دليل الشيطان إلى هوليوود:
نصائح أسطى في فن السيناريو (3)
بلال فضل – التقرير
أواصل في هذه الحلقة نشر نصائح كاتب السيناريو الأمريكي الشهير جو
إيزسترهاس للراغبين في كتابة السيناريو، والتي بدأت نشرها في
الأسبوع الماضي، وهي جزء من أحد فصول كتابه الممتع (دليل الشيطان
إلى هوليوود)، وكلها نصائح تأتي منطلقة من تجربته العريضة داخل
هوليوود، ويمزج فيها بين حلول للمشاكل العملية وبين نصائح نظرية
عامة، بأسلوب لا يخلو من السخرية من نفسه ومن مهنته، كما لا يخلو
من تصفية الحسابات مع خصومه داخل هوليوود أيضًا:
ـ إذا أردت أن تكتب قصة بوليسية غامضة، اجعلها غامضة عليك أيضًا.
أعتقد بأن القصة البوليسية الناجحة هي التي تخدع الجمهور، هي القصة
التي لن تختل حتى وإن بدّلت في نهايتها، وتظل فيلمًا مثيرًا مشوقًا
متكامل الأركان. فعلى سبيل المثال، إذا بدّلنا المشهد الأخير من
(غريزة أساسية)، وجعلنا كاثرين تقتل كين، أو حتى جعلنا كين يقتل
كاثرين، فإن الفيلم لن يختل فيه شيء، ولكن النهاية الملتبسة جعلت
الفيلم أكثر مفاجأة. ويصدق الأمر نفسه على فيلم
Jagged Edge،
فإن الفيلم سيظل متماسكًا ومنطقيًا، ولن يختل فيه شيء، إذا اتضح أن
لاعب التنس هو القاتل وليس جيف بريدجز، ولكن عندها لن يكون الأمر
مفاجئًا؛ لذا فقد كان جيف بريدجز الأمثل لدور القاتل؛ لأنه دائمًا
ما يقوم بأدوار الشاب الشعبي الطيب.
ـ إذا كنت تكتب فيلمًا بوليسيًا، فلا بأس من أن تترك الجمهور
متحيرًا في نهاية الفيلم. إذا كانوا متحيرين، فإنهم سيتحدثون
ويتناقشون مع أصدقائهم ومعارفهم حول الفيلم ونهايته. وعند عرض فيلم
(غريزة أساسية)، كان الناس يتناقشون حول ما تعنيه جرّافة الثلج
التي كانت تحت السرير. هل تعني أن كاثرين قتلت مايكل باستخدامها؟،
أم تعني أنها لم تقتله لأنها كانت تحبه والدليل أن الجرافة لا تزال
تحت السرير فهي لم تستخدمها؟. وفي فيلم
Jagged Edge،
اكتشف سيسكل وإيبرت أن الكثير من الناس لم يميزوا تحديدًا من الشخص
الذي كان ملقى على الأرض، عند سقوط القناع في نهاية الفيلم، هل
كان لاعب التنس الذي قام بتجسيده مارشال كولت؟، أم كان جيف
بريدجز؟، ولذلك ذهب الكثيرون لمشاهدة الفيلم مرة أخرى، وبذلك حصد
الفيلم أرباحًا أكثر.
بالتالي؛ إذا تركت جمهورك متحيرًا في نهاية الفيلم، فاعلم أنهم
أعجبوا بالفيلم؛ لأنه إذا لم يعجبهم فلن يذهبوا لمشاهدته مرة أخرى،
وسينصحون أصدقاءهم بعدم مشاهدته وسينتقدونه نقدًا حادًا. أعتقد أن
الناس يعجبهم جدًا أن يتم خداعهم في نهاية أي فيلم بوليسي، بأن
تكون النهاية في اتجاه مختلف تمامًا عما كانوا يفكرون فيه. ولكن،
أعلم أن العديد من المديرين التنفيذيين في شركات الإنتاج سيختلفون
معي؛ فهم يرون أن الجمهور بحاجة إلى نهاية مريحة تجعلهم يغادرون
السينما وهم سعداء؛ نهاية كنهايات المسلسلات التليفزيونية. وأقول
لأولئك المتشدقين بشباك التذاكر إن كلا من
Basic Instinct
و
Jagged Edge
كانت نهايتاهما مفاجئتين، وحققا أعلى الإيرادات أثناء عرضهما.
ـ اشرح كل شيء في السيناريو؛ لا تكن كتابتك مجرد دليل لصناعة فيلم،
بل عملًا أدبيًا متكاملًا، اكذب على نفسك؛ حاول أن تقنعها أنه كما
أن الملايين ستشاهد فيلمك، فإن الملايين أيضًا ستقرأ السيناريو
الذي تكتبه، وبهذا ستكتب نصًا سينمائيًا مثاليًا!
ـ تستطيع أن تسقط مخرج فيلمك بـ “الوقفات” و”الأحوال”؛ عندما تكتب
مشهدًا، حاول أن تتحكم في الوقفات بين الكلمات، حدد وقفات كل شخصية
أثناء الكلام، كأن تكتب “سكت ثلاث ثوانٍ ثم قال”، وعندها سيقرأ
الممثل ما كتبته، وحتما سيتأثر برؤيتك، وسينفذها مهما حاول المخرج
توجيهه لغير ذلك. كما أنك إذا وصفت طريقة الشخصيات في إلقاء
الكلام، كأن تقول “قال بلطف/ بحدة/ بخبث… وغيرها”، فسيقرأها الممثل
وحتمًا أنه سيؤثر في أدائه. وعلى مدار خمسة عشر فيلمًا، لم يكتشف
هذه الخدعة سوى مخرج واحد: إنه كوستا جافاراس، وقال لي “بلطف” بعد
صمت طويل: “أنا المخرج و ليس أنت، أفهمت؟”.
ـ استخدم مكواتك؛ يقول المخرج و كاتب السيناريو بول توماس أندرسون
كاتب ومخرج فيلم (بوجي نايتس)، إن “كتابة السيناريو تشبه كي
الملابس. فأنت تتحرك للأمام و للخلف لتزيل العراقيل”.
ـ الكثير كثير؛ لا تجعل نصك الأصلي قصيرًا و مختزلًا، ولا تقلق إذا
وصل إلى 140 صفحة؛ فإن المنتجين عندهم قناعة، بأن كل ما تكتب قابل
للاقتطاع، في الوقت الذي إذا كان نصك يصل لـمئة صفحة سيتساءلون
“أين باقي النص؟”.
ـ ماذا تفعل إذا كتبت نصًا سينمائيًا طويلًا؟: لا تتبع قواعد
الهوامش. واملأ الصفحة بالكتابة، لن يلحظ القارئ أن الصفحة استغرقت
في قراءتها أكثر من دقيقة (وهي قاعدة معروفة أن الصفحة الواحدة في
أي سيناريو لا تستغرق في قراءتها أكثر من دقيقة)، وهذا ما فعلته في
كتابتي لفيلم
Betrayed؛
فقد كان نصي يحتوي على ثلاثين صفحة طويلة أكثر من اللازم، و لكنه
كان نصًا ممتازًا. والحقيقة أنني لم أرد تدميره عن طريق الاقتطاع
منه أو اختصاره؛ لذلك قمت بالكتابة في الهوامش جميعها. وأثناء
تصوير الفيلم، تلقيت مكالمة من المنتج إيروين وينكلر ليخبرني أنه
تم تصوير نصف السيناريو وأنه من المتوقع أن إجمالي المشاهد التي تم
تصويرها سيستغرق عرضها ثلاث ساعات. واضطررت للسفر إلى موقع تصوير
الفيلم في كندا، وقمت بالاختصار والاقتطاع من النصف الذي لم يتم
تصويره بعد، أنا متأكد أنني حذفت نصف الفيلم بجرة قلم واحدة، لأدرك
أنه من الممكن بالفعل أن تدمر الكتابة في الهوامش أساس الفيلم.
ولكن كما قلت سابقًا، لقد كان السيناريو عظيمًا. لقد قرأه الكثيرون
وأعجبوا به جميعًا، وعندما فشل الفيلم قالوا إن النص السينمائي كان
جميلًا لكن المخرج كوستا جارافراس دمره.
ـ بقدر الإمكان قم بتكثيف السيناريو الذي تكتبه؛ مسكين أنت. يقول
آرثر كريم: “دائمًا ما يكون هناك من يريد ايقاف المفك عن العمل”.
ـ إذا كان نصك السينمائي جميلًا أعد كتابته؛ إن السيناريو الجيد هو
السيناريو الذي رسمت شخصياته رسمًا جيدًا وحُبكت أحداثه، و ليس
مهمًا أن تكون لغته بليغة، فإذا كان أسلوب الحوار أسلوبًا أدبيًا
يتفوق على الأحداث والشخصيات، فإنه في هذه الحالة سيكون النص قصة
قصيرة أو رواية وليس نصًا سينمائيًا، وفي فن كتابة السيناريو كلما
كانت اللغة بسيطة كلما كان أفضل.
ـ لا بأس من تكرار نفسك في السيناريو؛ هناك قاعدة سينمائية قديمة
تقول: لماذا تستخدم الشيء مرة واحدة، بينما تستطيع استخدامه أكثر
من مرة؟
ـ اختر أسماء شخصياتك طبقًا لوقعها؛ في فيلم (غريزة أساسية) أسميت
المحقق “نيك كوران”؛ لأنني كنت أرى أن هذا الاسم سيجعل الشخصية
جميلة وحادة في الوقت نفسه، كما أسميت البطلة “إليزابيث تراميل”؛
لأنه يعطي انطباعًا بالأرستقراطية والترهيب في الوقت نفسه. اعتقدت
شارون ستون أنني أسميتها “تراميل” نسبة إلى “الكفن في الميثولوجيا
الأسكوتلاندية”، وحيّتني على ذكائي، و لم أصحح لها اعتقادها في
البدء، ولكن لأنني مجري الأصل، لم أستطع أن أمنع نفسي من ألا أصحح
لها، لأقول إنني أسميت شخصيتها على اسم آلان تراميل، أحد لاعبي
البايسبول المفضلين لديّ.
والحق أنني أسميت العديد من شخصيات أفلامي على أسماء لاعبي
البايسبول المفضلين لديّ؛ فعندما أشرع في الكتابة، أضع موسوعة
البايسبول على مكتبي لأختار منها أسماء شخصياتي. كما أنني اعتدت
أيضًا على اختيار أسماء قديمة وتقليدية لشخصيات أفلامي؛ أعتقد أن
أسماء مثل بيرت وأوستين ودايلانز وحتى جاجرز، هي أسماء تكررت
كثيرًا على الشاشة الفضية. وأعتقد أن اسمًا مثل “جاك” هو اسم صالح
لكل العصور. بينما اسم كـ “دايلانز” قد ينتهي خلال عامين، ويصبح
اسمًا غير عصري، ويتم استبداله بأسماء كـ “آشر أو إيمينم”.
ـ لا تطلق على شخصيات أفلامك أسماءً لأغراض شخصية؛ لقد أسميت شخصية
النذل في فيلم
F.I.S.T
باسم توم فيل، وهو اسم رئيس تحرير جريدة
Cleveland Plain Dealer
الذي كنت قد اشتبكت معه في الماضي، عندما كنت أعمل مراسلًا في نفس
الجريدة التي يترأس تحريرها. لقد كنت أبتهج من فكرة أن هذا الرجل
الذي كان السبب في فصلي سيرى نفسه على الشاشة في صورة شخص سيئ و
شرير. ولم أكن أعلم وقتها أن شركات الإنتاج تتعاقد مع شركات بحثية
للبحث عن أسماء جميع الشخصيات التي يحتويها نص الفيلم. وأرسلت
الشركة تقريرًا يقول: “توم فيل كان رئيس جو إسترهاز في جريدة Cleveland
Plain Dealer
وقام بفصله”.
ـ لا تسم أبدًا إحدى شخصيات أفلامك على اسم حبيبك أو حبيبتك؛ لقد
تعلمت الدرس وقد كان مؤلمًا. لقد أسميت بطلة فيلم
Showgirls
“نومي ميلون” بهذا الاسم؛ لأنه كان “اسم الدلع” لزوجتي في طفولتها،
كما أنني أناديها به في اللحظات الأكثر عاطفية. ولم أنادها بهذا
الاسم ثانية، خاصة بعد أن ظهرت إليزابيث بيركلي وهي عارية لزوجتي،
في موقع التصوير قائلة لها: “أهلا يا نومي.. أنا نومي”، وبالطبع لم
أنادها بذلك الاسم أيضًا، بعد أن أصبح
Showgirls
أحد أفشل الأفلام في تاريخي السينمائي.
ـ بعض الأسماء تجعلك تضحك بشدة؛ ففي كل مرة يظهر فيها مذيع النشرة
في فيلم
Jagged Edge،
كانت عينة الجمهور التي تشاهد الفيلم قبل عرضه تضحك بشدة، ولم نعرف
سببًا لذلك الضحك إلى أن غيرت اسم المذيع، فقد كان اسمه في السابق
ديك وأصبح اسمه توم، وأخبرني أحد أصدقائي المنتجين أن اسم بيتر
أيضًا يجلب الضحك لصالات العرض.
ـ ويمكنك اللعب في بعض الأسماء؛ كانت الناقدة جانيت ماسلين دائمًا
ما تتحامل عليّ بالنقد في جميع أفلامي. وعندما قمت بكتابة فيلم
(آلان سميثي: احترقي هوليوود احترقي)، أبدعت شخصية خيالية لناقدة
سينمائية تكره أعمال كاتب سيناريو يدعى جو إسترهاز، وأسميتها جانيت
ماسلين. ولكن، الشؤون القانونية في الشركة المنتجة للفيلم، طلبوا
مني تغيير اسم الشخصية الخيالية جانيت ماسلين، وبالفعل غيرت الاسم
لـ ” شيلا ماسلين، ثم إلى شيلا كاسلين”. وتأكدت بنفسي أن المخرج
اختار لهذا الدور ممثلة فائقة الجمال.
ـ تستطيع أن تختار أسماء شخصياتك ببعض الذكاء؛ ففي فيلم
Silver
كانت إحدى الشخصيات تتحدث في الهاتف صائحة: “أنت خسيس حقير قذر يا
مايكل. أنت منافق يا مايكل. أنت عار على البشرية يا مايكل”. ألا
تلاحظ تكرار اسم مايكل هنا في الحوار. السر ببساطة: أنني قبلها
بأربع سنوات كنت قد طردت وكيل أعمالي مايكل أفيتز.
ـ كيف تتعامل مع انقطاع الإلهام وتوقف الكتابة؟ الفياجرا هي الحل.
أخبرني أحد كتاب السيناريو الذي لن أذكر اسمه بالطبع، عن قصته مع
التوقف عن الكتابة، أثناء قيام كاتبنا بكتابة أحد السيناريوهات،
توقف عن الكتابة ولم يستطع أن يكمل السيناريو، فقام بأخذ حبة
فياجرا، وقال في نفسه إذا نجحت الفياجرا في أمر، فلا بد وأنها
ستنجح في الأمر الآخر، وبعد أخذه للحبة لم يتغير الأمر ولم يستطع
الكتابة، لكن الفياجرا عالجت الأمر الذي أنتجت من أجله، ولم تعالج
حالة التوقف عن الكتابة لدى كاتبنا، فتحدث الكاتب إلى صديقته وذهب
إليها، ولكن بمجرد وصوله تشاجرا، وترك منزلها غاضبًا بعد مشاجرة
عاصفة، ووصل إلى بيته وجلس على كرسيه محاولًا استكمال نصه، لكنه لم
يستطع، نام الكاتب على سريره، وأخذ يفكر لماذا لا يستطيع الكتابة،
وبعد دقائق وجد الكاتب نفسه يستطيع الكتابة وليس الأمر الآخر.
ـ حاول ألا تكتب في حوارك تلك العبارات الرنانة التي يمكن أن
يرددها أي أحد ولا تحمل أي ابتكار فني؛ إذا كتبت ذلك النوع من
العبارات، فإن ذلك سيكون دون قصد منك، سوف تخرج منك تلك العبارات
كجزء من وجدانك. خلال مسيرتي الفنية التي بلغت خمسة عشر فيلمًا،
كتبت من قبل جملتين تقليديتين شهيرتين أو غير شهيرتين، إحداهما في
فيلم
Flashdance
تقول: “لو بطلنا نحلم، نموت”، والأخرى في فيلم (فتيات الاستعراض)،
تقول: “ما هو شعورك وأنت وحيد ولا تجد من يطرق بابك؟” وبعد عشرين
عامًا من كتابتي تلك العبارة في فيلم Falshdance
أخبرني كاهن الكنيسة التي أتردد عليها، أن تلك العبارة كانت ملهمة
له طيلة حياته.
ـ لا يستطيع أحد أن يتوقع أن تصبح جملة في حوار فيلم، جملة دارجة
تتكرر على الألسنة؛ كان المسؤولون في الشركة المنتجة لفيلم
Jagged Edge
يعتقدون أن الجملة الأخيرة في الفيلم ستتكرر كثيرًا على الألسنة
وستصبح جملة دارجة يرددها الناس. فبعد معركة دامية وحامية بين جيف
بريدجز وجلين كلوز، نظر روبرت لوجيا إلى جثة جيف الملقاة على الأرض
قائلًا: “عليه اللعنة، كان خسيسًا” لم يتذكر أحد هذه الجملة، وأغلب
الناس لم يسمعوها من الأساس أثناء مشاهدتهم الفيلم.
ـ اقرأ لنفسك الحوار بصوت عالٍ؛ عندما ترى أنك قد أكملت كتابة
السيناريو، قم بالترتيب لقراءة السيناريو بحضور أصدقائك ومن تثق في
آرائهم، فكلما قرأت الكلمات التي كتبتها، كلما ازدادت رغبتك في
تعديلها وتجويدها حتى تكون صحيحة تمامًا.
ـ قم بتشغيل شريط الكاسيت الذي سجلت فيه الحوار؛ عندي قناعة بأن
أولئك الكتاب الذين يقودون سياراتهم في ضواحي وشوارع لوس أنجلوس،
بلا هدف يفعلون ذلك، لأنهم استمعوا إلى الأشرطة التي سجلوها
لأنفسهم، وهم يقرؤون الحوار الذي قاموا بكتابته.
ـ أنت أفضل من شريط التسجيل؛ يقول بادي تشايفسكي: “أريد أن أجد
شريط تسجيل ماهر في قراءة السيناريو مثلي. الكتابة هي أن تجعل كل
ما تكتب وكأنه يسقط من رأسك مباشرة”.
ـ إصبع القدم المكسور كحل آخر لانقطاع الإلهام والتوقف عن الكتابة؛
اشترت لي زوجتي من أحد معارض الفنون حجرًا منقوشًا، عليه عبارة “Writer
block”
-أو انقطاع الكاتب عن الكتابة- وكنت أضعه دائمًا على مكتبي، وفي
يوم من الأيام، كنت أعاني من انقطاع الإلهام والتوقف عن الكتابة،
فقمت بضرب سطح المكتب بقبضتي، فوقع الحجر على إصبع قدمي الأكبر،
لقد كان يؤلمني ألمًا شديدًا، وضعت عليه ثلجًا ولكن دون جدوى، وظل
يؤلمني ألمًا أشد، ذهبت إلى الطبيب، فقال لي إن الإصبع مكسور، ولم
يكن لدى الطبيب ما يفعله لي سوى أن يقوم بوضع ضمادة على الإصبع
المكسور، ويقوم بلصقه مع الإصبع المجاور له، وعدت إلى المنزل وجلست
أمام مكتبي، فوجدتني فيما يشبه المعجزة أكتب. وبعد هذا الحادث بست
سنوات، لا يزال إصبعي الأكبر يؤلمني في الأوقات التي يكون فيها
الجو باردًا، وأخبرني الطبيب أنني أعاني من التهاب في مفصل الإصبع،
وبالطبع قد تطول فترة انقطاع الإلهام وتقصر.
ـ إذا وجدت عنوانًا جيدًا لفيلمك، فاعلم أنك قد قطعت نصف الطريق؛
عنوان الفيلم أمر مهم، ويؤثر على الإيرادات، على الرغم من أن
الطريق إلى العنوان الجيد أو حتى الرديء، قد يكون ملتويًا، أو حتى
مليئًا بالعوائق.
اتفق الجميع في شركة الإنتاج على أن عنوان فيلم
F.I.S.T
هو اسم مثالي. ولكن، الفيلم نفسه لم يكن جيدًا، لقد كان
Flashdance
أيضًا عنوانًا عظيمًا، وكان السيناريو الأصلي للفيلم من كتابة توم
هيدلي، وقمت أنا بإعادة كتابته، كعادة معظم نصوصه السينمائية التي
أعدت أنا كتابتها، وكان عنوان الفيلم من اختيار توم هيدلي. لقد كان
Jagged Edge
أو الحد المسنون عنوانًا جيدًا، ولكنه لم يكن من اختياري، كنت قد
اخترت
Hearts of Fire
أو قلوب النار عنوانًا للفيلم، ولكني كنت مخطئًا، فلم يكن هذا
الاسم مناسبًا لهذا النوع من الدراما، وكان
Jagged Edge
من اختيار أحد مساعدي الإنتاج الذي فحص السيناريو إلى أن وصل إلى
هذا الوصف لسلاح الجريمة: “سكين ذات حد مسنون”. وقمت بعدها
باستخدام اسم
Hearts of Fire
لأحد أفلام الوك أند رول التي كتبتها، وقام ببطولته وقتها بوب
دايلان. ولكنه لم يفلح أيضًا، ولم يشاهد أحد الفيلم. لقد كان
الفيلم سيئًا، لدرجة أنه بالفعل قتل مخرجه وصديقي ريتشارد ماركواند.
لقد كان عنواني المفضل في أفلامي، هو
Telling Lies in America
أو حكي الأكاذيب في أمريكا؛ وهو فيلم غير تقليدي عن شاب مجري يطمح
في أن يكون كاتبًا. وكان العنوان الأصلي للفيلم هو
Magic man،
وقمت بتغيير الاسم ليصبح
Telling Lies In America؛
مما جعل المديرين التنفيذيين بشركة الإنتاج لا يلاحظون أنه نفس
السيناريو الذي قرؤوه من عشر سنوات ولم يوافقوا عليه؛ لذلك فإن
السبيل الوحيد للتحايل على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بشركة الإنتاج
ولتجنب التقارير المتعلقة بهذا السيناريو، هو تغيير عنوان الفيلم.
نعم لقد احتلت على شركة الإنتاج، ولكن الاحتيال أعطاني أفضل أسماء
أفلامي على الإطلاق. ما الذي تتوقعه من شاب يربح الملايين من تأليف
القصص، أي من اختلاق الأكاذيب. وكان أسوأ العنواين التي اخترتها
لأفلامي هو
An Alan Smithee Film: Burn Hollywood
Burn؛
فهو عنوان طويل جدًا وغبي جدًا وغريب وشاذ، ولكنني أحد القلائل
المعجبين بالفيلم والكارهين لاسمه. ختامًا، دعني أقول إن الرب أوحى
لي بعنوان أحد أفلامي وأكثرها نجاحًا، كنت في طريقي إلى شركة الشحن
الشهيرة (فيديرال إكسبريس) حاملًا في يدي ظرفًا أصفر مغلقًا يحوي
سيناريو فيلم
Love Hurts
حتى أقوم بإرساله إلى وكيل أعمالي، و بينما أنا أسير جاء بخاطري
عنوانًا آخر للفيلم، ألا وهو
Basic Instinct.
فعدت إلى المنزل سريعًا، وفتحت المظروف، وبدلت ورقة الغلاف وكتبت
على الورقة الجديدة
Basic Instinct
(غريزة أساسية).
“ولا
تدخلنا في التجربة”.. في فيلم
Prisoners
جنة عادل – التقرير
أبانا الذي في السموات
ليتقدس اسمك،
ليأتِ ملكوتك،
لتكن مشيئتك،
كما في السماء كذلك على الأرض،
أعطنا خبزنا كفاف يومنا،
واغفر لنا ذنوبنا و خطايانا،
كما نحن نغفر أيضًا لمن اخطأ وأساء إلينا،
ولا تدخلنا في التجربة،
ولكن نجنا من الشرير
لأن لك المُلك والقدرة والمجد الآن وإلى الأبد.
آمين.
بتلك الصلاة، يبدأ المخرج الكندي “دينيس فيلنوف”
Denis Villeneuve
فيلمه المدهش “Prisoners”،
أو”السجناء” من إنتاج العام 2013، عن قصة العبقري الأمريكي “آرون
جوزيكوفسكي”
Aaron Guzikowski
، وكأنه بذلك يضع الفكرة الرئيسة أو الـ”تيمة” العامة للفيلم أمام
المشاهد منذ اللحظة الأولى.
على ملصق الفيلم كتب “إن رجلًا فقد كل شيء، لقادر على فعل أي شيء”،
وخلال الأحداث، يجسد النجم “هيو جاكمان”
Hugh Jackman
التطبيق الفعلي لتلك العبارة.
تبدأ الأحداث أثناء احتفال أسرتين أمريكيتين معًا بعيد الشكر، تجمع
الأسرتين صداقة قوية كما يبدو من تعامل أفرادهما معًا، وتخيم أجواء
احتفالية حميمية على الجميع حتى يكتشفوا أن الصغيرتين “آنا” و”جوي”
اختفوا ، بعد أن كانتا تلعبان بالقرب من شاحنة متوقفة أمام منزل
قريب.
يبدأ الهلع في السيطرة على الجميع، يتصل “هيو جاكمان”
Hugh Jackman
أو “كيلر دوفر” بالشرطة بينما يبدأ “تيرانس هووارد”Terrence
Howard
أو “فرانكلين برتيش” في البحث عن الفتاتين بالقرب من البيت.
منذ تلك اللحظة وحتى نهاية الأحداث تقريبًا، تسيطر حالة من الكآبة
والتوتر على جميع الشخصيات، وتنتقل ببراعة منهم إلى المشاهد عبر
الأداء المتميز لطاقم الفيلم، لاسيما “جاكمان”، و “جاك جلينهول”
Jack Gyllenhaal
أو المحقق “لوكي” الذي يظهر على ساحة الأحداث، ويوكل إليه متابعة
قضية الفتاتين.
تشير أصابع الاتهام إلى “آليكس جونز” الذي يؤدي دوره النجم
Paul Dano،
وهو شاب متأخر عقليًا، يحيا مع عمته “هولي جونز” بالقرب من
الأسرتين، وهو صاحب الشاحنة إياها، يستجوبه “لوكي” فلا يصل معه
لشيء، ولكنه كذلك لا يتسطيع التخلص من إحساسه بتورط الفتى في
اختطاف الصغيرتين.
من هذه النقطة تبدأ “التجربة” التي ستجعل من شخصيتي “كيلر” و”لوكي”
انعكاسًا لإحداهما الأخرى، فكلاهما -وإن اختلف الدافع- يبحثان عن
تحقيق العدالة بعودة الصغيرتين ومحاسبة الجاني، وكلاهما لا يملك
سوى حدسه دليلًا لإدانة “آليكس”، ولكن طريقة كل منهما لتحقيق غايته
ستختلف كثيرًا.. كثيرًا جدًا.
فبينما يتمسك “لوكي” بالقواعد المهنية للبحث والاستجواب والتحقيق،
ويستميت في محاربه شياطينه الداخلية كما يقولون، تخرج التجربة أسوأ
ما في “كيلر” ليتحول لشخص قاس عنيف دموي، وتتلاشى الرحمة من قلبه
بينما يتشوه مفهومه عن الصواب والخطأ سريعًا.
يقرر “كيلر” اختطاف “آليكس” الذي يتأكد من تورطه في اختفاء
الفتاتين، وتعذيبه حتى يعترف بمكانهما، يطلب المساعدة من
“فرانكلين” الذي يرفض في البداية، ثم يوافق على مضض علّهما يتوصلا
لما قد يساعدهما في الوصول للفتاتين.
مع تطور الأحداث، نرى التوحش الذي يصيب “كيلر” ويمحي تمامًا صورة
الأب المحب والرجل المتدين التي ظهر بها في البداية، ليحل محلها
صورة أقل آدمية.
يكتشف “كيلر” تورط “هولي جونز” عمة آليكس التي تؤدي دورها النجمة
“ميليسا ليو”
Melissa Leo
فيلاحقها، ليكتشف في النهاية أنها هي من قامت باختطاف الفتاتين،
ضمن مجموعة من الأطفال، وأن “آليكس” نفسه كان أحد ضحاياها يومًا.
تمر الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم “كيلر” و”لوكي” بذات الصراع
النفسي، ذات “التجربة”، فقط تختلف مساحة وطريقة التعبير عن ذلك
الصراع على الشاشة، أما في حالة “كيلر”، يصبح هذا الصراع مباشرًا
واضحًا للمشاهد، لنرى تحوله من الأب المحب المسيحي الملتزم الذي
يعلق الصليب في سيارته ويرسم السمكة على لوحتها المعدنية، ويتلو
الصلوات في كل حين، إلى ذلك المجرم الذي يعذب شخصًا مدفوعًا بغضبه
الشخصي ورغبته في تحقيق العدالة من وجهة نظره، ما يجعله يجد نفسه
فيما بعد عاجزًاعن إتمام الصلاة، تحديدًا الجزء القائل “واغفر لنا
ذنوبنا و خطايانا، كما نحن نغفر أيضً لمن اخطأ وأساء إلينا”،
ونلاحظ هنا أن بالرغم من تحوله العنيف، إلا أنه لا يملك إلا أن
يعترف لنفسه أن تلك التغيرات لا تؤهله لطلب المغفرة.
أما عن شخصية “لوكي”، فقد اعتمد كلا من “فيلنوف” و”جلينهول” على
الرمزية ولا سواها في تجسيد صراعاته، بدء من الرعشة التي كانت تصيب
عينيه كلما ازدادت الضغوط من حوله، والتي ترمز لمعركته الداخلية مع
شياطينه الخاصة، والتي يحرص كل الحرص على أن يخفي منها أضعاف ما
يبدي، وحتى الوشوم التي تغطي جسده والتي تشي بماضي سيئ، لم يشر
“لوكي” إليه إلا اقتضابًا في مشهد واحد فقط، يعترف فيه بأنه أودع
مؤسسة قانونية لرعاية الأحداث وهو صغير، تلك الوشوم التي تعمد
إخفاءها في المشاهد التي تعامل فيها مع ذوي الطفلتين، بينما تعمد
إبرازها أثناء تحقيقه مع المجرمين والمشتبه بهم.
كذلك وشم النجمة الثمانية على عنقه، والتي ترمز للإلهة “عشتار”،
ربة الحب والجمال والتضحية، والتي لم يعادل جمالها سوى مكرها
وقدرتها على الوصول إلى مبتغاها، ما يشير لأنه ليس تجسيدًا للخير
الخالص.
وتستمر الرمزية في الخاتم الذي يرتديه “لوكي” والذي يحمل رمز
الماسونية، وإن كانت الماسونية كلمة سيئة السمعة نظرًا لما يحيط
بها من غموض، إلا أن الماسونية ذاتها تقوم باختصار على فهم العلاقة
بين الخالق والمخلوق، بغض النظر عن الديانة، فهو “هندسة الكون” إن
جاز التعبير، وهو الشيء الذي يمثله “لوكي” في الفيلم، فبينما يحيط
“كيلر” نفسه بالعديد من رموز المسيحية ويردد الصلوات بانتظام،
بينما يفشل في الاختبار الحقيقي ويتحول وحشًا، يبدو “لوكي”
بمحاولاته المستمرة للالتزام بالقيم الإنسانية والمهنية، أقرب لفهم
“هندسة” الله لتلك المتاهة التي وجدا نفسيهما فيها.
كما تستمر الرمزية في القلادة التي وجدها “لوكي”، والتي تعود لزوج
“هولي” الراحل، والتي تحمل رمز المتاهة، والتي ظهرت في مشهد آخر
بجوار ورقة كتب عليها “إنه المتاهة لتعود للبيت”، وهي الرسالة التي
كتبتها ” هولي” للطفلتين أثناء اختطافها لهما للتلاعب بعقليهما،
وهو ما كانت تفعله مع كل ضحاياها، في إشارة للتجربة التي يجب عليهم
المرور بها.
الفيلم الغني بالتفاصيل والرموز يتجاوز فكرة فيلم الجريمة والتشويق
-وإن كان يحققها بنجاح تام-، ليحمل بعدًا فلسفيًا يلازم المشاهد
منذ اللحظة الأولى، وحتى بعد أن يغادر قاعة السينما، فالفيلم الذي
يحمل عنوان “السجناء”، لا يشير للفتاتين المختطفتين ومن سبقهما من
أطفال، وإنما لشخصيات الفيلم جميعًا، فمحور الفيلم ليس حادث
الاختطاف نفسه، وهو ما يتضح في المساحة الزمنية الضيقة جدًا
المفردة له على الشاشة، وإنما يستخدم صانعو الفيلم الحادث كبوابة
يعبرون منها لرصد التحول الهائل الذي يطرأ على الشخصيتين
الرئيسيتين “لوكي وكيلر”، باعتبارهما رمزًا للإنسان بوجهيه الطيب
والشرير، وسلوكه عندما يتعرض لما لا قبل له به، وهو ما يتسبب في أن
يتحول أحدهما “كلير”، وحشًا، ولكن يبقى هذا الوحش في النهاية،
أسيرًا لإرادة الرب التي تفصح عن نفسها رويدًا رويدًا، حتى تتحقق
كاملة، حتى “هولي جونز” التي تقول أنها تشن حربًا على الله بما
تفعل، تبقى أسيرة لإرادة الرب التي تقضي في النهاية بهروب إحدى
الطفلتين، ما مهد لانكشاف أمرها وهلاكها، ليربح الله الحرب في
النهاية، وهي الفكرة التي يرسخ لها الفيلم، الله يربح دومًا، ربما
لا يسلك أقصر الطرق لذلك ولا أقلها إيلامًا أو أكثرها توقعًا،
ولكنه يربح دومًا، وفي النهاية، تتحقق مشيئته على الأرض، كما تحققت
في السماء. |