البحث عن بطل ملهم.. أربعة أفلام تناولت حياة “إيب مان”
محمود سمير – التقرير
كل الحضارات في كل الأزمنة لها بطل شعبي تتغنى به وتضرب به المثل
في الشجاعة والمروءة والتضحية.
(أبو زيد الهلالي) في مصر، (وليام ولاس) في إسكتلندا، (روبن هود)
في إنجلترا، (ديفي كروكيت) في أمريكا، و(وونج في هونج) في الصين.
(إيب مان) مدرب (بروس لي) وأحد مؤسسي فن الوينج شان القتالي، صار
بطلاً شعبيًا في هونج كونج لدرجة أن خمسة أفلام صنعت لتحكي قصة
حياته. سنقيم أربعة منهم.
إيب مان (Ip
Man):
الجزء الأول: من إيب مان من بطولة (دوني ين) يحكي قصة إيب مان في
ربيع عمره، قبل وبعد الاحتلال الياباني للصين وللمدينة التي يقطن
بها (مدينة فوشان).
تقع مدينة فوشان في جنوب الصين، وتعرف بتفوقها في الفنون القتالية
الصينية الجنوبية.
نشأ (إيب مان) لعائلة ثرية، وعاش في شبابه حياة مرفهة. هذا الفراغ
والترفيه جعله يركز على تطوير قدراته القتالية في فن الوينج شان أو
الكف الحديدي، ويصبح الأفضل في فوشان.
يبدأ الفيلم بوصول مجموعة رجال من شمال البلاد بقيادة رجل يدعى
(جين) لفوشان لتحدي جميع معلمي الفنون القتالية هناك.
هزم (جين) المعلمين جميعًا و لم يبق له سوى إيب مان كمنافس وحيد.
بالطبع كعادة أفلام الكونج فو، هزم (إيب مان) (جين)، وهو ما خلق
مرارة لدى (جين)، جعلته يرى (إيب مان) كعدو لدود.
احتلت اليابانُ الصينَ ومدينةَ فوشان عام 1937، واستولت قوات
الاحتلال اليابانية على منزل إيب مان ليكون مصير (إيب مان) وعائلته
التشريد.
كيف سيواجه (إيب مان) المحتل و(جين)، ويوفر المعيشة الكريمة
لعائلته في الوقت نفسه؟
سيناريو (إيب مان) معقد دراميًا، وبه خطوط درامية مختلفة، وهو ما
جعله مختلفًا عن أفلام الكونج فو التقليدية التي تتبنى خط الانتقام
كدافع روائي أو خط المسابقة التي يجب أن يفوز بها البطل كدافع آخر.
مزج الفيلم بين الخطين التقليديين، بالإضافة للخلفية التاريخية
التي أعطت السيناريو عمقًا، نادرًا ما تجده في أفلام الفنون
القتالية.
تصميم الحركة بـ(إيب مان) بارع وممتع، ساعد في ذلك المونتاج الذي
كان موفقًا في نقل إيقاع الحركة السريع والمعقد. شخصيًا شعرت أن
فكرة الانضمام لنادي وينج شان بعد مشاهدة الفيلم لن تكون سيئة.
(دوني ين) من كبار نجوم الحركة والأكشن في سينما هونج كونج بجانب
(جاكي شان) و(جيت لي).
ظهر دوني ين في أفلام الويجا الصينية أو أفلام الأساطير؛ أشهرها
فيلم بطل (Hero)
للمخرج زانج زيمو مع (جيت لي).
عمله كدوبلير وكمصمم حركة جعل أسلوب الحركة في أفلامه يختلف عن أي
نجم حركة آسيوى آخر.
شخصية (إيب مان) نبيلة ومسطحة ولا توجد بها تعقيدات، إلا إن
الإخلاص والصدق الذي أظهره (ين) في أدائه الشخصي كان مذهلاً. هذا
الأداء جعلني أتعاطف معه كمشاهد، رغم الابتذال المغرَقة به
الشخصية.
أداء الممثلين بشكل عام كان جيدًا وخاليًا من المسرحية التي تشتهر
بها هذه النوعية من الأفلام.
الديكور في الأفلام الآسيوية مبهر بشكل عام، و(إيب مان) كذلك.
مشكلة الفيلم تكمن في الإخراج الذي كان يحمل بعض المبالغة، بالذات
في مشاهد الاحتلال الياباني.
الطريقة التي أخرجت بها هذه المشاهد جعلتني أشعر أن المخرج يعمل في
الشئون المعنوية الصينية!
عُرض الفيلم في 2008، وحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر الصينية،
ونال استقبالاً نقديًا جيدًا.
عبقري
جيد جدًا
يستحق المشاهدة [x]
ممل
بشع
إيب مان (Ip
Man):
إيب مان 2 (Ip
Man 2):
انتقل (إيب مان) لهونج كونج بعد الحرب العالمية الثانية، واستقر
هناك نظرًا لوضعها الاقتصادي الأفضل. نحن في عام 1950، وهونج كونج
تحت الحكم الإنجليزي.
قرر (إيب مان) التفرغ لتعليم الوينج شان. بعد أن يثبت نفسه أمام
بعض المشاغبين، تصبح له مجموعة من الأتباع والتلاميذ، ويصبح (إيب
مان) والوينج شان ذا صيت كبير في هونج كونج.
يواجه (إيب مان) مشكلة مع اتحاد معلمي الكونج فو في المدينة؛ ذلك
لأن تدريس الكونج فو في المدينة، لا بد من استئذانهم، والنجاح في
اختباراتهم، ودفع إتاوة لهم.
على جانب آخر يظهر ملاكم إنجليزي عتيد يسمى بـ(تويستر) ليتحدى جميع
معلمي الكونج فو في هونج كونج قاطبةً ومستهزءًا بالفنون القتالية
الصينية كلها.
كيف سيتغلب (إيب مان) على هاتين المعضلتين؟
سيناريو الجزء الثاني: لا يختلف كثيرًا عن الأول في مستوى الجودة؛
ذلك لأنه احتفظ بالبناء نفسه تقريبًا. فبعد أن كان اليابانيون
أعداء الأمس، أصبح الإنجليز أعداء اليوم.
تصميم الحركة في هذا الجزء أروع من الأول بكثير، فهي أكثر جرأة
وجسارة. ففي أحد المشاهد الأيقونية يقاتل (إيب مان) معلمي الكونج
فو على طاولة!
شخصية (إيب مان) لم تتطور ولم تختلف كثيرًا عن الجزء الأول، وهو ما
يعيب الفيلم على مستوى الدراما، لكن بما أننا نتكلم عن فيلم كونج
فو فأولويتنا مختلفة. كفيلم حركة؛ (إيب مان 2) يُعتبر رائعًا.
ظهر (سامو هنج) في هذا الفيلم في دور المعلم (هونج) أحد أكبر
منافسي (إيب مان).
(هنج) له تاريخ كبير كممثل أفلام حركة في هونج كونج ومعروف عنه
تعاونه مع (جاكى شان) في الثمانينيات، أيضًا ظهر هونج في المسلسل
الأمريكي حكم الطوارئ (Martial
Law)
والذي حقق له صيتًأ كبيرًا في الولايات المتحدة، إلا إنه فضل العمل
في هونج كونج.
أخرج الفيلمين المخرج (ويلسون يب) الذي أخرج أفلام نقطة نور (Flashpoint)،
ومنطقة الموت (Kill
Zone)؛
وهما أفلام حركة كانا من بطولة (دوني ين) وظهر (سامو هنج) بهما
أيضًا.
عُرض الفيلم في 2010، وحقق نجاحًا أكبر من الجزء الأول. وحاليًا
يقوم (ويلسون يب) بتصوير الجزء الثالث من السلسلة مع (دوني ين)،
ومن المقرر صدور الجزء الثالث في 2016.
عبقري
جيد جدًا
يستحق المشاهدة [x]
ممل
بشع
إيب مان 2 (Ip
Man 2)
إيب مان القتال الأخير (Ip
Man: The Final Fight):
هذا الفيلم منفصل تمامًا عن السلسلة السابقة، ولا رابط بينهما سوى
(إيب مان) كشخصية رئيسة.
الفيلم يختلف تمامًا عن تناول الفيلمين السابقين للشخصية. فبينما
تناولت الأفلام الأولى (إيب مان) كقوة دفع لفيلم حركة، هذا الفيلم
تناول السيرة الذاتية له بعد استقراره في هونج كونج بشكل أكثر
واقعية.
الفيلم أيضًا لا يركز على إيب مان وحده، فهو يركز على تلاميذه وعلى
المعضلات التي يواجهوها في هونج كونج القابعة تحت الحكم البريطاني.
(هيرمان ياو) أخرج النصف الأول من الفيلم كدراما اجتماعية تتناول
الوضع الاقتصادي الصعب في هونج كونج بعد الحرب العالمية الثانية،
واحتجاجات العمال على أوضاع العمل هناك.
وفي النصف الثاني يتحول الفيلم لنوعية أفلام الجريمة، وهنا تعود
الوينج شان للظهور، ويعود (إيب مان) للقتال مرة أخرى.
مشكلة الفيلم -على مستوى السيناريو- تكمن في عدم التركيز وضعف
القدرة على ضبط اتجاه الفيلم، وأيضًا الشخصيات الكثيرة فيه أضعفته؛
حيث خرجت شخصيات التلاميذ بصورة باهتة وسطحية، بما فيها (إيب مان)
نفسه.
الفيلم به أسوأ موسيقى تصويرية سمعتها في فيلم روائي. الموسيقى
سحبت الكثير من الإخراج وإيقاع حركة الفيلم. لا أصدق أن (ياو) وافق
على موسيقى من هذا النوع، فقد كانت شبيهة بموسيقى مسلسلات الأوبرا
الصابونية الرديئة.
أقوى ما في الفيلم هو أداء الممثل (أنتوني وونج) للشخصية الرئيسة.
الهدوء، والحكمة، والتواضع، ومشاعر الوحدة؛ استطاع (وونج) نقلها
بقوة.
(أنتوني وونج) من أفضل الممثلين في سينما هونج كونج، فملامحه
الهادئة، وشكله الهجين -كونه من أم إنجليزية-، ومدى التمثيل
المتميز، جعله من أكبر نجوم سينما هونج هونج الدرامية.
اشتهر (وونج) بظهوره في ثلاثية أفلام الجريمة شئون شيطانية (Infernal
Affairs)
والذي اقتبسها مارتن سكورسيزي لاحقًا؛ ليصنع رائعته (The
Departed).
مشاهد الحركة في الفيلم كانت بالتميز نفسه الذي كان في الثنائية
السابقة، بالذات في ثلث الفيلم الأخير.
عُرض الفيلم بعد شهرين من عرض فيلم السيد الكبير (The
Grandmaster)
في 2013، وهو ما جعل الفيلم لا يحقق نجاحًا كبيرًا في صندوق
التذاكر الصينية.
عبقري
جيد جدًا
يستحق المشاهدة [x]
ممل
بشع
إيب مان القتال الأخير (Ip
Man: The Final Fight):
السيد الكبير (The
Grandmaster):
وفي تناول سينمائي آخر لشخصية “إيب مان”؛ يأتي هذا الفيلم.
تتناول قصة الفيلم حياة (إيب مان) في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى
1952. الفارق؛ أن مخرج الفيلم (وونج كار واي) لم يركز على الاحتلال
الياباني أو الغطرسة الإنجليزية، أو تلاميذ المعلم. بل على العكس؛
ركز على فلسفة الفن القتالي وفلسفة وطقوس معلمي الكونج فو و(إيب
مان) بشكل خاص.
المعلم (شاه واه شان) رئيس اتحاد الفنون القتالية في شمال البلاد
أتى إلى فوشان كي يختار الجنوبيين زعيمًا يمثلهم، لكن بشرط: عليه
أن يجتاز كل اختبارات المعلم.
أعلن (شان) اختيار تلميذه (مو سان) كوريث وخليفة ليرأس اتحاد
الفنون القتالية الشمالية. وباق الدورعلى الجنوبيين.
اختار الجنوبيون (إيب مان)، وبدأت الاختبارات، تلك المشاهد وتصميم
الحركة بها من أروع ما رأيت، قطعة فنية خالصة.
ابنة المعلم (جونج إير) غضبت لعدم اختيار أبيها لها كخليفة له، ذلك
لأن العرف حرم اشتراك النساء في إدارة شؤون المعلمين والمقاتلين،
فما كان منها إلا أن تحدت (إيب مان) كي تثبت لأبيها أنها قادرة على
حمل إرث العائلة.
(وونج كار واي) بدأ في تحضير الفيلم منذ 2008 وصوره لثلاث سنوات،
حتى عرض أخيرًا في يناير 2013. في هذا الوقت ظهرت ثلاثة أفلام عن
(إيب مان) تناولنا اثنين منها.
هذا التحضير الطويل جنى ثماره في فيلم سحق على مستوى الصورة
والحركة الأفلام السابقة.
تأمل معي هذا الكادر، كأنها لوحة فنية من عصر النهضة.
تعاون وونج كار واي مع (وين بو وينج) مصمم الحركة لأفلام الرحم (The
Matrix)
واقتل بيل (Kill
Bill)
لتصميم الحركة هنا، وقام بتدريب الممثلين لمدة سنتين.
يكفي القول: إن بطل الفيلم (توني ليونج) كسرت ذراعه في التمارين
وتأجل تصوير الفيلم بسببها.
رغم كل هذه المتاعب، تصميم الحركة هنا جعلني أدرك أن كل هذا التعب
لم يذهب هباءً.
تأمل مشهد الافتتاحية، حينما يقاتل (إيب مان) عشرات الرجال تحت
المطر الغزير. التصوير البطيء، والحركة، والمونتاج، والصوت،
والتمثيل؛ كلها اجتمعت لتخلق واحدًا من أفضل مشاهد الحركة على
الإطلاق.
(وونج كار واي) من أعظم المخرجين في القرن الواحد العشرين. عرف عنه
لغته السينمائية المميزة بالصورة التعبيرية، مواضيعه التي تناول
الحب، الحسرة، والفراق. معروف عنه المدة الطويلة التي يأخذها في
تحضير الأفلام وتغييره المستمر للسيناريو وقت التصوير.
قام (كار واي) بإعادة استكشاف الطقوس التي كان يمارسها سادة الفنون
القتالية، أبرزها اجتماعهم السنوي في القصر الذهبي والذي كانت تعمل
به الغانيات، وفلسفتهم القتالية وطبيعة تدريباتهم سويًا.
أيضًا تعاون مع مدير التصوير الفرنسي (فيليب لاسورد) في خلق إضاءة
تعبيرية ساعدت في جعل الحركة في الفيلم تبدو كرقصة بالمعنى الحرفي.
قام بدور (إيب مان) الممثل (طوني ليونج تشاي) الذي تعاون مع (كار
واي) في سبعة أفلام؛ أشهرها شاكنج السريع (Chungking
Express)،
وفي مزاج للحب (In
The Mood For Love).
أداؤه الأفضل بعد أداء (أنتوني وونج) في القتال الأخير. تأمل أداءه
في مشاهد الحركة، كل أعدائه في حالة غليان إلا هو، هادئ ومسترخ.
أفضل أداء في الفيلم يذهب لـ(زانج زيي) التي أدت دور (جونج إير).
أدت شخصية معقدة حائرة بين حمل إرث العائلة الذكوري وتحقيق المطلوب
منها كسيدة بأن تتزوج و تنجب؛ وما تريده هي من الوقوع في الحب.
تصوير (فيليب لاسورد) التعبيري والذي اعتمد على الإضاءة الدافئة
واستخدم تكنيك التركيز الناعم (Soft
Focus)
كي تبدو وجوه الممثلين أقرب لصور الممثلين في أفلام الثلاثينيات
والأربعينيات؛ رشحه للأوسكار كأحسن مصور عام 2014.
ساعده في ذلك الديكور والملابس لـ(ويليام تشانج)؛ الذي رُشح
للأوسكار أحسن ملابس، وقد خلق صورة من أجمل الصور السينمائية على
الإطلاق.
السيد الكبير هو أفضل أفلام (وونج كار واي) وهو خاتمة ممتازة لأي
مشاهد يريد أن يتابع السلسلة.
عبقري
جيد جدًا [x]
يستحق المشاهدة
ممل
بشع |