادية أو بريئة
قط: «كل تفاوت أو اختلاف طفيف في سرد فيلمي يمكن أن ينقل
أيديولوجية». كما أن التحليل الدقيق لتسلسلات من كلاسيكيات الأفلام
الصامتة، علاوة على ذلك، يتيح إمكانية توضيح واختبار الأفكار
النظرية الخاصة بالوسيط السينمائي التي لمُنظري السينما البارزين
أصحاب الأفكار المؤثرة حتى يومنا هذا. مثال آخر تفحص تسلسلات قليلة
في فيلم «المدرعة بوتمكين» لسيرجي ايزنشتاين يوضح لماذا اعتقد
المخرجون السوفيات البارزون أن المونتاج كان الأساس لفن السينما.
أيضاً تحليل لقطة واحدة فقط من فيلم «المغامر» لشارلي شابلن يمد
الدارسين بــمــــعــــانــي أو أدوات جلية وملموسة تعدهم
لاستيعــاب تنــظــيرات المُنــظر الســـينمائي الفرنسي أندريه
بازان عن جماليات الواقع.
وفي الفصل الرابع تبين منــاقشة فيلم «سكــرتــيرتـه» لهاورد هوكس
1940 الذي تم تنفيذه بعد 13 سنة من إنتاج الأفلام الناطقة، للقراء
تأثير التزامن الصوتي على فن السينما، بينما يقدم الفصل الخـــامس،
والفصلان الســــادس والســـابـــع سلسلة من الإنجازات التي تحققت
في السرد السينمائي في الأربعينات والخمسينات.
وتشير مارلين فيب مؤلفة الكتاب إلى أنه لا يوجد نص تمهيدي عن فن
السرد السينمائي يكتمل من دون إعداد فصل عن الفريد هيتشكوك لذلك
جاء الفصل الثامن بتحليل أسلوبي وموضوعي لفيلم «سيئة السمعة»
(1946) لهيتشكوك موضحاً لماذا اعتبروه فناناً جاداً، وليس مجرد
أستاذ إثارة وتشويق وذلك رداً على ادعاء أو زعم أصحاب نظرية سينما
المؤلف بأن المخرجين العظماء يعتمدون دائماً على الموضوعات
والهواجس الشخصية ليسموا أعمالهم بأسلوب سينمائي مميز، بغض النظر
عن النوع السينمائي الذي يعملون في إطاره. حتى عندما يقتبسون مادة
كتبت من قبل شخص في (الفصل التاسع) تقدم المؤلفة للقارئ فن السينما
الأوروبي من طريق أعمال الإيطالي فلليني الذي جلب الأشكال السردية
المعقدة والتأمل الذاتي في الأدب الحداثي إلى السينما، بينما يناقش
(الفصل العاشر) الأفلام الفنية الأميركية لوودي آلان، والتي، على
عكس الكثير من الأفلام لا يشرح أحد معناها أو يساعد الجمهور على
متابعة الحبكة. وفي النهاية يعمل كتاب «أفلام مشاهدة بدقة» على
إرشاد القراء في التجوال خلال الأعمال الكبيرة المُهمة في فن السرد
السينمائي ويقدم لهم آراء نظرية عن كيفية خلق التقنيات السينمائية
وإبرازها للآثار السينمائية السردية، والأيديولوجية والعاطفية.
ويشير اسم الكتاب إلى «قطارات مراقبة بدقة» الفيلم الشهير للمخرج
التشيكي يوري منزل، وهو أيضاً اسم كتاب مُكرس للسينما التشيكية
لأنتونين ليهم، وقد اختارت مارلين هذا الاسم كذلك لأنه يعبر تماماً
عن حماستها الشديدة لتعليم الطلبة كيفية القيام بتحليل الأفلام عن
كثب وبدقة، لقطة بلقطة، وبهذا تنفتح عيونهم أكثر على فهم مُدرك
ومُطلع على الفن والتجريب في السينما.
أفلام جديدة
«سيكاريو»
إخراج: ديني فيلنوف – تمثيل: إميلي بلانت، بنيسيو ديل تورو، جوش
برولين
> بعدما كان برز خلال السنوات الفائتة بعدد من الأفلام التي لفتت
الأنظار وأبرزها «جراح» عن الحرب اللبنانية في اقتباس لنص من
اللبناني وجدي معوض، ها هو هذا المخرج الكندي يعود في فيلم عصابات
وتهريب مخدرات تقع أحداثه عند الحدود الأميركية – المكسيكية ومع
نجوم أميركيين. الحكاية عادية عن رجال الإستخبارات وهم يطاردون
رجال عصابات التهريب، فيما يعيشون هم في صراع ومناكفات في ما
بينهم، لكن الجديد المميز هنا، هو دخول شرطية إمرأة على الخط تجد
نفسها متطوعة في معركة ومطاردات لا تفهم عنها شيئاً أول الأمر،
وحتى الخبطة المسرحية الأخيرة حين تنقلب الأمور الى دراما شخصية
مدهشة تحمل قيمة الفيلم كله.
} «وادي الحب»
إخراج: غيّوم نيكلو – تمثيل: إيزابيل هوبير، جيرار ديبارديو
> لم يجتمعا في فيلم مشترك منذ نحو 35 عاماً حين قاما ببطولة «لولو»،
ومن هنا فإن الحدث الكبير في دورة كان لهذا العام جمع هذا الفيلم
لهما من جديد في حكاية بدت في نهاية الأمر مفبركة وصيغت أصلاً على
قياسهما. بل إنهما حتى يحملان في الفيلم اسميهما. فهي إيزابيل وهو
جيرار. هما زوجان انفصلا منذ سنوات. وحين يبدأ الفيلم يكونان قد
فقدا ابنهما منذ ستة أشهر. بيد انهما يتلقيان، كل على حدة رسالة
منه يضرب لهما فيها موعداً في «الغراند كانيون» –وادي الموت -، وسط
الأرض الجديبة الأميركية... فلا يكون أمامهما والمفاجأة على هذا
الحجم، إلا أن يتوجها الى المكان لانتظار ذلك الإبن الذي اراد كما
يبدو ان يجمعهما... بتلك الطريقة المبتكرة.
} «آمنيزيا»
إخراج: باربيت شرودر- تمثيل: مارت كيللر، ماكس ريمييلت
> لعله الآن عميد المخرجين الألمان، ومع هذا لا يزال باربت شرودر
يحقق سينما تتسم بروح الشباب وبقدر كبير من التجريبية. وهذا الفيلم
برهان على هذا. بطل الفيلم فتى في العشرين من عمره يترك بلده
المانيا اول سنوات التسعين باحثاً عن مستقبل له في الموسيقى
الإلكترونية ويتوجه الى ايبيزا الإسبانية حيث يعمل مشغل اسطوانات
في نادي آمنيزيا الليلي. وهناك يلتقي بامرأة في مقتبل العمر تعيش
وحيدة في مواجهة البحر. يستثير أمرها فضوله ويتعرف عليها ليصبحا
صديقين، غير ان غموضها يزداد في نظره. وهو حين يحاول ابان ذلك ان
يقودها الى عالم الموسيقى الإلكترونية، تبدأ هي بتحطيم قناعاته
بالتدريج آخذة به الى عوالمها الغامضة.
} «ماد ماكس: طريق الغضب»
إخراج: جورج ميلر – تمثيل: توم هاردي، تشارليز ثيرون
> من ناحية مبدئية كان يفترض بهذا الفيلم ان يعرض في افتتاح دورة
هذا العام لمهرجان كان، لكنه استبدل في النهاية بالفيلم الفرنسي
«الرأس العالية» ولم يغضب أحد لذلك. فالحدث الذي تمثله عودة «ماكس
المجنون» الى الشاشة الكبيرة بعد غياب سنوات وسنوات وبتقنية
الثلاثة أبعاد هو حدث تجاري لا أكثر. وهو بهذه الصفة لم يلفت نظر
أحد حين قدّم في عرض كانيّ خاص... لكن مستقبله التجاري في الصالات
مضمون. حتى وإن كان موضوعه يبعد بعض الشيء عما هو سائد تجارياً حيث
أن ماكس، في الفيلم، بعد تجاربه السابقة ومغامراته الصحراوية
اللاذعة، يستنتج ان الطريقة الوحيدة التي تمكنه من البقاء هي ان
يبقى وحيداً... فهل تراه على صواب في هذه الفكرة؟ |