ليس الجميع أبطال ويشار إليهم بالبنان، وتعرفهم الجماهير عندما
يمرون في الشارع، بل أغلب البشر يمكن أن تمر عليهم العين بسهولة،
تحتاج أن تقترب منهم كثيرًا حتى تكتشف ما يميزهم بحق، هذه حقيقة
يكرهها الإنسان الذي يرغب في أن ينظر لنفسه كفريد من نوعه.
فيلم
The secret life of walter mitty
جاء ليرفع القبعة لكل شخص عادي، قد لا يلتفت إليه الناس، أو
يعتبرونه خفيًا أغلب الوقت، لكن من دونه لا تسير الحياة، فوالتر
Ben Stiller،
يعمل في مجلة لايف الشهيرة لكن في قسم التحميض، حيث يقبع طوال
الوقت في القبو المظلم مع زميل واحد له، يسخر منه بقية العاملين،
ناسين دوره الهام في المجلة، فمن دونه لن تظهر تلك الصور المميزة
على أغلفة الأعداد الجديدة. بينما على الجانب الآخر مصور المجلة
أوكنيل، الرجل الذي يرفض وسائل الاتصال الحديثة، يتجول حول العالم
ليصور أجمل المناظر، يقتحم المخاطر دون خوف، ليصنع مع والتر فريقًا
قويًا لكن يحظى هو بكل الشهرة.
حياة مثل الماء؛ بلا طعم أو لون
يبدأ الفيلم بوالتر جالسًا أمام موقع إلكتروني خاص بالمواعدة، لكنه
لا يعمل، فيتصل بالشركة المسئولة عن الموقع، ويكتشف أنه لا يعمل
لعدم وجود بيانات كافية عنه، فحتى يتم تفعيل الحساب الشخصي له يجب
أن يضع بعض المعلومات المثيرة حوله تجذب أنظار الجنس الآخر له، عن
أماكن زارها أو مغامرات خاضها.
وهنا وقف عاجزًا، فقد اكتشف أنه طوال حياته لم يغادر مدينته بالكأد،
يعمل في المجلة ذاتها لمدة ستة عشر عامًا وفي الوظيفة نفسها، حياة
بلا طعم أو لون، ولم يشعر بأثارة المغامرة أبدًا.
عندما تصبح المغامرة إجبارًا
يعرفنا هذا الفيلم عن ماضي والتر وعائلته، فنجد أنه بعد إنهائه
دراسته الثانوية قرر أن يجوب العالم في رحلة طويلة، وأعد العدة
لذلك بما فيها حقيبته وكراسة صغيرة لتدوين تفاصيل مغامرته، ولكن
وفاة والدة المفاجئة حطمت كل خططه، ليضطر للعمل في وظائف لا تناسبه
إلى أن يلتحق بالمجلة، ليتوقف الزمن به، فيجد أنه في الثانية
والأربعين بدون حياة أسرية ولا طموح في العمل ولا ذكريات تؤنسه في
وحدته.
ولكنه استعان بخياله ليعوض النقص في حياته، فينعزل في لحظات كثيرة
عن حاضره، ليعيش في أحلام اليقظة، ويفعل كل ما يعجز عنه، فيحارب
مديره الشرير في معركة وهمية وينتصر عليه، ويملك الشجاعة والوسامة
والجاذبية وكل ما يفتقده، كانت هذه هي الحياة السرية لوالتر، والتي
أعانته على تقبل مرور أيامه.
ولكن كل ذلك يتغير عندما تقرر الإدارة إنهاء النسخة الورقية للمجلة
والاكتفاء بأخرى إلكترونية، ويتم الإعداد للنسخة الأخيرة، ويرسل
أوكنيل نيجاتيف لمجموعة صور مع تحديد أن الصورة رقم 25 هي الخاصة
بغلاف العدد الأخير، ولكن الأزمة هي أن والتر لم يستطع إيجاد هذه
الصورة.
يحاول بكل وسيلة الاتصال بأوكنيل لكن لا يستطيع، فالأخير لا يحمل
تليفون ويتنقل من مكان لآخر على الدوام، فيجد أنه أمام حل من
اثنين، إما أن يعترف بفقدانه الصورة، مما يعرضه للإذلال والاتهام
بالإهمال، وإما يذهب ليبحث عن أوكنيل بنفسه ليأخذ منه نسخة أخرى من
الصورة أو يعرف سر اختفائها على الأقل.
رحلة البحث عن الصورة أم الذات؟
البحث عن أوكنيل لم يكن سهلاً بأي حال من الأحوال، فلا يوجد أحد
يستطيع أن يحدد مكانة بدقة، ولا دليل على مكانه سوى الصور الأخيرة
التي بعثها للمجلة، وكان هذا خيط البداية لوالتر، الذي قرر أن يفعل
في الواقع ما اعتاد أن يفعله في خياله، ويبدأ مغامرته الخاصة، التي
فاقت كل توقعاته.
الفيلم من بطولة وإخراج بين ستيلر وقد أجاد الدورين بالفعل، ففي
الإخراج أظهر في البداية الحياة المظلمة التي يعيشها والتر، ما بين
المشاهد الداخلية قاتمة الألوان في غرفة التحميض، والخيال الجامح
الذي يتصوره في مواقفه السيئة، ثم مع بداية المغامرة تغير كل شيء
ليظهر لنا براعته في اختيار الأماكن الطبيعية التي ذهب إليها، أما
كممثل فقد مثّل الشخصية تمامًا وأضاف على واقعها البائس لمسة من
خفة الظل.
لكن يُعاب على الفيلم أنه كان مباراة من لاعب واحد، فكل الشخصيات
الأخرى غير رئيسة أو مؤثرة في الأحداث ولا أظهرت براعة الممثلين،
ومنهم والدة والتر والتي قامت بدورها،العظيمة
Shirley MacLaine،
ولكن الدور لم يستطع استغلال موهبتها أو حضورها ليجيء باهتًا دون
أي إضافة للفيلم، بينما برع
Sean Penn
في أداء دور المصور شين أوكنيل، رغم ظهوره في مشهد وحيد ولكن كانت
له لمسة مختلفة، أما عن
Kristen Wiig
والتي لعبت دور شيرلي ميلهوف زميلة والتر الجديدة في العمل، والتي
التحق بموقع المواعدة بعدما سمعها تتحدث عنه مع إحدى زميلاتها، فقد
كان دورها صغيرًا ومهمشًا للغاية، فظلت شخصيتها غامضة بالنسبة
للمشاهد، ولم تكن سوى دافع لوالتر وقت اللزوم ليكمل مشواره.
في النهاية الفيلم تجربة مميزة، رفعت من شأن الشخصيات المهمشة،
ولعبت على فكرة أن كل شخص عادي من الممكن أن يعيش مغامرته الخاصة،
حتى لو متأخرًا.
هل ينقذ الإسكافي العالم في
The Cobbler؟
محمد حمدي – التقرير
يعجبنا في أفلام (أدم ساندلر) Adam
Sandler الفنان
الكوميدي الشهير والعالمي، قدرته على المزج بين الكوميديا والعظة
في آن واحد، الأمر الذي يرتقي بمستوي الكوميديا لمستوي العمل الفني
صاحب الغاية الراقية، ويضفي –في نفس الوقت– على الفيلم الجدي
قليلاً من الكوميديا اللازمة لتمرير العظة.
فى أحدث أفلامه (الإسكافي) او
The Cobbler
يقدم (ساندلر) قصة تميل للجدية بأكثر ما تتجه للكوميديا، لكن الخيط
الكوميدي المعتاد في أفلام (ساندلر) ظل حاضرًا، وإن لم يكن بنفس
القوة التي كانت حاضرة في أعمال أخرى مثل Blended
والذي كانت عواصف الكوميديا تهب من خلال أحداثه بشكل كاد يوقع رواد
دار العرض السينمائية عن المقاعد.
قدم (ساندلر) فى الفيلم دور (جيم) الذى يرتبط بسيدة بشكل عشوائي من
خلال رحلة إلى منتجع سياحي، تتفجر خلاله المواقف الكوميدية مع كل
مشهد وعند كل ركن وزاوية من زوايا العمل السينمائى الذي لاقى
استحسان الجمهور.
ينتمي فيلم (الإسكافي) لنوعية أخرى من الأفلام، بدأ (ساندلر) فى
تقديمها منذ فترة، على سبيل المثال فى فيلم Click
المنتج عام 2006 ، والذى قدم (ساندلر) من خلاله قصة رجل تتصف حياته
بالرتابة والملل، ثم تنقلب رأسًا على عقب عندما يكتشف امتلاك جهاز
تحكم عن بعد، يمكنه من التحكم فى الزمن والأشخاص على حد سواء،
الأمر الذى يغير حياته ويمكنه من التحكم فى مجريات حياته. لكن هل
تستمر الرياح على هواه؟
يبدأ فيلم الإسكافي باستعراض حياة (ماكس سيمكن)، وهى حياة غير
جديرة بالحكي على الإطلاق، إسكافي مكتئب طوال الوقت، يعيش حياة
رتيبة بصحبة والدته المسنة. تمر الحياة أمام عينه عبر زجاج المتجر
الخاص به فى أحد الأحياء الفقيرة، والتي تسعى سيدة أعمال ذات مال
ونفوذ لفرض سيطرتها على المنطقة وشراء كل المحال والمنازل الموجودة
بها.
أقرب اصدقاء (ماكس) هو السيد (جيمي)، صاحب متجر الحلاقة المجاور
لمتجر الإسكافي، يتابع جيمي ماكس بشكل شبه يومي، ولا يكف عن إهدائه
برطمانات الخيار المخلل فى كل وقت؛ لكن هل تستمر أحداث الفيلم بنفس
هذا القدر من الملل؟
تتغير حياة (ماكس) عندما يكتشف ماكينة خياطة أحذية قديمة تخص
والده، تضطره الظروف لاستعمالها لحياكة أحد الاحذية قبل أن يأتي
صاحبها مطالبًا بها، وعندما يجرب الحذاء بنية سليمة يقشعر جسده
عندما يكتشف قدرته على التحول لأي شخص يرتدي حذاءه، شريطة أن يمر
الحذاء أولًا على ماكينة الأب القديمة والسحرية.
من أمتع مشاهد الفيلم ذلك المشهد الذي يبدأ (ماكس) فيه بتجربة
الأحذية، ليتحول في كل مرة لشخصية مختلفة، مثيرة للضحك مرة، ومثيرة
للسخرية مرة أخرى، أو حتى مثيرة للهلع عندما يرتدي حذاء رجل ميت
فيتحول لنسخة من الرجل في قبره.
امتاز هذا المشهد بالقدرة على خداع المشاهدين من خلال المونتاج
الذكي للمشاهد بحيث يتم تغيير شخصية (ساندلر) بخفة لا يلتفت لها
سوى المشاهد المخضرم، أيضَا امتاز بالقدرة الإخراجية على تحويل
الممثلين الذين يقومون بأدوار أصحاب الأحذية الأصلية بالتمثيل بنفس
طريقة (أدم ساندلر) الأصلية، الأمر الذي ظهر بشكل متميز فى النسخة
النهائية للعمل.
يبدأ (ماكس) فى استغلال الموهبة السحرية الجديدة التى ظهرت له من
العدم، بداية مع والدته العجوز المصابة بالزهايمر، والتى رحل عنها
زوجها –ووالد ماكس- منذ سنوات عديدة تاركًا إياها للعجز والمرض
ورغبتها في رؤيته لمرة أخيرة قبل أن تموت. الأمنية التي يحققها لها
ماكس عندما يرتدي حذاء والده –بعد إصلاحه على الماكينة السحرية-
ويقابل الأم بشخصية الأب، كلنا يعلم أنها ستنسي المقابلة بحكم
الزهايمر، لكن ذكراها ستدوم فى قلبها إلى أن تموت خلال أحداث
الفيلم فينفطر قلب (ماكس) ومعه قلوبنا.
يبدأ الفيلم بعد ذلك في استعراض كيفية الاستفادة من هذا السحر،
يتورط (ماكس) فى كشف بعض الأعمال الإجرامية المسؤولة عنها الشركة
التى تريد الاستحواذ على المنطقة التى يسكن ويعمل بها، من خلال
انتحاله للعديد من الشخصيات.
الأداء التمثيلي لأبطال الفيلم تميز بالسهولة الممتنعة، فمن ناحية
يتوجب عليهم القيام بأدوارهم، ومن ناحية أخرى يجب القيام بها بشكل
يشبه أسلوب (أدم ساندلر) في الأداء، كان هذا فى المشاهد التى يظهر
فيها الأخير منتحلًا شخصياتهم، المشاهد الأخرى تمم بأسلوبهم
الطبيعي، وهنا تكمن القدرة فى أدائهم الأدوار المطلوبة بتداعياتها
المختلفة.
سيناريو الفيلم أصابنا بالملل فى بعض المشاهد، خاصة فى الربع الأول
من الفيلم، بينما أصبح سياق الأحداث أكثر سرعة فى الربع الأخير،
بينما لم يخل منتصف الفيلم ببعض المناطق المملة مع خيط كوميدي بسيط
يغلف الأحداث، لكن الجدية كانت العامل الأكثر سيطرة على سياق
الأحداث في المنتصف.
لا يمكن هنا إغفال دور الفنان Steve
Buscemi فقد
قام بدور متميز على الرغم من قلة المشاهد التي ظهر بها، يضاف الدور
لمجموعة متميزة ومختلفة ومتنوعة من الأدوار التي قام بها فى مشوار
حياته الفنية الحافلة بمشاركات متميزة، واستطاع فى المشاهد القليلة
التي ظهر فيها أداء دور الرجل الناصح والمهتم بأحوال (ماكس) مع
التطور الكبير الذى يواكب شخصيته.
(الإسكافي) هو العمل الأخير –حتى الآن- للنجم أدم ساندلر فى
السينمات، ننتظر عملًا جديدًا منه، ونتمني أن تطغى المزيد من
الكوميديا–غير المخلة بسياق الأحداث- على مشاهد أفلامه القادمة. |