منذ البداية لا بد من التأكيد على أن ما يمكن تسميته بـ «المدرسة
الوثائقية» في السينما اللبنانية تبدو متقدمة جداً، وهي ربما تكون،
في بعض المعايير، أكثر تقدماً في مجملها من مجمل السينما الروائية
اللبنانية ولا سيما كما تتجلى هذه خلال سنوات الجدب الأخيرة منذ
تحولت الأفلام التي تحمل اسم لبنان مجرد حلقات تلفزيونية من الدرجة
العاشرة. وتقدم السينما الوثائقية اللبنانية ليس جديداً ولا هو
عارض. بل إنه حاضر وملموس منذ أربعين عاماً على الأقل، أي بالتواكب
مع ظهور السينما اللبنانية الأكثر تطوراً على أيدي مارون بغدادي
وبرهان علوية ورندة الشهال وجوسلين صعب وجان شمعون وغيرهم. صحيح أن
معظم هؤلاء كانت طموحاتهم الأولى روائية، لكنهم إذ باغتتهم الحرب
في العام 1975، لم يجدوا أمامهم إلا الانصراف إلى تحقيق أعمال
وثائقية، إما تحت ضغط الظروف أو القصور التمويلي، أو الرغبة في
مواكبة الأحداث العاصفة. وثمة ما يشبه الإجماع في هذا السياق، على
أن ثمة على الأقل فيلمين كبيرين سجلا بداية ازدهار هذا النوع من
السينما، هما «لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء» لبرهان علوية، و
«تحية إلى كمال جنبلاط» لمارون بغدادي، على الرغم من أنه كان سبق
لكل من هذين أن حقق وثائقيات أخرى، وعلى رغم أن هايني سرور وجوسلين
صعب كانتا قد دخلتا الميدان بقوة. والآن إذا ما تذكرنا أن علوية
صور فيلمه حينذاك في مصر عن عمرانيّها الكبير حسن فتحي وتجاربه في
«البناء مع الشعب»، يبقى من المشروع لدينا القول أن «تحية» مارون
بغدادي للزعيم الراحل كمال جنبلاط كانت البداية الكبرى للمدرسة
التي أشرنا إليها. واليوم بعد نحو أربعة عقود من السنين، ها هو
فيلم جديد عن جنبلاط يوصل السينما الوثائقية اللبنانية إلى ذروة
جديدة.
الفن والفكر معاً
عنوان الفيلم «كمال جنبلاط الشاهد والشهادة» وهو من إنتاج لجنة
تكريم الزعيم الوطني الراحل، وإخراج هادي زكاك، المخرج والمؤرخ
السينمائي اللبناني الذي بالكاد كان قد ولد حين حقق مارون بغدادي
فيلمه الكبير عن جنبلاط. والحال أن مقارنة سريعة بين الفيلمين
ستكون كافية كي تقول لنا كم تقدمت السينما الوثائقية في لبنان.
فنحن مع فيلم زكاك الذي تزيد مدة عرضه عن الساعة ونصف الساعة أمام
عمل يبدو متكاملاً فنياً وفكرياً، لن يكون من المبالغة القول أنه
يكاد يبدو لمدمني وثائقيات الـ «بي بي سي» وكأنه منتم إليها. إذ
خلال مدة عرضه عرف الفيلم كيف يحكي «كل شيء» من طفولة جنبلاط إلى
اغتياله، من أفكاره إلى صوفيته المتأثرة بالأفكار المسيحية الصوفية
وأفكار كبار المعلمين الهنود، وتوجهاته الأدبية والشعرية، من بيئته
العائلية إلى بيئته الفكرية والسياسية اللاحقة التي جعلت منه
واحداً من الأسماء الكبيرة في السياسة اللبنانية العربية، مروراً
طبعاً بنضالاته السياسية، بما في ذلك تأسيس حزبه التقدمي
الاشتراكي، وحتى العسكرية حين رأى نفسه ملزماً بهذا، عن خطأ يعترف
به أو عن صواب زاد من رصيده التاريخي.
كل هذا منطقي ويكاد يكون عادياً في فيلم يتنطح للحديث عن – أو مع –
رجل من طينة كمال جنبلاط ووزنه. غير أن زكاك الذي كتب سيناريو
الفيلم بنفسه بعد معايشة فكرية لجنبلاط وخلال تجميعه عشرات الوثائق
والشهادات والدراسات عن الرجل، لم ينس للحظة أنه سينمائي حقيقي
عليه أن يظل في أجزاء كثيرة من الفيلم أميناً لسينماه التي صنعها
على مدى سنوات. وكذلك لم يفته أنه وهو يشتغل على الفيلم تحضيراً
وتجميعاً أنه شاب ينتمي إلى هذه البيئة وهذا المجتمع وبالتالي عليه
أن يجعل من فيلمه اكتشافاً لجنبلاط، ولا سيما على الصعيد الإنساني
والفكري، وكذلك عليه أن يطرح حكاية هذا الزعيم نموذجاً للأجيال
الطالعة التي لا تعرف بالتأكيد عن جنبلاط إلا القليل. وهكذا، فيما
كان زكاك يشتغل على فيلمه، كان من الواضح أنه يشتغل أيضاً على نفسه
في مجال اكتشافه الخاص لرجل متميز، بدا معه وكأنه يجيب على ذلك
السؤال الطريف الذي طرحه في فيلم «بيروت الغربية» الفتى الذي كانه
المخرج زياد دويري على أخيه وهما في أحد مشاهد الفيلم يسيران في
جنازة جنبلاط نفسه ويرددان شعارات تندد باغتيال السوريين له: «من
هو هذا الشهيد؟» فيجيبه أخوه: لست أدري.
انفتاح على المستقبل
من الواضح اليوم مع فيلم هادي زكاك أن كمال جنبلاط لم يعد مجهولاً
للأجيال التي ولدت بعد استشهاده. وهذا ما يدفعنا إلى القول هنا أن
مزايا هذا الفيلم الرئيسية أنه فيلم يفتح على المستقبل بقدر ما
يفتح على الماضي والحاضر. ومع هذا نجح زكاك في أن يتفادى اللغة
التعليمية البسيطة. نجح في أن يحقق عملاً يفور بالسينما وبالقدرة
على تشغيل اللغة السينمائية إلى حدود لنقل بصراحة إنها قليلاً ما
وسمت السينما الوثائقية من قبل في لبنان. فهنا أمامنا سينمائي يدرك
منذ البداية أنه، حتى وإن كان محكوماً بضوابط سياسية وعائلية – ومن
المستحيل عادة النفاد من هذه الضوابط في مجتمعات لم تعهد أن يكون
للنقد والاعتراض مكانهما حين الحديث عن الكبار - فإن في إمكانه أن
يشتغل على البعد الفني لعمله ليقول ما هو مختلف ومميز وإنساني. بدا
زكاك مدركاً أنه بقدر ما هو مهم جمع الوثائق والشهادات والتسجيلات
القديمة، من المهم كذلك معرفة كيفية استخدام هذا كله. بكلمات أخرى:
«ذاتية» هادي زكاك السينمائية تجلت، ولمصلحة الفيلم، بجعله قادراً
على أن يشاهَد كعمل فني من طراز رفيع، كما لمصلحة كمال جنبلاط نفسه
ومشروعه الحضاري الذي قدّم عبر الفيلم بقوة إقناع مدهشة. ومن هنا،
بدت رحلات الفيلم المكوكية بين الماضي والحاضر أشبه بإعداد للقفز
ناحية المستقبل. وبدا استخدام ليتموتيف سيارة المرسيدس البادئة
بالفيلم ثم العائدة فيه بين الحين والآخر ككناية عن رحلة جنبلاط
الأخيرة إلى الموت اغتيالاً في الطريق الجبلي، لعبة سينمائية ذكية
ضافر فيها زكاك بين لغته السينمائية الخاصة ووقائع اغتيال الزعيم
الراحل.
غير أن نقطة الذروة في هذا كله كانت تلك اللقاءات التي أجراها
الفيلم مع عدد من الذين عرفوا جنبلاط وعايشوه بمن فيهم نجله ووريثه
وليد جنبلاط. فالحقيقة أن الدقائق التي حضر فيها الابن ليتحدث عن
أبيه أرتنا وليد جنبلاط مختلفاً تماماً عن صورته العامة... أرتنا
حالة تأملية شكسبيرية بامتياز... وابناً يتمتع بأناقة الكلمة وقدر
كبير من الطرافة والمزج المدهش بين احترام الابن لأبيه من ناحية،
وتقديم نفسه في اختلافه الفكري الذي لا شك أن كمال جنبلاط كان
سيكون من أوائل المعجبين به.
كان هذا كله ما ميّز بقوة فيلماً ولد – وهذه لا بد من قولها- كما
يبدو واضحاً، من ذلك التوتر الخلاق الذي قام على مدى ما يقرب من
ثلاث سنوات بين تاريخ ثمة من يريد الحفاظ عليه بقوة وغيرة دون أن
يمسّ، وفن مبدع – فن السينما – يعرف أن مثل ذلك التوتر هو دائماً
في مصلحة العمل الفني إن كان الفنان يعرف ماذا يريد أن يقول. وفي
اعتقادنا أن هذا التوتر بالذات هو ما أنتج هنا عملاً سياسياً
وفنياً كبيراً سيشاهد ويحب كما تشاهد الأفلام الكبيرة، ومن خلال
ذلك سيعود كمال جنبلاط إلى الساحة سياسياً كبيراً أكثر مما في أي
وقت مضى، وإنساناً لامعاً كما كان دائماً، من دون أي ابتعاد عن
صوره العديدة التي صنعتها مكانته في السياسة اللبنانية والعربية،
أو مكانته الفكرية النابعة من مرجعيات تكاد من دونه أن تنسى في
أيامنا هذه، من الفكر الهندي والصوفي، إلى مبادئ تيّار دي شاردان،
وصولاً إلى تبنيه أفكار وإصلاحات فؤاد شهاب ونضالات جمال عبدالناصر
وغاندي.
«كابتن مصر» يُصر على أن يعيش ... في جلباب أبيه
القاهرة - أمل الجمل
طوال مدة عرض فيلم «كابتن مصر» وفي جميع المشاهد التي يظهر فيها
الممثل الشاب محمد إمام ستظل صورة وشخصية الفنان عادل إمام حاضرة
باستمرار، حتى يُخيل للمتلقي أن الأب قرأ السيناريو مع الابن ووضع
له تصورا لكيفية أداء كل مشهد. إن استحضار الأصل هو أقوى دليل على
ضعف التقليد وعدم القدرة على الإقناع. محمد إمام ممثل جيد، لكنه
يظلم نفسه عندما يُصر على محاكاة والده باستحضار حركاته ولفتاته،
لأنه ببساطة لا يمتلك تلك الطاقة والكاريزما التي يتمتع بها فنان
في قامة وتاريخ وموهبة عادل إمام.
كرة الفقراء
يُعد «كابتن مصر» التجربة الثانية في البطولة لمحمد إمام، بعد
فيلمه «البيه رومانسي» الذي لم يحقق إيرادات تذكر وسط منافسة
الآخرين. لكن ذلك لا يصادر على مستقبله في البطولة، فربما يختلف
الأمر في ظل أعمال تستند إلى سيناريو له بناء درامي قوي، لا يقتصر
طموح مؤلفه على مجرد «إضحاك الجمهور».
كتب سيناريو الفيلم الصحافي عمر طاهر الذي سبق له تقديم مجموعة من
الأفلام الكوميدية مثل «طير أنت» مع أحمد مكي، و «نظرية عمتي» مع
حسن الردّاد وحورية فرغلي، و «يوم مالوش لازمة» مع محمد هنيدي.
يبدأ الشريط الجديد من نقطة بزوغ نجم لاعب في كرة القدم، من مستوى
اجتماعي فقير، كاشفاً الإغراءات التي تحاصره بشكل كوميدي ساخر،
مُعدداً أشكال الابتزاز والاستغلال كافة من جميع أصحاب رأس المال
والسلطة، سواء من أصحاب الإعلانات أو الأندية المنافسة، أو حتى
الجماهير، وغيرها من الأمور التي قد تدمر مستقبل اللاعب.
البداية مبشرة وواعدة بأننا أمام سيناريو قوي، لكن المأزق الذي
يُواجه كثيراً من كتاب السيناريو وصناع السينما أنهم في كثير من
الأحيان يُحسنون اختيار البدايات من دون أي قدرة على مواصلة الطريق
بالقوة ذاتها، إذ سرعان ما نكتشف أن السيناريو اختار الطريق السهل
واكتفى بأن يكون مجرد اسكتشات كوميدية ضاحكة، تعتمد على الإفيهات
اللفظية. صحيح أنها غير مبتذلة لكنها في أحيان كثيرة جاءت غير
مترابطة، مفتعلة في بعض الأوقات. وربما كان هذا تعبيراً عن طموح
مؤلف العمل الذي اعترف في أكثر من تصريح صحافي أن هدفه من الفيلم
هو «إضحاك الجمهور،» وهو هدف نبيل، لكن يظل هناك فارق جوهري بين
الضحك الموقت العابر في أعمال ننساها قبل أن نخرج من باب قاعة
العرض، ومنها «كابتن مصر»، وبين أعمال تجمع بين الضحك وبين القيمة
الإنسانية، وأوضح مثال لها شارلي شابلن.
وتستمر أحداث «كابتن مصر» بعد أن يحقق لاعب الكرة المكافح طموحه في
أن يكون واحداً من أبرز لاعبي كرة القدم في مصر. لكنه فجأة وبسبب
تهوره وإهماله، يصدم بسيارته أمينَ شرطة، فيُحكم عليه بالسجن لمدة
3 سنوات بتهمة القتل الخطأ. هنا يدور أغلب الأحداث في السجن –إلى
جانب بعض مشاهد المطاردات والهروب التي تحاكي ما فعلته قيادات
الإخوان- حيث نتعرف إلى مجموعة من المساجين لكل منهم حكاية مختلفة.
وأثناء فترة العقوبة يستيقظ البطل من نومه على رؤية تجعله يُؤمن
بأن كرة القدم كما أدخلته السجن هي التي ستنقذه وتخرجه من وراء تلك
القضبان ثانية، فيقرر أن يشكل داخل السجن فريقاً محترفاً لكرة
القدم من زملائه المساجين، وينجح في أن يجمعهم على هدفٍ واحد هو
تكوين فريق كروي يحلم بلقاء النادي الأهلي، ولكنه يُفاجأ بفرصة
اللعب أمام فريق ألماني من المساجين.
يذكر تتر الفيلم قائمة بالأفلام الأجنبية والمصرية المقتبس عنها
«كابتن مصر»، وهي لافتة تعترف صراحة بالاقتباس، وتشي بالسخرية ممن
يهاجمون فكرة الاقتباس، لأن الفيصل في النهاية هو الكائن الفيلمي
الجديد، فالسينما في جميع بلدان العالم اعتمدت في كثير منها على
الاقتباس، أحياناً من الأدب وأحياناً أخرى من أفلام قديمة تمت
إعادة إنتاجها –أحياناً- عشرات المرات، كما حدث مع الأفلام
المقتبسة عن كتابات شكسبير.
في «كابتن مصر» تعددت المصادر، ومن بينها فيلم «أربعة اثنين أربعة»
الذي قام ببطولته الممثل الكوميدي الشهير يونس شلبي، لكن الاقتباس
هنا اقتصر على خيط ضعيف جداً، وهي محاولة تشكيل فريق كرة للقدم من
شخصيات لا علاقة لها بالكرة، سواء من السجناء أو من دنيا العوام
ومن الشخصيات المطحونة في الأعمال الدنيا، ومنها صانع الأحذية
مثلاً. لكن يظل الخط الأساسي لفيلم «كابتن مصر» مقتبساً من فيلم
كوميدي ناجح أُنتج في السبعينات بعنوان «The
Longest Yard»
عن أحد نجوم كرة القدم المتهورين الذي يُلقى القبض عليه، وأثناء
قضاء فترة العقوبة يُرغم، بسبب ضغوط مدير السجن، على تدريب وإعداد
فريق من المساجين كي يلعب مباراة مع فريق حراس السجن. وهو الفيلم
الذي أُعيد إنتاجه بنجاح أيضاً مرتين، إحداهما عام 2001، والثانية
2005، ونجاح الأعمال الثلاثة يستند في المقام الأول – مثل أي عمل
سينمائي حقيقي– على سيناريو مكتوب بمهارة وإتقان، سيناريو قادر على
رسم شخصياته، بما فيهم البطل والبطل الضد، بقوة ويجعلها تتطور من
تلقاء نفسها بذلك التطور الذي يقنع المشاهد، لكن السيناريو في حالة
«كابتن مصر» أسقط -عمداً أو سهواً- رسم شخصية البطل الضد، ما أضعف
العمل فنياً.
الحلول السهلة
ومن بين هنات السيناريو اعتماده على أسلوب التعليق الصوتي من خارج
الكادر، وهو أسلوب يتميز بالضعف والاستسهال، فالكتاب يلجأون إليه
بسبب عدم القدرة على صياغة مشاهد بصرية سينمائية في زمن وجيز، كذلك
توظيف الفلاش باك ليلقي الضوء على الشخصيات وظروفها وأسباب دخولها
السجن، كما أن السيناريو أخطأ في البناء الدرامي للشخصيات، ووقع في
فخ التناقض أحياناً، مثلما يتضح في دور طبيب النساء والتوليد، الذي
يوحي مظهره وسلوكه وتصرفاته أنه لا يحب النساء ثم يتضح بعد ذلك أنه
زير نساء.
عوامل كثيرة توافرت أمام صناع الفيلم كان من شأنها أن تضمن لهم
إنتاج فيلم لا يُنسى –لو توافر السيناريو المختلف– فالعمل يضم
توليفة من الوجوه الجديدة الكوميدية، بعضها حقق نجاحاً إلى حد كبير
في أعمال سابقة، خصوصاً عندما تم توظيفها لخدمة النجم بطل الفيلم،
كما فعل هنيدي في «يوم مالوش لازمة»، مثل علي ربيع، وأحمد فتحي،
ومحمد سلام، وطاهر أبو ليلة، ومؤمن نور وممثلين آخرين، مثل بيومي
فؤاد وإدوارد وخالد سرحان، إلى جانب الكبار، مثل حسن حسني وهالة
فاخر، لكن في أدوار تقليدية نمطية، إضافة إلى اختيار ضيوف الشرف من
الشخصيات الحقيقية، مثل اللاعب مجدي عبد الغني صاحب الهدف الوحيد
لمصر في كأس العالم، المعلق الرياضي الكابتن محمود بكر، وأبو
حفيظة، والإعلامي شريف عامر، ونجم الإعلانات «حسن يا جماله».
وإذا وُضع في الاعتبار أن كرة القدم من أكثر الأشياء القادرة على
حشد الجماهير بشكل جنوني، لما فيها من إثارة وجاذبية وتشويق،
وأضفنا إلى تلك الخلطة الطابع الكوميدي الساخر، فهذا يعني أننا
سنكون أمام عمل فني جماهيري منقطع النظير، فهل حقاً نجح «كابتن
مصر» في ذلك؟ أم أنه يكتفي بأن يكون أحد أفلام الـ «تايك أواي»
التي ستُنسى بعد الخروج من دار العرض السينمائي؟!
حفصية حرزي: أفضّل البطالة على تمثيل دور غير مقنع
باريس – نبيل مسعد
< اشتهرت التونسية المولودة في جنوب فرنسا حفصية حرزي عام 2007 وهي
بعد في العشرين من عمرها، بفضل مشاركتها في الفيلم الناجح «الحب
والسمك» لعبداللطيف كشيش، إذ سمح لها دورها الصعب فيه باستحقاق
جائزة «سيزار» أفضل أمل في السينما الفرنسية، ثم جائزة مرادفة لها
في مهرجان البندقية.
وتوالت العروض السينمائية لاحقاً لحرزي فظهرت في فيلم «فجر العالم»
للمخرج العراقي عباس فاضل، كما اختارتها المغربية سعاد البوهاتي في
فيلمها «فرنسية» لتقمص شخصية فتاة عربية الجذور مولودة في فرنسا
ومضطرة فيما بعد إلى الإقامة في المغرب مع عائلتها. وعملت حرزي تحت
إدارة السينمائي برتران بونيلو في فيلمه «أبولونيد»، ثم في «منبع
النساء» لرادو ميهالينيو، وفي «رجل وكلبه» لفرانسيس هوستير الذي
أسند إليها أيضاً بطولة مسرحية «ماريوس وفاني وسيزار» من إخراجه،
وأخيراً تولت الدور الرئيسي في فيلم «حلال بشهادة» للجزائري محمود
زموري، وهو فيلم يروي التبادل بالخطأ الذي يدور بين عروس جزائرية
في قرية صغيرة وفتاة جزائرية أخرى مقيمة في فرنسا تناضل في سبيل
حقوق المرأة، وتتردد إلى الجزائر لزيارة عائلتها فتجد نفسها في
مأزق صعب.
ويتعرض الفيلم للواقع الاجتماعي النسائي في الجزائر ولوضع المرأة
العربية في الغرب، وذلك في شكل فكاهي على رغم جدية مضمون الحبكة.
ولمناسبة نزول الفيلم إلى دور العرض، التقت «الحياة» حفصية حرزي في
باريس وحاورتها.
·
ما الذي أثار اهتمامك في فيلم «حلال بشهادة»؟
- شهرة المخرج محمود زموري كانت بمثابـــة دافع أول وأساسي لقبولي
المشاركة في الفيلم قبل حتى أن أقرأ السيناريو. فالرجل أخرج في
الماضي مجمـــوعة من أجمل الأعمال السينمائية الجـــزائرية
والفرنسية الجزائرية المشتركة. وأنا فـــرحت لكونه قد فكر في منحي
أحد أدوار فيلمــه الجديد، ولم أغير رأيي بعد قراءتي النص، بل على
العكس وجدت الحبكة ذكية وفكاهية في آن معاً، وأعجبتني شخصية الفتاة
الجزائرية المقيمة في فرنسا والمناضلة في سبيل حقوق المرأة، التي
تجد نفسها في مناسبة زيارة عائلية إلى الجزائر، حبيسة عائلة ثانية
تخلط ما بينها وبين عروس ابن العائلة وتخطفها. والفيلم يثير أكثر
من سؤال حول وضع المرأة العربية في بلدها وفي الغرب أيضاً. وقد دار
التصوير في جو عائلي بين فرنسا والصحراء الجزائرية، وتعامل زموري
معي كأنني ابنته تماماً، بمعنى أنه شجعني ووبخني في آن معاً، وذلك
من أجل الدفع بي إلى تقديم أفضل ما عندي. وأنا سعيدة بمشاركتي في
هذا العمل وأعتبر نتيجته أكثر من جيدة فوق الشاشة.
·
هل ترفضين بعض الأدوار المطروحة عليك؟
- أنا في الحقيقة أرفض منها أكثر مما أقبل لأنني بكل بساطة لا أرغب
في تكريس صــورة الفتاة المغتربة التي تعاني من ألـــف مشكلة
ومشكلة في الغرب فتجد نفسها مضطرة إلى ممارسة الدعارة أو تعاطي
المخدرات. لذا أتمعن في قراءة النصوص التي تصلني وأسعى إلى حسن
إدراك أبعاد الشخصية المطلوب مني تمــثيلها أمام الكاميرا. وإذا
وجدت هذه الأخيرة عربية سلبية تنازلت عنها بلا أي تردد إذ إنني
أفضل البقاء فترة طويلة بلا عمل على أن أشارك في عمل لا يرضيني.
·
ما هي إذاً مقومات النجاح بالنسبة إلى ممثلة عربية في الغرب وفق
رأيك؟
-الذكاء ثم مثلما ذكرته تواً، عدم قبول أي عرض مغر يأتي، والحرص
على حسن قراءة السيناريوات قبل الموافقة عليها، والصبر، إذ إن
انتظار الدور الجيد هو شيء أفضل من التهافت على دور لا يستحق
الاهتمام.
فنان حرفي ومهني
·
كيف عشت تجربة وقوفك فوق خشبة مسرح أنطوان الباريسي العريق بإدارة
المخرج والممثل الفرنسي الكبير فرانسيس هوستير؟
- منحني فرانسيس هوستير الدور النسائي الأول في فيلمه «رجل وكلبه»
فتقاسمت البطولة مع جان بول بلموندو الذي عاد هنا إلى السينما بعد
توقفه سنوات طويلة بسبب إصابته بجلطة في المخ. وحدث لي الشرف طبعاً
بالعمل إلى جوار عملاق مثله، غير أنني اكتشفت فيه كل سمــات الرجل
الإنساني الحنون والمتواضع إضــافــة إلى الفنان الحرفي المهني
العظيم. لقد نصحني ورعاني وكأنني ابنته. وأنا عشت في هذه المناسبة
تجربة فنية إيجابية تركت بصماتها على شخصيتي كامرأة وكفنانة. وقبل
ذلك شاركت في مسرحية من إخراج هوستير أيضاً مأخوذة من الأدب
الفرنسي الكلاسيكي هي «فاني وماريوس وسيزار» لمارسيل بانيول. وهنا
أديت دور فتاة فرنسية من مرسيليا، الأمر الذي أفرحني إلى أبعد حد
لأنني نشأت في هذه المدينة وأعرفها عن ظهر قلب وأعود إليها في شكل
دوري لزيارة عائلتي، ثم إنني أجيد التحدث بلكنتها المميزة. وقد
شكلت مسرحية «فاني وماريوس وسيزار» أول تجربة لي فوق الخشبة بعدما
تابعت بعض الدروس الفنية في كونسرفاتوار الفنون المسرحية في باريس،
وذلك في شكل مواز لتحصيلي الجامعي في كلية الحقوق.
·
لماذا درست الحقوق إذا كان اتجاهك هو الفن؟
-لأنني شعرت بأنه لا بد لي من أن أتعلم مهنة حقيقية قد تسمح لي
بكسب لقمتي إذا حدث وتوقفت عن التمثيل في يوم ما، لأنني على دراية
تامة بكون العمل في الفن عادة ما تسوده التقلبات وبأنه قد ينتهي
بين يوم وليلة.
·
وهل فتحت تجربتك المسرحية شهيتك على الاستمرار في هذا الميدان؟
-لا، فعلى رغم أنني خرجت من هذه التجربة مسرورة لم أشعر أبداً
بالرغبة في معاودتها، وأستطيع التأكيد الآن أنني ممثلة سينمائية
أولاً وأخيراً، أعشق الكاميرا وأميل إلى إعادة المشهد مرات ومرات
إلى أن يطابق رغبة المخرج في شكل كلي، على عكس المسرح الذي لا يعطي
الممثل أدنى فرصة للإعادة إذا أخطأ نظراً إلى وجود المتفرج في
القاعة مباشرة.
مثل دي نيرو
·
ما هي ذكرياتك عن أول أفلامك «الحب والسمك» بإدارة عبداللطيف كشيش؟
- كشيش هو أول من اكتشف قدرتي على الأداء التمثيلي المتنوع،
وبالتالي منحني بطولة فيلمه «الحب والسمك» وعاملني وكأنني صاحبة
خبرة طويلة أمام الكاميرا طالباً مني اللعب بمظهري وزيادة وزني 15
كيلوغراماً من أجل هذا الدور. وقد شعرت حينذاك أنني فنانة كبيرة
مثل روبرت دي نيرو الذي صار بديناً من أجل تقمصه شخصية الملاكم جيك
لاموتا في فيلم «الثور الهائج» لمارتن سكورسيزي. لقد دفع بي كشيش
إلى التحدي وإلى تعدي قدراتي المزعومة والبحث في أعماق نفسي عن
إمكانات أقوى، وفعلت، وهذا الشيء هو الذي سبب نجاحي في الدور
المعني ولفت انتباه أهل المهنة إلى وجودي في الساحة السينمائية.
·
هل تأملين معاودة العمل مع عبداللطيف كشيش إذاً؟
- سأخوض قريباً جداً أول تجربة فنية لي كمخرجة سينمائية، وكشيش هو
الذي سيتولى إنتاج فيلمي، وأنا أعتبر مثل هذا الشيء بمثابة تطور
هائل في علاقتنا الفنية أنا وهو.
·
كيف تصفين هذا الفيلم؟
- كتبت الفيلم من الألف إلى الياء على النمط الفكاهي إذ إنني أعشق
الكوميديا عموماً، وحاله حال أي عمل مضحك سيتعرض الفيلم لمشاكل
حقيقية يعيشها أبطال حبكته، وهذا ما صار تماماً في فيلم «حلال
بشهادة».
العودة إلى الواجبات المنزليّة بعد الضحك
بيروت – فجر يعقوب
في فيلمه الجديد «يوم مالوش لازمة»، يظهر محمد هنيدي أميناً للأداء
الذي عوّد عليه جمهور - «الكوميديا الخفيفة» -. فهو كما في أفلامه
السابقة، يطلّ متخلفاً عامين تقريباً عن الظهور على الشاشة، بعد
فيلمه «تيتة الرهيبة» 2012، متذرعاً بالظروف والتقلبات السياسية
والأمنية التي تمرّ فيها مصر. يمكن تأمل حال النجم الكوميدي من هذه
الزاوية، إذ يبدو أنه يعيش أزمة التكرار والأداء النمطي التي أشبع
بها جمهوراً لا يبحث سوى عن التسلية والترفيه والضحك، وهذا حقّه
بالطبع، لأن واحداً من أهداف صناعة الأفلام هو الإمتاع والتسلية.
ولكنّ «ترفيهاً عن ترفيه» يفرق كثيراً كما يُقال. ومع هذا، فإن
هنيدي يحافظ في آدائه على مستويات تفتقد الى التلوين والحرارة
والاختلاف في هذا النوع الكوميدي الخفيف.
إيقاع مضبوط
مخرج الفيلم أحمد الجندي، وكاتب السيناريو عمر طاهر، لا يضيّعان
إيقاع الفيلم. بالعكس، فإن كان ثمة نجاح له فهو في هذا الإيقاع،
الذي وضع هنيدي في بعض المطارح على سكة الكوميديا التي يبحث عنها،
وإن كانا يحشران فيها بعض «بهارات» الإضحاك المتعمّد، وهذه واحدة
من سلبياته التي تودي به أحياناً، الى إضافات يمكن التغلّب عليها
وحذفها، إذ تبدو زائدة وتضفي عليه ترنحاً وثقلاً ملازماً كما في
حال اختيار بعض الأولاد والممثلين السمينـــين. كذلك في الحشو غير
المبـــرر الذي لا يجد تفسيراً عادلاً له. فالمنتخب الأفريقي،
مثلاً، الذي لا يحمل هوية محددة، يبدو وكأنـــه زيادة ثقيلة على
الفيلم لا أهميـــة لها في مواجهة مشجّعي الزمـــالك، الذين
يتحوّلون لسبب ما وكـــأنهم ناطقون باسم النادي المـــصري المشهور،
مع تعذّر إشـــراكه في الأحداث.
في قصة الفيلم، الذي حقّق أعلى الإيرادات في عرضه في مصر، قبل أن
يصل أخيراً الى الصالات اللبنانية، نتابع المحاسب يحيى (محمد هنيدي)
الذي يعود من إحدى دول الخليج بغية عقد قرانه على مها (ريهام
حجاج)، في خلطة زواج تقليدي. مها التي تبحث في غوايات هذا الزواج
ومسلّماته الكثيرة، يجب هنا أن تظهر – للمصادفة – في عيادة للتجميل
بغية إزالة تجعيدة من جبينها في يوم الحفل. يظهر دكتور العيادة
بأداء هزلي فارط. لا نفهم إن كان هو في صالون للحلاقة أم في مقصورة
للمجانين. الإيحاءات التي يقوم بها، تشي بذلك. قد لا يبدو هذا
تأويلاً مناسباً في حالة الفيلم. من الواضح أن المخرج يريد القول
إن مها فتاة تقليدية تغرق في الشكل، وإن اقترانها بيحيى لا يخرج عن
هذا السياق. تفشل عملية إزالة التجعيدة، وبدلاً منها يظهر انتفاخ
محلّها ستتكئ عليه حتى نهاية الفيلم، بغية انتزاع ضحك المشاهدين
مـن دون أن يعني ذلك شيئاً للزوج المنتظر. هناك، صديقتها التي
ترافقها في هذا اليوم المشهود، وبالطبع هناك سامح ابن خالة يحيى.
ونعثر هنا على الكاراكتر المكمّل للبطل، الذي يسعى الى محاولات
إسعاده والمرافعة عنه في مطبّات الاستعداد لحفل الزفاف، فيوقعه في
متاعب لا تحصى. يحيى مهيأ لما هو أكثر من ذلك. يجب أن يبدي
استعداداً فيزيائياً للقيام بأفعال تتناسب مع الحدوتة. هنا تظهر له
بوسي (روبي). حبّ قديم عابر في حياته لم يشغل باله به كثيراً. لكن
بوسي التي تظهر له في هذا اليوم التاريخي، لن تتركه يهنأ بزفافه
الى مها، فستحوّل استعداداته الى ندم غير متوقع، وتنغّص عليه فرحه
مــن طريق الإيحاء بفروض الحب الرومانسي المجنون والمفقود. كـــل
محاولاته للتخلّص منها تـــبوء بالفشل. من دون ذلك، لن يكون هناك
طعم للكوميديا التي يلهث الجميع وراءها: يحيى وأمه وسامح ومها
وأكثم شقيقها وأمها ومتعاطي المخدرات ومشرف الفندق ومدير الأمن
ومخرج الحفل الفني والضيوف. ربما تكمن الإشراقة الوحيدة في اللغة
السينمائية هنا، إذ سرعان ما يحول مخرج عمليات البث المباشر على
شاشة كبيرة للمدعوين، الى نقد مريع لبرامج تلفزيون الواقع والفضائح
التي تنجم عنها عادة. يلجأ المؤلف والمخرج الى الاستعارة، ويقدمان
«العار» التلفزيوني بصراحة. ربما يغدو هذا صحيحاً في مكان ما،
ولكنه يفتقد الى الجدة في مكان آخر. لا يمكن التنصّل من الأداء
التلفزيوني الواضح لروبي وريهام حجاج. وربما لم ينجُ الآخرون أيضاً
بنسب متفاوتة. من الواضح، أن مشاركات سابقة كثيرة لهما في أعمال
تلفزيونية مختلفة، تركت تأثيرات واضحة في الميل الدرامي عندهما.
عنصريّة
ليس مفهوماً حضور المنتخب الأفريقي في هذه الليلة بالذات، وما شأن
الحفل به. يفاجئنا المخرج بمدرّب المنتخب يملي على مشرف الفندق،
تعليمات ساخرة. طلبات مبالغ فيها لجهة الأكل والإقامة، لإغراق
الجمهور بالضحك، من دون أن نعثر على المباراة المفترضة، اذ سيقتصر
النزال الكروي على مجاز تمثيلي في حفل الزفاف مع مشجّعي نادي
الزمالك كما أسلفنا، وهو نزال يُفهم منه سلوك عنصري تجاه أعضاء هذا
المنتخب الضيف من دون قصد. لا يمكن تمرير هذه «المحسنات» الكوميدية
من دون التدقيق بها. ليس من وظيفة الدراما أن تترك الأحداث من دون
تشذيب.
من الظلم بالطبع، وصف فيلم محمد هنيدي الجديد بـ «فيلم مالوش
لازمة» بالاتكاء على عنوانه وحسب. هذا لا يكفي. كل عناصر الفيلم
التي تحتشد فيه، تضعه في قائمة الأفلام الكوميدية الخفيفة التي
يمكن الرجوع إليها ومشاهدتها من حين الى آخر من باب التذكر وبهدف
الابتسام. ولكن من المؤكد، أن الفيلم سيظلّ ينقصه ذلك الدوران من
حول مغزى الحياة، ومغزى الإنسان نفسه إن قرر الدخول في العتمة بهدف
أن يغرق في الضحك. ربما، تكمن المشكلة الحقيقية ليس في الزوائد
والإضافات والمكملات، إن في الشخصيات أو في الأفعال، بل في المغزى
من موقفها من وجودها في فيلم من هذا النوع، لا يزعم أنه يطرح سوى
الضحك والترفيه، ولا يقدم فلسفة لهما. الفيلم غير معني بذلك أصلاً.
قد يتقدم محمد هنيدي في قائمة أعلى الإيرادات في كل فيلم يقدّمه.
ربما اختار من بعد صمت عامين، أن يعيد حساباته كممثل، لكنه هنا لا
يضيف شيئاً جديداً الى أدائه. لا يزال يراهن على التصادم مع محيطه.
مع الأدوات التي يستقدمها ويراهن عليها، مع أنه يحاول هنا أن يقدم
بطولة جماعية سرعان ما يبددها حين يكتشف أنه لا يستطيع سوى الإيغال
بأسلوب لا يتغير. سيحوّل حفل الزفاف الى «همروجة» موسيقية بصرية
فيها كل شيء، وتفتقد الى كل شيء. حتى بوسي التي تغضب و «تموت أكثر
من مرة»، تعود دائماً الى الحفل وتحظى به في النهاية، بعد أن
تتخلّص من مها في موقف فانتازي غير محسوب.
بعض هذه المواقف يبدو غير مفهوم للمشاهد أو لا يمكن تفسيره إلا
بأنه يريد تحريض المشاهد على الضحك، وإقناعه بأن محمد هنيدي قادر
في كل مرة على إسعاده، ولكن بأدوات الكاراكتر نفسه. لن نفهم مغزى
ذلك اليوم الذي ليس له لزوم في حياته، إلا بعد ثماني سنوات حين
نكتشف أن بوسي قد أصبحت زوجته، وأنها أنجبت منه ولداً يقصّ عليه
يحيى كيف تعرّف الى والدته وتزوّج منها. يبدو أنه أعاد عليه القصة
عشرات المرات. هذا ما يطالعنا به الولد النحيل. أما محاولة هنيدي
الجلوس على كرسي خاص بالمقعدين، فتبدو مثل محاولة بائسة لكسر
الإيهام في الفن الملحمي على المشاهد النهوض منه حال الانتهاء،
وهذا ما تفعله به حين تصرخ عليه بوسي أو على المشاهدين – لا فرق –
لينهض، أو لينهضوا ويكمل، أو يكملوا الواجبات المنزلية. |