عمر الشريف لا تعبأ... نحن ذاكرتك
محمد عبد الرحمن
القاهرة
| بعد
ثلاثة أعوام من النفي والتقليل من وقع الخبر، أكد النجل الأكبر
لعمر الشريف أن والده يعاني من حالة متقدمة من مرض الألزهايمر. في
تصريح لجريدةEl
Mundo
الإسبانية، قال طارق عمر الشريف إن الفنان المصري العالمي بات
عاجزاً عن تذكر مواقع تصوير أفلامه البارزة، فيما بات يخلط بين
أشهر أفلامه مثل
Doctor Zhivago
وLawrence
of Arabia.
وتابع طارق قائلاً: «هو يدرك أنه ممثل مشهور، كما يعلم أنه أدى
بطولة فيلم اسمه
Doctor Zhivago،
ولكنه غير مدرك لكافة تفاصيله، مثل المواقع التي جرى تصويره فيها».
وأردف: «يستطيع والدي في أحيان أخرى أن يتحدث عن أحد أفلامه، ولكنه
ينسى في المقابل اسم العمل، أو يستبدله به اسم فيلم آخر». تصريحات
نجل الشريف جاءت بعد نحو 5 أشهر على آخر ظهور إعلامي لعمر الشريف
في مصر في حلقة ليلة رأس السنة (2015) التي قدمها الفنان سمير صبري
على التلفزيون المصري. في تلك الفترة، حضر الشريف أيضاً أكثر من
حفلة لتكريمه، قبل أن يغيب نهائياً، حتى عن جنازة زوجته السابقة
الفنانة فاتن حمامة. هكذا كشف طارق في تصريحاته الأخيرة أيضاً أن
والده لم يعلم بعد بخبر وفاة سيدة الشاشة العربية، وأنه ما زال
يسأل عن أحوالها.
وعن محل إقامته الحالية، ذكر نجله أنه يقيم في أحد فنادق مدينة
الجونة في الغردقة، وهو عبارة عن منتجع سياحي مطل مباشرة على البحر
الأحمر، ومتخصص في الرياضات المائية مثل الغطس. علماً بأنّ المخرجة
الراحلة ايناس بكر – مديرة أعمال عمر الشريف - كانت قد نفت خبر
إصابته بالألزهايمر مرتين، الأولى في نهاية عام 2012 والثانية في
نهاية عام 2013. وكلما تصاعدت الشائعة، خرجت بكر لتؤكد أنّ الشريف
يعاني فقط من ضعف في الذاكرة يمنعه من قبول أدوار جديدة لأنه لم
يعد قادراً على حفظ النصوص، وأنه لم يصب بالأزهايمر، بل يقضي وقته
بين أحفاده وأبنائه وأصدقائه. لكن المفارقة القدرية تمثلت في وفاة
ايناس بكر نفسها لاحقاً (رحلت في مارس 2014) لتترك عمر الشريف
وحيداً في القاهرة حيث كانت تمثله في كل المحافل والمناسبات، وبات
الشريف غالباً تحت رعاية صديقه المقرب عالم الآثار زاهي حواس.
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر
| MhmdAbdelRahman@
وثائقيات بعدسة الاسرائيليين: فلسطين ليست أرضنا
محمد همدر
أصبح معلوماً ما يعانيه الجنود الإسرائيليون على المستوى النفسي
بعد كل حرب ومواجهة يخوضونها في فلسطين أو لبنان. تقارير عدة نشرت
عن لجوئهم إلى علاج نفسي وإلى مهدئات الأعصاب، فيما الأثر الأبعد
من ذلك يتمثل في فقدانهم الثقة والتشكيك مجدداً في كل القيم
والقضايا التي اخترعها الإحتلال منذ جيل النكبة الأول، وصولاً الى
التشكيك بصوابية البقاء في ما يسمى "أرض الميعاد".
في الفترة التي تلت عام 2000، ارتفعت بعض الأصوات مجدداً في الداخل
الإسرائيلي مشككةً ومعترضة على نتائج التجنيد والحروب والمواجهات
على الحدود وفي الداخل. تشكّلت بعض الجمعيات المحلية التي تنشط في
أوروبا تحديداً، للمطالبة بإلغاء التجنيد في الدرجة الأولى. في
تقارير ومقابلات وأفلام وثائقية لمخرجين إسرائيليين وأوروبيين،
يروي العديد من الجنود تجاربهم ومشاهداتهم خلال المواجهات ويوميات
خدمتهم العادية. اللافت أنّ هؤلاء لا يعانون فقط من آثار المواجهات
التي خسروها أو أُصيبوا خلالها فقط، بل من آثار الجرائم التي
ارتكبوها، أو حتى من الشعور بالخوف الدائم خلال الخدمة والحراسة
والمداهمات، مما قد يدفعهم إلى فقدان صوابهم.
في فيلم "لأرى إن كنت أبتسم" (2007 ــ 59 د)
To See If I'm Smiling،
تروي الاسرائيلية تمارا يارون تجربة فتيات إسرائيليات خلال الخدمة
العسكرية. الجيش الوحيد في العالم الذي لا يعفي الفتيات من خدمته
العسكرية، يستدعيهن في سن الثامنة عشرة لعامين كاملين. أرادت
المخرجة أن تضيء بشكل خاص على تجربة الأنثى مع خصوصيتها في الميدان
العسكري، من خلال مقابلة الفتيات اللواتي يخدمن في الجيش
الإسرائيلي المشهور بممارساته الوحشية.
في أكثر من وظيفة وأكثر من موقع، شاركت هؤلاء الفتيات في أفعال
الجيش، ولو عبر السكوت عن ارتكاباته بحق الأطفال والمدنيين. إحداهن
تسأل المحقق "ماذا لو لم يرم هؤلاء الأطفال الحجارة؟" فيردّ
"سيعترفون". تخسر الفتيات أنوثتهنّ تدريجاً بجانب الجنود الذين
يسكرون دائماً باستعراض قوتهم، إلى أن يخسرن الجانب الإنساني حين
يشاركن في ارتكابات الجيش الموصوف بأكثر الجيوش وحشية. الشهادة
الأقوى هي لفتاة شاركت في إخفاء آثار جراح شاب فلسطيني، قتله
الإسرائيليون ببرودة، وكان عليهم إخفاء ما فعلوه قبل تسليمه جثّة
لأهله. لا تكتفي هذه المجندة باللعب بالدم، بل تلتقط صورة إلى جانب
الجثة، كما يفعل زملاؤها، قبل أن تطلب من صديقتها إحضار صورتها كي
تتفرّج على نفسها مجدداً أثناء فعلتها.
حرب تموز 2006، كانت إحدى الحروب الأكثر تأثيراً في جنود الجيش
الإسرائيلي الذين توغلوا براً في جنوب لبنان.
Reporting for Duty (33
د. 2010)، لمايكل زيبرمان، يروي قصة ثلاثة شبان من ثلاث فرق عسكرية
توغلّت برّاً في حرب تموز. شهادات تروي كيف تمّ حصار هؤلاء الجنود
داخل بعض القرى الجنوبية من دون تمكّنهم من الإنسحاب أو التقدم، أو
الحصول على إمدادات من جيشهم. يستند الفيلم أيضاً إلى أرشيفهم
الخاص والمهمّ، إذ نقلوا عبر عدسات كاميراتهم وهواتفهم مشاهد من
المعارك ومن حصارهم وسيرهم في القرى التي اعتقدوا أنها خالية
ومحتلة بشكل شبه كامل، إلى أن يظهر مقاتل من "حزب الله" في وجه أحد
المتحدثين في الشريط ويطلق النار عليه فيصيبه ويخرجه جريحاً من أرض
المعركة. كذلك، يروي آخر كيف قُتل زميله في المعركة وكيف بقي
أياماً مع عناصر وحدته من دون طعام أو شراب، فيتوجه مع جنود آخرين
ويطرق باب أحد المنازل التي بقيت فيه عائلة على ضوء الشمعة. وسط
الدمار والقصف والمعارك، طلب الماء والطعام منها، "كنا نعلم بأنهم
لا يستطيعون أن يرفضوا" لكنه فوجئ بالمرأة التي فتحت له الباب تقول
من دون خوف أو قسوة "هذا ما لدي، خذ ما شئت".
رغم محاولة الشريطين إعادة ما فقده الجنود من حسّ إنساني، أو تبييض
صفحاتهم من خلال اعترافاتهم وتصويرهم كالمعذبين النادمين، لم يستطع
أي منهما إخفاء الجرائم التي يرتكبها الإحتلال بشكل يومي ممنهج
يشارك فيه جميع الضباط، من دون حصره بفرقة أو بجنود أو ضباط غير
منضبطين. الأهمّ أنه يصوّر المراجعة التي يقيمها هؤلاء الجنود عن
فائدة القتال والتجنيد وعن مفهوم الوطن والأرض والواجب مجدداً، حيث
يدركون حقيقة وواقع يناقضان كل ما تعلموه منذ طفولتهم.
في فيلم
The Pain Inside (50
د. 2013) صوّرت المخرجة شارلوت برونو من لوكسمبورغ، حقيقة الهجرة
المعاكسة المرّة التي يتهرب منها الإسرائيلي. هكذا يضيق الشباب
الإسرائيلي ذرعاً بالأوضاع الداخلية، خصوصاً بعد تجربته العسكرية،
فيعود الى أوروبا، ليختارها وطناً جديداً. هناك يتكيّف ويشعر أكثر
بالأمان كما أنه يستطيع رؤية الأشياء بوضوح أكبر من بعيد، والتساؤل
أيضاً عن معنى الهوية الإسرائيلية وعن معنى الدولة والواجب وعن
الأسباب الحقيقية للصراع الذي لا ينته.
لم تأخذ شارلوت عيّنة صغيرة كثلاث أو أربع شخصيات كما تعتمد أغلب
الأفلام التسجيلية، بل عمدت إلى العديد من المقابلات. من
لوكسمبورغ، والمانيا، إلى فلسطين المحتلة، والهند، ترصد كيف يحاول
بعضهم الإستقرار وإن كان لا يزال يرى اسرائيل من بعيد وطناً. ترصد
أيضاً الحالات النفسية للذين يذهبون الى الهند، هرباً من مشاكلهم،
حيث يتعاطون المخدرات، ويمارسون طقوساً أخرى تستفز رجال الدين
اليهود الذين يلحقون بهم إلى الهند لإعادتهم الى رشدهم. كذلك ترصد
نقاشاتهم الخاصة، وشهادات بعض المحللين وبعض الناشطين ضد التجنيد
والحرب. قبل نهاية الشريط، ينظر أحد الشبان إلى الكاميرا ويوجه
رسالة من ألمانيا - هي للمفارقة تستقبل عدداً كبيراً ممن غادروا
اسرائيل- إلى أهله يقول لهم "ماذا تفعلون هناك، إنها ليست أرضنا،
الجميع من حولنا يكرهنا...".
غسان شميط: سوريا «تحت سرّة القمر»
علي وجيه
ينكب المخرج السوري على تصوير فيلمه الجديد الذي يصوّر «افراداً
يساعدون بعضهم رغم تأثير الأزمة على حياتهم اليومية»
يشقّ الفان طريقه نحو بلدة «يعفور» غرب العاصمة دمشق. ما يتناثر
على طرفي الأوتوستراد العريض، ومشروع البوابة الثامنة الذي لم
يكتمل بسبب الحرب، يولّف تتابعاً بصرياً متبايناً بين الريف
والحداثة. أحاديث رفاق الطريق من فنيّين وكومبارس تشكّل مادة
للتسلية. أحدهم يتحدّث عن سعيه إلى حجز مكان في عمل سيصوّر في
لبنان، ولو مجاناً، من أجل ملاقاة ابن انتقل إلى البقاع هرباً من
الخدمة الإلزامية.
آخر يفتخر بجملتي حوار مع عباس النوري في الجزء القادم من «باب
الحارة». نصل إلى فيلا فارهة، في المنطقة التي شهدت طفرة عقارية
مترفة، بعدما صارت محجاً لكثير من أثرياء البلاد. السينمائي السوري
غسّان شميط (من مواليد القنيطرة 1956)، يشرف على الإعداد للمشهد
القادم من جديده «تحت سرّة القمر» الذي تنتجه «المؤسسة العامة
للسينما». شميط مشارك في السيناريو مع جهينة العوّام، عن رواية
لهذه الأخيرة بالاسم نفسه. مدير الإنتاج سامر رحال، يحرص على
اكتمال التفاصيل، فيما يتأكّد مدير التصوير الأوكراني دينيس
يوشينكو من صحّة الإضاءة. الممثّل وضاح حلّوم يستعدّ لإحدى الحفلات
التي اعتادت شخصيته «نبيل» إقامتها في فيلته. هو مدير عام ورجل
أعمال، وربّ عائلة مكوّنة من زوجته «سناء» (علا باشا)، التي تدير
مطعماً. هناك ابنتان: «حنين» (لانا شميط)، و«جوري» (ليا مباردي)،
وطفل ينضمّ لاحقاً نتيجة دخول «علاء» (مروان أبو شاهين)، الذي
حوّلته الحرب من مهندس إلى سائق على خط بيروت. بعد تعرّض «نبيل»
لحادث مأساوي، تنقلب الأمور رأساً على عقب. تضطرّ العائلة المحافظة
إلى النزوح من إحدى المناطق المشتعلة في ريف دمشق، إلى أخرى آمنة
تضمّ طيفاً متنوّعاً من الأديان والطوائف. تدخل كل من الفتاتين في
قصّة حب لبنانية. الجد «عبد القادر» (عبد الرحمن أبو القاسم)
إقطاعي ومرشّح لمجلس الشعب، يتعرّض ابنه الطبيب «أحمد» (مجد فضة)
للخطف. لدينا زواج سرّي، وحفل في مركز الإيواء، وشخص يحاول
الانتقام على مراحل عدة.
في حديثه لـ«الأخبار»، يتحدّث شميط عن الفيلم الذي «يهتم بتقديم
الشعب السوري المتآلف والبعيد عن الطائفية. نحن بصدد أفراد يساعدون
بعضهم، رغم تأثير الأزمة على حياتهم اليومية. نقترح بانوراما عن
الواقع السوري كما هو، وليس كما يُشاع». ماذا عن العنوان
والسيناريو؟ يقول: «العنوان جاذب، ويحمل قراءات عدّة، منها ما يحصل
على هذا الجزء من الكوكب. إنّها حكاية تهمّ الإنسان أينما وجد. بعد
قراءة رواية جهينة العوّام، أبديتُ اهتماماً بتحويلها إلى سيناريو،
وتحمّست الكاتبة لذلك. ركّزنا على مسار العائلة، وأضفنا ما يخدمه».
إذاً، نحن بصدد أحد أفلام «سينما الأزمة/ الحرب»، على افتراض أنّها
عنوان كبير في راهن السينما السوريّة.
يصوّر الشريط المرأة السورية الحقيقية التي تحمل همّ بلد بأكمله
ما الجديد الذي يحمله على هذا الصعيد؟ يجيب شميط: «الجرح السوري
عميق، ويحتمل قراءات كثيرة من زوايا مختلفة. أجد هذا الفيلم
موضوعياً، وبعيداً عن الشعارات. يتشبّث بما يهمّ السوري على اختلاف
المشارب والطبقات. في النهاية، نفرد مساحةً للحب والتفاؤل بعد
الخراب».
نال غسان شميط ماجستيراً في الإخراج من المعهد العالي للسينما في
كييف عام 1982. عاد إلى البلاد، متأثراً بالسينما السوفياتية. كان
عليه الانتظار أكثر من عشر سنوات، للحصول على فرصة إنجاز الروائي
الطويل الأول «شيء ما يحترق» (1993). ضمن إنتاجات «المؤسسة العامة
للسينما»، فضّل شميط الاشتغال على تيمة أثيرة: «العائلة والمكان».
ضمن بيئة الجولان التي ينحدر منها، عرفنا فيلمين آخرين: «الطحين
الأسود» (2001) و«الهوية» (2007
-
الجائزة الكبرى في مهرجان تطوان الدولي في المغرب، وجائزة مصطفى
العقاد في “مهرجان فجر” في إيران). في «الشراع والعاصفة» (2011)،
ضمنت له رواية حنّا مينة الشهيرة الانتقال إلى بيئة الساحل السوري.
خلال 22 عاماً، أنجز شميط أشرطة قصيرة ووثائقية منها: «بصرى»
(1983)، و«يوميات جولانية» (1987)، و«البراعم» (1990 - الجائزة
البرونزية في «مهرجان صفاقس» في تونس)، و«ورد وشوك» (2003 -
الجائزة البرونزية في «مهرجان دمشق السينمائي»). يقول عن
الفيلموغرافيا ككل: «كان من المهم ألا أتوقف عن العمل. لديّ
سيناريوات رفضت لأسباب رقابية. سابقاً، كانت المؤسسة تنتج فيلماً
كل عام، أو عامين أحياناً. ضائقة الثمانينيات قدّمت رغيف الخبز على
السينما. اليوم، لدينا خمسة أفلام في العام، ما يشجّع على العمل
والتفكير بالجديد». لكن، لماذا لا يعرف الجمهور السوري كثيراً من
هذه العناوين؟ يجيب: «لا بدّ أن تجد «المؤسسة العامة للسينما»
طريقةً لعرضها، سواء على التلفزيون أو من خلال تظاهرات. بعض هذه
الأفلام يحمل أهميةً خاصةً اليوم، مثل «على دروب المدن المنسية»
الذي أنجزته عام 2009». إذاً، يختبر شميط معنى «الآن وهنا» في «تحت
سرّة القمر». يؤفلم راهن دمشق للمرّة الأولى. يوافق معلّقاً: «كانت
تواجهني دائماً مشقة إعادة خلق الزمان والمكان والتفاصيل». ما
تأثير ذلك على الأسلوبية والخيارات الفنيّة؟ يوضح: «أحاول الإفادة
من التقنيات الحديثة وخيارات التكنولوجيا. ألجأ إلى «الستيديكام»
واللقطة الواحدة. أعمل على تكثيف الإيقاع ما أمكن. بناء صورة حديثة
ذات مستويات متعدّدة ممتع ومتعب في آن». عن المحتوى، يقول: «من
خلال «سناء» التي تحمل عائلتها على كتفيها، أركّز على المرأة
السورية الحقيقية التي تحمل همّ بلد بأكمله.». إضافةً إلى من سبق،
يلعب الأدوار كل من: سوزان سكاف، أمير برازي، مريم علي، آزار
سليمان... يقول عن اختيار ممثّليه: «أرى أنّ السينما مخرج،
والتلفزيون نص، والمسرح ممثّل. نصف النجاح هو انتقاء الممثّل
الصحيح، فيما يبقى النصف الثاني متعلّقاً بالعمل. اكتشاف وجوه
جديدة جزء من المتعة. لا يهمّني سوى أن يكون الممثّل مناسباً لما
أراه».
في العام، يدافع صاحب وثائقي «الباشا» (2013) عن سينما جيله. لا
يوافق أنّ نتاجهم اقتصر على تجارب فردية، دون التأسيس لتراكم فعلي.
«نشكّل لبنة أساسية في السينما السورية. استطعنا إثبات أنفسنا من
خلال سينما جادّة وطموحة، سواء من حيث المضمون أو الأسلوبيات. كان
لدينا تنوّع كبير أيضاً. في الوقت عينه، لا شكّ في أنّ التجديد
ضروري» يقول بحزم، مضيفاً: «الالتصاق بالبيئة أسهل طريق إلى
العالمية، ما دام الموضوع إنسانياً عاماً. التقمّص في «الهوية»
أساسي، وهو من صلب المكان، ولكن قصة الفيلم يمكن أن تثير انتباه أي
بشري». هل تعتبر أنّك نجحت في أفلمة الساحل في «الشراع والعاصفة»؟
يجيب: «أعتقد ذلك. الرواية كبيرة، وتشكّل حلماً لأيّ مخرج. استعنتُ
بخبراء في اللهجة والأكسسوار من البيئة نفسها. حتى جهاد سعد الذي
لعب «الطروسي»، وبقية الممثلين هم أبناء المنطقة». ماذا عن
الانتقادات التي طاولت تنفيذ “العاصفة” في أوكرانيا، ووصفتها
بالهزيلة وغير المقنعة تقنياً؟ يقول: «كان تنفيذ العاصفة صعباً،
واستهلك مراحل عدة. هذه المشاهد مكلفة، إلا أنّنا تصرّفنا ضمن
الميزانية المتاحة. كان يُفترَض أن يكون هناك شريك للمؤسسة العامة
للسينما، لكنّه انسحب لاحقاً. لولا وقوف مدير المؤسسة محمد الأحمد
ووزير الثقافة (آنذاك) د. رياض عصمت إلى جانبنا، لواجهنا مشكلة
حقيقية. البعض انتقدنا على غياب اللقطات العامّة، وكثرة المتوسطة
والقريبة. الحقيقة أنّني أنجزتُ هذه اللقطات، ثمّ أهملتها لأنّها
لم تكن مقنعةً. كذلك، الطبيعة الدرامية للسيناريو تحتمل هذا
الأسلوب».
«كابريوليه»
يعانق المرأة في كل حالاتها
بانة بيضون
في سنته السابعة، يقام «مهرجان كابريوليه» للأفلام القصيرة في
الهواء الطلق على درج مار نقولا بين ٢٩ و31 أيار (مايو). تتضمن
البرمجة هذه السنة ٤٢ فيلماً قصيراً من لبنان والعالم. أما الثيمة
التي اختارها المنظمون، فهي المرأة وحياتها وصراعاتها ضمن
المجتمعات والثقافات المختلفة. لا يهدف المهرجان من اختياره هذه
الثيمة إلى تصوير المرأة حصراً كضحية كما يفسر منظم المهرجان
الفنان إبراهيم سماحة، بل إلى الإضاءة على قضاياها في العالم
العربي والخارج كما جرى تناولها سينمائياً بأساليب مختلفة.
تعاون «كابريوليه» هذه السنة مع الجامعة الأنطونية في بعبدا لتقديم
هوية هذه النسخة من المهرجان التي تندرج ضمن ثيمة المرأة من
البوستر إلى الدعاية المصورة الخاصة بالمهرجان التي أدت بطولتها
جوليا قصار. من الأفلام القصيرة المختارة هذه السنة يعرض الفيلم
الدانماركي «استمع» لهامي رميزان ورنغانو نيوني. يروي العمل قصة
امرأة عربية منقبة قدمت للشرطة الدانماركية لتشكو تعنيف زوجها الذي
يهدد حياتها. يطلب المحققون مترجمة عربية لتترجم أقوال المرأة التي
لا تجيد الدانماركية. إلا أنّ المحققة تحرّف عن قصد أقوال الضحية
لاعتقادها أنّ الموضوع يجب أن يظل ضمن إطار العائلة وأنّ المرأة
يجب أن تسعى إلى طلب النصح من إمام الجامع بدلاً من الشرطة. تقع
المرأة ضحية جهلها للغة ورفض كل من حولها أن يوصلوا صوتها. لكنها
أيضاً ضحية نفسها في الدرجة الأولى، فهي ترفض بحزم أن تخلع النقاب
الذي من شأنه أن يثبت آثار ضرب زوجها لها. طوال الفيلم، يبدو أنّ
المرأة التي لا نرى وجهها، تغيّب نفسها في الدرجة الأولى. الفيلم
ينقض من جهة كليشيه المرأة العربية المستضعفة عبر صورة المرأة التي
جاءت لتطالب بحقها بالحماية، لكنه يعود ليجسده عبر فكرة أنها ترفض
خلع النقاب، ولو من أجل إنقاذ حياتها. أما الفيلم الإيطالي «لا
أعرف ماذا أفعل معك» لميغال كمبيان، فيروي ـــ ضمن أسلوب الكوميديا
السوداء ـــ قصة امرأة تتلقى خبر وفاة والدها السكير الذي هجرها
ووالدتها منذ سنوات طويلة، وأوصى بحرق جثته.
تحضر سهى بشارة من خلال فيلم «إرادة قوية»
هكذا، تضطر إلى الاحتفاظ برماده الذي تجول معه الطرقات باحثة عن
المكان المناسب له، إلى أن تجده أخيراً، وتمنح أباها أفظع نهاية
وأكثرها كوميدية في آن واحد. يتسم الشريط بحسه الطريف في الحوارات
كما الممثلة التي تقول مثلاً أثناء حرق جثمان أبيها إنه لا بد من
أنّه سيحترق جيداً بفضل كل الكحول في دمه. ويتميّز أيضاً بلغته
السينمائية الطريفة في تصويرها للتفاصيل الصغيرة كما تمثال القطة
التي تودع شبح الأب. أما من لبنان، فيعرض فيلم «العشاق» لجوليان
تافيتيان الذي يصور مشاكل العلاقات العاطفية بين أشخاص من أعمار
وخلفيات مختلفة، والقيود التي تحاصر المرأة أو تقيّد نفسها بها
طوعاً ضمن المجتمع الذكوري كالعذرية، أو إرغامها على الزواج، أو
الوحدة التي تعانيها الأرملة. مشكلة الشريط تقع في حواراته
المباشرة التي تستعيد الكليشيه كأنما في محاولة لنقضه، لكنّ
المحاولة غير ناجحة تماماً. هذا ما نراه عندما تقول إحدى الفتيات:
«شرف البنت زي عود الكبريت». لكن من جهة أخرى، تبدو شخصية المرأة
المتزوجة التي يتناولها الشريط، وتسعى إلى إقامة علاقة مع أحد عمال
صيانة الإنترنت خارجة جزئياً عن الكليشيه ولو أنه يعود لتجسيدها
عبر الحوارات والمرأة التي تحاكم نفسها وتصف تصرفها بالحيواني. أما
بالنسبة إلى اللغة السينمائية، فهي تحاكي بنحو متواضع السرد
السينمائي. أيضاً يعرض «يا عمري» للمخرجة نور عقيقي من بطولة
الممثلة كريستين شويري. يروي الشريط علاقة أم بطفلها المختلف الذي
تكرس حياتها للاهتمام به. يصوّر حميمية العلاقة بين الأم وابنها،
ولو أنه يتجه إلى الميلودراما، وتبدو اللغة السينمائية متناغمة مع
السرد الروائي، ولو أنها لا تتمتع بجمالية خاصة باستثناء بعض
اللقطات. أيضاً، يبدو الفيلم بحبكته الروائية غير ملائم لبنية
الفيلم القصير. سهى بشارة تخيّم على المهرجان من خلال «إرادة قوية»
لناتالي ربيز التي تركز في شريطها الوثائقي على والدي سهى.
الوالدان ليسا سوى جد المخرجة وجدتها. نتابع هنا علاقتهما مع
ابنتهما، وكيفية معايشتهما لفترة سجنها في معتقل الخيام وجهود أمها
التي اعتقلت آنذاك أيضاً، ورحلة نضالها لتحرير ابنتها. يتميز
الشريط بالحميمية، مركزاً على تصوير معاناة الأهل، بخاصة الأم التي
دمّرها سجن ابنتها تماماً كما تقول. لغة الشريط تتميز أيضاً
بجماليتها الحميمية بخاصة في الهندسة البصرية لبعض اللقطات الثابتة.
جون لينون الذي قلب حياة آل باتشينو
بانة بيضون
«داني
كولينز» هو التجربة الإخراجية الأولى لدان فوغلمان الذي اشتهر
بعمله سيناريست لأفلام التحريك «السيارات» (٢٠٠٦)، والكوميديا
العاطفية «مجنون، غبي، حب» (٢٠١١). أحداث «داني كولينز» الذي يؤدي
بطولته آل باتشينو مستوحاة من قصة مغني الفولكلور الأميركي ستيف
تيلستون. في عام ٢٠٠٥، عثر تيلستون على رسالة كتبها له جون لينون
عام ١٩٧١ إثر قراءته لمقابلة أجريت مع ستيف وعبّر فيها مغني «البيتلز»
الأيقوني عن قلقه من أن الثراء والنجاح سيؤثران سلباً في نوعية
الأغاني والموسيقى التي يؤلفها.
لكنّ الرسالة لم تصله في حينها، بل تأخرت 40 عاماً. ينطلق المخرج
الأميركي من هذه الحادثة الطريفة والغريبة ليروي قصة نجم روك
السبعينيات داني كولينز الذي لم يزل يعيش على أطلال أمجاده السابقة
والأغاني التجارية التي شهرته إلى أن يقدم له مدير أعماله فرانك
(كريستوفر بلامر) في عيد ميلاده رسالة جون لينون الضائعة. في هذه
الرسالة، يخبره لينون بأنّه موهوب، ويجب أن يظلّ صادقاً في فنّه
ووفياً له، وعدم السماح للشهرة والنجاح بإفساده. الهدية المفاجئة
تأتي بمثابة صدمة لكولينز وتدفعه إلى التفكير في تغيير حياته
ومحاولة استدراك كل ذلك الوقت الضائع الذي أمضاه مغيباً حتى عن
نفسه بفعل المخدرات والكحول والنمط الاستهلاكي الذي انساق إليه.
يقرر أن يهجر خطيبته الشابة التي تخونه مع الجميع، وينتقل إلى أحد
فنادق نيوجيرسي ليعزل نفسه ويحاول العودة إلى كتابة الأغاني والبحث
عن ابنه الشاب الذي لم يره منذ ولادته. كما هو واضح، فالحبكة
الروائية تقليدية إلى حد ما، لا تخلو من الكليشيهات في تصويرها
لتحول كولينز المفاجئ، كذلك بناء الشخصيات الذي لا يخلو من التبسيط
والمثالية الحالمة. كذلك هناك نزعة ملودرامية تتجسد بخاصة في مشاهد
النهاية حين يكتشف آل باتشينو أنّ ابنه الذي تعرف إليه بعد كل هذه
السنوات مصاب باللوكيميا. رغم أنّ نقطة انطلاق الشريط ــ أي رسالة
لينون التائهة في الزمن ــ مثيرة للاهتمام أكثر من محتواها الذي
يرتكز عليه المخرج في تطوير حبكته الروائية، إلا أنّها ليست فعلياً
بذلك العمق الذي يحتمل تحويلها إلى مسألة وجودية. لكن من الناحية
الأخرى، فإنّ المخرج كأنما يجسّد كل هذه الكليشيهات وينقضها في
الوقت عينه. يفعل ذلك عبر الحوارات الطريفة والساخرة التي يمتاز
بها الشريط، حتى أنّ بعض المقاطع كأنما تسخر من الفيلم نفسه. نرى
ذلك مثلاً حين يكتشف داني كولينز أنّ ابنه مصاب بسرطان الدم، فيصدم
ويقول له إنّه لا بد من أن يسخر منه، فليس متوقعاً أن تجري هذه
الأمور وفق الفيلم العائلي السعيد الذي يعيشه في رأسه. أيضاً في
اللقطة الأخيرة الساخرة، يكون كولينز مع ابنه في المستشفى في
انتظار نتائج الفحوص، ويحاول طمأنته إلى أنها ستكون جيدة، ثم
يسأله: «هل خذلتك يوماً؟» (هو الذي هجره منذ ولادته) ثم يضحك
الاثنان. أما إيقاع الشريط، فهو انسيابي يشبه مقتطعات الحياة
اليومية التي يصورها باعتياديتها ورتابتها كما أحاديث كولينز
العابرة مع العاملين في الفندق المقيم فيه، فلا تصل الأحداث إلى
ذروة فعلية، وهذه إلى حد ما نقطة قوة الشريط وهشاشته في آن واحد.
طبعاً، حضور آل باتشينو بأدائه المخضرم الذي يلعب فيه بحرفية على
المسافة بين الجدي والساخر يسهم في إغناء الحوارات، بالإضافة إلى
التفاعل الحيوي والطريف بينه وبين الممثل كريستوفر بلامر. |