فيلم «بعيدًا عن الحشد المجنون»
(Far From The Madding Crowd)
يعود إلى صالات السينما من جديد. ليس بنسخة مرممة أو معادة من فيلم
المخرج البريطاني الراحل جون شليسنجر المقتبس بجدارة عن رواية
توماس هاردي الأشهر، بل من تحقيق المخرج الدنماركي توماس فنتربيرغ،
ومن إنتاج
«BBC Films»
البريطانية مع كاري موليغان وماثياس شوونيارتس ومايكل شين. وهناك
جمهور عاشق للأفلام الدرامية المأخوذة عن أعمال أدبية، وجمهور
موازٍ للأعمال التاريخية ذات الديكورات المميزة بطابع تلك الفترة
وبتصاميم الملابس التي تبدو كما لو أنها مستوردة من المتحف
التاريخي في وسط لندن.
لكن الفارق الأول بين الفيلمين هو أن - والأهم في جوانب عدّة - هو
أن نسخة 1967 السابقة تمتعت بمدة عرض وصلت إلى ثلاث ساعات وثماني
دقائق، في حين أن نسخة 2015 الحالية تتثاءب عند الدقيقة الـ119.
احذف منها 7 أو 8 دقائق من الأسماء والمعلومات الواردة في نهاية
الفيلم فيكون الناتج نحو ساعتين إلا بضع دقائق. الأهمية هنا مزدوجة
المنحى، شليسنجر في فيلمه الأتقن لم يرد أن يحذف أي تفاصيل درامية
أدبية خشية أن يتعرّض الأصل إلى التشويه. استند إلى سيناريو وضعه
الكاتب فردريك رافاييل واعتمد عليه.
كان «بعيدًا عن الحشد المجنون» ثاني عمل بينهما بعد «دارلينغ» من
بطولة جولي كريستي التي قامت ببطولة «بعيدًا عن الزحام المجنون»
أيضًا. ورافاييل هو ذاته الذي كتب لاحقًا «عينان مغمّضتان باتساع»
الذي حققه ستانلي كوبريك سنة 1999.
الأهمية الثانية هي أن تقصير المدّة بنحو ساعة، يعكس حالة
المشاهدين أنفسهم.
خرج الفيلم الأول لجمهور ملم أكثر من جمهور اليوم. آنذاك، كانت
الاقتباسات الأدبية الكلاسيكية (من جين أوستن إلى أغاثا كريستي،
ومن غراهام غرين إلى جورج أوروَل ود. ه. لورنس أكثر إنتاجًا مما هي
عليه اليوم. وإذا ما خرجت أفلام حديثة عن أعمال سابقة ففي الكثير
من الحالات يكون الاقتباس مناسبة لاستعارة الفكرة وتطبيقها بروح
عصرية متغرّبة كما حدث مع رواية «إيما» لجين أوستن (منشورة سنة
1815) التي تحوّلت إلى ترفيه مع موسيقى نطناطة بعنوان «بلا دليل»
(Clueless،
سنة 1995).
*
وقت غير كافٍ
فيلم فنتربيرغ الحالي لا ينتمي إلى تلك الاستعارات، بل يحافظ على
المصدر حتى وإن ضحّى بقدر من الأمانة لروح العمل وأغراضه الأدبية.
استمد توماس هاردي العنوان من شعر لتوماس غراي يعود إلى عام 1751
بعنوان «مرثاة كتبت في ساحة كنيسة البلد». ففي مقدّمتها سطر يقول:
«بعيدًا عن الكفاح الحقير للحشد المجنون». الرواية (من 57 فصلا)
وهي مروية بأسلوب هاردي التفصيلي من لدن وجهة نظر غيبية (طرف ثالث)
في حين أن الفيلم الجديد يبدأ بصوت بطلة الرواية/ الفيلم باثشيبا
(كاري موليغن) تمهيدًا لما سيلي. وما سيلي في خلاصته حكاية وُصفت
أيامها بأنها سبقت عصرها من حيث تأييدها للمرأة مستقلة وصاحبة
قرار. لكن الكاتب اللاحق هنري جيمس انتقد شخصية باثشيبا، معتبرًا
إياها أنانية وغير مفهومة الدوافع. ومن الصعب الاستقرار على حكم
هنا إلا بقراءة جديدة للرواية الطويلة إياها، ذلك لأن هدف توماس
هاردي المؤكد هو أنه أراد تقديم حكاية امرأة ذات إرادة قويّة وحزم
فاعل تجد أن خير وسيلة للدفاع عن نفسها، في مجتمع ريفي ذكوري، هو
الالتزام بمواقفها، سواء أكانت صائبة أم خاطئة. في غمار ذلك، لا
بأس إذا ما شغلت قلوب مريديها وأبرزهم ويليام (مايكل شين في النسخة
الحالية) وغابريال (ماثياس شوونيارتس) حتى من بعد زواجها من تروي
(توم ستوريدج). في نهاية الرواية، كما إلى حد في نهاية الفيلم،
تعود إلى رشدها وتدرك أخطاءها وتداويها.
هناك مطارح في هذا الاقتباس غير مفهومة علما بأن الرواية تتطرّق
إليها. مثلاً لا يوجد، في الفيلم، المبرر المفهوم (ناهيك بالمقبول)
الذي يدفع باثشيبا للزواج من تروي.
لذلك، دور كاري موليغن، وقبلها جولي كريستي، صعب. هاردي كتب
الشخصية بمتّسع من الوقت والكلمات لكي تتطوّر من وضع لآخر ولو بعد
حين. الفيلم في تلخيصه ليس لديه الوقت الكافي لذلك، هذا عوضا عن أن
تشخيص باثشيبا يقبل أكثر من وجهة فهي مجال مفتوح للابتكار. كريستي،
في النسخة السابقة، فهمت الشخصية على نحو أفضل. عرفت أن باثشيبا هي
امرأة لعوب وجسورة، لكنها ليست رخيصة. موليغن لم تؤدها برخص طبعًا،
لكنها جذبتها إلى واقع كل يوم ومنحتها تشخيصًا معاصرًا.
*
صياغة مشاعر
في المواجهة ذاتها بين أسلوب المخرج شليسنجر وأسلوب المخرج
فنتربيرغ يمكن فهم منحى الأول وكيف أنه يوائم اختيار كريستي من
سلوكها في أداء تلك الشخصية. شليسنجر أراد الأدب في العمل، بينما
عمد فينتربيرغ إلى الحالة التي تطرح عناوين كبيرة مربوطة بالحاضر
على صعيد وضع المرأة في المجتمع. صحيح أنه لا يزال يحكي عن أحداث
وقعت في الزمن الفيكتوري، لكن من باب الولوج إلى نيل إعجاب
المشاهدات في زمن المساواة الجنسية بين الرجال والنساء (وهو زمن لم
يبلور وضعًا مثاليًا بالطبع، لكنه يختلف بالتأكيد عما كان الحال
عليه حتى قبل بضعة عقود، فما البال بنحو ثلاثمائة سنة أو أكثر؟).
هذه الترجمة للزمن المعاصر وردت أيضا في نسخة شليسنجر في
السبعينات. كان لا بد لها أن ترد لأنها مضمون مهم في الرواية
وشخصيتها أساسًا. لكن همّ تقديم شخصية امرأة مستقلة ومتحررة بقي،
هناك، ضمن طيّات الاستعارة من النص الأدبي وليس بالمعايشة المعاصرة.
بإقرار الفيلم الجديد أن تقوم بطلة الفيلم بقراءة تعليق على ما يرد
أو سيرد، يكون المخرج دفع المشاهد ليتوقع كل شيء من العبارات
الواردة في الدقائق الأولى من الفيلم.
وفي حين أن حب راعي الأغنام غبريال (يؤديه بلكنة غير موفقة
شوونيارتس) في الرواية الأصلية حدث من النظرة الأولى (نعم، كان هذا
يحدث كثيرًا) فإن حيلة الفيلم الجديد لمعالجة هذا الإحساس الجامح
تأتي مبتورة ما يدل، وليس للمرّة الأولى، على أن ما يمكن صياغته
بالنص المكتوب، لا يمكن اختزاله بالكاميرا لأن هذه أقرب إلى الحياة
من أي فن تعبيري آخر والحياة ليس فيها من عروض زواج مفاجئة إلا من
بعد تمهيد وهنا التمهيد غير كافٍ.
كل ذلك ويلتقي مع الكيفية التي صاغ بها الكاتب هاردي روايته، والتي
لا يمكن لأحد أن يصوغها بالطريقة ذاتها أولاً لثراء تفاصيلها،
وثانيًا لصعوبة فهم منطلقات شخصيّة بطلتها والموافقة على قراراتها
حتى من بعد العودة عنها. إنها رواية تستمد أهميّتها من ذلك التشخيص
الجلي للحكاية حول شخصية تتحدّى الحدود المرسومة لها بالهرب إلى
الأمام، وترتكب في هذا الهدف أخطاء عاطفية عندما تمنع قلبها من
التجاوب مع الحب الحقيقي الذي ينتظرها (ممثلاً بشخصية غبريـال) ثم
لتجد، وكما كتب هاردي بنفسه (وكرر الفيلم الحالي) أنه «من الصعب
لامرأة أن تعبّر عن مشاعرها (مستخدمة) الكلمات التي ابتكرها الرجال
للتعبير عن مشاعرهم».
بوليوود تغزو هوليوود بممثليها ومخرجيها
العصر الذهبي لصناعة الأفلام الهندية
نيودلهي: براكريتي غوبتا
مع انطلاق صناعة الأفلام الهندية إلى الساحة العالمية، شرعت
بوليوود كذلك في غزو هوليوود.
ومع تنامي الروابط بين صناعة الأفلام في كل من الهند والولايات
المتحدة، لم يكن من قبيل المفاجأة توقيع ممثلة بوليوود برييانكا
تشوبرا عقدًا مع شبكة تلفزيون «إيه بي سي» الشهيرة للاضطلاع بدور
البطولة في عمل فني جديد بعنوان «كوانتيكو». وتلعب تشوبرا دور
عميلة لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في مدينة كوانتيكو،
تحمل اسم أليكس ويفر.
المعروف أن «إيه بي سي» سبق وأن أنتجت أعمالاً بارزة مثل «كاسل» و«مودرن
فاميلي»، إلا أن هذه المرة الأولى التي تستعين فيها الشركة بممثل
هندي للقيام بدور البطولة. اللافت أن كيلي لي، نائبة الرئيس
التنفيذي للشركة سافرت إلى الهند لمقابلة تشوبرا بنفسها وتوقيع
العقد. وتشارك برييانكا حاليًا في تصوير العمل الذي يشارك فيه معها
دوغراي سكوت وأونجانو إليس وجيك مكلوكلين وتيت إلينغتون وجوانا
برادي وغراهام روجرز وياسمين المصري وبريان سميث.
كانت برييانكا قد حققت قفزة كبرى بمجال الغناء على الساحة
العالمية، حيث أحرزت أعمالا لها مثل «إن ماي سيتي» و«إجزوتيك»
نجاحًا كبيرًا بالدول الغربية. وفي عام 2009، أصبحت أول ممثلة
هندية تؤخذ بصمة قدمها في متحف سالفاتوري فيراغاماتو الشهير في
فلورنسا بإيطاليا. كما حققت خطوة كبيرة أخرى بعالم الموضة عام
2013، حيث أصبحت أول عارضة هندية يجري تمثيلها من جانب دار «غيس»
الأميركية للملابس. وقد علق الرئيس التنفيذي للدار، بول مارتشيانو،
على الأمر بقوله: «برييانكا تذكرني بصوفيا لورين في شبابها وكبار
نجمات الخمسينات».
وعلى دربها، سارت ممثلة أخرى من بوليوود وهي نيمرات كور التي وقعت
عقدًا للمشاركة للموسم الرابع في مسلسل «هوملاند» الأميركي.
ويثبت فوز جميلتي بوليوود بمثل هذه الأدوار البارزة في أعمال فنية
أميركية أن العرق لا يمكنه دفن الموهبة. وفي تعليقها على تجاربها
الفنية الأميركية، قالت نيمرات: «كانت مرضية للغاية، فقد كان شرفًا
لي المشاركة في أعمال بها كلير دينيس وماندي باتنكين، وقد صورت
مشاهد رائعة».
ويعتبر فيلم «سلمدوغ مليونير» الذي حاز ثماني جوائز أوسكار وحقق
أكثر من 100 مليون دولار في شباك التذاكر، أول من فتح أعين هوليوود
على الإمكانات الفنية الهندية وصناعة الأفلام بها. وبدأ ممثلو
بوليوود في المشاركة بصورة متزايدة في أفلام هوليوود.
وبعد مشاركته في أعمال هوليوودية بارزة مثل «مايتي هارت» و«سلمدوغ
مليونير» و«ذي إميزينغ سبايدر مان» و«لايف أوف باي»، تحول ممثل
بوليوود إرفان خان لواحد من الأسماء الفنية العالمية وأحرز نجاحًا
كبيرًا في الغرب. وشارك في فيلم الخيال العلمي والمغامرات «جوراسيك
وورلد» المقرر طرحه في دور العرض في يونيو (حزيران) المقبل. ومن
المقرر أن يشارك في عمل هوليوودي آخر يضطلع خلاله بدور محوري يحمل
اسم «إنفرنو» الذي يقوم ببطولته توم هانكس.
ومع دمج هوليوود للمزيد من الشخصيات الهندية والآسيوية في قصصها،
يتطلع النجوم الهنود حاليًا نحو الغرب. وتعد تينا ديساي واحدة من
الممثلات النادرات التي نجحت في ترك بصمة في صناعة الأفلام بكل من
بوليوود وهوليوود في الوقت ذاته.
ولدى سؤالها حول ما إذا كانت تسير على خطى إرفان خان، أجابت:
«بالتأكيد آمل في ذلك. في الواقع، عندما يسألني الناس أيا من
الصناعتين أختار، أجيب بأنني أود فعل ما يفعله (إرفان)».
من ناحية أخرى، سيشاهد الجمهور قريبًا سوارج شارما، في فيلم مع جون
هام بعنوان «ميليون دولار آرم»، بعدما أبهر الجماهير بأدائه في
فيلم «لايف أوف باي». وخلال عام 2014، شارك للموسم الرابع في مسلسل
«هوملاند» التلفزيوني.
وبعد تاريخ في بوليوود استمر ثلاثة عقود، شارك ممثل بوليوود
الموهوب أنيل كابور، في أول أعماله التي تعرض في هوليوود، «سلمدوغ
مليونير». كما شارك في المسلسل التلفزيوني «24» الذي حقق نجاحًا
كبيرًا على المستوى العالمي حيث لعب دور عمر حسن، رئيس جمهورية
كاميستان الإسلامية (الخيالية). أيضا شارك في فيلم «ميشن إمبسيبل -
غوست بروتوكول» مع النجم توم كروز، وكذلك في فيلم الإثارة «سيتيز»
مع النجمين كليف أوين وأورلاندو بلوم.
ومن عساه أن ينسى فريدة بنتو التي انطلقت لعالم الشهرة بمشاركتها
في «سلمدوغ مليونير» عام 2008، وأكسبها دورا في فيلم «رايز أوف ذي
بلانيت أوف إيبس». والمثير أنه قبل انطلاقتها الهوليوودية، حاولت
المشاركة في بوليوود، لكنها تعرضت للرفض بسبب أدائها غير التقليدي.
ومؤخرًا، تلقت بالاك شوكلا، التي تتمتع باسم بارز في عالم الموضة،
عرضًا من المخرج الفرنسي باتريك جان، بعدما شاهد أول مشاركة لها في
فيلم إنجليزي قصير بعنوان «بابا آند ذي بيبس». وقد انبهر جان
بأدائه وقال عنها إنها: «ممثلة ذكية ومثالية لأي دور».
ويعتبر أوم بوري أحد أوائل الممثلين الهنود الذين يشاركون في أعمال
فنية غربية، حيث لعب دورًا في المسلسل التلفزيوني البريطاني «ساماد
مياه إقبال إن وايت تيث». كما شارك في الفيلم البريطاني «ذي بارول
أوفيسر»، علاوة على أعمال هوليوودية مثل «إيست إز إيست» و«ذي غوست
آند داركنس» و«سيتي أوف جوي». ويعد أوم بوري رائدًا في بوليوود فتح
الباب أمام الممثلين الهنود في الغرب.
وبجانب ممثلات مثل إيشاواريا باتشان، شاركت نجمة بوليوود ماليكة
شيروات في مشروعات عالمية. كما شارك نصير الدين شاه في فيلم «ذي
ليغ أوف إكسترا أوردينري جنتلمين» بطولة شين كونري.
ولا يقتصر الأمر على الممثلين، حيث يضطلع مخرج ومنتج بوليوود
البارز فيدهو فينود تشوبرا بأول تجربة له في هوليوود بعنوان «بروكين
هورسيز» ويتناول حرب المخدرات على الحدود الأميركية - المكسيكية
عبر قصة شقيقين بفكرين مختلفين. وقد قضى تشوبرا (62 سنة)، في السفر
إلى نيو مكسيكو وأريزونا وتكساس للإعداد للفيلم، بجانب خمس سنوات
في التعمق في القصة.
وبذلك، تحول الهنود الآن إلى دور المسيطر الحقيقي داخل هوليوود
أمام وخلف الكاميرا. |