Camp X-Ray ..فيلم
“غير سياسي” عن معتقلات جوانتانامو
منة الله فهيد – التقرير
اختار المخرج (بيتر ساتلر
Peter Sattler)
فيلم (Camp
X-Ray/معسكر
أشعة إكس)، والذي قام بكتابته أيضًا وتدور أحداثه بداخل معتقل
التعذيب (جوانتانامو)؛ ليكون أول أفلامه الطويلة، مبررًا اختياره
في أحد لقاءاته التلفزيونية بأنه يحب أن تكون الأفلام عن موضوعات
غير معتادة عن النوع الذي نشاهده يوميًّا على الشاشات، وشعر أنه
بتناول قضية كبيرة كمعتقل (جوانتانامو) من منظور ضيق؛ وهي العلاقة
التي جمعت بين السجان وسجينه سيكون أمرًا ممتعًا وغريبًا، في الوقت
ذاته.
لمشاهدة اللقاء
فيلم (معسكر أشعة إكس)؛ هو فيلم روائي درامي، على عكس ما قد يتخيله
البعض عن كونه وثائقي يعتمد على الإثارة والتشويق، وهنا تجب العودة
إلى تعليق (بيتر ساتلر) المخرج والمؤلف للفيلم في افتتاحية (مهرجان
لندن السينمائي) الثامن والخمسون بأن فيلمه “ليس سياسيًّا”.
لمشاهدة إعلان الفيلم
يبدأ الفيلم بتلفاز يتصدر المشهد تعلن فيه المذيعة المتحدثة باللغة
العربية عن حادث تفجير برجَي التجارة العالمي، أو بما أصبح يُرمز
إليه لاحقًا بأحداث 11 سبتمبر، وقرار الرئيس جورج بوش بشن الحرب
على الإرهاب، بينما كان يتحضر أحدهم في جانب المشهد للصلاة قبل أن
تنتهي النشرة ويصير هو بطل المشهد.
لم يلبس الأخير أن يتم صلاته حتى قاطعه فرد من قوات الجيش الأمريكي
وألقى القبض عليه، ليستيقظ في المشهد التالي في قفص حديدي بمعسكر (جوانتانامو)،
ووجهه ينزف من شدة الاعتداء.
قواعد المعتقل
بعد مرور 8 سنوات؛ يأتي إلى المعسكر وفد جديد من الحراس بينهم فتاة
(إيمي كول)، والتي قامت بدورها النجمة الشابة (كريستينستيوارتKristen Stewart)
بطلة سلسلة أفلام (توايلايت
Twilight)
الشهيرة.
في لقائهم الأول بقائدهم؛ يخبرهم كيف تجري الأمور داخل جدران
المعتقل: “هناك معتقلون قد أمضوا هنا أكثر من 8 أعوام؛ لذا فهم
يعرفون الإجراءات أفضل منكم، سوف يختبرونكم، وسوف يهزمونكم، أنها
منطقة حرب”.
عند وصف أحد المجندين الجدد للمعتقلين بـ(السجناء) عدل له ذلك
القائد بأنهم (معتقلون) وليسوا (سجناء)، مشيرًا بذلك إلى أن
السجناء لديهم حقوق بما تنص عليه اتفاقية (جنيف) بينما المعتقلون
لا يخضعون لشروط تلك الاتفاقية؛ وعليه فليس لديهم أي حقوق.
السجانة
انضمت (كول) إلى قوات الجيش من أجل القيام بشيء مهم، كانت تعتقد أن
في ابتعادها عن أمها وبلدتها الصغيرة والذهاب للقيام بأعمال الرجال
خلاصها، منذ اليوم الأول أرادت إثبات أنها ليست أقل شأنًا من أي
مجند رجل، فتطوعت للذهاب ضمن طاقم الردع لأحد المعتقلين الهائجين،
فما كان نصيبها إلا أن حصلت على لكمة قوية أدمت شفتها السفلى،
وبصقة أغرقت وجهها.
عند التقائها بـ(علي)؛ حاولت (كول) أن تتبع تعليمات قائدها بألا
تتحدث إلى المحتجزين حتى لا يعبثوا بعقلها، إلا أن دوافعها لم
تستطع الصمود أمام مثابرة (علي) وكثرة حديثه، والذي اعتبر
صمتها/تجاهلها أسلوبًا عدائيًّا استحقت عليه أن يلقى بفضلاته على
ملابسها من خلال فتحة باب حجزه.
أثناء الاستماع لأقوالها يسألها القائد الأعلى:
– هل تحبين المكان هنا يا بنيتي؟
– نعم سيدي، لا بأس به.
– أنا أكرهه، ليس هذا بالمكان الذي يشعر الشخص بالفخر، ولكني هنا
لأن قائدي أمرني بذلك.
تدرك عندها (كول) أنه يجب عليها الانصياع لأوامر قائدها، مهما كان
الأمر مذلاً.
لاحقًا؛ يخبرها زميلها بأن هناك من حاول شنق نفسه بالأمس في المبنى
المجاور، تفترض (كول) على الفور أنه أحد المحتجزين، إلا أن الأول
يخبرها أن من حاول الانتحار كان حارسًا وليس سجينًا، وبدا عليه
الامتعاض من فعلة ذلك الحارس الذي لا يستطيع تحمل صعاب وظيفته،
حاولت (كول) التبرير له بأن ما يمرون به داخل جدران المعسكر ليس
بالأمر الهين، إلا إن الآخر قاطعها بأن “هؤلاء الأوغاد قاموا
بتفجيرات 11 سبتمبر، وهم الآن في السجن، هذا كل ما في الأمر”،
صدمته (كول) بردها “الأوغاد الذين قاموا بتفجيرات 11 سبتمبر ماتوا
هناك”، ليهاجمها بأنها تركت نفسها تستمع لأقوال المعتقلين مما أفسد
تفكيرها وأنساها كم هي محظوظة، عندما استشعر زميلها أن كلامه لا
يغير شيئًا من موقفها تركها وانسحب.
السجين
(علي أمير) هو الشخصية الرئيسة لهذا العمل، قام بتجسيد دوره الممثل
الإيراني (بيمان معادي
PeymanMoaadi)
بطل فيلم (انفصال
Separation)
للمخرج الإيراني (أصغر
فرهادي)
والذي نال جائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي عام 2012. ويعد هذا
الفيلم هو أول أعماله الناطقة باللغة الإنجليزية في عالم
(هوليوود).
منذ لقائه الأول بـ(كول)؛ مارس (علي) الضغط عليها لحثها على
الحديث، وعندما لم تستجب له ما كان عليه إلا أن هاجمها لفظًا
وفعلاً، إلا إنه لم يفقد الأمل في جرها إلى التكلم معه عند عودته
من العقاب جراء فعلته، واستجابت هي وقتها لمحاولاته لشعورها بالذنب
نحوه.
أمضى (علي) ما يقرب من تسع سنوات داخل المعتقل، أخبر (كول) أنهم
استجوبوه منذ سنتين، وهناك قال له أحدهم أنه يعلم ببراءته، إلا إن
ذلك لم يغير من الأمر شيئًا، فلم يعد لديه أي أمل في الخروج لعلمه
بأن ليست هناك دولة سترغب في استقباله بعدما أمضى كل تلك المدة في
(جوانتانامو).
حاولت (كول) ذات مرة منعه عن إضراب الطعام الذي شارك به جميع
المحتجزين ولكنه لم يتخل عن زملائه، وحاولت مرة أخرى حثه على حسن
السلوك ليستمتع بالمزايا التي ينالها المعتقلون المطيعون، إلا إنه
أعلن لها أنه لن يقوم باتباع التعليمات التي تملى عليه أبدًا.
مَن السجين، ومَن السجّان؟
“ألا ترغبين في الحديث؟ أنتم دائمًا كذلك، لا أدري لماذا لا تحبون
التكلم معنا، نحن وأنتم عالقون هنا معًا، إنه أمر ممل لنا جميعًا“.
أعلن (علي) منذ البداية لـ(كول) أن كليهما عالق داخل تلك الجدران،
وأكد على ذلك لاحقًا القائد الأعلى عندما أخبرها أنه يمقت المكان
ولكنه مجبور على المكوث فيه.
الأمر كله جاء نتيجة تجاهلها لنصيحة قائدها في اليوم الأول “لا
تتحدثي معهم”، أقحمت (كول) نفسها في علاقة صداقة مع أحد المعتقلين،
وتعاطفت معه إلى الحد الذي جعلها تذهب في شكاية أحد زملائها لقيامه
بإهانة (علي) انتقامًا منها بعدما لاحظ تقربها منه.
العلاقة التي جمعت بين (علي) و(كول) بعيدة كل البعد عن الانجذاب
العاطفي، بل هي أقرب إلى التعاطف الإنساني بعيدًا عن اختلاف اللغة
والجنس والدين، فالعلاقة التي بدأت بالعداء وكانت (كول) هي صاحبة
اليد العليا فيها تحولت لسيطرة على عقلها من قبل (علي) الذي وصف
علاقتهما “أنا وأنتِ في حالة حرب”.
في المشهد قبل الأخير -وتأكيدًا على فكرة تبادل الأدوار- تصور
الكاميرا من داخل زنزانة (علي) من زاوية مرتفعة، فبدت (كول) لقربها
من فتحة الزنزانة على الجانب الآخر والدموع تملأ عينيها كما لو
كانت حبيسة، ساعد في ذلك ضآلة حجمها بالنسبة إلى (علي) الذي ساعد
كادر الكاميرا في إعطائه حجمًا أكبر.
انتهى الفيلم بنهاية مفتوحة من النوع الذي لا يخبرك الكثير؛ ولكن
يتركك مع عدة تساؤلات: هل نجح (بيتر ساتلر) في مجابهة الواقع؟ مَن
الذي حظى بالجانب الأكبر من تعاطفك (علي) أم (كول). مَن السجين،
ومَن السجّان؟
هذه الأسئلة قد تكون تبدو أجوبتها سهلة وبسيطة، بينما يظل سؤالاً
واحدًا يضغط على أعصابك دون إجابة: أين العدالة؟
لمشاهدة تعليقات طاقم الفيلم حوله. |